(الخمر أم الخبائث)

منذ 2024-08-05

الخمر كبيرة من كبائر الذنوب، فهي أُم الخبائث، ومفتاح كل شر، تغتال العقل، تستنزف المال، تُصدّع الرأس، كريهة المذاق، توقع العداوة والبغضاء بين الناس، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتدعو إلى الزنا.

(الخمر أم الخبائث)

الخمر كبيرة من كبائر الذنوب، فهي أُم الخبائث، ومفتاح كل شر، تغتال العقل، تستنزف المال، تُصدّع الرأس، كريهة المذاق، توقع العداوة والبغضاء بين الناس، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتدعو إلى الزنا.

 

الخمر تُذهب الغيرة وتُورث الخزي والندامة والفضيحة، وتجعل شاربها يفعل فعل المجانين.

 

الخمر تهتك الأستار، تُظهر الأسرار، تدل على العورات، تهوِّن ارتكاب القبائح والمآثم، تُخرج من القلب تعظيم المحارم، ومدمنها كعابد صنم.

 

الخمر كم هيّجت من حرب؟، وأفقرت من غني؟ وذلّت من عزيز؟ ووضعت من شريف؟ وسلبت من نعمة؟ وجلبت من نقمة؟..

 

كم فرّقت الخمور والمخدرات بين رجل وزوجته؟ فذهبت بقلبه وراحت بلبِّه.

 

وكم أورثت من حسرة و جرّت من عبرة؟

 

كم أغلقت الخمور والمخدرات في وجه شاربها باباً من الخير، وفتحت له باباً من الشر؟

 

الخمور والمخدرات كم أوقعت في بلية وعجّلت من منية؟

 

الخمور المخدرات كم جرّت على شاربها من محنة، وأدخلته في فتنة؟

 

الخمر جِماع الإثم ومفتاح الشر، وسلاّبة النعم، وجلاَّبة النقم.

 

إنها محاربة لله تبارك وتعالى، ومعصية ظاهرة له، ومن فعلها أو تناول شيئاً منها، أو روَّج لها، أو ذكرها بإحسان، أو سكت عن مروِّج لها؛ فقد بارز الله بالمعصية، واستوجب لعنة الله وغضبه وسخطه ومكره، قال تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99]، فهي عداوة صريحة لله تبارك وتعالى في أرضه.

 

عباد الله:

شُرْب الخمور والمخدرات، وتعاطي المسكرات وانتشار المنومات علامة ظاهرة من علامات قُرب الساعة، والأدهى من ذلك استحلال بعض الناس لها، نعم لقد استحلها بعض المسلمين اليوم ولا يبالون بالتحريم والتحذير منها عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: " أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، ويَثْبُتَ الْجَهْلُ، ويُشْرَبَ الْخَمْرُ، ويَظْهَرَ الزِّنَا» (متفق عليه).

 

وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيَسْتَحِلَّنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ بِاسْمٍ يُسَمُّونَهَا إِيَّاهُ» (أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 4945).

 

لقد أطلقوا اليوم على الخمر أسماءً متعددة من باب التغطية، فكما جاء في الحديث يسمونها بغير اسمها، فسموها المشروبات الروحية، والبيرة، والمقويات، والمسهرات، وغير ذلك من الأسماء، وفي الحقيقة هي المدمرات.

 

سُميت الخمر بهذا الاسم لأنها تخمر العقل أي: تستره ومنه خمار المرأة لستره وجهها، وأثَر الخمر على الإنسان هو إزالة العقل وأفضل ما في الإنسان عقله، ولهذا إذا دبّت الخمر في رأس شاربها وفقد الشعور، زنى و لاط وجاء بأنواع الفحش والفجور وسبّ وشتَم ولعَن الدين والمسلمين، وربما اقترف الإثم مع إحدى محارمه وارتكب الموبقات.

 

ذكر الشيخ ابن عثيمين أن رجلاً شرب الخمر حتى سكر فعاد إلى بيته وأراد أن يزني بأمه فامتنعت وحاولت الهروب منه فهددها ووضع السكين على رقبتها وزنا بها بالقوة وبعد أن أفاق واُخبر بما فعل احرق نفسه حتى الموت ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

وآخر يأتي إلى بيته في الثلث الأخير من الليل والأم قائمة تصلي بين يدي الله، طرق الباب ابنها السكران ففتحت له الباب فإذا هو في قمة السكر، فمنعته من الدخول وقالت له: «أنت نجس لا تنجس هذا البيت الطاهر، اخرج» فحاول الدخول بالقوة فمنعته فقاومها وحملها ووضعها على رأسها في التنور حتى اختنقت وماتت، نعم قتل أمه التي أرضعته وحملته، وبعد أن أفاق من سكره وغيه سأل عن أمه فقالت له زوجته: يا ظالم يا فاسق قتلت أمك قتلت من حملتك. فقال متعجبًا صارخاً باكياً أنا قتلت أمي. قالت: نعم، فجلس يبكي ويصيح لكن بعد فوات الأوان، فقالت له زوجته: «قم توضأ وعد إلى ربك»، فحرّكته فإذا هو قد مات ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

وها هو مدمن مخدرات يضرب زوجته وأولاده في آخر الليل ويطردهم خارج المنزل، فتأتي سيارة مسرعة فتدهس أحد الأولاد ويلقى حتفه في الحال.

 

صاحب مكانة مرموقة، ومنصب عالٍ، إذا تعاطى المسكر مشى بين أهله وأولاده عرياناً كما خلق الله.

 

أبٌ فارق الحياة عندما علم أن ابنه يتعاطى المخدرات. مُدمن خمر ومخدرات وجدته والدته مشنوقاً بأحد الغرف.

 

لقد اُبتلي عدد غير قليل من المسلمين بشرب الخمور والمخدرات والعياذ بالله، واُبتلي بها أكثر أصحاب الأموال والترف، وأصحاب المراكز والوجاهات، لأسباب كثيرة ولعل منها: أن الحصول على الخمور والمخدرات يحتاج إلى ميزانية، لارتفاع أسعارها، وهذا ما لا يتمكن منه الفقير الفاسق. والعجيب أن الخمر يشربها في الغرب سفلة القوم، ويشربها في بلاد المسلمين عِلية القوم.

 

من كان يتصور أن يصل الحال بالمسلمين، أن يرضوا ببيع الخمر والمخدرات وتداولها في بلادهم علنًا، بل وهناك من يتعاطاها بلا خوف من الله ولا حياءً من عباد الله، بعد علمهم بتحريمها في الكتاب والسنة، فأي ذل بعد هذا الذل، أنرضى بأن نُعيد ظُلمة الجاهلية، وقديم الوثنية، إذا كان الكفار اليوم قد استحلوا مثل هذه المحرمات، فالكفار حكوماتهم كافرة، وليس بعد الكفر ذنب، ولكن العجب فيمن يدّعي الإسلام، ثم يرضى ببيع الخمر بين المسلمين، ويعينهم على تناولها.

 

والخمر أم الخبائث تجر شاربها إلى ارتكاب الجرائم وانتهاك المحرمات روى عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: قال سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: «اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث إنه كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس فعلقته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها أن تدعوه لشهادة، فدخل معها فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وآنية خمر فقالت: إني والله ما دعوتك لشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي أو تقتل هذا الغلام أو تشرب الخمر فسقته كأسا، فقال: زيدوني فلم يبرح حتى وقع عليها وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر فإنه لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه) (رواه البيهقي) وفي الجملة إذا زال العقل حصلت الخبائث بأسرها.

روى القرطبي في تفسيره أن رجلاً شرب الخمر فسكر فبال، فجعل يأخذ بوله ويغسل به وجهه ويقول: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، ويقول الحسن البصري رحمه الله: «لو كان العقل يُشترى لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب كل العجب فيمن يشتري بماله ما يُفسده».

 

ولما سُئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه: هل شربت الخمر في الجاهلية؟ قال: «أعوذ بالله»! فقيل له: ولِمَ؟ قال: «كنت أُصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيّعاً في عرضه ومروءته»، وصدق رضي الله عنه، فكم هي الأعراض التي أُنتهكت وبيعت بسبب شربة خمر، أو جرعة هروين، أو حبة مخدر.

 

وأما حكم شرب الخمر فإنه حرام وشاربها عاصٍ لله فاسقٌ عن طاعته ويستحق اللعن والعقوبة من الله في الدنيا والآخرة إن لم يتب، وقد ذكر ابن حجر الهيثمي في كتاب "الزواجر" فقال: «أما شُرب الخمر ولو قطرة منها فكبيرة من كبائر الذنوب إجماعا».

 

وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرة: «عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشترى له» (أخرجه أحمد (2/71) قال الهيثمي في المجمع (5/76): رواه أحمد والطبراني، ورجاله ثقات).

 

وقد حرّم الله عز وجل الخمر بالتدريج ففي أول الأمر كان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال ثم إن عمر ومعاذاً وآخرين قالوا يا رسول الله: أفتنا في الخمر فإنها مُذهبة للعقل مُسلبة للمال فنزل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، فتركها قوم لقوله تعالى: ﴿ إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ ثم قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 1، 2] ونحن نعبد ما تعبدون. قال: فقال بعضهم: والله لا نشرب شيئا يمنعنا من الصلاة فامتنعوا عنها وبقي البعض يشربها من بعد صلاة العشاء وكان منادي رسول الله ينادي وقت الصلاة: ألا لا يقربن الصلاة سكران. نزل بعد ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] فحرّم السُّكر في أوقات الصلاة ولما نزلت هذه الآية حرمها قوم وقالوا: لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة، وفي آخر الأمر نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90، 91]، فقال عمر رضي الله عنه: انتهينا يا رب. قال أنس: «كنتُ ساقِيَ القومِ في منزلِ أبي طلحةَ، فنزل تحريم الخمر، فأمرَ مُنادياً فنادَى، فقال أبو طلحةَ: اُخرُج فانظرْ ما هذا الصوتُ، قال: فخرجتُ فقلتُ: هذا مُنادٍ ينادِي: ألا إن الخمرَ قد حُرِّمَت. فقال: لي: اذهَبْ فأهرِقْها. ووالله ما راجعوا فيها قال: فجَرَتْ في سِكَكِ المدينة. فقال بعض القوم: قُتلَ قومٌ وهي في بُطونهم، قال: فأنزَل اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93]. ثم قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا} [المائدة: 92] تأكيد للتحريم، وتشديد في الوعيد، أي احذروا ثم احذروا من مخالفة الأمر.

 

والحكمة في وقوع التحريم على هذا الترتيب أن الله تعالى علم أن القوم كانوا قد ألفوا شرب الخمر وكان انتفاعهم بذلك كثيرا، فعلم أنه لو منعهم دفعة واحدة لشق ذلك عليهم فمن رحمته بهم درجهم في التحريم رفقا بهم.

 

عباد الله: أما عقوبة شارب الخمر في الآخرة فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه بسندٍ صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من شرب الخمر فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكر، لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكر، لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة» . قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: «عصارة أهل النار»، وحرّم على شاربها دخول الجنة، إلا أن يتوب، فشارب الخمر لا يمكن أن يعلم حرمتها في الكتاب والسنة واتفاق جميع أئمة المسلمين، ثم يقوم بشربها، إلا طاعةً للشيطان ومعصية للرحمن، رضاً للهوى والشهوات، وبُعداً عن أسباب دخول الجنات، فإن كان مقراً بحلها فقد حرم الله عليه دخول الجنة والعياذ بالله، عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، والْعَاقُّ، والدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ» (صحيح الترغيب والترهيب / 2512)،

ولقد نفى النبي - صلى الله عليه وسلم - كمال الإيمان عمَّن يتعاطى الخمر والمسكرات والمخدرات، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهُوَ مُؤْمِنٌ، ولَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وهُوَ مُؤْمِنٌ، ولَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وهُوَ مُؤْمِنٌ، والتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ» (أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له) و الشريعة الغرَّاء التي أنزلها الله لكل زمان ومكان سدَّت الطريق على أولئك فعرَّفت الخمر بتعريف جامع يُحرّم جميع أنواع المسكرات طبيعية كانت أو صناعية، قليلة كانت أم كثيرة فقد قال النبي رضي الله عنه: «كلٌّ مسكر خمرٌ، وكل مسكرِ حرامٌ» وقال - صلى الله عليه وسلم -: «كل مُسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام» (رواه مسلم في الأشربة (2003) عن ابن عمر). وقال: «مَا أَسْكَرَ كثيرهُ فقليله حرامٌ».

 

قال الشوكاني رحمه الله[1]: ويحرم ما أسكر من أي شيء وإن لم يكن مشروباً كالحشيش وسائر أنواع المخدرات ومن قال إنها لا تسكر وإنما تخدّر فهي مكابرة فإنها تحدث ما تحدث الخمر.

 

وأما العقوبة الشرعية لشارب الخمر في الدنيا إنْ شربها عالماً مختاراً فعليه الحد ثمانون جلدة عند جمهور العلماء، وقد استشار عمر بن الخطاب في الخمر فقال له علي بن أبي طالب: (أرى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى فجلد عمر في الخمر ثمانين جلدة) وصار هذا كالإجماع بين الصحابة.

 

بل أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل شارب الخمر إن أصر عليها فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاقتلوه» (رواه ابن ماجه والنسائي)، وأُحب أن أُنبه الذين يجالسون شاربي الخمر وإن كانوا لا يشربون نقول لهم: الحذر الحذر فقد نهى النبي- صلى الله عليه وسلم - عن الجلوس على مائدة يشرب فيها الخمر، فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر». وقال عبدُ اللّه بن عمرٍو رضي الله عنهما «لاتسلِّموا على شَرَبةِ الخمر». وقد أوقع عمر بن عبد العزيز حد الخمر في شاربيها وفي من جلس معهم وأمر بجلدهم مع أنهم كانوا صائمين.

 

أيها المسلمون:

علينا نحن جميعا واجب النصيحة لكل من تجرأ وأدمن الخمر بأن نُذكّره بالله فمن كان له أخٌ أو صديقٌ أو قريبٌ يُصر على شرب الخمر فليُذكّره قائلا: إن كانت عقوبة الدنيا حقيرة في نظرك لا ترعوي بها عن غيك فاعلم أن الله محاسبك وسائلك عن عمرك فيم أفنيته، وعن شبابك فيم أبليته، وعن مالك فيم أنفقته؟ فبماذا ستجيب يا مسكين وقد عصيت الله ورسوله وتعديت على حدوده؟ يا شارب الخمر هل تبيع نصيبك من الجنة الخالدة بكأسٍ نجس مُذهب للعقل تذهب لذته وتبقى حسرته والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يدخل الجنة مدمن خمر»[أخرجه أحمد (19569) واللفظ له، وأبو يعلى (7248)، وابن حبان (6137)]؟.

 

ما هي الأسباب التي أدّت بشبابنا ومجتمعاتنا إلى هذا التهتك والتهور والانحلال - إلا من رحم الله- وتعاطي المخدرات والترويج لها؟

 

أولاً: ضعف مراقبة الله، ومن لا يراقب الله يضيعه الله، ومن لا يحفظه سبحانه وتعالى يجعله عبرة للمعتبرين، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنفال: 23] وقال تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف: 5] فلما ضعفت مراقبة الله في قلوب كثير من الناس بما فيهم الشباب؛ سهل عليهم تعاطي المخدرات، فمقتهم الله، ووقعوا في لعنة الله وغضبه.

 

والسبب الثاني: الفراغ الذي يعود بالأثر السيء على صاحبه، فيضطر إلى قضاء وقته بما لا ينفعه أو فيما يضره، إضافة إلى تهيؤ الفرص وإتاحة المحرم وسهول التحصيل، فضلاً عن المثيرات والمغريات.

 

ومن أسباب انتشار الخمور والمخدرات: عدم الوعي بها وعرضها في وسائل الإعلام والقنوات، وبأشكال مغرية وأوضاع لشاربيها تدعو أولئك المراهقين إلى ممارستها وتذوقها، بدعوى اللذة والنكهة.

 

ومن الأسباب كذلك: ظهور الفقر والبطالة في المجتمع وخاصة بين الشباب، وانتشار الفساد الأخلاقي وعدم إدراك الشباب أن من أعظم مخططات اليهود في العالم نشر المخدرات بكل أنواعها في أوساط المسلمين، حتى يبقى المسلمون في آخر الأمم.

 

ومن الأسباب عدم مراقبة الأولياء لأبنائهم، فإن الرفيق السوء يُفسد الأولاد.

 

أيها المسلمون، إن من أهم الطرق في القضاء على هذه الآفة القاتلة تقوى الله تعالى والتوبة إلى الله والإنابة إليه، والرجوع إلى الكتاب والسنة ففيهما كل الخير، والصلاة وكثرة الذكر ولزوم المساجد.

 

بشرى لمن ترك الخمر والمخدرات خوفاً من الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سرّه أن يُسقيه الله الخمر في الآخرة، فليتركها في الدنيا، ومن سره أن يكسوه الله الحرير في الآخرة فليتركه في الدنيا» [أخرجه الطبراني في الأوسط وهو حديث حسن لغيره، صحيح الترغيب والترهيب 2 / 604].

 

وعن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ترك الخمر وهو يقدر عليه، لأسقينه منه في حظيرة القدس ـ يعني الجنة ـ، ومن ترك الحرير وهو يقدر عليه، لأكسونه إياه في حظيرة القدس» [أخرج البزار بإسناد حسن، وهو حديث صحيح لغيره، صحيح الترغيب والترهيب 2 / 604]. والحظيرة: هي المكان الذي تأوي إليه الغنم ليقيها الحر والبر والمطر، والمقصود في الحديث الجنة.

 

فهنيئاً لمن عظَّم أوامر الله عز وجل، ففعلها، واجتنب النواهي وكان منها حذراً، فطاعة الله تعالى هي السبيل الموصل إلى الجنة، والطريق القويم إلى الدرجات العلى فيها، قال تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [النساء: 13].

 

هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.

 


[1] الشَّوْكَاني (1173 - 1250 هـ = 1760 - 1834 م) محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني: فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن، من أهل صنعاء. ولد بهجرة شوكان (من بلاد خولان، باليمن) ونشأ بصنعاء. وولي قضاءها سنة 1229 ومات حاكما بها. وكان يرى تحريم التقليد. له 114 مؤلفا، منها (نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار - ط) ثماني مجلدات، و (البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - ط) مجلدان.

__________________________________________________
الكاتب: د. أمير بن محمد المدري

  • 0
  • 0
  • 446

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً