علامات مرض القلب وصحته قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في كتاب (إغاثة اللهفان في مصايد ...

علامات مرض القلب وصحته

قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في كتاب (إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان):

كل عضو من أعضاء البدن خُلق لفعل خاص به، كمالُه فى حصول ذلك الفعل منه، ومرضه أن يتعذر عليه الفعل الذى خُلق له، حتى لا يصدر منه، أو يصدر مع نوع من الاضطراب.

فمرض اليد: أن يتعذَّر عليها البطش، ومرض العين: أن يتعذر عليها النظر والرؤية، ومرض اللسان: أن يتعذر عليه النطق، ومرض البدن: أن يتعذر عليه حركته الطبيعية أو يضعف، ومرض القلب: أن يتعذر عليه ما خُلق له من المعرفة بالله، ومحبته، والشوق إلى لقائه، والإنابة إليه، وإيثار ذلك على كل شهوة.


• من لم يعرف ربه

فلو عرف العبد كلَّ شىء ولم يعرف ربه، فكأنه لم يعرف شيئا، ولو نال كلَّ حظ من حظوظ الدنيا ولذاتها وشهواتها، ولم يظفر بمحبة الله والشوق إليه والأنس به، فكأنه لم يظفر بلذة ولا نعيم ولا قرة عين، بل إذا كان القلب خاليا عن ذلك عادت تلك الحظوظ واللذات عذابا له ولا بد...

وكل من عرف الله أحبه، وأخلص العبادة له ولا بدَّ، ولم يؤثر عليه شيئا من المحبوبات فمن آثر عليه شيئا من المحبوبات، فقلبه مريض، كما أن المعدة إذا اعتادت أكل الخبيث وآثرته على الطيب سقطت عنها شهوة الطيِّب، وتعوَّضت بمحبة غيره.


• قلب مريض وصاحبه لا يعلم

وقد يمرض القلب ويشتد مرضه، ولا يعرف به صاحبُه، لاشتغاله وانصرافِه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، وعلامة ذلك أنه لا تؤلمه جراحات القبائح، ولا يوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة، فإن القلب إذا كان فيه حياة يألم بورود القبيح عليه، ويألم بجهله بالحق بحسب حياته، وَمَا لِجُرْحٍ بَمِّيتٍ إيلامُ.


• لا يصبر على الدواء

وقد يشعر بمرضه، ولكن يشتد عليه تحمُّل مرارة الدواء والصبر عليها، فيؤثر بقاء ألمه على مشقة الدواء، فإن دواءه فى مخالفة الهوى، وذلك أصعب شيء على النفس، وليس لها أنفع منه.

وتارة يوطِّن نفسه على الصبر، ثم ينفسخ عزمه، ولا يستمر معه لضعف علمه وبصيرته وصبره، كمن دخل فى طريق مَخوف مُفض إلى غاية الأمن، وهو يعلم أنه إن صبر عليه انقضى الخوف وأعقبه الأمن، فهو محتاج إلى قوة صبر، وقوة يقين بما يصير إليه، ومتى ضعف صبره ويقينه رجع من الطريق، ولم يتحمَّل مشقتها، ولا سيما إن عدِم الرفيق، واستوحش من الوحدة، وجعل يقول: أين ذهب الناس؟ فلي بهم أسوة.


• حال أكثر الخلق

وهذه حال أكثر الخلق، وهى التي أهلكتهم، فالبصير الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق ولا من فقده إذا استشعر قلبُه مرافقة الرعيل الأول، {الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]، فتفرُّدُ العبد فى طريق طلبه دليل على صدق الطلب....

وما أحسن ما قال أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبى شامة فى كتاب (الحوادث والبدع): "حيث جاء به الأمر بلزوم الجماعة: فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسِّك به قليلا والمخالف له كثيرا"، لأن الحق هو الذى كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم.....

والمقصود أن من علامات أمراض القلوب عدولُها عن الأغذية النافعة الموافقة لها إلى الأغذية الضارة، وعدولُها عن دوائها النافع إلى دائها الضار، فهنا أربعة أمور: غذاء نافع، ودواء شاف، وغذاء ضار، وداء مهلك.

• القلب الصحيح

فالقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضارِّ المؤذى، والقلب المريض بضد ذلك.

وأنفع الأغذية: غذاء الإيمان، وأنفع الأدوية: دواء القرآن، وكلٌّ منهما فيه الغذاء والدواء.

ومن علامات صحته (يعني القلب) أيضا: أن يرتحل عن الدنيا حتى ينزل بالآخرة، ويحلَّ فيها، حتى يبقى كأنه من أهلها وأبنائها، جاء إلى هذه الدار غريبا يأخذ منها حاجته، ويعود إلى وطنه، كما قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمر: (كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعدَّ نفسك من أهل القبور) [رواه أحمد، والترمذي].

فحيَّ على جنات عدن فإنها
منازلك الأولى وفيها المخيَّم
ولكننا سبيُ العدو، فهل ترى
نعود إلى أوطاننا ونسلَّم؟

وقال على بن أبى طالب رضى الله عنه: "إن الدنيا قد ترحَّلت مدبرة، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل".

وكلما صحَّ القلب من مرضه ترحل إلى الآخرة، وقرُب منها حتى يصير من أهلها، وكلما مرض القلب واعتلَّ آثر الدنيا واستوطنها، حتى يصير من أهلها.

ومن علامات صحة القلب: أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى يُنيب إلى الله ويخبت إليه، ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه، الذى لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأنس به، فبه يطمئن، وإليه يسكن، وإليه يأوي، وبه يفرح، وعليه يتوكل، وبه يثق، وإياه يرجو، وله يخاف فذكرُه: قوتُه وغذاؤه، ومحبته والشوق إليه: حياته ونعيمه ولذته وسروره، والالتفات إلى غيره والتعلق بسواه: داؤه، والرجوع إليه: دواؤه، فإذا حصل له ربُّه سكن إليه واطمأن به، وزال ذلك الاضطراب والقلق، وانسدت تلك الفاقة، فإن فى القلب فاقة لا يسدُّها شىء سوى الله تعالى أبدا، وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه، وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده، فهو دائما يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى إلهه ومعبوده، فحينئذ يباشر روح الحياة، ويذوق طعمها، وتصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذى له خُلق الخَلق، ولأجله خلقت الجنة والنار، وله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، ولو لم يكن جزاءً إلا نفس وجوده لكفى به جزاءً، وكفى بفوته حسرة وعقوبة.

قال بعض العارفين: "مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والتنعُّم بذكره وطاعته" وقال آخر: "والله ما طابت الدنيا إلا بمحبَّته وطاعته، ولا الجنة إلا برؤيته ومشاهدته".

وقال آخر: "من قرت عينه بالله تعالى قرَّت به كل عين، ومن لم تقرَّ عينه بالله تقطع قلبه على الدنيا حسرات".

ومن علامات صحة القلب: أن لا يفتُر عن ذكر ربه، ولا يسأم من خدمته، ولا يأنس بغيره، إلا بمن يدلُّه عليه، ويذكِّره به، ويذاكره بهذا الأمر.

ومن علامات صحته: أنه إذا فاته وِرْدُه وجد لفواته ألمَا أعظم من تألُّم الحريص بفوات ماله وفقده.

ومن علامات صحته: أنه يشتاق إلى الخدمة، كما يشتاق الجائع إلى الطعام والشراب.

ومن علامات صحته: أنه إذا دخل فى الصلاة ذهب عنه همُّه وغمه بالدنيا، واشتد عليه خروجه منها، ووجد فيها راحتَه ونعيمه، وقرة عينه وسرور قلبه.

ومن علامات صحته: أن يكون همُّه واحدا، وأن يكون في الله.

ومن علامات صحته: أن يكون أشحَّ بوقته أن يذهب ضائعا من أشد الناس شحا بماله.

ومنها: أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل، فيحرص على الإخلاص فيه والنصيحة والمتابعة والإحسان، ويشهد مع ذلك منَّة الله عليه فيه، وتقصيره فى حق الله.
ذلك منة الله عليه فيه وتقصيره فى حق الله، فهذه ست مشاهد لا يشهدها إلا القلب الحى السليم... انتهى باختصار


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 100
الخميس 15 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

• القلب الصحيح فالقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضارِّ المؤذى، والقلب المريض بضد ...

• القلب الصحيح

فالقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضارِّ المؤذى، والقلب المريض بضد ذلك.

وأنفع الأغذية: غذاء الإيمان، وأنفع الأدوية: دواء القرآن، وكلٌّ منهما فيه الغذاء والدواء.

ومن علامات صحته (يعني القلب) أيضا: أن يرتحل عن الدنيا حتى ينزل بالآخرة، ويحلَّ فيها، حتى يبقى كأنه من أهلها وأبنائها، جاء إلى هذه الدار غريبا يأخذ منها حاجته، ويعود إلى وطنه، كما قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمر: (كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعدَّ نفسك من أهل القبور) [رواه أحمد، والترمذي].

فحيَّ على جنات عدن فإنها
منازلك الأولى وفيها المخيَّم
ولكننا سبيُ العدو، فهل ترى
نعود إلى أوطاننا ونسلَّم؟

وقال على بن أبى طالب رضى الله عنه: "إن الدنيا قد ترحَّلت مدبرة، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل".

وكلما صحَّ القلب من مرضه ترحل إلى الآخرة، وقرُب منها حتى يصير من أهلها، وكلما مرض القلب واعتلَّ آثر الدنيا واستوطنها، حتى يصير من أهلها.

ومن علامات صحة القلب: أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى يُنيب إلى الله ويخبت إليه، ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه، الذى لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأنس به، فبه يطمئن، وإليه يسكن، وإليه يأوي، وبه يفرح، وعليه يتوكل، وبه يثق، وإياه يرجو، وله يخاف فذكرُه: قوتُه وغذاؤه، ومحبته والشوق إليه: حياته ونعيمه ولذته وسروره، والالتفات إلى غيره والتعلق بسواه: داؤه، والرجوع إليه: دواؤه، فإذا حصل له ربُّه سكن إليه واطمأن به، وزال ذلك الاضطراب والقلق، وانسدت تلك الفاقة، فإن فى القلب فاقة لا يسدُّها شىء سوى الله تعالى أبدا، وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه، وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده، فهو دائما يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى إلهه ومعبوده، فحينئذ يباشر روح الحياة، ويذوق طعمها، وتصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذى له خُلق الخَلق، ولأجله خلقت الجنة والنار، وله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، ولو لم يكن جزاءً إلا نفس وجوده لكفى به جزاءً، وكفى بفوته حسرة وعقوبة.

قال بعض العارفين: "مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والتنعُّم بذكره وطاعته" وقال آخر: "والله ما طابت الدنيا إلا بمحبَّته وطاعته، ولا الجنة إلا برؤيته ومشاهدته".

وقال آخر: "من قرت عينه بالله تعالى قرَّت به كل عين، ومن لم تقرَّ عينه بالله تقطع قلبه على الدنيا حسرات".

ومن علامات صحة القلب: أن لا يفتُر عن ذكر ربه، ولا يسأم من خدمته، ولا يأنس بغيره، إلا بمن يدلُّه عليه، ويذكِّره به، ويذاكره بهذا الأمر.

ومن علامات صحته: أنه إذا فاته وِرْدُه وجد لفواته ألمَا أعظم من تألُّم الحريص بفوات ماله وفقده.

ومن علامات صحته: أنه يشتاق إلى الخدمة، كما يشتاق الجائع إلى الطعام والشراب.

ومن علامات صحته: أنه إذا دخل فى الصلاة ذهب عنه همُّه وغمه بالدنيا، واشتد عليه خروجه منها، ووجد فيها راحتَه ونعيمه، وقرة عينه وسرور قلبه.

ومن علامات صحته: أن يكون همُّه واحدا، وأن يكون في الله.

ومن علامات صحته: أن يكون أشحَّ بوقته أن يذهب ضائعا من أشد الناس شحا بماله.

ومنها: أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل، فيحرص على الإخلاص فيه والنصيحة والمتابعة والإحسان، ويشهد مع ذلك منَّة الله عليه فيه، وتقصيره فى حق الله.
ذلك منة الله عليه فيه وتقصيره فى حق الله، فهذه ست مشاهد لا يشهدها إلا القلب الحى السليم... انتهى باختصار


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 100
الخميس 15 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

علامات مرض القلب وصحته قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في كتاب (إغاثة اللهفان في مصايد ...

علامات مرض القلب وصحته

قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في كتاب (إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان):

كل عضو من أعضاء البدن خُلق لفعل خاص به، كمالُه فى حصول ذلك الفعل منه، ومرضه أن يتعذر عليه الفعل الذى خُلق له، حتى لا يصدر منه، أو يصدر مع نوع من الاضطراب.

فمرض اليد: أن يتعذَّر عليها البطش، ومرض العين: أن يتعذر عليها النظر والرؤية، ومرض اللسان: أن يتعذر عليه النطق، ومرض البدن: أن يتعذر عليه حركته الطبيعية أو يضعف، ومرض القلب: أن يتعذر عليه ما خُلق له من المعرفة بالله، ومحبته، والشوق إلى لقائه، والإنابة إليه، وإيثار ذلك على كل شهوة.


• من لم يعرف ربه

فلو عرف العبد كلَّ شىء ولم يعرف ربه، فكأنه لم يعرف شيئا، ولو نال كلَّ حظ من حظوظ الدنيا ولذاتها وشهواتها، ولم يظفر بمحبة الله والشوق إليه والأنس به، فكأنه لم يظفر بلذة ولا نعيم ولا قرة عين، بل إذا كان القلب خاليا عن ذلك عادت تلك الحظوظ واللذات عذابا له ولا بد...

وكل من عرف الله أحبه، وأخلص العبادة له ولا بدَّ، ولم يؤثر عليه شيئا من المحبوبات فمن آثر عليه شيئا من المحبوبات، فقلبه مريض، كما أن المعدة إذا اعتادت أكل الخبيث وآثرته على الطيب سقطت عنها شهوة الطيِّب، وتعوَّضت بمحبة غيره.


• قلب مريض وصاحبه لا يعلم

وقد يمرض القلب ويشتد مرضه، ولا يعرف به صاحبُه، لاشتغاله وانصرافِه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، وعلامة ذلك أنه لا تؤلمه جراحات القبائح، ولا يوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة، فإن القلب إذا كان فيه حياة يألم بورود القبيح عليه، ويألم بجهله بالحق بحسب حياته، وَمَا لِجُرْحٍ بَمِّيتٍ إيلامُ.


• لا يصبر على الدواء

وقد يشعر بمرضه، ولكن يشتد عليه تحمُّل مرارة الدواء والصبر عليها، فيؤثر بقاء ألمه على مشقة الدواء، فإن دواءه فى مخالفة الهوى، وذلك أصعب شيء على النفس، وليس لها أنفع منه.

وتارة يوطِّن نفسه على الصبر، ثم ينفسخ عزمه، ولا يستمر معه لضعف علمه وبصيرته وصبره، كمن دخل فى طريق مَخوف مُفض إلى غاية الأمن، وهو يعلم أنه إن صبر عليه انقضى الخوف وأعقبه الأمن، فهو محتاج إلى قوة صبر، وقوة يقين بما يصير إليه، ومتى ضعف صبره ويقينه رجع من الطريق، ولم يتحمَّل مشقتها، ولا سيما إن عدِم الرفيق، واستوحش من الوحدة، وجعل يقول: أين ذهب الناس؟ فلي بهم أسوة.


• حال أكثر الخلق

وهذه حال أكثر الخلق، وهى التي أهلكتهم، فالبصير الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق ولا من فقده إذا استشعر قلبُه مرافقة الرعيل الأول، {الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]، فتفرُّدُ العبد فى طريق طلبه دليل على صدق الطلب....

وما أحسن ما قال أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبى شامة فى كتاب (الحوادث والبدع): "حيث جاء به الأمر بلزوم الجماعة: فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسِّك به قليلا والمخالف له كثيرا"، لأن الحق هو الذى كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم.....

والمقصود أن من علامات أمراض القلوب عدولُها عن الأغذية النافعة الموافقة لها إلى الأغذية الضارة، وعدولُها عن دوائها النافع إلى دائها الضار، فهنا أربعة أمور: غذاء نافع، ودواء شاف، وغذاء ضار، وداء مهلك.
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 491 انفوغرافيك العدد: عمليات جنود الخلافة بولاية ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 491
انفوغرافيك العدد:
عمليات جنود الخلافة بولاية الصومال

• خلال 52 يوما
من 16 شعبان 1446 هـ حتى 10 شوال 1446 هـ

• 55 عملية
38 عبوة ناسفة
10 صولات واشتباكات
7 قصف بالقذائف الصاروخية والهاون

• 318 قتيلا وجريحا
بينهم عدد من الضباط والقادة

• تدمير وإعطاب 26 آلية متنوعة

◾ أبرز العمليات

▪ (٢١/ شعبان)

اشتبك المجاهدون مع قوات العدو قرب قرية (دندمنلي)، استمرت عدة ساعات أسفرت عن مقتل تسعة عناصر وإصابة نحو ١٣ آخرين.

▪ (٣/ رمضان)

اشتبك المجاهدون مع قوات العدو قرب قرية (جيس قبد)، وأسفرت الاشتباكات عن مقتل ثلاثة عناصر وإصابة نحو ١٦ آخرين.

▪ (١٠/ رمضان)

سلسلة تفجيرات ضربت دوريات العدو في قرى (ترمسالي، شيباب، طادار، قرع)، أدت لمقتل وإصابة ٢١ عنصرا وتدمير وإعطاب ٥ آليات.

▪ (١٥/ رمضان)

قصف تجمعات العدو في قرية (جيس قبد) بالقذائف، والاشتباك معهم أربع ساعات، ما أسفر عن مقتل ستة عناصر وإصابة نحو ٢٧ آخرين.

▪ (١٧/ رمضان)

اشتبك المجاهدون مع أعداد كبيرة من قوات العدو قرب (وادي ميرالي)، لسبع ساعات متواصلة، أسفرت عن مقتل ١٢ عنصرا وإصابة نحو ٢٥ آخرين.

* المصدر:
صحيفة النبأ العدد 491
السنة السادسة عشرة - الخميس 19 شوال 1446 هـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 491 المقال الافتتاحي: معركة الجمارك الأمريكية بعد معركة ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 491
المقال الافتتاحي:
معركة الجمارك الأمريكية


بعد معركة "البيت البيضاوي" التي فتح فيها الطاغوت الأمريكي النار على أوروبا، ها هو يلقي في "حديقة الورود" قنبلة نووية على الاقتصاد العالمي بأسره! مستهدفًا حلفاءه قبل أعدائه! عبر فرض تعريفات جمركية خيالية، يريد من خلالها "إنقاذ" الاقتصاد الأمريكي من الغرق، مكرِّرًا بذلك سياسات أسلافه التي زادتهم رهقًا وغرقًا.

فما فعله "ترامب" ليس جديدا على عالم السياسات الأمريكية الفاشلة في علاج أزماتهم المزمنة، فقد سبقه وشابهه قانون "سموت هاولي" للتعريفات الجمركية الذي فرضه الطاغوت "هربرت هوفر" قبل نحو قرن لنفس الأسباب التي يتعلل بها "ترامب" اليوم، إلا أن ردود الفعل المضادة على تلك التعريفات، أحدثت العكس وزادت المركب الأمريكي غرقا، وهو ما يتكرر اليوم.

يبرر "ترامب" خطوته المتشنجة بأنها تهدف إلى تجاوز "العجز التجاري" الأمريكي وإحداث "توازن" مع الدول المنافسة، خصوصا الصين والاتحاد الأوروبي، عبر تطبيق سياسة "العين بالعين" أي المعاملة بالمثل.

المعاملة بالمثل ستدفع الدول المتضررة إلى تطبيق نفس السياسة مع أمريكا، وبالفعل، فالرد الصيني والأوروبي لم يتأخر وجاء قويا وموازيا، وهو ما يهيئ الفرصة لاندلاع مزيد من المعارك الاقتصادية المتبادلة بين أعداء الإسلام، وتعمُّقها وانتقالها إلى ميادين جديدة خارج الميدان الاقتصادي.

إن ما حدث هو بمثابة فرض "حواجز وقيود" على حرية التجارة التي كان الصليبيون يتفاخرون بها، وينظرون إليها رمزا لقوتهم ووحدتهم؛ بينما هم اليوم يفضّون وحدتهم بأموالهم، ويهدمون بيوتهم بأيديهم.

وبعيدا عن الغوص في تعقيدات الاقتصاد، تنطوي الخطوة الترامبية على مخاوف حقيقية من حدوث "ركود عالمي" غير مسبوق يضرب الاقتصاد العالمي، إلى حد دفع "خبراء الاقتصاد" الدوليين إلى التحذير من خطورة الخطوة واصفين إيّاها بـ "القنبلة النووية! والزلزال الاقتصادي!"

الزلزال الاقتصادي بالفعل بدأ يضرب الأسواق العالمية الربوية التي تقتات عليها الحكومات الكافرة التي تساق راغمة إلى مستقبلها الأسود المليء بالحروب والتصدعات السياسية والاقتصادية.

وإلى جانب التبعات الاقتصادية والسياسية، فإنّ للأزمة تبعات اجتماعية وخيمة على شعوب هذه الدول الصليبية، فارتفاع معدلات البطالة وتفشي الفقر كل ذلك سيؤدي حتما إلى تفشي جرائم القتل والسرقة وتجارة المخدرات والبشر، وستنشأ أجيال أمريكية أوروبية تمتهن الجريمة! وتقتل لكي تأكل! إننا نتحدث عن تفكك اجتماعي يفوق حد السيطرة والعلاج.

ولكي نقرّب الصورة أكثر، نستذكر ما حلّ بهذه الشعوب الصليبية إبّان "أزمة كورونا" وكيف ظهرت على حقيقتها الهمجية البهيمية في السرقة والنهب والاعتداء بحثا عن الطعام والمال، كان ذلك عينة صغيرة من التفكك الاجتماعي الناجم عن الأزمة الاقتصادية بفعل "الفيروس الصيني!"، بينما التفكك المتوقع حدوثه بفعل "الكساد الأمريكي" سيفوق كل الحدود.

في البعد الشرعي، فإنّ الأسباب التي أدت إلى خلخلة النظام الاقتصادي العالمي ممتدة متعددة نلخِّصها في أمرين اثنين، الأول: قيامه على الربا جملة وتفصيلا، والثاني: تورطه -بقيادة أمريكا- في سلاسل الحروب الصليبية باهظة التكلفة، والتي بلغت ذروتها في مرحلة "التحالف الدولي" الذي أنفق المليارات على حرب الدولة الإسلامية، بعد أن جرجرته إلى أكبر معركة استنزاف معاصرة، ولا أدلّ على ذلك من أنّ الخطوة التي اضطرت أمريكا لاتخاذها لتدارك الأمر؛ هي تعزيز السياسة الانسحابية من المنطقة، كي تقلل نفقاتها العسكرية وتُوفرها لعلاج أزماتها المتفاقمة خلف المحيطات.

وبذلك جمعت أمريكا ونظامها الدولي بين الأمرين الأمرّين الموجبين لحرب الله تعالى؛ فرابت، وأولياء الله عادت؛ فاستحقّت بذلك وعيد الله تعالى في الحديث القدسي: (مَن آذى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب)، كما استحقّت وعيده للمرابين في قوله سبحانه: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، قال ابن عباس: أي "استيقِنوا بحرب من الله ورسوله"، قال قتادة: "أوعدهم الله بالقتل كما تسمعون"، قال أبو جعفر: "هذه الأخبار تنبئ عن أنّ -الآية- إيذان من الله عز وجل لهم بالحرب والقتل" أهـ. كما قال سبحانه: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}، فالحرب والمحق والسحق هو وعد الله الذي ينتظر اقتصاد الكافرين ونظامهم الربوي، سواء حكمهم "ترامب" أو غيره، وسواء حكمهم اليسار أو يمينه، ومصير قارون وفرعون هو ما ينتظر الطاغوت الأمريكي وأمثاله، فكيف يفلح نظام هذا حاله ومآله؟!


إن الكساد الذي يهدد الاقتصاد العالمي الربوي، لن يقتصر على أمريكا أو أوروبا، بل سيطال جميع الأنظمة والحكومات الطفيلية التي ربطت مصيرها بأمريكا وحلفها ودولارها، بل ستكون أزمتها أكبر من أزمة دولة الدولار نفسها! وستغدو عملة الدولار التي استخدمتها أمريكا في إخضاع وابتزاز الشركاء والأعداء، ستغدو أيقونة الأزمة الاقتصادية، وستنقلب لعنة ووبالا على عبادها البائعين أنفسهم بها.

لكن هذا لا يعني أن يتّكل المسلمون على ذلك، فليس بالضرورة أن يسقط هذا النظام الجاهلي غدا أو بعد غد، فقد تطول أو تقصر مدة بقائه وتربُّعه على عرش الحرب على الإسلام، وقد يسقط وينشأ بعده نظام أكثر حرابة.

وإنما المطلوب من المسلمين شرعا وواقعا، أن يعززوا نظام اقتصادهم بالصدقات كي لا يكون المال دولة بين الأغنياء منهم، والمطلوب الاعتماد على الذهب قدر المستطاع، وهجر البنوك الربوية ومعاملاتها التي تفشّت في المجتمعات الجاهلية، كما عليهم وجوبًا مناصرة المجاهدين ومؤازرتهم والالتحاق بهم، لأنهم الطائفة التي سيجري الله على أيديها أقداره بهزيمة الكافرين وتدمير عروشهم.

لقد بات ثابتًا أنّ الاقتصاد الأمريكي وتبعًا له العالمي، يعيش أزمة مزمنة، كلما وضعوا خطة لعلاجه، انتكست حالته مجددا فعادوا من حيث بدأوا، فهم في الحقيقة من أزمة إلى أخرى، لأن الأساس الذي بنوا عليه اقتصادهم؛ أساس متصدع متداع يتضمن كل أسباب السقوط والانهيار، {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ}.

ختاما، زعم الأهوج "ترامب" مرارا أنه انتصر في محاربة الجهاد، وبينما هو الآن منهمك في محاربة السيارات الألمانية والبضائع الصينية! ومقبل على المزيد من هذه المعارك التجارية؛ يبقى الجهاد المستفيد الأكبر من هذه المعارك التي اندلعت بين هذه الدول الكافرة، لأن جميعها عدو للجهاد الذي هو قدر الطائفة المنصورة إلى يوم الدين.


* المصدر:
صحيفة النبأ العدد 491
السنة السادسة عشرة - الخميس 19 شوال 1446 هـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 491 المقال الافتتاحي: معركة الجمارك الأمريكية [2/2] إن ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 491
المقال الافتتاحي:
معركة الجمارك الأمريكية

[2/2]
إن الكساد الذي يهدد الاقتصاد العالمي الربوي، لن يقتصر على أمريكا أو أوروبا، بل سيطال جميع الأنظمة والحكومات الطفيلية التي ربطت مصيرها بأمريكا وحلفها ودولارها، بل ستكون أزمتها أكبر من أزمة دولة الدولار نفسها! وستغدو عملة الدولار التي استخدمتها أمريكا في إخضاع وابتزاز الشركاء والأعداء، ستغدو أيقونة الأزمة الاقتصادية، وستنقلب لعنة ووبالا على عبادها البائعين أنفسهم بها.

لكن هذا لا يعني أن يتّكل المسلمون على ذلك، فليس بالضرورة أن يسقط هذا النظام الجاهلي غدا أو بعد غد، فقد تطول أو تقصر مدة بقائه وتربُّعه على عرش الحرب على الإسلام، وقد يسقط وينشأ بعده نظام أكثر حرابة.

وإنما المطلوب من المسلمين شرعا وواقعا، أن يعززوا نظام اقتصادهم بالصدقات كي لا يكون المال دولة بين الأغنياء منهم، والمطلوب الاعتماد على الذهب قدر المستطاع، وهجر البنوك الربوية ومعاملاتها التي تفشّت في المجتمعات الجاهلية، كما عليهم وجوبًا مناصرة المجاهدين ومؤازرتهم والالتحاق بهم، لأنهم الطائفة التي سيجري الله على أيديها أقداره بهزيمة الكافرين وتدمير عروشهم.

لقد بات ثابتًا أنّ الاقتصاد الأمريكي وتبعًا له العالمي، يعيش أزمة مزمنة، كلما وضعوا خطة لعلاجه، انتكست حالته مجددا فعادوا من حيث بدأوا، فهم في الحقيقة من أزمة إلى أخرى، لأن الأساس الذي بنوا عليه اقتصادهم؛ أساس متصدع متداع يتضمن كل أسباب السقوط والانهيار، {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ}.

ختاما، زعم الأهوج "ترامب" مرارا أنه انتصر في محاربة الجهاد، وبينما هو الآن منهمك في محاربة السيارات الألمانية والبضائع الصينية! ومقبل على المزيد من هذه المعارك التجارية؛ يبقى الجهاد المستفيد الأكبر من هذه المعارك التي اندلعت بين هذه الدول الكافرة، لأن جميعها عدو للجهاد الذي هو قدر الطائفة المنصورة إلى يوم الدين.


* المصدر:
صحيفة النبأ العدد 491
السنة السادسة عشرة - الخميس 19 شوال 1446 هـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 491 المقال الافتتاحي: معركة الجمارك الأمريكية [1/2] بعد ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 491
المقال الافتتاحي:
معركة الجمارك الأمريكية

[1/2]
بعد معركة "البيت البيضاوي" التي فتح فيها الطاغوت الأمريكي النار على أوروبا، ها هو يلقي في "حديقة الورود" قنبلة نووية على الاقتصاد العالمي بأسره! مستهدفًا حلفاءه قبل أعدائه! عبر فرض تعريفات جمركية خيالية، يريد من خلالها "إنقاذ" الاقتصاد الأمريكي من الغرق، مكرِّرًا بذلك سياسات أسلافه التي زادتهم رهقًا وغرقًا.

فما فعله "ترامب" ليس جديدا على عالم السياسات الأمريكية الفاشلة في علاج أزماتهم المزمنة، فقد سبقه وشابهه قانون "سموت هاولي" للتعريفات الجمركية الذي فرضه الطاغوت "هربرت هوفر" قبل نحو قرن لنفس الأسباب التي يتعلل بها "ترامب" اليوم، إلا أن ردود الفعل المضادة على تلك التعريفات، أحدثت العكس وزادت المركب الأمريكي غرقا، وهو ما يتكرر اليوم.

يبرر "ترامب" خطوته المتشنجة بأنها تهدف إلى تجاوز "العجز التجاري" الأمريكي وإحداث "توازن" مع الدول المنافسة، خصوصا الصين والاتحاد الأوروبي، عبر تطبيق سياسة "العين بالعين" أي المعاملة بالمثل.

المعاملة بالمثل ستدفع الدول المتضررة إلى تطبيق نفس السياسة مع أمريكا، وبالفعل، فالرد الصيني والأوروبي لم يتأخر وجاء قويا وموازيا، وهو ما يهيئ الفرصة لاندلاع مزيد من المعارك الاقتصادية المتبادلة بين أعداء الإسلام، وتعمُّقها وانتقالها إلى ميادين جديدة خارج الميدان الاقتصادي.

إن ما حدث هو بمثابة فرض "حواجز وقيود" على حرية التجارة التي كان الصليبيون يتفاخرون بها، وينظرون إليها رمزا لقوتهم ووحدتهم؛ بينما هم اليوم يفضّون وحدتهم بأموالهم، ويهدمون بيوتهم بأيديهم.

وبعيدا عن الغوص في تعقيدات الاقتصاد، تنطوي الخطوة الترامبية على مخاوف حقيقية من حدوث "ركود عالمي" غير مسبوق يضرب الاقتصاد العالمي، إلى حد دفع "خبراء الاقتصاد" الدوليين إلى التحذير من خطورة الخطوة واصفين إيّاها بـ "القنبلة النووية! والزلزال الاقتصادي!"

الزلزال الاقتصادي بالفعل بدأ يضرب الأسواق العالمية الربوية التي تقتات عليها الحكومات الكافرة التي تساق راغمة إلى مستقبلها الأسود المليء بالحروب والتصدعات السياسية والاقتصادية.

وإلى جانب التبعات الاقتصادية والسياسية، فإنّ للأزمة تبعات اجتماعية وخيمة على شعوب هذه الدول الصليبية، فارتفاع معدلات البطالة وتفشي الفقر كل ذلك سيؤدي حتما إلى تفشي جرائم القتل والسرقة وتجارة المخدرات والبشر، وستنشأ أجيال أمريكية أوروبية تمتهن الجريمة! وتقتل لكي تأكل! إننا نتحدث عن تفكك اجتماعي يفوق حد السيطرة والعلاج.

ولكي نقرّب الصورة أكثر، نستذكر ما حلّ بهذه الشعوب الصليبية إبّان "أزمة كورونا" وكيف ظهرت على حقيقتها الهمجية البهيمية في السرقة والنهب والاعتداء بحثا عن الطعام والمال، كان ذلك عينة صغيرة من التفكك الاجتماعي الناجم عن الأزمة الاقتصادية بفعل "الفيروس الصيني!"، بينما التفكك المتوقع حدوثه بفعل "الكساد الأمريكي" سيفوق كل الحدود.

في البعد الشرعي، فإنّ الأسباب التي أدت إلى خلخلة النظام الاقتصادي العالمي ممتدة متعددة نلخِّصها في أمرين اثنين، الأول: قيامه على الربا جملة وتفصيلا، والثاني: تورطه -بقيادة أمريكا- في سلاسل الحروب الصليبية باهظة التكلفة، والتي بلغت ذروتها في مرحلة "التحالف الدولي" الذي أنفق المليارات على حرب الدولة الإسلامية، بعد أن جرجرته إلى أكبر معركة استنزاف معاصرة، ولا أدلّ على ذلك من أنّ الخطوة التي اضطرت أمريكا لاتخاذها لتدارك الأمر؛ هي تعزيز السياسة الانسحابية من المنطقة، كي تقلل نفقاتها العسكرية وتُوفرها لعلاج أزماتها المتفاقمة خلف المحيطات.

وبذلك جمعت أمريكا ونظامها الدولي بين الأمرين الأمرّين الموجبين لحرب الله تعالى؛ فرابت، وأولياء الله عادت؛ فاستحقّت بذلك وعيد الله تعالى في الحديث القدسي: (مَن آذى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب)، كما استحقّت وعيده للمرابين في قوله سبحانه: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، قال ابن عباس: أي "استيقِنوا بحرب من الله ورسوله"، قال قتادة: "أوعدهم الله بالقتل كما تسمعون"، قال أبو جعفر: "هذه الأخبار تنبئ عن أنّ -الآية- إيذان من الله عز وجل لهم بالحرب والقتل" أهـ. كما قال سبحانه: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}، فالحرب والمحق والسحق هو وعد الله الذي ينتظر اقتصاد الكافرين ونظامهم الربوي، سواء حكمهم "ترامب" أو غيره، وسواء حكمهم اليسار أو يمينه، ومصير قارون وفرعون هو ما ينتظر الطاغوت الأمريكي وأمثاله، فكيف يفلح نظام هذا حاله ومآله؟!


* المصدر:
صحيفة النبأ العدد 491
السنة السادسة عشرة - الخميس 19 شوال 1446 هـ
...المزيد

صحيفة النبأ - العدد 72 مقال: ما لا يسع الحائض والنُّفَساء جهله لما كان الحيض أمرا قد كتبه ...

صحيفة النبأ - العدد 72
مقال:

ما لا يسع الحائض والنُّفَساء جهله

لما كان الحيض أمرا قد كتبه الله -عز وجل- على بنات آدم، كان كتاب الحيض من أهم المسائل الفقهية وأدقِّها، لتعلقه بالعبادات من صلاة وصيام وغيرها، وتعلقه كذلك بالمعاملات التي يدخل فيها فقه الأسرة، ومنه النكاح والطلاق وغير ذلك، وهو الذي قال فيه الإمام أحمد، رحمه الله تعالى: "مكثت في الحيض تسع سنين حتى علمته"، فكان حرياً بكل مسلمة أن تتفقَّه فيه، وتعرف ما لها وما عليها أثناء حيضها ونفاسها، وتكون معنية بأمر دينها، تسأل دون حرج من تثق في علمهم، لا المتعالمين والمتعالمات، المتجرِّئين على الفتيا والمتجرّئات، كيلا تقع في محظور شرعي، ولا تأتي بقول أو فعل بدعي، ورضي الله عن الصدِّيقة عائشة إذ تقول: "نِعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" [رواه البخاري].

الحيض والنفاس يشتركان في الأحكام:

ابتداءً، لتعلم المسلمة أنه لا فرق بين الحيض والنفاس من حيث الأحكام، وقد بوَّب الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: [باب من سمَّى النفاس حيضا، والحيض نفاسا]، جاء فيه: "عن أبي سلمة أن زينب بنت أم سلمة، حدثته أن أم سلمة حدثتها قالت: بينا أنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مضطجعة في خميصة، إذ حضت، فانسللت، فأخذت ثياب حيضتي، قال: (أنَفِستِ؟) قلت: نعم، فدعاني، فاضطجعتُ معه في الخميلة".
غير أن الحيض دم ينزل من رحم المرأة بعد بلوغها في أوقات معتادة من الشهر، أقلُّ مدته ساعة، وأكثرُ مدته خمسة عشر يوماً على أرجح الأقوال، وما زاد على ذلك عدَّہ العلماء استحاضة.

وأما النِّفاس فهو الدم الذي ينزل من المرأة بعد الولادة أو عند السقط، وأحيانا يسبق موعد الولادة بيوم أو يومين أو ثلاثة مع الطَّلق، لأنه علامة الولادة أو قربها ويخرج بسبب ترخية الرحم، فمن تكون قد أوشكت على الولادة ورأت دما فإنه دم نفاس وعلامة مخاض، والله أعلم.

- الفرق بين الحائض والمستحاضة:

الاستحاضة نزول الدم على المرأة في غير أوقاته المعتادة من عرق يسمى العاذل، أو استمرار نزول الدم عليها بعد انتهاء أيام حيضها المعتادة، وهنا تجدر الإشارة إلى نقطتين مهمتين ينبغي على الأخت المسلمة التفطن والاحتراز منهما، أولاها: أن تحسن المرأة حساب تاريخ حيضتها وعدد أيامها، حتى إذا ما نزل الدم في غير وقته المعتاد، أو زادت أيام فترة الحيض، علمت المرأة أن ذلك دم استحاضة، فعن عائشة أنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حُبيش لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إني لا أطهر أفأدَعُ الصلاة، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إنما ذلك عِرقٌ وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدْرُها، فاغسِلي عنك الدم وصلي) [رواه البخاري].

وثانيها: أن تُحسن التمييز بين دم الحيض ودم الاستحاضة، فلكليهما صفة تختلف عن الأخرى، كما ينبغي للمسلمة أن تميِّز علامة طهرها ونقائها، وللطهر علامتان؛ إما قَصة بيضاء وإما جُفوف، فأما القَصة فهي عبارة عن ماء أبيض يدفعه الرحم عند انتهاء الدم، كما في حديث الفقيهة العالمة أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها وعن أبيها، فعن علقمة بن أبي علقمة، عن أمِّه، مولاة عائشة أم المؤمنين أنها قالت: كان النساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكُرسُف، فيه الصفرة من دم الحيضة، يسألنها عن الصلاة. فتقول لهن: (لا تعجلن حتى ترين القَصَّة البيضاء. تريد بذلك الطُّهر من الحيضة) [رواه مالك]، وأما الجفوف فهو لمن لا ترى القَصَّة فتدخل خرقة فتخرجها جافة.

- أحكام الحيض والنفاس:

كما أشرنا آنفا فإن للحيض والنفاس أحكاما تتعلق بالعبادات والمعاملات، أولها أن المرأة إذا حاضت أو وضعت مولودا ورأت دما تنقطع عن الصلاة والصوم، وهذا هو نقصان الدين الذي وصف به النبي -صلى الله عليه وسلم- النساءَ، إذ جاء في الحديث عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله قال: (ما رأيت مِن ناقصات عقل ولا دين أغلب لذي لُبٍّ منكن). قالت: "وما نقصان العقل والدين؟". قال: (أما نُقصان العقل فشهادة امرأتين شهادة رجل، وأما نقصان الدين فإن إحداكن تُفطر رمضان وتقيم أياما لا تصلي) [رواه أبو داود ورواه الشيخان مطوّلا].

وعند انتهاء المرأة من حيضتها أو خروجها من النفاس تغتسل غسل رفع الحدث الأكبر ولا تقضي تلك الصلوات التي تركتها، على خلاف الصوم فإن المرأة إذا حاضت أو نفست في رمضان، وجب عليها قضاء الأيام التي أفطرتها، فعن معاذة، أن امرأة قالت لعائشة: "أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟"، فقالت: "أحرورية أنت؟ كنا نحيض مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يأمرنا به"، أو قالت: "فلا نفعله" [رواه البخاري]. وقد نقلَ الإجماع بوجوب قضاء الصوم طائفةٌ من أهل العلم، رحمهم الله.

كما ويَحرم على الحائض والنفساء أن يأتيها زوجها لقول الله، عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]؛ قال الإمام الطبري -رحمه الله تعالى- في تفسيره: "وإنما كان القوم سألوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم -فيما ذُكر لنا- عن الحيض، لأنهم كانوا قبل بيان الله لهم ما يتبيَّنون من أمره، لا يساكنون حائضاً في بيت، ولا يؤاكلونهنَّ في إناء ولا يشاربونهن. فعرَّفهم الله بهذه الآية، أنّ الذي عليهم في أيام حيض نسائهم، أن يجتنَّبوا جماعهن فقط، دون ما عدا ذلك من مضاجعتهن ومؤاكلتهن ومشاربتهن".

وعن عروة، أنه سُئل: "أتخدمني الحائض أو تدنو مني المرأة وهي جُنُب؟"، فقال عروة: "كل ذلك عليَّ هيِّن، وكل ذلك تخدمني وليس على أحد في ذلك بأس، أخبرتني عائشة: أنها كانت ترجِّل، تعني رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي حائض، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينئذ مجاور في المسجد، يُدني لها رأسه، وهي في حجرتها، فتُرجِّله وهي حائض" [رواه البخاري].
ويجوز للرجل –إن كان يملك إربَه- أن يباشر زوجته الحائض ويستمتع بها دون الجماع وهي متَّزرة؛ عن عائشة قالت: "كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يباشرها، أمَرَها أن تتَّزر في فور حيضتها ثم يباشرها، قالت: وأيُّكم يملك إربه كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يملك إربه" [أخرجه البخاري].

أما الحج فإن من تحيض فيه أو يفاجئها المخاض؛ تؤدي المناسك جميعها إلا الطواف بالبيت؛ عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "خرجنا لا نرى إلا الحج، فلما كنا بسَرَف حضت، فدخل عليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي، قال: (ما لك أنَفِستِ؟)، قلت: نعم، قال: (إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت)" [متفق عليه].

كما ويَجدر بالمسلمة أن تعلم أن الحيض لا ينفي كل عبادة، فالذكر والتسبيح والتحميد والتهليل والدعاء لا بأس به، وأما مسألة قراءة الحائض من المصحف فمسألة اختلف فيها أهل العلم، والجمهور على القول بمنع الحائض من قراءة القرآن.

ويجوز للحائض دخول المسجد لتناول حاجة أو المرور عبره إذا أمنت التلويث ولا تمكث فيه؛ عن عائشة قالت: "قال لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ناوليني الخُمْرة من المسجد)"، قالت: "فقلت: إني حائض، فقال: (إنَّ حيضَتكِ ليست في يَدِك)" [رواه مسلم].

وأما في المعاملات فهناك مسألة تجهلها الكثير من النساء، ألا وهي حكم الطلاق في زمن الحيض، فقد أجمع أهل العلم على أنه طلاق بِدعي محرَّم؛ عن ابن عمر، أنه طلَّق امرأته، وهي حائض في عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (مُره فليراجِعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلَّق قبل أن يمس، فتلك العِدَّة التي أمر الله -عز وجل- أن يُطلق لها النساء) [متفق عليه]، غير أن الفقهاء اختلفوا في هل يقع طلاق الحائض أم لا.

وأخيراً: على الحائض والنفساء أن تغتسل إذا ما طهرت -بالإجماع- لأداء ما عليها من واجبات وغيرها.

- هل المستحاضة لها أحكام الحائض؟

ربما تسأل سائلة: هل هذه الأحكام من منع وإباحة تجري على المستحاضة كما تجري على الحائض؟
والجواب: لا، فإنه ولما كان لدم الحيض صفة مختلفة عن دم الاستحاضة، جاءت أحكامهما أيضا مختلفة، فالمستحاضة تصوم وتصلي وتطوف بالبيت وغير ذلك، إلا أنها تغسل موضع الدم وتتوضأ عند دخول كل صلاة؛ عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أم حبيبة بنت جحش، خَتَنَة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فاغتسلي وصلِّي) [رواه مسلم]، هذا والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.

المصدر: صحيفة النبأ - العدد 72
الخميس 17 جمادى الآخرة 1438 ه‍ـ
...المزيد

إقامة الدولة الإسلامية.. بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة (4) الرافضة الاثنا عشرية من إمامة ...

إقامة الدولة الإسلامية.. بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة (4)
الرافضة الاثنا عشرية
من إمامة المعدوم.. إلى ولاية الطواغيت


أوردنا في الحلقة الماضية من هذه السلسلة لمحات عن تاريخ نشوء دين الرافضة على أساس نظرية (الإمامة الإلهية) الباطلة، وما اشتُق منها من نظريات (الوصية) و(النص)، و(التقية) و(البداء)، و(الغيبة) و(الرجعة)، وغيرها من البدع المكفرة والخرافات.

وسنحاول في هذه الحلقة بإذن الله أن نبين كيف اضطر الروافض إلى التلاعب بنظرية (الإمامة الإلهية) التي اشترطوها لإقامة الدولة الإسلامية، وكيف أضافوا التعديل تلو التعديل عليها حتى وصلوا إلى نظرية (ولاية الفقيه) التي تنقض أصول نظريتهم الأولى، وتقوم عليها دولة إيران الشركية اليوم، وتسعى لتعميمها على بلاد المسلمين كافة.

فبخلاف ما يزعمه الرافضة من أن دينهم وحي من السماء على رسول الله محمد، صلى الله عليه وسلم، وأنه وصل إليهم مسلسلا منه عبر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأبنائه، حتى دوَّنوه في القراطيس ونشروه بين الناس، فإن أكثر الباحثين المحقِّقين يجزمون بأن هذا الدين كتبه علماء الرافضة بعد موت كل من يزعمون له الإمامة والعصمة من أبناء علي، رضي الله عنه، ودخولهم في ما يسمّونه (عصر الغيبة) أي غيبة إمامهم الثاني عشر الذي اختلقوه من العدم، ليرقّعوا به ثوبهم المزِق، ويعززوا به بنيانهم الهدِم.

فلم يكتفِ الرافضة باشتراط العصمة والنص لمنصب الإمامة، ليدعوا بذلك نقض شرعية كل خلفاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من لدن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، ويبرروا الخروج عليهم، وتكفيرهم، بل توجهوا إلى عامة المسلمين ليشترطوا عليهم في دينهم أمورا تُلزمهم ببيعة أئمتهم والدخول في دين الرفض ليكونوا مسلمين.
فكان أهم ما بدؤوا به هو موضوع الإمامة، فجعلوا منها أصلا من أصول الدين، ومن لم يعرف إمام زمانه، ويبايعه فلا إيمان له، ولذلك وقع عندهم الخلاف في إيمان بعض من كبار أصحاب أئمتهم لما ماتوا في فترات الاختلاف على تحديد الإمام.
وليضيِّقوا على أتباع دينهم أكثر، فقد قالوا بتوقيف كل ما يتعلق بمنصب الإمامة من أحكام كالقضاء وإقامة الحدود والحسبة والجهاد والجمعة، وغيرها، فلا يصح أن يقوم بها إلا من يزعمون إمامته أو من ينصِّبه الإمام لذلك، وحرَّموا عليهم أن يتقاضوا إلى من يسمونهم بـ "أئمة الجور"، أو يقاتلوا من ورائهم، أو يصلوا الجمعة خلفهم، أو يؤدوا إليهم زكاتهم.

بل وامتد تحريفهم إلى التشريع في الدين، فمنعوا أتباعهم من الأخذ من كتاب الله، أو سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، وألزموهم بأن يأخذوا الأحكام عن طريق "الأئمة" فحسب، وزعموا أن كلام أئمتهم هو القرآن الناطق، مقابل ما سموه "القرآن الصامت" الذي في مصاحف المسلمين وصدورهم، ثم تعدوا الأمر لينكروا توقف التشريع في الدين بموت النبي، صلى الله عليه وسلم، زاعمين أنه اختص آل بيته بالكثير من الأحكام التي لم تحدث الحاجة لإظهارها في حياته، وأن كل ما ينسبونه لأئمتهم من أقوال وأفعال، إنما هو مما ورثوه من علم النبوة، بل شطُّوا بعد ذلك بعيدا ليزعموا أن أئمتهم يوحى إليهم من الله تعالى، لتكون أقوالهم وحيا يوحى، ويجعلوها ضمن ما يسمونه "السنة" في باب أصول الفقه، فمنعوا الاجتهاد في الدين، وعدُّوا من يتصدى للفتيا من غير الأئمة بمثابة الطواغيت المشرِّعين، الحاكمين بغير ما أنزل الله.

ولم يقتصروا على حصرهم تفسير الكتاب والسنة بما ينسبونه لأئمتهم من أقوال، وتأويلهم نصوص الوحيين بتأويلات باطنية كاذبة، بل امتدت ألسنتهم الآثمة إلى تلك النصوص بالتكذيب والتحريف، فلا صحيح من السنة إلا ما وافق مذهبهم، بناء على القول المكذوب على جعفر (الصادق): "ما خالف العامة فهو الرشاد"، ويعنون بالعامة أهل السنة والجماعة، بل وكذّبوا حتى بصحة القرآن الكريم، زاعمين أن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرّفوا آياته، وحذفوا منها ما كان فيها من نص واضح على إمامة علي -رضي الله عنه- وآل بيته، وأزالوا ما فيه من لعن لأبي بكر وعمر وبني أمية، وكل من ليس على مذهبهم الباطل وملتهم الكافرة بزعمهم، ونسبوا إلى أئمتهم مصحفا غير الذي في أيدي الناس، وبالتالي فقد ادعوا احتكار الوحيين أيضا بعد أن احتكروا تأويلهما، وبيان الأحكام النازلة فيهما.

وزادوا على حصرهم دين الناس بأئمتهم، بأن ربطوا دنياهم بهم أيضا عن طريق إشاعة شرك العبودية بين أتباعهم، وحثهم على الاستغاثة بأئمتهم ودعائهم، والتقرب إليهم بالذبح والنذور، والتبرك بقبورهم، وما ينسبونه إلى آثارهم، ليرزقوهم الأموال والأولاد، أو يشفوهم من الأمراض، زعموا، وكل ذلك في إطار عملية شاملة لحشد الناس إلى حزبهم، وربطهم بمذهبهم.

وفيما ذكرنا من أخبار بنائهم دينهم كله على أصل الإمامة غنى عن إيراد المزيد من الأمثلة لتوضيح المراد، رغم أن دينهم الخرافي الوضعي مليء بأمثال هذه الغرائب.


- من "الإمامة الإلهية" إلى نيابة الإمام:

لم يستحِ الروافض من تغيير دينهم في مسألة الإمامة عدة مرات طوال قرنين من الزمن تقريبا، ولكن أحرج المواقف التي مرّوا بها كانت عند وفاة إمامهم الحادي عشر الحسن (العسكري) بن علي (الهادي)، وذلك في منتصف القرن الثالث الهجري، من غير أن يعقب، ولتسلم لهم نظريتهم اخترعوا قصة ولادة ولد للحسن (العسكري) من جارية رومية، وزعموا أن أمه أخفته لحمايته من الحكام حتى يكبر، ثم عدّلوا القصة ليقولوا إن أعداءه عثروا عليه وهو صبي، فاختبأ منهم في سرداب في مدينة سامراء بالعراق.

فلما طالت قصة اختبائه، وكثرت أسئلة أتباعه عنه، ومطالبتهم برؤيته لأخذ الدين منه، زعم الدجاجلة الكذبة أنه متخفٍّ عن الناس، ومحتجب عن أعينهم، فلا يعرفه إلا نائب له هو (عثمان بن سعيد العمري) الذي أخرج لهم رسائل زعم أنها بخط المهدي المزعوم، بتنصيبه نائبا عنه للرد على أسئلة الناس، وتبليغهم علم الإمام، واستلام الخمس منهم، والأخيرة هي الأهم كما سنرى لاحقا.

ومع ظهور نواب للإمام الثاني عشر محمد (المهدي) بن الحسن (العسكري)، انتهى عند الرافضة عصر الأئمة المعروفين وبدأ عصر الغيبة، وسميت هذه المرحلة بالغيبة الصغرى، لوجود نواب معروفين للإمام، يقومون مقامهم، ويحفظون لطواغيت الرافضة نظريتهم الباطلة وأصلهم الفاسد.

واستمرت مرحلة (الغيبة الصغرى) قرابة الـ 70 عاما، تعاقب على نيابة الإمام فيها 4 نواب، أهمهم بعد العمري ابنه محمد (ونلاحظ انتقال نيابة الإمام بالوراثة كمنصب الإمامة)، الذي استمر في منصبه 40 عاما، تلاه الحسين النوبختي، ثم علي المسيري، الذي انتهت بوفاته -سنة 329 هـ- هذه المرحلة، خاصة أنهم بوفاته شعروا أن كذبة الغيبة الصغرى ووجود الإمام في مكان خفي لن تنطلي على أحد بعد اليوم بانقضاء العمر المتوقع لغالب الناس.

وبدأت مرحلة (الغيبة الكبرى) التي منعوا من الخوض في كُنهها أو التساؤل عن مكان الإمام وموعد ظهوره فيها، والتي استمرت منذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا، ليعيش الرافضة طوال 1000 سنة دون إمام ظاهر، ويبدأ علماء الرافضة بوضع الأحاديث على ألسنة أئمتهم، وتتطور محاولاتهم الخروج من متاهة الغيبة بحلول متعددة، لا شك أن ولاية الفقيه في إيران الرافضية هي طورها الأعلى، ولذلك نجد إكثارهم هذا الزمان من الحديث عن (عصر الظهور)، ويقصدون بذلك ظهور المهدي (المنتظر) ليقيم الدولة الإسلامية العادلة، وينتقم من أعداء آل البيت (ويقصدون بهم أهل السنة)، ويملأ الأرض عدلا كما ملئت كفرا وجورا، زعموا.

- ألف عام من الحيرة...:

وقع طواغيت الرافضة في شر أعمالهم، وسقطوا في فخ "الإمامة الإلهية" الذي نصبوه للمسلمين، ووجدوا أن القيود والأغلال التي طالما ربطوا بها الناس باتت تطوق أياديهم وأعناقهم، فما كانوا يحصرونه بالإمام من تشريع واجتهاد وحكم وإقامة للحدود وقتال وأخذ لأموال الخمس والزكاة وغيرها، ويمنعون أيا من الناس من أن يتولَّوا شيئا منها، باتوا هم أيضا ممنوعين من القيام بها، بحكم غيبة الإمام، واستحالة موته ونصب إمام بعده، لأنهم ختموا به سلسلتهم الاثني عشرية، وكذلك صعوبة ادعاء النيابة عنه، لكثرة الأدعياء الذين ستغويهم صلاحيات الإمامة ومكاسبها المالية للسعي في ذلك (وقد خرج فعلا في عصر النواب الأربعة المقبولين لدى الرافضة أكثر من 30 نائبا يرفضهم الرافضة، وتولوا جمع الخمس والزكوات باسم الإمام الغائب)، وهنا كان لا بد لهم من حيل جديدة تمكنهم من الاستمرار في وضع دين الرافضة، وتطوير نظرية "الإمامة الإلهية".

وهكذا اهتزت عقيدة الرافضة كثيرا خلال هذه الفترة، وخرج غالبهم عن هذا الدين الباطل الذي يجدون فيه تناقضا كبيرا، بحصره كل جوانب دينهم ودنياهم بوجود الإمام الذي ليس له وجود إلا في الأساطير والخرافات، وقد وصف أحد طواغيتهم الكذابين الذي يسمّونه (الصدوق) حالة الرافضة في بدايات (الغيبة الكبرى)، التي يسمونها (عصر الحيرة) بقوله: "وجدت أكثر المختلفين عليّ من الشيعة قد حيرتهم الغيبة، ودخلت عليهم في أمر القائم الشبهة"، ويقول طاغوت آخر من طواغيتهم، وهو النعماني: "أيّ حيرة أعظم من هذه التي أخرجت من الأمر هذا الخلق الكثير والجم الغفير، ولم يبقَ ممن كان فيه إلا النزر اليسير؟! وذلك لشكّ الناس".


- التوقفيّون والحركيّون:

وكان التطوير الأهم في نظرية "الإمامة الإلهية" خلال هذه المرحلة هو اختراع نظرية جديدة هي "الانتظار" التي اختلفوا لاحقا في تأويلها، بين موقفين رئيسيين، الأول (توقفي) يقوم على الاستخفاء بالتقية، حتى عودة الإمام الغائب، والآخر (حركي) يقوم على ضرورة تهيئة الأوضاع لعودة هذا الإمام، وذلك بتحقيق التمكين وامتلاك القوة التي تزيل أسباب خوف الإمام من أعدائه ليتمكن من الظهور والحكم وإقامة الدين.

أما الاتجاه الأول (التوقفي) فقد شدَّد على تحريم أي تحرك لإقامة "الدولة الإسلامية" أو اتباع أي أحد يخرج في عصر الغيبة باسم إعادة الحكم لآل البيت، وقد نسبوا لمحمد (الباقر) القول: "كل راية ترفع قبل راية المهدي فصاحبها طاغوت يُعبد من دون الله، وكل بيعة قبل ظهور القائم فإنها بيعة كفر ونفاق وخديعة".

وساد المنهج (الإخباري)، بين أتباع هذا الاتجاه، الذي يشبهونه زورا وبهتانا بمنهج أهل الحديث، والذي يمنع علماءهم من الاجتهاد، ويمنع جُهالهم من التقليد، ويأمر الجميع بالأخذ فقط من الآثار المنسوبة لأئمتهم، وقد أسرف هؤلاء بالكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- وآل بيته، بل وعلى مهديهم الغائب، ويمكن القول إن معظم ما وُضع في دين الروافض من أكاذيب وبدع وخرافات، وطعن في الإسلام وأهله، وفي القرآن وحملته إنما هو من فعل أولئك (الإخباريين)، بل وقد أعادوا كتابة تاريخ القرون الماضية من جديد بما يُوافق أهواءهم ومعتقداتهم، وهكذا لم يكتفِ الروافض وعلى رأسهم (الإخباريون) ببناء دينهم على أصلهم الفاسد "الإمامة الإلهية"، وإنما كتبوا تاريخ البشرية من جديد ليوافق هذه النظرية الباطلة، بل وحددوا معالم المستقبل لينسجم معها أيضا.

وبناء على هذا فقد استمر وقوف أهل الاتجاه (التوقفي) موقفا سلبيا من كل الدول التي أقامها الرافضة خلال الأزمنة الماضية، ونقضوا شرعيتها بناءً على نظريات (الوصية) و(النص) و(العصمة) و(الانتظار) وغيرها، التي لا تتوافق شروطها مع جميع أولئك الحكام رغم ديانتهم بدين الرافضة، وإيمانهم بانتظار (المهدي)، ورغم زوال الموانع التي برَّروا بها غيبة إمامهم، بعرض بعض أولئك الملوك على طواغيت الرافضة، أن يطلبوا من (المهدي) الظهور لتسلم حكم دولهم، إلا أنهم رفضوا العرض بحجة أن لخروجه علامات لم تظهر بعد!

أما أصحاب الاتجاه الآخر، الذين لم ترق لهم جمودية (الانتظار)، رغم إيمانهم بألّا إمام إلا بظهور مهديهم، تبعا لإيمانهم بنظرية (الإمامة الإلهية) وشروطها الباطلة، فقد أحرجهم كثيرا ضعف نظرياتهم البدعية وقصصهم الخرافية أمام حجج خصومهم، فتحركوا تحت ضغط أتباعهم ليتحرروا من قيود جمودية (الانتظار)، متسلحين بالمنهج العقلي الضال للمعتزلة، وأصولهم في التلقي والاجتهاد والمناظرة، ليفتح طواغيت الرافضة هؤلاء، الذين يسمّونهم (الأصوليين) الباب بذلك رويدا رويدا أمام أنفسهم، للاجتهاد واتخاذ الأتباع والمقلدين، وإعادة العمل ببعض العبادات التي أسقطها (التوقفيون) في عصر الغيبة، كصلاة الجمعة، والحسبة، والقتال، وإقامة الحدود، بل والإمارة أيضا، وكل ذلك طبعا وفق دين الرافضة، لا وفق دين الإسلام.


- نظرية (نيابة الفقيه):

تمكن طواغيت (الأصوليين) من فتح باب الاجتهاد أمام أنفسهم، بكسرهم قفل (الإمامة الإلهية) الذي أغلق الباب عليهم، وحلِّهم للعقدة التي وضعها طواغيت (الإخباريين)، والمتعلقة بعدِّ كل علم غير علم الأنبياء والأئمة علما ظنِّيا، وعدم إجازتهم العمل به، فأخرجوا نظرية جديدة تقوم على أساس (النيابة العامة للفقهاء) عن المهدي، بناء على تأويل نص منسوب لأحد أئمتهم يجيز طاعة من يعرف أقوال آثارهم، فهم نواب للمهدي في هذا الباب لا أكثر، وهو (أي المهدي) يسددهم ويمنعهم من الخطأ، اعتمادا على نظرية (اللطف) الاعتزالية، بل هو يَظهر عند الضرورة لينقض إجماعهم على الخطأ بقول يلقيه بين أقوالهم من معلوم أو مجهول.

إلا أن الغالب في قضية التأصيل لنظرية (نيابة الفقيه) هو حل إشكالية استلام ضريبة (الخمس) التي فرضوا من خلالها اقتطاع خمس أموالهم وتأديتها لأئمتهم، إذ توقف أداؤها لفترة طويلة لغياب الإمام، فما كان أمام طواغيت الرافضة سوى أن يفتحوا الباب لأنفسهم لأخذ هذه الأموال من الناس، بدعوى الاحتفاظ بها في خزائنهم وتأديتها لمهديِّهم عند خروجه، أو نيابته في التصرِّف فيها وإنفاقها على آل البيت، زعموا، وفي سبيل نشر دينهم، وتقوية أتباعهم، فلما فُتح باب النيابة عن الإمام الغائب في باب واحد هو (الخمس)، أجاز طواغيت الرافضة لأنفسهم النيابة عنه في الأبواب كلها تدريجيا، حتى قال أحد رواد هذا الاتجاه، وهو شيخهم الكركي: "إن الفقيه المأمون، الجامع لشرائط الفتوى، منصوب من قبل الإمام المهدي".

وهكذا بدأ طواغيت الرافضة يحلون محل أئمتهم، ويتشبهون بهم أكثر فأكثر، ويحتكرون لأنفسهم ما حصروه بهم، من تشريع، واجتهاد، وقضاء، ورئاسة، فبدؤوا يستثمرون نظرية (نيابة الفقهاء) في الضغط على الحكام لأخذ الإجازة منهم بالحكم، وإلا كانوا طواغيت مشركين، فشابهوا بذلك ما كان يفعله "باباوات" النصارى في أزمنة ضعفهم من اشتراط إجازتهم لشرعنة حكم ملوك أوروبا، زاعمين النيابة في ذلك عن عيسى المسيح عليه السلام.

- من "نيابة الفقيه" إلى "ولاية الفقيه"..:

ربما تكون الدولة الصفوية أول الدول الرافضية التي مارس فيها طواغيت الرافضة سلطتهم نوابا للمهدي المزعوم، بأن جعل طهماسب بن إسماعيل الصفوي الحكم لأحدهم وهو الكركي، ليحكم بالنيابة عن المهدي، على أن يجيزه بإدارة شؤون بلاد فارس، فيكتسب بذلك شرعيّة في نظر الروافض الذين كان يسعى لاستمالتهم إلى صفِّه ضد أعدائه العثمانيين بشكل خاص، وكذلك في نظر جنوده وأنصاره من القزلباشية الصوفيين الباطنيين.

ولكن اشتراط هذه الإجازة للحكام من "نواب المهدي" لم يرسخ كقانون، نظرا لتهرب الملوك منها أولا، وللتنازع حول أصل نظرية "نيابة الفقهاء" مع (الإخباريين) الذين لم يستسلموا لإخوانهم (الأصوليين)، ولم يسلّموا لهم بتنصيبهم من قبل مهديِّهم، ورغم ذلك فقد استمر نفوذ طواغيت الروافض بازدياد بين أتباعهم، وبالتالي امتلكوا القوى التي يستطيعون من خلالها الضغط على الحكام، كما فعلوا مع سلاطين القاجاريين حتى نهاية حكمهم، ونظرا لاضطراب العلاقة بينهم وبين الحكام، فقد ظهر بين طواغيت الروافض اتجاه قوي يقول بوجوب أن تكون السلطة في أيديهم بشكل مباشر، ثم يفوِّضوا هم جزءا منها لمن يرون من الناس، بدل تقاسمها مع الحكام، فلا ينالوا منها غير الولاية على القضايا الدينية فحسب.

وهكذا وبعد أن ضاق الروافض وطواغيتهم ذرعا بنظرية (الإمامة الإلهية) وشروطها، ونظريات (الغيبة) و(الانتظار)، باتوا يجهرون بصوت خافت بالحاجة إلى إعادة النظر في هذه النظريات الباطلة، أو على الأقل إيجاد منافذ تسمح لهم بإقامة الدول والحكومات، والفصل في القضايا والمنازعات، وحراسة الثغور وإقامة الحدود، وجمع "الخمس"، والزكوات، وغير ذلك مما لا غنى لمجتمعاتهم عنه، فتطور لديهم القول بنظرية جديدة بنوا عليها آخر دولهم الطاغوتية بإذن الله، وهي دولة إيران الشركية التي تقاتلها دولة الإسلام اليوم، وهي نظرية "ولاية الفقيه".

وسنسعى -بإذن الله- في حلقة قادمة من هذه السلسلة إلى الحديث عن هذه النظرية، وواقعها اليوم في ظل تطبيقها من قبل طواغيت إيران، نسأل الله أن يعلِّمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، وأن يهدينا سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين.



المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 72
الخميس 17 جمادى الآخرة 1438 ه‍ـ
...المزيد

إقامة الدولة الإسلامية.. بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة (4) الرافضة الاثنا عشرية من إمامة ...

إقامة الدولة الإسلامية.. بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة (4)
الرافضة الاثنا عشرية
من إمامة المعدوم.. إلى ولاية الطواغيت
[4/4]

- نظرية (نيابة الفقيه):

تمكن طواغيت (الأصوليين) من فتح باب الاجتهاد أمام أنفسهم، بكسرهم قفل (الإمامة الإلهية) الذي أغلق الباب عليهم، وحلِّهم للعقدة التي وضعها طواغيت (الإخباريين)، والمتعلقة بعدِّ كل علم غير علم الأنبياء والأئمة علما ظنِّيا، وعدم إجازتهم العمل به، فأخرجوا نظرية جديدة تقوم على أساس (النيابة العامة للفقهاء) عن المهدي، بناء على تأويل نص منسوب لأحد أئمتهم يجيز طاعة من يعرف أقوال آثارهم، فهم نواب للمهدي في هذا الباب لا أكثر، وهو (أي المهدي) يسددهم ويمنعهم من الخطأ، اعتمادا على نظرية (اللطف) الاعتزالية، بل هو يَظهر عند الضرورة لينقض إجماعهم على الخطأ بقول يلقيه بين أقوالهم من معلوم أو مجهول.

إلا أن الغالب في قضية التأصيل لنظرية (نيابة الفقيه) هو حل إشكالية استلام ضريبة (الخمس) التي فرضوا من خلالها اقتطاع خمس أموالهم وتأديتها لأئمتهم، إذ توقف أداؤها لفترة طويلة لغياب الإمام، فما كان أمام طواغيت الرافضة سوى أن يفتحوا الباب لأنفسهم لأخذ هذه الأموال من الناس، بدعوى الاحتفاظ بها في خزائنهم وتأديتها لمهديِّهم عند خروجه، أو نيابته في التصرِّف فيها وإنفاقها على آل البيت، زعموا، وفي سبيل نشر دينهم، وتقوية أتباعهم، فلما فُتح باب النيابة عن الإمام الغائب في باب واحد هو (الخمس)، أجاز طواغيت الرافضة لأنفسهم النيابة عنه في الأبواب كلها تدريجيا، حتى قال أحد رواد هذا الاتجاه، وهو شيخهم الكركي: "إن الفقيه المأمون، الجامع لشرائط الفتوى، منصوب من قبل الإمام المهدي".

وهكذا بدأ طواغيت الرافضة يحلون محل أئمتهم، ويتشبهون بهم أكثر فأكثر، ويحتكرون لأنفسهم ما حصروه بهم، من تشريع، واجتهاد، وقضاء، ورئاسة، فبدؤوا يستثمرون نظرية (نيابة الفقهاء) في الضغط على الحكام لأخذ الإجازة منهم بالحكم، وإلا كانوا طواغيت مشركين، فشابهوا بذلك ما كان يفعله "باباوات" النصارى في أزمنة ضعفهم من اشتراط إجازتهم لشرعنة حكم ملوك أوروبا، زاعمين النيابة في ذلك عن عيسى المسيح عليه السلام.

- من "نيابة الفقيه" إلى "ولاية الفقيه"..:

ربما تكون الدولة الصفوية أول الدول الرافضية التي مارس فيها طواغيت الرافضة سلطتهم نوابا للمهدي المزعوم، بأن جعل طهماسب بن إسماعيل الصفوي الحكم لأحدهم وهو الكركي، ليحكم بالنيابة عن المهدي، على أن يجيزه بإدارة شؤون بلاد فارس، فيكتسب بذلك شرعيّة في نظر الروافض الذين كان يسعى لاستمالتهم إلى صفِّه ضد أعدائه العثمانيين بشكل خاص، وكذلك في نظر جنوده وأنصاره من القزلباشية الصوفيين الباطنيين.

ولكن اشتراط هذه الإجازة للحكام من "نواب المهدي" لم يرسخ كقانون، نظرا لتهرب الملوك منها أولا، وللتنازع حول أصل نظرية "نيابة الفقهاء" مع (الإخباريين) الذين لم يستسلموا لإخوانهم (الأصوليين)، ولم يسلّموا لهم بتنصيبهم من قبل مهديِّهم، ورغم ذلك فقد استمر نفوذ طواغيت الروافض بازدياد بين أتباعهم، وبالتالي امتلكوا القوى التي يستطيعون من خلالها الضغط على الحكام، كما فعلوا مع سلاطين القاجاريين حتى نهاية حكمهم، ونظرا لاضطراب العلاقة بينهم وبين الحكام، فقد ظهر بين طواغيت الروافض اتجاه قوي يقول بوجوب أن تكون السلطة في أيديهم بشكل مباشر، ثم يفوِّضوا هم جزءا منها لمن يرون من الناس، بدل تقاسمها مع الحكام، فلا ينالوا منها غير الولاية على القضايا الدينية فحسب.

وهكذا وبعد أن ضاق الروافض وطواغيتهم ذرعا بنظرية (الإمامة الإلهية) وشروطها، ونظريات (الغيبة) و(الانتظار)، باتوا يجهرون بصوت خافت بالحاجة إلى إعادة النظر في هذه النظريات الباطلة، أو على الأقل إيجاد منافذ تسمح لهم بإقامة الدول والحكومات، والفصل في القضايا والمنازعات، وحراسة الثغور وإقامة الحدود، وجمع "الخمس"، والزكوات، وغير ذلك مما لا غنى لمجتمعاتهم عنه، فتطور لديهم القول بنظرية جديدة بنوا عليها آخر دولهم الطاغوتية بإذن الله، وهي دولة إيران الشركية التي تقاتلها دولة الإسلام اليوم، وهي نظرية "ولاية الفقيه".

وسنسعى -بإذن الله- في حلقة قادمة من هذه السلسلة إلى الحديث عن هذه النظرية، وواقعها اليوم في ظل تطبيقها من قبل طواغيت إيران، نسأل الله أن يعلِّمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، وأن يهدينا سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين.



المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 72
الخميس 17 جمادى الآخرة 1438 ه‍ـ
...المزيد

إقامة الدولة الإسلامية.. بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة (4) الرافضة الاثنا عشرية من إمامة ...

إقامة الدولة الإسلامية.. بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة (4)
الرافضة الاثنا عشرية
من إمامة المعدوم.. إلى ولاية الطواغيت
[3/4]

- التوقفيّون والحركيّون:

وكان التطوير الأهم في نظرية "الإمامة الإلهية" خلال هذه المرحلة هو اختراع نظرية جديدة هي "الانتظار" التي اختلفوا لاحقا في تأويلها، بين موقفين رئيسيين، الأول (توقفي) يقوم على الاستخفاء بالتقية، حتى عودة الإمام الغائب، والآخر (حركي) يقوم على ضرورة تهيئة الأوضاع لعودة هذا الإمام، وذلك بتحقيق التمكين وامتلاك القوة التي تزيل أسباب خوف الإمام من أعدائه ليتمكن من الظهور والحكم وإقامة الدين.

أما الاتجاه الأول (التوقفي) فقد شدَّد على تحريم أي تحرك لإقامة "الدولة الإسلامية" أو اتباع أي أحد يخرج في عصر الغيبة باسم إعادة الحكم لآل البيت، وقد نسبوا لمحمد (الباقر) القول: "كل راية ترفع قبل راية المهدي فصاحبها طاغوت يُعبد من دون الله، وكل بيعة قبل ظهور القائم فإنها بيعة كفر ونفاق وخديعة".

وساد المنهج (الإخباري)، بين أتباع هذا الاتجاه، الذي يشبهونه زورا وبهتانا بمنهج أهل الحديث، والذي يمنع علماءهم من الاجتهاد، ويمنع جُهالهم من التقليد، ويأمر الجميع بالأخذ فقط من الآثار المنسوبة لأئمتهم، وقد أسرف هؤلاء بالكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- وآل بيته، بل وعلى مهديهم الغائب، ويمكن القول إن معظم ما وُضع في دين الروافض من أكاذيب وبدع وخرافات، وطعن في الإسلام وأهله، وفي القرآن وحملته إنما هو من فعل أولئك (الإخباريين)، بل وقد أعادوا كتابة تاريخ القرون الماضية من جديد بما يُوافق أهواءهم ومعتقداتهم، وهكذا لم يكتفِ الروافض وعلى رأسهم (الإخباريون) ببناء دينهم على أصلهم الفاسد "الإمامة الإلهية"، وإنما كتبوا تاريخ البشرية من جديد ليوافق هذه النظرية الباطلة، بل وحددوا معالم المستقبل لينسجم معها أيضا.

وبناء على هذا فقد استمر وقوف أهل الاتجاه (التوقفي) موقفا سلبيا من كل الدول التي أقامها الرافضة خلال الأزمنة الماضية، ونقضوا شرعيتها بناءً على نظريات (الوصية) و(النص) و(العصمة) و(الانتظار) وغيرها، التي لا تتوافق شروطها مع جميع أولئك الحكام رغم ديانتهم بدين الرافضة، وإيمانهم بانتظار (المهدي)، ورغم زوال الموانع التي برَّروا بها غيبة إمامهم، بعرض بعض أولئك الملوك على طواغيت الرافضة، أن يطلبوا من (المهدي) الظهور لتسلم حكم دولهم، إلا أنهم رفضوا العرض بحجة أن لخروجه علامات لم تظهر بعد!

أما أصحاب الاتجاه الآخر، الذين لم ترق لهم جمودية (الانتظار)، رغم إيمانهم بألّا إمام إلا بظهور مهديهم، تبعا لإيمانهم بنظرية (الإمامة الإلهية) وشروطها الباطلة، فقد أحرجهم كثيرا ضعف نظرياتهم البدعية وقصصهم الخرافية أمام حجج خصومهم، فتحركوا تحت ضغط أتباعهم ليتحرروا من قيود جمودية (الانتظار)، متسلحين بالمنهج العقلي الضال للمعتزلة، وأصولهم في التلقي والاجتهاد والمناظرة، ليفتح طواغيت الرافضة هؤلاء، الذين يسمّونهم (الأصوليين) الباب بذلك رويدا رويدا أمام أنفسهم، للاجتهاد واتخاذ الأتباع والمقلدين، وإعادة العمل ببعض العبادات التي أسقطها (التوقفيون) في عصر الغيبة، كصلاة الجمعة، والحسبة، والقتال، وإقامة الحدود، بل والإمارة أيضا، وكل ذلك طبعا وفق دين الرافضة، لا وفق دين الإسلام.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 72
الخميس 17 جمادى الآخرة 1438 ه‍ـ
...المزيد

إقامة الدولة الإسلامية.. بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة (4) الرافضة الاثنا عشرية من إمامة ...

إقامة الدولة الإسلامية.. بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة (4)
الرافضة الاثنا عشرية
من إمامة المعدوم.. إلى ولاية الطواغيت
[2/4]

- من "الإمامة الإلهية" إلى نيابة الإمام:

لم يستحِ الروافض من تغيير دينهم في مسألة الإمامة عدة مرات طوال قرنين من الزمن تقريبا، ولكن أحرج المواقف التي مرّوا بها كانت عند وفاة إمامهم الحادي عشر الحسن (العسكري) بن علي (الهادي)، وذلك في منتصف القرن الثالث الهجري، من غير أن يعقب، ولتسلم لهم نظريتهم اخترعوا قصة ولادة ولد للحسن (العسكري) من جارية رومية، وزعموا أن أمه أخفته لحمايته من الحكام حتى يكبر، ثم عدّلوا القصة ليقولوا إن أعداءه عثروا عليه وهو صبي، فاختبأ منهم في سرداب في مدينة سامراء بالعراق.

فلما طالت قصة اختبائه، وكثرت أسئلة أتباعه عنه، ومطالبتهم برؤيته لأخذ الدين منه، زعم الدجاجلة الكذبة أنه متخفٍّ عن الناس، ومحتجب عن أعينهم، فلا يعرفه إلا نائب له هو (عثمان بن سعيد العمري) الذي أخرج لهم رسائل زعم أنها بخط المهدي المزعوم، بتنصيبه نائبا عنه للرد على أسئلة الناس، وتبليغهم علم الإمام، واستلام الخمس منهم، والأخيرة هي الأهم كما سنرى لاحقا.

ومع ظهور نواب للإمام الثاني عشر محمد (المهدي) بن الحسن (العسكري)، انتهى عند الرافضة عصر الأئمة المعروفين وبدأ عصر الغيبة، وسميت هذه المرحلة بالغيبة الصغرى، لوجود نواب معروفين للإمام، يقومون مقامهم، ويحفظون لطواغيت الرافضة نظريتهم الباطلة وأصلهم الفاسد.

واستمرت مرحلة (الغيبة الصغرى) قرابة الـ 70 عاما، تعاقب على نيابة الإمام فيها 4 نواب، أهمهم بعد العمري ابنه محمد (ونلاحظ انتقال نيابة الإمام بالوراثة كمنصب الإمامة)، الذي استمر في منصبه 40 عاما، تلاه الحسين النوبختي، ثم علي المسيري، الذي انتهت بوفاته -سنة 329 هـ- هذه المرحلة، خاصة أنهم بوفاته شعروا أن كذبة الغيبة الصغرى ووجود الإمام في مكان خفي لن تنطلي على أحد بعد اليوم بانقضاء العمر المتوقع لغالب الناس.

وبدأت مرحلة (الغيبة الكبرى) التي منعوا من الخوض في كُنهها أو التساؤل عن مكان الإمام وموعد ظهوره فيها، والتي استمرت منذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا، ليعيش الرافضة طوال 1000 سنة دون إمام ظاهر، ويبدأ علماء الرافضة بوضع الأحاديث على ألسنة أئمتهم، وتتطور محاولاتهم الخروج من متاهة الغيبة بحلول متعددة، لا شك أن ولاية الفقيه في إيران الرافضية هي طورها الأعلى، ولذلك نجد إكثارهم هذا الزمان من الحديث عن (عصر الظهور)، ويقصدون بذلك ظهور المهدي (المنتظر) ليقيم الدولة الإسلامية العادلة، وينتقم من أعداء آل البيت (ويقصدون بهم أهل السنة)، ويملأ الأرض عدلا كما ملئت كفرا وجورا، زعموا.

- ألف عام من الحيرة...:

وقع طواغيت الرافضة في شر أعمالهم، وسقطوا في فخ "الإمامة الإلهية" الذي نصبوه للمسلمين، ووجدوا أن القيود والأغلال التي طالما ربطوا بها الناس باتت تطوق أياديهم وأعناقهم، فما كانوا يحصرونه بالإمام من تشريع واجتهاد وحكم وإقامة للحدود وقتال وأخذ لأموال الخمس والزكاة وغيرها، ويمنعون أيا من الناس من أن يتولَّوا شيئا منها، باتوا هم أيضا ممنوعين من القيام بها، بحكم غيبة الإمام، واستحالة موته ونصب إمام بعده، لأنهم ختموا به سلسلتهم الاثني عشرية، وكذلك صعوبة ادعاء النيابة عنه، لكثرة الأدعياء الذين ستغويهم صلاحيات الإمامة ومكاسبها المالية للسعي في ذلك (وقد خرج فعلا في عصر النواب الأربعة المقبولين لدى الرافضة أكثر من 30 نائبا يرفضهم الرافضة، وتولوا جمع الخمس والزكوات باسم الإمام الغائب)، وهنا كان لا بد لهم من حيل جديدة تمكنهم من الاستمرار في وضع دين الرافضة، وتطوير نظرية "الإمامة الإلهية".

وهكذا اهتزت عقيدة الرافضة كثيرا خلال هذه الفترة، وخرج غالبهم عن هذا الدين الباطل الذي يجدون فيه تناقضا كبيرا، بحصره كل جوانب دينهم ودنياهم بوجود الإمام الذي ليس له وجود إلا في الأساطير والخرافات، وقد وصف أحد طواغيتهم الكذابين الذي يسمّونه (الصدوق) حالة الرافضة في بدايات (الغيبة الكبرى)، التي يسمونها (عصر الحيرة) بقوله: "وجدت أكثر المختلفين عليّ من الشيعة قد حيرتهم الغيبة، ودخلت عليهم في أمر القائم الشبهة"، ويقول طاغوت آخر من طواغيتهم، وهو النعماني: "أيّ حيرة أعظم من هذه التي أخرجت من الأمر هذا الخلق الكثير والجم الغفير، ولم يبقَ ممن كان فيه إلا النزر اليسير؟! وذلك لشكّ الناس".


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 72
الخميس 17 جمادى الآخرة 1438 ه‍ـ
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً