اغتنم غِناك قبل فَقْرك [1/2] الحمد لله رب العالمين، بديع السماوات والأرض ذي القوة المتين، ...

اغتنم غِناك قبل فَقْرك
[1/2]

الحمد لله رب العالمين، بديع السماوات والأرض ذي القوة المتين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد...

فإن مما يكبح جماح النفس وطلبها للدنيا وملذاتها وزخرفها هو القناعة برزق الكفاف، والرضى بما يعطي الله -تعالى- بحكمته لعباده الصالحين، ورزق الكفاف هو الذي يكون بقدر الحاجة، فلا يفضل منه شيء، فإن من قنع بهذا الرزق قد حاز الغنى الحقيقي، غنى النفس عن طلب الدنيا التي يتصارع عليها الناس ويتركون دينهم لأجلها، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (قد أفلح من أسلم، ورُزِق كفافا، وقَنَّعه الله بما آتاه) [رواه مسلم]، فلا نعمة أعظم من نعمة الإسلام، ثم رزق الكفاف والقناعة به.

• الغنى غنى النفس

إن كثيرا من الناس يرى أن الغنى إنما يكون بالثروات والكنوز والأموال، وهذا وإن كان صحيحا بمنظور عموم أهل الدنيا ألا أن الشريعة تنظر لمعنى الغنى بمنظور آخر، وهذا المعنى هو الذي يحقق السعادة الحقيقية لدى من يحمله، إنه غنى النفس، وهذا المعنى تجده في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس) [متفق عليه]، وفي الحديث إشارة إلى أن الإنسان قد يكون لديه مال ولكنه يطمع في تكثير ما عنده ويفني حياته في شهوة تحصيل الزيادة منه، ومثل هذا لا يكون غنيا بما عنده ولم يغتنم غناه لمرضاة ربه وإنما لمرضاة نفسه التي لا تشبع من زيادة المال واللهث وراء الدنيا.

وهذه هي طبيعة الإنسان، كما أخبر الله -تعالى- في كتابه: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8]، أي لحب المال لشديد، وكما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فعن أنس بن مالك، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب) [متفق عليه].

فلا ينجو من هذا الوصف إلا المسلم الكيِّس الفطن الذي يرى قرب منيته وحدوث رزيته، فيتفكر في عذاب الله وعقابه لو اشتغل بالدنيا عن طاعته، ويتفكر فيما أعده الله له من خير لو أغنى نفسه عن مزيد الدنيا واشتغل بطاعة الله وطلب جنته، واشتغل بطلب المزيد في الآخرة فلا يسعى لتلك الفتنة التي قد تورده المهالك، ولكن حين ينعم اللهُ عليه بالمال فإنه يعده من الابتلاء الذي يختبر به، ومن يعتقد هذا فسيغتنم غناه ويبقى غني النفس على كل حال فيشتري الجنة بتلك الكنوز وينفقها في سبيل الله

• أولئك هم المؤمنون حقاً

وهكذا هم الأغنياء، فريقان؛ فريق بخلوا عن نصرة دين الله والإنفاق في سبيله وكنزوا الذهب والفضة وهؤلاء هم الذين لا يؤدون زكاة أموالهم فضلا عن أن يتصدقوا، قال الله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران: 180]، وفريق اشتروا الجنة بأموالهم، واتبعوا رضوان الله -تعالى- الذي اعتبر صدقتهم قرضا حسنا فضاعفه لهم أضعافا كثيرة فكان الإنفاق هو صفة أهل الإيمان كما أن البخل صفة أهل النفاق، قال الله -تعالى- مادحا المؤمنين: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 3 - 4].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 92
الخميس 10 ذو القعدة 1438 ه‍ـ
...المزيد

طواغيت الخليج وظيفة واحدة.. بأساليب مختلفة تستمر الأزمة المشتعلة بين طواغيت الخليج، كاشفة عن ...

