الأقصى: فضائل وأحداث

منذ يوم

إن الأراضي المقدسة هي اليوم تحتل من قبل أعداء المسلمين من اليهود ومن تعاون معهم من النصارى بالقتل والتدمير والتشريد، قتلوا الرجال، قتلوا النساء، قتلوا الأطفال، هدموا المباني، هدموا المساجد، هدموا المدارس، هدموا الأبنية، فلا يوجد فيها من خير أو بناء ديني أو دنيوي إلا سعوا بجهدهم وملكتهم وقوتهم إلى تدميره

الأقصى: فضائل وأحداث

اليهود هم أمة الغضب الذين غضب الله عز وجل عليهم، والنصارى هم أهل الضلال بسبب عملهم من غير علم، واليهود هم أهل الغضب الذين غضب الله عز وجل عليهم؛ لأنهم علموا ولم يعملوا بعلمهم؛ فكان جزاؤهم أن غضب الله عز وجل عليهم ولعنهم.

 

معاشر السامعين عباد الله، اليهود هم نقضة العهود والمواثيق، هم أعداء الله، وأعداء ملائكة الله، وأعداء أنبياء الله، وأعداء المسلمين وبلدان المسلمين منذ قديم الزمن وحديثه.

 

ألا وإن الله عز وجل قد شرف مكانًا عظيمًا ورفع ذكره عليًّا، وجعله مكرمًا مشرفًا، وجعله كذلك معظمًا؛ ألا وهو بيت المقدس.

 

عباد الله، إن مسجد بيت المقدس لهو ثاني المسجدين على وجه هذه الأرض.

 

قال الإمام البخاري رحمه الله: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبدالواحد، حدثنا الأعمش، حدثنا إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: سمعت أبا ذر رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال:  «المسجد الحرام»، قال: قلت: ثم أي؟ قال:  «المسجد الأقصى»، قلت: كم كان بينهما؟ قال:  «أربعون سنةً، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فَصَلِّه، فإن الفضل فيه»[1].

 

بيَّن صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث في جوابه لسؤال أبي ذر رضي الله عنه أن المسجد الأقصى هو ثاني المساجد على وجه هذه الأرض في البناء والقدم.

 

وقد جاء عند الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم، عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «أن سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالًا ثلاثةً: سأل الله عز وجل حكمًا يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله عز وجل ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد ألَّا يأتيه أحد لا يَنْهَزُهُ إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه»[2].

 

وسليمان بن داود عليه السلام إنما جدَّد البناء ولم يكن بناه أساسًا من الأساس.

 

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وقد أشكل هذا الحديث على من لم يعرف المراد به، فقال: معلوم أن سليمان بن داود هو الذي بنى المسجد الأقصى، وبينه وبين إبراهيم أكثر من ألف عام، وهذا من جهل هذا القائل، فإن سليمان إنما كان له من المسجد الأقصى تجديده لا تأسيسه، والذي أسسه هو يعقوب بن إسحاق صلى الله عليهما وآلهما وسلم بعد بناء إبراهيم الكعبة بهذا المقدار[3]؛ ا هـ.

 

وعلى هذا القول أن أوَّل من بناه هو يعقوب عليه السلام. وقيل: الله أعلم.

 

والشاهد من ذلك عباد الله أن بناء المسجد الأقصى كان بعد بناء إبراهيم عليه السلام للبيت الحرام للمسجد الحرام؛ إذ هو أول من بناه على الصحيح كما هو في ظاهر القرآن، ثم قال في هذا الحديث  «سأل الله عز وجل خلالًا ثلاثةً»؛ أي: سليمان صلى الله عليه وسلم:  «سأل الله عز وجل حكمًا يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله عز وجل ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد ألَّا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه».

 

هذا من فضائل مسجد الأقصى أنه من دخل المسجد الأقصى للصلاة فيه لا يدخل إلا لقصد الصلاة فيه، فإنه يخرج منه كيوم ولدته أمه، وهذا فضل عظيم لهذا المسجد المبارك الذي هو ثاني المسجدين وأولى القبلتين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل أن يتجه إلى الكعبة إلى بيت المقدس.

 

معاشر السامعين عباد الله، إن بيت المقدس هو مسرى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معدن الأنبياء.

 

قال الله جل وعلا: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].

 

قال ابن كثير رحمه الله: وهو بيت المقدس الذي هو إيلياء، معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام؛ا هـ[4].

 

وسُمِّي بالمسجد الأقصى؛ قيل: لبعده من القذارة والخبائث، وقيل: لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام، فلا يوجد أبعد عن أهل مكة من المساجد في الأرض منه آنذاك؛ فقيل له: المسجد الأقصى.

 

وهذا المسجد الذي هو بيت المقدس هو مقدس، وهو مبارك، وهو مطهر، وهو منزه؛ قال الله عز وجل عن موسى عليه السلام: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 21].

 

الأرض المقدسة؛ أي: الأرض المطهرة المنزهة.

 

وهو مبارك ومبارك ما حوله {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].

 

وقد جاءت آيات عديدة في بيان بركته، وفي بيان بركة الأرض المقدسة عمومًا، قال الله جل وعلا: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: 137].

 

وقال الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [سبأ: 18]،وقال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 81].

 

فكل هذه الآيات تدل على بركة الأراضي المقدسة ومنها بيت المقدس في خمس آيات من كتاب الله جل وعلا.

 

معشر السامعين عباد الله، بيت المقدس المسجد الأقصى مسجد إيلياء هو أحد المساجد التي لا يجوز شَدُّ الرحال إلا إليها؛ لما جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى»[5].

 

وفي رواية لمسلم:  «إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي، ومسجد إيلياء»[6].

 

قوله: «ومسجد إيلياء» هو بيت المقدس.

 

وجاء من حديث أبي سعيد وعبدالله بن عمرو وغيرهما خارج الصحيح[7].

 

• المسجد الأقصى الذي هو بيت المقدس الصلاة فيه مضاعفة على غيره من المساجد إلا المسجد الحرام والمسجد النبوي؛ فإن الصلاة فيه بمئتين وخمسين صلاة، أما ما جاء أنه بخمسمائة فلا يصح من ذلك شيء.

 

فقد جاء عند الإمام الحاكم، والبيهقي في "الشعب" وغيرهما، عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في بيت المقدس أفضل أو الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال:  «صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى في أرض المحشر والمنشر، وليأتين على الناس زمان ولقيد سوط أو قال: قوس الرجل حيث يرى منه بيت المقدس، خير له أو أحب إليه من الدنيا جميعًا»[8].

 

والصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بألف صلاة، فمعنى ذلك أن الصلاة في بيت المقدس تعدل ما يقرب من مئتين وخمسين صلاة فيما سواه من المساجد ما عدا ما تقدم.

 

قال:  «ولنعم المصلى في أرض المحشر والمنشر»، فالصلاة في بيت المقدس مضاعفة.

 

معاشر السامعين عباد الله، إن بيت المقدس هو أحد الأماكن الأربعة من المساجد التي لا يطأها الدجَّال؛ جاء عند الإمام أحمد، وعند نعيم بن حماد في كتاب "الفتن" من حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا فقال:  «إن الدجَّال يبلغ كل منهل إلا أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد طور سيناء، ومسجد الأقصى» [9].

 

فبيت المقدس: هو أحد الأماكن التي لا يطأها الدجَّال، وما ذلك إلا لشرفه وفضله ولعظم مكانته.

 

• وكذلك من كان فيه من أهل الخير والإيمان والاستقامة، فإنه يحفظ بإذن الله جل وعلا بخلاف من لم يكن على ذلك.

جاء عند الإمام مالك في الموطأ أن أبا الدرداء رضي الله عنه، كتب إلى سلمان الفارسي، أن هلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه سلمان: «إن الأرض لا تقدس أحدًا؛ وإنما يقدس الإنسان عمله»[10].

 

فمَنْ كان من أهل الخير والفضل فيعصم ويحفظ بإذن الله جل وعلا، وهذا الحديث وإن كان فيه مقال وضعف إلا أن معناه صحيح.

 

وقد استشهد به الإمام الألباني رحمه الله في مواضع عديدة من كتبه.

 

معاشر السامعين عباد الله، بيت المقدس هو مأوى ومهوى لأهل الإيمان وللأنبياء، قبل ذلك بوَّب الإمام البخاري رحمه الله في "صحيحه" باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها.

 

وذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه وفيه "أن موسى عليه السلام سأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رميةً بحجر"، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق، عند الكثيب الأحمر»[11].

 

فالأرض المقدسة بيت المقدس هي مهوى ومأوى كذلك للأفئدة.

 

بيت المقدس عباد الله: قد بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم بفتحها، وأرشد إلى بعض الأمور التي تكون فيه مكانها، فإنه قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- وهذا من علامات نبوَّته، ومن عظيم معجزاته- عما يكون بعده صلى الله عليه وسلم من الأمور، ومن الأحداث، ومن الوقائع، ومن المدلهمات في مختلف أنواعها.

 

فقد جاء عند الإمام البخاري رحمه الله من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال:  «اعْدُدْ ستًّا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقُعَاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يُعْطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطًا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غايةً، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا»[12].

 

فموت النبي صلى الله عليه وسلم كان أول علامة من علامات دنوِّ الساعة وقربها بل بعثته.

 

كما قال صلى الله عليه وسلم:  «بعثت أنا والساعة كهاتين» [13].

 

«ثم موتان يأخذ فيكم كقُعاص الغنم»؛ أي: موت كثير شديد.

 

«يأخذ فيكم كقُعاص الغنم»: وهو داء يصيب الغنم فيسيل من أنوفها شيء فتموت عند ذلك مباشرة، وحصل هذا في أيام خلافة عمر في زمن الطاعون كما قال بعض أهل العلم.

 

قال:  «ثم استفاضة المال حتى يُعْطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطًا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته»؛ أي: لا تدع تلك الفتنة بيتًا من بيوت العرب إلا وتصل إليه تلك الفتنة.

 

قال صلى الله عليه وسلم:  «ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون»، وبنو الأصفر هم الروم.

 

وجاء في بعض الأحاديث قال:  «ستصالحكم الروم صلحًا آمنًا، ثم تغزون وهم عدوًّا، فتنصرون وتسلمون وتغنمون، ثم تنصرفون حتى تنزلوا بمرج ذي تُلُول، فيرفع رجل من النصرانية صليبًا فيقول: غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين، فيقوم إليه فيدقه، فعند ذلك يغدر الروم ويجمعون للملحمة» [14].

 

قوله: «بمرج ذي تُلُول» هي: بلدة في الشام.

 

وجاء في بعض الأحاديث:  «فسطاط المسلمين يوم الملحمة الغوطة، إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق» [15]وعند ذلك يجتمعون للملحمة أهل الإسلام وأهل الروم ويصطفي الله عز وجل ويكرم تلك العصابة من أهل الإسلام بالشهادة، قال في الحديث:  «فيأتونكم تحت ثمانين غايةً»، ومعنى الغاية: أي راية.

 

أي: يأتونكم الروم تحت ثمانين راية.

 

الشاهد من هذا الحديث معاشر السامعين: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثم فتح بيت المقدس»، فقد فتح بيت المقدس بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في زمن عمر بن الخطاب وقد أمَّر على الجيش أبا عبيدة بن الجراح فذهب يفتح البلدان بلدةً بلدةً حتى وصل إلى قريب من بيت المقدس، فأرادوا أن ينزلوا على أمر عمر بن الخطاب، وأن يأتي هو بنفسه، وأن تسلم له مفاتيح بيت المقدس، فجاء عند ذلك عمر بن الخطاب ودخل متواضعًا، فنزل من ناقته وحمل نَعْلَيه على ظهره ثم خاض المخاضة- أي: المكان الذي يجتمع فيه الماء- فقال له أبو عبيدة بن الجراح: يا أمير المؤمنين، ما يسرُّني أن أهل البلدة استشرفوك- أي: أنت تقدم على أناس وعلى رجال وعلى أشراف وعلى أقوام لهم مكانة- فقال له عمر: "أوه لم يقل ذا غيرك أبا عبيدة، جعلته نكالًا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله" [16].

 

أي: إنما أعزنا الله بالدين بالإسلام بالاستقامة؛ فلذلك فتحنا الفتوحات، وتغلبنا على الأعداء، وفتحنا البلدان، وهزمناها بلدةً بلدةً حتى وصلنا إلى بيت المقدس فدخلها متواضعًا، ثم دارت الأيام إلى عام أربعمائة واثنين وتسعين من الهجرة النبوية.

 

فغزا عند ذلك في ذلك الوقت الإفرنج من النصارى وغيرهم بلاد الشام وبيت المقدس وحاصروهم لمدة أربعين يومًا، وقتلوا نحوًا من أربعين ألفًا أو نحوًا من سبعين ألفًا من المسلمين في بيت المقدس، وسيطروا عليها مرة أخرى، وظلوا فيها ما يقرب من تسعين عامًا إلى أن جاء صلاح الدين الأيوبي فقام في البلاد فتحًا فيها، وجمع الجموع، وجيَّش الجيوش، وانطلق يفتح البلدان مرة أخرى بلدةً بلدةً؛ كحمص وحلب وغيرها من البلدان، وكان يتهيب الدخول إلى بيت المقدس لعظم العدة التي قد أعَدَّها النصارى ومن معهم في ذلك المكان، حتى أرسل له رجل كان مأسورًا عند الصليبيين كتب له ذلك الشاب بلسان بيت المقدس هذه الأبيات:

يأيها الملك الذي لمعالم الصلبان نكس 

 

أي: صار يفتح البلدان وينكس الصليب ونحو ذلك قال له:

جاءت إليك ظلامـة      تسعى من البيت المقدس 

كل المساجد طهرت     وأنا على شرفي منجـــس[17] 

 

أي: بيت المقدس. كيف تطهرون تلك المساجد وتلك البقاع وهذا المسجد على شرفه ومكانته لا يطهر ولا يفتح، فكان لهذه الأبيات عظيم الوقع والأثر في نفس صلاح الدين الأيوبي فأخذت بمجامع قلبه، وذكروا أنه أقسم بالله عز وجل أنه لن يضحك ولن يطأ امرأة حتى يعود بيت المقدس للمسلمين مرة أخرى.

 

فجَيَّش الجيوش وجَمَع الجموع، ثم انطلق يفتح البلدان بلدةً بعد أخرى، ثم صار يفتح إلى أن وصل إلى بيروت، ثم إلى عسقلان، ثم إلى غزة، ثم اتجه إلى بيت المقدس فحاصرهم إلى مخرج الإفرنج من ذلك المكان وتغَلَّب عليهم وأخرجهم.

 

وهكذا استمر أهل الإسلام على ذلك وصار لهم مكنة إلى أن سقطت الدولة الأيوبية وتغَلَّب الإفرنج وغيرهم من النصارى على المسلمين وعلى بلاد الشام وما زالوا من ضعف إلى آخر إلى يومنا هذا.

 

معشر السامعين عباد الله، وها هو بيت المقدس لا يزال إلى اليوم وبالتحديد ما يقرب من مائة عام وهو يعاني أشد أنواع الاضطهاد والاحتلال والقتل والتشريد والتنكيل من قبل أعداء الله من قبل اليهود الغاصبين.

 

معاشر السامعين عباد الله، وما ينشر على مواقع التواصل من أن قبة الصخرة هو بيت المقدس، وأن له فضلًا على غيره، فإن هذا ليس بصحيح؛ فإن الفضل والخير والشرف والمكانة والعظمة والقداسة هي لعموم مسجد بيت المقدس لا في مسجد قبة الصخرة كما يظن الكثير من الناس، وهذا من اللعب على عقولهم؛ لصرفهم عن المسجد الأقصى، وعن شرفه، وعن مكانته، وعن عظمته، فلا تظن يا عبدالله أن تلك الصور التي تنتشر في الجوالات أو في مواقع التواصل لتلك المسمى بقبة الصخرة أن ذلك هو المسجد الأقصى، فلا يا عبدالله.

 

إن ذلك المكان إليه مرجع الخلق والأمر والخير في آخر الزمان كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وتلك الأرض هي أرض المحشر، وهي أرض المنشر، وهي تتهيَّأ لأمور عظيمة ولأحداث كبيرة قادمة إلى تلك الأرض المقدسة وما حولها.

 

معاشر السامعين عباد الله، إن اليهود هم أعداء الله، هم أعداء ملائكة الله، هم أعداء أنبياء الله، هم قتلة الأنبياء، هم قتلة أئمة الدين، هم قتلة أهل الخير والصلاح.

 

إنهم لا يهدأ لهم بال ولا يطمئن لهم حال إلا بالفتك بأهل الإسلام وتدميرهم وتدمير بلدانهم حسدًا منهم وكفرًا وعنادًا وبغضًا للإسلام، فإنهم ينقمون من أهل الإسلام الإسلام، ومن أهل الإيمان الإيمان {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 59]، {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].

 

فمخطئ من ظنَّ يومًا من الأيام أن يأتي الخير من قبل اليهود أو من قبل النصارى لأهل الإسلام أو ألفة أو جمع كلمة أو لم للشمل أو غير ذلك؛ إنما يأتي منهم الشتات والفرقة والعناد والضلال والكفر والفسوق والفجور إلى غير ذلك، وعلى مبدأ فَرِّق تسُدْ {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 105].

 

معاشر السامعين عباد الله، إن الأراضي المقدسة هي اليوم تحتل من قبل أعداء المسلمين من اليهود ومن تعاون معهم من النصارى بالقتل والتدمير والتشريد، قتلوا الرجال، قتلوا النساء، قتلوا الأطفال، هدموا المباني، هدموا المساجد، هدموا المدارس، هدموا الأبنية، فلا يوجد فيها من خير أو بناء ديني أو دنيوي إلا سعوا بجهدهم وملكتهم وقوتهم إلى تدميره وإلى إبعاده وإلى إنهائه من ظهر هذه الأرض؛ لعظم حقدهم وهم مع ذلك قوم جبناء كما أخبر الله عز وجل عنهم أنهم لا يقاتلون إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر، وما ذلك إلا لجبنهم وضعفهم وخورهم؛ لأنهم هم أحرصُ الناس على الحياة وعلى البقاء فيها، كما قال الله عز وجل وأخبر عنهم أنهم أكثر الناس حرصًا على البقاء وعلى الحياة في هذه الدنيا، فهم قوم جبناء مع مكانتهم، ومع كذلك ما عندهم من التقدم في الصناعة وفي السلاح حتى يقال بأنهم القوة العظمى، وبأنهم الجيش الذي لا يُقْهَر، وأن الاستخبارات التي تصل إلى كل بيت إلا أنها أمام اتفاق المسلمين وأمام ترابطهم تتهاوى وتتلاشى وتذهب وتذوب ويضيع جميع ذلك بضعفهم ولجبنهم ولخورهم.

 

معاشر السامعين عباد الله، قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وبشَّر أنه سيأتي اليوم الذي يتغَلَّب فيه أهل الإسلام على اليهود والنصارى.

 

فقد جاء عند الإمام البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:  «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبدالله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود»[18].

 

وجاء من حديث عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:  «تقاتلون اليهود، حتى يختبي أحدهم وراء الحجر، فيقول: يا عبدالله، هذا يهودي ورائي، فاقتله» [19]، فعند ذلك يتغلَّب أهل الإسلام على اليهود والنصارى، وتعود إلى تلك الأرض خلافة راشدة، ويكون فيها الخير، وينزل فيها عيسى بن مريم، ويحصل فيها ما يحصل من الخير والأحداث، ويتغلب قبل ذلك أهل الإسلام على اليهود الغاصبين وعلى الصهاينة المحتلين ويذيقونهم أسوأ العذاب، وأشد كذلك النكال عندما تعود إلى أهل الإسلام الاستقامة.

 

معاشر السامعين عباد الله، إنه بسبب الضعف الذي وصل إليه أهل الإسلام في دول الإسلام قاطبة من الرعاة والرعية مع كثرة أعدادهم، ومع كثرة جيوشهم، يتجرأ اليهود والنصارى على أهل الإسلام؛ لأن أهل الإسلام يسارعون إليهم بالتطبيع وبالموالاة وبغير ذلك ومد الأيدي إليهم.

 

وهذا دليل على الضعف وعلى الذلة وعلى المهانة التي أصيب بها الكثير.

 

قد قال صلى الله عليه وسلم:  «وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» [20].

 

إن المكانة السامية والعظمة لأهل الإسلام لا تعود والقداسة والغلبة إلا بعودتهم إلى دين الله عز وجل.

 

معاشر السامعين عباد الله، إنه يجب علينا أمام ما نرى من انتهاكات ومن حقد اليهود والنصارى ومن تعاون دول الكفر من أمريكا وغيرها من الدول الأوروبية على المستضعفين من المسلمين في غزة وغيرها.

 

إنه يجب على أهل الإسلام قاطبة أن يحذروا من اليهود والنصارى ومن غزوهم ومن خططهم ومن أفكارهم ومن مشابهتهم ومن السير وراءهم ومن عملائهم الذين يهدفون إلى تمزيق المسلمين وإلى تدميرهم وإلى تشتيتهم وإلى ضرب بعضهم ببعض.

 

يجب على أهل الإسلام أن تتحد كلمتهم، وأن تتفق كلمتهم، وأن يجمع شملهم، وأن يلملموا الصفوف لمجاهدة اليهود والنصارى واستعادة بيت المقدس، ولا يكون ذلك إلا بالخير والاستقامة؛ لأن التنازع والمعاصي والمنكرات هي سبب الفشل كما قال الله عز وجل: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، فالتنازع والاختلاف والمعاصي والمنكرات هي سبب الفشل، هي سبب الدمار، هي سبب تسَلُّط الأعداء.

 

قال:  «لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»، فالرجوع الرجوع إلى دين الله عز وجل.

 

معاشر السامعين عباد الله، إنه من الواجب كل على مسلم ومسلمة أن يقوم بقدر ما يستطيع من نصرة للمستضعفين في الأراضي المقدسة في غزة وغيرها ولو لم يكن من ذلك إلا بالدعاء في أوقات الإجابة عند السجود، وفي الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي آخر ساعات الجمعة.

 

فاليهود قوم بُهْت وقوم معتدون على مر الزمن وعلى مر التاريخ، فيجب عليك يا عبدالله ألَّا تنسى هذا العدو، وألَّا تكِلَّ، وألَّا تمل من الدعاء عليه في الليل والنهار، وليس بلازم أن يكون منك مجرد القنوت فقط في الصلوات، لا تكتفِ بذلك يا عبدالله، ادْعُ في سجودك، ادْعُ في صلاتك، وادْعُ في الثلث الأخير من الليل في سائر أوقات الإجابة ادْعُ عليهم يا عبدالله؛ لأنهم في نوازل مستمرة منذ مائة عام إلى اليوم، وربما إلى ما شاء الله، ونسأل الله عز وجل أن يمكن للمستضعفين، ونسأل الله عز وجل أن يُمكِّن المستضعفين من المسلمين من رقاب أعدائهم.

 

اللهم عليك باليهود والنصارى الغاصبين.

 

اللهم عليك باليهود الغاصبين وبالصهاينة المحتلين، اللهم اكسر كبرياءهم، اللهم لا تحقق لهم غاية، ولا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم عبرةً وآية، اللهم دمِّر قواهم، اللهم اقتلهم بحدهم وحديدهم، اللهم أدِر الدائرة عليهم، اللهم اجعلهم عبرةً للمعتبرين، اللهم نَجِّ المستضعفين من المؤمنين في غزة وغيرها، وكن لهم عونًا ونصيرًا، اللهم انصرهم على عدوِّك وعدوِّهم، اللهم انصرهم على عدوِّك وعدوهم، اللهم اجبر كسرهم، اللهم اجبر كسرهم، وداوِ جَرْحاهم.

 

اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا، اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا ومؤيدًا وظهيرًا، اللهم سلمهم من أعدائهم، اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا؛ فإن الناس خذلوهم، اللهم كن لهم عونًا ونصيرًّا؛ فإن اليهود استضعفوهم، اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا؛ فإن الكثير من أهل الإسلام خذلوهم {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180 - 182].

 


[1] أخرجه البخاري (3366)، ومسلم (520).

[2] أخرجه الإمام أحمد (6644)، والنسائي (693)، وابن ماجه (1408)، وصححه الألباني.

[3] زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 50).

[4] تفسير ابن كثير، ت سلامة (5/ 5).

[5] أخرجه البخاري (1189)، ومسلم (1397).

[6] أخرجها مسلم (1397).

[7] حديث أبي سعيد رضي الله عنه أخرجه الترمذي (326)، وحديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أخرجه ابن ماجه (1410).

[8] أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (3849)، والحاكم في "المستدرك" (8553) قال أبو عبدالله الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد»، وقال الذهبي في تعليقه: صحيح.

وقال الألباني رحمه الله: «وهو كما قالا» "الثمر المستطاب" (2/ 548).

[9] أخرجه الإمام نعيم بن حماد في كتاب "الفتن" (1578)، والإمام أحمد في "المسند" (23685)، وقال محققو المسند: إسناده صحيح. وقال الألباني رحمه الله: وإسناده صحيح؛ "قصة المسيح الدجَّال" (ص: 71).

[10] "موطأ مالك"، ت عبدالباقي.

[11] أخرجه البخاري (1339)، ومسلم (2372).

[12] أخرجه البخاري (3176).

[13] أخرجه البخاري (6504)، ومسلم (2951).

[14] أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (16825) وقال محققو المسند: "حديث صحيح، رجاله ثقات وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح (5428).

[15] أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (21725).

[16] أخرجها الحاكم في "المستدرك" (207).

[17] إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى (1/ 274) والأنس الجليل (1/ 318).

[18] أخرجه البخاري (2926)، ومسلم (2922).

[19] أخرجه البخاري (2925)، ومسلم (2921).

[20] أخرجه أبو داود (3462)، وصححه الألباني.

______________________________________________________
الكاتب: مشير بن أحمد الشرعبي

  • 0
  • 0
  • 91

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً