كتاب وسنة بفهم سلف الأمة

منذ 2007-01-10
كتاب وسنة بفهم سلف الأمة
كثير من المشاكل الفكرية ترجع في الغالب إلى عدم وضوح المصطلحات محل النقاش ، ومن هذا مصطلح ( النص ) الذي كثر الكلام عليه في أطروحات (الحداثيين) و ( التنويريين ) ومن قاربهم من ( العقلانيين ) . واصطلحوا فيما بينهم على أن تطلق لفظة ( النّص ) على منطوق الوحيين ، الكتاب والسنة الصحيحة . وهذا الأمر فيه نظر . إذ أن منطوق القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لا يمكن بحال أن ينفصل عن سياق عام يشمل فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفعل الصحابة رضوان الله عليهم ، أو قل : سبب نزول ( النص ) وكيفية امتثال النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ وصحابته ( للنص ) . ذلك لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يبلغنا فقط منطوق القرآن الكريم ــ الذي يقال عنه النص في عرف القوم ــ وإنما بلغنا القرآن ومراد الله من كلامه ، وهذا هو المقصود من البلاغ المبين المذكور في سبع مواضع من كتاب الله منها قوله تعالى : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ } [ النحل : 82 ] والبلاغ المبين هو : الذي يحصل به توضيح الأمور المطلوب بيانها. أو هو الَّذِي يُبِين عن معناه لمن أَبْلَغَهُ, ويفهمه من أُرْسِلَ إليه .كما يقول المفسرون . فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يأتنا فقط بألفاظ القرآن بل بألفاظ القرآن وبمراد الله من هذه الألفاظ . والصحابة رضوان الله عليهم لم يتلقوا من النبي صلى الله عليه وسلم فقط منطوق القرآن الكريم ثم ذهبوا يفهمونها كما شاءوا . لا . بل كانوا يتعلمون الإيمان ثم يضبطون ما فهموه بالقرآن الكريم كما جاء في مسند الإمام أحمد من حديث أَبِي عبد الرحمن الجهني قال : حدثنا من كان يُقْرِئُنَا من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـــ أنهم كانوا يَقْتَرِئُونَ من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ــ عَشْرَ آيَاتٍ فَلَا يَأْخُذُونَ فِي الْعَشْرِ الْأُخْرَى حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِي هَذِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ قَالُوا فَعَلِمْنَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ . والمراد : أن الصحابة رضوان الله عليهم تلقوا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( نص ) ـ منطوق ـ وتلقوا معنى ، وهذا كله هو ما نحن ملزمين به ـ كتابعين لهؤلاء الكرام ـ . دلّ على هذا صريح القرآن . قال الله : { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } . والصحابة رضوان الله عليهم هم أولى الناس بوصف المؤمنين في الآية . كما يقول شيخ الإسلام بن تيمية . وقال تعالى : (فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة : 137 ) و قال تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } ( التوبة : 100 ) . وَقَالَ تَعَالَى : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا }( الفتح : 18 ) . والمقصود: أنه لا يجوز لأحد أن يأخذ آية من كتاب الله ـ أو جملة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ثم بعد ذلك يفهمها ويطبقها بغير الفهم والتطبيق الذي كان عليه صحابة النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـــ ؛ إذ أنه من المعروف أن ( العمل المتوارث المستمر من عصر الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم حجة شرعية يجب اتباعها، وتلقيها بالقبول ) .
  • 12
  • 0
  • 9,850

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً