لماذا أحرقوا المصحف؟
لأنَّ القرآن يدخل في تفاصيل حياة المسلم، فيحكم حياته، ويضبطها، بخلاف الإنجيل والتوراة فلم تعد تحكم حياة الناس في الغرب، وإنَّ نصر كلام الله يكون بأخذه والتمسُّك به، والاستقامة على الدين، واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسل
معاشـــر المسلمين، كلنا سَمِع وشاهد، وقرأ وتابعَ تلك الإساءة السافرة، والجريمة المنكرة التي أغضبتِ الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها وجنوبها، مِن تَطاوِل ذلك الملحد العفن، والزنديق النتن، العراقي أصلًا، السويدي تجنيسًا، حيث قامَ مَدفوعًا لِحرق كتاب الله العظيم وإهانته، والتطاول عليه والإساءة إليه، بمنظرٍ تقطعت له قلوب المؤمنين غَيظًا، واشتعلتْ به أفئدة المخلصين حرقةً وألمًا، وما ازداد أهل الإيمان بعد ذلك إلا يقينًا بما هم عليه وتَبصُّرًا، وثباتًا على الحق وتمسُّكًا.
فَلَئِنْ أحرق هذا الزنديق مصحفًا، فالقرآن عند أهل الإيمان محفوظٌ في صدورهم، يتلونه آناء الليل وأطراف النهار بألسنتهم، يتدبرونه ويفسرونه في مجالسهم {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت: 49]، وفي صحيح مسلم عن الصحابي عِيَاضِ بن حِمَار رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: «أَلا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ، مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا..» »، وَذَكَرَ مِمَّا عَلَّمَهُمْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «وأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا ويَقْظَانَ».
فمهما بلغتم -أيها الأعداء- في الكفر والإساءة والفجور، موتوا بغيظكم، فكلام الله محفوظ بالصدور، على مر الأيام وتعاقب الدهور، وتقلب الأحوال والأمور، فها هم حُفَّاظ كتاب الله يزدادون في مشارق الأرض ومغاربها، وها هي المصاحف وتفاسيرها تطبع بالألوف، وها هم الناس يزدادون إقبالًا يومًا بعد آخر على كتاب الله الذي لا نهاية لعجائبه، ولا استيفاء لأسراره، ولا انقضاء لغرائبه، ولا تُخلق جدَّتُه، ولا يمله قارئه ومستمعه، وسيبقى أبدًا في جماله وجلاله وكماله، كما نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم،{كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 32-33].
ولَئِنْ أحرقَ هذا الشقي مصحفًا، فما ازددنا في أعدائنا إلا تبصُّرًا، فأين التسامح والتعددية، بل أين الانفتاح والديمقراطية، وأين العدالة والحرية؟!
لقد اتضح بجلاءٍ زيف شعاراتهم المدنية، وكذب دعواتهم التحضرية، فظهرت واضحةً أحقادهم الدفينة، وبرزت ساطعة عداوتهم القديمة {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120].
وَلئِنْ أحرق هذا الشقي مصحفًا، فقد اهتزَّت قلوبٌ مؤمنة لتخرجَ خير ما عندها، وانتعشت أفئدة صادقة لتبرز دفاعها عن كتاب ربها، وانتبهت عيون غافلة من سباتها ورقدتها، فانتفض الخطباء من على المنابر، وسالت الأقلام والمحابر، وانفجرت قريحة كل شاعر، استنكارًا ودفاعًا، وعزةً ونصرةً، مِن هذا التطاوُل الأثيم، والاعتداء العظيم.
ولئِن أحرق هذا الزنديق مصحفًا، فلقد ألهب المشاعر، وأيقظ الضمائر، فاتحدت المواقف، واجتمعت الكلمات، على اختلاف الأمصار والألوان والأعراق واللغات، فتذكرَ المسلمون الحقيقة الثابتة أنهم أمة واحدة، كالبنيان المرصوص، والجسد الواحد، يفرحون جميعًا، ويحزنون جميعًا، مشاعرهم واحدة، وأرواحهم واحدة، وهمومهم واحدة، وتطلُّعاتهم واحدة، معبودهم واحد، وكتابهم واحد، ورسولهم واحد، وقبلتهم واحدة، ما يَجمعهم أكثر مما يُفرقهم، وما يفرق أعداءهم أكثر مما يجمعهم، فكيف لأمتنا بعد هذا أن تزداد افتراقًا وبُعْدًا عن الحق واختلافًا؟!
وقد تبيَّن لنا جليًّا بمثل هذه الأحداث وغيرها، أنَّ أعداءنا مهما بذلوا في سبيل زرع الفرقة بيننا وإذكاء نار العداوات، ومهما بلغ التحريش بيننا وإشعال الصراعات، فلن يفلحوا أبدًا، إنْ نحن رجعنا جميعًا لأسباب وحدة أمتنا وقوتها، ومجدها وتمكينها، فاجتمعنا على الإيمان الصحيح، وتمسكنا بصمام أمان الأمة؛ كتابِ ربِّها وسُنَّةِ نبيِّها صلى الله عليه وسلم، وسرنا على منهج سلفنا الصالح، قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141].
وإنْ نحن أيضًا قمنا بما أمرنا ربنا به في قوله تَعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103].
إنهم لم يُحرقوا المصحف إلا لأنهم عجزوا رغم محاولاتهم المستمرة لتحريف كلام الله تبارك وتعالى وتبديله؛ لأنَّ الذي حفظه هو الله الذي أنزله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
فلا تعجبوا يا أمة الإسلام، إنَّه العجز والهلع، والخوف والفزع؛ مِن القرآن كلام رب العالمين، فهذا غاية ما عندهم، وقد حاولوا قديمًا له تشويهًا فعجزوا: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26].
لم يحرقوا المصحف إلا لأنَّ أعداءنا أعداءٌ للحياة والنُّور، فهم مسوخ أموات لا يعيشون إلا في الظلمات، والقرآن فيه حياة القلوب الحقيقة، ونور البصائر المهديَّة، {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122] {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].
لم يحرقوا المصحف إلا لأنهم استحبُّوا العمى على الهدى، وفضلوا الشقاء على السعادة، ورضوا بالانحراف والقذارة على الفطرة والطهارة {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44].
لم يحرقوا المصحف إلا لأنهم لم يستطيعوا كظم غيظهم، وإخفاء حقدهم، فانهارت أمام القرآن العظيم مشاريعهم، وتحطَّمَتْ خططهم وآمالهم، فكم بذلوا في سبيل التلاعب به وصرف المسلمين عنه مِن أموال، وكم أهدروا مِن أوقات، ومكروا مكر الليل والنهار، فلم يزدهم ذلك إلا خيبةً وخسارًا، وفجورًا وانحطاطًا {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82].
لقد أغاظهم القرآن بعِزَّته، وغلبهم بحجته، وأعجزهم ببيانه وفصاحته، فحارت عقول العقلاء بجاذبيته، وخضعت القلوب لسلطانه وحلاوته، وهزت آياته الوجدان هزًّا، وفاقت فصاحته الألسنة بلاغةً ونظمًا {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41، 42].
أنزله الله غيثًا للقلوب العطشى، وشفاء لما في صدور المرضى، مَن اتبع هداه فلا يضل ولا يشقى {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 1 - 8].
لم يحرقوه إلا لأنه قذف باطلهم، وقطع حججهم، ونسف ثوابتهم، وأبان عن مكنونات صدورهم، وحال بينهم وبين غاياتهم، بآياته البينات، وحججه الدامغات القاطعات {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18].
فما جاهد مجاهد بمثله، ولا دعا داعٍ إلى الله بأحسن منه، فلا أقوى منه تأثيرًا في العقول، ولا علاجًا لوساوس الصدور؛ ولهذا أمر الله رسوله بقوله: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52].
لم يحرقوه إلا لأنهم يدركون أنه سبب رفعة المسلمين وتقدُّمهم، إنْ هم أخذوا به واعتصموا به {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 44].
ألم تتدبر قوله تعالى: {وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 44]؟ سوف تسأل عن القرآن، وعن نصرته الحقيقة، هل فهمته وتدبرته؟ هل قرأته وتلوته؟ قل قمت به وطبقته وحكمته؟ وهل دعوت به الناس وبلغته؟
أليس مِن الخذلان أنْ يدرك أعداؤنا هذا ونجهله، لقد أدركوا موطن عِزِّنا ونهضتنا، فسعوا ليحولوا بيننا وبينه {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8].
إنَّ صلاحنا وفلاحنا، وعزنا وسعادتنا وشفاءنا، وما تكون به قوتنا؛ لن يكون إلا بهذا القرآن، أليست هناك نفوس تتشوَّف للشهوات، وقلوب تنبض بالشبهات؟! ألم تعلو طبقات الران على قلوب كثير من الغافلين والغافلات؟! وعلاج ذلك كله بالقرآن {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57].
إنَّه موعظة وشفاء، ورحمة واهتداء، ألم تُستشفى الصدور بالقرآن فتعافت، وانقادت لطاعة ربها به واستجابت، وأقبلت على ربها وأنابت، وأنكرت كل منكر وتبرأت، وتدبرت مصالحها فعقلت، فانشرحت للخيرات، واستبشرت بالهدايات، وسارعت للجنات.
فعجبًا بعد ذلك لِمَن كان عن القرآن معرضًا، وفي تدبره وتلاوته والعمل به مقصرًا، وعن الدعوة به وتبليغه للناس عاجزًا.
ليس العجب يا عباد الله أنْ يحرق المصحف الملاحدة والأعداء؛ بل أنْ يهجره أهله والأصدقاء، كم مِن مسلم ومسلمة هجروا القرآن، وبعضهم كان آخر عهدهم به في شهر رمضان، والله إنها خيبة وخسران أنْ تكون ممن قال فيهم رسول الله: "يا رب، إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا".
لم يحرقوه إلا لأنهم ملاحدة، ينكرون وجود الخالق العظيم، فالإلحاد في السويد يعتبر الأكبر على مستوى أوروبا وتأتي بعده النمسا، فكيف لهذا المجتمع الملحد أنْ يرضى بالضوابط والقيود، وهم يكرهون الدين ويحاربونه؟!
وإنْ وُجِدت عندهم أحيانًا محاربة للتوراة والإنجيل، لكنها ليست كحروبهم على الإسلام والقرآن؛ لأنَّ القرآن يدخل في تفاصيل حياة المسلم، فيحكم حياته، ويضبطها عقائديًّا وفكريًّا، وروحيًّا وأخلاقيًّا، فيغير القرآن الحياة، بخلاف الإنجيل والتوراة فلم تعد تحكم حياة الناس في الغرب.
إنَّ احتكاك السويديين باللاجئين المسلمين من مختلف الدول وانتشار الإسلام ومظاهره؛ أدى إلى إثارة الأحزاب اليمينية العنصرية المتطرفة، فظهرت الدعوات إلى الكراهية، وممارسة أعمال العنف الاستفزازية، ومنها حرق ذاك الشقي الجبان للقرآن، فالقانون يحمي مثل ذلك ولا يُجرِّمه؛ ولهذا تتكرر الإساءات، فأين عقلاؤهم ليمنعوا من ذلك، فهل حرية التعبير لا تكون إلا بالإساءة إلى الدين وكلام رب العالمين، واستفزاز مشاعر المسلمين؟!
ثم إنهم مترفون، فالسويد تعتبر من أعلى دول العالم ترفًا وعنصريةً وانحرافًا، كذلك يفعل الترف الزائد في المجتمع، يُخرِّبه ويفسده، ومَن تدبَّر كتاب الله تعالى وواقع الأمم الهالكة وجد ترابطًا ظاهرًا بين حياة الترف والعداء للحق والدين؛ لانغماسهم في مستنقعات الشهوات، وأوحال الملذَّات، فيَسعون للتحرر مِن القيود، والانفكاك مِن الضوابط، فاستحبُّوا الحياة الدنيا على الآخرة، فحاربوا الرسل، وأنكروا الدين، وسلكوا سبيل الإلحاد ظلمًا واستكبارًا؛ قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود: 116]، وقال تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون: 33]، وقال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16].
إنها دعوة للعقلاء، هل نظرتم إلى الكتاب الذي عاديتموه؟
إنه القرآن الذي بأخذه النجاة والإيمان، وبالإعراض عنه الكفر والخسران، إنه طريق التعرف على الرحمن، والوصول إلى جنة الرضوان، أخذه سعادة، وتركه تعاسة، لتلاوته حلاوة.
مَن أساء إليه ما ضره بشيء، بل أضر نفسه وجنى عليها، لقد حارب الله فلعنه الله في الدنيا والآخرة، وأساء لجميع الأنبياء والمرسلين، وأساء للدين الحق الذي به سعادة جميع الخلق، أساء للقيم السامية، والأخلاق الفاضلة، والمبادئ السامقة.
عباد الله، إنَّ الانتقاص مِن القران الكريم، وتشويهه وسبَّه، وإتلافه وحرقه، ليس بالأمر الجديد مِن قِبل أعداء ديننا، بل قد وقع هذا كثيرًا، قديمًا وحديثًا، ألــم يقولــــــوا عنه: أساطير الأولين؟! ألـــم يقولــــوا عنه: اختلاق وسحر؟!
فلا يعجبـــنَّ أحد مِن حقدهم هذا، وكرههم وحسدهم، وخوفهم من دين الله رب العالمين.
وإننا لنعجــب ممن استغرب مِن هذه الحملة الآثمة، وكأنه نسِي أنَّ الله جل وعلا بيَّن لنا عداوتهم، وحقدهم ومكرهم، وعدم رضاهم عنا مهما قدَّمنا وبذلنا لهم.
إنَّ هذا الغضب العارم بصوره المختلفة في مواقع التواصل الاجتماعي وغيره، لمؤشر خير، ولكن ليس مِن الصائب أنْ نجعل نصرة كتاب الله مجرد مقاطعةٍ لسلع ومنتجات، وأجهزة ومصنوعات!
إنَّ الدعوة إلى المقاطعة العامة خيارٌ سياسي يَقوم بتحديده أولياء الأمور، فلا يَرجع إلى الجمعيات والمنظمات والحركات، وقد أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال حين قال للمشركين: "وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِن الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم".
واحذروا مِن أنْ تُصرَف أمتنا بمثل هذه الأحداث عن معركتها الحقيقية مع الباطل ودعاته، وأنْ تُهدر أوقاتها بغير المفيد النافع، فإنَّ المقاطعة المطلوبة مِن كل مسلم، أنْ يُقاطِع عقائدهم الباطلة، ومناهجهم الفاسدة، وأفكارهم الهدَّامة التي لطالما صَدَّروها إلينا على أنها تطوُّر وحضارة، أنْ يُقاطِع أخلاقهم الهابطة التي أفسدت شبابنا، ودمرت مجتمعاتنا، أنْ يقاطع مدنيتهم الزائفة التي ينادي التغريبيُّون اليوم بتطبيقها في بلداننا، أنْ يقاطع منتجاتهم التي لا تحل لنا من ملابس وخمور.
إنَّ نصر كلام الله يكون بأخذه والتمسُّك به، والاستقامة على الدين، واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وامتثال الأمر واجتناب النهي، والتزام السنن، إنَّ هــــذا والله لهو أقـــوى رد يُوجِّهه المسلم لأعداء الدين.
فعلينــا جميعًـا أيها المسلمـون أنْ ننتصر لكلام الله عز وجل في بيوتنا وبلادنا، وفي شوارعنا وأسواقنا، ومساجدنا ومجتمعاتنا؛ بالتحلي بآداب الإسلام، والتأسي بسنن رسول الله، والدعوة إلى دين الله في مشارق الأرض ومغاربها.
نُصرة كلام الله تكون أيضًا بحضور مجالس العلم والتفسير، وحلقات القراءة والتحفيظ، تكون ببناء دور الحديث والسنة، والسعي في نشر العلم النافع وتبليغه.
إنَّ السبب الحقيقي وراء تطاول أعداء الإسلام على ديننا وكتابنا ونبينا صلى الله عليه وسلم، هو ضَعف أمتنا، وخوفهم من ديننا.
وضَعفُنا هذا لم يحصل إلا ببُعْدنا عن ديننا، وانحراف كثيرٍ منَّا عن العقيدة الصافية، والعبادة الصحيحة، والمعاملة الحسنة.
لقد ساءت الأخلاق، وكثُرت المخالفات، وظهرت التناقضات، حتى بدا للناظر في أحوال بلادنا الإسلامية ما يُنفِّره عن ديننا، ولقد كان سلفنا الصالح متمسكين بدينهم، على عقيدة صحيحة، وجماعة واحدة، قلوب مؤتلفة، همُّهم آخرتهم وما يقدمون لدينهم، ففتحوا قلوب الناس قبل حصونهم، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وفي الحديث الصحيح: «يُوشِكُ الأممُ أن تداعى عليكم كما تداعى الأكَلةُ إلى قصعتِها»، فقال قائلٌ: ومن قِلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاء السَّيلِ، ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوَهْنَ»، فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ، وما الوَهْنُ؟ قال: «حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ»؛ أخرجه أبو داود عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحَّحه المحدِّث الألباني في "صحيح أبي داود".
هــــل نصر كتاب الله من هو تارك ومتهاون في الصلوات المكتوبات، عاق بالآباء والأمهات، قاطع للأرحام والقرابات، متابع لأخبار الفنانين والفنانات، مقلد للاعبين، معاكس للفتيات، مشغول بالقيل والقال والتفاهات، هل بمثل هـــــــــــــؤلاء يُنصَرُ كلام رب العالمين أيها المؤمنون والمؤمنات؟!
أمة الإســـلام، إنه لا أقل مِن بقية حياء وخير ودين في قلوبنا تُرجعنا إلى الله تعالى، وتُرجعنا إلى ديننا، عقيدةً وسياسةً وعبادةً وأخلاقًا، وتدفعُنا لنعرض عن تنافسنا على فتات الدنيا الزائل، وعرضها الفاني، والتسابق والتنافس على الكراسي والقصور، وبناء الأراضي والدور، حُكَّامًا ومحكومين.
إنَّ الذل الحقيقي عندما نخالف كتاب الله تعالى، ونعصي رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث: «بُعِثتُ بين يدي الساعةِ بالسَّيفِ، حتى يُعبَدَ اللهُ تعالى وحده لا شريكَ له، وجُعِلَ رِزْقي تحت ظِلِّ رُمْحي، وجُعِلَ الذُّلُّ والصَّغارُ على من خالفَ أمري، ومن تشبَّه بقومٍ فهو منهم»؛ أخرجه أحمد عن عبدالله بن عمر، وصحَّحه المحدِّث الألباني في "صحيح الجامع".
أحبابـــي في الله أنتم بين ثلاثة توجُّهات للناس في هذه الحادثة وغيرها:
توجُّــــه باطل يدعوكم لتقبُّل الإساءة، ويبررون للمستهزئين إساءتهم بدعوى نصر العقلانية والحرية، والعلمانية والديموقراطية.
وتوجُّـــه باطل يدعوكم للتسلُّط على حُكَّامكم، ويسعى لشقِّ صفِّكم، وزرع الخلاف بينكم، وتخريب دولكم وبلدانكم، بحجة التآمر مع الأعداء والسكوت والتخاذل عن النصرة.
وتوجُّـــه حق يدعوكم للتمسك بدينكم، ويبيِّن أنَّ الخلل مِن قبل هذه الأمة، وأنَّ على الأمة الرجوع إلى الله تبارك وتعالى حكامًا ومحكومين، ويدعون إلى ضبط العواطف بقيود الشريعة، بعين الرأي والحكمة والمصلحة، ويدعون لنصرة كلام الله، كلٌّ مِن موقعه وحسَب استطاعته، فالعالم بعلمه ودعوته، والخطيب من مسجده على منبره، والكاتب بقلمه في صفحته، والأديب بأدبه وبلاغته، والسياسي بحنكته وحكمته، وولي الأمر بنفوذه وقوته، والمدرس في صفِّه من مدرسته، والشاعر بأبياته وفصاحته، والإعلامي من منصته، والوالد في بيته وحسن تربيته.
يظن المسيئون أنهم سينتصرون، كلا والله، فلن يزداد بذلك الإسلام إلا قوةً وعزًّا، وما زاد الناس للإسلام إلا حبًّا، وللرسول إلا اتِّباعًا، وسيدخل الناس في دين الله أفواجًا، وفي الحديث: «لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلَغَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ولا يَترُكُ اللهُ بَيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أَدخَلَه اللهُ هذا الدِّينَ، بعِزِّ عَزيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ به الإسلامَ، وذُلًّا يُذِلُّ اللهُ به االكُفر».
وأخيرًا فإنَّ تداول المقاطع وتناقُل الصور المسيئة لكتاب الله أمر غير جائز، ولو زعم الغيورون أنَّ في ذلك مصلحة، فلا بُدَّ مِن إماتة الباطل بعدم إشاعته وتناقُله.
فيا أيها الأحِبَّة، "أميتوا الباطل بالسكوت عنه"، كما أمات سلفنا الصالح هجاء المشركين الباطل في نبينا الكريم كرامةً له صلى الله عليه وسلم، مع غيرتهم عليه، وحماستهم لنصرته.
فأسأل الله أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، والحمد لله رب العالمين.
___________________________________________________
الكاتب: عبدالمحسن علي حسن الرملي الأيوبي
احمد بن عسكر اليهري
منذ