حرس الحدود
بالعودة إلى أجواء الاحتفال بـ "اليوم الوطني السوري" الذي لم يغب اليهود عنه بالمناسبة، فقد كان من مشاهد يوم التحرير انتشار الحواجز العسكرية اليهودية في عمق الأراضي السورية المحررة، حيث ...المزيد
مساعدة
الإبلاغ عن المادة
تعديل تدوينة
مقال: جاه الأكارم (6) -الرفق- الحمد لله الملك الخلاق، والصلاة والسلام على نبينا محمد معلم ...
مقال: جاه الأكارم (6) -الرفق-
الحمد لله الملك الخلاق، والصلاة والسلام على نبينا محمد معلم الإيمان والأخلاق، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم التلاق، أما بعد:
قسمَ الله سبحانه وتعالى الأخلاق كما قسم الأرزاق، فمن رُزقها فإنما رُزق خيرا كثيرا فليحمد الله، ومن لم يُعطها فليسعَ إليها كما يسعى لطلب الرزق، فما الرزق بأولى أن يسعى له العبد من الأخلاق، وكما قيل: إنما العلم بالتعلّم، والحلم بالتحلّم، ومن يتحرَّ الخيرَ يُعطه، ومن يتوقّ الشر يُوقَه.
ومن أجلّ أخلاق الأكارم وجاههم خلق الرفق، ذاكم الخلق الرفيع الذي يبلغ بأصحابه المنازل وتصلح به الأمور وتدرك به مفاتيح الأشياء، فكم من مشاكل شائكة كان علاجها في الرفق، وكم من أناس ما استُمكن منهم إلا بالرفق، وكم من ملك ساس قومه بالرفق فقاد أولهم وآخرهم أحسن قياد، فكل موفق رائد يشار له بالبنان يكون الرفق له رفيقا، وما أحد من الخلفاء الراشدين إلا وكان إماما في الرفق.
• الرفق من صفات الله تعالى
ويكفي للرفق منزلة أنه من صفات ربنا المتعال جل جلاله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف) [رواه مسلم] قال النووي: "ومعنى يعطي على الرفق أي يثيب عليه ما لا يثيب على غيره" [شرح صحيح مسلم]
فهو من الأعمال التي يحبها الله من عباده، وإنه تعالى يعطي عليه -ولا عطاء كعطائه سبحانه- ما لا يعطي على ما سواه من الثواب والجزاء، فمن إذا يرغب عن عطاء الله تعالى؟.
والرفق يدخل في كل شيء ويزينه ويحسّنه ويُصلحه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لم يدخل الرفق في شيء إلا زانه، ولم ينزع من شيء إلا شانه) [أحمد]، وقوله: "شيء" عامة تشمل المعاملة والكلام والتعليم والتكليف والعقاب، وتشمل بني آدم والمتاع والدواب، فكلٌ يزينه الرفق، وإن فُقد الرفق من شيء كان قبيحًا ومشينًا، قال صلى الله عليه وسلم: (من يُحرم الرفق يُحرم الخير) [مسلم]
• يسّروا وبشّروا وتطاوعوا
وإن حضور الرفق بين القوم لهو دليلٌ أن الله يريد بهم الخير، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق) [مكارم الأخلاق للطبراني] ولحاجة المبلّغ لهذا الدين إلى الرفق من معلّم أو أمير أو مجاهد، فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمثالهم إليه، فهذان الصحابيان الجليلان أبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما، بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: (يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا ولا تختلفا) [البخاري ومسلم]
فهذه وصية مهمة "التيسير والتبشير"، التيسير لأمور الشرع وتكاليفه التي ربما يراها بعض الناس عسيرة صعبة لا يمكن إدراكها ولا تأديتها فتُيسّر عليهم وتُهوّن، وتُعطى بأحسن طريقة وفي أنسب وقت، مع التبشير بما أعدّ الله لفاعلها من عظيم الجزاء في الآخرة، فإنه أنشط للعمل وأدعى للقبول.
ونهاهما عن "التعسير والتنفير" أي: تعسير الأمور لعامة المسلمين وتكليفهم ما لا طاقة لهم به، أو تهويل وتعظيم ما هو يسير من أمور الشرع أو أحوال الناس في دنياهم وحاجاتهم، فيفضي ذلك إلى تنفيرهم. قال النووي رحمه الله: "وفي هذا الحديث الأمر بالتبشير بفضل الله وعظيم ثوابه وجزيل عطائه وسعة رحمته، والنهي عن التنفير بذكر التخويف وأنواع الوعيد محضة من غير ضمها إلى التبشير، وفيه تأليف مَن قرُب إسلامه، وترْك التشديد عليهم، وكذلك مَن قارب البلوغ من الصبيان ومَن بلغ، ومَن تاب مِن المعاصي، كلهم يُتلطف بهم ويدرجون في أنواع الطاعة قليلا قليلا، وقد كانت أمور الإسلام في التكليف على التدريج، فمتى يُسّر على الداخل في الطاعة أو المريد للدخول فيها؛ سهلت عليه وكانت عاقبته غالبا التزايد منها، ومتى عُسّرت عليه أوشك أن لا يدخل فيها، وإن دخل أوشك أن لا يدوم، أو لا يستحليها" [شرح صحيح مسلم]
وقد أرشدهما النبي صلى الله عليه وسلم لهذا لأنهما يليان أمر الناس والمسؤولية عنهم، ومن وُلي أمر الناس كان القول له آكد من غيره، فقد جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم مَن ولي مِن أمر أمتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه! ومَن ولي مِن أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به)، قال النووي: "هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس، وأعظم الحث على الرفق بهم وقد تظاهرت الأحاديث بهذا المعنى".
• ومن الرفق: الحلم والأناة
ويدخل في الرفق أيضا الحلم والأناة، فهاتان الصفتان يحبهما الله كما يحب الرفق، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على أشج عبد القيس حين قدم مع وفده للمدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن فيك خصلتين يحبهما الله؛ الحلم والأناة) [مسلم]
فالحلم هو العقل، وهو أيضا العفو عند المقدرة، فحيثما استطاع الإنسان الانتقام لنفسه لكنه ترك ذلك مع مقدرته فهو حليم، والأناة هي التؤدة والرويّة وعدم الاستعجال في الأمور.
والعجلة وإنْ كانت من طبيعة ابن آدم وفطرته كما قال الله تعالى: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء:11] إلا أنها أبعد عن الصواب؛ لأنها من الشيطان، وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "لا يزال المرء يجتني من ثمرة العجلة الندامة"، إلا إنْ كانت العجلة في أمر الآخرة والمسارعة في الخيرات فهنا تكون محمودة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة) [رواه أبو داود]، والقرآن يحث على المسارعة والتعجيل في أمور البر وأعمال الآخرة كقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّنْ رَّبِّكُمْ} [آل عمران:133]، {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء:90]،{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148]، {أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:61].
والرفق خلق النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان من هديه عليه الصلاة والسلام التيسير على أمته ما استطاع إلى ذلك، قالت عائشة رضي الله عنها: "ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه" [متفق عليه] فحيث لا يكون إثم، ولا ضعف أو مداهنة في الدين، ولا ورود للشبهات، فالرفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
• رفق النبي صلى الله عليه وسلم
ومن أمثلة رفقه صلى الله عليه وسلم، قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، فقاموا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه)، ثم دعا بدلو من ماء فصبّ عليه. [البخاري]، وفي رواية عند النسائي أنه قال: (دعوه، وأهريقوا على بوله دلوا من ماء؛ فإنما بُعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين).
ومن ذلك أيضا قصة معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، لما جاء وصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يعلم أن الكلام قد نُهي عنه في الصلاة، قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم؟ تنظرون إلي! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يُصمِّتُونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن). [مسلم]
وبالرفق يسلم الإنسان من الانتصار لنفسه حينما يُرشد غيره، فإن الغاية هي أن يؤخذ بالحق، ويبُيّن، لا أن يُحوّل الأمر لخصومة شخصية فتخرج عن طابعها الأصلي.
جعلنا الله هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، مرشدين مسترشدين، وصلّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 306
الخميس 23 صفر 1443 هـ ...المزيد
الحمد لله الملك الخلاق، والصلاة والسلام على نبينا محمد معلم الإيمان والأخلاق، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم التلاق، أما بعد:
قسمَ الله سبحانه وتعالى الأخلاق كما قسم الأرزاق، فمن رُزقها فإنما رُزق خيرا كثيرا فليحمد الله، ومن لم يُعطها فليسعَ إليها كما يسعى لطلب الرزق، فما الرزق بأولى أن يسعى له العبد من الأخلاق، وكما قيل: إنما العلم بالتعلّم، والحلم بالتحلّم، ومن يتحرَّ الخيرَ يُعطه، ومن يتوقّ الشر يُوقَه.
ومن أجلّ أخلاق الأكارم وجاههم خلق الرفق، ذاكم الخلق الرفيع الذي يبلغ بأصحابه المنازل وتصلح به الأمور وتدرك به مفاتيح الأشياء، فكم من مشاكل شائكة كان علاجها في الرفق، وكم من أناس ما استُمكن منهم إلا بالرفق، وكم من ملك ساس قومه بالرفق فقاد أولهم وآخرهم أحسن قياد، فكل موفق رائد يشار له بالبنان يكون الرفق له رفيقا، وما أحد من الخلفاء الراشدين إلا وكان إماما في الرفق.
• الرفق من صفات الله تعالى
ويكفي للرفق منزلة أنه من صفات ربنا المتعال جل جلاله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف) [رواه مسلم] قال النووي: "ومعنى يعطي على الرفق أي يثيب عليه ما لا يثيب على غيره" [شرح صحيح مسلم]
فهو من الأعمال التي يحبها الله من عباده، وإنه تعالى يعطي عليه -ولا عطاء كعطائه سبحانه- ما لا يعطي على ما سواه من الثواب والجزاء، فمن إذا يرغب عن عطاء الله تعالى؟.
والرفق يدخل في كل شيء ويزينه ويحسّنه ويُصلحه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لم يدخل الرفق في شيء إلا زانه، ولم ينزع من شيء إلا شانه) [أحمد]، وقوله: "شيء" عامة تشمل المعاملة والكلام والتعليم والتكليف والعقاب، وتشمل بني آدم والمتاع والدواب، فكلٌ يزينه الرفق، وإن فُقد الرفق من شيء كان قبيحًا ومشينًا، قال صلى الله عليه وسلم: (من يُحرم الرفق يُحرم الخير) [مسلم]
• يسّروا وبشّروا وتطاوعوا
وإن حضور الرفق بين القوم لهو دليلٌ أن الله يريد بهم الخير، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق) [مكارم الأخلاق للطبراني] ولحاجة المبلّغ لهذا الدين إلى الرفق من معلّم أو أمير أو مجاهد، فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمثالهم إليه، فهذان الصحابيان الجليلان أبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما، بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: (يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا ولا تختلفا) [البخاري ومسلم]
فهذه وصية مهمة "التيسير والتبشير"، التيسير لأمور الشرع وتكاليفه التي ربما يراها بعض الناس عسيرة صعبة لا يمكن إدراكها ولا تأديتها فتُيسّر عليهم وتُهوّن، وتُعطى بأحسن طريقة وفي أنسب وقت، مع التبشير بما أعدّ الله لفاعلها من عظيم الجزاء في الآخرة، فإنه أنشط للعمل وأدعى للقبول.
ونهاهما عن "التعسير والتنفير" أي: تعسير الأمور لعامة المسلمين وتكليفهم ما لا طاقة لهم به، أو تهويل وتعظيم ما هو يسير من أمور الشرع أو أحوال الناس في دنياهم وحاجاتهم، فيفضي ذلك إلى تنفيرهم. قال النووي رحمه الله: "وفي هذا الحديث الأمر بالتبشير بفضل الله وعظيم ثوابه وجزيل عطائه وسعة رحمته، والنهي عن التنفير بذكر التخويف وأنواع الوعيد محضة من غير ضمها إلى التبشير، وفيه تأليف مَن قرُب إسلامه، وترْك التشديد عليهم، وكذلك مَن قارب البلوغ من الصبيان ومَن بلغ، ومَن تاب مِن المعاصي، كلهم يُتلطف بهم ويدرجون في أنواع الطاعة قليلا قليلا، وقد كانت أمور الإسلام في التكليف على التدريج، فمتى يُسّر على الداخل في الطاعة أو المريد للدخول فيها؛ سهلت عليه وكانت عاقبته غالبا التزايد منها، ومتى عُسّرت عليه أوشك أن لا يدخل فيها، وإن دخل أوشك أن لا يدوم، أو لا يستحليها" [شرح صحيح مسلم]
وقد أرشدهما النبي صلى الله عليه وسلم لهذا لأنهما يليان أمر الناس والمسؤولية عنهم، ومن وُلي أمر الناس كان القول له آكد من غيره، فقد جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم مَن ولي مِن أمر أمتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه! ومَن ولي مِن أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به)، قال النووي: "هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس، وأعظم الحث على الرفق بهم وقد تظاهرت الأحاديث بهذا المعنى".
• ومن الرفق: الحلم والأناة
ويدخل في الرفق أيضا الحلم والأناة، فهاتان الصفتان يحبهما الله كما يحب الرفق، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على أشج عبد القيس حين قدم مع وفده للمدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن فيك خصلتين يحبهما الله؛ الحلم والأناة) [مسلم]
فالحلم هو العقل، وهو أيضا العفو عند المقدرة، فحيثما استطاع الإنسان الانتقام لنفسه لكنه ترك ذلك مع مقدرته فهو حليم، والأناة هي التؤدة والرويّة وعدم الاستعجال في الأمور.
والعجلة وإنْ كانت من طبيعة ابن آدم وفطرته كما قال الله تعالى: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء:11] إلا أنها أبعد عن الصواب؛ لأنها من الشيطان، وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "لا يزال المرء يجتني من ثمرة العجلة الندامة"، إلا إنْ كانت العجلة في أمر الآخرة والمسارعة في الخيرات فهنا تكون محمودة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة) [رواه أبو داود]، والقرآن يحث على المسارعة والتعجيل في أمور البر وأعمال الآخرة كقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّنْ رَّبِّكُمْ} [آل عمران:133]، {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء:90]،{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148]، {أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:61].
والرفق خلق النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان من هديه عليه الصلاة والسلام التيسير على أمته ما استطاع إلى ذلك، قالت عائشة رضي الله عنها: "ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه" [متفق عليه] فحيث لا يكون إثم، ولا ضعف أو مداهنة في الدين، ولا ورود للشبهات، فالرفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
• رفق النبي صلى الله عليه وسلم
ومن أمثلة رفقه صلى الله عليه وسلم، قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، فقاموا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه)، ثم دعا بدلو من ماء فصبّ عليه. [البخاري]، وفي رواية عند النسائي أنه قال: (دعوه، وأهريقوا على بوله دلوا من ماء؛ فإنما بُعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين).
ومن ذلك أيضا قصة معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، لما جاء وصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يعلم أن الكلام قد نُهي عنه في الصلاة، قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم؟ تنظرون إلي! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يُصمِّتُونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن). [مسلم]
وبالرفق يسلم الإنسان من الانتصار لنفسه حينما يُرشد غيره، فإن الغاية هي أن يؤخذ بالحق، ويبُيّن، لا أن يُحوّل الأمر لخصومة شخصية فتخرج عن طابعها الأصلي.
جعلنا الله هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، مرشدين مسترشدين، وصلّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 306
الخميس 23 صفر 1443 هـ ...المزيد
حوار مع الشيخ أبي الوليد الصحراوي -تقبله الله تعالى- (2) استكمالًا للحوارِ -بجزئه الثّاني ...
حوار مع الشيخ أبي الوليد الصحراوي -تقبله الله تعالى- (2)
استكمالًا للحوارِ -بجزئه الثّاني والأخير- الّذي أجرتهُ صحيفة (النّبأ) مع الشيخ المجاهد أبي الوليد الصّحراوي -تقبّله الله تعالى- في العدد (260) من الصّحيفة.
- منطقة الصحراء الكبرى، رغم أهميتها، فإنّ المعلومات عنها شحيحة، ومعرفة الناس بها قليلة. فهلا تكرّمتم بتعريفها مع بيان حالها، طبيعتها، سكانها، حال حكوماتها، وسر اهتمام الصليبيين الكبير بها؟
تُعدّ منطقة الصحراء الكبرى والساحل كغيرها من مناطق غرب إفريقية التي تضم أعراقا وإثنيات مختلفة، حيث يوجد قبائل الطوارق والعرب في المناطق الشمالية من مالي والنيجر، وتنتشر قبائل الفلان في غرب ووسط وجنوب مالي والنيجر، بالإضافة إلى عرقيات وإثنيات أخرى. وقد التحق عدد من أبناء القبائل العربية والطوارق بالجهاد منذ منتصف العشرية الأولى من هذا القرن، وضمّت "جماعة التوحيد والجهاد" في غرب إفريقية في صفوفها منذ تأسيسها -آنذاك- أولى طلائع المجاهدين من قبائل الفلان، وقد اتّسمت العلاقة بين حكومات المنطقة وهذه العرقيات بالتوتر والمواجهات المسلحة طيلة العقود الماضية، فقد مارست هذه الحكومات المرتدة أنواع الظلم والبطش والقتل والتشريد ضد أفراد هذه القبائل خصوصا، كما حرمتهم من الحقوق التي تمنحها لغيرهم من القوميات الأخرى بغية تفقيرهم وإذلالهم وإخضاعهم لسياساتها.
ولم تكتفِ هذه الحكومات فقط بهذه الممارسات، بل اعتمدت على تقريب عرقيات أخرى لتثبيت عروشها واستغلالها للاستقواء بها ضد خصومها وأعدائها من القبائل المذكورة والتي لا تدين بالولاء لها، وإقحامها في هذه الصراعات وإشعال فتيل حروب عرقية لا تنتهي، لتُدخلها بذلك في دوامة صراع يشغلها عن مطالبة هذه الحكومات بتحقيق ما كانت تُطالب به، لتعرض الحكومات على هذه القبائل والحركات حلولا ظرفية لإيقاف هذه الصراعات تحت إشراف هذه الحكومات ووفق أجنداتها ووسطائها ووفق سياساتها الأمنية، لتستفيد هذه الحكومات بعد ذلك من هذه الهدن والتسويات لعدة سنين، ثم تظهر هذه الصراعات مجددا أكثر حدّة وعنفًا لتستخدم تلك الحكومات نفس الأسلوب ونفس العرقيات في مواجهة خصومها وأعدائها عند كل مواجهة وعند تكرار الأحداث، وهكذا دواليك وإلى يومنا هذا.
وتتربع منطقة الساحل والصحراء الكبرى على مساحة كبيرة تضم ثروات طبيعية هائلة، وهو ما جعل اهتمام الصليبيين بها كبيرًا، حيث عملت الدول الصليبية المسيطِرة على المنطقة -من خلال شركات التنقيب التي تديرها عائلات وشخصيات صليبية- على استغلال تلك الثروات المختلفة ونهبها طيلة عقود من الزمن وإلى يومنا هذا، خاصة مناجم الذهب واليورانيوم والمنغنيز.
فالصليبيون ينظرون إلى هذه المنطقة باهتمام بالغ؛ بسبب الخيرات التي تحويها أراضيها، وبسبب موقعها الاستراتيجي المتميز المجاور لليبيا ونيجيريا والذي يُعزز إمكانية التنسيق بين جنود دولة الخلافة لتكثيف أنشطتهم وتحرُّكهم وتمركزهم في هذا المحور المترابط الممتد من سيناء إلى ليبيا إلى نيجيريا، وإلى مناطق الصحراء الكبرى والساحل.
- ابتُليت منطقة الصحراء الكبرى بالصراعات القبلية المتجددة، ما أهم أسباب تلك الصراعات؟ وما دور الحكومات المرتدة والصليبيين في إشعالها؟ وما تأثير ذلك على الجهاد في المنطقة؟
لقد تركت القوى الصليبية الغازية بعد خروجها من المنطقة، حكومات وأنظمة عميلة تنوب عنها وتؤدي دورها الذي يضمن استمرار مصالحها وسياساتها، ولكي تحافظ هذه الحكومات المرتدة على عروشها، سعت إلى استغلال القبائل والعرقيات المختلفة في خدمة مصالحها عبر إثارة القلاقل والنعرات واستمالة قبائل على حساب أخرى.
حيث قامت التركيبة السياسية لحكومات المنطقة -منذ منحها الاستقلال الصوري- على السماح لقبائل وعرقيات دون أخرى بالسيطرة على العديد من الموارد والأراضي المهمة كامتيازات تحظى بها مقابل ولائها وتبعيتها لهذه الحكومات، مما وفّر لها الحماية وساعدها على التحكم في دواليب الحكم وإدارة شؤون البلاد حقبًا متتالية، وهو ما صبغ الصراعات التقليدية بين هذه القوميات المختلفة بطابع التعقيد والتقلب الدائم تبعًا لتقلّب المصالح والولاءات في المنطقة.
- ففي شمال مالي، واجهت حكومة مالي تمردا مسلحا من قبائل الطوارق وحلفائهم، طالبوا فيه بحكم ذاتي للمنطقة، وقد استخدمت الحكومة المالية أبناء قبائل: (البمبارا، والدوغون، والفلان، والسونغاي) المنحدرة من مناطق الجنوب والوسط، في مواجهة قبائل العرب والطوارق المنحدرين من مناطق الشمال، ليأخذ هذا الصراع منْحًا إثنيًا يزداد دموية بمرور السنين.
ومع كل تمرد جديد للحركات المسلحة، تلجأ الحكومة المالية إلى الاستعانة بقوميات موالية لها لمواجهة التمرد القبلي المسلح عبر إحداث خلاف بين مكوناته لإضعافه، كما حدث في حقبة التسعينيات عندما استقطبت الحكومة مجموعات من الطوارق أنفسهم لضرب تمرد الشمال، حيث تحالفت مجموعات من "طوارق الإيفوغاس" -على رأسهم إياد غالي- مع الجيش المالي ضد التمرد الذي يقوده "الهيجي غامو" زعيم حركة طوارق إمغاد، وبعد فشل هذا التحالف بين الجانبين نتيجة تنكّر الحكومة المالية لوعودها، قررت الحكومة في (باماكو) اختيار "الهيجي غامو" وبعض قبائل العرب للقتال ضد قبائل الإفوغاس!، وهكذا استخدمت حكومة مالي مختلف القوميات والحركات لخدمة مصالحها وحماية عروشها، بالتنسيق مع دول كالجزائر وليبيا ومخابراتها الراعية لهذه الحركات.
- أما في وسط مالي وغربه على الحدود مع موريتانيا، والذي يضم قبائل: (البمبارا، والدوغون، والسونغاي، والفلان) التي استخدمتها الحكومات المالية في مواجهة قبائل الطوارق والعرب المتمردة في الشمال طيلة العقود الماضية، إلا أنها كانت تقرّب بعض هذه العرقيات على حساب العرقيات الأخرى لأسباب سياسية وعرقية ودينية، فقد كانت قبائل (البمبارا) تتمتع بامتيازات عديدة حيث يسيطر أفرادها على مقاليد السلطة وأعلى المراتب في السلّم العسكري والإداري في مختلف القطاعات، وبصورة أقل قبائل (الدوغون) و(السونغاي)، فيما كانت تعاني قبائل (الفلان) الفقيرة من تهميش كبير ومتعمد حيث يمتهن أغلب أفرادها الرعي ويُحرم أبناؤها من تلقي التعليم، وقد كانت محاولات العرقيات التي تمتهن الزراعة ضمّ مزيدٍ من الأراضي إلى ممتلكاتها -بدعم من الحكومة- يؤدي إلى التصادم مع قبائل (الفلان) التي تمتهن الرعي…، فكان هذا طابعا يطبع الصراع التقليدي بين القبائل في تلك المناطق.
ومع التحاق شباب قبائل (الفلان) بالمجاهدين -وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء- وانكباب قبائلهم على النصرة ودعم الجهاد، بقيت العرقيات الأخرى تنافح عن الحكومات المرتدة في مواجهتها للمجاهدين، ليتغير طابع الصراعات التقليدية ويستغلها الطواغيت كواجهة لإخفاء حقيقة الجهاد وأهدافه عن عامّة الناس.
- أما في بوركينافاسو فقد سيطر النصارى على الحكم بتأييد وتحالف من المرتدين، حيث ينقسم السكان فيها إلى مسلمين، ونصارى، ووثنيين، وقد تعرض المسلمون طيلة العقود الماضية إلى التهميش والإقصاء والتفقير رغم الثروات الباطنية التي تزخر بها البلاد، في الوقت الذي كانت فيه أنشطة المنظمات التنصيرية تستهدف أبناء المسلمين من أجل حرفِ عقيدتهم وتنصيرهم وفق مناهج تعليمية ممنهجة يتم نشرها عبر المدارس والمؤسسات التعليمية، والتغلغل في أوساط قرى المسلمين الفقيرة تحت غطاء المساعدات الغذائية وبناء المراكز الطبية، بهدف ضرب وتدمير عقيدة المسلمين، والتغطية على حقيقة الحرب الصليبية ضد الإسلام؛ غير أنّ ظهور أجناد الخلافة -بفضل الله تعالى- على أرض بوركينافاسو في عام 1436هـ، وقيامهم منذ ذلك الوقت باستهداف القوات البوركينية ومهاجمة مقراتهم؛ غيّر كثيرًا من الأحداث والأحوال، فبدأ شباب المسلمين يعي حقيقة الصراع الدائر، وعلى إثر ذلك التحق الكثير منهم بالمجاهدين وتخندقوا في خندقهم، وأمام تزايد الهجمات والخسائر في صفوف الحكومة البوركينية، لجأت هذه الحكومة إلى تجنيد ميليشيات نصرانية وقبائل وعرقيات وثنية وخبالة من المرتدين لمواجهة أجناد الخلافة وأنصارها.
- وفي النيجر سلكت حكوماته نفس الطريق الذي سلكته حكومات المنطقة، بل سخّرت أغلب مطاراتها وأراضيها للصليبيين لمحاربة المجاهدين، واستخدمت نفس أساليب النظام المالي في مواجهة جنود دولة الخلافة بعد عجزه عن صدّ هجماتهم المتكررة ضد قواته المختلفة وقواعدها.
حيث تتوزع القبائل الساكنة في النيجر إلى الطوارق والعرب والفلان في أقصى الشمال، وقبائل الفلان والهوسا في الوسط والشرق، إضافة لقبائل الزرما والطوارق السود وبعض الفلان في الجنوب والغرب.
وكان أبناء قبائل الفلان الموجودين على الحدود بين النيجر ومالي، هُم أولى القبائل التي انضمت إلى المجاهدين في الصحراء والساحل عموما، وكان لهم السبق من بين بني جلدتهم في الإثخان بأعداء الله تعالى من الجيش المالي والحركات الوطنية في أزواد، وجيش النيجر والقوات الصليبية، فكانوا أول مَن أعلنوا بيعتهم لدولة الخلافة عام 1436هـ في هذه المنطقة.
وقد تواطأت لمواجهتهم -مع جيشي النيجر ومالي والجيش الفرنسي الصليبي- حركات تدعمها قبائل وعشائر، مستغلة ما كان يحدث من مواجهات قبلية قديمة قبل ظهور الجهاد في هذه المنطقة بين قبائل الفلان والطوارق الموجودة على الحدود مع مالي، أو قبائل الزرما في النيجر، لإثارة الحمية والنعرات القبلية لتجنيد تلك القبائل لحرب المجاهدين وتصويرها على أنها ثارات وتصفية حسابات بين القبائل، حتى لا يُفهم أن تلك القبائل تقاتل لصالح الحكومات المرتدة وتواليها وتشاركها حربها ضد المجاهدين.
وقد استغل عبّاد الصليب أطماع وأحقاد بعض القبائل في تجنيدها لمحاربة المجاهدين مقابل وعود الصليبيين لهم بتحقيق أطماعهم، وتكفلت الحكومات المحلية بتقديم كافة الدعم لهم، والتكتم كذلك على جرائمهم بحق عوام المسلمين والتي يقترفونها أثناء حملاتهم وحروبهم ضد المجاهدين.
- ما موقف تنظيم القاعدة من هذه الصراعات القبلية والعرقية وما دوره فيها؟
- يحاول التنظيم اليوم الدفع بمختلف مكونات شمال مالي من القبائل والحركات المعارضة والموالية للحكومة المالية إلى الوقوف معه في حربه ضد المجاهدين، فتارة يصف جنود الخلافة -في اجتماعاته مع القبائل- بأنهم "أجانب" جاءوا للإفساد في الأرض وتفريق وحدة القبائل!، وتارة يصف الحرب التي يخوضها بأنها لمنع قبائل الفلان من السيطرة على مناطق الطوارق والعرب رغم أن معظم جنوده من الفلان وليسوا من العرب والطوارق!، لكنه يستخدم خطابا مزدوجا أمام قبائل الطوارق والعرب فيهددهم فيه من خطر زحف قبائل الفلان!، وأمام جنوده من قبائل الفلان يحرضهم على قتال جنود الخلافة بزعم أنهم خوارج!، وهكذا يخطو التنظيم وقائده المرتد "إياد غالي" خطى الحكومة المالية المرتدة متبعًا سياستها في إشعال حروب عرقية لاستخدام هذه القبائل كمطية في خدمة مصالحه وحمايته، تحت شعار الجهاد وقتال الخوارج!!.
- وبسبب البيعات التي توالت على الدولة الإسلامية بعد ترْك العديد من أبناء قبائل الفلان تنظيماتهم وأحزابهم السابقة في غرب ووسط مالي تحديدا، أعلن تنظيم قاعدة الردة حربه ضد أجناد دولة الخلافة، بغية وقف استمرار تلك البيعات المباركة، وإيهام مَن تبقى من أنصاره أن جنود الخلافة هم مَن بدأوهم بالحرب والعدوان، وتسابق قادة التنظيم إلى القبائل يشوّهون أمامهم جنود الخلافة ويخوّفونهم منهم، كما أوقفوا حروبهم مع العديد من القبائل الوثنية في كثير من المناطق ليتفرغوا لقتال المجاهدين والغدر بهم في (نامبالا) على الحدود مع موريتانيا، وفي منطقة (ماسينا) وسط مالي، وفي مناطق المثلث الحدودي، وبذلك أثار المرتد "أمادو كوفا" النعرات القبلية في صراعه مع جنود الخلافة وحاد بقبائل كثيرة -انبرت لنصرة الجهاد ابتداء- عن جادة الصواب وهيّج عاطفة الحميّة في أوساطهم، مستخدما نفس الطريقة النتنة التي اعتمدتها الحكومات الطاغوتية قبله حفاظا على الحكم والرياسة.
- أما في بوركينافاسو، وفي خضم تلك المواجهات المستعرة بين جنود الخلافة وميليشيات النصارى والقبائل الوثنية المدعومة من الجيش البوركيني؛ تطوّع تنظيم قاعدة الردة لخوض حرب متزامنة ضد جنود الخلافة، متجاوزا خلافاته وحروبه مع الميليشيات النصرانية والوثنية، ليزجّ بآلاف من أبناء قبائل الفلان في حرب ضد المجاهدين بحجة أنهم خوارج! فتعقّدت بذلك أحوال المسلمين وحارت أفهامهم ولا حول ولا قوة إلا بالله، ليتبين للكثيرين منهم بعد مضي الوقت ظلم تلك الحرب التي شنها التنظيم المرتد وما جرّته على المسلمين من ويلات على أيدي عبدة الصليب والأوثان، بعد أن كانت الدولة الإسلامية أول من تصدى لرد عادية النصارى والوثنيين عن المسلمين في بوركينافاسو، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وما دور المجاهدين في التصدي لهذه الصراعات، وكيف هي علاقة المجاهدين بأبناء المنطقة في ظل هذه الصراعات المعقدة؟
الحقيقة أنّ المجاهدين نجحوا -بفضل الله تعالى- في منع اندلاع كثير من الصراعات الجاهلية القائمة على أساس قبلي وعرقي، رغم قيام الطواغيت ومن تولاهم من القوميات والعرقيات بتزييف الحقائق، ومحاولة إظهار جهاد المجاهدين ومعاركهم على أنها معارك وثارات قبلية.
ورغم التنوع العرقي والإثني في منطقة الساحل والصحراء الكبرى، واختلاف الشعوب والأقوام المشكِّلة لهذا النسق، وتعدُّد لهجاتها ولغاتها، إلا أن المجاهدين وخاصة المهاجرين استطاعوا -بفضل الله تعالى- التأقلم مع هذه الأحوال رغم قساوة الظروف المحيطة بهم، والتواصل مع العديد من هذه الأقوام والشعوب في النيجر ومالي وبوركينافاسو، لتبيين الغاية لهم من قتال المجاهدين لهذه الحكومات المرتدة وحلفائهم من الصليبيين، ودعوة تلك الشعوب إلى عدم الانخداع بدعايات أعداء الدين التي تهدف إلى إبعادهم عن دينهم وعن إخوانهم المجاهدين.
وعموما، فإن المجاهدين تربطهم علاقات جيدة مع العديد من أبناء القبائل ممن لا تربطهم علاقات بالأحزاب والحركات المرتدة، ولا برؤسائها وكبرائها، حيث تُعد تلك الحركات والجبهات السبب الرئيس في تضليل القبائل المرتبطة بهم، لتبقى هذه القبائل حزامهم الأمني وخزانهم البشري الذي يعتمدون عليه في تحقيق مصالحهم واستخدامها كورقات ضغط أمام أنظمة الصليبيين.
- يجري حديث عن مفاوضات بين حكومة مالي المرتدة وتنظيم القاعدة في شمال مالي. كيف بدأ الأمر؟ وما مدى جدية الحكومة المرتدة في الحوار؟ وما مدى تقبّل القاعدة وحلفائها للأمر؟ وما توقعاتكم بخصوص سير هذه المفاوضات؟
- منذ تراجع الجيش المالي وفقدانه السيطرة على مناطق شمال مالي، كانت "حركة أنصار الدين" بقيادة المرتد "إياد غالي" بمثابة الواجهة السياسية لتنظيم القاعدة، والتي تمثله في المشهد السياسي في أزواد، حيث قامت الحركة بجولات عديدة في عدد من عواصم الدول المجاورة لمالي، أعلنت من خلالها تمسّكها بوحدة أراضي مالي، وشرحت فيها آفاق سياساتها المستقبلية، ومواقفها من القضايا التي تُقلق هذه الدول وخاصة علاقتها بالجماعات "الجهادية"، وأبدت استعدادها للانخراط في المفاوضات المباشرة مع الحكومة المالية ضمن وفد موحَّد يضم كل الحركات المسلحة في أزواد، وكانت هذه الجولات تجري بعلم ومباركة تنظيم القاعدة.
وهي واحدة من مسارات التفاهمات التي جرت مع عدد من الحكومات الأخرى، فقد كانت "حركة أنصار الدين" تعهدت أمام تكتّل الحركات المسلحة والأعيان والشخصيات القبلية النافذة في الشمال، بثني تنظيم القاعدة عن استهداف الجزائر، وفي هذا السياق حاول تنظيم القاعدة التفاوض عام 1433هـ مع شركة (آريفا) الفرنسية شمال النيجر، للحصول على مبالغ مالية سنوية يتلقاها التنظيم مقابل استفادة الشركة من إنشاء طرق تصدير باتجاه الجزائر (لتصدير اليورانيوم)، وتعهُّد التنظيم بعدم استهداف مصالحها، وهو اتفاق لم يتم بسبب الخلافات بين أمراء التنظيم آنذاك، كما كانت المفاوضات مع الحكومة الموريتانية المرتدة جارية على قدم وساق، عبر سجناء تابعين للتنظيم في سجون موريتانيا وعبر شخصيات مقرّبة من النظام الموريتاني، للوصول إلى اتفاق يوقف التنظيم بموجبه استهداف مصالح موريتانيا، مقابل تلقيه أموالا من الحكومة الموريتانية! وهو ما يفسّر توقف عمليات التنظيم على الأراضي الموريتانية منذ عام 1433هـ وإلى اليوم.
- أما في بوركينافاسو، فقد أصدر التنظيم توجيهات لأتباعه بعدم الدخول في حرب مع القبائل الوثنية والنصرانية هناك، وقد تلقى التنظيم عروضا من قبل حكومة بوركينافاسو عبر وساطة من بعض قادة الحركات المسلحة في شمال مالي، للوصول إلى تسوية يتلقى من خلالها التنظيم أموالا من الحكومة البوركينية مقابل عدم استهدافه لمصالحها وقواتها وللشركات الصليبية العاملة هناك، غير أن وجود أجناد الخلافة وتزايد عملياتهم، أفشل -بفضل الله تعالى- الكثير من مشاريع التفاهمات والتسويات التي كان التنظيم يعتزم إبرامها.
وتمهيدا للحملة الصليبية التي انطلقت عام 1438هـ، عقد الصليبيون اتفاقا مع الحركات الموالية للحكومة المالية من أجل إشراكها في الحملة الصليبية ضد جنود الخلافة، لكن المعارك التي اندلعت أضعفت بشكل كبير تلك الحركات المرتدة بعد انفضاض عدد كبير من أتباعها عنها؛ نتيجة الخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها في المنطقة الحدودية بين مالي وبوركينافاسو والنيجر، وفشل التحالف الصليبي في تحقيق أهدافه المعلنة، وهو ما جعل الجيش المالي في مرمى نيران المجاهدين في هذا المثلث الحدودي، وكبده خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، فسارع بالانسحاب من تمركزاته في عدة مناطق، وهو ما فاقم الأوضاع الأمنية المتأزمة في الأساس، وأظهر قصور وضعف حكومة الطاغوت "كيتا" وزاد من حدة الانتقادات الموجهة لها، لترتفع الأصوات المطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية وإنهاء الأزمة السياسية والأمنية التي تتخبط فيها مالي منذ سنوات، وذلك بإجراء "حوار وطني شامل" لحل المشاكل العالقة، وفتح الباب أمام إمكانية التفاوض مع القاعدة! فجرت لقاءات جمعت بين بعض الشخصيات ذات التوجه الإخواني السروري في مالي، وعلى رأسها المرتد "محمود ديكو" الرئيس السابق لما يسمى "المجلس الأعلى الإسلامي" في مالي، مع أمراء تنظيم القاعدة قبل حدوث الانقلاب العسكري الأخير الذي أطاح بحكومة "كيتا".
وبعد الانقلاب العسكري، سارع منفّذوه إلى التصريح بالتزامهم بالاتفاقيات العسكرية المبرمة مع القوات الفرنسية، وفي نفس الوقت استعدادهم لقبول التحاور والتفاوض مع تنظيم القاعدة في محاولة لطمأنة الأصوات المنادية بذلك.
ورغم أن تنظيم الردة قد أعلن مرات عديدة -عبر بياناته الرسمية- قبوله المبدئي بالدخول في هذه المفاوضات وفق شروط حددها سابقا، وما سبق ذلك من جولات ولقاءات جمعت أمراءه بشخصيات وسيطة في هذا الموضوع؛ إلا أن المعطيات الميدانية جعلت الشروط التي قدمها التنظيم مبالغا فيها، فالتنظيم المهترئ لم يحقق نصرا عسكريا ملحوظا على قوات (برخان) الفرنسية، ولم يقم بإخراج القوات المالية من مناطق ذات أهمية، ولم يسيطر على أي من المدن، بل تزامنت خرجاته الإعلامية حول مفاوضاته الموعودة مع حكومة مالي المرتدة، مع تحضيراته لشنّ حرب شاملة ضد أجناد الخلافة عام 1441هـ في غرب مالي ووسطها، وعلى الحدود مع بوركينافاسو وفي جميع أراضيها، كجزء من خططه الرامية إلى تفرده في الساحة، وإزاحة أجناد الخلافة لإقناع القوى الأخرى بقدرته على تحقيق نتائج وإحداث تغيرات على مجرى الأحداث في أي وقت وفي أي فترة، غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن التنظيم المرتد، فتكبّد خسائر بشرية ومادية كبيرة، و طُرد -بفضل الله تعالى- من عدة مناطق في بوركينافاسو ومالي على يد أجناد دولة الخلافة، وطال أمد الحرب التي ما تزال فصولها لم تنته بعد، ليدخل التنظيم دوامة صراع زاد من تعقيد الأمور أمامه.
كما أن الموقف الرسمي لفرنسا الصليبية لم يتفق مع موقف الانقلابيين العسكريين الصريح القابل مبدئيا التفاوض مع تنظيم القاعدة، حيث ترفض فرنسا في الوقت الراهن بشكل علني هذا التوجه، وقد شنت في الآونة الأخيرة غارات جوية استهدفت مناطق وجود القاعدة على الحدود بين مالي وبوركينافاسو، ويُفسر هذا التوجه العسكري الفرنسي -ربما- كأسلوب من أساليب الضغط التي ينتهجونها ضد هذا النوع من التنظيمات؛ لتعزيز مواقف الحكومات المرتدة أمامها في المفاوضات، ولإجبارها على التنازل عن كثير من مطالبها وعدم رفع سقف تلك المطالب، ومن ثم تقديم أدلة وبراهين على التزامها بالتحول الجذري -في توجهاتها العقدية والعسكرية والتنظيمية- المحدد من قبل الصليبيين وحلفائهم في المنطقة، وذلك قبل المضي قدما في إدماجها في مسارات التسوية، حيث ترى هذه القوى أن الجماعات ذات التوجه "المحلي" يمكن احتواؤها إذا تم فصل العناصر "الأجنبية" عنها وتخليها عنهم.
ورغم كون الحركات المسلحة في عموم شمال مالي تدعم وتؤيد تنظيم القاعدة في حربه ضد أجناد الخلافة، وتؤيد فتح باب التفاوض بين قاعدة الردة وحكومة مالي المرتدة، وعناصر القاعدة -أيضًا- يؤيدون تنظيمهم في المسعى ذاته!، إلا أن المعطيات العسكرية في الميدان تبقى تتحكم فيمن يُقدم التنازلات أكثر، ويبدو أن ذلك سيأخذ وقتا من الشد والجذب قبل أن يبرز إلى العلن بشكله النهائي وفق المقاربات الأمنية للحكومة الجزائرية التي تعول عليها فرنسا وأنظمة المنطقة؛ للعب الدور المهم والراعي لهذا التحول الذي سيسلكه تنظيم القاعدة بشكل جلي، كون الجزائر ستكون حاضنة المشروع والراعية له ضمانا لمصالحها "الجيو سياسية" تماما، كما لعبت بعض دول الخليج نفس الدور في رعاية مشروع المفاوضات مع طالبان الردّة.
- ما رسالتكم إلى المسلمين في منطقة الصحراء الكبرى والساحل وما جاورها عامة، وإلى أجناد الدّولة الإسلاميّة في ولاية غرب إفريقية خاصة؟
لقد حمل المجاهدون سلاحهم في سبيل الله للدفاع عن المسلمين وعن دينهم أمام ظلم أعداء الدين، والذين ما فتئوا يسعون لتضليل المسلمين وحرفهم عن عقيدتهم، فنقول: لا تلتفتوا إلى ما يروّجه المرتدون وأسيادهم من كذب وافتراء على إخوانكم المجاهدين في أجناد الخلافة، لتخويفكم وإبعادكم عن نصرة الحق وأهله، فجنود الخلافة لا يقاتلون إلا مَن حادّ الله ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم- وحارب الإسلام والمسلمين.
أما أنتم يا أجناد الدولة الإسلامية، فنوصيكم بالصبر والثبات، والسمع والطاعة لأمرائكم والاعتصام بالوحدة، فأنتم والله على الحقّ -نحسبكم والله حسيبكم-، فذبّوا عن دولتكم واثأروا لدماء إخوانكم.
- وما رسالتكم إلى أفراد الطوائف المرتدّة في منطقة الصحراء الكبرى والساحل، سواء المنضمون إلى الحكومات المرتدّة وأحزابها، أو المنضمون إلى تنظيم "القاعدة" المرتد والجماعات المرتبطة به؟
نقول لهم: توبوا إلى ربكم وعودوا إلى دينكم، فقد حاربتم هذا الدين وأهله سنين طويلة إرضاء لأهوائكم وأسيادكم الصليبيين الحاقدين، ومازال سوق الجهاد قائما بفضل الله تعالى لم يوقفه مكركم، ولم ولن توقفه جحافل جيوش أسيادكم الصليبيين، فتوبوا قبل أن نقدر عليكم فتطير رؤوسكم بأسيافنا، فلقد أعددنا لكم أجيالا تحبُّ الموت في سبيل الله تعالى كما تحبون أنتم الحياة، وإنّ غدا لناظره لقريب.
وأما رسالتنا إلى جنود قاعدة الردة فنقول لهم: لقد مضت الشهور على بدء غدرتكم ولم تحققوا ما كنتم تصبون إليه، وكشف الله خبيئتكم، وبان عوار منهجكم وضلال أمرائكم، وانحراف تنظيمكم، فماذا تنتظرون؟! عودوا إلى ربكم ودينكم قبل أن تلقوا هلاككم فتخسروا دينكم ودنياكم وآخرتكم، وإن توبتكم وهدايتكم أحبّ إلينا من قتالكم.
هذا وصلّ اللهم وسلم على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله ربّ العالمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 308
الخميس 7 ربيع الأول 1443 هـ ...المزيد
استكمالًا للحوارِ -بجزئه الثّاني والأخير- الّذي أجرتهُ صحيفة (النّبأ) مع الشيخ المجاهد أبي الوليد الصّحراوي -تقبّله الله تعالى- في العدد (260) من الصّحيفة.
- منطقة الصحراء الكبرى، رغم أهميتها، فإنّ المعلومات عنها شحيحة، ومعرفة الناس بها قليلة. فهلا تكرّمتم بتعريفها مع بيان حالها، طبيعتها، سكانها، حال حكوماتها، وسر اهتمام الصليبيين الكبير بها؟
تُعدّ منطقة الصحراء الكبرى والساحل كغيرها من مناطق غرب إفريقية التي تضم أعراقا وإثنيات مختلفة، حيث يوجد قبائل الطوارق والعرب في المناطق الشمالية من مالي والنيجر، وتنتشر قبائل الفلان في غرب ووسط وجنوب مالي والنيجر، بالإضافة إلى عرقيات وإثنيات أخرى. وقد التحق عدد من أبناء القبائل العربية والطوارق بالجهاد منذ منتصف العشرية الأولى من هذا القرن، وضمّت "جماعة التوحيد والجهاد" في غرب إفريقية في صفوفها منذ تأسيسها -آنذاك- أولى طلائع المجاهدين من قبائل الفلان، وقد اتّسمت العلاقة بين حكومات المنطقة وهذه العرقيات بالتوتر والمواجهات المسلحة طيلة العقود الماضية، فقد مارست هذه الحكومات المرتدة أنواع الظلم والبطش والقتل والتشريد ضد أفراد هذه القبائل خصوصا، كما حرمتهم من الحقوق التي تمنحها لغيرهم من القوميات الأخرى بغية تفقيرهم وإذلالهم وإخضاعهم لسياساتها.
ولم تكتفِ هذه الحكومات فقط بهذه الممارسات، بل اعتمدت على تقريب عرقيات أخرى لتثبيت عروشها واستغلالها للاستقواء بها ضد خصومها وأعدائها من القبائل المذكورة والتي لا تدين بالولاء لها، وإقحامها في هذه الصراعات وإشعال فتيل حروب عرقية لا تنتهي، لتُدخلها بذلك في دوامة صراع يشغلها عن مطالبة هذه الحكومات بتحقيق ما كانت تُطالب به، لتعرض الحكومات على هذه القبائل والحركات حلولا ظرفية لإيقاف هذه الصراعات تحت إشراف هذه الحكومات ووفق أجنداتها ووسطائها ووفق سياساتها الأمنية، لتستفيد هذه الحكومات بعد ذلك من هذه الهدن والتسويات لعدة سنين، ثم تظهر هذه الصراعات مجددا أكثر حدّة وعنفًا لتستخدم تلك الحكومات نفس الأسلوب ونفس العرقيات في مواجهة خصومها وأعدائها عند كل مواجهة وعند تكرار الأحداث، وهكذا دواليك وإلى يومنا هذا.
وتتربع منطقة الساحل والصحراء الكبرى على مساحة كبيرة تضم ثروات طبيعية هائلة، وهو ما جعل اهتمام الصليبيين بها كبيرًا، حيث عملت الدول الصليبية المسيطِرة على المنطقة -من خلال شركات التنقيب التي تديرها عائلات وشخصيات صليبية- على استغلال تلك الثروات المختلفة ونهبها طيلة عقود من الزمن وإلى يومنا هذا، خاصة مناجم الذهب واليورانيوم والمنغنيز.
فالصليبيون ينظرون إلى هذه المنطقة باهتمام بالغ؛ بسبب الخيرات التي تحويها أراضيها، وبسبب موقعها الاستراتيجي المتميز المجاور لليبيا ونيجيريا والذي يُعزز إمكانية التنسيق بين جنود دولة الخلافة لتكثيف أنشطتهم وتحرُّكهم وتمركزهم في هذا المحور المترابط الممتد من سيناء إلى ليبيا إلى نيجيريا، وإلى مناطق الصحراء الكبرى والساحل.
- ابتُليت منطقة الصحراء الكبرى بالصراعات القبلية المتجددة، ما أهم أسباب تلك الصراعات؟ وما دور الحكومات المرتدة والصليبيين في إشعالها؟ وما تأثير ذلك على الجهاد في المنطقة؟
لقد تركت القوى الصليبية الغازية بعد خروجها من المنطقة، حكومات وأنظمة عميلة تنوب عنها وتؤدي دورها الذي يضمن استمرار مصالحها وسياساتها، ولكي تحافظ هذه الحكومات المرتدة على عروشها، سعت إلى استغلال القبائل والعرقيات المختلفة في خدمة مصالحها عبر إثارة القلاقل والنعرات واستمالة قبائل على حساب أخرى.
حيث قامت التركيبة السياسية لحكومات المنطقة -منذ منحها الاستقلال الصوري- على السماح لقبائل وعرقيات دون أخرى بالسيطرة على العديد من الموارد والأراضي المهمة كامتيازات تحظى بها مقابل ولائها وتبعيتها لهذه الحكومات، مما وفّر لها الحماية وساعدها على التحكم في دواليب الحكم وإدارة شؤون البلاد حقبًا متتالية، وهو ما صبغ الصراعات التقليدية بين هذه القوميات المختلفة بطابع التعقيد والتقلب الدائم تبعًا لتقلّب المصالح والولاءات في المنطقة.
- ففي شمال مالي، واجهت حكومة مالي تمردا مسلحا من قبائل الطوارق وحلفائهم، طالبوا فيه بحكم ذاتي للمنطقة، وقد استخدمت الحكومة المالية أبناء قبائل: (البمبارا، والدوغون، والفلان، والسونغاي) المنحدرة من مناطق الجنوب والوسط، في مواجهة قبائل العرب والطوارق المنحدرين من مناطق الشمال، ليأخذ هذا الصراع منْحًا إثنيًا يزداد دموية بمرور السنين.
ومع كل تمرد جديد للحركات المسلحة، تلجأ الحكومة المالية إلى الاستعانة بقوميات موالية لها لمواجهة التمرد القبلي المسلح عبر إحداث خلاف بين مكوناته لإضعافه، كما حدث في حقبة التسعينيات عندما استقطبت الحكومة مجموعات من الطوارق أنفسهم لضرب تمرد الشمال، حيث تحالفت مجموعات من "طوارق الإيفوغاس" -على رأسهم إياد غالي- مع الجيش المالي ضد التمرد الذي يقوده "الهيجي غامو" زعيم حركة طوارق إمغاد، وبعد فشل هذا التحالف بين الجانبين نتيجة تنكّر الحكومة المالية لوعودها، قررت الحكومة في (باماكو) اختيار "الهيجي غامو" وبعض قبائل العرب للقتال ضد قبائل الإفوغاس!، وهكذا استخدمت حكومة مالي مختلف القوميات والحركات لخدمة مصالحها وحماية عروشها، بالتنسيق مع دول كالجزائر وليبيا ومخابراتها الراعية لهذه الحركات.
- أما في وسط مالي وغربه على الحدود مع موريتانيا، والذي يضم قبائل: (البمبارا، والدوغون، والسونغاي، والفلان) التي استخدمتها الحكومات المالية في مواجهة قبائل الطوارق والعرب المتمردة في الشمال طيلة العقود الماضية، إلا أنها كانت تقرّب بعض هذه العرقيات على حساب العرقيات الأخرى لأسباب سياسية وعرقية ودينية، فقد كانت قبائل (البمبارا) تتمتع بامتيازات عديدة حيث يسيطر أفرادها على مقاليد السلطة وأعلى المراتب في السلّم العسكري والإداري في مختلف القطاعات، وبصورة أقل قبائل (الدوغون) و(السونغاي)، فيما كانت تعاني قبائل (الفلان) الفقيرة من تهميش كبير ومتعمد حيث يمتهن أغلب أفرادها الرعي ويُحرم أبناؤها من تلقي التعليم، وقد كانت محاولات العرقيات التي تمتهن الزراعة ضمّ مزيدٍ من الأراضي إلى ممتلكاتها -بدعم من الحكومة- يؤدي إلى التصادم مع قبائل (الفلان) التي تمتهن الرعي…، فكان هذا طابعا يطبع الصراع التقليدي بين القبائل في تلك المناطق.
ومع التحاق شباب قبائل (الفلان) بالمجاهدين -وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء- وانكباب قبائلهم على النصرة ودعم الجهاد، بقيت العرقيات الأخرى تنافح عن الحكومات المرتدة في مواجهتها للمجاهدين، ليتغير طابع الصراعات التقليدية ويستغلها الطواغيت كواجهة لإخفاء حقيقة الجهاد وأهدافه عن عامّة الناس.
- أما في بوركينافاسو فقد سيطر النصارى على الحكم بتأييد وتحالف من المرتدين، حيث ينقسم السكان فيها إلى مسلمين، ونصارى، ووثنيين، وقد تعرض المسلمون طيلة العقود الماضية إلى التهميش والإقصاء والتفقير رغم الثروات الباطنية التي تزخر بها البلاد، في الوقت الذي كانت فيه أنشطة المنظمات التنصيرية تستهدف أبناء المسلمين من أجل حرفِ عقيدتهم وتنصيرهم وفق مناهج تعليمية ممنهجة يتم نشرها عبر المدارس والمؤسسات التعليمية، والتغلغل في أوساط قرى المسلمين الفقيرة تحت غطاء المساعدات الغذائية وبناء المراكز الطبية، بهدف ضرب وتدمير عقيدة المسلمين، والتغطية على حقيقة الحرب الصليبية ضد الإسلام؛ غير أنّ ظهور أجناد الخلافة -بفضل الله تعالى- على أرض بوركينافاسو في عام 1436هـ، وقيامهم منذ ذلك الوقت باستهداف القوات البوركينية ومهاجمة مقراتهم؛ غيّر كثيرًا من الأحداث والأحوال، فبدأ شباب المسلمين يعي حقيقة الصراع الدائر، وعلى إثر ذلك التحق الكثير منهم بالمجاهدين وتخندقوا في خندقهم، وأمام تزايد الهجمات والخسائر في صفوف الحكومة البوركينية، لجأت هذه الحكومة إلى تجنيد ميليشيات نصرانية وقبائل وعرقيات وثنية وخبالة من المرتدين لمواجهة أجناد الخلافة وأنصارها.
- وفي النيجر سلكت حكوماته نفس الطريق الذي سلكته حكومات المنطقة، بل سخّرت أغلب مطاراتها وأراضيها للصليبيين لمحاربة المجاهدين، واستخدمت نفس أساليب النظام المالي في مواجهة جنود دولة الخلافة بعد عجزه عن صدّ هجماتهم المتكررة ضد قواته المختلفة وقواعدها.
حيث تتوزع القبائل الساكنة في النيجر إلى الطوارق والعرب والفلان في أقصى الشمال، وقبائل الفلان والهوسا في الوسط والشرق، إضافة لقبائل الزرما والطوارق السود وبعض الفلان في الجنوب والغرب.
وكان أبناء قبائل الفلان الموجودين على الحدود بين النيجر ومالي، هُم أولى القبائل التي انضمت إلى المجاهدين في الصحراء والساحل عموما، وكان لهم السبق من بين بني جلدتهم في الإثخان بأعداء الله تعالى من الجيش المالي والحركات الوطنية في أزواد، وجيش النيجر والقوات الصليبية، فكانوا أول مَن أعلنوا بيعتهم لدولة الخلافة عام 1436هـ في هذه المنطقة.
وقد تواطأت لمواجهتهم -مع جيشي النيجر ومالي والجيش الفرنسي الصليبي- حركات تدعمها قبائل وعشائر، مستغلة ما كان يحدث من مواجهات قبلية قديمة قبل ظهور الجهاد في هذه المنطقة بين قبائل الفلان والطوارق الموجودة على الحدود مع مالي، أو قبائل الزرما في النيجر، لإثارة الحمية والنعرات القبلية لتجنيد تلك القبائل لحرب المجاهدين وتصويرها على أنها ثارات وتصفية حسابات بين القبائل، حتى لا يُفهم أن تلك القبائل تقاتل لصالح الحكومات المرتدة وتواليها وتشاركها حربها ضد المجاهدين.
وقد استغل عبّاد الصليب أطماع وأحقاد بعض القبائل في تجنيدها لمحاربة المجاهدين مقابل وعود الصليبيين لهم بتحقيق أطماعهم، وتكفلت الحكومات المحلية بتقديم كافة الدعم لهم، والتكتم كذلك على جرائمهم بحق عوام المسلمين والتي يقترفونها أثناء حملاتهم وحروبهم ضد المجاهدين.
- ما موقف تنظيم القاعدة من هذه الصراعات القبلية والعرقية وما دوره فيها؟
- يحاول التنظيم اليوم الدفع بمختلف مكونات شمال مالي من القبائل والحركات المعارضة والموالية للحكومة المالية إلى الوقوف معه في حربه ضد المجاهدين، فتارة يصف جنود الخلافة -في اجتماعاته مع القبائل- بأنهم "أجانب" جاءوا للإفساد في الأرض وتفريق وحدة القبائل!، وتارة يصف الحرب التي يخوضها بأنها لمنع قبائل الفلان من السيطرة على مناطق الطوارق والعرب رغم أن معظم جنوده من الفلان وليسوا من العرب والطوارق!، لكنه يستخدم خطابا مزدوجا أمام قبائل الطوارق والعرب فيهددهم فيه من خطر زحف قبائل الفلان!، وأمام جنوده من قبائل الفلان يحرضهم على قتال جنود الخلافة بزعم أنهم خوارج!، وهكذا يخطو التنظيم وقائده المرتد "إياد غالي" خطى الحكومة المالية المرتدة متبعًا سياستها في إشعال حروب عرقية لاستخدام هذه القبائل كمطية في خدمة مصالحه وحمايته، تحت شعار الجهاد وقتال الخوارج!!.
- وبسبب البيعات التي توالت على الدولة الإسلامية بعد ترْك العديد من أبناء قبائل الفلان تنظيماتهم وأحزابهم السابقة في غرب ووسط مالي تحديدا، أعلن تنظيم قاعدة الردة حربه ضد أجناد دولة الخلافة، بغية وقف استمرار تلك البيعات المباركة، وإيهام مَن تبقى من أنصاره أن جنود الخلافة هم مَن بدأوهم بالحرب والعدوان، وتسابق قادة التنظيم إلى القبائل يشوّهون أمامهم جنود الخلافة ويخوّفونهم منهم، كما أوقفوا حروبهم مع العديد من القبائل الوثنية في كثير من المناطق ليتفرغوا لقتال المجاهدين والغدر بهم في (نامبالا) على الحدود مع موريتانيا، وفي منطقة (ماسينا) وسط مالي، وفي مناطق المثلث الحدودي، وبذلك أثار المرتد "أمادو كوفا" النعرات القبلية في صراعه مع جنود الخلافة وحاد بقبائل كثيرة -انبرت لنصرة الجهاد ابتداء- عن جادة الصواب وهيّج عاطفة الحميّة في أوساطهم، مستخدما نفس الطريقة النتنة التي اعتمدتها الحكومات الطاغوتية قبله حفاظا على الحكم والرياسة.
- أما في بوركينافاسو، وفي خضم تلك المواجهات المستعرة بين جنود الخلافة وميليشيات النصارى والقبائل الوثنية المدعومة من الجيش البوركيني؛ تطوّع تنظيم قاعدة الردة لخوض حرب متزامنة ضد جنود الخلافة، متجاوزا خلافاته وحروبه مع الميليشيات النصرانية والوثنية، ليزجّ بآلاف من أبناء قبائل الفلان في حرب ضد المجاهدين بحجة أنهم خوارج! فتعقّدت بذلك أحوال المسلمين وحارت أفهامهم ولا حول ولا قوة إلا بالله، ليتبين للكثيرين منهم بعد مضي الوقت ظلم تلك الحرب التي شنها التنظيم المرتد وما جرّته على المسلمين من ويلات على أيدي عبدة الصليب والأوثان، بعد أن كانت الدولة الإسلامية أول من تصدى لرد عادية النصارى والوثنيين عن المسلمين في بوركينافاسو، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وما دور المجاهدين في التصدي لهذه الصراعات، وكيف هي علاقة المجاهدين بأبناء المنطقة في ظل هذه الصراعات المعقدة؟
الحقيقة أنّ المجاهدين نجحوا -بفضل الله تعالى- في منع اندلاع كثير من الصراعات الجاهلية القائمة على أساس قبلي وعرقي، رغم قيام الطواغيت ومن تولاهم من القوميات والعرقيات بتزييف الحقائق، ومحاولة إظهار جهاد المجاهدين ومعاركهم على أنها معارك وثارات قبلية.
ورغم التنوع العرقي والإثني في منطقة الساحل والصحراء الكبرى، واختلاف الشعوب والأقوام المشكِّلة لهذا النسق، وتعدُّد لهجاتها ولغاتها، إلا أن المجاهدين وخاصة المهاجرين استطاعوا -بفضل الله تعالى- التأقلم مع هذه الأحوال رغم قساوة الظروف المحيطة بهم، والتواصل مع العديد من هذه الأقوام والشعوب في النيجر ومالي وبوركينافاسو، لتبيين الغاية لهم من قتال المجاهدين لهذه الحكومات المرتدة وحلفائهم من الصليبيين، ودعوة تلك الشعوب إلى عدم الانخداع بدعايات أعداء الدين التي تهدف إلى إبعادهم عن دينهم وعن إخوانهم المجاهدين.
وعموما، فإن المجاهدين تربطهم علاقات جيدة مع العديد من أبناء القبائل ممن لا تربطهم علاقات بالأحزاب والحركات المرتدة، ولا برؤسائها وكبرائها، حيث تُعد تلك الحركات والجبهات السبب الرئيس في تضليل القبائل المرتبطة بهم، لتبقى هذه القبائل حزامهم الأمني وخزانهم البشري الذي يعتمدون عليه في تحقيق مصالحهم واستخدامها كورقات ضغط أمام أنظمة الصليبيين.
- يجري حديث عن مفاوضات بين حكومة مالي المرتدة وتنظيم القاعدة في شمال مالي. كيف بدأ الأمر؟ وما مدى جدية الحكومة المرتدة في الحوار؟ وما مدى تقبّل القاعدة وحلفائها للأمر؟ وما توقعاتكم بخصوص سير هذه المفاوضات؟
- منذ تراجع الجيش المالي وفقدانه السيطرة على مناطق شمال مالي، كانت "حركة أنصار الدين" بقيادة المرتد "إياد غالي" بمثابة الواجهة السياسية لتنظيم القاعدة، والتي تمثله في المشهد السياسي في أزواد، حيث قامت الحركة بجولات عديدة في عدد من عواصم الدول المجاورة لمالي، أعلنت من خلالها تمسّكها بوحدة أراضي مالي، وشرحت فيها آفاق سياساتها المستقبلية، ومواقفها من القضايا التي تُقلق هذه الدول وخاصة علاقتها بالجماعات "الجهادية"، وأبدت استعدادها للانخراط في المفاوضات المباشرة مع الحكومة المالية ضمن وفد موحَّد يضم كل الحركات المسلحة في أزواد، وكانت هذه الجولات تجري بعلم ومباركة تنظيم القاعدة.
وهي واحدة من مسارات التفاهمات التي جرت مع عدد من الحكومات الأخرى، فقد كانت "حركة أنصار الدين" تعهدت أمام تكتّل الحركات المسلحة والأعيان والشخصيات القبلية النافذة في الشمال، بثني تنظيم القاعدة عن استهداف الجزائر، وفي هذا السياق حاول تنظيم القاعدة التفاوض عام 1433هـ مع شركة (آريفا) الفرنسية شمال النيجر، للحصول على مبالغ مالية سنوية يتلقاها التنظيم مقابل استفادة الشركة من إنشاء طرق تصدير باتجاه الجزائر (لتصدير اليورانيوم)، وتعهُّد التنظيم بعدم استهداف مصالحها، وهو اتفاق لم يتم بسبب الخلافات بين أمراء التنظيم آنذاك، كما كانت المفاوضات مع الحكومة الموريتانية المرتدة جارية على قدم وساق، عبر سجناء تابعين للتنظيم في سجون موريتانيا وعبر شخصيات مقرّبة من النظام الموريتاني، للوصول إلى اتفاق يوقف التنظيم بموجبه استهداف مصالح موريتانيا، مقابل تلقيه أموالا من الحكومة الموريتانية! وهو ما يفسّر توقف عمليات التنظيم على الأراضي الموريتانية منذ عام 1433هـ وإلى اليوم.
- أما في بوركينافاسو، فقد أصدر التنظيم توجيهات لأتباعه بعدم الدخول في حرب مع القبائل الوثنية والنصرانية هناك، وقد تلقى التنظيم عروضا من قبل حكومة بوركينافاسو عبر وساطة من بعض قادة الحركات المسلحة في شمال مالي، للوصول إلى تسوية يتلقى من خلالها التنظيم أموالا من الحكومة البوركينية مقابل عدم استهدافه لمصالحها وقواتها وللشركات الصليبية العاملة هناك، غير أن وجود أجناد الخلافة وتزايد عملياتهم، أفشل -بفضل الله تعالى- الكثير من مشاريع التفاهمات والتسويات التي كان التنظيم يعتزم إبرامها.
وتمهيدا للحملة الصليبية التي انطلقت عام 1438هـ، عقد الصليبيون اتفاقا مع الحركات الموالية للحكومة المالية من أجل إشراكها في الحملة الصليبية ضد جنود الخلافة، لكن المعارك التي اندلعت أضعفت بشكل كبير تلك الحركات المرتدة بعد انفضاض عدد كبير من أتباعها عنها؛ نتيجة الخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها في المنطقة الحدودية بين مالي وبوركينافاسو والنيجر، وفشل التحالف الصليبي في تحقيق أهدافه المعلنة، وهو ما جعل الجيش المالي في مرمى نيران المجاهدين في هذا المثلث الحدودي، وكبده خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، فسارع بالانسحاب من تمركزاته في عدة مناطق، وهو ما فاقم الأوضاع الأمنية المتأزمة في الأساس، وأظهر قصور وضعف حكومة الطاغوت "كيتا" وزاد من حدة الانتقادات الموجهة لها، لترتفع الأصوات المطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية وإنهاء الأزمة السياسية والأمنية التي تتخبط فيها مالي منذ سنوات، وذلك بإجراء "حوار وطني شامل" لحل المشاكل العالقة، وفتح الباب أمام إمكانية التفاوض مع القاعدة! فجرت لقاءات جمعت بين بعض الشخصيات ذات التوجه الإخواني السروري في مالي، وعلى رأسها المرتد "محمود ديكو" الرئيس السابق لما يسمى "المجلس الأعلى الإسلامي" في مالي، مع أمراء تنظيم القاعدة قبل حدوث الانقلاب العسكري الأخير الذي أطاح بحكومة "كيتا".
وبعد الانقلاب العسكري، سارع منفّذوه إلى التصريح بالتزامهم بالاتفاقيات العسكرية المبرمة مع القوات الفرنسية، وفي نفس الوقت استعدادهم لقبول التحاور والتفاوض مع تنظيم القاعدة في محاولة لطمأنة الأصوات المنادية بذلك.
ورغم أن تنظيم الردة قد أعلن مرات عديدة -عبر بياناته الرسمية- قبوله المبدئي بالدخول في هذه المفاوضات وفق شروط حددها سابقا، وما سبق ذلك من جولات ولقاءات جمعت أمراءه بشخصيات وسيطة في هذا الموضوع؛ إلا أن المعطيات الميدانية جعلت الشروط التي قدمها التنظيم مبالغا فيها، فالتنظيم المهترئ لم يحقق نصرا عسكريا ملحوظا على قوات (برخان) الفرنسية، ولم يقم بإخراج القوات المالية من مناطق ذات أهمية، ولم يسيطر على أي من المدن، بل تزامنت خرجاته الإعلامية حول مفاوضاته الموعودة مع حكومة مالي المرتدة، مع تحضيراته لشنّ حرب شاملة ضد أجناد الخلافة عام 1441هـ في غرب مالي ووسطها، وعلى الحدود مع بوركينافاسو وفي جميع أراضيها، كجزء من خططه الرامية إلى تفرده في الساحة، وإزاحة أجناد الخلافة لإقناع القوى الأخرى بقدرته على تحقيق نتائج وإحداث تغيرات على مجرى الأحداث في أي وقت وفي أي فترة، غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن التنظيم المرتد، فتكبّد خسائر بشرية ومادية كبيرة، و طُرد -بفضل الله تعالى- من عدة مناطق في بوركينافاسو ومالي على يد أجناد دولة الخلافة، وطال أمد الحرب التي ما تزال فصولها لم تنته بعد، ليدخل التنظيم دوامة صراع زاد من تعقيد الأمور أمامه.
كما أن الموقف الرسمي لفرنسا الصليبية لم يتفق مع موقف الانقلابيين العسكريين الصريح القابل مبدئيا التفاوض مع تنظيم القاعدة، حيث ترفض فرنسا في الوقت الراهن بشكل علني هذا التوجه، وقد شنت في الآونة الأخيرة غارات جوية استهدفت مناطق وجود القاعدة على الحدود بين مالي وبوركينافاسو، ويُفسر هذا التوجه العسكري الفرنسي -ربما- كأسلوب من أساليب الضغط التي ينتهجونها ضد هذا النوع من التنظيمات؛ لتعزيز مواقف الحكومات المرتدة أمامها في المفاوضات، ولإجبارها على التنازل عن كثير من مطالبها وعدم رفع سقف تلك المطالب، ومن ثم تقديم أدلة وبراهين على التزامها بالتحول الجذري -في توجهاتها العقدية والعسكرية والتنظيمية- المحدد من قبل الصليبيين وحلفائهم في المنطقة، وذلك قبل المضي قدما في إدماجها في مسارات التسوية، حيث ترى هذه القوى أن الجماعات ذات التوجه "المحلي" يمكن احتواؤها إذا تم فصل العناصر "الأجنبية" عنها وتخليها عنهم.
ورغم كون الحركات المسلحة في عموم شمال مالي تدعم وتؤيد تنظيم القاعدة في حربه ضد أجناد الخلافة، وتؤيد فتح باب التفاوض بين قاعدة الردة وحكومة مالي المرتدة، وعناصر القاعدة -أيضًا- يؤيدون تنظيمهم في المسعى ذاته!، إلا أن المعطيات العسكرية في الميدان تبقى تتحكم فيمن يُقدم التنازلات أكثر، ويبدو أن ذلك سيأخذ وقتا من الشد والجذب قبل أن يبرز إلى العلن بشكله النهائي وفق المقاربات الأمنية للحكومة الجزائرية التي تعول عليها فرنسا وأنظمة المنطقة؛ للعب الدور المهم والراعي لهذا التحول الذي سيسلكه تنظيم القاعدة بشكل جلي، كون الجزائر ستكون حاضنة المشروع والراعية له ضمانا لمصالحها "الجيو سياسية" تماما، كما لعبت بعض دول الخليج نفس الدور في رعاية مشروع المفاوضات مع طالبان الردّة.
- ما رسالتكم إلى المسلمين في منطقة الصحراء الكبرى والساحل وما جاورها عامة، وإلى أجناد الدّولة الإسلاميّة في ولاية غرب إفريقية خاصة؟
لقد حمل المجاهدون سلاحهم في سبيل الله للدفاع عن المسلمين وعن دينهم أمام ظلم أعداء الدين، والذين ما فتئوا يسعون لتضليل المسلمين وحرفهم عن عقيدتهم، فنقول: لا تلتفتوا إلى ما يروّجه المرتدون وأسيادهم من كذب وافتراء على إخوانكم المجاهدين في أجناد الخلافة، لتخويفكم وإبعادكم عن نصرة الحق وأهله، فجنود الخلافة لا يقاتلون إلا مَن حادّ الله ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم- وحارب الإسلام والمسلمين.
أما أنتم يا أجناد الدولة الإسلامية، فنوصيكم بالصبر والثبات، والسمع والطاعة لأمرائكم والاعتصام بالوحدة، فأنتم والله على الحقّ -نحسبكم والله حسيبكم-، فذبّوا عن دولتكم واثأروا لدماء إخوانكم.
- وما رسالتكم إلى أفراد الطوائف المرتدّة في منطقة الصحراء الكبرى والساحل، سواء المنضمون إلى الحكومات المرتدّة وأحزابها، أو المنضمون إلى تنظيم "القاعدة" المرتد والجماعات المرتبطة به؟
نقول لهم: توبوا إلى ربكم وعودوا إلى دينكم، فقد حاربتم هذا الدين وأهله سنين طويلة إرضاء لأهوائكم وأسيادكم الصليبيين الحاقدين، ومازال سوق الجهاد قائما بفضل الله تعالى لم يوقفه مكركم، ولم ولن توقفه جحافل جيوش أسيادكم الصليبيين، فتوبوا قبل أن نقدر عليكم فتطير رؤوسكم بأسيافنا، فلقد أعددنا لكم أجيالا تحبُّ الموت في سبيل الله تعالى كما تحبون أنتم الحياة، وإنّ غدا لناظره لقريب.
وأما رسالتنا إلى جنود قاعدة الردة فنقول لهم: لقد مضت الشهور على بدء غدرتكم ولم تحققوا ما كنتم تصبون إليه، وكشف الله خبيئتكم، وبان عوار منهجكم وضلال أمرائكم، وانحراف تنظيمكم، فماذا تنتظرون؟! عودوا إلى ربكم ودينكم قبل أن تلقوا هلاككم فتخسروا دينكم ودنياكم وآخرتكم، وإن توبتكم وهدايتكم أحبّ إلينا من قتالكم.
هذا وصلّ اللهم وسلم على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله ربّ العالمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 308
الخميس 7 ربيع الأول 1443 هـ ...المزيد
حرس الحدود بالعودة إلى أجواء الاحتفال بـ "اليوم الوطني السوري" الذي لم يغب اليهود عنه ...
حرس الحدود
بالعودة إلى أجواء الاحتفال بـ "اليوم الوطني السوري" الذي لم يغب اليهود عنه بالمناسبة، فقد كان من مشاهد يوم التحرير انتشار الحواجز العسكرية اليهودية في عمق الأراضي السورية المحررة، حيث يتبادل جنود "جيش التحرير" النظرات مع جنود الجيش اليهودي، ثم يمرون عبر حواجزهم مرور اللئام، ليكملوا مسيرة التحرير، التي كانت كلمة السر فيها: إسقاط المحور الإيراني، والبقية جاءت تحصيل حاصل أو تحصيل أردوغان! جريا على المثل القائل: "مصائب قوم عند قوم فوائد"، فذهب الأسد وجاء الضبع وبقيت البلاد كما هي تحكمها شريعة الغاب.
• المصدر:
افتتاحية صحيفة النبأ العدد (525)
"ثورة حتى القصر!" ...المزيد
بالعودة إلى أجواء الاحتفال بـ "اليوم الوطني السوري" الذي لم يغب اليهود عنه بالمناسبة، فقد كان من مشاهد يوم التحرير انتشار الحواجز العسكرية اليهودية في عمق الأراضي السورية المحررة، حيث يتبادل جنود "جيش التحرير" النظرات مع جنود الجيش اليهودي، ثم يمرون عبر حواجزهم مرور اللئام، ليكملوا مسيرة التحرير، التي كانت كلمة السر فيها: إسقاط المحور الإيراني، والبقية جاءت تحصيل حاصل أو تحصيل أردوغان! جريا على المثل القائل: "مصائب قوم عند قوم فوائد"، فذهب الأسد وجاء الضبع وبقيت البلاد كما هي تحكمها شريعة الغاب.
• المصدر:
افتتاحية صحيفة النبأ العدد (525)
"ثورة حتى القصر!" ...المزيد
من أخطر نتائج الذنوب ومن بين أخطر نتائج الذنوب في الدنيا أنها تكون سببا في تسلُّط العدو أو ...
من أخطر نتائج الذنوب
ومن بين أخطر نتائج الذنوب في الدنيا أنها تكون سببا في تسلُّط العدو أو تأخُّر النصر وحجبه عمّن ينتظره أو ضياعه بعد نزوله كما حدث -مثلا- يوم أُحد لقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا}، قال ابن كثير: "أي ببعض ذنوبهم السالفة" وقال البغوي: "بشؤم ذنوبهم". وهم مَن هم في الطاعة والتقوى، فكيف بزماننا وأحوالنا؟ اللهم سلّم سلّم.
• المصدر:
افتتاحية صحيفة النبأ العدد 524
"محاصرة الذنوب" ...المزيد
ومن بين أخطر نتائج الذنوب في الدنيا أنها تكون سببا في تسلُّط العدو أو تأخُّر النصر وحجبه عمّن ينتظره أو ضياعه بعد نزوله كما حدث -مثلا- يوم أُحد لقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا}، قال ابن كثير: "أي ببعض ذنوبهم السالفة" وقال البغوي: "بشؤم ذنوبهم". وهم مَن هم في الطاعة والتقوى، فكيف بزماننا وأحوالنا؟ اللهم سلّم سلّم.
• المصدر:
افتتاحية صحيفة النبأ العدد 524
"محاصرة الذنوب" ...المزيد
صيدنايا والنفاق العالمي يغلب على السنوات الخدّاعات صبغتان متجذّرتان: صبغة "جاهلية" تصبغ ...
صيدنايا والنفاق العالمي
يغلب على السنوات الخدّاعات صبغتان متجذّرتان: صبغة "جاهلية" تصبغ المعتقدات، وصبغة "دجلية" تصبغ سلوك الأفراد والجماعات، ومِن ذلك حالة الدجل والنفاق العالمي التي طغت على وسائل الإعلام في قضية سجن صيدنايا، الذي أدارته "الأقلية" النصيرية العلوية الكافرة لعقود، عذّبت وقتلت فيه آلاف المسلمين.
على مسرح الأحداث، وبغير سابق إنذار، صار الإعلاميون يمثلون دور المندهش والمصدوم من مآسي صيدنايا الجاثم على ثرى الشام لأكثر من ثلاثين عاما؛ وكأنّه كان غيبا كُشف حجابه للتو! وكأنّ جرائم النصيرية أمام الشاشات، أقلّ بشاعةً من جرائمهم في أقبية المعتقلات! أو لعلها صدرت عن نظام وردي كان يرمي الناس بالخزامى وبراميل الورود!! إنه دجل ونفاق عابر للحدود.
فهل خفيت على وسائل النفاق العالمي جرائم النشر بالمناشير والقصف بالبراميل والكيماوي وغيرها الكثير، وظهرت فقط جريمة صيدنايا؟! لماذا يحاول الدجالون إقناع الجمهور بأن جرائم صيدنايا كانت "استثناء" وليست سياسة معتمدة لدى سائر الطواغيت؟! لماذا يوهمون الناس أنها كانت "أسرارا تحت أرضية" لم تُكتشف إلا بسقوط الأسد من أعين النظام الدولي؟!
وبما أنّ شهية الإعلام مفتوحة هذه الأيام على مآسي الأمة ودموع مراسليه غزيرة؛ فهذا بلاغ إلى جميع وسائل الإعلام المرهفة التي ذرفت دموع النفاق على ضحايا صيدنايا، هل ندلكم على أفرع أخرى لصيدنايا لم تسقط بعد من عين النظام الدولي؟! اذهبوا إلى صيدنايا أفرع لبنان، والأردن، وتركيا وكلها قريبة؟! ومثلها صيدنايا فرع مصر، وأفرع السعودية والإمارات وبقية دول الخليج، ومثلها أفرع المغرب وتونس وليبيا والجزائر والسودان الجريح.
بل اذهبوا إلى أفرع صيدنايا التي تملأ العراق حيث يتعرض فيها أسرى المسلمين لأبشع صور التعذيب والقتل البطيء على أيدي الرافضة الذين صار "عديم الشرع" حارسا لمعابدهم مؤاخيا لحكومتهم الرافضية "الموقرة!" في "سوريا الحرة" تماما كما كان عليه الحال في "سوريا الأسد!"
بل هل ندلكم على ما هو أقرب إليكم من ذلك كله، اذهبوا إن استطعتم إلى صيدنايا فرع "إدلب!" الذي يُمسي فيه المجاهد أسيرا، ولا يُصبح إلا داخل السجون العسكرية التركية، بعد الاستعانة بمصباح "عدو الدين" للخدمات الأمنية السحرية!!
فإنْ أبيتم هذا وذاك، فاذهبوا إلى أكبر صيدنايا في سوريا، فرع الهول وغويران حيث الأهوال التي تُرتكب جهارا نهارا في أكبر سجون بشرية علنية يقبع فيها آلاف المجاهدين والمهاجرين الأبرار وعوائلهم الأطهار الذين جاهدوا على ثرى الشام منذ الأيام الأولى للثورة وأسقطوا النظام فعليا لولا تدخل طواغيت الشرق والغرب مع "الثوار!"
إنّ في كل بلد طاغوت، ولكل طاغوت صيدنايا! ولكنه الدجل الإعلامي والنفاق العالمي، إنها شبكات عالمية للاتجار بمعاناة الناس أو الانقلاب عليها بحسب تقلُّب المزاج الدولي! وأضوائه الخضر والزرق!!
وللمفارقة، فإنه بينما تتوجه اليوم وسائل الإعلام إلى صيدنايا للتباكي على أسراه؛ كانت ذاتها تتوجه إلى أسرى غويران والهول، لا لتنقل معاناتهم ولا لتتباكى عليهم، وإنما لتتشفّى بمصابهم وتبتزهم وتساومهم على البث الحي!! وتمارس بحقهم أقذر صور الخِسّة الإعلامية! لعلها تظفر بتراجع أو استجداء تسوِّقه للغثاء، فلا تعود إلا خاسئة ذليلة.
كانت وسائل الإعلام التي تبكي صيدنايا اليوم؛ تذهب إلى الهول لتمارس التشبيح الإعلامي بحق المؤمنات الصابرات الطاهرات اللواتي دفعن وأزواجهن ضريبة الإيمان والانتصار لإخوانهم الشاميين في جهاد لا يرجون من أحد شكره ولا ذكره.
كانت قنوات الدجل تذهب إلى الهول لتقدّم مادة إعلامية تشويهية بحق الأطفال الأسرى! المحتجزين بقرار ورغبة دولية في ظروف قاسية بتهمة "الإرهاب" التي يفرّ منها الخونة اليوم، ويقدّمون لتفاديها كل التنازلات.
أسرى الهول وغويران الذين تتنافس الميليشيات الكردية والثورية والتركية على التقرب إلى الصليبيين بإمساك ملفهم وشد وثاقهم!، أسرى الأهوال الذين دأبت الحكومات الصليبية والمرتدة على التحذير من إطلاق سراحهم أو التساهل معهم أو حتى الانشغال عنهم! وهو ما عبّر عنه قبل أيام "سيناتور أمريكي" بقوله: "علينا ضمان عدم إطلاق سراح ما يقرب من 50 ألف سجين من الدولة الإسلامية في شمال شرق سوريا"، محذّرا مُقرّا بأنّ هروبهم "سيكون كابوسا لأمريكا".
هذا "الكابوس" لا يطارد أمريكا الصليبية وحدها، بل يطارد أذنابهم المرتدين من الحكومات والميليشيات، ولذلك لا تجد وسائل الإعلام في هذه السجون مادة للاتجار بالمأساة والمعاناة، بل مادة للمزايدة والتشويه والمعاداة ليس للمجاهدين فحسب، بل حتى لنسائهم وأطفالهم، فهؤلاء في عرف القوانين الجاهلية الدولية والثورية "إرهابيون" برتبة أطفال ونساء!! لا تشملهم "الثورة العوراء" ولا "إنسانيتها" الجوفاء.
ولكن ما ضرّهم إنْ لم يشملهم هذا الغثاء؛ إنْ شملتهم رحمة المولى سبحانه ولطفه وحسن ثوابه، وقد قضى في كتابه: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}، فلن يُضيع عباده الذين هاجروا وجاهدوا وصبروا وأوذوا في سبيله، وسينتقم بعدله من الصليبيين والمرتدين وكل المتورطين في فصول هذه الجريمة التاريخية، بعذاب من عنده أو بأيدينا، فاللهم دبّر لنا فإنا لا نحسن التدبير.
ومن مظاهر الدجل الإعلامي الذي رافق سقوط الأسد، تبدُّل سلوك الإعلام الموالي للنظام، حيث انقلب "شبيحة الأسد ثوارا" يطبلون للثورة بعد أن كانوا قبل أيام ينبحون عليها! حتى غدا الفرق بين "الثوري" و "الشبيح" إسقاط علم ورفع آخر كلاهما من صنع "سايكس-بيكو" فيا لهوان الثورة وهوان أعلامها.
من الناحية الشرعية، فإنّ العاملين في وسائل الإعلام النصيرية كفار مرتدون محاربون، يستوي في ذلك ذكورهم وإناثهم من المراسلين والمحرِّرين والمصوِّرين و "الممثلين" وكل من له صلة بالمنظومة الإعلامية النصيرية التي عكفت سنوات تناصر الطاغوت وتنافح عنه وتؤيد جرائمه، وإنّ تبديل هؤلاء جلودهم بين ليلة وضحاها من "التشبيح إلى الثورة" يُعد استخفافا بالدماء وإمعانا في الإجرام، وإنّ حكم الإسلام فيهم هو القتل ردَّةً جزاء وفاقا لأنهم أولياء وأعوان الطاغوت حكمهم حكمه لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
كما أنّ تصنيفهم إلى إعلاميين "حربيين وغير حربيين" والدعوة إلى محاكمتهم بالقانون هو ضرب من ضروب الجاهلية المتجذّرة، فإنّ القانون هو الذي حماهم وجرأهم على دماء وأعراض المسلمين في عهد "سوريا الأسد!" وهو الذي سيكفل حمايتهم في عهد "سوريا الضبع!"، وإنّ مَن عفا عن القتلة والجزارين كسبا لرضى النظام الدولي؛ لن يجرؤ على المساس بمن هم دونهم مِن الإعلاميين و "الممثلين" الذين رسموا لوحة النظام من قبل! ويرسمون لوحة الثورة من بعد! على خشبة النفاق العالمي.
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 474
السنة السادسة عشرة - الخميس 18 جمادى الآخرة 1446 هـ ...المزيد
يغلب على السنوات الخدّاعات صبغتان متجذّرتان: صبغة "جاهلية" تصبغ المعتقدات، وصبغة "دجلية" تصبغ سلوك الأفراد والجماعات، ومِن ذلك حالة الدجل والنفاق العالمي التي طغت على وسائل الإعلام في قضية سجن صيدنايا، الذي أدارته "الأقلية" النصيرية العلوية الكافرة لعقود، عذّبت وقتلت فيه آلاف المسلمين.
على مسرح الأحداث، وبغير سابق إنذار، صار الإعلاميون يمثلون دور المندهش والمصدوم من مآسي صيدنايا الجاثم على ثرى الشام لأكثر من ثلاثين عاما؛ وكأنّه كان غيبا كُشف حجابه للتو! وكأنّ جرائم النصيرية أمام الشاشات، أقلّ بشاعةً من جرائمهم في أقبية المعتقلات! أو لعلها صدرت عن نظام وردي كان يرمي الناس بالخزامى وبراميل الورود!! إنه دجل ونفاق عابر للحدود.
فهل خفيت على وسائل النفاق العالمي جرائم النشر بالمناشير والقصف بالبراميل والكيماوي وغيرها الكثير، وظهرت فقط جريمة صيدنايا؟! لماذا يحاول الدجالون إقناع الجمهور بأن جرائم صيدنايا كانت "استثناء" وليست سياسة معتمدة لدى سائر الطواغيت؟! لماذا يوهمون الناس أنها كانت "أسرارا تحت أرضية" لم تُكتشف إلا بسقوط الأسد من أعين النظام الدولي؟!
وبما أنّ شهية الإعلام مفتوحة هذه الأيام على مآسي الأمة ودموع مراسليه غزيرة؛ فهذا بلاغ إلى جميع وسائل الإعلام المرهفة التي ذرفت دموع النفاق على ضحايا صيدنايا، هل ندلكم على أفرع أخرى لصيدنايا لم تسقط بعد من عين النظام الدولي؟! اذهبوا إلى صيدنايا أفرع لبنان، والأردن، وتركيا وكلها قريبة؟! ومثلها صيدنايا فرع مصر، وأفرع السعودية والإمارات وبقية دول الخليج، ومثلها أفرع المغرب وتونس وليبيا والجزائر والسودان الجريح.
بل اذهبوا إلى أفرع صيدنايا التي تملأ العراق حيث يتعرض فيها أسرى المسلمين لأبشع صور التعذيب والقتل البطيء على أيدي الرافضة الذين صار "عديم الشرع" حارسا لمعابدهم مؤاخيا لحكومتهم الرافضية "الموقرة!" في "سوريا الحرة" تماما كما كان عليه الحال في "سوريا الأسد!"
بل هل ندلكم على ما هو أقرب إليكم من ذلك كله، اذهبوا إن استطعتم إلى صيدنايا فرع "إدلب!" الذي يُمسي فيه المجاهد أسيرا، ولا يُصبح إلا داخل السجون العسكرية التركية، بعد الاستعانة بمصباح "عدو الدين" للخدمات الأمنية السحرية!!
فإنْ أبيتم هذا وذاك، فاذهبوا إلى أكبر صيدنايا في سوريا، فرع الهول وغويران حيث الأهوال التي تُرتكب جهارا نهارا في أكبر سجون بشرية علنية يقبع فيها آلاف المجاهدين والمهاجرين الأبرار وعوائلهم الأطهار الذين جاهدوا على ثرى الشام منذ الأيام الأولى للثورة وأسقطوا النظام فعليا لولا تدخل طواغيت الشرق والغرب مع "الثوار!"
إنّ في كل بلد طاغوت، ولكل طاغوت صيدنايا! ولكنه الدجل الإعلامي والنفاق العالمي، إنها شبكات عالمية للاتجار بمعاناة الناس أو الانقلاب عليها بحسب تقلُّب المزاج الدولي! وأضوائه الخضر والزرق!!
وللمفارقة، فإنه بينما تتوجه اليوم وسائل الإعلام إلى صيدنايا للتباكي على أسراه؛ كانت ذاتها تتوجه إلى أسرى غويران والهول، لا لتنقل معاناتهم ولا لتتباكى عليهم، وإنما لتتشفّى بمصابهم وتبتزهم وتساومهم على البث الحي!! وتمارس بحقهم أقذر صور الخِسّة الإعلامية! لعلها تظفر بتراجع أو استجداء تسوِّقه للغثاء، فلا تعود إلا خاسئة ذليلة.
كانت وسائل الإعلام التي تبكي صيدنايا اليوم؛ تذهب إلى الهول لتمارس التشبيح الإعلامي بحق المؤمنات الصابرات الطاهرات اللواتي دفعن وأزواجهن ضريبة الإيمان والانتصار لإخوانهم الشاميين في جهاد لا يرجون من أحد شكره ولا ذكره.
كانت قنوات الدجل تذهب إلى الهول لتقدّم مادة إعلامية تشويهية بحق الأطفال الأسرى! المحتجزين بقرار ورغبة دولية في ظروف قاسية بتهمة "الإرهاب" التي يفرّ منها الخونة اليوم، ويقدّمون لتفاديها كل التنازلات.
أسرى الهول وغويران الذين تتنافس الميليشيات الكردية والثورية والتركية على التقرب إلى الصليبيين بإمساك ملفهم وشد وثاقهم!، أسرى الأهوال الذين دأبت الحكومات الصليبية والمرتدة على التحذير من إطلاق سراحهم أو التساهل معهم أو حتى الانشغال عنهم! وهو ما عبّر عنه قبل أيام "سيناتور أمريكي" بقوله: "علينا ضمان عدم إطلاق سراح ما يقرب من 50 ألف سجين من الدولة الإسلامية في شمال شرق سوريا"، محذّرا مُقرّا بأنّ هروبهم "سيكون كابوسا لأمريكا".
هذا "الكابوس" لا يطارد أمريكا الصليبية وحدها، بل يطارد أذنابهم المرتدين من الحكومات والميليشيات، ولذلك لا تجد وسائل الإعلام في هذه السجون مادة للاتجار بالمأساة والمعاناة، بل مادة للمزايدة والتشويه والمعاداة ليس للمجاهدين فحسب، بل حتى لنسائهم وأطفالهم، فهؤلاء في عرف القوانين الجاهلية الدولية والثورية "إرهابيون" برتبة أطفال ونساء!! لا تشملهم "الثورة العوراء" ولا "إنسانيتها" الجوفاء.
ولكن ما ضرّهم إنْ لم يشملهم هذا الغثاء؛ إنْ شملتهم رحمة المولى سبحانه ولطفه وحسن ثوابه، وقد قضى في كتابه: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}، فلن يُضيع عباده الذين هاجروا وجاهدوا وصبروا وأوذوا في سبيله، وسينتقم بعدله من الصليبيين والمرتدين وكل المتورطين في فصول هذه الجريمة التاريخية، بعذاب من عنده أو بأيدينا، فاللهم دبّر لنا فإنا لا نحسن التدبير.
ومن مظاهر الدجل الإعلامي الذي رافق سقوط الأسد، تبدُّل سلوك الإعلام الموالي للنظام، حيث انقلب "شبيحة الأسد ثوارا" يطبلون للثورة بعد أن كانوا قبل أيام ينبحون عليها! حتى غدا الفرق بين "الثوري" و "الشبيح" إسقاط علم ورفع آخر كلاهما من صنع "سايكس-بيكو" فيا لهوان الثورة وهوان أعلامها.
من الناحية الشرعية، فإنّ العاملين في وسائل الإعلام النصيرية كفار مرتدون محاربون، يستوي في ذلك ذكورهم وإناثهم من المراسلين والمحرِّرين والمصوِّرين و "الممثلين" وكل من له صلة بالمنظومة الإعلامية النصيرية التي عكفت سنوات تناصر الطاغوت وتنافح عنه وتؤيد جرائمه، وإنّ تبديل هؤلاء جلودهم بين ليلة وضحاها من "التشبيح إلى الثورة" يُعد استخفافا بالدماء وإمعانا في الإجرام، وإنّ حكم الإسلام فيهم هو القتل ردَّةً جزاء وفاقا لأنهم أولياء وأعوان الطاغوت حكمهم حكمه لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
كما أنّ تصنيفهم إلى إعلاميين "حربيين وغير حربيين" والدعوة إلى محاكمتهم بالقانون هو ضرب من ضروب الجاهلية المتجذّرة، فإنّ القانون هو الذي حماهم وجرأهم على دماء وأعراض المسلمين في عهد "سوريا الأسد!" وهو الذي سيكفل حمايتهم في عهد "سوريا الضبع!"، وإنّ مَن عفا عن القتلة والجزارين كسبا لرضى النظام الدولي؛ لن يجرؤ على المساس بمن هم دونهم مِن الإعلاميين و "الممثلين" الذين رسموا لوحة النظام من قبل! ويرسمون لوحة الثورة من بعد! على خشبة النفاق العالمي.
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 474
السنة السادسة عشرة - الخميس 18 جمادى الآخرة 1446 هـ ...المزيد
حصحص الحق! تنص الخارجية الأمريكية على إمكانية إلغاء التصنيف بالإرهاب في حال "أنّ الظروف ...
حصحص الحق!
تنص الخارجية الأمريكية على إمكانية إلغاء التصنيف بالإرهاب في حال "أنّ الظروف الأصلية التي أدت إلى التصنيف؛ قد تغيّرت بما يكفي لتبرير إلغائه، أو أنّ مصالح الأمن القومي الأمريكي تُبرّر إلغاءه". وهذا ما حدث مع هيئة الجولاني المرتدة، حيث أزالوها من "قائمة الإرهاب" بعد انتفاء أسباب التصنيف وتحقُّق الشروط الأمريكية.
بعيدا عن التفسيرات الكثيرة لهذا القرار المتوقع، فإنّ حجر الزاوية في اعتماده هو الالتزام التام بحماية المصالح "الأمريكية-اليهودية" إذْ لا يمكن الفصل بينها، وليس من قبيل المصادفة أن يصدر إعلان براءة الجولاني من الطُهر بينما هو في أحضان "ابن زايد".
سلفًا، قدّم الطاغوت الجولاني ثمن هذا "الاستحقاق الجاهلي"، وفي أول لقاء له مع "ترامب" منحه حق الوصول لخيرات الشام فوق الأرض وتحتها، وأعاد له رعاياه جثثا وأسرى، وطمأن دويلة يهود وسهّل العثور على رفات جنودها، وسلّم إحداثيات "الأسلحة الكيماوية" خشية وصولها لمن يأخذها بحقها! وقبل هذا وذاك سخّر كل طاقاته وتفانى في حرب الدولة الإسلامية في سوريا وخارجها، لقد فعل كل ما تطلّبه القرار حتى الآن.
دوليًّا، تزامن القرار الأمريكي مع قرار روسيا الاعتراف بإمارة طالبان، كخطوة موازية للخطوة الأمريكية، كي لا يعيّر أحدهما الآخر بدعم "الإرهابيين" الذين طلّقوا "الإرهاب" ثلاثا، وتولوا محاربته من دمشق إلى كابل!
في زمن التراجعات أو "التحوّلات الفكرية" كما يسميها المتحوّلون، صار الثوار ينظرون لأمريكا كشريك في إعمار وتنمية سوريا! وصارت طالبان تنظر نفس النظرة إلى روسيا! فمع من كانت حروب هؤلاء على مرّ السنين؟! إنْ كانت أمريكا تبني وروسيا تعمّر فمن الذي دمر حواضر المسلمين؟ إن أصبح الثوار والجهاديون حلفاء أمريكا وروسيا فمن أعداؤهم إذن؟! وما المانع أن ينظروا لليهود نفس النظرة غدا؟!
في أبعاده السياسية، يمثّل القرار الأمريكي احتواء لنظام الجولاني في المعسكر الغربي، تماما كما يمثل القرار الروسي احتواء لنظام طالبان في المعسكر الشرقي.
لقد بات الثوار والجهاديون بيادق في صراعات المعسكرات الجاهلية، بينما أنت يا جندي الخلافة تقف وحدك في معسكر التوحيد ثابتا شامخا كالطود تنافح عن دينك وأمتك، وتلاقي ما تلاقي في سبيل ذلك، فاصبر واحتسب واحمد الله على هذا الموقف حق حمده، واشكره سبحانه حق شكره.
وانظر حولك وتأمل كيف تتسع "سوريا الجديدة" لكل الطوائف الكافرة إلا الطائفة المؤمنة المنصورة بإذن الله تعالى، التي ترتبط بالشام وملاحمها أشد من ارتباط الجولاني بالخيانة! انظر حولك يا جندي الخلافة وتأمل، وأنت في خراسان وما جاورها، تقاتل الروس والأمريكيين معا، بينما بات الناكثون اليوم يكفِّرون عن حروبهم السابقة معهما، كما لو أنها "خطيئة" أقلعوا عنها وأتبعوها بـ "محاربة الإرهاب" لمحوها!
فاحمد الله يا جندي الخلافة وأنت تحافظ على هويتك الدينية -منهاج النبوة-، بينما يدشّن "المتحوّل" هوية قومية وطنية تمثّل قطيعة مع كل رمز أو شعار إسلامي كان قد اتخذه في مراهقته الجهادية أو ثورته الجاهلية.
وعلى الهامش، لا شيء أنسب للهوية البصرية لنظام الجولاني، من صورة "الضبع" فهو لا يعيش إلا على الجيف ولا يقتل إلا غدرا، وتلك دورة حياة الجولاني من الخيانة إلى الرئاسة.
المسؤولون الأمريكيون كانوا منذ البداية صريحين في أنهم لن يقيّموا الجولاني وإدارته وفقا للأقوال بل للأفعال، وبالفعل فلم يخيّب "عدو الشرع" آمال الصليبيين، وكانت أفعاله في حرب الجهاد عند حسن ظنهم ومحط إعجابهم!، حتى تردّى في ردته وخيانته منتقلا من دائرة السر إلى العلن، ومن التبرير إلى المفاخرة! ولا عجب فالرجل "براغماتي" صرف كما مدحوه! لا يعرف معروفا ولا يُنكر منكرا ولا يؤمن إلا بالمصلحة، والغاية عنده أسوأ من الوسيلة.
في سوريا الجديدة يتفاخر الثوار بـ "تطبيع العلاقات" مع أمريكا بينما يتهربون من الحديث عن "التطبيع" مع اليهود، مع أنهما فعلان متصلان مترابطان متساويان، والسبب في هذا التناقض أنّ الإسلام خارج معادلتهم الثورية.
شرعيا، يتناسى هؤلاء المرتدون قوله تعالى: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، قال الإمام البغوي: "(ولن ترضى عنك اليهود) إلا باليهودية، (ولا النصارى) إلا بالنصرانية". اه. فهذه لفتة مهمة من وحي الكتاب إلى هؤلاء أنه مهما تزلفتم وتقربتم لليهود والنصارى، فبغير اليهودية والنصرانية لن تنالوا رضاهم، وعاجلا أم آجلا يستبدلونكم بغيركم، فأنتم مجرد بيادق بأيديهم جئتم خلفا لسلفكم، وستذهبون أذلّ وأخزى من ذهابهم، فهل أنتم إلا بدائل "الأسد" و "كرزاي" ومن لفّ لفهم؟!
في الأوساط الجهادية، يقف خصوم الدولة الإسلامية اليوم أمام خيارات صعبة؛ فهم إما أنْ يعترفوا بصحة موقف الدولة الإسلامية يوم كشفت حقيقة هؤلاء مبكرا؛ بينما كان قادة "القاعدة" يشيدون بهم ويحيكون المؤامرات لترجيح كفتهم على الدولة الإسلامية حسدا من عند أنفسهم، وانحرافا عن منهاج النبوة الذي لم يعد يناسب "تراجعاتهم وتحديثاتهم" في عصر "الربيع الجاهلي" الذي انقلب خريفا عليهم؛ أو أنّ عليهم الإقرار بردة هذه الهيئات عملا بقواعد الإيمان والكفر المعتبرة، وعندها سيدرك أتباعهم أنهم ظلموا الدولة الإسلامية يوم حكموا بخارجيتها، وهو ما يخشاه عبدة الألقاب العلمية والرتب الجهادية لأنه يحطم رموزهم وينهي تاريخهم.
إن مسلسل التبديل والانحراف في الأوساط الجهادية، يقيم الحجة على هؤلاء الخصوم، ويضع كل فرد منهم أمام مفترق طرق؛ هل يتبع هواه وينكر البيّنات والحقائق والواضحات؟ أم يتبع الحق الذي حصحص وبان، فيكثّر سواده ويعذر إلى ربه قبل فوات الأوان.
ولئن كنتم تعجبون مما ترونه في الشام أو خراسان فإن الأعجب لم يأت بعد، فجدّدوا إيمانكم -معاشر المؤمنين- وعضوا على توحيدكم بالنواجذ، فإن الفتن ما زالت تتوالد، ولم يكتمل بعد الزمان الذي يمسي فيه الحليم حيرانا، وهل الحليم يحتار في أمر الجولاني وأمثاله؟!
بل إن ما يجري يحتاج منا وقفة تدبر وتأمل في ما آلت إليه أحوال هؤلاء، وهي لفتة تربوية مهمة للذين يلتحقون بالجهاد دون بصيرة من أمرهم، ويريدون أن يضبطوا فوهات البنادق ويحفروا الخنادق قبل أن يضبطوا بوصلة المناهج ويحفروا في صخر المفاصلة العقدية، فمن كان هذا حاله فالتبديل والتفريط مآله، فاسمعوا وعوا: المناهج المناهج! العقائد العقائد! فبها وإلا فإنّ العواقب "جولانية!".
الآن حصحص الحق لمن لا يؤمن بغير الأدلة المحسوسة صوتا وصورة، أما لأولي الأحلام والنهى فقد حصحص الحق قديما منذ صرخ الشيخ العدناني في الجموع: "ما كان هذا منهجنا ولن يكون".
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 503
السنة السابعة عشرة - الخميس 15 المحرم 1447 هـ ...المزيد
تنص الخارجية الأمريكية على إمكانية إلغاء التصنيف بالإرهاب في حال "أنّ الظروف الأصلية التي أدت إلى التصنيف؛ قد تغيّرت بما يكفي لتبرير إلغائه، أو أنّ مصالح الأمن القومي الأمريكي تُبرّر إلغاءه". وهذا ما حدث مع هيئة الجولاني المرتدة، حيث أزالوها من "قائمة الإرهاب" بعد انتفاء أسباب التصنيف وتحقُّق الشروط الأمريكية.
بعيدا عن التفسيرات الكثيرة لهذا القرار المتوقع، فإنّ حجر الزاوية في اعتماده هو الالتزام التام بحماية المصالح "الأمريكية-اليهودية" إذْ لا يمكن الفصل بينها، وليس من قبيل المصادفة أن يصدر إعلان براءة الجولاني من الطُهر بينما هو في أحضان "ابن زايد".
سلفًا، قدّم الطاغوت الجولاني ثمن هذا "الاستحقاق الجاهلي"، وفي أول لقاء له مع "ترامب" منحه حق الوصول لخيرات الشام فوق الأرض وتحتها، وأعاد له رعاياه جثثا وأسرى، وطمأن دويلة يهود وسهّل العثور على رفات جنودها، وسلّم إحداثيات "الأسلحة الكيماوية" خشية وصولها لمن يأخذها بحقها! وقبل هذا وذاك سخّر كل طاقاته وتفانى في حرب الدولة الإسلامية في سوريا وخارجها، لقد فعل كل ما تطلّبه القرار حتى الآن.
دوليًّا، تزامن القرار الأمريكي مع قرار روسيا الاعتراف بإمارة طالبان، كخطوة موازية للخطوة الأمريكية، كي لا يعيّر أحدهما الآخر بدعم "الإرهابيين" الذين طلّقوا "الإرهاب" ثلاثا، وتولوا محاربته من دمشق إلى كابل!
في زمن التراجعات أو "التحوّلات الفكرية" كما يسميها المتحوّلون، صار الثوار ينظرون لأمريكا كشريك في إعمار وتنمية سوريا! وصارت طالبان تنظر نفس النظرة إلى روسيا! فمع من كانت حروب هؤلاء على مرّ السنين؟! إنْ كانت أمريكا تبني وروسيا تعمّر فمن الذي دمر حواضر المسلمين؟ إن أصبح الثوار والجهاديون حلفاء أمريكا وروسيا فمن أعداؤهم إذن؟! وما المانع أن ينظروا لليهود نفس النظرة غدا؟!
في أبعاده السياسية، يمثّل القرار الأمريكي احتواء لنظام الجولاني في المعسكر الغربي، تماما كما يمثل القرار الروسي احتواء لنظام طالبان في المعسكر الشرقي.
لقد بات الثوار والجهاديون بيادق في صراعات المعسكرات الجاهلية، بينما أنت يا جندي الخلافة تقف وحدك في معسكر التوحيد ثابتا شامخا كالطود تنافح عن دينك وأمتك، وتلاقي ما تلاقي في سبيل ذلك، فاصبر واحتسب واحمد الله على هذا الموقف حق حمده، واشكره سبحانه حق شكره.
وانظر حولك وتأمل كيف تتسع "سوريا الجديدة" لكل الطوائف الكافرة إلا الطائفة المؤمنة المنصورة بإذن الله تعالى، التي ترتبط بالشام وملاحمها أشد من ارتباط الجولاني بالخيانة! انظر حولك يا جندي الخلافة وتأمل، وأنت في خراسان وما جاورها، تقاتل الروس والأمريكيين معا، بينما بات الناكثون اليوم يكفِّرون عن حروبهم السابقة معهما، كما لو أنها "خطيئة" أقلعوا عنها وأتبعوها بـ "محاربة الإرهاب" لمحوها!
فاحمد الله يا جندي الخلافة وأنت تحافظ على هويتك الدينية -منهاج النبوة-، بينما يدشّن "المتحوّل" هوية قومية وطنية تمثّل قطيعة مع كل رمز أو شعار إسلامي كان قد اتخذه في مراهقته الجهادية أو ثورته الجاهلية.
وعلى الهامش، لا شيء أنسب للهوية البصرية لنظام الجولاني، من صورة "الضبع" فهو لا يعيش إلا على الجيف ولا يقتل إلا غدرا، وتلك دورة حياة الجولاني من الخيانة إلى الرئاسة.
المسؤولون الأمريكيون كانوا منذ البداية صريحين في أنهم لن يقيّموا الجولاني وإدارته وفقا للأقوال بل للأفعال، وبالفعل فلم يخيّب "عدو الشرع" آمال الصليبيين، وكانت أفعاله في حرب الجهاد عند حسن ظنهم ومحط إعجابهم!، حتى تردّى في ردته وخيانته منتقلا من دائرة السر إلى العلن، ومن التبرير إلى المفاخرة! ولا عجب فالرجل "براغماتي" صرف كما مدحوه! لا يعرف معروفا ولا يُنكر منكرا ولا يؤمن إلا بالمصلحة، والغاية عنده أسوأ من الوسيلة.
في سوريا الجديدة يتفاخر الثوار بـ "تطبيع العلاقات" مع أمريكا بينما يتهربون من الحديث عن "التطبيع" مع اليهود، مع أنهما فعلان متصلان مترابطان متساويان، والسبب في هذا التناقض أنّ الإسلام خارج معادلتهم الثورية.
شرعيا، يتناسى هؤلاء المرتدون قوله تعالى: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، قال الإمام البغوي: "(ولن ترضى عنك اليهود) إلا باليهودية، (ولا النصارى) إلا بالنصرانية". اه. فهذه لفتة مهمة من وحي الكتاب إلى هؤلاء أنه مهما تزلفتم وتقربتم لليهود والنصارى، فبغير اليهودية والنصرانية لن تنالوا رضاهم، وعاجلا أم آجلا يستبدلونكم بغيركم، فأنتم مجرد بيادق بأيديهم جئتم خلفا لسلفكم، وستذهبون أذلّ وأخزى من ذهابهم، فهل أنتم إلا بدائل "الأسد" و "كرزاي" ومن لفّ لفهم؟!
في الأوساط الجهادية، يقف خصوم الدولة الإسلامية اليوم أمام خيارات صعبة؛ فهم إما أنْ يعترفوا بصحة موقف الدولة الإسلامية يوم كشفت حقيقة هؤلاء مبكرا؛ بينما كان قادة "القاعدة" يشيدون بهم ويحيكون المؤامرات لترجيح كفتهم على الدولة الإسلامية حسدا من عند أنفسهم، وانحرافا عن منهاج النبوة الذي لم يعد يناسب "تراجعاتهم وتحديثاتهم" في عصر "الربيع الجاهلي" الذي انقلب خريفا عليهم؛ أو أنّ عليهم الإقرار بردة هذه الهيئات عملا بقواعد الإيمان والكفر المعتبرة، وعندها سيدرك أتباعهم أنهم ظلموا الدولة الإسلامية يوم حكموا بخارجيتها، وهو ما يخشاه عبدة الألقاب العلمية والرتب الجهادية لأنه يحطم رموزهم وينهي تاريخهم.
إن مسلسل التبديل والانحراف في الأوساط الجهادية، يقيم الحجة على هؤلاء الخصوم، ويضع كل فرد منهم أمام مفترق طرق؛ هل يتبع هواه وينكر البيّنات والحقائق والواضحات؟ أم يتبع الحق الذي حصحص وبان، فيكثّر سواده ويعذر إلى ربه قبل فوات الأوان.
ولئن كنتم تعجبون مما ترونه في الشام أو خراسان فإن الأعجب لم يأت بعد، فجدّدوا إيمانكم -معاشر المؤمنين- وعضوا على توحيدكم بالنواجذ، فإن الفتن ما زالت تتوالد، ولم يكتمل بعد الزمان الذي يمسي فيه الحليم حيرانا، وهل الحليم يحتار في أمر الجولاني وأمثاله؟!
بل إن ما يجري يحتاج منا وقفة تدبر وتأمل في ما آلت إليه أحوال هؤلاء، وهي لفتة تربوية مهمة للذين يلتحقون بالجهاد دون بصيرة من أمرهم، ويريدون أن يضبطوا فوهات البنادق ويحفروا الخنادق قبل أن يضبطوا بوصلة المناهج ويحفروا في صخر المفاصلة العقدية، فمن كان هذا حاله فالتبديل والتفريط مآله، فاسمعوا وعوا: المناهج المناهج! العقائد العقائد! فبها وإلا فإنّ العواقب "جولانية!".
الآن حصحص الحق لمن لا يؤمن بغير الأدلة المحسوسة صوتا وصورة، أما لأولي الأحلام والنهى فقد حصحص الحق قديما منذ صرخ الشيخ العدناني في الجموع: "ما كان هذا منهجنا ولن يكون".
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 503
السنة السابعة عشرة - الخميس 15 المحرم 1447 هـ ...المزيد
حوار: أمير البيضاء في ولاية اليمن: القاعدة تنسق مع "جيش الطاغوت هادي" لقتال جنود الخلافة في ...
حوار: أمير البيضاء في ولاية اليمن:
القاعدة تنسق مع "جيش الطاغوت هادي" لقتال جنود الخلافة في قيفة..
بعد أن كان لها دور في زج تنظيم القاعدة في الشام في موالاة الصحوات ضد جنود الدولة الإسلامية، أعلنت قيادة القاعدة في اليمن حربها عليهم في منطقة قيفة وسط اليمن، بتنسيق ومساعدة من جيش الطاغوت (منصور هادي)، ورغم تمكّن جنود الخلافة من كسر هجمتهم الأولى -بفضل الله تعالى- إلا أنهم لا زالوا يحرّضون ويحشدون عليهم، نسأل الله أن يرد كيدهم -وإخوانهم المشركين- في نحورهم.
وللوقوف على أحداث ما جرى في قيفة، التقت (النبأ) أمير منطقة البيضاء في ولاية اليمن ليطلعنا على حقيقة الوضع هناك، وتوقعاتهم بخصوصه في الأيام القادمة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
• أخي المبارك.. لو تحدثنا بداية عن منطقة قيفة وكيف بدأت فيها الدولة الإسلامية.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
منطقة قيفة هي جزء من ولاية البيضاء الواقعة وسط اليمن والتي تعد ذات أهمية؛ كونها تربط بين أهم المدن اليمنية، ومنطقة قيفة تابعة لمدينة رداع، المدينة المهمة استراتيجيا لدى الحوثة المشركين، وتظهر أهمية رداع عند الحوثة كون هذه المدينة فيها كبار الروافض وتجّارهم، وكونها محطة لتعبئة جبهاتهم، وقد سعى الحوثة لحماية هذه المدينة بالسيطرة على أهم الجبال المطلة على بلاد قيفة كإسبيل والعليب والثعالب وجميدة وغيرها، كما يهدفون من السيطرة عليها أيضا أن تُحاصر قيفة؛ تفاديا من أن تكون منطلقا إلى مدينة رداع المهمة لديهم.
وقد رأت الدولة الإسلامية أن أرض قيفة تمتاز بتضاريس وعِرة تصلح لإعداد العدة وأن تكون منطلقا جيّدا لنشر نور الله تعالى في يمن الإيمان والحكمة، كما يمتاز أكثر أهلها بعدم اختلاطهم بما يسمّى بالشرعية المرتدين أتباع الطاغوت (عدو ربه) عبد ربه، فأكثر الجبهات في اليمن ضد الحوثة هي في ظل ما يسمى بالشرعية إن لم تكن كلها، ولم تصْفُ منهم سوى جبهة قيفة آنذاك، باستثناء تنظيم القاعدة الذي كان له وجود يسير في جبهات قليلة في قيفة وكان قد سحب جُل عناصره آنذاك إلى المُكلّا.
بدأت دولة الإسلام ببناء لبنتها الأولى في قيفة بدعوة الناس إلى الهدى ودين الحق وتعليمهم أمور دينهم، فوجدوا بفضل الله في هذه البلاد استبشارًا بدولة الإسلام ونصرة لها، ففتح الأنصار لهم البيوت، ومكّنوهم من الشعاب لتجهيز المعسكرات، وبدأت بفضل الله بالدورات التأسيسية من شرعية وعسكرية، فانضم إليها كثير من الأنصار ولحقهم المهاجرون من كل مكان، ورسخت الأمور وثبتت الأركان بفضل الله تعالى، حتى فُتحت جبهة للقتال ضد الروافض الحوثة، ما زاد يقين الناس أن الدولة ما أتت إلا لحرب الروافض، واندحض ما أُشيع أن الدولة إنما أتت لقتال أهل السنة في قيفة.
بعدها شارك الأنصار إخوانهم المهاجرين في الجبهات حتى ترجّل منهم الأبطال شهداء نحسبهم والله حسيبهم، واستمرت الدولة الإسلامية في تعليم الناس المنهج الراسخ والدين القويم من جهة، وقتال المشركين من جهة أخرى، حتى توسّعت جبهاتها، وفتح الله عليها.
فسيطرت الدولة الإسلامية بفضل الله على الجبل الاستراتيجي المُسمى (حمة لقاح) في منطقة لقاح، وكسر الله على أيدي جنود الخلافة أعتى الحملات الرافضية منها حملة واسعة في 27 رمضان 1438، وحملة واسعة أيضا في ذو القعدة 1438 التي هلك على إثرها قائد حملاتهم المرتد (أبو مرتضى المحطوري)، كما شنّ جنود الخلافة على مواقع الحوثة المشركين في منطقة الظهرة عدة عمليات اقتحامية وصولات واستهدافات، راح ضحيتها العشرات منهم بين قتيل وجريح ولله الحمد، كما قاموا بصد هجمات للرافضة على عوام المسلمين ونصرتهم.
أثناء ذلك كان لتنظيم القاعدة وجود، وبعد انسحابه من المكلّا خصوصًا، سحب أكثر عناصره إلى قيفة، لِما له من الأنصار والمقرات فيها.
وبدأ الناس يعرفون الفرق بين الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، حتى قال بعضهم لجنود الدولة الإسلامية أنتم تذكروننا بالمجاهدين الأوائل الذين كنا نعرفهم؛ لما رأوا بعض مَن كانوا مع التنظيم قديمًا وهداهم الله تعالى للحاق بدولة الإسلام، كما كان التنظيم سابقا يدعو لما تدعو إليه الدولة الإسلامية اليوم، فثبتها الله تعالى وهم بدّلوا.
وبهذا الظهور للدولة الإسلامية وحظيها بخيرة الأنصار، وتقدمها على الأرض، علم التنظيم أن مشروعه سيؤول إلى زوال.
• كيف يبدو طابع جبهات تنظيم القاعدة وعملياته العسكرية في بلاد قيفة؟
كان تنظيم القاعدة بعد رجوعه من المكلّا يعمل على تثبيت مواقعه الأولى في قيفة ودعمها ببعض أفراده، ولم تكن لهم عمليات تُذكر من هجوم وسيطرة على مواقع للروافض الحوثة، أو أي تقدمات عليهم، باستثناء بعض الهجمات اليسيرة التي يهدف منها إلى تفعيل أنصاره، وليبين للناس وجوده في الأرض، بل ما زالت الانسحابات والانتكاسات طابعا فيهم -نسأل الله السلامة-، ومن رأى حالهم ومجاهرتهم بالمعاصي من تعاطٍ "للقات" وغيرها في معاركهم، لا يعجب كيف أن الله تعالى خذلهم.
ومن أساليب تنظيم القاعدة في القتال استنفاره لأهل الأرض ثم خذلانهم بالانسحاب المفاجئ، وجعلِهم في الأمر الواقع أمام العدو فيصول العدو على ديارهم ويأسر منهم، وهذه سياسة التنظيم من قديم فقد كان يُشعل الحرب مع الحوثة من داخل قرى قيفة ثم يتركها تواجه مصيرها ويولّي هارِبًا، فعل هذا في المناسح وفي خبزة وفي الزُوَب، وقد كان من أهل قيفة تخوفٌ في بداية الأمر من أن تفعل بهم الدولة الإسلامية مثل هذا، ولكن بفضل الله بعدما رأوا ثبات جند الخلافة زال ذلك عنهم.
وقد تكرر في التنظيم انكساره أمام الحوثة المشركين وسيطرتهم على مواقعه، فيقوم بعدها بعض قبائل قيفة برد الحوثة عن تلك المواقع كونها مطلة على قراهم وطرقهم.
• بشكل عام من هم الأعداء المتربّصون بالدولة الإسلامية في قيفة؟
كل من نصّب نفسه لحرب دين الله فهو عدو لدولة الإسلام لأن الدولة إنما تعمل لإقامة الدين وتحكيم الشرع، وعلى رأس أولئك الأعداء المحاربين لدولة الإسلام في قيفة هم الروافض الحوثة الذين طالما شنّوا الهجمة تلو الهجمة على مواقع الدولة، فيردهم الله بحوله وقوته ومنته.
أيضًا من الأعداء ما يسمى بالشرعية أتباع حكومة عبد ربه منصور وهم الجيش اليمني المرتد والصحيح تسميتهم بالشركية لجعلهم الطواغيت والدساتير شركاء لله في حكمه وتشريعه، هؤلاء الشركية قد كانوا في بداية الأمر يستخدمون أرض قيفة كخط آمن للمرور لمن يستقطبونهم للتجنيد من المناطق الشمالية من خارج البيضاء التي تقع تحت نفوذ الحوثة، وبترتيب وتنسيق مع مهربين بقيفة كان منهم بعض أنصار القاعدة، ويمرون بنقاط لتنظيم القاعدة، ثم يتم تسليمهم لقيادة ما يسمى بالشرعية في مأرب.
وقتها كانت الدولة الإسلامية في مواقع رباطها بعيدة عن ذلك الخط.
حتى تمادى مرتدو الشركية بعد ذلك وأرادوا تكوين معسكر في قيفة لوحدات من اللواء 117 الذي أنشئ في مأرب وفيه البعض من أبناء قيفة وغيرهم، بقيادة وكيل محافظة البيضاء السابق الطاغوت "سنان جرعون" لكن -بفضل الله تعالى- حطّمت الدولة الإسلامية هذا المشروع، كما بيّن ذلك المكتب الإعلامي للبيضاء في إصدار له بعنوان "أنقذوا أنفسكم".
وبعدها رأت الشركية أن أفضل مشروع للمكر بدولة الإسلام أن يكون تحت غطاء تنظيم القاعدة.
قامت الشركية باستخدام عباءة القاعدة، فجعلت بعضَ أنصار القاعدة يتولّى الأمر، وأبرز هؤلاء أبو وافي الصريمي، وأخوه أبو وسام وأبو الحسن الجوفي وأبو كساب التيسي فكانت تدعمهم بالذخيرة والسلاح وترتب أمورهم وتهيئ لأن تجعل من بعضهم قادة للكتائب، باسم مقاومة أبناء وقبائل قيفة، وبعضهم يُظهر رُتبته العسكرية وبعضهم لا يُظهرها، وبفضل الله انكشف هذا المشروع ولم يفلح.
وما كان التنظيم يجد حرجًا في علاقة كبار أنصاره بالشركية؛ للتدهور والانتكاسة التي وصل إليها التنظيم في المنهج، والحقد الذي أعماه وجعله يمد يده لكل من يريد النيل من مجاهدي دولة الخلافة، فكان الحال العام بين مشروع الخلافة ومشروع القاعدة كمشروعين انتهى أحدهما وفشِل ولم يجد إلا أن يُفشل الآخر، ثم فشلوا أيضا -بفضل الله تعالى- في إفشال مشروع الخلافة، والحمد لله من قبل ومن بعد.
كيف صار تنظيم القاعدة عدوا جديدًا في الساحة؟
بعد كل ما سبق ذكره ومع زيادة إيذاء عناصر القاعدة واستفزازهم لجنود الخلافة، بات التنظيم وكأنه مدفوع لقتال الدولة الإسلامية -أعزّها الله تعالى وأدامها-.
حتى حصلت وقْعَة الحاجز، وما كان من التنظيم إلا اتهام الدولة بالغدر ثم قام ينشر ويستعطف الناس أن الدولة قتلت عناصره غدراً، والتنظيم كان يعلم أن كل ذلك كان كذبا، وأن جنوده كانوا أحياء آنذاك، ولكن رآها الفرصة السانحة للتأجيج لقتال الدولة، ولا ضير أن يضحّي بجنوده أولئك في سبيل عدم إضاعة فرصة كهذه انتظرها كثيرا.
نُشر ذلك الخبر ليلاً، وما أتى صباح اليوم التالي إلا وقد باغت التنظيمُ جنود الخلافة وقتل بعض رجالهم، ولكن وراء الأكمة ما وراءها، ثم إن التنظيم لم يكن جادّا حتى في السؤال عن أمر جنوده كما ذكر صاحبهم في مقطع أعماق قائلاً: "فهم سدوا الباب في وجوهنا... وحكموا علينا وجعلونا قد قتلنا وجعلونا مطية لهذه الحرب"، وبهذا يتبين غدر التنظيم بالموحّدين من جنود دولة الإسلام.
ومن المعلوم أيضا لدى أنصار وجنود تنظيم القاعدة أن التنظيم إذا أراد هجمة كهذه رتّب لها من فترة طويلة وجمع أصحابه من أكثر الأماكن، فما جعلنا نتفاجأ أن المشكلة صارت عصرا وفي الصباح حاصر التنظيم الكثير من مواقع الدولة في قيفة العليا، خصوصًا المواقع المتأخّرة وقتل مجموعة منهم، وهذه الجاهزية الغريبة توحي أن التنظيم إنما كان يرتّب لقتال دولة الإسلام مسبقًا، لكنه كان ينتظر سببًا لذلك، وقد تم له مراده.
وفي النهاية ظهر عِداؤه، وقد استبان أكثر في هذا القتال بتوحّده مع الشركية وبدعم منهم من سلاح وذخيرة وتغذية ولباس وغيرها، وهذا بشهادة أبناء قيفة أنفسهم على ذلك.
• من ينظر إلى أحداث الاقتتال بين التنظيم ودولة الإسلام في البداية، يقرأ أن التنظيم أراد أن يمحو الدولة الإسلامية من قيفة تمامًا، هل هذا صحيح؟
من المهم أن نذكر هنا أن تنظيم القاعدة كان يشكو قلة جنوده من قبل، فيشكو ذلك لقبائل قيفة وغيرهم، بل أخرج بيانا بتاريخ 10 جمادى الآخرة 1438 مخاطبًا القبائل "أن البدار البدار بتعزيز الجبهات وإلا ستسقط"، والذي يعني أن التنظيم كان في مرحلة رخوة وبدأ يُبدي ضعفه في قيفة أو كما يقول هو في بيانه، هذا أمام قتال الحوثة الروافض، لكن تفاجأ الجميع بعدها عند الاقتتال مع جنود دولة الإسلام بحشده لجنوده من كل مكان في أرجاء اليمن إلى قيفة واستبسال التنظيم في القتال وهجماته الكثيرة جدًا بطريقة لم يعهدها حتى أهل قيفة من قبل! حتى قال بعضهم: لو كان هذا القتال من التنظيم ضد الروافض لطرد الحوثة من قيفة بل وسيطر على مدينة رداع.
وللعلم مازال التنظيم في قتاله للروافض يُبدي ضعفه وجُبنه وأنه لا يستطيع، وبالأمس القريب يريد من أهل قيفة أن يقاتلوا معه؛ بحجة أن جنوده يُقتلون بالقصوفات!!
الشاهد أن التنظيم كان يرى هذه الحرب فرصة له أن ينهي وجود دولة الإسلام في قيفة -خابوا وخسروا-، وروّجوا لشائعات كهذه، وهذه هي خطة الشركية كما سبق، ثم تبين لنا بعدُ أن التنظيم لم يكن وحده في هذه الحرب بل معه بعض المنتسبين للجيش اليمني (الشركية)، بل أصبح هناك دعم للجبهة ضد الدولة عن طريق بعض ضباط الشركية من قيفة كجبر عبد الله وحزام صالح الصراري وفهد قناص التيسي، والتنسيق مع حكومة الشركية بمأرب لمعالجة جرحاهم، وبفضل الله ما لقوا من جنود دولة الإسلام إلا صد هجماتهم والصلابة في القتال فرد الله كيدهم في نحورهم، ولن يطفؤوا نور الله مهما اجتمعوا أو انتهزوا الفرص أو تستّروا بأي قناع، فالله مولى المؤمنين ومبطل كيد الخائنين.
• كيف كان ثبات جنود دولة الإسلام أمام هجمات التنظيم؟
كان التنظيم يريد الاستفراد بالمواقع الخلفية للجبهات أو المواقع البعيدة من الإخوة، فكان من توفيق الله تعالى لجنود الخلافة أن سحبوا الأفراد من المواقع البعيدة جدًا - وهم مرابطون على الحوثة المشركين - خشية أن يستفرد بهم التنظيم، فسحبوهم لمكان ليكون نقطة انطلاق، وظن التنظيم أنه قد أنهى الدولة من هذه الأماكن، وما درى أنها خطة من جنود الخلافة لترتيب صفوفهم، ثم سار الإخوة بخطى ثابتة، يتصدون لهجمات التنظيم مرة ويكرّون عليه مرة حتى اقتحموا على مواقع للتنظيم وأخذوها وثبتوا فيها، والآن بات التنظيم في تخبّط ملحوظ، ولله الحمد أولاً وآخرا.
وكما نرى اليوم وبعد هجماتهم ومحاربتهم لدولة الإسلام أصبحت الدولة بفضل الله تعالى هي من تهاجم التنظيم في مواقعه، وكذلك نرى العبوات تزمجر وتفتك بهم.
وهنا يُذكر أن الدولة الإسلامية لو أرادت النكاية أكثر في التنظيم لزرعت له العبوات في الطرق التي يستخدمها، ولكن ما أوقفنا عن هذا العمل أن الطرق يستخدمها بعض العوام أيضًا، ما جعل جنود دولة الإسلام يمتنعون عن ذلك لا كما يدّعي التنظيم قتل الدولة للأبرياء وعامة المسلمين، ولا يضعون العبوات في طريق عام إلا بطريقة التحكّم عن بُعد ويتم تفجيرها على آليات التنظيم المعروفة لديهم مسبقًا، والشاهد أنهم تركوا أكثر هذه الخطوط رغم سهولة زرع الألغام فيها قربة لله عزّ وجلّ وخشية من سفك دماء المسلمين بغير قصد، بينما التنظيم لا يأبه بزرع الألغام في الطرق العامة التي يمر فيها جنود دولة الإسلام وغيرهم، وبفضل الله العظيم باءت بالفشل.
• يتساءل الكثير عن عجلة النفير للدولة الإسلامية في ولاية البيضاء بعد هذه الحرب هل هي مستمرة؟
بحمد الله عجلة النفير لازالت مستمرة حتى بعد الحرب، رغم أنها كانت قبل الحرب أكثر، لكن في بداية المرحلة خَفّ النفير قليلاً، لأن البعيدين كانوا يسمعون من الإعلام وكان التنظيم ينشر الأكاذيب والأراجيف أن الدولة الإسلامية محاصرة وأنها انتهت ولم يعُد لها وجود في بلاد قيفة، وبفضل الله نشِط إعلام الدولة وبيّن الحقيقة، وعندما رأى الناس الحقيقة عرفوا ما الذي يدور في أرض قيفة، بل اتضح للناس تعاون التنظيم مع الشركية، وعلموا أنه خنجرٌ مسمومٌ في ظهور المسلمين، فبدأت عجلة النفير تسرع من جديد والناس تأتي من كل مكان بفضل الله والأمور إلى خير إن شاء الله تعالى.
• ما هو ردّكم على من يقول أن هذا الاقتتال فتنة فيُحجم عن النفير لذلك؟
هناك من الناس من يعلم بما صار إليه التنظيم الآن، ولازال يرى أنه فتنة، فنقول : القتال لأجل الدين ليس فتنة، فقد استبان مشروع الدولة الإسلامية، واستبان أيضا مشروع التنظيم المختلط مع مشروع الشركية، فلا تتأخر عن نصرة إخوانك ونصرة راية التوحيد، التي لم يرفعها إلا أجناد دولة الإسلام، وقد بان جليا كيف أن التنظيم قد تخلى عنها وأنزلها من قبل في ظل سيطرتهم في المكلّا، والآن أنزلها في أرض قيفة لأجل الشركية، الذين اتفق مع بعضهم لتصوير مواقع هي للتنظيم، فينسبونها إليهم ويأتيهم إثر ذلك الدعم من قيادة الشركية، فينكّس التنظيم الراية لتقاسم الدعم، ولنا في الشام عبرة فقد بدأ حالهم بمثل هذا، تقاسم الفصائل في الدعم المشروط والغير مشروط واختلافهم فيه وفي النهاية انتهوا إلى أحضان الأتراك واتفاقيات سوتشي وغيرها من الخزي والهوان، وفي خراسان أيضا انتهى قادتهم الطالبان إلى أحضان الروس والأمريكان باتفاقيات ومؤتمرات، وسينتهي هنا قريبًا إن شاء الله تعالى، لأن الأمر حق وباطل لا غير ولا ثالث لهما، والقاعدة إلى حضن الشركية أقرب، وقد رأينا إرهاصات ذلك.
• هل توقّفت العمليات ضد الحوثة بسبب الانشغال بحرب التنظيم؟
بفضل الله عزّ وجلّ جنود الخلافة رغم انشغالهم برد كيد التنظيم وقتاله إلا أنهم لم ينسوا الأصل الذي بدأوا به وهو قتال الروافض، فلازالت جبهاتهم مشتعلة، كما رأينا قبل فترة حيث حاول الحوثة المشركون مهاجمة مواقع الدولة الإسلامية في قيفة العليا، وذلك أن الروافض قالوا: إن الدولة انشغلت بحرب التنظيم وهذه فرصة للدخول على مناطق أهل السنة والسيطرة عليها، فقاموا بهجوم واسع، فردّهم الله العظيم مدحورين، وتصدّى لهم جنود الخلافة الذين كانوا يقظين بفضل الله وحده.
كما قام جنود الخلافة -بفضل الله تعالى- في الأسابيع الماضية أيضاً بعدة استهدافات لمواقع الرافضة الحوثة بالرشاشات والمدفعية في كل من (الظهرة - سبلة الجرم - حمة بقر - تبة سفيان - الجرو - جبل جميدة) ولله الحمد على توفيقه.
كما لوحظ تتابع الحملات على مواقع الإخوة في قيفة، فما إن ينتهي المجاهدون من صد هجوم للحوثة، حتى يشن تنظيم القاعدة هجوماً أخر ويرد الله عاديتهم، ثم يشن الآخر لأنهما يعلمان أنه وبوجود الدولة الإسلامية ستتكسر آمالهم وتتبدد أحلامهم وستخيب مشاريعهم الفاسدة -بإذن الله العظيم-، ولازال جند الخلافة يدافعون عن أهل السنة، وما الحرب مع التنظيم إلا مرحلة من مراحل القتال، والعاقبة إنما هي للمتقين وقد قال سبحانه: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}.
هذا والحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 197
الخميس 28 ذو الحجة 1440 هـ ...المزيد
القاعدة تنسق مع "جيش الطاغوت هادي" لقتال جنود الخلافة في قيفة..
بعد أن كان لها دور في زج تنظيم القاعدة في الشام في موالاة الصحوات ضد جنود الدولة الإسلامية، أعلنت قيادة القاعدة في اليمن حربها عليهم في منطقة قيفة وسط اليمن، بتنسيق ومساعدة من جيش الطاغوت (منصور هادي)، ورغم تمكّن جنود الخلافة من كسر هجمتهم الأولى -بفضل الله تعالى- إلا أنهم لا زالوا يحرّضون ويحشدون عليهم، نسأل الله أن يرد كيدهم -وإخوانهم المشركين- في نحورهم.
وللوقوف على أحداث ما جرى في قيفة، التقت (النبأ) أمير منطقة البيضاء في ولاية اليمن ليطلعنا على حقيقة الوضع هناك، وتوقعاتهم بخصوصه في الأيام القادمة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
• أخي المبارك.. لو تحدثنا بداية عن منطقة قيفة وكيف بدأت فيها الدولة الإسلامية.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
منطقة قيفة هي جزء من ولاية البيضاء الواقعة وسط اليمن والتي تعد ذات أهمية؛ كونها تربط بين أهم المدن اليمنية، ومنطقة قيفة تابعة لمدينة رداع، المدينة المهمة استراتيجيا لدى الحوثة المشركين، وتظهر أهمية رداع عند الحوثة كون هذه المدينة فيها كبار الروافض وتجّارهم، وكونها محطة لتعبئة جبهاتهم، وقد سعى الحوثة لحماية هذه المدينة بالسيطرة على أهم الجبال المطلة على بلاد قيفة كإسبيل والعليب والثعالب وجميدة وغيرها، كما يهدفون من السيطرة عليها أيضا أن تُحاصر قيفة؛ تفاديا من أن تكون منطلقا إلى مدينة رداع المهمة لديهم.
وقد رأت الدولة الإسلامية أن أرض قيفة تمتاز بتضاريس وعِرة تصلح لإعداد العدة وأن تكون منطلقا جيّدا لنشر نور الله تعالى في يمن الإيمان والحكمة، كما يمتاز أكثر أهلها بعدم اختلاطهم بما يسمّى بالشرعية المرتدين أتباع الطاغوت (عدو ربه) عبد ربه، فأكثر الجبهات في اليمن ضد الحوثة هي في ظل ما يسمى بالشرعية إن لم تكن كلها، ولم تصْفُ منهم سوى جبهة قيفة آنذاك، باستثناء تنظيم القاعدة الذي كان له وجود يسير في جبهات قليلة في قيفة وكان قد سحب جُل عناصره آنذاك إلى المُكلّا.
بدأت دولة الإسلام ببناء لبنتها الأولى في قيفة بدعوة الناس إلى الهدى ودين الحق وتعليمهم أمور دينهم، فوجدوا بفضل الله في هذه البلاد استبشارًا بدولة الإسلام ونصرة لها، ففتح الأنصار لهم البيوت، ومكّنوهم من الشعاب لتجهيز المعسكرات، وبدأت بفضل الله بالدورات التأسيسية من شرعية وعسكرية، فانضم إليها كثير من الأنصار ولحقهم المهاجرون من كل مكان، ورسخت الأمور وثبتت الأركان بفضل الله تعالى، حتى فُتحت جبهة للقتال ضد الروافض الحوثة، ما زاد يقين الناس أن الدولة ما أتت إلا لحرب الروافض، واندحض ما أُشيع أن الدولة إنما أتت لقتال أهل السنة في قيفة.
بعدها شارك الأنصار إخوانهم المهاجرين في الجبهات حتى ترجّل منهم الأبطال شهداء نحسبهم والله حسيبهم، واستمرت الدولة الإسلامية في تعليم الناس المنهج الراسخ والدين القويم من جهة، وقتال المشركين من جهة أخرى، حتى توسّعت جبهاتها، وفتح الله عليها.
فسيطرت الدولة الإسلامية بفضل الله على الجبل الاستراتيجي المُسمى (حمة لقاح) في منطقة لقاح، وكسر الله على أيدي جنود الخلافة أعتى الحملات الرافضية منها حملة واسعة في 27 رمضان 1438، وحملة واسعة أيضا في ذو القعدة 1438 التي هلك على إثرها قائد حملاتهم المرتد (أبو مرتضى المحطوري)، كما شنّ جنود الخلافة على مواقع الحوثة المشركين في منطقة الظهرة عدة عمليات اقتحامية وصولات واستهدافات، راح ضحيتها العشرات منهم بين قتيل وجريح ولله الحمد، كما قاموا بصد هجمات للرافضة على عوام المسلمين ونصرتهم.
أثناء ذلك كان لتنظيم القاعدة وجود، وبعد انسحابه من المكلّا خصوصًا، سحب أكثر عناصره إلى قيفة، لِما له من الأنصار والمقرات فيها.
وبدأ الناس يعرفون الفرق بين الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، حتى قال بعضهم لجنود الدولة الإسلامية أنتم تذكروننا بالمجاهدين الأوائل الذين كنا نعرفهم؛ لما رأوا بعض مَن كانوا مع التنظيم قديمًا وهداهم الله تعالى للحاق بدولة الإسلام، كما كان التنظيم سابقا يدعو لما تدعو إليه الدولة الإسلامية اليوم، فثبتها الله تعالى وهم بدّلوا.
وبهذا الظهور للدولة الإسلامية وحظيها بخيرة الأنصار، وتقدمها على الأرض، علم التنظيم أن مشروعه سيؤول إلى زوال.
• كيف يبدو طابع جبهات تنظيم القاعدة وعملياته العسكرية في بلاد قيفة؟
كان تنظيم القاعدة بعد رجوعه من المكلّا يعمل على تثبيت مواقعه الأولى في قيفة ودعمها ببعض أفراده، ولم تكن لهم عمليات تُذكر من هجوم وسيطرة على مواقع للروافض الحوثة، أو أي تقدمات عليهم، باستثناء بعض الهجمات اليسيرة التي يهدف منها إلى تفعيل أنصاره، وليبين للناس وجوده في الأرض، بل ما زالت الانسحابات والانتكاسات طابعا فيهم -نسأل الله السلامة-، ومن رأى حالهم ومجاهرتهم بالمعاصي من تعاطٍ "للقات" وغيرها في معاركهم، لا يعجب كيف أن الله تعالى خذلهم.
ومن أساليب تنظيم القاعدة في القتال استنفاره لأهل الأرض ثم خذلانهم بالانسحاب المفاجئ، وجعلِهم في الأمر الواقع أمام العدو فيصول العدو على ديارهم ويأسر منهم، وهذه سياسة التنظيم من قديم فقد كان يُشعل الحرب مع الحوثة من داخل قرى قيفة ثم يتركها تواجه مصيرها ويولّي هارِبًا، فعل هذا في المناسح وفي خبزة وفي الزُوَب، وقد كان من أهل قيفة تخوفٌ في بداية الأمر من أن تفعل بهم الدولة الإسلامية مثل هذا، ولكن بفضل الله بعدما رأوا ثبات جند الخلافة زال ذلك عنهم.
وقد تكرر في التنظيم انكساره أمام الحوثة المشركين وسيطرتهم على مواقعه، فيقوم بعدها بعض قبائل قيفة برد الحوثة عن تلك المواقع كونها مطلة على قراهم وطرقهم.
• بشكل عام من هم الأعداء المتربّصون بالدولة الإسلامية في قيفة؟
كل من نصّب نفسه لحرب دين الله فهو عدو لدولة الإسلام لأن الدولة إنما تعمل لإقامة الدين وتحكيم الشرع، وعلى رأس أولئك الأعداء المحاربين لدولة الإسلام في قيفة هم الروافض الحوثة الذين طالما شنّوا الهجمة تلو الهجمة على مواقع الدولة، فيردهم الله بحوله وقوته ومنته.
أيضًا من الأعداء ما يسمى بالشرعية أتباع حكومة عبد ربه منصور وهم الجيش اليمني المرتد والصحيح تسميتهم بالشركية لجعلهم الطواغيت والدساتير شركاء لله في حكمه وتشريعه، هؤلاء الشركية قد كانوا في بداية الأمر يستخدمون أرض قيفة كخط آمن للمرور لمن يستقطبونهم للتجنيد من المناطق الشمالية من خارج البيضاء التي تقع تحت نفوذ الحوثة، وبترتيب وتنسيق مع مهربين بقيفة كان منهم بعض أنصار القاعدة، ويمرون بنقاط لتنظيم القاعدة، ثم يتم تسليمهم لقيادة ما يسمى بالشرعية في مأرب.
وقتها كانت الدولة الإسلامية في مواقع رباطها بعيدة عن ذلك الخط.
حتى تمادى مرتدو الشركية بعد ذلك وأرادوا تكوين معسكر في قيفة لوحدات من اللواء 117 الذي أنشئ في مأرب وفيه البعض من أبناء قيفة وغيرهم، بقيادة وكيل محافظة البيضاء السابق الطاغوت "سنان جرعون" لكن -بفضل الله تعالى- حطّمت الدولة الإسلامية هذا المشروع، كما بيّن ذلك المكتب الإعلامي للبيضاء في إصدار له بعنوان "أنقذوا أنفسكم".
وبعدها رأت الشركية أن أفضل مشروع للمكر بدولة الإسلام أن يكون تحت غطاء تنظيم القاعدة.
قامت الشركية باستخدام عباءة القاعدة، فجعلت بعضَ أنصار القاعدة يتولّى الأمر، وأبرز هؤلاء أبو وافي الصريمي، وأخوه أبو وسام وأبو الحسن الجوفي وأبو كساب التيسي فكانت تدعمهم بالذخيرة والسلاح وترتب أمورهم وتهيئ لأن تجعل من بعضهم قادة للكتائب، باسم مقاومة أبناء وقبائل قيفة، وبعضهم يُظهر رُتبته العسكرية وبعضهم لا يُظهرها، وبفضل الله انكشف هذا المشروع ولم يفلح.
وما كان التنظيم يجد حرجًا في علاقة كبار أنصاره بالشركية؛ للتدهور والانتكاسة التي وصل إليها التنظيم في المنهج، والحقد الذي أعماه وجعله يمد يده لكل من يريد النيل من مجاهدي دولة الخلافة، فكان الحال العام بين مشروع الخلافة ومشروع القاعدة كمشروعين انتهى أحدهما وفشِل ولم يجد إلا أن يُفشل الآخر، ثم فشلوا أيضا -بفضل الله تعالى- في إفشال مشروع الخلافة، والحمد لله من قبل ومن بعد.
كيف صار تنظيم القاعدة عدوا جديدًا في الساحة؟
بعد كل ما سبق ذكره ومع زيادة إيذاء عناصر القاعدة واستفزازهم لجنود الخلافة، بات التنظيم وكأنه مدفوع لقتال الدولة الإسلامية -أعزّها الله تعالى وأدامها-.
حتى حصلت وقْعَة الحاجز، وما كان من التنظيم إلا اتهام الدولة بالغدر ثم قام ينشر ويستعطف الناس أن الدولة قتلت عناصره غدراً، والتنظيم كان يعلم أن كل ذلك كان كذبا، وأن جنوده كانوا أحياء آنذاك، ولكن رآها الفرصة السانحة للتأجيج لقتال الدولة، ولا ضير أن يضحّي بجنوده أولئك في سبيل عدم إضاعة فرصة كهذه انتظرها كثيرا.
نُشر ذلك الخبر ليلاً، وما أتى صباح اليوم التالي إلا وقد باغت التنظيمُ جنود الخلافة وقتل بعض رجالهم، ولكن وراء الأكمة ما وراءها، ثم إن التنظيم لم يكن جادّا حتى في السؤال عن أمر جنوده كما ذكر صاحبهم في مقطع أعماق قائلاً: "فهم سدوا الباب في وجوهنا... وحكموا علينا وجعلونا قد قتلنا وجعلونا مطية لهذه الحرب"، وبهذا يتبين غدر التنظيم بالموحّدين من جنود دولة الإسلام.
ومن المعلوم أيضا لدى أنصار وجنود تنظيم القاعدة أن التنظيم إذا أراد هجمة كهذه رتّب لها من فترة طويلة وجمع أصحابه من أكثر الأماكن، فما جعلنا نتفاجأ أن المشكلة صارت عصرا وفي الصباح حاصر التنظيم الكثير من مواقع الدولة في قيفة العليا، خصوصًا المواقع المتأخّرة وقتل مجموعة منهم، وهذه الجاهزية الغريبة توحي أن التنظيم إنما كان يرتّب لقتال دولة الإسلام مسبقًا، لكنه كان ينتظر سببًا لذلك، وقد تم له مراده.
وفي النهاية ظهر عِداؤه، وقد استبان أكثر في هذا القتال بتوحّده مع الشركية وبدعم منهم من سلاح وذخيرة وتغذية ولباس وغيرها، وهذا بشهادة أبناء قيفة أنفسهم على ذلك.
• من ينظر إلى أحداث الاقتتال بين التنظيم ودولة الإسلام في البداية، يقرأ أن التنظيم أراد أن يمحو الدولة الإسلامية من قيفة تمامًا، هل هذا صحيح؟
من المهم أن نذكر هنا أن تنظيم القاعدة كان يشكو قلة جنوده من قبل، فيشكو ذلك لقبائل قيفة وغيرهم، بل أخرج بيانا بتاريخ 10 جمادى الآخرة 1438 مخاطبًا القبائل "أن البدار البدار بتعزيز الجبهات وإلا ستسقط"، والذي يعني أن التنظيم كان في مرحلة رخوة وبدأ يُبدي ضعفه في قيفة أو كما يقول هو في بيانه، هذا أمام قتال الحوثة الروافض، لكن تفاجأ الجميع بعدها عند الاقتتال مع جنود دولة الإسلام بحشده لجنوده من كل مكان في أرجاء اليمن إلى قيفة واستبسال التنظيم في القتال وهجماته الكثيرة جدًا بطريقة لم يعهدها حتى أهل قيفة من قبل! حتى قال بعضهم: لو كان هذا القتال من التنظيم ضد الروافض لطرد الحوثة من قيفة بل وسيطر على مدينة رداع.
وللعلم مازال التنظيم في قتاله للروافض يُبدي ضعفه وجُبنه وأنه لا يستطيع، وبالأمس القريب يريد من أهل قيفة أن يقاتلوا معه؛ بحجة أن جنوده يُقتلون بالقصوفات!!
الشاهد أن التنظيم كان يرى هذه الحرب فرصة له أن ينهي وجود دولة الإسلام في قيفة -خابوا وخسروا-، وروّجوا لشائعات كهذه، وهذه هي خطة الشركية كما سبق، ثم تبين لنا بعدُ أن التنظيم لم يكن وحده في هذه الحرب بل معه بعض المنتسبين للجيش اليمني (الشركية)، بل أصبح هناك دعم للجبهة ضد الدولة عن طريق بعض ضباط الشركية من قيفة كجبر عبد الله وحزام صالح الصراري وفهد قناص التيسي، والتنسيق مع حكومة الشركية بمأرب لمعالجة جرحاهم، وبفضل الله ما لقوا من جنود دولة الإسلام إلا صد هجماتهم والصلابة في القتال فرد الله كيدهم في نحورهم، ولن يطفؤوا نور الله مهما اجتمعوا أو انتهزوا الفرص أو تستّروا بأي قناع، فالله مولى المؤمنين ومبطل كيد الخائنين.
• كيف كان ثبات جنود دولة الإسلام أمام هجمات التنظيم؟
كان التنظيم يريد الاستفراد بالمواقع الخلفية للجبهات أو المواقع البعيدة من الإخوة، فكان من توفيق الله تعالى لجنود الخلافة أن سحبوا الأفراد من المواقع البعيدة جدًا - وهم مرابطون على الحوثة المشركين - خشية أن يستفرد بهم التنظيم، فسحبوهم لمكان ليكون نقطة انطلاق، وظن التنظيم أنه قد أنهى الدولة من هذه الأماكن، وما درى أنها خطة من جنود الخلافة لترتيب صفوفهم، ثم سار الإخوة بخطى ثابتة، يتصدون لهجمات التنظيم مرة ويكرّون عليه مرة حتى اقتحموا على مواقع للتنظيم وأخذوها وثبتوا فيها، والآن بات التنظيم في تخبّط ملحوظ، ولله الحمد أولاً وآخرا.
وكما نرى اليوم وبعد هجماتهم ومحاربتهم لدولة الإسلام أصبحت الدولة بفضل الله تعالى هي من تهاجم التنظيم في مواقعه، وكذلك نرى العبوات تزمجر وتفتك بهم.
وهنا يُذكر أن الدولة الإسلامية لو أرادت النكاية أكثر في التنظيم لزرعت له العبوات في الطرق التي يستخدمها، ولكن ما أوقفنا عن هذا العمل أن الطرق يستخدمها بعض العوام أيضًا، ما جعل جنود دولة الإسلام يمتنعون عن ذلك لا كما يدّعي التنظيم قتل الدولة للأبرياء وعامة المسلمين، ولا يضعون العبوات في طريق عام إلا بطريقة التحكّم عن بُعد ويتم تفجيرها على آليات التنظيم المعروفة لديهم مسبقًا، والشاهد أنهم تركوا أكثر هذه الخطوط رغم سهولة زرع الألغام فيها قربة لله عزّ وجلّ وخشية من سفك دماء المسلمين بغير قصد، بينما التنظيم لا يأبه بزرع الألغام في الطرق العامة التي يمر فيها جنود دولة الإسلام وغيرهم، وبفضل الله العظيم باءت بالفشل.
• يتساءل الكثير عن عجلة النفير للدولة الإسلامية في ولاية البيضاء بعد هذه الحرب هل هي مستمرة؟
بحمد الله عجلة النفير لازالت مستمرة حتى بعد الحرب، رغم أنها كانت قبل الحرب أكثر، لكن في بداية المرحلة خَفّ النفير قليلاً، لأن البعيدين كانوا يسمعون من الإعلام وكان التنظيم ينشر الأكاذيب والأراجيف أن الدولة الإسلامية محاصرة وأنها انتهت ولم يعُد لها وجود في بلاد قيفة، وبفضل الله نشِط إعلام الدولة وبيّن الحقيقة، وعندما رأى الناس الحقيقة عرفوا ما الذي يدور في أرض قيفة، بل اتضح للناس تعاون التنظيم مع الشركية، وعلموا أنه خنجرٌ مسمومٌ في ظهور المسلمين، فبدأت عجلة النفير تسرع من جديد والناس تأتي من كل مكان بفضل الله والأمور إلى خير إن شاء الله تعالى.
• ما هو ردّكم على من يقول أن هذا الاقتتال فتنة فيُحجم عن النفير لذلك؟
هناك من الناس من يعلم بما صار إليه التنظيم الآن، ولازال يرى أنه فتنة، فنقول : القتال لأجل الدين ليس فتنة، فقد استبان مشروع الدولة الإسلامية، واستبان أيضا مشروع التنظيم المختلط مع مشروع الشركية، فلا تتأخر عن نصرة إخوانك ونصرة راية التوحيد، التي لم يرفعها إلا أجناد دولة الإسلام، وقد بان جليا كيف أن التنظيم قد تخلى عنها وأنزلها من قبل في ظل سيطرتهم في المكلّا، والآن أنزلها في أرض قيفة لأجل الشركية، الذين اتفق مع بعضهم لتصوير مواقع هي للتنظيم، فينسبونها إليهم ويأتيهم إثر ذلك الدعم من قيادة الشركية، فينكّس التنظيم الراية لتقاسم الدعم، ولنا في الشام عبرة فقد بدأ حالهم بمثل هذا، تقاسم الفصائل في الدعم المشروط والغير مشروط واختلافهم فيه وفي النهاية انتهوا إلى أحضان الأتراك واتفاقيات سوتشي وغيرها من الخزي والهوان، وفي خراسان أيضا انتهى قادتهم الطالبان إلى أحضان الروس والأمريكان باتفاقيات ومؤتمرات، وسينتهي هنا قريبًا إن شاء الله تعالى، لأن الأمر حق وباطل لا غير ولا ثالث لهما، والقاعدة إلى حضن الشركية أقرب، وقد رأينا إرهاصات ذلك.
• هل توقّفت العمليات ضد الحوثة بسبب الانشغال بحرب التنظيم؟
بفضل الله عزّ وجلّ جنود الخلافة رغم انشغالهم برد كيد التنظيم وقتاله إلا أنهم لم ينسوا الأصل الذي بدأوا به وهو قتال الروافض، فلازالت جبهاتهم مشتعلة، كما رأينا قبل فترة حيث حاول الحوثة المشركون مهاجمة مواقع الدولة الإسلامية في قيفة العليا، وذلك أن الروافض قالوا: إن الدولة انشغلت بحرب التنظيم وهذه فرصة للدخول على مناطق أهل السنة والسيطرة عليها، فقاموا بهجوم واسع، فردّهم الله العظيم مدحورين، وتصدّى لهم جنود الخلافة الذين كانوا يقظين بفضل الله وحده.
كما قام جنود الخلافة -بفضل الله تعالى- في الأسابيع الماضية أيضاً بعدة استهدافات لمواقع الرافضة الحوثة بالرشاشات والمدفعية في كل من (الظهرة - سبلة الجرم - حمة بقر - تبة سفيان - الجرو - جبل جميدة) ولله الحمد على توفيقه.
كما لوحظ تتابع الحملات على مواقع الإخوة في قيفة، فما إن ينتهي المجاهدون من صد هجوم للحوثة، حتى يشن تنظيم القاعدة هجوماً أخر ويرد الله عاديتهم، ثم يشن الآخر لأنهما يعلمان أنه وبوجود الدولة الإسلامية ستتكسر آمالهم وتتبدد أحلامهم وستخيب مشاريعهم الفاسدة -بإذن الله العظيم-، ولازال جند الخلافة يدافعون عن أهل السنة، وما الحرب مع التنظيم إلا مرحلة من مراحل القتال، والعاقبة إنما هي للمتقين وقد قال سبحانه: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}.
هذا والحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 197
الخميس 28 ذو الحجة 1440 هـ ...المزيد
الدولة الإسلامية / مفخرة سيدني لم تسلَم أي عملية للدولة الإسلامية في عقر دار الكافرين، من ...
الدولة الإسلامية / مفخرة سيدني
لم تسلَم أي عملية للدولة الإسلامية في عقر دار الكافرين، من التشكيك والتخوين سواء تبنتها الدولة الإسلامية رسميا أو أشادت بها ضمنيا أو سكتت عنها عمدا وتركت العدو حائرا مترددا، وسواء تلقّى المهاجمون توجيهها ودعمها أو كانوا ثمرة تحريضها ومنهاجها، وسواء استهدفت المرتدين أو الصليبيين أو حتى اليهود الملاعين، فكل بطولاتكم أيها الغرباء لن تعجب الغثاء والدهماء.
وكان من جملة المزايدات على تلك الهجمات العابرة للحدود أنها لا تستهدف اليهود، فلمّا وقعت مذبحة اليهود في أستراليا على أيدي الثنائي الفريد، ازدادوا طعنا وفجورا وتخوينا، بل أشادوا بخائن اعترض طريق الأسود صونا لدماء اليهود، في مفارقة ليست عجيبة -على الأقل بالنسبة إلينا- لأننا ندرك يقينا أن جُدُر اليهود تملأ الآفاق، ولا يحلم المسلمون أن ينتصروا على اليهود قبل إسقاط هذه الجُدُر، وبالطبع لا نقصد الجُدُر المصطنعة فهذه تهون.
على هامش الهجوم، نخاطب الذين يقيسون الحق بقتال اليهود دون غيرهم! ويزكّون الأفراد والجماعات تبعا لذلك؛ في لوثة وطنية أُشربتها قلوبهم وأَلبسوها -غصبا- عمامة وثوبا قصيرا، ويظن هؤلاء أنه بمجرد مهاجمة اليهود، فإن الناس سيصفّقون لهم ويرضون عنهم ويلتحقون بهم، فإليكم عينة واسعة من ردود الغثاء على مفخرة سيدني، الناس -قبل الحكومات- يطعنون ويخوّنون وينسجون خيوط نظرية المؤامرة على أنغام الحانوكاه!، فأكثر الناس للحق كارهون وعنه معرضون.
ومع أن الدولة الإسلامية لم تتح لها ظروف الالتحام مع اليهود بعد؛ لم تتوقف محاولات جنودها ووفودها وأنصارها عن التخطيط لضرب اليهود في كل مكان في حرب مستعرة غير مرئية بين أجناد الخلافة وأجهزة المخابرات العالمية المسخّرة طوعا أو كرها لحماية اليهود، وقد قضى في هذه الحرب نفر أباة من خيرة جنودها لا تعلمونهم الله يعلمهم.
ولذلك، فامض أيها المجاهد في طريقك ولا تنشغل بهؤلاء ولا تلتفت إلى أولئك، وإذا عزمت فتوكل على الله، فما جاء أحدٌ بمثل ما جئتَ به إلا عودي، فأنت في سنوات خداعات كما أخبرك نبيك -صلى الله عليه وسلم- يُؤمَّن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، حتى غدا فيها قاتل اليهود -تديُّنا- مشبوها منبوذا، وحاميهم الشقي الأذمّ بطلا محمودا يتصدر الشاشات ويتلقى الإشادات! هذا هو واقع أمتنا اليوم، ومن الخيانة للدين، تزييفه وتجميله فانتبهوا أيها الدعاة.
أما أنتم أيها الصليبيون واليهود، فابحثوا عن هيكلية تطاردونها، وقيادة تغتالونها وخلية تعتقلونها، ابحثوا عن معسكر أو مضافة تقصفونها، وابحثوا عن مصادر تمويل تجفّفونها وخطوط إمداد تقطعونها، ابحثوا وابحثوا فلن تجدوا سوى الحسرة، ولن تجنوا سوى الفشل، فلقد دخل الجهاد مراحل أصعب وأعقد، تقف فيها كل تقنياتكم عاجزة عن وقفه، بل لعلها تكون سببا في إمضائه!
فلم يعد المجاهد اليوم بحاجة إلى كل تلك التجهيزات والتعقيدات التي كانت في مرحلة "ما قبل الدولة الإسلامية"، ولم تعد هناك حاجة ماسة إلى تحمُّل كل تلك الأعباء التشغيلية؛ الأمر يحتاج فقط إلى مجاهد تشرَّب التوحيد ونجا من شِباك الجماعات قبل شراك الحكومات، ثم تلقّى "شيفرة جهادية" هنا أو هناك عربية أو معرّبة! فانطلق كالإعصار يبحث عن هدف يهودي أو صليبي يُعْمل فيه ما تعلمه في منهاج النبوة.
منهاج النبوة لا غير، هو الضامن الوحيد لاستمرار مثل هذه الهجمات المتفرّدة، وهو ما تقدّمه الدولة الإسلامية اليوم لمجاهديها المنتشرين في بقاع العالم، تجنّدهم منهجيا وتعبئهم معنويا، ثم ترمي بهم في نحر عدوها فتدميه وتصيبه في مقتل، ولم يعد بإمكانه فعل أي شيء للخروج من هذا الكابوس.
إن إستراتيجية تلقّي الأوامر عبر الفضاء الإلكتروني تطبيقا للأمر الإلهي بقتال المشركين أينما ثُقفوا؛ هي إستراتيجية ناجعة لا تتطلب الكثير من موارد الجهاد وتتخطى كثيرا من العقبات، وتُدخل الأعداء في دوامة غير متناهية من الاستنزاف، والحل الوحيد لمواجهتها هو غلق هذا الفضاء الإلكتروني الذي صار نقمة عليهم.
ولطالما حرّضت خطابات الدولة الإسلامية وكتاباتها الرسمية باستمرار على استهداف اليهود والنصارى في أعيادهم وتجمّعاتهم، وشرحت طرقا عملية لذلك، وبيّنت أن نجاح الهجوم مقدّم على توثيقه إذا تعسّر أو تعذر، وسواء ترك المهاجم تذكارا صغيرا في مسرح الهجوم أو لم يفعل؛ فليست متلهفة لتبنّي كل هذه الهجمات المباركة -رسميا-، خصوصا أن اسمها محفور عليها بمنهاجها ودماء مجاهديها، فمن يُطيق ما تطيق؟ ومن يتبنى ما تتبنى في زمن الرقة والاستجداء؟!
وها هم اليهود اليوم ينزفون في شوارع أستراليا بعد أن لبّى الغيارى النداء ونفّذوا التوصيات باستهداف الأعياد والتجمُّعات، وتزودوا بمنهاج النبوة وانطلقوا لا يلفتون وجوههم، وانغمسوا حاسرين في عيد الحانوكاه وأحالوه مأتما، ولم يستمعوا لكل أصوات الغثاء من الأدعياء والدهماء، الذين عصموا دماء اليهود بمناهج الوهن والتمييع.
وعطفا على ما سبق، فإننا ندير سهام التحريض نحو "بلجيكا" التي تغص بـ "اللاجئين" نقول لهم: أما آن لكم أن تسجّلوا أسماءكم في قوائم المهاجرين وتترفعوا عن مراتع اللجوء، ثم تمتثلوا الأوامر الإلهية بقتال اليهود والنصارى، وهم في كل شارع بين ظهرانيكم تختلط أنفاسكم بأنفاسهم وتتراءى ناركم ونيرانهم! وتعترضكم كُنُسهم وكنائسهم، فسارعوا وسابقوا وانتهزوا الفرصة فما زال موسم الأعياد قائما، وسوق الجنة مشرعا، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
من زاوية أخرى، كشفت بعض ردود الأفعال على "هجوم سيدني" حقيقة التعاطف الكاذب مع غزة، فكثير ممّن أعاروها عواطفهم كانوا أول من استنكر الهجوم وخوّن منفّذيه، فالثوار مثلا ردّدوا في "عيد تحريرهم" في شوارع سوريا: "غزة شعار" لكن سرعان ما بان كذب هذا الشعار بعد أيام فقط في شوارع "سيدني" إلى درجة أنهم اتهموا اليهود بتدبير الهجوم!! لأسباب يندى جبين كل عاقل لمجرد مناقشتها.
وأما التعليق على مقتل جنود البنتاغون في تدمر، فمن المعضلات توضيح الواضحات، وليس أوضح من اختلاط دماء جنود "الصليب" بجنود "الثورة" في الدلالة على حقيقة القوم لمن لا يؤمن بغير المحسوس، فماذا ينتظر المترددون أكثر من ذلك وقد سبقهم السابقون وحسموا أمرهم وهاجموا القوات المشتركة معا، وكأنّ الطلقات قد أصابت قلب الجولاني ونظامه قبل أن تصيب البنتاغون وجنوده؛ تماما كما وقعت طلقات أبطال "سيدني" في قلوب المنافقين قبل اليهود أنفسهم؛ كأنهم جسد واحد أو روح في جسدين، فهل بعد هذا البيان بيان؟ {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 526
السنة السابعة عشرة - الخميس 27 جمادى الآخرة 1447 هـ
المقال الافتتاحي:
مفخرة سيدني ...المزيد
لم تسلَم أي عملية للدولة الإسلامية في عقر دار الكافرين، من التشكيك والتخوين سواء تبنتها الدولة الإسلامية رسميا أو أشادت بها ضمنيا أو سكتت عنها عمدا وتركت العدو حائرا مترددا، وسواء تلقّى المهاجمون توجيهها ودعمها أو كانوا ثمرة تحريضها ومنهاجها، وسواء استهدفت المرتدين أو الصليبيين أو حتى اليهود الملاعين، فكل بطولاتكم أيها الغرباء لن تعجب الغثاء والدهماء.
وكان من جملة المزايدات على تلك الهجمات العابرة للحدود أنها لا تستهدف اليهود، فلمّا وقعت مذبحة اليهود في أستراليا على أيدي الثنائي الفريد، ازدادوا طعنا وفجورا وتخوينا، بل أشادوا بخائن اعترض طريق الأسود صونا لدماء اليهود، في مفارقة ليست عجيبة -على الأقل بالنسبة إلينا- لأننا ندرك يقينا أن جُدُر اليهود تملأ الآفاق، ولا يحلم المسلمون أن ينتصروا على اليهود قبل إسقاط هذه الجُدُر، وبالطبع لا نقصد الجُدُر المصطنعة فهذه تهون.
على هامش الهجوم، نخاطب الذين يقيسون الحق بقتال اليهود دون غيرهم! ويزكّون الأفراد والجماعات تبعا لذلك؛ في لوثة وطنية أُشربتها قلوبهم وأَلبسوها -غصبا- عمامة وثوبا قصيرا، ويظن هؤلاء أنه بمجرد مهاجمة اليهود، فإن الناس سيصفّقون لهم ويرضون عنهم ويلتحقون بهم، فإليكم عينة واسعة من ردود الغثاء على مفخرة سيدني، الناس -قبل الحكومات- يطعنون ويخوّنون وينسجون خيوط نظرية المؤامرة على أنغام الحانوكاه!، فأكثر الناس للحق كارهون وعنه معرضون.
ومع أن الدولة الإسلامية لم تتح لها ظروف الالتحام مع اليهود بعد؛ لم تتوقف محاولات جنودها ووفودها وأنصارها عن التخطيط لضرب اليهود في كل مكان في حرب مستعرة غير مرئية بين أجناد الخلافة وأجهزة المخابرات العالمية المسخّرة طوعا أو كرها لحماية اليهود، وقد قضى في هذه الحرب نفر أباة من خيرة جنودها لا تعلمونهم الله يعلمهم.
ولذلك، فامض أيها المجاهد في طريقك ولا تنشغل بهؤلاء ولا تلتفت إلى أولئك، وإذا عزمت فتوكل على الله، فما جاء أحدٌ بمثل ما جئتَ به إلا عودي، فأنت في سنوات خداعات كما أخبرك نبيك -صلى الله عليه وسلم- يُؤمَّن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، حتى غدا فيها قاتل اليهود -تديُّنا- مشبوها منبوذا، وحاميهم الشقي الأذمّ بطلا محمودا يتصدر الشاشات ويتلقى الإشادات! هذا هو واقع أمتنا اليوم، ومن الخيانة للدين، تزييفه وتجميله فانتبهوا أيها الدعاة.
أما أنتم أيها الصليبيون واليهود، فابحثوا عن هيكلية تطاردونها، وقيادة تغتالونها وخلية تعتقلونها، ابحثوا عن معسكر أو مضافة تقصفونها، وابحثوا عن مصادر تمويل تجفّفونها وخطوط إمداد تقطعونها، ابحثوا وابحثوا فلن تجدوا سوى الحسرة، ولن تجنوا سوى الفشل، فلقد دخل الجهاد مراحل أصعب وأعقد، تقف فيها كل تقنياتكم عاجزة عن وقفه، بل لعلها تكون سببا في إمضائه!
فلم يعد المجاهد اليوم بحاجة إلى كل تلك التجهيزات والتعقيدات التي كانت في مرحلة "ما قبل الدولة الإسلامية"، ولم تعد هناك حاجة ماسة إلى تحمُّل كل تلك الأعباء التشغيلية؛ الأمر يحتاج فقط إلى مجاهد تشرَّب التوحيد ونجا من شِباك الجماعات قبل شراك الحكومات، ثم تلقّى "شيفرة جهادية" هنا أو هناك عربية أو معرّبة! فانطلق كالإعصار يبحث عن هدف يهودي أو صليبي يُعْمل فيه ما تعلمه في منهاج النبوة.
منهاج النبوة لا غير، هو الضامن الوحيد لاستمرار مثل هذه الهجمات المتفرّدة، وهو ما تقدّمه الدولة الإسلامية اليوم لمجاهديها المنتشرين في بقاع العالم، تجنّدهم منهجيا وتعبئهم معنويا، ثم ترمي بهم في نحر عدوها فتدميه وتصيبه في مقتل، ولم يعد بإمكانه فعل أي شيء للخروج من هذا الكابوس.
إن إستراتيجية تلقّي الأوامر عبر الفضاء الإلكتروني تطبيقا للأمر الإلهي بقتال المشركين أينما ثُقفوا؛ هي إستراتيجية ناجعة لا تتطلب الكثير من موارد الجهاد وتتخطى كثيرا من العقبات، وتُدخل الأعداء في دوامة غير متناهية من الاستنزاف، والحل الوحيد لمواجهتها هو غلق هذا الفضاء الإلكتروني الذي صار نقمة عليهم.
ولطالما حرّضت خطابات الدولة الإسلامية وكتاباتها الرسمية باستمرار على استهداف اليهود والنصارى في أعيادهم وتجمّعاتهم، وشرحت طرقا عملية لذلك، وبيّنت أن نجاح الهجوم مقدّم على توثيقه إذا تعسّر أو تعذر، وسواء ترك المهاجم تذكارا صغيرا في مسرح الهجوم أو لم يفعل؛ فليست متلهفة لتبنّي كل هذه الهجمات المباركة -رسميا-، خصوصا أن اسمها محفور عليها بمنهاجها ودماء مجاهديها، فمن يُطيق ما تطيق؟ ومن يتبنى ما تتبنى في زمن الرقة والاستجداء؟!
وها هم اليهود اليوم ينزفون في شوارع أستراليا بعد أن لبّى الغيارى النداء ونفّذوا التوصيات باستهداف الأعياد والتجمُّعات، وتزودوا بمنهاج النبوة وانطلقوا لا يلفتون وجوههم، وانغمسوا حاسرين في عيد الحانوكاه وأحالوه مأتما، ولم يستمعوا لكل أصوات الغثاء من الأدعياء والدهماء، الذين عصموا دماء اليهود بمناهج الوهن والتمييع.
وعطفا على ما سبق، فإننا ندير سهام التحريض نحو "بلجيكا" التي تغص بـ "اللاجئين" نقول لهم: أما آن لكم أن تسجّلوا أسماءكم في قوائم المهاجرين وتترفعوا عن مراتع اللجوء، ثم تمتثلوا الأوامر الإلهية بقتال اليهود والنصارى، وهم في كل شارع بين ظهرانيكم تختلط أنفاسكم بأنفاسهم وتتراءى ناركم ونيرانهم! وتعترضكم كُنُسهم وكنائسهم، فسارعوا وسابقوا وانتهزوا الفرصة فما زال موسم الأعياد قائما، وسوق الجنة مشرعا، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
من زاوية أخرى، كشفت بعض ردود الأفعال على "هجوم سيدني" حقيقة التعاطف الكاذب مع غزة، فكثير ممّن أعاروها عواطفهم كانوا أول من استنكر الهجوم وخوّن منفّذيه، فالثوار مثلا ردّدوا في "عيد تحريرهم" في شوارع سوريا: "غزة شعار" لكن سرعان ما بان كذب هذا الشعار بعد أيام فقط في شوارع "سيدني" إلى درجة أنهم اتهموا اليهود بتدبير الهجوم!! لأسباب يندى جبين كل عاقل لمجرد مناقشتها.
وأما التعليق على مقتل جنود البنتاغون في تدمر، فمن المعضلات توضيح الواضحات، وليس أوضح من اختلاط دماء جنود "الصليب" بجنود "الثورة" في الدلالة على حقيقة القوم لمن لا يؤمن بغير المحسوس، فماذا ينتظر المترددون أكثر من ذلك وقد سبقهم السابقون وحسموا أمرهم وهاجموا القوات المشتركة معا، وكأنّ الطلقات قد أصابت قلب الجولاني ونظامه قبل أن تصيب البنتاغون وجنوده؛ تماما كما وقعت طلقات أبطال "سيدني" في قلوب المنافقين قبل اليهود أنفسهم؛ كأنهم جسد واحد أو روح في جسدين، فهل بعد هذا البيان بيان؟ {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 526
السنة السابعة عشرة - الخميس 27 جمادى الآخرة 1447 هـ
المقال الافتتاحي:
مفخرة سيدني ...المزيد
مقال: احذروا المزالق الشيطانية على مر العصور تساقطت أقنعة كثيرة وانتكس أفراد وجماعات من الناس، ...
مقال: احذروا المزالق الشيطانية
على مر العصور تساقطت أقنعة كثيرة وانتكس أفراد وجماعات من الناس، فمن مؤمن موحد إلى كافر مرتد، ومن عالم عابد إلى شيطان مارد، ومن مجاهد أبيّ إلى خائن شقيّ، كل هذا يجعلنا نتساءل عن أسباب انتكاسة هؤلاء وانقلابهم على أعقابهم مخافة أن تدركنا، كما كان حذيفة -رضي الله عنه- يسأل عن الشر مخافة أن يدركه.
• (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ)
يكاد المرء وهو يقرأ عن سير المنتكسين عبر التاريخ، ينسى أو يغفل عن قصة زعيم المنتكسين وقائد المنقلبين الخاسرين، من استبدل بالنور نارا وبالجنة سعيرا، إنه إبليس عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
لقد كان إبليس عابدا لله في السماء ظاهره العلم والصلاح، لكن الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية، يعلم حاله وما استتر في قلبه من سوء طوية، فلما خلق سبحانه آدم وجعله مكرما؛ بدأ مكنون الصدر الإبليسي يظهر للعلن، وأخذت بذرة الحسد تكبر في داخله شيئا فشيئا، إلى أن جاء وقت التمحيص الذي لا مفر منه في طريق العبودية، فأمر الحق -جل جلاله- الملائكة بالسجود لآدم -سجود تكريم لا عبادة-، فقال تعالى واصفا ما جرى في ذلك الموقف: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}.
وقد كشف القرآن الكريم عن السبب الذي قاد إبليس إلى هذه الانتكاسة والانقلاب: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}، وكانت تلك أولى عداواته لبني آدم، فكان العقاب الإلهي الطرد من رحمته وجنته: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}.
لقد كان الكبر والحسد كفيلا بطرد إبليس من رحمة الله ليغدو بعدها رجيما لعينا إلى يوم القيامة، وما ذلك إلا بمرض استقر في قلبه لم يُبده إلا بعد أن دخل محطة الابتلاء.
وقد روى ابن كثير القصة بأسلوب ماتع فقال: "فامتثل الملائكة كلهم ذلك سوى إبليس ولم يكن منهم جنسا، كان من الجن فخانه طبعه وجبلّته أحوج ما كان إليه، فاستنكف عن السجود لآدم وخاصم ربه -عز وجل- فيه، وادعى أنه خير من آدم.. وقد أخطأ في ذلك وخالف أمر الله وكفر بذلك؛ فأبعده الله وأرغم أنفه وطرده عن باب رحمته ومحل أنسه وحضرة قدسه، وسماه "إبليس" إعلاما له بأنه قد أبلس من الرحمة! وأنزله من السماء مذموما مدحورا إلى الأرض".
يدعونا هذا الموقف إلى أن نحذر كل الحذر من علل القلوب وأمراضها الخفية وطواياها الردية، فقد يكون ظاهر العبد الصلاح والتقوى، لكنه يبدأ في التغير والتلون كالحرباء، فتبدأ علامات الاستغراب بادية على وجوه معارفه كيف ولماذا؟ وما ذلك إلا بمرض خفي في قلبه لم يعالجه، من رياء أو عجب أو حسد أو كبر أو غيرها، أو سريرة سوء، أو ذنوب خلوات لم يتب منها، فاستحكمت حتى استفحلت فطردت وأبعدت، نسأل الله العافية.
• أركان الكفر أربعة!
إن المقتدين بإبليس والمتشبعين بأمراضه في عصرنا كُثر، سيَرهم وقصصهم متشابهة، ولا تزال غرابيل التمحيص تسقطهم واحدا تلو الآخر، وليس الجولاني الغر أولهم ولن يكون آخرهم، وقد رأينا كيف ضاق الظلام في صدره فأبى إلا أن يكتسح وجهه الذي تعلوه ظلمة يراها كل مؤمن متبصّر.
وما زلنا نقرأ قصص من انتكسوا وارتدوا على أدبارهم كعابد بني إسرائيل وبلعام بن باعوراء والسامري وغيرهم، وكم من حفيد لهم في زماننا ممن انتسبوا للحق ودافعوا عنه، فما مرت سنوات بهم إلا وقد غرقوا في لجج الفتن حتى رؤوسهم، فمنهم من غرّته الوجاهة فضرب بفتاواه القديمة عرض الحائط، ومنهم من نفخ صدره حب الناس له، فخشي على نفسه من فقدان مدحهم فميّع الدين لأجلهم وما أكثرهم، ومنهم من فتنته الدنيا بملذاتها فانساق خلفها.. ومهما كانت الأسباب فإن القاسم المشترك بين هؤلاء المنتكسين المتساقطين هو كما قال ابن القيم في الفوائد: "أركان الكفر أربعة: الكبر والحسد والغضب والشهوة". وبين هذه الأربعة تربّع إبليس وزمرته.
• (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ)
كانت تلك دعوات خرجت من قلب سليم لرجل، بل نبي اتخذه الله خليلا، ووصفه بأنه أمة وحده، إنه إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام-، فرغم ما حباه الله من منزلة إلا أنه لم يغتر بذلك -حاشاه-، ولم يركن لنفسه، ولا نسب ما نجح فيه من اختبارات إلى ذاته، بل على النقيض تماما كان مع نبوّته واصطفاء الله له؛ يخشى تقلُّب قلبه والوقوع في الشرك فخرجت هذه الدعوات الصادقة: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ}.
وهذا حفيده سيد ولد آدم وأحب الخلق إلى الله محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يكثر أن يقول: (يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك)، كيف لا وعليه أُنزل: {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}، قال القرطبي: "ولولا أن ثبتناك أي على الحق وعصمناك من موافقتهم، لقد كدت تميل إليهم ركونا قليلا، قال قتادة: لما نزلت هذه الآية، قال عليه السلام: اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين".
فإنْ كان إبراهيم الخليل هادم الأصنام يخاف على نفسه وبنيه عبادتها!، وسيد الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- يخاف تقلُّب قلبه، فكيف بي وبك أنت أخي المجاهد؟، ونحن نسمع الواحد منا يقول ويكرر: أنا هاجرت وعانيت وأُسرت وفعلت، وكأن ذلك مِن فعل نفسه لا من توفيق الله له وفضله عليه، فلينتبه المؤمن وليخش على نفسه من هذه الأمراض الدقيقة، التي تكون سببا في التردي وانقلاب الحال وسوء الخاتمة عياذا بالله منها.
• (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا)
وليتذكر كل واحد منا، أنه ليس بيننا وبين الله تعالى نسب!، إنما هو الإيمان والتقوى، فمهما علت عباداتك وزادت قرباتك؛ استصغِرها ولا تعجب بها، ولا تطلب عرضا زائلا مقابلها، فلرُب عُجب بالنفس أحبط أعمالها، ولرُب كلمة: "أنا خير منه" أهلكت صاحبها.
وكم من قلوب ملأها الكبر والغرور والتعالي على المسلمين؛ رأينا أصحابها قد أُوردوا المهالك ووُكلوا إلى أنفسهم فدخلوا الفتنة من أوسع أبوابها، بعد أن كانوا نبراسا للحق في الظاهر، ولكن يأبى الله إلا أن يبقي الخالص النقي ويطرح ما سواه!، ولهذا كانت أسمى أماني المؤمنين قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}.
فالحذر الحذر أخي المجاهد من هذه المزالق الإبليسية فإنها بريد الانتكاس، فالأمر جد خطير، ولا يأمنن أحدكم نفسه تقلُّب القلوب، فإن الثبات عزيز والعقبة كؤود، فاستمطِروا الثبات بالدعاء واتهام النفس لا تزكيتها أو العجب بها أو الركون إليها، فمن وكله الله إلى نفسه أهلكه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أدنى، ونسألك اللهم ثباتا حتى نلقاك وأنت راض عنا، والحمد لله رب العالمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 526
السنة السابعة عشرة - الخميس 27 جمادى الآخرة 1447 هـ
مقال:
احذروا المزالق الشيطانية ...المزيد
على مر العصور تساقطت أقنعة كثيرة وانتكس أفراد وجماعات من الناس، فمن مؤمن موحد إلى كافر مرتد، ومن عالم عابد إلى شيطان مارد، ومن مجاهد أبيّ إلى خائن شقيّ، كل هذا يجعلنا نتساءل عن أسباب انتكاسة هؤلاء وانقلابهم على أعقابهم مخافة أن تدركنا، كما كان حذيفة -رضي الله عنه- يسأل عن الشر مخافة أن يدركه.
• (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ)
يكاد المرء وهو يقرأ عن سير المنتكسين عبر التاريخ، ينسى أو يغفل عن قصة زعيم المنتكسين وقائد المنقلبين الخاسرين، من استبدل بالنور نارا وبالجنة سعيرا، إنه إبليس عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
لقد كان إبليس عابدا لله في السماء ظاهره العلم والصلاح، لكن الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية، يعلم حاله وما استتر في قلبه من سوء طوية، فلما خلق سبحانه آدم وجعله مكرما؛ بدأ مكنون الصدر الإبليسي يظهر للعلن، وأخذت بذرة الحسد تكبر في داخله شيئا فشيئا، إلى أن جاء وقت التمحيص الذي لا مفر منه في طريق العبودية، فأمر الحق -جل جلاله- الملائكة بالسجود لآدم -سجود تكريم لا عبادة-، فقال تعالى واصفا ما جرى في ذلك الموقف: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}.
وقد كشف القرآن الكريم عن السبب الذي قاد إبليس إلى هذه الانتكاسة والانقلاب: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}، وكانت تلك أولى عداواته لبني آدم، فكان العقاب الإلهي الطرد من رحمته وجنته: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}.
لقد كان الكبر والحسد كفيلا بطرد إبليس من رحمة الله ليغدو بعدها رجيما لعينا إلى يوم القيامة، وما ذلك إلا بمرض استقر في قلبه لم يُبده إلا بعد أن دخل محطة الابتلاء.
وقد روى ابن كثير القصة بأسلوب ماتع فقال: "فامتثل الملائكة كلهم ذلك سوى إبليس ولم يكن منهم جنسا، كان من الجن فخانه طبعه وجبلّته أحوج ما كان إليه، فاستنكف عن السجود لآدم وخاصم ربه -عز وجل- فيه، وادعى أنه خير من آدم.. وقد أخطأ في ذلك وخالف أمر الله وكفر بذلك؛ فأبعده الله وأرغم أنفه وطرده عن باب رحمته ومحل أنسه وحضرة قدسه، وسماه "إبليس" إعلاما له بأنه قد أبلس من الرحمة! وأنزله من السماء مذموما مدحورا إلى الأرض".
يدعونا هذا الموقف إلى أن نحذر كل الحذر من علل القلوب وأمراضها الخفية وطواياها الردية، فقد يكون ظاهر العبد الصلاح والتقوى، لكنه يبدأ في التغير والتلون كالحرباء، فتبدأ علامات الاستغراب بادية على وجوه معارفه كيف ولماذا؟ وما ذلك إلا بمرض خفي في قلبه لم يعالجه، من رياء أو عجب أو حسد أو كبر أو غيرها، أو سريرة سوء، أو ذنوب خلوات لم يتب منها، فاستحكمت حتى استفحلت فطردت وأبعدت، نسأل الله العافية.
• أركان الكفر أربعة!
إن المقتدين بإبليس والمتشبعين بأمراضه في عصرنا كُثر، سيَرهم وقصصهم متشابهة، ولا تزال غرابيل التمحيص تسقطهم واحدا تلو الآخر، وليس الجولاني الغر أولهم ولن يكون آخرهم، وقد رأينا كيف ضاق الظلام في صدره فأبى إلا أن يكتسح وجهه الذي تعلوه ظلمة يراها كل مؤمن متبصّر.
وما زلنا نقرأ قصص من انتكسوا وارتدوا على أدبارهم كعابد بني إسرائيل وبلعام بن باعوراء والسامري وغيرهم، وكم من حفيد لهم في زماننا ممن انتسبوا للحق ودافعوا عنه، فما مرت سنوات بهم إلا وقد غرقوا في لجج الفتن حتى رؤوسهم، فمنهم من غرّته الوجاهة فضرب بفتاواه القديمة عرض الحائط، ومنهم من نفخ صدره حب الناس له، فخشي على نفسه من فقدان مدحهم فميّع الدين لأجلهم وما أكثرهم، ومنهم من فتنته الدنيا بملذاتها فانساق خلفها.. ومهما كانت الأسباب فإن القاسم المشترك بين هؤلاء المنتكسين المتساقطين هو كما قال ابن القيم في الفوائد: "أركان الكفر أربعة: الكبر والحسد والغضب والشهوة". وبين هذه الأربعة تربّع إبليس وزمرته.
• (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ)
كانت تلك دعوات خرجت من قلب سليم لرجل، بل نبي اتخذه الله خليلا، ووصفه بأنه أمة وحده، إنه إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام-، فرغم ما حباه الله من منزلة إلا أنه لم يغتر بذلك -حاشاه-، ولم يركن لنفسه، ولا نسب ما نجح فيه من اختبارات إلى ذاته، بل على النقيض تماما كان مع نبوّته واصطفاء الله له؛ يخشى تقلُّب قلبه والوقوع في الشرك فخرجت هذه الدعوات الصادقة: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ}.
وهذا حفيده سيد ولد آدم وأحب الخلق إلى الله محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يكثر أن يقول: (يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك)، كيف لا وعليه أُنزل: {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}، قال القرطبي: "ولولا أن ثبتناك أي على الحق وعصمناك من موافقتهم، لقد كدت تميل إليهم ركونا قليلا، قال قتادة: لما نزلت هذه الآية، قال عليه السلام: اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين".
فإنْ كان إبراهيم الخليل هادم الأصنام يخاف على نفسه وبنيه عبادتها!، وسيد الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- يخاف تقلُّب قلبه، فكيف بي وبك أنت أخي المجاهد؟، ونحن نسمع الواحد منا يقول ويكرر: أنا هاجرت وعانيت وأُسرت وفعلت، وكأن ذلك مِن فعل نفسه لا من توفيق الله له وفضله عليه، فلينتبه المؤمن وليخش على نفسه من هذه الأمراض الدقيقة، التي تكون سببا في التردي وانقلاب الحال وسوء الخاتمة عياذا بالله منها.
• (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا)
وليتذكر كل واحد منا، أنه ليس بيننا وبين الله تعالى نسب!، إنما هو الإيمان والتقوى، فمهما علت عباداتك وزادت قرباتك؛ استصغِرها ولا تعجب بها، ولا تطلب عرضا زائلا مقابلها، فلرُب عُجب بالنفس أحبط أعمالها، ولرُب كلمة: "أنا خير منه" أهلكت صاحبها.
وكم من قلوب ملأها الكبر والغرور والتعالي على المسلمين؛ رأينا أصحابها قد أُوردوا المهالك ووُكلوا إلى أنفسهم فدخلوا الفتنة من أوسع أبوابها، بعد أن كانوا نبراسا للحق في الظاهر، ولكن يأبى الله إلا أن يبقي الخالص النقي ويطرح ما سواه!، ولهذا كانت أسمى أماني المؤمنين قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}.
فالحذر الحذر أخي المجاهد من هذه المزالق الإبليسية فإنها بريد الانتكاس، فالأمر جد خطير، ولا يأمنن أحدكم نفسه تقلُّب القلوب، فإن الثبات عزيز والعقبة كؤود، فاستمطِروا الثبات بالدعاء واتهام النفس لا تزكيتها أو العجب بها أو الركون إليها، فمن وكله الله إلى نفسه أهلكه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أدنى، ونسألك اللهم ثباتا حتى نلقاك وأنت راض عنا، والحمد لله رب العالمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 526
السنة السابعة عشرة - الخميس 27 جمادى الآخرة 1447 هـ
مقال:
احذروا المزالق الشيطانية ...المزيد
الدولة الإسلامية / قصة شهيد • حافظ سعيد أحمد (تقبله الله) (مجاهد من بلوشستان) كانت باكستان ...
الدولة الإسلامية / قصة شهيد
• حافظ سعيد أحمد (تقبله الله) (مجاهد من بلوشستان)
كانت باكستان واحدة من تلك البلدان التي وصلتها قافلة الدولة الإسلامية، والتحق بها المجاهدون هناك بعد أن تبرأوا من تنظيماتهم السابقة، وحققوا الولاء والبراء متجاوزين كل القيود القومية والعوائق الجاهلية.
كان من هؤلاء الأبطال الأخ المجاهد حافظ سعيد أحمد البلوشي، حامل القرآن الذي اشتهر بشجاعته وإتقانه قطف رؤوس المرتدين من أبناء جلدته، انتقامًا وولاءً لأبناء دينه.
• نشأته وبحثه عن الجهاد
نشأ الأخ المجاهد حافظ سعيد في كنف عائلة بلوشية محافِظة في منطقة (كالي ديبا) بمدينة (كويتا) عاصمة منطقة (بلوشستان)، حيث تكثر الميليشيات القومية والأحزاب الوطنية.
في مقتبل عمره تلقى الأخ حافظ العلوم الشرعية الأساسية في التفسير والحديث والفقه في المدارس الدينية التقليدية المنتشرة في (كويتا)، واستمر فيها حتى أكرمه الله تعالى بحفظ القرآن الكريم كاملا، فأصبح القرآن قائدا وموجّها لشخصيته، وحافَظ على فطرته يقِظةً خصبةً لقَبول الحق والدفاع عنه.
بدأ الأخ حافظ البحث عن طريق الجهاد مبكّرا في بلاده التي تحكمها الحكومة الباكستانية، وتتحكم فيها أمريكا الصليبية، وتنشط فيها الكثير من الأحزاب الجاهلية.
انتمى في بداية مشواره إلى ما يسمى "حركة طالبان باكستان" بعد أن انخدع بها كغيره من شباب المسلمين ومكث فيها أكثر من عامين، قبل أن يتضح له الحق بظهور راية الدولة الإسلامية وإنما تُعرف الأمور بأضدادها، حيث كانت معركة التمايز المنهجي قد وصلت بفضل الله ساحة باكستان وأفغانستان، بعد عقود من الاضطرابات المنهجية وسطوة الرايات العمية على تلك البلاد؛ حيث تصدّر المشهد الجهادي هناك حركات وجماعات وطنية انتهى بها المطاف بتشكيل حكومات كفرية، وأخرى تسعى لذلك بكل قوة، وبين هذه وتلك تذبذبت تنظيمات أخرى تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض.
• بيعته للدولة الإسلامية
في عام 1437هـ يسّر الله للأخ حافظ سبيل الالتحاق بالدولة الإسلامية بعد التقائه بمجموعة من إخوانه المجاهدين، في مقدمتهم الأخ مطيع الله، المعروف بالحاج خالد -تقبله الله- الذي كان أحد أمراء المجاهدين هناك، وفي تلك المرحلة بايع الأخ حافظ الدولة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين أبي بكر البغدادي -تقبله الله- ليصبح بذلك جنديا من جنود دولة الخلافة التي كان وصولها إلى أرض باكستان خيرا ورحمة لشباب المسلمين هناك، بعد سنوات التيه والضياع في حبائل الحركات والأحزاب الجاهلية، والارتهان للصراعات والأجندات المخابراتية التي ترسم شكل الحرب هناك، في ظل الصراعات السياسية المزمنة بين الحكومات والدول المتجاورة، التي دأبت على استغلال هذه الحركات في تصفية حساباتها وتسديد الضربات إلى خصومها.
• ورعه وحسن سيرته
شهد له إخوانه بشدة ورعه وتقواه في أقواله وأفعاله، وحرصه على اجتناب موارد الشبهات حتى لقّبه إخوانه بالتقي نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.
كانت الاستقامة التي تجلت في حياة هذا الشاب مثيرة للإعجاب، فرغم نشأته في بيئة حضرية تفتحت له فيها زهرة الحياة الدنيا وبهجتها، إلا أنه أشاح بوجهه عنها ولم يتلوث بملوثاتها التي يغرق فيها أبناء جيله، بل خاف وقوفه بين يدي الله تعالى غدا، ونهى النفس عن الهوى واختار ما عند الله تعالى، فما عند الله خير وأبقى.
تميز الأخ حافظ بحسن سيرته وطيب خصاله وأخلاقه بين المسلمين، ولا عجب فهذا الأصل في حامل القرآن؛ أن يأتمر بأمره وينتهي بنهيه ويتخلق بخلقه ولذلك أُنزل، وهذا هو الفرق بين عصرنا والقرون المفضلة، لقد كان القرآن حاديهم في حياتهم، بينما نبذ أهل عصرنا كتاب الله وراء ظهورهم وعطلوه في حياتهم، فتردّوا في دركات الشقاء والهوان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لم تكن ابتسامته الهادئة تفارق محيّاه، بشوشا في وجه إخوانه يمتثل حديث نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فكان حسن العشرة معهم، رفيقا بهم متواضعا لهم، بينما كان شديد البأس على المرتدين من بني جلدته، يُخفي خلف ابتسامته بغضا وغلظة على الكافرين، محقِّقا بذلك أصل الأصول -الولاء والبراء- الذي يتعرض لعمليات تمييع ممنهج من قبل الحركات والأحزاب المرتدة ليس في باكستان وحسب، بل في سائر بلدان المسلمين.
• قائد عسكري في (كويتا)
وإلى جانب تفانيه في نصرة الإسلام، حظي الأخ حافظ بصفات وخصال قيادية أهّلته لتولي زمام بعض المهام الجهادية في باكستان، وتحديدا في مسقط رأسه (كويتا) التي ترعرع فيها وخبر دروبها.
لقد أجاد الأخ حافظ قيادة العمليات العسكرية، فكان يُحسن تخطيطها والإعداد لها، ويشرح بدقة أدوار المشاركين فيها، وكانت هذه إحدى مهاراته الميدانية التي أتقنها وبرع فيها.
وبالإضافة إلى مهاراته السابقة، تمتع الأخ حافظ بشجاعة وجرأة كبيرة في الميدان، دفعت الشيخ مفتي هداية الله -تقبله الله- إلى تعيينه قائدا عسكريا للمجاهدين في (كويتا).
• اغتالَ الهدف وجهّزَ الاستشهادي
لقد شارك الأخ حافظ بنفسه في معظم العمليات في مدينة (كويتا) بنشاط كبير وهمة عالية، يبتغي القتل والأجر مظانه. حيث قاد وخطّط العديد من العمليات النوعية خلال فترة مسؤوليته، كان أقواها العملية الدامية التي استهدفت تجمُّعا لكبار المحامين أواخر عام 1437هـ.
حيث نجح -مع أحد إخوانه- في اغتيال "رئيس نقابة المحامين" المرتد "بلال أنور قاسي" أحد أشهر طواغيت القانون الكفري في (بلوشستان) بعشر رصاصات على طريق (مانو جان) في (كويتا).
وبعد تجمُّع حشد كبير من "المحامين والقانونيين" لتشييع جثة كبيرهم الذي علّمهم الكفر، كان الأخ حافظ قد جهّز الاستشهادي محمد علي -تقبله الله- بسترة ناسفة، فجّرها بين جموع دعاة الديمقراطية، مخلّفا في صفوفهم نحو 100 قتيل وعشرات المصابين، مُحدثا صدمة كبيرة في أوساط الحكومة الباكستانية المرتدة التي كانت تنفي وجود الدولة الإسلامية داخل باكستان.
لقد قضت هذه العملية -بفضل الله تعالى- على جيل كامل من كبار المحامين أرباب القانون الكفري وعباد الديمقراطية، كان بينهم مرشحون لمنصب "المدعي العام" والعديد من المناصب الأخرى في "وزارة الظلم" الباكستانية.
• اغتال 3 جنود وأسر ضابطا
كما برع الأخ حافظ في عمليات الاغتيال السريع والانسحاب والتواري عن الأنظار، فاغتال بنفسه العديد من جنود وجواسيس القوات الباكستانية بعمليات خاطفة جريئة ومن هذه العمليات: استهداف دورية لقوات "حرس الحدود" على إحدى الطرق السريعة في (كويتا)، فقتل منهم ثلاثة جنود دفعة واحدة وانسحب مسرعا قافلا إلى إخوانه.
وفي عملية جريئة أخرى، تمكن الأخ حافظ رفقة مجاهد آخر، من أسر أحد ضباط الجيش الباكستاني بمدينة (كويتا)، واقتياده إلى أحد مواقع المجاهدين، والتحقيق معه قبل قتله.
• اغتيالان في نصف ساعة!
ومن تلك العمليات التي اشتهرت بين المجاهدين لجرأتها الكبيرة، نجاح الأخ حافظ في اغتيال جاسوس وشرطي في عمليتين منفصلتين خلال نصف ساعة في نفس اليوم، قبل أن يعود سالما إلى قواعده، بفضل الله تعالى.
وفي هذه رسالة لكل المجاهدين في كل مكان، أن المجاهد يستطيع -بفضل الله- أن يحرز الكثير من الأهداف الميدانية ولو كان منفردا؛ إذا ما جمع بين حسن التوكل على الله تعالى، وحسن التخطيط والجرأة والإتقان، خصوصا إتقان فنون الرماية والإجهاز على العدو وعدم مفارقته إلا جثة هامدة تشخب دما.
• غيور ينتقم لإخوانه
ومما تميز به حامل القرآن حافظ، الغيرة على إخوانه المجاهدين والحرص الشديد على الانتقام لهم من كل مرتد تورط أو تسبب بأذيتهم؛ ومن أبرز العمليات المتصلة بذلك، مطاردته بنفسه الضابط السري في المخابرات الباكستانية المرتد "أمين بورو" الذي كان دوما في طليعة عمليات المداهمة واقتحام بيوت المسلمين، حيث استطاع حافظ الوصول إليه بعد عملية رصد ومطاردة طويلة انتهت بطلقات فالقة من مسدسه، أردته قتيلا.
في عام 1438هـ نصب جاسوس صاحب متجر بمنطقة (فندق بورما)، كمينا لأحد المجاهدين حيث أبلغ عنه للقوات الباكستانية التي كانت تنتظره داخل المتجر بزي مدني وأسرته، وعندما وصل الخبر إلى الأخ حافظ ذهب إلى هذا الجاسوس وقتله داخل متجره في وضح النهار.
بعد هذه العملية العلنية قدّر الله تعالى وصول القوات الباكستانية إلى الأخ حافظ وأسره بوشاية من أحد الجواسيس في المنطقة، لكن الأخ حافظ لم يكن ليرضخ للطاغوت أو يستسلم، بل حافظ على صبره ورباطة جأشه حتى في أحلك الظروف، وظل رمزًا للتحدي والاستعلاء بعقيدته داخل السجن، واستمر يصدح بدعوة التوحيد ويدافع عن منهاج النبوة في وجه سجّانيه.
وبهدف التخلُّص منه، اصطنعت القوات الباكستانية "مواجهة وهمية" بمنطقة (كاناك) في (ماستونغ)، أعدمت خلالها الأخ حافظ مع ثلاثة آخرين من الأسرى المجاهدين -تقبلهم الله جميعا-.
وهي حيلة دأبت الحكومة الباكستانية المرتدة على اتّباعها في حالات كثيرة، تتمثل في أسر المجاهدين سرا دون إعلان ذلك رسميا، ثم تدبير عمليات إعدامهم في "مشاهد تمثيلية" وادّعاء حدوث مواجهات مع المجاهدين داخل الأسر أو أثناء نقلهم.
• نموذج لشباب بلوشستان
انتهت قصة الأخ حافظ الشاب البلوشي الأبي الذي ترك النعيم ورونقه، وفاصل الباطل وفارق حزبه، وقاتل الطاغوت وأدمى جنده، ثم رحل أسيرا صابرا مضرّجا بدمائه ثابتا على توحيده، مقدِّما نموذجا مشرّفا لأبناء الإسلام في (بلوشستان)، بعد أن داس القومية والوطنية، وقدّم عليها الولاء لله ورسوله والمؤمنين، وما زالت الفرصة سانحة لغيره من شباب الإسلام أن يحذوا حذوه، فنعم حامل القرآن هو قولا وعملا، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 526
السنة السابعة عشرة - الخميس 27 جمادى الآخرة 1447 هـ
قصة شهيد:
حافظ سعيد أحمد (تقبله الله)
(مجاهد من بلوشستان) ...المزيد
• حافظ سعيد أحمد (تقبله الله) (مجاهد من بلوشستان)
كانت باكستان واحدة من تلك البلدان التي وصلتها قافلة الدولة الإسلامية، والتحق بها المجاهدون هناك بعد أن تبرأوا من تنظيماتهم السابقة، وحققوا الولاء والبراء متجاوزين كل القيود القومية والعوائق الجاهلية.
كان من هؤلاء الأبطال الأخ المجاهد حافظ سعيد أحمد البلوشي، حامل القرآن الذي اشتهر بشجاعته وإتقانه قطف رؤوس المرتدين من أبناء جلدته، انتقامًا وولاءً لأبناء دينه.
• نشأته وبحثه عن الجهاد
نشأ الأخ المجاهد حافظ سعيد في كنف عائلة بلوشية محافِظة في منطقة (كالي ديبا) بمدينة (كويتا) عاصمة منطقة (بلوشستان)، حيث تكثر الميليشيات القومية والأحزاب الوطنية.
في مقتبل عمره تلقى الأخ حافظ العلوم الشرعية الأساسية في التفسير والحديث والفقه في المدارس الدينية التقليدية المنتشرة في (كويتا)، واستمر فيها حتى أكرمه الله تعالى بحفظ القرآن الكريم كاملا، فأصبح القرآن قائدا وموجّها لشخصيته، وحافَظ على فطرته يقِظةً خصبةً لقَبول الحق والدفاع عنه.
بدأ الأخ حافظ البحث عن طريق الجهاد مبكّرا في بلاده التي تحكمها الحكومة الباكستانية، وتتحكم فيها أمريكا الصليبية، وتنشط فيها الكثير من الأحزاب الجاهلية.
انتمى في بداية مشواره إلى ما يسمى "حركة طالبان باكستان" بعد أن انخدع بها كغيره من شباب المسلمين ومكث فيها أكثر من عامين، قبل أن يتضح له الحق بظهور راية الدولة الإسلامية وإنما تُعرف الأمور بأضدادها، حيث كانت معركة التمايز المنهجي قد وصلت بفضل الله ساحة باكستان وأفغانستان، بعد عقود من الاضطرابات المنهجية وسطوة الرايات العمية على تلك البلاد؛ حيث تصدّر المشهد الجهادي هناك حركات وجماعات وطنية انتهى بها المطاف بتشكيل حكومات كفرية، وأخرى تسعى لذلك بكل قوة، وبين هذه وتلك تذبذبت تنظيمات أخرى تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض.
• بيعته للدولة الإسلامية
في عام 1437هـ يسّر الله للأخ حافظ سبيل الالتحاق بالدولة الإسلامية بعد التقائه بمجموعة من إخوانه المجاهدين، في مقدمتهم الأخ مطيع الله، المعروف بالحاج خالد -تقبله الله- الذي كان أحد أمراء المجاهدين هناك، وفي تلك المرحلة بايع الأخ حافظ الدولة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين أبي بكر البغدادي -تقبله الله- ليصبح بذلك جنديا من جنود دولة الخلافة التي كان وصولها إلى أرض باكستان خيرا ورحمة لشباب المسلمين هناك، بعد سنوات التيه والضياع في حبائل الحركات والأحزاب الجاهلية، والارتهان للصراعات والأجندات المخابراتية التي ترسم شكل الحرب هناك، في ظل الصراعات السياسية المزمنة بين الحكومات والدول المتجاورة، التي دأبت على استغلال هذه الحركات في تصفية حساباتها وتسديد الضربات إلى خصومها.
• ورعه وحسن سيرته
شهد له إخوانه بشدة ورعه وتقواه في أقواله وأفعاله، وحرصه على اجتناب موارد الشبهات حتى لقّبه إخوانه بالتقي نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.
كانت الاستقامة التي تجلت في حياة هذا الشاب مثيرة للإعجاب، فرغم نشأته في بيئة حضرية تفتحت له فيها زهرة الحياة الدنيا وبهجتها، إلا أنه أشاح بوجهه عنها ولم يتلوث بملوثاتها التي يغرق فيها أبناء جيله، بل خاف وقوفه بين يدي الله تعالى غدا، ونهى النفس عن الهوى واختار ما عند الله تعالى، فما عند الله خير وأبقى.
تميز الأخ حافظ بحسن سيرته وطيب خصاله وأخلاقه بين المسلمين، ولا عجب فهذا الأصل في حامل القرآن؛ أن يأتمر بأمره وينتهي بنهيه ويتخلق بخلقه ولذلك أُنزل، وهذا هو الفرق بين عصرنا والقرون المفضلة، لقد كان القرآن حاديهم في حياتهم، بينما نبذ أهل عصرنا كتاب الله وراء ظهورهم وعطلوه في حياتهم، فتردّوا في دركات الشقاء والهوان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لم تكن ابتسامته الهادئة تفارق محيّاه، بشوشا في وجه إخوانه يمتثل حديث نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فكان حسن العشرة معهم، رفيقا بهم متواضعا لهم، بينما كان شديد البأس على المرتدين من بني جلدته، يُخفي خلف ابتسامته بغضا وغلظة على الكافرين، محقِّقا بذلك أصل الأصول -الولاء والبراء- الذي يتعرض لعمليات تمييع ممنهج من قبل الحركات والأحزاب المرتدة ليس في باكستان وحسب، بل في سائر بلدان المسلمين.
• قائد عسكري في (كويتا)
وإلى جانب تفانيه في نصرة الإسلام، حظي الأخ حافظ بصفات وخصال قيادية أهّلته لتولي زمام بعض المهام الجهادية في باكستان، وتحديدا في مسقط رأسه (كويتا) التي ترعرع فيها وخبر دروبها.
لقد أجاد الأخ حافظ قيادة العمليات العسكرية، فكان يُحسن تخطيطها والإعداد لها، ويشرح بدقة أدوار المشاركين فيها، وكانت هذه إحدى مهاراته الميدانية التي أتقنها وبرع فيها.
وبالإضافة إلى مهاراته السابقة، تمتع الأخ حافظ بشجاعة وجرأة كبيرة في الميدان، دفعت الشيخ مفتي هداية الله -تقبله الله- إلى تعيينه قائدا عسكريا للمجاهدين في (كويتا).
• اغتالَ الهدف وجهّزَ الاستشهادي
لقد شارك الأخ حافظ بنفسه في معظم العمليات في مدينة (كويتا) بنشاط كبير وهمة عالية، يبتغي القتل والأجر مظانه. حيث قاد وخطّط العديد من العمليات النوعية خلال فترة مسؤوليته، كان أقواها العملية الدامية التي استهدفت تجمُّعا لكبار المحامين أواخر عام 1437هـ.
حيث نجح -مع أحد إخوانه- في اغتيال "رئيس نقابة المحامين" المرتد "بلال أنور قاسي" أحد أشهر طواغيت القانون الكفري في (بلوشستان) بعشر رصاصات على طريق (مانو جان) في (كويتا).
وبعد تجمُّع حشد كبير من "المحامين والقانونيين" لتشييع جثة كبيرهم الذي علّمهم الكفر، كان الأخ حافظ قد جهّز الاستشهادي محمد علي -تقبله الله- بسترة ناسفة، فجّرها بين جموع دعاة الديمقراطية، مخلّفا في صفوفهم نحو 100 قتيل وعشرات المصابين، مُحدثا صدمة كبيرة في أوساط الحكومة الباكستانية المرتدة التي كانت تنفي وجود الدولة الإسلامية داخل باكستان.
لقد قضت هذه العملية -بفضل الله تعالى- على جيل كامل من كبار المحامين أرباب القانون الكفري وعباد الديمقراطية، كان بينهم مرشحون لمنصب "المدعي العام" والعديد من المناصب الأخرى في "وزارة الظلم" الباكستانية.
• اغتال 3 جنود وأسر ضابطا
كما برع الأخ حافظ في عمليات الاغتيال السريع والانسحاب والتواري عن الأنظار، فاغتال بنفسه العديد من جنود وجواسيس القوات الباكستانية بعمليات خاطفة جريئة ومن هذه العمليات: استهداف دورية لقوات "حرس الحدود" على إحدى الطرق السريعة في (كويتا)، فقتل منهم ثلاثة جنود دفعة واحدة وانسحب مسرعا قافلا إلى إخوانه.
وفي عملية جريئة أخرى، تمكن الأخ حافظ رفقة مجاهد آخر، من أسر أحد ضباط الجيش الباكستاني بمدينة (كويتا)، واقتياده إلى أحد مواقع المجاهدين، والتحقيق معه قبل قتله.
• اغتيالان في نصف ساعة!
ومن تلك العمليات التي اشتهرت بين المجاهدين لجرأتها الكبيرة، نجاح الأخ حافظ في اغتيال جاسوس وشرطي في عمليتين منفصلتين خلال نصف ساعة في نفس اليوم، قبل أن يعود سالما إلى قواعده، بفضل الله تعالى.
وفي هذه رسالة لكل المجاهدين في كل مكان، أن المجاهد يستطيع -بفضل الله- أن يحرز الكثير من الأهداف الميدانية ولو كان منفردا؛ إذا ما جمع بين حسن التوكل على الله تعالى، وحسن التخطيط والجرأة والإتقان، خصوصا إتقان فنون الرماية والإجهاز على العدو وعدم مفارقته إلا جثة هامدة تشخب دما.
• غيور ينتقم لإخوانه
ومما تميز به حامل القرآن حافظ، الغيرة على إخوانه المجاهدين والحرص الشديد على الانتقام لهم من كل مرتد تورط أو تسبب بأذيتهم؛ ومن أبرز العمليات المتصلة بذلك، مطاردته بنفسه الضابط السري في المخابرات الباكستانية المرتد "أمين بورو" الذي كان دوما في طليعة عمليات المداهمة واقتحام بيوت المسلمين، حيث استطاع حافظ الوصول إليه بعد عملية رصد ومطاردة طويلة انتهت بطلقات فالقة من مسدسه، أردته قتيلا.
في عام 1438هـ نصب جاسوس صاحب متجر بمنطقة (فندق بورما)، كمينا لأحد المجاهدين حيث أبلغ عنه للقوات الباكستانية التي كانت تنتظره داخل المتجر بزي مدني وأسرته، وعندما وصل الخبر إلى الأخ حافظ ذهب إلى هذا الجاسوس وقتله داخل متجره في وضح النهار.
بعد هذه العملية العلنية قدّر الله تعالى وصول القوات الباكستانية إلى الأخ حافظ وأسره بوشاية من أحد الجواسيس في المنطقة، لكن الأخ حافظ لم يكن ليرضخ للطاغوت أو يستسلم، بل حافظ على صبره ورباطة جأشه حتى في أحلك الظروف، وظل رمزًا للتحدي والاستعلاء بعقيدته داخل السجن، واستمر يصدح بدعوة التوحيد ويدافع عن منهاج النبوة في وجه سجّانيه.
وبهدف التخلُّص منه، اصطنعت القوات الباكستانية "مواجهة وهمية" بمنطقة (كاناك) في (ماستونغ)، أعدمت خلالها الأخ حافظ مع ثلاثة آخرين من الأسرى المجاهدين -تقبلهم الله جميعا-.
وهي حيلة دأبت الحكومة الباكستانية المرتدة على اتّباعها في حالات كثيرة، تتمثل في أسر المجاهدين سرا دون إعلان ذلك رسميا، ثم تدبير عمليات إعدامهم في "مشاهد تمثيلية" وادّعاء حدوث مواجهات مع المجاهدين داخل الأسر أو أثناء نقلهم.
• نموذج لشباب بلوشستان
انتهت قصة الأخ حافظ الشاب البلوشي الأبي الذي ترك النعيم ورونقه، وفاصل الباطل وفارق حزبه، وقاتل الطاغوت وأدمى جنده، ثم رحل أسيرا صابرا مضرّجا بدمائه ثابتا على توحيده، مقدِّما نموذجا مشرّفا لأبناء الإسلام في (بلوشستان)، بعد أن داس القومية والوطنية، وقدّم عليها الولاء لله ورسوله والمؤمنين، وما زالت الفرصة سانحة لغيره من شباب الإسلام أن يحذوا حذوه، فنعم حامل القرآن هو قولا وعملا، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 526
السنة السابعة عشرة - الخميس 27 جمادى الآخرة 1447 هـ
قصة شهيد:
حافظ سعيد أحمد (تقبله الله)
(مجاهد من بلوشستان) ...المزيد
صحيفة النبأ 526 - مقتطفات نفيسة مقتطفات نفيسة (58) من كلام الشيخ المجاهد أبي حذيفة الأنصاري ...
صحيفة النبأ 526 - مقتطفات نفيسة
مقتطفات نفيسة (58) من كلام الشيخ المجاهد أبي حذيفة الأنصاري -حفظه الله تعالى-
• طارِدوا اليهود والنصارى في شوارعِ أمريكا وأوروبا
فيا أيها الأسدُ المتأهبةُ للثأر لدينكم وأعراض إخوانكم، أيها الموحدون الغيارى، نستنفرُكم اليومَ لتجديدِ نشاطِكم، وإحياءِ العملياتِ المباركةِ في عقرِ ديار اليهودِ والنصارى، والتي كبّدتهم من قبلُ خسائرَ كبيرة، وأدخلتهم في دوّامةٍ من الرعبِ والترقُّب.
يا ليوثَ الإسلام.. طاردوا فرائسَكم من اليهود والنصارى وحلفائهم، في شوارعِ وطرقاتِ أمريكا وأوروبا والعالم، اقتحموا عليهم بيوتَهم، واقتُلوهم ونكِّلوا بهمْ بكلِ وسيلةٍ تقدِرون عليها، وضعوا نصبَ أعيُنِكم أنكم اليومَ يدُ الدولة الإسلاميةِ التي تضربُ في عُقرِ الكافرين، وتثأرُ للمسلمين في فلسطين والعراقِ والشام، وسائرِ بلاد المسلمين.
أحكموا الخطط ونوّعوا العمليات: فنسفا بالمتفجرات، وحرقا بالقنابل الحارقات، ورميا بالطلقات الفالقات، وحزا ونحرا بالسكاكين القاطعات، ودهسا وسحقا بالحافلات، ولن يَعدمَ الصادقُ حِيلةً يُدمي بها قلوبَ اليهودِ والنصارى وحلفائِهم، ويَشفِي مِنهم صُدورَ قومٍ مؤمنين.
ادخُلوا عليهم من كلِّ باب، واقتُلوهم شرَّ قِتلة وأحيلوا تَجمعاتِهم واحتِفالاتِهم مجازرَ دامية، لا تُفرقوا بين كافر مدني أو عسكري، فكلُهم كفارٌ وهم في الحكم سواء.
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 526
السنة السابعة عشرة - الخميس 27 جمادى الآخرة 1447 هـ
إنفوغرافيك العدد ...المزيد
مقتطفات نفيسة (58) من كلام الشيخ المجاهد أبي حذيفة الأنصاري -حفظه الله تعالى-
• طارِدوا اليهود والنصارى في شوارعِ أمريكا وأوروبا
فيا أيها الأسدُ المتأهبةُ للثأر لدينكم وأعراض إخوانكم، أيها الموحدون الغيارى، نستنفرُكم اليومَ لتجديدِ نشاطِكم، وإحياءِ العملياتِ المباركةِ في عقرِ ديار اليهودِ والنصارى، والتي كبّدتهم من قبلُ خسائرَ كبيرة، وأدخلتهم في دوّامةٍ من الرعبِ والترقُّب.
يا ليوثَ الإسلام.. طاردوا فرائسَكم من اليهود والنصارى وحلفائهم، في شوارعِ وطرقاتِ أمريكا وأوروبا والعالم، اقتحموا عليهم بيوتَهم، واقتُلوهم ونكِّلوا بهمْ بكلِ وسيلةٍ تقدِرون عليها، وضعوا نصبَ أعيُنِكم أنكم اليومَ يدُ الدولة الإسلاميةِ التي تضربُ في عُقرِ الكافرين، وتثأرُ للمسلمين في فلسطين والعراقِ والشام، وسائرِ بلاد المسلمين.
أحكموا الخطط ونوّعوا العمليات: فنسفا بالمتفجرات، وحرقا بالقنابل الحارقات، ورميا بالطلقات الفالقات، وحزا ونحرا بالسكاكين القاطعات، ودهسا وسحقا بالحافلات، ولن يَعدمَ الصادقُ حِيلةً يُدمي بها قلوبَ اليهودِ والنصارى وحلفائِهم، ويَشفِي مِنهم صُدورَ قومٍ مؤمنين.
ادخُلوا عليهم من كلِّ باب، واقتُلوهم شرَّ قِتلة وأحيلوا تَجمعاتِهم واحتِفالاتِهم مجازرَ دامية، لا تُفرقوا بين كافر مدني أو عسكري، فكلُهم كفارٌ وهم في الحكم سواء.
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 526
السنة السابعة عشرة - الخميس 27 جمادى الآخرة 1447 هـ
إنفوغرافيك العدد ...المزيد
معلومات
المواد المحفوظة 118
- مقال: جاه الأكارم (6) -الرفق- الحمد لله الملك الخلاق، والصلاة والسلام على نبينا محمد معلم ...
- حوار مع الشيخ أبي الوليد الصحراوي -تقبله الله تعالى- (2) استكمالًا للحوارِ -بجزئه الثّاني ...
- حرس الحدود بالعودة إلى أجواء الاحتفال بـ "اليوم الوطني السوري" الذي لم يغب اليهود عنه ...
- من أخطر نتائج الذنوب ومن بين أخطر نتائج الذنوب في الدنيا أنها تكون سببا في تسلُّط العدو أو ...
- صيدنايا والنفاق العالمي يغلب على السنوات الخدّاعات صبغتان متجذّرتان: صبغة "جاهلية" تصبغ ...