طواغيت الخليج
وظيفة واحدة.. بأساليب مختلفة


تستمر الأزمة المشتعلة بين طواغيت الخليج، كاشفة عن مدى النزاع بينهم، الذي أخذ خلال العقود الماضية أشكالا عديدة، تمحورت في الغالب على محاولات جاهدة من قبل كل منهم على الاستقواء على خصومه بأمريكا، وذلك من خلال السعي لاسترضائها بأي شكل ممكن، ومحاولة كل منهم أن يثبت أنه الأشد ولاءً لها، والأقدر على تنفيذ مخططاتها في المنطقة، والأجدر بأن يوكَّل بالمهام، وتُسند إليه المسؤوليات، في سبيل تحقيق مصالح أمريكا الاستراتيجية والاقتصادية.

ولعل أهم أدوات الصراع بين هؤلاء الخصوم المتشاكسين، هي سعي كل منهم إلى امتلاك أكبر عدد ممكن من الأوراق التي يبقيها في يده، ويظهرها باستمرار لسادته الأمريكيين، ويستخدمها في حرق الأوراق التي في أيدي خصومه، وفي النهاية التضحية بهذه الأوراق وحرقها عندما تصبح تكاليف الحفاظ عليها أكبر من المردود المتوقع منها.

وهذا ما رأيناه واضحا جليا في مرحلة الجهاد في العراق إبان الاحتلال الأمريكي المباشر، فمع الاستنزاف الكبير للجيش الأمريكي على أيدي المجاهدين في العراق، والعجز الواضح للإدارة الأمريكية عن تحقيق النصر على المجاهدين، أو على الأقل الخروج من المأزق بأقل الخسائر، وبعد سلسلة طويلة من المحاولات التي أثبتت فشلها، وأرهقت الميزانية الأمريكية بمزيد من التكاليف، وجد قادة الجيش الأمريكي أن لا مناص لديهم من الاستعانة بالمنتسبين إلى أهل السنة، في قتال الدولة الإسلامية، بعد سنوات من عدم الثقة بهم، والخوف من ولائهم لأهل الجهاد، أو ميل كثير منهم إلى نظام البعث الكافر الذي أسقطه الصليبيون.

وهكذا بدأت خطة الصحوات التي وضعت الإدارة الأمريكية كل ثقلها وراءها، ورصدت لها مليارات الدولارات، وجاء دور الطواغيت في المنطقة ليأخذ كلٌّ منهم دوره في هذه الخطة.

فأمسك طواغيت أبو ظبي والرياض وعمّان بورقة الصحوات العشائرية والمناطقية، فموّلوا رؤوسها، ووفروا لهم الفتاوى التي تبرر ردّتهم وعمالتهم للصليبيين من علماء السوء التابعين لهم، ودعموهم إعلاميا وسياسيا.

في الوقت الذي أمسك فيه طواغيت قطر والكويت تساندهم تركيا، بورقة صحوات الفصائل، ودعموهم من خلال ستار رقيق عماده الجمعيات الخيرية، والمنظمات التي يسمّونها "إسلامية"، والتي بدأت تضخ الأموال في جيوب قادة فصائل الصحوات وعلماء السوء الذين جندتهم أجهزة المخابرات، وأضفت عليهم حجاب "الاستقلالية" ليخدعوا بهم السذّج والمغفلين، وتولَّى هؤلاء شنَّ هجوم كبير على الدولة الإسلامية، ووصفها بالغلو والخارجية، والتحريض على قتالها.

وهكذا، حمل كل من الطواغيت جزءاً من الحمل في تحشيد المرتدين من أهل السنة في العراق ضد الدولة الإسلامية، لإنقاذ أمريكا من الهزيمة الساحقة لها على أيدي المجاهدين، وبالرغم من أداء كل من جناحي الصحوات، من مرتدي الفصائل والعشائر المهمة نفسها، وتبرير عمالتهم لأمريكا بالكذبة نفسها وهي التصدي لإيران، فإن التنافس بينهما كان حادا جدا، لنيل الرضا الأمريكي من جهة، وانعكاسا للصراع بين الداعمين لكل طرف من جهة أخرى.

حتى إذا أدى كل منهما وظيفته، تخلت عنهم أمريكا، وأسلمتهم كليهما للروافض، فمزقوهم شر تمزيق، وأنهوا وجودهم تماما، حتى لم يبق منهم إلا أسماء وهمية، وبعض قادتهم الذين تُؤويهم عواصم الدول التي كانت تدعمهم، وتحرص على إبقائهم لديها، للاستفادة منهم في مشاريع مستقبلية، فتعمل على إحياء صحواتهم من جديد، لتفاوض عليهم، وتنافس بهم.

وقد كرّر هؤلاء الطواغيت اللعبة ذاتها في ليبيا والشام، وبالأدوات ذاتها تقريبا، وانقسم مرتدو الصحوات في كل الحالات إلى القسمين ذاتهما تقريبا، ثم كان لهم المصير ذاته، وهكذا تستمر لعبة الصراع بين طواغيت الخليج، بالأسلوب عينه، والأدوات عينها، ومصادر القوة نفسها، المتمثلة بالمال ووسائل الإعلام وعلماء السوء المرتبطين بهذا الطاغوت أو ذاك.

إن عبث هؤلاء الطواغيت بساحات الجهاد، وتأليبهم المرتدين ضد الدولة الإسلامية في كل مكان، ليس أهون من جرائمهم التي لا تعدّ، والتي أبرزها حكمهم بغير ما أنزل الله تعالى، وولاؤهم المطلق للصليبيين، واحتضانهم لقواعدهم العسكرية، وتمويلهم لحروبهم ضد المسلمين، بل ومشاركتهم الفعلية في قصف مدنهم وقراهم بطائراتهم، وهم في ذلك أنداد متشابهون لا يختلفون إلا في الطريقة التي يؤدون بها هذه الجرائم، وينفذون بها هذه المهمام.

وإن حكمهم في الدنيا واحد، وهو الكفر، وإن قتالهم جميعا فرض واجب على كل المسلمين، وهذا ما يقوم به جنود الدولة الإسلامية اليوم، بفضل الله، وسيستمرون على ذلك حتى يزيلوا كل هؤلاء الطواغيت ويحكموا ما تحت أيديهم من أرض بشريعة رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 92
الخميس 10 ذو القعدة 1438 ه‍ـ
...المزيد

عبادات في عشر ذِي الحجَّة • عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَا ...

عبادات في عشر ذِي الحجَّة

• عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ). قالُوا: وَلا الْجِهَادُ؟ قَالَ: (وَلا الْجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيءٍ) [صحيح البخاري].

• صيام الأيام التسع

عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم تسع ذي الحجة" [رواه أبو داود].

• صيام يوم عرفة

عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن صوم يوم عرفة، فقال: (يُكفِّر السنة الماضية والباقية) [رواه مسلم].

• الأضحية

عن أنس رضي الله عنه قال: "ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين، فرأيته واضعا قدمه على صفاحهما، يسمي ويكبر، فذبحهما بيده" [رواه البخاري ومسلم].

• التكبير والتهليل والتحميد

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من أيّام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) [رواه أحمد].

• سائر الأعمال الصالحة

كل عمل صالح يُتَقَرَّب به إلى الله تعالى لعموم لفظ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما العمل في أيام أفضل منها في هذه...) فيشمل الغزو والرباط والذكر والصلاة وقراءة القرآن وصلة الأرحام والصدقات وغيرها.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 497
السنة السادسة عشرة - الخميس 2 ذو الحجة 1446 هـ
إنفوغرافيك العدد
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 497 الافتتاحية: يا جنود الله هبوا ينبغي للمجاهد أن ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 497
الافتتاحية:

يا جنود الله هبوا

ينبغي للمجاهد أن يستغل المواسم الإيمانية في تجديد همته وإذكاء جهاده، وقد أظلكم معاشر المجاهدين عشرٌ مباركاتٌ علا قدرهنّ وعظُم أجرهنّ وتسامت أخبارهنّ، وكنّ بحق خير أيام العام، ومع ذلك لم يغب الجهاد عنهنّ وألقى بظلاله عليهنّ كما في الصحيح: (مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ). قالُوا: وَلا الْجِهَادُ؟ قَالَ: (وَلا الْجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيءٍ) [البخاري]

المتابع للحوار السابق الذي دار بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام في محضر الحديث عن تفضيل العمل في العشر على العمل في سواهن؛ يلحظ كيف أن الصحابة لم يتبادر إلى ذهنهم عمل يزاحم هذه الأفضلية سوى الجهاد في سبيل الله، فسألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- متعجبين مستغربين: "ولا الجهاد في سبيل الله؟" لم يقولوا: ولا الصدقة؟ ولم يقولوا: ولا الصلاة أو الصيام أو القيام..؟ بل خصّوا الجهاد من بين سائر الأعمال لعلوّ قدره ورسوخ مكانته في نفوسهم إلى الحد الذي جعلوه علامة فارقة يقيّمون بها الأعمال، واستغربوا أن يكون هناك عمل صالح يربو فضله على الجهاد، كيف لا وهم تلاميذ النبي المجاهد -صلى الله عليه وسلم- وغرْس يديه الشريفتين ونتاج تربيته الإيمانية الجهادية التي حفرت في قلوبهم وعقولهم أن الجهاد لا يعدله شيء وأنّه عزّ الأولين والآخرين.

جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- استثنى من المفاضلة مجاهدا (خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيءٍ). وعلماء الملة على أن المفاضلة بين أعمال العشر والجهاد إنما هي في الفضائل لا الفرائض، والجهاد اليوم فرض عين لا نافلة، ومع ذلك فإنّ الحالة التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- للمجاهد المخاطر بنفسه هي صورة لا تنفك عن أحوال المجاهدين في زماننا، فهم في كل يوم يخاطرون بأرواحهم ويضحّون بأغلى ما يملكون، وقد هاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم في سائر الأيام والشهور وسائر البقاع والثغور.

فأنت يا جندي الخلافة تستطيع أن تكون هذا المجاهد الفريد الذي وصف حاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مفضِّلا جهاده على العمل الصالح في هذه الأيام المباركات، فكيف لو جمعتَ بين أجر هذا الجهاد المتفرّد وأجر هذه العشر، فنلتَ أعلى المرتبتين وأجمعهما وأتمهما بإذن الله تعالى.

إنها فرصة عظيمة لك أيها المجاهد لتحوز خيرية الجهاد في خيرية هذه الأيام، ولئن كانت الشريعة قد أمرت بالتعرض لنفحات الدهر ومواسم الأجر، ألا فتعرّضوا أيها الأباة لمواطن الطعان والشهادة في سبيل الله في هذه الأيام استبسالا في القتال وتحقيقا للنكاية وجلبا للإثخان، فإن صدور المؤمنين عطشى للثأر ممن ولغوا في الدماء والأعراض، وإنّه لا شيء يطفئ ظمأ الثأر كالدماء! وليس أنفى للقتل من القتل.

أيها المجاهدون لقد حال بينكم وبين بيت الله الحرام الحوائل وأعاقكم عن الطواف به العوائق، وأنتم معذورون في ذلك فلم تستطيعوا إلى البيت سبيلا، وكلكم يتمنى لو زاحم مناكب الحجيج في أطهر البقاع وأشرف الأزمان، ولكن قضاء الله والحكم حكمه، فلئن كان الحال كذلك ألا فزاحموا مواكب الفداء ولبّوا نداء الجهاد وانطلقوا كل في ثغره فشدوا على عدوكم وابذلوا أنفسكم تقبل الله بذلكم، واضربوا رقاب الكافرين واسفكوا دماءهم تقبل الله أضاحيكم كما كان دأب إخوانكم من قبل.

أيها المجاهدون المرابطون على ثغور الشريعة، إن لكم أجر السائرين الساعين في بيت الله الحرام بالنية وإنْ لم تحجوا البيت، كما قال ابن رجب: "القاعد -يعني عن الحج- لعذر، شريك للسائر وربما سبق السائر بقلبه السائرين بأبدانهم".

فكيف وأنتم نقيض القعود ومادة الجهاد وسُعاته وكماته ورأس حربته في هذا الزمان الذي تمايزت فيه الصفوف تمايزا لم نشهده من قبل.

ولئن وقف الناس بعرفات وفاتكم ذلك، فلقد وقفتم موقفا يحبه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقفتم على ثغور المسلمين تذودون عن حياض الشريعة وبيضة الإسلام، وتذكروا أن القاسم الأكبر بين الحج والجهاد هي ملة إبراهيم -عليه السلام- الذي يطغى اسمه على مناسك الحج من أولها إلى آخرها التي تضج بالتوحيد لله تعالى، والجهاد اليوم هو التطبيق العملي لتلك الملة التي أوحى الله إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- باتباعها فتأمل.

معاشر الأجناد، نظرنا في كتب الوعظ فلم نجد موعظة أبلغ من الوصية بالتقوى فاتقوا الله وأطيعوه، ونظرنا في كتب التوحيد فلم نجد أحكم له وأضبط من المفاصلة ففاصِلوا المشركين واعتزلوهم، ونظرنا في كتب الرقائق فلم نجد أنفع للقلب من الورع والخشية، فتورعوا عن مواطن الريبة، واخشوا ربكم سبحانه، {فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
يا جنود دولة الإسلام في كل مكان إن الله قدّر لكم أن لا يكون سبيل وصولكم إلى بيت الله الحرام عبر الوثائق والجوازات على متن المدارج والطائرات كما هو شأن عامة الناس، بل إن سبيلكم إلى بيت الله الحرام لن يكون بغير الجهاد وبغير تطهير طرق الوصول إليه من قطاع الطرق طواغيت الحكم وجيوشهم الكافرة، فكونوا على قدر المسؤولية فالطرقات تغص بهؤلاء.

وأيقنوا بأن كل معركة تخوضونها أيها المجاهدون في سهل أو جبل، تقربكم أكثر فأكثر من الوصول إلى بلاد الوحي التي دنسها الصليبيون والمرتدون والأمر نفسه ينطبق على بيت المقدس، فلا توقفوا معارككم ولا تلينوا لعدوكم ولا تستوحشوا لكثرة المتساقطين وقلة الثابتين فالقلة المؤمنة انتصرت عبر تاريخ الإسلام بقوة إيمانها وعمق تجردها وشدة إخلاصها لمولاها، فنعم القلة الثابتة على الدرب، وسحقا لمن بدّل وغيّر وباع الباقية بالفانية.

معاشر المجاهدين لا شك أن الشوق إلى المسجدين الحرام والأقصى يختلج الصدور ولا يدرك حرّ ذلك الشوق إلا من أنزل المسجدين قدرهما تديُّنا واعتقادا، فالمسلم لا يرى فيهما مزارات سياحية ولا أطلالا تاريخية، بل يراهما إرثا عقديا مقدسا صانه السابقون بدمائهم وضيّعه الأخلاف يوم ضيعوا الكتاب والسنة واتبعوا السبل فتفرقت بهم عن سبيل الله.

ألا فأطفئوا لظى الشوق إلى المقدسات بوصل المفخخات وصلي الراجمات، وأشعلوا العشر وسائر الدهر على الكافرين جيوشا وحكومات، وسعّروا الهجمات تلو الهجمات، وتخطفوا الجواسيس وتقصدوا القيادات، ونخص بالتحريض المجاهدين المنفردين بين ظهراني العدو، فيا جنود الله هبوا واغتنموا عشركم بخير العمل، الجهاد في سبيل الله على منهاج نبيكم، جهادا يقربكم من مكة والقدس ودمشق فكلهن أسيرات ينتظرن الخلاص.

أيها المجاهدون سرعان ما تمضي العشر وتنقضي أيامها ويبقى الجهاد ماضيا وسيفه مشرعا وركبه مسرعا لحق به السابقون وتخلف عنه المخلَّفون، ولئن كانت مواسم الطاعة ونفحاتها تنقضي بانقضاء الشهور والدهور، فقد أبقى الله لكم بفضله الجهاد موسما أبديا لا ينقضي إلى قيام الساعة، فأحسنوا اغتنامه فإنّه عزكم في الدنيا والآخرة، والله لا يخلف الميعاد.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 497
السنة السادسة عشرة - الخميس 2 ذو الحجة 1446 هـ

المقال الافتتاحي:
يا جنود الله هبوا
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً