القائد الإعلامي لغزوة سبايكر أبو مارية العراقي.. صيَّاد اللقطات... ومبدع ...

القائد الإعلامي لغزوة سبايكر
أبو مارية العراقي..
صيَّاد اللقطات... ومبدع الإصدارات
[1/2]

عباس مزهر عباس الرفيعي أسد مقدام، وخليفة الركب الأول من أعلام الإعلام كميسرة الغريب وناصر الجزراوي وغيرهم من الفرسان الذين تركوا بصمة عميقة في مجال الإعلام، أثخن في الرافضة، ومن قبلهم في الصليبيين، فأوجعهم هنا، وآلمهم هناك، قاتلهم ببندقيته في موضع، وجابههم بكاميرته في مواضع، حتى انتهى به المطاف أميراً للإعلام العسكري في الولايات الشرقية.

سلك طريق الهيجا بسلاحه، فما زاده السير على طريق الموت والقتل والأشلاء إلا ثباتاً، طريق ما هابه، بل كان كثيرا ما يقول لأصحابه مازحا: «من يخشى الموت فلا يرافقني».

أمنيته القتل في سبيل الله، ودعاؤه لنفسه رضى الرحمن، ورجاؤه من ربّه الفوز بالجنان، وكأن الشاعر نطق بلسانه يوم قال:

أَشدُّ على الكتيبة لا أبالي
أحتفي كان فيها أم سِواها
ولي نفس تتوق إلى المعالي
ستتلف أو أبلّغها مناها

تعرفه صحراء (الجلام) درة ولاية صلاح الدين، موطن الأبطال ومصنع الرجال، تلك الأرض التي كانت مُنطلق الفتوحات التي وثّق فارسنا معاركها ومجريات أحداثها وقت العسرة والضيق، يوم كانت تلفح وجوه المجاهدين حرارة الصيف وتمزّق جلودهم برودة الشتاء.

صقلته أيام البلاء تلك، واشتد عوده فيها وازدادت خبرته من تجاربها، ونهل من مشايخ الجهاد الذين صالوا وجالوا على ثراها، كالشيخ أبي المغيرة القحطاني، تقبله الله، فكان بحق نِعمَ القائد ونِعمَ الأمير، متواضعا نصوحا حسن القيادة.

كان تقياً، نصوحا، يوصي إخوانه بالحذر من ذنوب الخلوات ومعاصي الغفلات، حريصا على توجيه إخوانه إلى إخلاص النية لله في العمل، وأن يوافق باطنهُم ظاهرَهم.

يخاف الرياء ويخشى العجب، ويحذّر رفاقه منهما، لدرجة أنه كان لا يُظهر حزامه الناسف الذي لا يفارقه، فيرتديه تحت ملابسه، فيما يخفي مسدسه الشخصي تحت صدريته العسكرية التي لا يكاد يخلعها.

شديد المراقبة لنفسه، فتراه إن سمع ثناءً عليه يقول: أخشى أن آتي يوم القيامة ويقال لي: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}.

شارك في الفتح ودخل تكريت والدور والعلم وبيجي والصينية متواضعا حامدا لله، لم يغيره النصر والتمكين، بل زاد تواضعا لله رب العالمين.

امتثل لفريضة الجهاد وهو ابن الرابعة عشر من عمره، فدخل سجن الأحداث، ثم المطار، ثم بوكا، وشارك إخوته وأباه زنازينهم، رغم صغر سنه، كان يرفض أن يبتعد عن والده حتى داخل السجن، ليخدمه ويخفف عنه أهوال القيود وعذابات الاعتقال، لكن السجّان الصليبي أبى إلا أن يفرّق بينهما، ويشتت شملهما، مثلما شتت شمل أسرتهم خارج أسوار السجن، فكانت عائلة أبي مارية دائمة التنقل والترحال بين هذه المدينة وتلك، فتارة تجدهم قد استوطنوا الإسحاقي، وتارة سكنوا بلد، وتارة الدور، وتارة الضلوعية، وتارة الكرمة، وتارة أخرى تكريت، فالعلم، حتى انتهى بهم التنقل والترحال في الموصل.

وكان قد اتخذ محلا تجاريا في محطة مدينة (بلد) ليجعل منه نقطة مراقبة لأرتال الصليبيين، حيث يقوم بمهاجمتها بالقنابل الحرارية مع رفاق جهاده، فيُعتقل بسبب ذلك.

قُتل شقيقه أبو أنس وهو يجاهد الصليبيين، فازداد أبو مارية تمسكاً بطريق الجهاد، وكان حينها في بداية شبابه، وقُتل شقيقه الثاني أبو مريم، ذاك الطبيب الذي رفض مغادرة تكريت حينما طوقها وحاصرها الرافضة، وكيف يغادر ويترك مرضاه الذين تجاوز عددهم في مستشفى تكريت مئتي جريح، وهو الجرّاح الذي لا يمكن الاستغناء عنه، فبقي ثابتاً ولم يترك عمله، وحينما أزفت ساعة المواجهة مع الرافضة فجّر عليهم حزامه الناسف، ليكون شهيد العائلة الثاني، فتيقن أبو مارية أكثر بصحة المنهج الذي يسير عليه، هو وعائلته، ثم جاء دور شقيقه الثالث أبي طلحة، ذاك الاقتحامي الذي أدمى الرافضة في سبايكر، وأوجعهم في مواطن عدة وغزوات كثيرة، ليُقتل برفقة الشيخ عمر الشيشاني قبل أسابيع قليلة.

وكان من الذين اثخنوا في الرافضة، وتحديداً في مجزرة سبايكر، فقد كان رائد الغزوة إعلامياً، بل ونفذ بيديه حكم الله في مشركي الرافضة.

أبرز إعلاميي ولاية صلاح الدين، وحازت الإصدارات التي أشرف على إنتاجها -أثناء إمارته للمكتب الإعلامي للولاية- المراتب الأولى في الترتيب العام لإصدارات الدولة الإسلامية، الأمر الذي أهّله فيما بعد ليكون أميرا لقطاع الإعلام العسكري في الولايات الشرقية، فجعل منه خلية نحل لا تعرف الهدوء أو السكون، رغم رفضه الشديد لتكليفه بهذا المنصب.
أنتج أكثر من خمسة وعشرين إصداراً جهادياً، كما كان له شرف المشاركة في عشرات الإصدارات الأخرى. إصدارات كان لها التأثير الكبير في رفع الهمم وتقوية العزائم وإرهاب أعداء الملة والدين، حتى أَلِف الناس ذلك الصوت الخفي من وراء الكاميرا وهو يعلو بالتكبير، ويردّد «ثأرا لأمنا عائشة» فوق جثث الروافض.

* المصدر
صحيفة النبأ - العدد 45
1437 ه‍ـ

◾ لقراءة القصة كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 45 قوموا فموتوا على ما مات عليه إخوانكم يحاول أهل الباطل في كل وقت أن ...

صحيفة النبأ العدد 45
قوموا فموتوا على ما مات عليه إخوانكم


يحاول أهل الباطل في كل وقت أن يجعلوا من موت الصالحين، أو مقتلهم على أيدي أعداء الإسلام من المشركين والمرتدّين بشارة لهم على انكسار الموحّدين، وما يدري أولئك السفهاء أن الله تعالى كتب لكلِّ نفس أجلها من قبل أن تُخلق السماوات والأرض، قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]، ويستوي في هذا الحكم القدري كل الناس، من نبيّ ووليّ وتقيّ، ومن كافر وظالم وشقيّ.

وما يدري أولئك السفهاء أن الله تعالى يحفظ دينه بما شاء سبحانه، ولن يزال هذا الدين قائما، لا يضره موت أحد من الناس، ولو كان ضارّه شيء لضرّه موت النبي ﷺ وصحابته الكرام، إذ بقي الدين من بعدهم، وزاده الله تمكينا وانتشارا في الأرض، بحفظه سبحانه له، وبتسخيره لخدمته عبادا له صالحين {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54].

أما الربانيون الذي يخشون الله حق خشيته، ويعبدونه حق عبادته، فلا يكون قولهم إذا ما مات صالح منهم إلا أن يذكّروا إخوانهم بما ذكّر به أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أصحابه: «من كان يعبد محمدا فإن محمّدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت».

وأما المجاهدون في سبيل الله، وهم خاصة الله من خلقه، الذين اصطفاهم من عباده ليتخذ منهم الشهداء، وليبلوهم منه بلاء حسنا، فإن موت قادتهم وأمرائهم الذين كانوا يقتحمون أمامهم غمار المعارك، ويتقحمون من أجل دينهم المهالك، لا يزيدهم إلا ثباتا وإقداما في قتال أعداء الله، ولا يكون قولهم إلا كقول أنس بن النضر -رضي الله عنه- لصحابة رسول الله ﷺ وقد وجدهم في يوم أحد وقد أرهقهم ما سمعوه من دعاية المشركين عن قتلهم لرسول الله ﷺ فقال: «ما يُجلِسُكم؟» قالوا: «قُتل رسول الله ﷺ!» قال: «فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله ﷺ!» ثم استقبل القوم، فقاتل حتى قُتل.

وهذه سنة الموحّدين في كل زمان ومكان، كلما قضى منهم جيل خرج الجيل الذي يليه يحمل راية التوحيد وينغمس من جديد في أتون معركة الإسلام الباقية ضد الشرك وأهله، وشعار كلٍّ منهم: قوموا فموتوا على ما مات عليه إخوانكم الذين سبقوكم بالإيمان.

إن مقتل إخواننا السابقين المصابرين كأمثال الشيخ أبي محمد العدناني -تقبله الله- لن يضرّ الإسلام شيئا، فهو محفوظ بحفظ الله -سبحانه وتعالى- له، ولن يضرّ إخواننا شيئا، فإننا نحسبهم ما خرجوا مقاتلين في سبيل الله إلا لينالوا الشهادة مقبلين غير مدبرين، وقد قال الله تعالى فيهم: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 169-171].

وإن مقتلهم لن يضرّ الدولة الإسلامية بإذن الله، ما دامت ثابتة على التوحيد والسنة، وسيسخّر لها من الرجال من يغيض الله بهم الكفار، ويشفي بهم صدور قوم مؤمنين، كما سخّر لها من يقيم أصولها، ويرفع قواعدها، ويرفع صرحها، حتى بلغت -بفضل الله- ما بلغته اليوم من عز وتمكين.

فعندما فرح المشركون والمرتدون بمقتل الشيخ أبي مصعب الزرقاوي -تقبله الله- لم يدُرْ في خلدهم أن الله سيسخّر من جنود الشيخ وإخوانه من يرغم أنوفهم، ويغيض قلوبهم، من أمثال الشيخ أبي محمد العدناني، تقبله الله.

واليوم يفرحون بمقتل الشيخ أبي محمد العدناني -تقبله الله- ثم سيبكون كثيرا عندما يسلّط الله عليهم -بإذنه- من يسومهم سوء العذاب من جنود أبي محمد وإخوانه، {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].


* المصدر
صحيفة النبأ - العدد 45
الثلاثاء 26 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

◾ تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

رموز أم أوثان؟! (5) [3/3] كما وجدنا أن الطاغوت الوطني الهالك (أختر منصور) سارع إلى طلب البيعة ...

رموز أم أوثان؟! (5)

[3/3]
كما وجدنا أن الطاغوت الوطني الهالك (أختر منصور) سارع إلى طلب البيعة من أسرة أميره السابق (الملا عمر)، التي تأخّرت شهورا طويلة عنها، ولم تعطها له إلا بعد مفاوضات ووساطات كانت نتيجتها استلام بعض أفراد الأسرة لمناصب قيادية في حركة طالبان الوطنية، فكانت تلك البيعة بمثابة التزكية للطاغوت (أختر منصور)، التي لم يكن ليستتب الأمر له بدونها في أوساط الحركة، التي تغلب عليها الأعراف القبلية والأفكار الصوفية الديوبندية التي تقوم على توريث شيخ القبيلة أو الطريقة الأمر لأكبر أولاده من بعده، ولو طال العمر بـ (أختر منصور) لربما وجدناه يسعى إلى تهميش أسرة (الملا عمر) وانتزاع ما أخذوه من مكتسبات لقاء بيعتهم له فور تثبيت أركان حكمه لحركة طالبان الوطنية وإزالته لمراكز الخطر التي هدّدت هيمنته على الحركة، بعد فضيحة حكمه لها عدة أعوام باسم أميرها (الملا عمر) الذي أخفى موته مع بعض المقرّبين منه.

إن أهل التوحيد السليم، وأتباع المنهج النبوي القويم، لا يقيمون بنيانهم على الأشخاص أبدا مهما ذاع صيتهم وبلغ مجدهم، بل يقيمونه على ركن شديد من الكتاب والسنّة، ولذلك لا يشعرون بالحاجة الدائمة إلى تعضيد الجماعة بـ «الرموز»، ثم الاستمرار بصناعة «الرموز» في كل جيل للحفاظ على جماعاتهم، كما تفعل الأحزاب والتنظيمات المنحرفة الضالة، وعلى هذا الأساس نجد أن أقرباء قادتهم ورفاقهم ينالهم من أفرادها الاحترام والتقدير بمقدار التزامهم هم بالمنهج القويم، وبمقدار ما يقدّمونه لأنفسهم من خير وعمل صالح، لا بناء على قرابة أو صداقة أو علاقة.

إن الآيات الواضحات والأحاديث البيّنات تدلّ أهل الإيمان أن الإنسان لا ينتفع بقرابته لأهل الخير والصلاح شيئا، فمن سار على نهج الصالحين من آبائه كان منهم، ومن حاد عن طريقهم وضلّ السبيل أبعده الله ولم يقرّبه نسب، كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]، وقوله تعالى: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات: 113]، وقوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124]، وقوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 45-46]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (يا أم الزبير بن العوام عمة رسول الله، يا فاطمة بنت محمد، اشتريا أنفسكما من الله لا أملك لكما من الله شيئا) [رواه البخاري ومسلم]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن بطّأ به عمله، لم يسرع به نسبه) [رواه مسلم]، والحمد لله رب العالمين.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 43
لقراءة المقال المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

رموز أم أوثان؟! (5) [2/3] ولذلك نجد أن «الرمز» الجديد يعمل على الحفاظ على مكانة سلفه داخل ...

رموز أم أوثان؟! (5)

[2/3]
ولذلك نجد أن «الرمز» الجديد يعمل على الحفاظ على مكانة سلفه داخل الجماعة وخارجها، لأنّه إنما يكتسب «رمزيته» الحادثة من خلال ارتباطه بـ «الرمز» القديم، وبفقدان «الرمز» القديم لمكانته سيفقد هو نفسه كثيرا من «رمزيته» بتأثير الارتباط بينهما، بل قد تصبح علاقة الارتباط تلك وبالا عليه في حال إسقاط «الرمز» القديم، باكتشاف الأتباع لنقيصة في تاريخه كانت غائبة عنهم، وفي هذه الحالة يكون دفاع الجديد عن القديم دفاعا عن نفسه.

والجانب الآخر من جوانب خطورة هؤلاء على أي جماعة أو تنظيم، أنهم في كثير من الأحيان يستلمون أعلى المناصب القيادية فيها، دون أن تكون لديهم القدرات والكفاءات اللازمة للقيام بواجبات تلك المناصب، فيفسدون البلاد ويهلكون العباد، كما أن تقديمهم على غيرهم في الأمور المختلفة يخلق الشحناء والبغضاء داخل الجماعة مما يعرضها للتفكك والانهيار، ومن جانب آخر فإن أقارب «الرموز» ورفاقهم معرضون بشكل أكبر للتحول إلى مراكز ثقل داخل الجماعة، يجتمع عليهم الناقمون على القيادة الجديدة، ويجعلون منهم واجهات -ولو صوريّة- للمنشقين، ليستفيدوا من «رمزيتهم» المكتسبة في الاستقواء على باقي أفراد الجماعة وقيادتها، بالزعم أنها انحرفت عن الخط الأصيل لها، ويستدلون على دعواهم هذه بهؤلاء «الرموز» الجدد الذين يمثلون في عرف المفتونين ورثة منهج «الرمز» القديم والمدافعين عن مذهبه من «عبث العابثين»، وكذلك فإن هؤلاء معرضون أكثر من غيرهم للتمرّد على الأوامر وإعلان العصيان إذا ما عُزلوا عن مناصبهم، أو جُرّدوا من بعض صلاحياتهم أو مكتسباتهم، لأنهم قد يشعرون أنهم في منعة من العقاب، وأن هناك من سيغضب لغضبتهم، ويثور لثورتهم، وهذا ما نجده جليا في الأحزاب والتنظيمات، سواء منها العلمانية أو المنتسبة للإسلام، بل نجده في الطرق الصوفية، وفي الفرق والطوائف الضالة المضلة.

وهذه الحقائق تدفع الطواغيت، وزعماء الفرق، وقادة الأحزاب والتنظيمات إلى الحرص على رضا أقرباء «الرموز» كثيرا، فتراهم يقرّبون أبناءهم وأحفادهم، ليكتسبوا من وراء ذلك شرعية في قلوب المفتونين وعقولهم.

ولنا في حكام جزيرة العرب من «آل سعود» خير مثال، فبالرغم من أنّهم نبذوا الدين وراء ظهورهم وحادوا عن طريق أجدادهم الموحّدين، وصاروا طواغيت مرتدّين، إلا أنهم لا زالوا حريصين على تقريب بعض أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- المعروفين اليوم بـ «آل الشيخ» فيشاركونهم معهم في الردة ويختارون منهم المفتين والوزراء، وذلك لكي يخدعوا الجهال، ويستدلّ لهم علماء السوء أنهم لا زالوا على منهج التوحيد الذي جدّده الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ونصره الإمام محمد بن سعود بنفسه وأولاده ورجاله، فما دام «آل الشيخ» في صف «آل سعود» فهذا – في دين المفتونين – دليل أنهم على منهج الشيخ، وعلى سيرة الأوائل من «آل سعود».

وبالرغم من الردّة الواضحة التي وقع فيها بعض أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- المعاصرين من أمثال مفتي «آل سعود» الحالي (عبد العزيز آل الشيخ) ووزير أوقافهم (صالح آل الشيخ) وغيرهم من المشايخ «الرسميين» و«غير الرسميين»، بموالاتهم للطواغيت الحاكمين بغير ما أنزل الله، وإعانتهم للصليبيين والمرتدين المحاربين لأهل التوحيد بكلامهم ودعائهم، فإن كثيرا من الناس لا يقبل فيهم كلاما ولا نقدا، لأنهم عنده حملة علم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وحماة منهجه.

وهكذا حوّل هؤلاء المفتونون منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب -الذي أفنى عمره في الدعوة إلى التوحيد واتباع السنة- إلى طريقة صوفية يورّثها الآباء للأبناء، ويورّثون معها التزكيات التي يعطيها اليوم المرتدون من «آل الشيخ» للطواغيت وأحبارهم.

وهذه العلاقة النفعية بين الطواغيت من «آل سعود» والمرتدين الموالين لهم من «آل الشيخ» لا بد أن تنتهي عاجلا في ظل تسريع عجلة التغريب والعلمنة في جزيرة العرب، ولن يكون غريبا حينها أن تنتهي بحملة تشويه يشنّها إعلام «آل سعود» ضد «آل الشيخ» ليتهموهم بأبشع التهم، ويعتبروهم فئة طفيلية تستفيد من قربها من الحكم دون أن يكون لها فائدة على دولتهم، وذلك ليكسروا «رمزيتهم» التي استفاد منها «آل سعود» لقرن من الزمن، تمهيدا لإضعافهم وإزاحتهم عن الواجهة، منعا لتحولهم إلى مركز ثقل يجتمع عليه من يريد أيضا الاستفادة من تلك «الرمزية» في منافسة «آل سعود».


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 43
لقراءة المقال المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

رموز أم أوثان؟! (5) [1/3] لا تتوقف فتنة الرموز والتعلق بهم واتّباعهم -في الضلال- عليهم فحسب، بل ...

رموز أم أوثان؟! (5)

[1/3]
لا تتوقف فتنة الرموز والتعلق بهم واتّباعهم -في الضلال- عليهم فحسب، بل نجد أن المفتونين غالبا يوسّعون الأمر ليشمل آخرين ممّن لهم علاقة ارتباط بـ «الرمز» رفقةً أو قرابةً، فإذا مات «الرمز» بحثوا لهم عن «رمز» جديد يقدّسونه، وغالبا ما يختارونه أو يُفرض عليهم من وسط الدائرة المحيطة بـ «الرمز» القديم، أو حتى من البعيدين عنه ممن يستطيعون إيجاد علاقة ارتباط -ولو عرضية- به، فيوثّقون تلك العلاقة ليجعلوا منها تزكية لـ «الرمز» الجديد، فيصير بذلك امتدادا وتجديدا لمنهج «الرمز» القديم.

وإنّ فهم ظاهرة تقديس رفاق «الرمز» وأقربائه سهل بإذن الله، فالمفتونون الذين يستدلّون على منهجهم بالرموز والرجال يقعون في ضيق إذا غاب عنهم رمزهم لموت مثلا، فإما أن يزعموا كما زعمت الرافضة أنه حاضر موجود يأتيهم سرّا ليعلّمهم دينهم ويصحّح لهم منهجهم، وإما أن يستخرجوا من رفاقه أو أقربائه من ينصبّونه «رمزا» عليهم، ويجعلوا منه منارة يدعون الناس إلى الاستدلال بها إلى دينهم، بعد أن يثبتوا لهم أنه ورث من «الرمز» القديم علمه وصفاته، وهو الأقدر على حراسة منهجه ورعاية القطيع من أتباعه ومريديه.

لذلك نجد المفتونين في معاركهم مع غيرهم لا يفترون عن إظهار «رموزهم» الجديدة، ومبارزة الناس بقوة ارتباطهم بـ «الرمز» القديم، فهذا «رفيق الرمز»، وذاك «حارس الرمز» والآخر «سائق الرمز»، والرابع «ابن الرمز» والخامس ظهر في صورة مع «الرمز»، وكلهم -في دين المفتونين- يجب على أمة الإسلام أن تدين لهم بالطاعة والاتّباع، كما كان واجبا عليها في دينهم طاعة «الرمز» واتّباعه.

وإن أقارب «الرمز» ورفاقه قد يكونون أخطر منه وأشد فتنة على الناس، وذلك أن كثيرا ممن اتّخذهم الناس «رموزا» لم يكونوا راضين بذلك، وإنما عملوا أعمالا حمدهم الناس عليها وعظّموهم لأجلها وهم غافلون عن هذا، أما «الرموز» الجدد فإنهم ساعون للشهرة، طالبون لها، ولو كانوا لا يملكون من مؤهّلاتها سوى علاقة الارتباط بـ «الرمز» القديم، فتجد أحدهم يشرّق في طرق الضلالة ويغرّب ما شاء، وهو مستقوٍ بعلاقته تلك، فمهما ضلّ أو أضلّ يدافع عنه المفتونون ويذكّرون الناس بعلاقته بـ «رمزهم»، ويعتبرون الطعن في هذا الضال طعنا في «الرمز»، وهي كبيرة من الكبائر -في دين المفتونين- لا يرضونها.

ولذلك نجد أن «الرمز» الجديد يعمل على الحفاظ على مكانة سلفه داخل الجماعة وخارجها، لأنّه إنما يكتسب «رمزيته» الحادثة من خلال ارتباطه بـ «الرمز» القديم، وبفقدان «الرمز» القديم لمكانته سيفقد هو نفسه كثيرا من «رمزيته» بتأثير الارتباط بينهما، بل قد تصبح علاقة الارتباط تلك وبالا عليه في حال إسقاط «الرمز» القديم، باكتشاف الأتباع لنقيصة في تاريخه كانت غائبة عنهم، وفي هذه الحالة يكون دفاع الجديد عن القديم دفاعا عن نفسه.

والجانب الآخر من جوانب خطورة هؤلاء على أي جماعة أو تنظيم، أنهم في كثير من الأحيان يستلمون أعلى المناصب القيادية فيها، دون أن تكون لديهم القدرات والكفاءات اللازمة للقيام بواجبات تلك المناصب، فيفسدون البلاد ويهلكون العباد، كما أن تقديمهم على غيرهم في الأمور المختلفة يخلق الشحناء والبغضاء داخل الجماعة مما يعرضها للتفكك والانهيار، ومن جانب آخر فإن أقارب «الرموز» ورفاقهم معرضون بشكل أكبر للتحول إلى مراكز ثقل داخل الجماعة، يجتمع عليهم الناقمون على القيادة الجديدة، ويجعلون منهم واجهات -ولو صوريّة- للمنشقين، ليستفيدوا من «رمزيتهم» المكتسبة في الاستقواء على باقي أفراد الجماعة وقيادتها، بالزعم أنها انحرفت عن الخط الأصيل لها، ويستدلون على دعواهم هذه بهؤلاء «الرموز» الجدد الذين يمثلون في عرف المفتونين ورثة منهج «الرمز» القديم والمدافعين عن مذهبه من «عبث العابثين»، وكذلك فإن هؤلاء معرضون أكثر من غيرهم للتمرّد على الأوامر وإعلان العصيان إذا ما عُزلوا عن مناصبهم، أو جُرّدوا من بعض صلاحياتهم أو مكتسباتهم، لأنهم قد يشعرون أنهم في منعة من العقاب، وأن هناك من سيغضب لغضبتهم، ويثور لثورتهم، وهذا ما نجده جليا في الأحزاب والتنظيمات، سواء منها العلمانية أو المنتسبة للإسلام، بل نجده في الطرق الصوفية، وفي الفرق والطوائف الضالة المضلة.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 43
لقراءة المقال المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

دين الإسلام وجماعة المسلمين (4) إنّ الله هو الحَكَم وإليه الحُكْم [3/3] أيضا، إن الله -جل ...

دين الإسلام وجماعة المسلمين (4)

إنّ الله هو الحَكَم وإليه الحُكْم
[3/3]

أيضا، إن الله -جل وعلا- جعل توحيد الحكم والتشريع حجة على من لم يوحّده في العبادة والنسك كما جعل توحيد الربوبية والأسماء والصفات حجة على من جحد توحيد الألوهية، قال سبحانه على لسان يوسف، عليه السلام: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 39-40]، وقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [الشعراء: 69-83].

ولما تكنّى أحد الصحابة -رضي الله عنهم- بـ «أبي الحَكَم»، نهاه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، قائلا: (إن الله هو الحَكَم، وإليه الحُكْم) [رواه أبو داود والنسائي عن أبي شريح].

وأما من استسلم لحكم الطاغوت وتشريعه -كالمصوّتين في الانتخابات والاستفتاءات الديمقراطية والمتحاكمين إلى محاكم القوانين الوضعية- فهم مؤمنون بالطاغوت عابدون له خارجون عن أصل الإسلام -شهادة أن لا إله إلا الله، أن لا معبود ولا مُطاع بحق إلا الله- وحقيقته -السلامة (أي الإخلاص) والاستسلام لله- ومن عدّ هؤلاء مسلمين موحّدين مجتنبين للطاغوت كافرين به، فليراجع دين الإسلام قبل حلول رمسه.

ربّنا أفرغ علينا صبرا وتوفّنا مسلمين وألحقنا بالصالحين.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 43
لقراءة المقال المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

دين الإسلام وجماعة المسلمين (4) إنّ الله هو الحَكَم وإليه الحُكْم [2/3] وأما قوله، جل وعلا: ...

دين الإسلام وجماعة المسلمين (4)

إنّ الله هو الحَكَم وإليه الحُكْم
[2/3]

وأما قوله، جل وعلا: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} [الأنعام: 114]، ففي تدبرها فوائد كثيرة، قال الشنقيطي: «ذكر بعض أهل العلم [كصاحب «البحر المحيط»] أن بعض الكفار طلبوا [من] النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتحاكم معهم إلى بعض الكهان، كما كانت عادة العرب إذا تنازعوا واختلفوا، تحاكموا إلى بعض الكهنة، والعياذ بالله»، فأنزل الله -جل وعلا- هذه الآية وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- «أن ينكر كل الإنكار على من يبتغي حَكَما غير خالق السماوات والأرض الذي هو الحكم العدل اللطيف الخبير» [العذب النَمير].

وجاء مثل هذه الآية في سورة الأنعام قوله سبحانه: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 14]، وقوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [الأنعام: 164]، وقال -جل وعلا- في سورة الأعراف: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 140].

قال ابن القيم، رحمه الله: «الرضا بالله ربّاً، أن لا يتخذ ربّاً غير الله تعالى يسكن إلى تدبيره، وينزل به حوائجه، قال الله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 164]، قال ابن عباس، رضي الله عنهما: سيدا وإلها؛ يعني فكيف أطلب ربّاً غيره، وهو ربّ كل شيء؟ وقال في أول السورة: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: 14]، يعني معبودا وناصرا ومعينا وملجأ، وهو من الموالاة التي تتضمن الحب والطاعة، وقال في وسطها {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} [الأنعام: 114]، أي: أفغير الله أبتغي من يحكم بيني وبينكم، فنتحاكم إليه فيما اختلفنا فيه؟ ... وأنت إذا تأمّلت هذه الآيات الثلاث حق التأمل، رأيتها هي نفس الرضا بالله ربّاً، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولا، ورأيت الحديث يترجم عنها، ومشتقا منها؛ فكثير من الناس يرضى بالله ربّاً، ولا يبغي ربّاً سواه، لكنه لا يرضى به وحده وليا وناصرا، بل يوالي من دونه أولياء، ظنا منه أنهم يقربونه إلى الله، وأن موالاتهم كموالاة خواص الملك، وهذا عين الشرك، بل التوحيد أن لا يتخذ من دونه أولياء، والقرآن مملوء من وصف المشركين بأنهم اتخذوا من دونه أولياء... وكثير من الناس يبتغي غيره حكما، يتحاكم إليه، ويخاصم إليه، ويرضى بحكمه، وهذه المقامات الثلاث هي أركان التوحيد؛ أن لا يتخذ سواه ربّاً، ولا إلهاً، ولا غيره حَكَماً» [مدارج السالكين].

فمن ابتغى حَكَما سوى الله كان مشركا مؤمنا بالطاغوت عابدا له كالذي ابتغى سواه ربّاً أو إلهاً أو وليّاً.

مما يؤكّد هذا أن الله حكم بأن من اتخذ غيره مشرّعا فقد جعله ندّا لله، لا فرق بينه وبين من جعل له شريكا في الدعاء أو الشفاعة، فقال جل وعلا: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 94]، وقال جلّ وعلا: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا} [الفاطر: 40]، وقال جلّ وعلا: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: 21].


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 43
لقراءة المقال المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

دين الإسلام وجماعة المسلمين (4) إنّ الله هو الحَكَم وإليه الحُكْم [1/3] إن كلمة التوحيد -لا ...

دين الإسلام وجماعة المسلمين (4)

إنّ الله هو الحَكَم وإليه الحُكْم
[1/3]

إن كلمة التوحيد -لا إله إلا الله- التي تنفي الإلهية عما سوى الله، وتثبتها لله وحده، تبطل جميع أنواع الشرك الأكبر -في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات- فإن الإله هو الذي يستحق أن يُعبد ويُطاع لـ «ما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع» [تيسير العزيز الحميد]، فمن لم يُفرد الله بالإلهية بجميع أنواع العبادة والطاعة، ناقض شهادة التوحيد، وكذّب عمليا ما ادعاه من توحيد الربوبية والأسماء والصفات.

ومن أنواع العبادة التي أفرد الله -جل وعلا- لها الذكر في كتابه وفي سنّة نبيّه -صلى الله عليه وسلم- العبادة بالتحاكم إليه وحده والحكم بما شرعه وحده، وهي مقتضى إيمان المرء بأن الله هو {أحْكمُ الْحاكِمِين} [هود: 45] و{خيْرُ الْفاصِلِين} [الأنعام: 57]، وأنه لا أعدل منه كلمةً ولا أحسن منه حكما وأنه ليس له شريك في التشريع، فمن أشرك في حكمه أحدا، ناقض شهادة التوحيد، وكذّب عمليا ما ادعاه من توحيد الربوبية والأسماء والصفات، والأدلة على توحيد الحكم والتشريع كثيرة جدا.

قال الشنقيطي: «الإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته، قال في حكمه: {ولا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أحدًا} [الكهف: 26]، وفي قراءة ابن عامر من السبعة {ولا تُشْرِكْ فِي حُكْمِهِ أحدًا} بصيغة النهي؛ وقال في الإشراك به في عبادته: {فمن كان يرْجُو لِقاء ربِّهِ فلْيعْملْ عملًا صالِحًا ولا يُشْرِكْ بِعِبادةِ ربِّهِ أحدًا} [الكهف: 110]، فالأمران سواء كما ترى إيضاحه إن شاء الله» [أضواء البيان].

وقال أيضا: «وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كون الحكم لله وحده لا شريك له فيه على كلتا القراءتين جاء مبينا في آيات أخر»، ثم ذكر منها قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلّا لِلّهِ أمر ألّا تعْبُدُوا إِلّا إِيّاهُ ذلِك الدِّينُ الْقيِّمُ ولكِنّ أكْثر النّاسِ لا يعْلمُون} [يوسف: 40]، وقوله: {أفحُكْم الْجاهِلِيّةِ يبْغُون ومنْ أحْسنُ مِن اللّهِ حُكْمًا لِّقوْمٍ يُوقِنُون} [المائدة: 50]، وقوله: {أفغيْر اللّهِ أبْتغِي حكمًا وهُو الّذِي أنزل إِليْكُمُ الْكِتاب مُفصّلًا} [الأنعام: 114].

ثم قال: «ويُفهم من هذه الآيات... أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله، وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر، كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله: {ولا تأْكُلُوا مِمّا لمْ يُذْكرِ اسْمُ اللّهِ عليْهِ وإِنّهُ لفِسْقٌ وإِنّ الشّياطِين ليُوحُون إِلى أوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وإِنْ أطعْتُمُوهُمْ إِنّكُمْ لمُشْرِكُون} [الأنعام: 121]، فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم، وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى: {ألمْ أعْهدْ إِليْكُمْ يا بنِي آدم أن لّا تعْبُدُوا الشّيْطان إِنّهُ لكُمْ عدُوٌّ مُّبِينٌ * وأنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُّسْتقِيمٌ} [يس: 60-61]».

ثم قال: «ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء، في قوله تعالى: {وكذلِك زيّن لِكثِيرٍ مِّن الْمُشْرِكِين قتْل أوْلادِهِمْ شُركاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ ولِيلْبِسُوا عليْهِمْ دِينهُمْ ولوْ شاء اللّهُ ما فعلُوهُ فذرْهُمْ وما يفْترُون} [الأنعام: 137]، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا لعدي بن حاتم -رضي الله عنه- لما سأله عن قوله تعالى: {اتّخذُوا أحْبارهُمْ ورُهْبانهُمْ أرْبابًا مِنْ دُونِ اللّهِ} [التوبة: 31]، فبيّن له أنهم أحلّوا لهم ما حرّم الله، وحرّموا عليهم ما أحلّ الله فاتّبعوهم في ذلك، وأن ذلك هو اتخاذهم إياهم أربابا، ومن أصرح الأدلة في هذا، أن الله -جل وعلا- في سورة النساء بيّن أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب، وذلك في قوله تعالى: {ألمْ تر إِلى الّذِين يزْعُمُون أنّهُمْ آمنُوا بِما أُنزِل إِليْك وما أُنزِل مِن قبْلِك يُرِيدُون أن يتحاكمُوا إِلى الطّاغُوتِ وقدْ أُمِرُوا أن يكْفُرُوا بِهِ ويُرِيدُ الشّيْطانُ أن يُضِلّهُمْ ضلالًا بعِيدًا} [النساء: 60]، وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور، أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله -جل وعلا- على ألسنة رسله -صلى الله عليهم وسلم- أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم» [أضواء البيان].


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 43
لقراءة المقال المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

فتنوع المدعون في الشهود، فقيل: لا تثبت هذه الدعوى إلا ببينة {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ ...

فتنوع المدعون في الشهود، فقيل: لا تثبت هذه الدعوى إلا ببينة {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} فتأخر الخلق كلهم، وثبت أتباع الرسول في أفعاله وأقواله وهديه وأخلاقه، فطولبوا بعدالة البينة، وقيل: لا تقبل العدالة إلا بتزكية {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}؛ فتأخر أكثر المدعين للمحبة، وقام المجاهدون.

فقيل لهم: إن نفوس المحبين وأموالهم ليست لهم، فسلموا ما وقع عليه العقد، فإن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، وعقد التبايع يوجب التسليم من الجانبين، فلما رأى التجار عظمة المشتري وقدر الثمن، وجلالة قدر من جرى عقد التبايع على يديه، ومقدار الكتاب الذي أُثبت فيه هذا العقد، عرفوا أن للسلعة قدرا وشأنا ليس لغيرها من السلع، فرأوا من الخسران البـين والغبن الفاحش أن يبيعوها بثمن بخس دراهم معدودة تذهب لذتها وشهوتها وتبقى تبعتها وحسرتها، فإن فاعل ذلك معدود في جملة السفهاء.

فعقدوا مع المشتري بيعة الرضوان رضى واختيارا من غير ثبوت خيار، وقالوا: والله لا نقيلك ولا نستقيلك، فلما تم العقد وسلموا المبيع، قيل لهم: قد صارت أنفسكم وأموالكم لنا، والآن فقد رددناها عليكم أوفر ما كانت وأضعاف أموالكم {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} لم نبتع منكم نفوسكم وأموالكم طلبا للربح عليكم، بل ليظهر أثر الجود والكرم في قبول المعيب والإعطاء عليه أجلّ الأثمان، ثم جمعنا لكم بين الثمن والمثمن.

تأمل قصة جابر بن عبد الله وقد اشترى منه -صلى الله عليه وسلم- بعيره، ثم وفاه الثمن وزاده، ورد عليه البعير، وكان أبوه قد قتل مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في وقعة أحد، فذكره بهذا الفعل حال أبيه مع الله، وأخبره أن الله أحياه، وكلمه كفاحا وقال: «يا عبدي تمنَّ على».

فسبحان من عظم جوده وكرمه أن يحيط به علم الخلائق، فقد أعطى السلعة وأعطى الثمن ووفق لتكميل العقد، وقبل المبيع على عيبه، وأعاض عليه أجل الأثمان، واشترى عبده من نفسه بماله، وجمع له بين الثمن والمثمن وأثنى عليه، ومدحه بهذا العقد، وهو سبحانه الذي وفقه له، وشاءه منه) انتهى كلامه رحمه الله.


* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 44
الثلاثاء 19 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

* تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

أنفُسٌ هو خلقها وأموالٌ هو رزقها للشيخ عبد العزيز بن رشيد الطويلعي (تقبّله الله) قال الله عز ...

أنفُسٌ هو خلقها وأموالٌ هو رزقها
للشيخ عبد العزيز بن رشيد الطويلعي (تقبّله الله)

قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].

وهذا أعظم عقد بين الله -عز وجل- وعباده، فاشترى الأنفس والأموال بالقتل في سبيله والقتال وأثاب عليه الجنة، وأكد ذلك بأنه وعد منه حق أوجبه على نفسه، وعد به في التوراة والإنجيل والقرآن، وأكد ذلك بما لا يشك فيه أحد: ومن أوفى بعهده من الله، فأي عاقل يجد في نفسه الجلد والصبر عن هذا الوعد العظيم من الله العظيم؟ وهذا العهد ممن لا يخلف العهد والميعاد.

وانظر إلى سعة كرم الكريم -جل وعلا- فقد اشترى ما وهبه وهو بيده لم يخرج من ملكه، وأثاب عليه ما هو أعظم منه، والكل من عنده سبحانه.

أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن البصري قال: (أَنْفُسٌ هو خلقها، وأموالٌ هو رزقها).

وقد أوقع الله في الآية هذا العقد الذي هو أصل عبودية العبد لربه والعلاقة بينه وبين خالقه على القتال في سبيله، وفسره بقوله: {يَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}، لأن القتال في سبيل الله ذروة السنام، وطلب الموت والشهادة غاية الصدق في الوفاء بالعقد من عبده، وإن كان هذا العقد الذي ثمنه الجنة يشمل جميع فرائض الدين وشعائره.

وأكد الله العقد بأنه في التوراة والإنجيل والقرآن، وظاهره أن العقد لأصحاب هذه الكتب، وهذا يضعّف ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من أن الجهاد لم يفرض على النصارى لا للطلب ولا للدفع، بل ظاهر الآية أنه مفروض عليهم مذكور في إنجيلهم، كما أنه مفروض على أهل الكتاب من اليهود قبلهم، وأول ما فرض الجهاد على قوم موسى اليهود في التوراة، وقبل ذلك كان الله يأخذ المعرضين بالعقوبات الكونية من عنده كما جاء في بعض الآثار.

وختم الله -جل وعلا- الآية بالأمر بالاستبشار بهذا العقد الذي هو ربح محض لا مقابل له من العبد، بل الثمن والسلعة من عنده، وفي هذا أمر كل مسلم بالاستبشار بهذا العقد عموما، وبفرض القتال المنصوص عليه في العقد خصوصا، والذي يستبشر بعقد كهذا العقد ويؤمن به حق الإيمان، لا يجد في نفسه حرجا من القتال، ولا ينظر نظر المغشي عليه من الموت إذا سمع الآيات والنصوص المحكمة في الجهاد، ولا يقول ائذن لي ولا تفتني، ولا يقول غرّ هؤلاء دينهم، ولا يظن أن لن يرجع المؤمنون والمجاهدون إلى أهليهم أبدا ويظن ظن السوء.

بل يستبشر بقلبه، ويسر بهذا العقد والفضل من ربه، ومحال أن يستبشر بعقد ثم لا يبذل الثمن فيه ولا يسعى في إتمام الصفقة، بل حقيقة الاستبشار بالعقد أن يحرص على إتمامه، ويتضرع إلى المولى -جل وعلا- أن يعينه عليه وألا يصرفه عنه ويحرمه منه بعد إذ هداه إليه.

وهذه الكلمات بين يدي كلام نفيس لابن القيم -رحمه الله- في هذه الآية آثرت أن أنقله بطوله، قال رحمه الله:

(وأخبر سبحانه أنه {اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} وأعاضهم عليها الجنة، وأن هذا العقد والوعد قد أودعه أفضل كتبه المنزّلة من السماء، وهى التوراة والإنجيل والقرآن، ثم أكد ذلك بإعلامهم أنه لا أحد أوفى بعهده منه، تبارك وتعالى، ثم أكد ذلك بأن أمَرَهم بأن يستبشروا ببيعهم الذي عاقدوه عليه، ثم أعلمهم أن ذلك هو الفوز العظيم.

فليتأمل العاقد مع ربه عقد هذا التبايع ما أعظم خطره وأجله، فإن الله -عز وجل- هو المشتري، والثمن جنات النعيم والفوز برضاه والتمتع برؤيته هناك، والذي جرى على يده هذا العقد أشرف رسله وأكرمهم عليه من الملائكة والبشر، وإن سلعةً هذا شأنها لقد هُيئت لأمر عظيم وخطب جسيم...

قد هيئوك لأمر لو فطنت له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

مهر المحبة والجنة؛ بذل النفس والمال لمالكهما الذي اشتراهما من المؤمنين، فما للجبان المعرض المفلس وَسَوْم هذه السلعة؟!!

بالله ما هزلت فيستامها المفلسون، ولا كسدت فيبتاعها بالنسيئة المعسرون، لقد أقيمت للعرض في سوق من يزيد، فلم يرض ربها لها بثمن دون بذل النفوس، فتأخر البطالون وقام المحبون ينتظرون أيّهم يصلح أن تكون نفسه الثمن، فدارت السلعة بينهم، ووقعت في يد {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}.

لمّا كثر المدعون للمحبة؛ طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى، فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى الخلي حرفة الشجي.
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 44 الإفتتاحية: لاتزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله من يتابع إعلام ...

صحيفة النبأ العدد 44
الإفتتاحية:
لاتزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله

من يتابع إعلام الدولة الإسلامية ويرى حجم تركيزها على أن هذه الحملة الصليبية التي يواجهها جنودها الآن بكل شجاعة وإقدام هي آخر الحملات، بإذن الله، يتبادر إلى ذهنه أن جنودها يحسبون هذه الحملة عليهم نهاية المطاف، ومرحلة أخيرة من مراحل طريق الجهاد الطويل.

ومن يعرف حقائق الإسلام، يدرك أن الطائفة المنصورة لا يمكن أن تلقي السلاح يوما، أو تقعد عن جهاد المشركين، فالشرك في الأرض مستمر إلى يوم القيامة، وما بقي من أهل الإيمان فرد إلا ووجب عليه جهادهم وقتالهم حتى يخضعوا لحكم الله تعالى، كما أن المشركين مستمرون في حرب أهل الإيمان ما بقي منهم أحد على وجه الأرض، حتى يردوا المؤمنين عن دينهم إن استطاعوا.

ولما كانت أمريكا قائدةَ هذة الحملة الصليبية على أمة الإسلام، فإن انتهاء هذه الحملة سيكون قريبا بإذن الله، بانكفاء أمريكا على نفسها لتداوي ما أصابها من جراحات وتعوض ما لحقها من خسائر، لتحافظ على رأس مالها المتآكل بعد تيقّنها أن الحصول على الأرباح بات شاقا مكلفا، فما نراه اليوم هو أن أمريكا تدفع حلفاءها دفعا لمشاركتها في تحمل تكاليف الغارات الجوية ودعم جيوش المرتدين على الأرض وتمويلها، وبانسحاب أمريكا من المنطقة، ستعاني الدول الصليبية الأخرى من معضلتي العجز عن تغطية جبهات القتال الواسعة، وغياب العنصر الجامع لأشتات الدول المتحالفة.

ولكن من يوسع مجال الرؤية أكثر يجد أن العالم مليء بالمشركين من غير الصليبيين، فهناك اليهود، والملحدون اللادينيون، والمشركون من الهندوس والبوذيين والوثنيين، وهناك الطواغيت الحاكمون لبلدان المسلمين المسلوبة، والمرتدون من المنتسبين للإسلام كالرافضة والقبوريين والديموقراطيين، وهناك مرتدو الصحوات الذين يتولون أي فريق من المشركين في سبيل أن لا تُحكّم الشريعة ولا يكون الدين كلّه لله، وهناك غيرهم ممن لا نعلمهم الآن، ولكن الله يعلم وقت ظهورهم ومنابذتهم لأهل التوحيد بالعداوة والقتال.

وأمم الشرك هذه لا تقلّ عداوة للذين آمنوا عن النصارى الصليبيين، بل هم أشد الناس عداوة للمؤمنين، كما قال تعالى: {لتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 42]، ومعظم هذه الأمم منغمسة في الحرب على الإسلام وأهله، وما قصص استضعافهم للمسلمين، وحربهم على شعائر الإسلام الظاهرة، عنا ببعيد.

وتذكّرنا حوادث التاريخ بأمثلة عن جرائم تلك الطوائف بحق أهل الإسلام، ولا أدلّ من قصة المغول الوثنيين الذين غزو المسلمين في عقر دارهم، وأزالوا دولتهم وخلافتهم، ودمّروا حواضرهم، وسفكوا دماءهم، وأصابوا المسلمين بفاجعة كل ما كان بعدها من الفواجع يهون عندها، كما إن قصة صراع المسلمين وخاصة في القرن الماضي مع الطواغيت المرتدين المنتسبين للإسلام لا تقل مأساتها بحال عن قصة الصراع مع الصليبيين القادمين من وراء البحار.

وما إن تنكسر هذه الحملة الصليبية -بإذن الله- حتى تتلوها حملات وحملات من أمم الشرك المختلفة، على المسلمين أن يجاهدوها أيضا، ويصبروا عليها، كما صبروا على حملات الصليبيين المتعاقبة، وحتى لو توقفت حملات المشركين عن مهاجمة دار الإسلام، فإن من واجب المسلمين أن يطلبوا المشركين في أرضهم، وأن يدخلوا عليهم الباب، فيكسروا شوكتهم، وينكّسوا رايتهم، وأن يستمروا في مطاردتهم، حتى تدين الأرض كلها بالدين لله وحده، وحتى يخضع المشركون كلهم لحكم الله، عز وجل.

إن استمرار المسلمين في قتال المشركين أبدا سنّة من سنن الله التي اختص بها هذا الدين العظيم وأهله، وقد ربط الله تعالى قيام هذا الدين بذلك القتال، كما في قوله، صلى الله عليه وسلم: (لن يبرح هذا الدين قائما، يقاتل عليه عصابة من المسلمين، حتى تقوم الساعة) [رواه مسلم]، وقوله، صلى الله عليه وسلم: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك) [رواه مسلم].

فليحرص كل مسلم أن يكون في صف هذه العصابة من الموحّدين التي لا تنقطع إلى قيام الساعة، فإنهم لا يضرّهم من خالفهم ولا من خذلهم وهم مستمرون في جهادهم بقدر من الله يسوقهم إليه سوقا، وليحرص كل مجاهد أن يجدّد نيته دائما على الاستمرار في قتال المشركين حتى يأتيه اليقين، فيبعثه الله في زمرة الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا.


* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 44
الثلاثاء 19 ذو القعدة 1437 ه‍ـ
...المزيد

فتاوى ابن تيمية: مواضع المنكرات "ليس للإنسان أن يحضر الأماكن التى يشهد فيها المنكرات ولا يمكنه ...

فتاوى ابن تيمية: مواضع المنكرات

"ليس للإنسان أن يحضر الأماكن التى يشهد فيها المنكرات ولا يمكنه الإنكار إلا لموجب شرعي مثل:

أن يكون هناك أمر يحتاج إليه لمصلحة دينه أو دنياه لا بد فيه من حضوره أو مكرها، فأما حضوره لمجرد الفرجة وإحضار امرأته تشاهد ذلك، فهذا مما يقدح في عدالته ومروءته إذا أصر عليه".

ابن تيمية - مجموع الفتاوى (239/28)
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً