دُرُوبُ التـَّرقــِّي... (24) الخميس 26 ذو الحجة 1442 هجرية د. يحيى أحمد المرهبي دربُ ...

دُرُوبُ التـَّرقــِّي... (24)

الخميس 26 ذو الحجة 1442 هجرية

د. يحيى أحمد المرهبي

دربُ الأمل... لعلَّ الله يحدث بعد ذلك أمرا (2-6)

لا توجد لحظة من التاريخ يغيب عنها الحق تماما، ولا توجد لحظة تاريخية يغيب فيها الباطل تماما. لم تأت لحظة تاريخية كان فيها الحق مطلقا أو الباطل مطلقا، بل هما يتصارعان ويتدافعان باستمرار.

يقول الشيخ الشعراوي عند تفسيره قوله تعالى: (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)، إن رأيت باطلا لا ينزهق فاعلم أن هناك حقا لم يكتمل.

لا توجد لحظة سوداوية دائمة البقاء، بل توجد شقوق في جدار كل لحظة، والتركيز على الشقوق يجعلك تفكر في توسيعها لتنفذ منها، ولكن التركيز على الجدار المصمت بكامله يجعلك تيأس وتترك التفكير في الخلاص.

الصبر هو مطيّة الإنسان للسير عبر الزمن، وهو مطيّة إن ركبتها خرجت من العسر إلى اليسر. الصبر الاستراتيجي، كما سماه الأستاذ وضاح خنفر، هو ألا ترى الأمور بضرورات اللحظة الراهنة، ولكن أن تراها في إطارها العام منذ خلق الله الأرض ومن عليها وإلى أن تؤول إليه وأنك لست الفاعل الوحيد، وإنما فاعلا فيها.

اليأس إدراك أن الحياة قد توقفت، ولا يصل إلى اليأس إلا من انسدت لديه المعرفة الإسلامية الصحيحة، (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون). ومن علامات اليقين الثبات، ومن علامات الثبات الأمن عند الروع. كما يقول ابن عطاء الله السكندري.

والإنسان في حياته الدنيا بين كدح وكبد.
وأن معنى انسداد الآفاق لدى الإنسان، أن قراءته للواقع قد تضررت وقد أصابها الخلل، وهو ينتظر المهدي المنتظر ليحل له المشكلة.

إن اليأس سرطان الحياة، والخوف وقود التردد، وعندما يحاول الإنسان معرفة كل التفاصيل الدقيقة قبل القيام بعمل جديد فإنه يكرس التردد، وعندما يعلي من قيمة تلك التفاصيل فإنه يمارس الخوف، ولذلك فإن المتردد لا يثق بعقله، والخائف لا يثق بقلبه، ولو كانت مخاوفنا حقيقية فلماذا لا يعانيها غيرنا بالدرجة نفسها التي نعانيها نحن؟ وفق تساؤل الأستاذ ياسر حارب.

والظلام الذي يعانيه اليائس يعيش بين الخوف والتردد، وعندها يعشش اليأس الذي يطحن كل فرصة للنجاح، فمخاوفنا طواحين من صنع أنفسنا وأفكارنا المليئة بالسلبية. اليائس هو الشخص الذي يطفئ المصباح ثم يشكو للآخرين إضاعته للطريق، لا تطفئ المصباح حتى وإن كان زيته على وشك النفاد، فمعظم الاستدلالات تأتي قبل موت الأمل بلحظات، قال سبحانه وتعالى:(حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا أتاهم نصرنا)، وقال جل في علاه:(وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته... ).

ألا ما أجمل أن يكون المرء مثل السماء، ينظر إليه الناس كلما فقدوا الأمل، إنها حالة التسامي القصوى حيث يكون الحاضر هو الزمان والمكان الوحيدين اللذين نشعر بهما. وعندما يصل أحدنا إلى تلك الحالة فإنه يسامح كل شيء مر في حياته لأنه كان جزءا من تكوينه وخبرته، عقباته ومشكلاته، أمراضه وخساراته، تجمعت كلها الآن وأصبحت تذكارا. التسامح مع النفس هو أن ترى آلامك كشوكة صغيرة علقت برجلك برهة ثم نزعتها وأكملت المسير...وللحديث بقية.
...المزيد

دُرُوبُ التـَّرقــِّي... (23) الخميس 19 ذو الحجة 1442 هجرية د. يحيى أحمد المرهبي دربُ ...

دُرُوبُ التـَّرقــِّي... (23)

الخميس 19 ذو الحجة 1442 هجرية

د. يحيى أحمد المرهبي

دربُ الأمل... لعلَّ الله يحدث بعد ذلك أمرا (1-6)

رائحة الخبز الطازج ، والملابس المغسولة، والطعام الذي نضج لتوه، والوجود المغتسل بالمطر، وتعرّق الأطفال حديثي الولادة، والكتب الجديدة، والبحر تغسله شمس الشروق ... إنها رائحة البدايات الجديدة التي تتجاوز الحواس لتحمل البشرى ... إنها رائحة الأمل.

إذا كان الإسلام يدعو الناس إلى ألا يركنوا في حياتهم إلى تشاؤم أو تفاؤل غير مبني على مؤشرات واضحة، (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور)، فمعنى ذلك أنه يدعوهم إلى حساب المستقبل حسابا علميا ليعرفوه قبل وقوعه، (ولتنظر نفس ما قدمت لغد). فالتفاؤل والتشاؤم إنما يكونان في المواقع التي لم نحسب حسابها. وفي هذه الحالة يكون كلا من التشاؤم والتفاؤل ناتجان عن جهل الإنسان بمجرى الأحداث في حاضرها أو في مستقبلها، وفق تعبير د. زكي نجيب محمود

والمبالغة في حالات التفاؤل والتشاؤم توجدها حالات الانحباس الذي تفرزه حالات الصراع والأزمات السياسية طويلة الأمد، وتتمثل من خلال (تعظيم) بعض بوارق الأمل، أو من خلال (تقزيم) بعض المشكلات الكبرى، متخذة منها نافذة لاستعادة بعض الثقة بالنفس، وبعض التفاؤل بالمستقبل، لكن ذلك مع الأسف لا يكون إلا مؤقتا، كما أن هذه العقلية التفاؤلية الساذجة تصبح فاكهة لمجالس العاطلين عن العمل.

وفي مقابل ذلك، فإنه في حالة اليأس والإحباط من تغيير الواقع، يتعرض الفرد إلى تغيرات سلبية في التفكير والشعور. ففي مجال التفكير، تقل أمام العقل الخيارات والمحاولات والحلول للتغلب على العوائق، أما في جانب الشعور والإحساس، فإن الفرد في حالة اليأس والإحباط، يغلب عليه التشاؤم والشعور بنقص الكفاءة والانهزامية، فينخفض مستوى الروح المعنوية، وينعدم الأمل في المستقبل، وقد يتجه الفرد -بناء على ذلك-إلى التفكير العدواني المنحرف لعلاج المشكلات، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال الشخصيات العدمية والسوداوية، التي ترى الآفاق مسدودة والآمال معدومة، فتجنح للعنف كطريق إجباري للتغيير.

والذي يحتاج إلى معالجة وتوجيه هو الشعور بالتفاؤل وإمكانية تحسن الأوضاع، إذ أننا لن نكسب من وراء اليأس إلا انحسار الذات وخمود النشاط وارتباك الوعي، ومن المهم في الظروف الصعبة أن تستخرج الإيجابيات وخمائر الإصلاح والصلاح، أما تعداد السلبيات فهذا يستطيعه كل أحد، كما يؤكد على ذلك د. عبدالكريم بكار، وحين يطل التشاؤم علينا من النافذة يخرج العقل والمنطق والذوق السليم من الباب.

والمشكل في التعاطي مع الأحداث التي نعايشها على أرض الواقع، لا يتمثل في جنوح بعضهم إلى التشاؤم فحسب، وإنما هناك شكل آخر، هو جنوح البعض إلى تفاؤل ليس له أي مسوِّغ، وقد ساد في الأوساط العلمية شعور بأن التفاؤل المفرط، هو أول خطوة في طريق التشاؤم والعبث، وانقطاع الرجاء.

والعقل البشري في بنيته ميال إلى التشاؤم، وهو أقدر على رؤية السلبيات منه على رؤية الإيجابيات، ولذلك فالعقل يحتاج منا إلى القيام بعملية نعيد له من خلالها قدرة التحكم المتوازنة حتى لا ينساق وراء متاهات اليأس والإحباط القاتلة.

والتشاؤم أصلا حالة نفسية مرضية ضارة على الصحة الجسمية والنفسية والعقلية، ولهذا يقول بعض علماء النفس (د. عبد العزيز فريد): "أن الإنسان يتحمل بفعل اتجاهه التشاؤمي متاعب هي أشد وقعا على نفسه وأعصابه من وقع الكوارث أو الملمات أو المآسي التي يتوقع حدوثها، ويستهلك اتجاهه التشاؤمي من الطاقات النفسية والعقلية والجسمية الشيء الكثير، لأنه لا يستطيع أن يتحكم في اتجاهه الخاطئ بإعمال قوة الإرادة، ذلك أن بواعث التشاؤم هي أبعد وأعمق من أن تنالها الإرادة الواعية".

وفي حديث يرويه (الإمام أحمد) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتفاءل، ولا يتطير، ويعجبه الاسم الحسن. والذين يتأملون هذا السلوك منه صلى الله عليه وسلم، يدركون أن التفاؤل إنما هو ثمرة لرؤية إيجابيات الواقع وجماليات المحيط، وهو ضد التشاؤم، الذي لا يرى صاحبه سوى القبح والسلبيات، وأيضا هو غير السذاجة، التي لا يبصر صاحبها إلا الإيجابيات أو السلبيات منفصلة إحداهما عن الأخرى، أو لا يراهما معا، فالتفاؤل موقف إيجابي من جماليات الحياة وإيجابيات المحيط دون إفراط وسذاجة.

ولكي نحدث تغييرا جوهريا، فيجب علينا أن نتحاشى التفاؤل المفرط فلا نتوهم أن أي تغيير أو تعديل يكفي لإحداث التغيير الشامل، كما نتحاشى كذلك التشاؤم المفرط فنعتقد بأن أي تغيير أو تعديل نقوم به لا يحرك ساكنا في الأحداث إذا خيم عليها الجمود.

لقد سئل أحدهم: هل أنت متشائم؟ فأجاب مبتسما: لا أملك أصلا مزيّة التشاؤم، فمن يفقد الأمل يمكنه أن يترجّل ويعطي ظهره لكل شيء ويستريح، وأنا ليس بوسعي أن أفعل هذا أبدا.... وللحديث بقية.
...المزيد

إذا أخرجنا السنة النبوية من حياتنا سنتحول إلى( مؤمنين) بلا شعور وبلا روح وبلا هوية.

إذا أخرجنا السنة النبوية من حياتنا سنتحول إلى( مؤمنين) بلا شعور وبلا روح وبلا هوية.

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً