وسم: القرون الوسطى
محمود محمد شاكر
رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (50)- مستنقع القرون الوسطى
وكذلك نجح الاستشراق في تحقيق هدفه كل النجاح، واستطاع أن يدرج الإسلام وشرائعه وثقافته وحضارته في مستنقع القرون الوسطى الذي طمرته النهضة الحديثة ووطئه عصر الإحياء والتنوير بأقدامه وطأة المتثاقل. وبذلك عصم العقل الأوربي المثقف من أن يزل زلة، فيرى في دين الإسلام أو في ثقافته وحضارته، ما يوجب انبهاره كما انبهر أسلاف له من قبل تساقطوا في الإسلام وثقافته وحضارته طواعية، ثم صاروا مع الأسف، من بناة مجده على مدى اثنى عشر قرنًا على الأقل.
محمود محمد شاكر
رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (49)- أنه الصورة الوثيقة المأمونة (3)
بثوا تلك الصورة في كل كتبهم بمهارة وحذق وخبث معرق، وبأسلوب يقنع القارئ الأوربي المثقف الآن كل الإقناع، وتنحط في نظرة حضارة الإسلام وثقافته انحاط القرون الوسطى، ويزداد بذلك زهوًا بأن أسلافه من اليونان والآريين كانوا هم ركائز هذه الحضارة المزيفة الملفقة دينًا ولغةً وعلمًا وثقافةً وأدبًا وشعرًا، ويزداد بذلك الأوربي، أيا كان، غطرسة وتعاليًا وجبريةً، ولا يرى في الدنيا شيئًا له قيمة، إلا وهو مستمد من أسلافه اليونان الآريين والهمج الهامج!
محمود محمد شاكر
رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (30)- القرون الحديثة
وبغتة، كما كان اقتحام المسلمين قلب أوربة بغتة، تهاوت الحواجز التي كانت تمنع حرجة اليقطة والتنبيه في أعقاب الحروب الصليبية لأني تؤتي ثمارها، وخرجت أوربة من أصفاد القرون الوسطى، ودخلت بعد جهاد طويل مرير في القرون الحديثة كما يسمونها. ومع تقوض هذه الحواجز ظهرت براعيم الثمار الشهية، وبظهورها غضة ناضرة، زادت الحماسة وتعالت الهمم، ومهد الطريق الوعر، ودبت النشوة في جماهير المجاهدين، وتحددت الأهداف والوسائل وتبين الطريق. ومن يومئذ بدأ الميزان يشول، فارتفعت أحدى الكفتين شيئًا ما، وانخفضت الأخرى شيئًا ما. ارتفعت كفة أوربة بهذه اليقظة الهائلة الشاملة التي أحدثتها الهزائم القديمة والحديثة، وانخفضت كفة المسلمين بهذه الغفلة الهائلة الشاملة التي أحدثها الغرور بالنصر القديم وبالنصر الحديث وفتح القسطنطينية. وكذلك شال الميزان، وكانت فرحة محسوسة في جانب، وكانت غفلة لا تحس في جانب. تاريخ طويل مضى وغاب، وتريخ طويل سوف يأتي، ثم لا يعلم إلا الله متى يكون غيابه.