تونس وحصاد الديمقراطية قضت سنة الله تعالى أن العزة لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، وأن الذلة ...

تونس وحصاد الديمقراطية


قضت سنة الله تعالى أن العزة لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، وأن الذلة والصغار والهوان للكافرين والمرتدين والمنافقين الذين حادّوا الله ورسوله وخالفوا أمره، ومِن أكثر مَن حادّ الله ورسوله في هذا الزمان هم طلاب الديمقراطية ودعاتها وأتباعها الذين صدّقوا بها واتخذوها سبيلا ومنهجا، فخالفوا السنة والسنن فضرب الله عليهم الذلة والمسكنة والتيه، وصار ذلك ملازما لهم في كل أحوالهم كالطوق في رقابهم.

وهذا هو عين ما حصل اليوم للإخوان المرتدين في تونس بعد أن خالفوا سبيل المؤمنين واتبعوا الديمقراطية واستعانوا بها وعظّموها وجعلوها حكَما بينهم وهاديا لهم إلى صراط الجحيم، فكانت النتيجة مشابهة لما جرى لهم من قبل، حيث انقلب عليهم من ارتضوه طاغوتا لهم، فعطّل برلمانهم وأقال قادتهم وضرب بثورتهم وسلميتهم وديمقراطيتهم عرض الحائط، ليكتمل بذلك طوق الفشل الإخواني بسقوط آخر قلاعهم الديمقراطية، وفشل آخر تجاربهم السياسية وأسوأها وأكثرها محاربة لشريعة الرحمن.

قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}[النساء:115]، قال ابن كثير رحمه الله: "أي: ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فصار في شق والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح؛ جازيناه على ذلك، بأن نحسّنها في صدره ونزيّنها له، استدراجا له، وجعل النار مصيره في الآخرة، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة". وقال الطبري رحمه الله: "وذلك هو الكفر بالله، لأن الكفر بالله ورسوله غير سبيل المؤمنين وغير منهاجهم، وقوله: (نولّه ما تولّى) أي: نجعل ناصره ما استنصره واستعان به من الأوثان والأصنام، وهي لا تغنيه ولا تدفع عنه من عذاب الله، ولا تنفعه". فماذا نفعت الديمقراطية عبيدها في الدنيا؟! وماذا ستُغني عنهم في الآخرة؟!

لكن هذا التيه المضروب لم يكن حكرا على أحزاب الإخوان المرتدين، بل انسحب أيضا على بعض منظّري القاعدة وتيارها المنحرف! فهم كانوا أول مَن أثنى على الطاغوت التونسي واعتبروا فوزه "مؤشر حسن لعمل الدعاة إلى الله، ونشر التوحيد وبيان الدين الحق!"، ورسموا أوهاماً من خيوط العنكبوت، لا تفسير لها سوى تهوين الكفر واستحسان الديمقراطية وتقبّلها بشكل أو بآخر، ما يؤكد أن الفروق القليلة المتبقية بين الإخوان وتيار القاعدة هي فروق في المقدور عليه وغير المقدور عليه ليس إلا، بدليل أنهم استحسنوا هذا الطاغوت الذي أتت به الانتخابات الكفرية مع علمهم أنه "أستاذ في القانون" الكفري! لا في الشريعة ولا في أصول الفقه، فماذا كانوا يتوقعون منه غير الكفر والديمقراطية؟!

إن موقف مخرّفي القاعدة من الطاغوت التونسي في سذاجته لا يقل عن موقف الإخوان المرتدين الذين شبّهوه يوم تنصيبه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه! فإن كنت ستعجب من الإخوان المرتدين على وضاعة عقولهم، فعجبك من القاعدة أولى.

ومن العجيب أيضا أن نراهم منهمكين في التفريق والمفاضلة بين فريقي "الثورة" و"الثورة المضادة"، والتفريق بين الطواغيت الذين يدعمون كل فريق منهما!، وهذا لا شك فإنه يعكس عمق الانحراف الذي أصاب هؤلاء فصاروا يفاضلون بين فريقين كلاهما يرى في السلمية وسيلة وفي الديمقراطية حكما وفي الجهاد جريمة!

ولقد أقرّ عبيد الديمقراطية بأن جميع تجارب ما يسمى بـ"الربيع العربي" فشلت، لكنهم عزوا ذلك لأسباب "داخلية وخارجية"، والحقيقة التي لم ولن يتطرقوا إليها أن كل هذه التجارب فشلت لأنها خالفت شريعة الإسلام وسنن الله تعالى في خلقه، ولم نكن ننتظر فشلها في تونس لكي نحكم على فشلها بالجملة، لكن يكفي اعتراف أربابها بفشلها عبرة لمن فتنه بريق "ثورات الياسمين والربيع" الذي سرعان ما انقلبت عليهم شتاء بريح صرصر لا سقيا فيها ولا ماء!

ومن العبر مما جرى، أنه برغم الكفر البواح الذي ارتكبه الإخوان المرتدون في تونس ومحاربتهم للشريعة بغير مواربة إرضاء لـ"الشركاء الدوليين والمحليين"، إلا أن ذلك لم يمنع الانقلاب عليهم، وهو المصير الذي ينتظره كل المفرطون والمتراجعون، فلن ينالوا غير الخسارة ولن يحصدوا غير الفشل والإخوان ليسوا استثناء في ذلك.

ومن العبر أيضا، خروج الحواضن تصفق وتهلل للطاغوت بعد انقلابه على ديمقراطيتهم المزعومة، وفي ذلك رسالة لمن يعوّل كثيرا على هذه الحواضن ويحمّلها وثوراتها ما لا تحتمل! فالحواضن والثورات تحركها مصالح الدنيا وأجندات الداعمين لا اعتبارات الدين، وهذا سبب من أسباب انحراف المنخدعين بها كالقاعدة وأخواتها.
وعليه فيجب على المسلمين أن يعلموا يقينا أن الديمقراطية والسلمية ليست سبيل المؤمنين، فسبيل المؤمنين هو الجهاد الذي يرمي إلى أن تكون الشريعة هي الحاكمة لا الديمقراطية ولا غيرها من المناهج الكفرية التي أفسدت البشرية وأوصلتها إلى هذا الانحطاط الشامل في كل مناحي الحياة.

يقول الشيخ العدناني رحمه الله: "لقد علمت الدولة الإسلامية أنّ الحق لا يُسترد إلا بالقوة فاختارت صناديق الذخيرة لا صناديق الاقتراع، وأنّ رفع الظلم والتغيير لا يكون إلا بالسيف فأصرّت على التفاوض في الخنادق لا في الفنادق، فهجرت أضواء المؤتمرات وأضرمت نار الغارات".

إن العزة والهداية مقرونة بالجهاد في سبيل الله تعالى، لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، فهدى الله تعالى المجاهدين إلى سبيل الحق، بينما أركس المنافقين والمخلفين -بما كسبوا- وحرمهم الهداية، فصاروا يتناقضون في كل تنظيراتهم حتى أرهقوا أتباعهم وأدخلوهم في لجج التيه والتخبط الذي لا تخطئه العيون.

إن الأحداث والتغيرات المتسارعة في العالم تُثبت صوابية الدولة الإسلامية في توجهاتها شرعا وسياسة وحكما، لأنها سارت على صراط الله تعالى الذي خلق الخلق ويعلم ما يُصلحهم، قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، فإن صلاح الدنيا والدين هو بالتوحيد والجهاد والشريعة، لا بثالوث الشر؛ الديمقراطية والسلمية وربيبتها الثورات!

فلتفخروا يا جنود الخلافة ومناصريها في كل مكان، فلو لم يكن لكم إلا سلامة المنهج وصحة الطريق لكفاكم ذلك، فكيف وأنتم اليوم رأس حربة تقودون المسلمين إلى نجاتهم والكافرين إلى حتوفهم، قال الشيخ أبو حمزة القرشي حفظه الله: "لابد عليكم يا أجناد الخلافة، أن تدركوا مكانتكم، والنعم العظيمة التي أفاء الله تعالى بها عليكم دون غيركم، وأن تشكروه سبحانه وتعالى على نعمه الظاهرة والباطنة، ما علمتم منها وما لم تعلموا، شكرا لا يفارق الألسن والقلوب، ووالله لتكفي نعمة الهداية لو بقيت وحدها من النعم، فهي لو وضعت في كفة، وتقابلها الدنيا في كفة أخرى، لرجحت كفة الهداية؛ فالدنيا فانية بالية، والهداية موصلة لجنة باقية عالية".

فمزيدا من الثبات على طريقكم ومزيدا من الدعوة إليه ومزيدا من الصبر على ذلك، فلقد بتم ترون ثمار هذا الثبات في مشارق الأرض ومغاربها، بينما يتجرع المرتدون والمبدّلون غصص الذل والحسرة والهوان جراء تفريطهم وتبديلهم واتباعهم سبل الكافرين ومناهج المنحرفين، ولا يظلم ربك أحدا.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 297
الخميس 19 ذي الحجة 1442 هـ
...المزيد

قصة أربعة نفر من فرسان الإعلام في خراسان إن الجهاد الإعلامي بالكلمة واللسان مرحلة تسبق الجهاد ...

قصة أربعة نفر من فرسان الإعلام في خراسان


إن الجهاد الإعلامي بالكلمة واللسان مرحلة تسبق الجهاد المسلح بالسنان، وأغلب المجاهدين مروا بهذه المرحلة قبل أن ينتقلوا إلى ميادين المواجهة العسكرية المباشرة.


فالمجاهد الإعلامي هو الداعي إلى الجهاد والمحرّض عليه والمدافع بلسانه ويراعه عنه، وقد أمر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يحرّض على القتال والجهاد فقال تعالى: {وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِینَ عَسَى اللّهُ أَن یَكُفَّ بَأْسَ الَّذِینَ كَفَرُوا}[النساء:٨٤]، وقَالَ أيضاً: {یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِینَ عَلَى ٱلْقِتَالِ} [الأنفال:٦٥].

ولقد استجاب إعلاميو الدولة الإسلامية لأمر ربهم تعالى بالتحريض والحثّ على الجهاد، واتبعوا في ذلك كل الوسائل الإعلامية المتاحة حتى أرهقوا أمم الكفر بذلك، فلم يجدوا غير القنابل والصواريخ ليقصفوا بها النقاط والمراكز الإعلامية التي أقامها المجاهدون في مناطق سيطرتهم، ولا عجب أن يقابل الصليبيون الشريط المصور بالصاروخ المطور فهم قد أدركوا خطره عليهم والقصف على قدر الخطر!

ولعل كثيرا من المسلمين لا يعلمون أن الإصدار المرئي الذي يشاهدونه أو الخبر القصير الذي يقرأونه؛ يصلهم عبر سلاسل من المجاهدين الإعلاميين يتقحّمون مخاطر إعداده وإرساله من الميدان إلى ثغور الإعلام وسط حرب شرسة تشنّها عليهم جيوش الكافرين وأجهزة مخابراتهم رصدا وملاحقة وتتبعا على مدار الساعة، وكم من إصدار مرئي شاهده المسلمون بينما صانعوه تحت الثرى! وكم من مركز إعلامي لم يبق منه سوى إنتاج أبطاله وطيب الذكري، وكم من مجاهد إعلامي مزقت أشلاءه الطائرات لكنها عجزت أن تنال من رسالته التي سطّرها بدمائه فأزهرت بين الركام دعوة حقٍ يهتدي بسببها أجيال من المسلمين إلى طريق الأنبياء إلى قيام الساعة.

وهذه قصة واحدة من قصص كثيرة لأربعة نفر من أبطال المكتب الإعلامي لولاية خراسان قضوا نحبهم وهم مرابطين على ثغور الإعلام أثناء أدائهم لإحدى المهام.


• حرب مشتركة ضد المجاهدين

كان هجوما مشتركا تشنّه میلیشیا طالبان والقوات الأفغانية والميليشيات الرافضية على جنود الخلافة في خراسان، تزامنا في الوقت والهدف مع قصف عنيف تشنّه الطائرات الأمريكية على مناطق المجاهدين بشكل متواصل، حتى استطاعت طالبان وأحلافها أن تسيطر على جبال (أبيض)، في الوقت الذي كانت القوات الباكستانية والميليشيات الرافضية المرتدة تشنّ هجوما متزامنا هي الأخرى على منطقة جبل (جيران)، في حين كان المجاهدون في الأودية والبوادي لا يستطيعون التنقل بسبب كثافة القصف الأمريكي الذي لم يتوقف عليهم، فكان يستهدف حتى الأطفال الذين يحملون الطعام والماء على ظهور الدواب!، وكل ذلك بهدف إسقاط حكم الشريعة الذي أقامته الدولة الإسلامية، وإبداله بحكم آخر يضمن أمن أمريكا ومصالحها في المنطقة، ويتعهد بمكافحة الجهاد!.


• مواصلة العمل في أحلك الظروف

وبرغم هذه الظروف الصعبة، وكغيرهم من فرسان الدواوين المختلفة؛ كان فرسان ديوان الإعلام في ولاية خراسان يبذلون وسعهم لمواصلة نشاطهم وجهادهم غير آبهين بالقصف الجوي، متوكلين على الله تعالى بعد اتخاذ الأسباب والتكتيكات المتاحة للتخفي عن الطائرات.

حيث كان المجاهدون بمنطقة (وزير تنكي) عاكفين على إنتاج مرئي جديد، بينما كان المسؤول الإعلامي الأخ (یاسر) ونائبه الأخ (عبد الرحمن بدري) والأخ المترجم (أبو عبد الله)، كانوا جميعا في منطقة جبال (تورا بورا)، وكان لا بد من قدومهم لمباشرة العمل في الإصدار.

فاستغل الإخوة الثلاثة تلبّد السماء بالغيوم ورأوا في ذلك فرصة للتحرك باتجاه (وزير تنكي)، إلا أن الطائرات الأمريكية رصدتهم في الطريق واستهدفتهم بعدة صواريخ قُتل على إثرها الأخ (یاسر) والأخ المترجم (أبو عبد الله) تقبلهما الله تعالى، بينما سلّم الله تعالى الأخ (عبد الرحمن) واستطاع الوصول إلى إخوانه في المنطقة الثانية، لتبدأ رحلة أخرى من العمل والتنقل الخطر بين الغابات وتحت الطائرات.
• ١٢ صاروخ (كروز)!

في هذا الوقت كان فرسان الإعلام يعملون في بيت أحد المجاهدين، ولكن بسبب طول فترة الحصار نفد الطعام من البيت، ونظرا للقصف العشوائي المستمر وعدم القدرة على الخروج لتوفير الطعام، قرر الإخوة مغادرة البيت -تخفيفا على أخيهم- نحو بيت آخر يسكن فيه الأخ الإعلامي (أنس)، وذلك بهدف مواصلة العمل من هناك، وبعد ساعة نزل المطر بغزارة فاستغل الإخوة الفرصة ومعهم (عبد الرحمن) وخرجوا من البيت سالكين طريقا وعرا بين الغابات الكثيفة للتخفي عن الطائرات، وبعد سير مسافة ثلاث ساعات سمعوا أصوات الانفجارات تدوي في المنطقة، وإذا بالبيت الذي كانوا فيه قبل ساعات قد تم قصفه بـ۱۲ صاروخ (کروز) وصاروخين من طائرة مسيرة!! فقال الأخ (عبد الرحمن) حينها، هذه هي المرة الثانية خلال الأسبوع التي ينجّينا الله تعالى فيها من القصف، وتلا قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا یَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا یَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:٣٤].


• درس مونتاج في المغارة!

ثم واصل الإخوة سيرهم بين الغابات مسافة أربع ساعات أخرى حتى وصلوا إلى منطقة مكشوفة، فقال لهم الأخ (عبد الرحمن): أكثروا من ذكر الله تعالى في طريقكم، وليبتعد كل واحد منا عن الآخر، لكي لا يُقصف ثلاثتنا بصاروخ واحد! فإن قصفونا فليكن بثلاثة صواريخ حتى يخسروا أموالا أكثر، فتبسّم إخوانه وتفرق ثلاثتهم أثناء المسير، ولكن نظرا لحركة الطائرات الكثيفة قرروا التوقف والمبيت عند أحد الإخوة على مقربة من بیت الإعلامي (أنس) والذي يقصدونه لمواصلة العمل، وطوال ساعات الليل لم يتوقف القصف حيث آوی الإخوة إلى مغارة موحشة داخل البيت حتى جاء صباح اليوم التالي، فأرسلوا إلى الأخ (أنس) عبر بريد بشري وأخبروه بأنهم على مقربة منه، وطلبوا منه القيام ببعض المهام الإعلامية إلى أن يصلوا إليه.

وكان الطريق بينهم وبين بيت (أنس) يستغرق عشر دقائق فقط! لكن الطائرات كانت تملأ الأجواء، فلم يستطع الإخوة مجددا أن يصلوا إلى وجهتهم، فمكثوا ليلة أخرى في المغارة، قضاها الأخ (عبد الرحمن) في تعليم أحد إخوانه درسا في المونتاج! مستغلا كل لحظة في تعليم إخوانه وإعدادهم لمواصلة هذا الطريق وحمل أمانة البلاغ.


• ومضى عبد الرحمن وأنس!

وعند صلاة الفجر، تقدم الأخ (عبد الرحمن بدري) للإمامة وقرأ آيات من سورة النساء حتى بلغ قوله تعالى: {أَیْنَمَا تَكُونُوا یُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِی بُرُوجٍ مُّشَیَّدَةٍ} فبكى بكاء شديدا، وبعد انتهاء الصلاة توجه إلى إخوانه قائلا: علينا أن نبذل جهدنا ونواصل جهادنا فلا نكل ولا نمل، ولا نخشى الطائرات ونواصل العمل على كل حال، ثم طلب من إخوانه أن يبقوا في المكان، وقرر التوجه بمفرده إلى بيت (أنس)، بعد أن قلت حركة الطائرات في الجو، وأخبر إخوانه بأنه سينجز العمل ويعود قريبا إن شاء الله.

فقال له إخوانه ولكن الطائرات ما زالت تحلق في الأجواء فهلا انتظرت قليلا، فتبسم الأخ (عبد الرحمن) وقال: إن كتب الله الموت عليّ فسيأتيني الموت حيث كنت، ولم يمض سوى نصف ساعة على كلمته هذه، حتى سمع الإخوة صوت قصف شديد، وإذا بالطائرات الأمريكية قد قصفت بیت الأخ (أنس) ليُقتل برفقة الأخ (عبد الرحمن) وليلتحقوا بإخوانهم (ياسر) و(أبو عبد الله) -تقبلهم الله تعالى-.

هذا جانب يسير من البطولات والتضحيات التي يبذلها فرسان الإعلام في ولايات الدولة الإسلامية ليوصلوا إلى المسلمين رسائل النور والهدى، ليعلم مَن جهِل ويتذكر من نسي، أهمية هذا الثغر المبارك الذي يلاقي فيه أبطاله ما يلاقيه سائر إخوانهم في الثغور الأخرى، فليلزم كل مجاهد ثغره وليحتسب أجره.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 297
الخميس 19 ذي الحجة 1442 هـ
...المزيد

مقال: تُحف الذاكرين (2) الحمد لله محبّ التوّابين وغافر زلات المذنبين، والصلاة والسلام على ...

مقال: تُحف الذاكرين (2)


الحمد لله محبّ التوّابين وغافر زلات المذنبين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، نواصل في هذا العدد ما ابتدأناه في العدد الماضي من تحف الذاكرين التي أعدها الله تعالى لعباده الذاکرین.

التحفة الثالثة: النجاة من المصائب والنكبات، قال عز وجل: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:١٤٣-١٤٤]، قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "يقول: لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة!، يوم يبعث الله فيه خلقه محبوسا، ولكنه كان من الذاکرین الله قبل البلاء، فذكره الله في حال البلاء، فأنقذه ونجَّاه... وعن ميمون بن مهران، قال: سمعت الضحاك بن قيس يقول على منبره: اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدّة، إن يونس كان عبداً لله ذاكرا، فلما أصابته الشدّة دعا الله فقال الله: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، فذكره الله بما كان منه، وكان فرعون طاغيا باغيا فلمَّا {أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}". [التفسير]

وكما أنجي الله نبيه يونس عليه السلام فكذا سينجی سبحانه كل مَن عمل ما عمله يونس عليه السلام وأخذ بالسبب نفسه، قال الله عز وجل: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:٨٨]، قال الطبري رحمه الله: "يقول جلّ ثناؤه: وكما أنجينا يونس من كرب الحبس في بطن الحوت في البحر إذ دعانا، كذلك ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا بنا ودعونا ". [التفسير]

وسل نفسك كم مرة مرّت عليك مصيبة ونكبة وكنت من قبل مفرطا في جنب الله لم تَعُدّ لها عملا صالحا، وصرت تفتّش حينها يمينا وشمالا لا ترى عملا مخلَصا يصلح ذكره في ذلك الموطن، ثم سل نفسك كم مرة أنجاك الله من غم ألمّ بك وقد عزمت حينه أنك بعد النجاة تكون من أهل العبادة والاجتهاد والأعمال الصالحات؟.

فتدارك نفسك الآن لتعمل لقدَر نازل بك، وغدٍ هو عليك آت، فقد جُبلت الدنيا على الكدر ومصاعب القَدر، ولن تجد عُدة أيسر من ذكر الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (تعرّف على الله في الرخاء، يعرفك في الشدة) [رواه أحمد].

وإن كلمات الذكر لتذكّر بصاحبها عند العرش قال صلى الله عليه وسلم: (الذين يذكرون من جلال الله من تسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل، يذكّرون بصاحبهن ألا يحب أحدكم أن لا يزال له عند الله شيء يذكر به) [رواه أحمد].

وما أحوج المجاهد في سبيل الله إلى أن يكون له عند الله شيء يُذكر به؛ لأن المدلهمات حوله كثيرة والكل متربص به ويطلبه.

التحفة الرابعة: طمأنينة القلب وانشراحه، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨]، وقال نبينا عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار؛ جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) [ابن ماجه]، وراحة الصدر لن يجدها إلا أهل الذكر، وهذه خاصية لهم من بين المتنافسين في الخيرات.

وخير أهل كلّ عبادة أكثرهم لله ذكرا، فعن معاذ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ رجلاً سأله فقال: "أيُّ الجهاد أعظمُ أجراً یا رسول الله ؟ قال: (أكثرُهم للهِ ذِكرا)، قال: فأيُّ الصَّائمين أعظمُ؟ قال: (أكثرهم لله ذِكرا)، ثم ذكر لنا الصَّلاة والزَّكاة والحجَّ والصدقة كلٌّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثرهم لله ذكرا)، فقال أبو بكر: يا أبا حفص، ذهب الذاكرون بكلِّ خيرٍ، فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أجل). [رواه أحمد]

لذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يحث على ذكر الله كثيرا، وكان هو عليه الصلاة والسلام كثير الذكر لله، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله عز وجل على كل أحيانه" [متفق عليه]، فقد كان عليه الصلاة والسلام حريصا على قلبه، يظهر ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّه لَيُغانُ على قلبي، وإنِّي لأستغفرُ الله في اليوم مئة مرة)، وإن كان نبينا صلى الله عليه وسلم حريصا على قلبه، وهو الذي يُوحى إليه، وهو المغفور له، فكيف بنا نحن؟!

وكان بعض السلف رحمهم الله يذكرون الله بالمئات وبعضهم بالألوف، قال ابن رجب رحمه الله: "وكان بعضُهم يسبِّحُ كلَّ يوم اثني عشر ألفَ تسبيحة بقدر دِيَتِه، كأنَّه قد قتل نفسه، فهو يَفْتَكُّها بديتها" [جامع العلوم والحكم].
ولذلك تجد الذاکرین هم أبعد الناس عن الهمّ والكآبة والسخط، وبمقدار الذكر يكون الانشراح في الصدر، وضيق الصدر أقرب لأهل المعاصي والمسرفين في المباحات وأهل الغفلة، قال ابن القيم رحمه الله: "وصدأ القلب الغفلة والهوى وجلاؤه الذكر والتوبة والاستغفار" [الوابل الصيب].

ومن عجيب حال الناس بحثهم السعادة واطمئنان القلب في غير ذكر الله وطاعته، ولو أنهم عملوا بما قاله خالق القلوب وباريها لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا، إذ لا يعرف ما يصلح هذه القلوب إلا خالقها فهو بما خلق أعلم، قال سبحانه: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، ولذلك نجد من طاف بين المعاصي ونال بغيته منها وغرق في ملذات الدنيا لم يحصّل بعدها إلا قسوة القلب وضيق الصدر، بل بعضهم لم يجد للحياة طعما فاختار الانتحار! ظانا أن ما بعد الموت أهون مما قبله، بينما نجد المجاهد في سبيل الله المتفرغ لعبادة الله العامل بما يرضي الله أسعد الناس قلبا وأشرحهم صدرا وإن فقد أهله وماله أو فقد أحد أعضائه أو أصابه أسر أو شدة؛ وما ذاك إلا لكثرة ذكرهم لله، واستعدادهم الدائم للقاء الله وجعلهم الدنيا خلف ظهورهم، قال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم). [رواه أحمد]

فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وصلّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 297
الخميس 19 ذي الحجة 1442 هـ
...المزيد

هشيم الوحدة الجاهلية إن مجتمع الديمقراطية بكل أشكاله وفي جميع ساحاته، مجتمع جاهلي مفكك تطغى ...

هشيم الوحدة الجاهلية


إن مجتمع الديمقراطية بكل أشكاله وفي جميع ساحاته، مجتمع جاهلي مفكك تطغى عليه الأنانية والمادية والحزبية التي لا تؤمن بغير المصلحة، إنها بيئة مَرَضية مضطربة يزعمون أنها تهدف إلى تنظيم وإصلاح البيت الداخلي، في حين أنها تهدمه لا تنظمه، وتفسده لا تصلحه، وتمزّق أفراده شيعا وفرقا تتقاتل باسم "الوحدة الوطنية" وتحت ظلال "القبة البرلمانية" التي شيّدتها شياطين الإنس والجن بديلا عن قبة الشريعة المرْضية.



• مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [522]
الفائزون والخاسرون
...المزيد

قِوامُ الدَّولة ومَنهجُ النُّصرة (تذكير بوصية الشيخ المتحدث في التحذير من الفرقة والاختلاف) يا ...

قِوامُ الدَّولة ومَنهجُ النُّصرة (تذكير بوصية الشيخ المتحدث في التحذير من الفرقة والاختلاف)


يا جنودَ الخلافة.. الجماعةَ. الجماعةَ، والسمعَ والطاعةَ لأمرائكم في المعروف فهو واجبُ كلِ واحدٍ منكم، وهو قِوامُ دولتِكُم قديما وحديثا به تُحفظُ بيضتُها وتدُوم هيبتُها وينتظِمُ أمرُها، وبضِدِها يحصلُ الفشلُ وتذهبُ القوة، قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.

وإياكم وتلبيسَ إبليسٍ، فإن شياطينَ الإنسِ والجنِ، تُكثرُ التلبيسَ على المسلمين في هذا الباب، فسُدوا على الشيطان بابَه وردُوه على عقِبِه خاسئا حسيرا وغلِّبوا أمرَ ربِكم القائل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، وأمرَ نبيِكم -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (مَن خَلَعَ يَدًا مِن طاعَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَومَ القِيامَةِ لا حُجَّةَ له، وَمَن ماتَ وَليسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً)، فهذا مقامُ الاجتماعِ والطاعةِ والبيعةِ في الإسلام، فعَضُوا عليها بالنواجذ ووفُوا ببيعتكم.

ويشملُ هذا الأمرُ إخواننا المناصرين الذين حملوا رايةَ نُصرةِ الدولة الإسلامية في ساحة الإعلام ونسبوا أنفسَهم إليها، وعقدوا البيعةَ لها من سائر العالم فإن السمع والطاعةَ واجبةٌ على كل فردٍ منهم، فاسمعوا وأطيعوا، وتعاونوا وتطاوعوا، واحذروا الفرقة والاختلاف، واجتنبوا عقيمَ الجدالِ فإنه يُوغِرُ الصدرَ ويُذهب الأجر؛ ولديكم أرشيف كبيرٌ من ميراثِ الدولة الإسلامية المرئي والمسموعِ والمقروء، فاجتهدوا في رفعه وترجمتِه وبثِه في جنباتِ الشبكة العنكبوتية التي لا تنشغلُ هي عن محاربتكم، فزاحموا أهلَ الباطل بنشرِ الهدايةِ والرشاد، وادفعوا شُبُهاتِهم بالحقِ لا بسِواه، انصُروا الشريعةَ بالشريعةِ والسنةَ بالسنة، وادعوا إلى سبيل ربكم بالموعظة الحسنة، وخاطبوا الناسَ على قدرِ عقولِهم فإنما أنتم رسلُ البلاغ، وهي وظيفتُكم الأولى في ميدان الإعلامِ المناصِر، فلا تستبدلوها بشيء سِوى النفيرِ إلى ميادين القتال.

وكونوا على قدْرِ هذه الأمانة، إخلاصا واتباعا وهمة وتفانيا. وامتثلوا توجِيهاتِ إخوانِكم التي تصلكم عبر منابرها الرسمية -حفظ اللهُ القائمين عليها-.


الشيخ أبو حذيفة الأنصاري (حفظه الله تعالى)
من كلمة صوتية بعنوان: { واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ }
...المزيد

من الوطنية الضيقة إلى الجسد الواحد وعند إمعان النظر في اهتمام شعوب المسلمين بقضية ما، نجد أن ...

من الوطنية الضيقة إلى الجسد الواحد


وعند إمعان النظر في اهتمام شعوب المسلمين بقضية ما، نجد أن ذلك الاهتمام نابع من أمرين: الأول أن هذه القضية طغت وطنيتها على سائر ما فيها، فكان اهتمام الناس بها تأثُّرا بوطنيتها لا بإسلاميتها، وإنْ غلّفوها بعباءة دينية أحيانا.

والأمر الثاني نابع من اهتمام الحكام والأنظمة بهذه القضية لارتباطها الوثيق بمصائرهم السياسية ومصالحهم الأمنية، وبالتالي تصبح حركة الشعوب واهتماماتها، رهنا لحركة الحكومات وتوجهاتها السياسية، فمثلا كثيرون لا يهمهم في قضية السودان سوى المناكفة السياسية لطواغيت الإمارات كونها خصما سياسيا للمحور الآخر الذي يمثله طواغيت آخرون، مع أنّ كلا المحورين المتناحرين في الحكم سواء.

في حين أن الإسلام يربّي المسلم على جعل عقيدة التوحيد ورابطتها هي المحرّك الأساسي تجاه قضايا المسلمين، فالمسلم الليبي يهتم لقضية مسلمي السودان تماما كما يهتم المسلم الشيشاني لقضية مسلمي سوريا، والمسلم النيجيري يتألم لجراح أخيه المسلم العراقي تماما كما يتألم المسلم الأفغاني لجراح أخيه المسلم الفلسطيني، هذا هو الإسلام الذي نعرفه، هكذا تذوب الفوارق الجاهلية والحدود الوطنية لمصلحة الرابطة الدينية التي تحقق الوحدة الإسلامية التي ضلّ الناس سبيلها.


• مقتبس من صحيفة النبأ – العدد 519
السودان بين الإسلام والوطنية
...المزيد

المنهج النبوي مع ضرورة التأكيد على أمر قديم جديد، وهو أن الدولة الإسلامية لم تدَّعِ العصمة يوما، ...

المنهج النبوي

مع ضرورة التأكيد على أمر قديم جديد، وهو أن الدولة الإسلامية لم تدَّعِ العصمة يوما، ولم تحتكر الخيرية مطلقا؛ وإنْ تسنّمت ذرى الجهاد وصانته عن أدران الجاهلية، وقادت ركب الثبات وسط أعاصير التيه العاتية، وهي تدرك وتوقن أن توفيقها وتفوّقها محض فضل ربها عليها، بثباتها على منهاج النبوة الذي اتبعته مبكرا يوم كانت في العراق تؤسس وتغرس قواعد صرح المفاصلة العقائدية مع كافة معسكرات الجاهلية، بينما كان غيرها يغرقون في الرمادية المنهجية التي صبغت مواقفهم حتى يومنا هذا، فرأيناهم في كل واد يهيمون.


• مقتبس من صحيفة النبأ – العدد 523
حرب بين مشروعين
...المزيد

محاربة الخلافة مع اتساع الحرب على الدولة الإسلامية طولا وعرضا، انخرطت شريحة واسعة من خصومها في ...

محاربة الخلافة


مع اتساع الحرب على الدولة الإسلامية طولا وعرضا، انخرطت شريحة واسعة من خصومها في مهمة واحدة هي محاربة مشروعها المبارك، ولو سألتَ هؤلاء عن ماهية مشروعهم فلن يجدوا إلى ذلك سبيلا، لأنهم بلا مشروع سوى حربها والتآمر عليها، فهم مخالفون لها مختلفون معها متخلّفون عنها، وما أكثرهم ولو حرصت بمؤمنين.

ورغم اختلاف راياتهم، تقاطعت مصالح أعداء الدولة الإسلامية سواء كانوا كفارا أصليين، أو حكومات وأحزابا مرتدين، أو مرضى قلوب ومنافقين، أو خصوما مناوئين، أو منتكسين متساقطين تعبوا من لأواء الطريق ووعورته، فاختاروا مفارقته وقعدوا على قارعته يصدون عنه، فارتكبوا الجرم مضاعفا، وبنوا بأيديهم حاجزا بينهم وبين الهداية فاستحقوا بذلك دوام الغواية، وحيل بينهم وبين قلوبهم! وغدا يُحال بينهم وبين ما يشتهون.


• مقتبس من صحيفة النبأ – العدد 523
حرب بين مشروعين
...المزيد

لقد عاش جنود الخلافة بدرا كما عاشوا أُحدا وتحزّبت عليهم الأحزاب، وما زال سفْر أمجادهم يقلّب صفحات ...

لقد عاش جنود الخلافة بدرا كما عاشوا أُحدا وتحزّبت عليهم الأحزاب، وما زال سفْر أمجادهم يقلّب صفحات العزة والثبات والاستعلاء بالإيمان على الباطل، كما عاشوا الهجرة بحذافيرها في تلك البوادي والفيافي التي هاجروا إليها وتركوا أهلهم وديارهم وتحملوا كل هذه المشاق والصعاب في هذا الطريق سيرا على خطى نبيهم عليه الصلاة والسلام وصحبه الكرام، وهم ينتظرون وعد الله تعالى لهم بأن يعوّضهم بأفضل مما جادوا به في الدنيا والآخرة معا إن شاء الله.

قال تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، قال الطبري رحمه الله: "لنُسكننهم في الدنيا مسكنا يرضونه صالحا"، وقال ابن كثير: "أخبر أن ثوابه للمهاجرين في الدار الآخرة أعظم مما أعطاهم في الدنيا، فقال: (ولأجر الآخرة أكبر) أي: مما أعطيناهم في الدنيا".

فالمجاهدون المهاجرون مهما قاسوا من المحن في جهادهم -والتي لن يخلو منها جهاد إلى أبد الدهر-، فإنهم موعودون بنص القرآن الكريم من الله تعالى أن يبوئهم ويُنزلهم في الدنيا منزلا حسنا وفي الآخرة أجرا أكبر وأعظم، قال الطبري: "ولثواب الله إياهم على هجرتهم فيه، في الآخرة أكبر لأن ثوابه إياهم هنالك الجنة التي يدوم نعيمها ولا يبيد".

تلك أحوال جنود الدولة الإسلامية في بوادي الشام وكل بوادي الجهاد التي أضحت قواعد عسكرية ومدارس شرعية وصوامع عبادة وأنْسٍ بالله تعالى، يُجدّدون فيها إيمانهم ويرصّون فيها صفوفهم، ثم يصبّحون عدو الله وعدوهم بلظى صولاتهم، ولهيب غاراتهم.

وكما قال الشيخ أبو حمزة القرشي -حفظه الله- في خطابه الأخير: "إلى أسد البوادي في ولاية الشام، لله دركم من رجال، تعجز الكلمات عن وصفكم ولو كتبنا لذلك ألف مقال". فالكلمات حقا تعجز وتقْصُر عن وصف مآثرهم وبطولاتهم وكيف للكلمات أن توفي الدماء حقها؟! لكن من نافلة القول أن نوصيهم كسائر إخوانهم المجاهدين بالثبات على هذا الدرب فهم أهله وأبطاله وكماته، ونذكّرهم بأنهم اليوم في مرحلة قريبة من تلك التي عاشها إخوانهم في بوادي العراق قديما، وكيف كانت تلك المعسكرات الغائرة في عمق الصحراء منطلقا رئيسا بعد سنوات نحو المدن وتجديد بنيان الدولة الإسلامية، بل إنّ بوداي الشام اليوم ثمرة من ثمرات بوادي العراق، وأنتم اليوم -بإذن الله تعالى- غرس لثمرة أخرى ستثمر حيث شاء الله تعالى وقدّر.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 299
الخميس 3 محرم 1443 هـ
...المزيد

القصة باختصار ومنذ أنْ أرسل الله رسله وإلى أنْ ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، والقصة واحدة ...

القصة باختصار



ومنذ أنْ أرسل الله رسله وإلى أنْ ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، والقصة واحدة تتكرر بفصولها وتفاصيلها لأن باريها واحد، وأبطالها على نهج واحد، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ}.

فانظروا وتأملوا حولكم، أليست هذه قصتنا مع الطواغيت وحكوماتهم وعساكرهم وأنصارهم ودعاتهم؟ ألم يتخذوا من دعوة التوحيد نفس الموقف الذي اتخذه أسلافهم بالأمس رغم تتابع الحجج والدلائل من وحي السماء ووقائع الأرض؟!

هذه هي قصة الدولة الإسلامية مع خصومها وأعدائها، مشروعها محاربة الطاغوت ومفاصلته في كل مفصل، ومشاريعهم على اختلافها تساير الطاغوت وتداهنه في كل محفل، هذه هي زبدة القول وبيت القصيد لمن تشعبت عليه التفاصيل، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.


• المصدر:
مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ – العدد 523
السنة السابعة عشرة - الخميس 6 جمادى الآخرة 1447 هـ
...المزيد

عبادة في كل حال إننا نجد الباحث عن الجهاد بصدق، متأهبا مستنفرا يسابق الريح نحو ساحاته ...

عبادة في كل حال


إننا نجد الباحث عن الجهاد بصدق، متأهبا مستنفرا يسابق الريح نحو ساحاته وميادينه، فإن وصل أرض الجهاد ولم يُتح له مباشرة القتال، تجده مكثّرا سواد المؤمنين، مرابطا حارسا ثغور المسلمين، فرِحا بذلك مبتهجا لا يرتاح جسده على فراشه كما يرتاح في ثغره ومرابطته، حتى إذا نادى المنادي حي على الجهاد طار قلبه قبل بدنه وانطلق لا يلوي على شيء قاصدا مرضاة ربه، باذلا له روحه ومهجته، فهل يستوي حال هذا ومن قيل لهم: {اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ}؟! شتان شتان.

فيا طالب الجهاد بحق، ومبتغي مرضاة ربك بصدق، إنّ أمارة صدقك في طلبك ومبتغاك؛ أن تعدّ له عدته وتأخذ له أهبته، فإنْ تأخَّر نفيرك، لم يتوقف إعدادك فتلك عبادة بحد ذاتها، فأعدّ نفسك إيمانيا وشرعيا وبدنيا وأمنيا، فأنت في جهاد ما دمت في الإعداد، ثم اعلم أنّ إخلاص النوايا وإصلاح الطوايا، والصدق مع الله تعالى، هي بريد الوصول إلى أرض الجهاد، وهي أول الإعداد وأوسطه وآخره، وهي ملاكه كله، وهي التي عليها العهدة.



• المصدر:
مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ - العدد 515
السنة السابعة عشرة - الخميس 10 ربيع الآخر 1447 هـ
...المزيد

العالِم الذي نريد "بئس حامل القرآن أنا إن أُتيتم من قِبلي"… كلمات تنوء لحملها الجبال يصدح بها ...

العالِم الذي نريد


"بئس حامل القرآن أنا إن أُتيتم من قِبلي"… كلمات تنوء لحملها الجبال يصدح بها الصحابي الجليل سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه، أحد الصحابة القرّاء الذين ضعضعوا جيش مسيلمة الكذاب وهزموه في أروع صور البطولة لأشد المعارك الحاسمة في تاريخ الإسلام "معركة اليمامة".

كلمات تنبئ عن دور القراء والعلماء في المعارك في عصر الخلافة الراشدة، إذ كانوا مسعِّروها وروّادها، أما في العهد النبوي فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقود جيوش المسلمين ويعقد الألوية بنفسه عليه الصلاة والسلام، كيف لا وهو الذي أُنزل عليه {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:73].

ولو كانت القراءة والتجويد والتعليم كافية لأداء حق آيات الجهاد دون العمل بها، لما كلّف النبي صلى الله عليه وسلم نفسه عناء السفر إلى تبوك في أشد الظروف رغم بعد الشُقة وشدة الحر وشح الزاد للقاء عدوه أدنى بلاد العرب، ولَما قطع أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أميالا إلى القسطنطينية حتى يموت على أسوارها محاصِرا لها مع جيش المسلمين، ولَما أجهد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما نفسه لقطْع فيافي الصحراء الكبرى بطولها وعرضها لقتال البربر مع خيول الفاتحين في إفريقية، إنها {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ}، إنها {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ}، إنها {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ}، إنها {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، إنها آيات الجهاد وأوامر الملك العلام.

تسبق هذه الأمة الأمم سواها حين يكون علماؤها مقدمة الركب وحُداته، فينهلون من الكتاب والسنة ويعملون، وتعمل الأمة بعملهم وتقتدي بفعالهم قبل أقوالهم، في مثال حسن للربانيين، فالكل حينها منقاد للكتاب والسنة.

وتعظم الرزايا على هذه الأمة حين يضل العلماء ويكونون أتباعا يستخدمهم الطواغيت لتثبيت عروشهم وقلب الحقائق والتمندل بهم!، في مثال سيئ للأحبار والرهبان، فيعبد الناس الطاغوت ويتحاكمون إليه.

إن حال الأمة اليوم واستسلامها للطواغيت ورضاها بواقع فاسد في دينها ودنياها، خطيئة مصنوعة يحمل وزرها الأكبر المنسوبون للعلم الساكتون عن الحق أو الملبّسون الحق بالباطل، الذين خلطوا الأمر على العامة، وماجوا وموّجوا غيرهم في الفتن.

بينما نجد رهبان النصارى وأحبار اليهود وملالي الرافضة يتقدمون صفوف الحرب على الإسلام، يحثون عليها ويبرّكون ويشجعون حشودهم الكافرة، كفعل الطاغوت الصليبي "فرنسيس" الذي جاء من روما إلى العراق ليرفع الصليب على أنقاض وركام الموصل بعدما دمرتها طائرات التحالف الدولي الصليبي لأنها حُكمت بشريعة الإسلام.

وفي المقابل يشنّ الأدعياء المحسوبون على أهل السنة حربا شعواء على دولة الإسلام، مبتداها إبطال شرعية الخلافة التي انتظرتها أجيال من المسلمين لعقود، إذ لا حل لاختلاف الأمة إلا الخلافة، حيث صاغوا لحربها الأقوال والأفعال، ولو بما هو حرام في "قانونهم".

إن أكثر المنتسبين للعلم اليوم يرجون خلافة لا يتحزّب عليها الكافرون ولا يقاتلونها! ولو كانت خلافة النبوة كذلك؛ لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم البيعة من الأنصار في "العقبة" لحمايته من العرب والعجم والأبيض والأسود، ولَما قال عليه الصلاة والسلام للمثنى بن حارثة رضي الله عنه حين عرض نفسه في الموسم عند اعتذاره عن حمايته من الفرس: (إن هذا الأمر لا يقوم به إلا من حاطه من جميع جوانبه).

وما خيانة أعظم للأمة من خيانة العالِم، فهي مخافة النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين)؛ إذ يحاربون أهل الشريعة بنصوص الشريعة! فيَضلون ويُضلون، والعالم الضال داع على أبواب جهنم، ومن اجترأ فخان ربّه فهو لما دونه أجرأ خيانة.
إن السكوت عن الحق حين يتعيّن قوله جرم شنيع، ولو لم يكن جرما كبيرا لما كان جزاء كتمان العلم كبيرا إنه "اللعنة"! {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159] ولو استشعر العالِم عذاب الله ولعنته وطرده من رحمة الله لهانت عليه تهديدات الطواغيت وعقوباتهم، فإن لعنة الله أشد وسخطه أعظم، ومن طرده الطاغوت آواه الله ومن طرده الله فلا مأوى له سوى النار -عياذا بالله-، وإن لجام النار في الآخرة أشد من "قرارات منع التدريس والتصدّر" وأشد من "سجن أعوام" تُقضى في خلوة مع الله.

وليهوننّ الطاغوت في نظره إن تذكّر وقوفه بين يدي الله يوم القيامة، فهذا الأوزاعي رحمه الله عند موقفه أمام عبدالله بن علي العباسي وسؤاله عن دماء بني أمية قال: "فذكرت مقامي بين يدي الله، فلفظتها فقلت: دماؤهم عليك حرام".

وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين)، فالرفعة عند الله لا عند الطواغيت، فكم من عالِم في غياهب السجون بضع سنين أو تزيد ومقامه عند الله وعند الخلق مرفوع، وأقوام موسومون عند طواغيتهم بـ"كبار العلماء" ويُشيد بهم قادة تحالف الصليب! وهم عند الله أحقر من الذر، ما لم يتوبوا.

والتوبة معروضة بعدُ لمن أعان تحالف الصليب بفتوى كانت سببا لإزهاق أنفس معصومة، أو هدم بيوت مطمئنة، بشرط الإصلاح والبيان، قال الله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}. [البقرة:160]

وأعظم ما في الأمر الميثاق المأخوذ على أهل العلم ألا يكتموه، فأين المفر؟ والمصير إليه سبحانه، وأين المناص؟ وهو الحَكَم جل وعلا، وإن كان من نُوقش الحساب فقد عُذب بنص قول المصطفى عليه الصلاة والسلام، فكيف بمن حوسب على نقض الميثاق؟!

إن العالِم الذي نريد؛ يتقدم صفوف الجهاد يناصر المجاهدين ويفتيهم ويذب عنهم، فإنما هي حرب صليبية وليضع المؤمن نفسه سهما ضدها حيث ثغره، وإن الخلافة ترص الصفوف وِجاه تحالف الصليب كلٌ بقِرْنه حيال الكافرين والمنافقين، العلماء والكتاب والمجاهدون الغزاة والإعلاميون الكماة ومن يردفهم لتفرغهم، صفا واحدا مرصوصا، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف:4]، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 301
الخميس 17 محرم 1443 هـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً