أحاديث مَدَار الإسلام (2) ◾ قال الإمام النووي في بستان العارفين: "ومما ينبغي الاعتناء به، بيان ...

أحاديث مَدَار الإسلام (2)

◾ قال الإمام النووي في بستان العارفين:
"ومما ينبغي الاعتناء به، بيان الأحاديث التي قيل إنها أصول الإسلام، وأصول الدين، أو عليها مدار الإسلام أو مدار الفقه والعلم".

16- (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم...). [البخاري].

17- (البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس). [مسلم].

18- (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة...). [مسلم].

19- (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت...). [متفق عليه].

20- (قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارا قال: لا تغضب). [البخاري].

21- (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها...). [الدارقطني].

22- (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها...). [الترمذي].

23- (لقد سألت عن عظيم.. تعبد الله لا تشرك به شيئا...). [الترمذي].

24- (قل لي في الإسلام.. قال: قل آمنت بالله ثم استقم). [مسلم].

25- (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد...). [الترمذي].

26- (يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك...). [الترمذي].

27- حديث عمر رضي الله عنه، في بيان معنى الإيمان والإسلام والإحسان. [مسلم].

28- (مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستحي فاصنع ما شئت). [البخاري].

29- (أرأيت إذا صليت الصلوات الخمس المكتوبات وصمت... أأدخل الجنة؟ قال: نعم). [مسلم].



• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 511
السنة السابعة عشرة - الخميس 12 ربيع الأول 1447 هـ
...المزيد

مِن أقوال علماء الملّة قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "إيّاك أنْ تغتر بما يغتر به ...

مِن أقوال علماء الملّة

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-:

"إيّاك أنْ تغتر بما يغتر به الجاهلون، فإنهم يقولون: لو كان هؤلاء على حق، لم يكونوا أقلّ الناس عددا، والناسُ على خلافهم؛ فاعلم أنّ هؤلاء هم الناس، ومَن خالفهم فمشبَّهون بالناس ليسوا بناس!، فما الناسُ إلا أهل الحق وإنْ كانوا أقلهم عددا".

[مفتاح دار السعادة]
...المزيد

الدولة الإسلامية - مقتطفات نفيسة (51) من كلام الشيخ المجاهد أبي حذيفة الأنصاري -حفظه الله ...

الدولة الإسلامية - مقتطفات نفيسة (51)
من كلام الشيخ المجاهد أبي حذيفة الأنصاري -حفظه الله تعالى-


• على منهاج النبوة

وعلى هذا النهج المبارك نشأت الدولة الإسلامية ومضت، فالتوحيد قصدت، والشريعة نصرت، والشرك نبذت وفارقت وفاصلت وحاربت، والجهاد وسيلة اتخذت، فأخذت منهاج النبوة قولا وعملا، وضربت بعرض الحائط كل ما خالفه وناوأه من المناهج والدساتير والخرافات والأساطير، ففتح الله عليها وألهمها رشدها، فرأت الحق حقا واتبعته، والباطل باطلا واجتنبته، فكانت هذه من أعظم النعم التي أكرم الله بها دولة الإسلام، فسارت على بصيرة من أمرها، تتقدم بثبات نحو غايتها التي لن تعدل بها غاية، رغم كل ما تعرضت له من حروب ومحن وزلازل تنهد لها الجبال، إلا أنها ما زالت باقية ماضية بفضل الله تعالى على طريقها المبارك، وولاياتها في شرق الأرض وغربها تواصل معركة التوحيد حتى يكون الدين كله لله، وكل مجاهد فيها على ثقة ويقين بأنه لو لم يخرج من هذه الدنيا إلا بالتوحيد والوفاة على الإسلام، لكفى به حظا ونصرا.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 511
السنة السابعة عشرة - الخميس 12 ربيع الأول 1447 هـ
...المزيد

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله، ...

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:

(من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة)، فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها، قال: (نعم وأرجو أن تكون منهم). [متفق عليه] ...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ - قصة شهيد: الطبيب أبو حنظلة -تقبله الله- قائد العمليات في ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ - قصة شهيد:

الطبيب أبو حنظلة -تقبله الله-
قائد العمليات في كابل


نُشهر أقلامنا اليوم لنكتب قصة من قصص البطولة والفداء، وسيرة عطرة من سير الفرسان النبلاء، نقتبس عِبَرها ونتنسّم عبيرها، ونتسنّم ذراها ونتفيّأ ظلالها، قصة الحياة والموت معا لكن في سبيل الله تعالى، بطلها المجاهد الطبيب (نقيب علي أكبر) أبو حنظلة -تقبله الله تعالى- أحد أبطال خراسان وقادتها الشجعان.

• طبيب الأعصاب

وُلد المجاهد أبو حنظلة في إحدى قرى (لوجر) عام 1407 هـ، وتربى في كنف أسرة محافظة غرست فيه القيم النبيلة والأخلاق الأصيلة، وعندما قارب سنّ البلوغ انتقل مع عائلته إلى باكستان واستقر في (بيشاور)، وهناك أتمّ مراحله الدراسية بتفوّق ملحوظ.

في المرحلة الجامعية اختار أبو حنظلة دراسة الطب وتفوّق فيها محرزًا المرتبة الثالثة على دفعته بجامعة الطب في كابل، وحصل على شهادة الطب في "جراحة الأعصاب".

• منحة وسط الأسر

لكن هذه الشهادة الورقية والدرجات الدنيوية لم تكن لتحجب المؤمن عن غايته في نيل الشهادة العليا والدرجات الحقيقية التي أعدها الله للمجاهدين كما في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ في الجنَّةِ مائَةَ درجةٍ أعدَّهَا اللَّه للمُجَاهِدينَ في سبيلِ الله، مَا بيْن الدَّرجَتَينِ كَمَا بيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ).

ولم تكن جراحة الأعصاب المربحة، تنسيه جراح أمته الغائرة، فطلّق الطبيب الوقور عيش الدعة والقعود وخرج سنة 1430 هـ في طلب الجهاد قاصدا ثغور (وزير ستان).

وهناك تعرض الطبيب أبو حنظلة للأسر من قبل الجيش الأفغاني المرتد وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، قضاها في سجن (بُل جرخي)، كانت منحة في ثوب محنة، ونورا أضاء دربه وسط العتمة، (وعَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ)، إذْ شاء الله تعالى أن يلتقي في السجن ببعض إخوانه من جنود الخلافة، ويستمع إليهم عن قرب، ويتعرف على منهجهم عن كثب، فانشرح صدره وحسم أمره وبايع الدولة الإسلامية من فوره.

بعد خروجه من الأسر لم ينشغل الشاب الطبيب بخاصة نفسه وإصلاح مستقبله كما هو دأب أكثر شباب الأمة اليوم، بل صدّق القول بالعمل وأتبعَ البيعة بالوفاء، والتحق رسميا بصفوف الدولة الإسلامية في كتيبة كابل، ليبدأ فصلا جهاديا حافلا بالبذل والعطاء للمسلمين، والنكاية والإثخان في الكافرين.

• متواضع رفيق بإخوانه

يُجمع كل من احتك بالطبيب أبي حنظلة أنه حظي بصفات حميدة وخصال مجيدة ينبغي لكل مجاهد أن يتصف بها، من حسن العشرة ودماثة الخلق واللين في أيدي إخوانه، فكان شفيقا رفيقا بإخوانه المجاهدين، متواضعا خافضا جناحه لهم، مهتما لأمرهم وأمر سائر المسلمين وجراحاتهم، باذلا غاية جهده في نصرتهم، ساعيا في تحصيل أسباب قوتهم، ورعا حريصا على حفظ مقدراتهم، كما كان كثير المدارسة للمباحث الشرعية ليحيا عن بينة ويقاتل على بصيرة.

• قائد الهجمات وبطل المعمعات

وعلى الجهة المقابلة، كان المجاهد الطبيب شجاعا في مقارعة الكافرين غليظا عليهم، وبينما ينغمس أطباء الأمة عادة في الترف والإحجام حتى أخمصهم، انغمس طبيبنا في الجهاد والاقتحام حتى اكتظ سجله الجهادي بالصولات والملاحم، فجمع سِفرا من البطولات وخوض المعمعات قلّما يجتمع لأحد في زمن الإسفاف، نُفصح اليوم عن بعض صفحاته شحذا للهمة وتحريضا للأمة، وإبرازا للقدوات الحقيقية التي حريّ أنْ تُقتدى ويُقتفى أثرها ويُحتفى بها، تشجيعا لمن أحجم ليتقدم، وحثا لمن تلكأ أن يقدم، ورفعا للستار عن بعض مآثر المجاهدين في خراسان الذين التقت عمائم النفاق بقبّعات "المارينز" على حربهم.

كان أبو حنظلة نائبا لأمير كابل، وفي الوقت عينه قائد العمليات ورجل المهمات، يخطط ويقود ويشرف ويشارك ويباشر العمل بنفسه في الميدان.

خاض حنظلة العدا المواجهات، وقاد العديد من المعارك والغزوات ضد مفاصل الحكومة المرتدة في كابل، أذاق فيها جنود الطاغوت بأس المؤمنين وغضبة المجاهدين.

• من المشفى العسكري إلى القصر الرئاسي!

ولعل من أشهر الغزوات التي خطط لها وقادها، الهجوم الانغماسي على أكبر مشفى عسكري مخصص لاستقبال القوات المرتدة في كابل، قاد الطبيب الهجوم بخمسة من الأنصار والمهاجرين، اجتازوا جميع التحصينات وخاضوا أشرس الاشتباكات وقتلوا العشرات، حتى تشاركت القوات الأفغانية الخاصة والقوات النرويجية في التصدي للهجوم عبر إنزال جوي بعد عجزهم عن اقتحام المكان طيلة ست ساعات.

ومن العمليات التي نفذها المجاهد الطبيب مرارا وتكرارا قصف "مطار كابل العسكري" و "القصر الرئاسي" بصواريخ الكاتيوشا، منغّصا عيش الطواغيت وجنودهم، زارعا الرعب في قلوبهم.

• الانتقام للموصل

بعد أيام على احتفال السفارة العراقية في كابل بجرح الموصل التي خاض أبناؤها أشرس ملاحم العصر، جاء القرار بالانتقام وهبّ الطبيب الأريب لوضع خطة الهجوم، فجهّز وأرسل الانغماسيين الغيارى يؤدبون الرافضة في سفارتهم، وسروا بالموت إليهم، فقتلوا منهم وشرّدوا بقيتهم، وأروهم نجوم الموصل في رابعة خراسان، في تطبيق عملي للولاء والبراء والنصرة والإخاء، ولمَ العجب؟ فهذا منهاج السماء وهؤلاء أبطاله وكماته الأوفياء.

• يتابع الهدف بنفسه

كان من دأب القائد حنظلة قبيل كل هجوم، أنه يجتهد في بحث ودراسة الهدف بنفسه، للوصول إلى أفضل الطرق للانطلاق وأكثرها إنجاحا للهجوم، فكان يدرس خريطة الموقع وجميع ثغراته ومداخله ومخارجه، ولا يتركه حتى يطمئن بنفسه إلى سلامة الخطة ومناسبتها للهدف، ثم يسمح بعدها لإخوانه بالتحرك، ويقودهم بنفسه أحيانا إلى موقع الهجوم بكل تفان وإقدام.

• المزيد من البطولات

وما زلنا نقلّب صفحات المجد في سجل هذا الكمي الهمام، لننقل إليكم مزيدا من البطولات والهجمات التي خططها وقادها جرّاح الأعصاب، بإيجاز نسردها، فنحن على كل الأحوال لن نوفيها حقها.

منها الهجوم الانغماسي قرب مطار كابل وقصفه بالصواريخ، بالتزامن مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي وزعيم الناتو، وقد تكتموا عنه وحاولت طالبان سرقته.

ومنها العملية الاستشهادية قرب تجمّع السفارات الصليبية، ومنها العملية الانغماسية على مبنى "فضائية شمشاد"، ومنها العملية الانغماسية على المركز التدريبي للاستخبارات الأفغانية، ومنها العملية الانغماسية الخماسية على "مقر الفرقة 111" في كابل، حيث أوصل أبو حنظلة الانغماسيين إلى عقر الكلية الحربية، عبر التسلل فوق الأسلاك الشائكة، فما استفاق جنود الطاغوت إلا وعشاق المنايا فوق رؤوسهم.

ومنها العملية الاستشهادية المزدوجة على مقري الاستخبارات الأفغانية بمنطقة (شاش درك) في كابل.

• وللرافضة نصيب

كما كان للرافضة نصيب من بأس الطبيب، حيث لفحتهم نار الثأر خلال العملية الانغماسية المزدوجة التي شارك في تخطيطها، واستهدفت قطعانهم السائبة في منطقة (دشت برجي) في العاصمة كابل، والتي تعد خزانا بشريا للرافضة في خراسان ومددا لميليشياتهم المقاتلة في كل مكان، خصوصا إبّان حملتهم المجوسية الأخيرة على بلاد الشام والعراق.

• الغزوة العشرية على وزارة الداخلية

ومن أبرز الهجمات التي شارك حنظلة العدا في تخطيطها والإشراف عليها، الغزوة الانغماسية العشرية على وزارة الداخلية في كابل، حيث انطلق فيها عشرة من المهاجرين والأنصار، بسيارتين مضادتين للرصاص، وتخطوا جميع الحواجز الأمنية، متنكرين بملابس القوات الأمريكية حتى وصلوا إلى مقر الوزارة، وفجّروا أحزمتهم واشتبكوا وقتلوا وأصابوا العشرات، وكان الهدف منها "وزير الداخلية" بنفسه، إلا أن طارئا فنيا حال دون الوصول إليه.

• مهندس التفجيرات

لم يكن الطبيب قائدا ومخططا للهجمات فحسب، بل كان مهندسا يصنع العبوات ويطور اللاصقات بأبسط الإمكانيات المحليّة المتوفرة، بعون من الله وتوفيقه.

وقد هندس وأشرف الطبيب على إعداد سلسلة التفجيرات التي ضربت المراكز والنقاط الانتخابية، خلال إحدى جولات الانتخابات الشركية في العاصمة كابل، قبل عدة سنوات بمعدل عشرين تفجيرا.

كما نجح في تصنيع العبوات المخصصة لاستهداف السيارات المصفحة، وغيرها من أنواع العبوات المطورة والموقوتة التي أحدثت نقلة نوعية في الهجمات وسهلت كثيرا من المهمات، حتى استفاد المجاهدون منها في كسر جدران (سجن جلال آباد)، وحققت إثخانا وقطّعت أوصالا في صفوف جنود المرتدين.

فرحل الطبيب وبقيت عبواته ولمساته تداوي جراح المسلمين وتشفي صدورهم، وتنكي بالكافرين وتدمي قلوبهم، هكذا يفعل الطبيب عندما يكون على منهاج النبوة، اللهم فاجعل هذا له من الباقيات الصالحات.

• مقتله بغارة أمريكية في مهمة جلال آباد

في رمضان عام 1440 هـ، كان القائد أبو حنظلة وإخوانه يستعدون لخطوة ميدانية كبيرة تتمثل في السيطرة على منطقة (جلال آباد).

وقد انهمك أبو حنظلة وإخوانه في الإعداد لهذه الخطوة، ووضعوا الخطة الكاملة، ورصدوا لها العدة اللازمة، كما أرسلوا إلى الخليفة أبي بكر البغدادي تقبله الله يخبرونه بالأمر، ففرح الشيخ بذلك وأرسل إليهم مبلغا خاصا من بيت المال لدعم الخطوة الشجاعة.

وبينما كان أبو حنظلة في طريقه للاجتماع بأمراء المجاهدين للتشاور بشأن إتمام مراحل الخطة، قصفته مسيّرة أمريكية بمنطقة (زاوه) بقاطع (ننجرهار) ليومين بقيا من رمضان عام 1440 هـ، ليقضي نحبه في الغارة وهو منغمس في الإعداد والتجهيز لنصرة الإسلام والتمكين له، وكفى بها نهاية وخاتمة حسنة لحياة رجل أتته الدنيا راغمة فركلها ومضى يطبب القلوب بالجهاد ويداوي العلل بالقتال، فرحم الله حنظلة العدا ومسعر الحرب.

أما خطة السيطرة على (جلال آباد) فكانت إحدى مراحلها اقتحام سجنها المركزي وقد تم، ويليها مراحل أخرى أوسع، لكن حال دون إتمامها "الحملة الثلاثية" التي تقاسمها الصليبيون والحكومة الأفغانية وطالبان على مناطق سيطرة المجاهدين، وكان أولياء طالبان آنذاك يخفون مشاركتهم فيها، غير أن الخبر السيء لهؤلاء جميعا، أن الطبيب حنظلة ترك خلفه من يكمل المشوار ويضع الخطط ويواصل المسير بإذن الله تعالى، حتى تخضع خراسان لحكم الشريعة لا الديموقراطية.


المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 511
السنة السابعة عشرة - الخميس 12 ربيع الأول 1447 هـ

قصة شهيد:
الطبيب أبو حنظلة -تقبله الله-
قائد العمليات في كابل
...المزيد

سلامة الصدور من نعم الله على المؤمنين أن رتّب لهم أجورا على سلامة صدورهم واتساع خواطرهم ...

سلامة الصدور

من نعم الله على المؤمنين أن رتّب لهم أجورا على سلامة صدورهم واتساع خواطرهم لإخوانهم، ولعِظم مكانة هذه الصفة الحميدة خصّ الله تعالى بها أهل الجنة فقال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}.

ولمّا كان المسلمون الأولون، أذلة على إخوانهم، سليمة صدورهم تجاه بعضهم، صاروا يدا واحدة على من سواهم، فرُصت صفوفهم واشتد بنيانهم، وقويت شوكتهم ودان العرب والعجم لهم.

معنى سلامة الصدر

إن سلامة الصدر تعني خلّوه من الغل والحقد والحسد والضغينة تجاه المسلمين، فلا يحمل المسلم في صدره لأخيه إلا المحبة، ولا يظن به إلا خيرا، ولا يتمنى له إلا خيرا، بل يحب له الخير كما يحبه لنفسه.

ولكن، اعلم أخي المسلم، أنّ سلامة الصدر مما يشق على النفوس، فإن العبد قد يصبر على مكابدة قيام الليل وصيام الهواجر، لكنه قد لا يطيق إزالة ما رسب في قلبه على إخوانه! يشهد لذلك قصة الرجل الذي قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)، والحديث اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، إلا أن الشاهد منه قول الصحابي: "هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق"، فدلّ على أن تنقية الصدر من هذه العوالق لا تطيقه النفوس إلا بإرغامها وأطرها عليه.

كيف أحقق ذلك؟

إذن، المسلم مطالب ابتداء بمجاهدة نفسه في تحقيق سلامة صدره وتخليصه مما يوغره ويعلق به من غل ونحوه، فالمجاهدة أول الطرق إلى تحقيق ذلك.

- ومما يعين على ذلك: التوجه إلى الله تعالى بالدعاء أن يطهر قلبه من هذه الأدران، لأن الدعاء مفتاح كل خير، وقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (واسلل سخيمة صدري)، يعني نقّه من الغل والحقد.

- ومما يعين على ذلك مطالعة سير السابقين الأولين في تعاملاتهم فيما بينهم، وكيف اجتثوا جذور الغل والحسد والشحناء من صدورهم، بعد أن سمت نفوسهم إلى معالي الأمور وترفّعت عن سفاسفها، فما عاد يهمها من قال فيها بمدح أو ذم، وما عاد يحزنها أن يفوتها حظ من حظوظ الدنيا.

الصحابة وسلامة الصدر

لقد أثنى الله على الأنصار في كتابه لسلامة صدورهم تجاه إخوانهم المهاجرين، فقال عز وجل: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا}، قال ابن كثير: "أي، ولا يجدون في أنفسهم حسدا للمهاجرين، فيما فضلهم الله به من المنزلة والشرف، والتقديم في الذكر والرتبة".

وحرصا على سلامة صدورهم، كان الصحابة يسارعون لتطييب خواطر إخوانهم لكي لا تتراكم هذه العوالق فتتكاثر على القلب حتى تملأه غلا وحقدا، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه: "أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ، وَصُهَيْبٍ، وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟ فَأَتَى النَّبِيَّ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ، لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ!)، فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ؟ قَالُوا: لَا، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَخِي"، فتأمل مسارعة الصدّيق إلى إخوانه ليتأكد أنهم لم يحملوا عليه في صدورهم، وتأمل ردهم عليه.

هكذا كان الصحابة الكرام، وهكذا رباهم نبينا عليه الصلاة والسلام، الواحد منهم يرى غيره من إخوانه خيرا منه، يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، وينافسه في الآخرة لا في الدنيا.

إن بعض الظن إثم

ومما يعين على سلامة الصدر، ترك مهلكة الظنون، إذ ليس أهلك لصدر المؤمن وأروى لنبتة الضغينة في قلبه، من سوء الظن بإخوانه، لأنه يورث التجسس والغيبة والخوض في الأعراض والنيات، وقد حرّم الله تعالى ذلك كله ونهى عنه فقال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}، قال ابن كثير: "يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله، لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثير منه احتياطا... وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال: ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا". اهـ.

لا تباغضوا ولا تحاسدوا

- وقد نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن جملة من الصفات الذميمة التي توغر الصدر وتُذهب سلامته، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا) [البخاري]، أما التباغض فمحمود مع الكافرين، محرَم بين المسلمين، فالمؤمن مفروض عليه بغض الكافرين ومعاداتهم، وحب المسلمين وموالاتهم، وليس العكس كما يفعل المرتكسون.

ولو كان المسلم عاقلا، ما حسد أخاه على نعمة رزقها الله إيَاها، إذ كيف يحسده عليها، وهو يعلم أنه تعالى هو الذي قسم هذه النعم بين خلقه بعدله وحكمته؟! فقد يكون الحسد هنا اعتراضا منه على قدر الله تعالى! فليحترس المسلم من ذلك ويربأ بنفسه أن يقع في هذا المنزلق من أجل لعاعة الدنيا وحطامها.

الدنيا وإبليس

- ومن أسباب الجنوح إلى تلك الصفات الموغرة للصدر، الحرص على الدنيا والتعلق بها واتخاذها دار قرار لا دار ممر، وكما قيل: فحب الدنيا رأس كل خطيئة! وأغلب خصومات الناس اليوم سببها التنافس على الدنيا، وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته من ذلك فقال: (فَوَاللهِ ما الْفَقْرَ أخْشَى علَيْكُم، ولَكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كما بُسِطَتْ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كما أهْلَكَتْهُمْ) [البخاري]، وأي شيء يجلبه التنافس على الدنيا غير الأحقاد والأضغان؟

- ومن أسباب فقدان سلامة الصدر: إبليس اللعين الذي لا يتوقف عن السعي في إيقاع العداوة بين المسلمين، والتحريش بينهم بالخصومات والشحناء والنفخ في نفوسهم كما قال الصادق المصدوق: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ) [مسلم]. والعجب ممن يجعل إبليس دليله إلى عورات إخوانه، فيضلهم ويحرش بينهم.

المؤمن للمؤمن كالبنيان

لقد وصف النبي علاقة المسلم بأخيه المسلم فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ) [متفق عليه]، فلا يمكن للبناء أن يعلو ويستقيم إذا كان به ثغرات وفجوات، فيكون حينها عرضة للتصدع والانهيار، ولذا جاء النهي عن كل ما يؤدي لذلك من الأقوال والأفعال.

فالواجب على المسلمين عامة وأصحاب الثغور خاصة -كونهم الأحوج للألفة والاجتماع- الحرص على سلامة صدورهم لإخوانهم، واجتناب كل ما قد يلقيه الشيطان بينهم لإيقاع التدابر والتشاحن فيما بينهم حتى تأتلف الأرواح وتتحد القلوب، وترتص الصفوف، ويقوى عودها وتنتظم لبناتها، ويشمخ بنيانها فيعلو الإسلام ويعز جنابه ويسود أهله، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 511
السنة السابعة عشرة - الخميس 12 ربيع الأول 1447 هـ

مقال:
سلامة الصدور
...المزيد

الفرق بين الشجاعة والقوة الصدّيق نموذجا "وكثيرٌ من الناس تشتبه عليه الشجاعة بالقُوَّة، وهما ...

الفرق بين الشجاعة والقوة الصدّيق نموذجا

"وكثيرٌ من الناس تشتبه عليه الشجاعة بالقُوَّة، وهما متغايران، فإن الشجاعة هي ثباتُ القلب عند النوازل، وإن كان ضعيف البطش، وكان الصِّدِّيق أشجع الأُمَّة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان عُمَرُ وغَيْرُهُ أقوى منه، ولكن برز على الصحابة كلهم بثباتِ قلبه في كل موطن من المواطن التي تزلزل الجبال، وهو في ذلك ثابت القلب، ربيط الجأش، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم، فيثبِّتُهم ويشجِّعُهم، ولو لم يكن له إلا ثبات قَلْبه يوم الغَار وليلته، وثبات قَلْبهِ يوم بَدْرٍ، وهو يقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله! كفاك بعض مناشدتك ربَّك؛ فإنه منجز لك ما وعدك"، وثبات قلبه يوم أحد، وقد صَرَ خ الشيطان في الناس بأن مُحَمَّدًا قد قُتِل، ولم يبق أحدٌ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا دون عشرين في أُحدٍ، وهو مع ذلك ثابت القلْب، سَاكن الجَأْش، وثبات قلبه يوم الخندق، وقد زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وثبات قلبه يوم الحديبية، وقد قلق فارس الإسلام عمر بن الخطاب، حتى إن الصدِّيق ليثبِّتُه ويُسكِّنُه ويُطَمْئنُه، وثبات قلبه يوم حُنينٍ، حيث فرَّ الناس، وهو لم يفرّ، وثبات قلبه حين النازلة التي اهتزَّت لها الدنيا أجمع، وكادت تزول لها الجبال، وعُقِرَت لها أقدام الأبطال، وماجتْ لها قلوبُ أهل الإسلام، كموج البحر عند هُبُوْب قواصف الرياح، وصاح لها الشيطان في أقطار الأرض أبلغ الصِّيَاح، وخرج الناس بها من دين الله أفواجًا، وأثار عدو الله تعالى بها أقطار الأرض عجَاجًا، وانقطع لها الوحي من السماء، وكاد لولا دفاع الله تعالى لطمس نجوم الاهتداء، وأنكرت الصحابة بها قلوبهم، كيف لا وقد فقدوا رسولهم من بين أظهُرِهِم وحبيبهم، وطاشت الأحْلام، وغشي الآفاق ما غشيها من الظلام، واشرأبَّ النفاق، ومدَّ أهله الأعناق، ورفع الباطل رأسًا كان تحت قدم الرسول -صلى الله عليه وسلم- موضوعًا، وسَمِع المسلمون من أعداء الله تعالى ما لم يكن في حياته بينهم مَسْمُوعًا، وطمع عدوُّ الله أن يُعيد الناس إلى عبادة الأصنام، وأن يصرف وجوههم عن البيت الحرام، وأن يصدَّ قلوبهم عن الإيمان والقرآن، ويدعوهم إلى ما كانوا عليه من التهوُّد والتمجُّس والشرك وعبادة الصُّلبان، فشمَّر الصدِّيق من جِدِّه عن ساقٍ غير خوَّار، وانْتَضَى سيف عزمه الذي هو ثاني ذي الفقار، وامتطى من ظُهور عزائمه جوادًا لم يكن يَكْبُو السَّبَاق، وتقدَّم جنود الإسلام فكان أفرسهم إنما همُّه اللَّحَاق، وقال: "والله لأجاهدنَّ أعداء الإسلام جَهْدِي، ولأَصدُقَنَّهُمُ الحرب حتى تنفرد سالفتي أو أفرد وحدي، ولأدْخِلَنَّهُم في الباب الذي خرجوا منه، ولأرُدَّنَّهُم إلى الحق الذي رغبوا عنه" فثبَّت الله تعالى بذلك القلب -الذي لو وُزِن بقلوب الأمة لرجَحَها- جيوش الإسلام، وأذلَّ بها المنافقين والمرتدين وأهل الكتاب وعبدة الأصنام، حتى استقامت قناة الدين من بعد اعوجاجها، وجرت الملَّة الحنيفية على سننها ومنهاجها، وتولّى حزبُ الشيطان وهم الخاسرون، وأذَّن مؤذَّن الإيمان على رؤوس الخلائق: {أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

هذا؛ وما ضعفت جيوش عزماته، ولا استكانت ولا وهنت، بل لم تزل الجيوش بها مؤيَّدة ومنصورة، وما فرحت عزائم أعدائه بالظفر في موطن من المواطن، بل لم تزل مذلولة مكسورة، تلك لعَمْر الله تعالى الشجاعة التي تضاءلت لها فُرْسَان الأمم، والهِمَّة التي تصاغرت عِنْدها عَلِيَّات الهِمَم، ويحقُّ لصدِّيق الأُمَّة أن يْضرِب من هذا المَغْنم بأوفر نصيب، وكيف لا وقد فاز من ميراث النبوَّة بكمال التَّعْصِيْب، وقد كان الموروث صلوات الله تعالى وسلامه عليه أشجع الناس، فكذلك وارثه وخليفته من بعده أشجع الأمَّة بالقياس، ويكفي أنَّ عمر بن الخطاب سهمٌ من كِنَانَتِه، وخالد بن الوليد سلاحٌ من أسْلِحته، والمهاجرون والأنصار أهل بيعته وشوكته، وما منهم إلا من اعترف أنه يستمدُّ من ثباته وشجاعته".

الفروسية المحمدية / لابن القيم



• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 511
السنة السابعة عشرة - الخميس 12 ربيع الأول 1447 هـ

مقتطفات النبأ:
الفرق بين الشجاعة والقوة
الصدّيق نموذجا
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 511 الافتتاحية: منزلة الشهادة لا شيء يكثر الحديث عنه في ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 511
الافتتاحية:

منزلة الشهادة

لا شيء يكثر الحديث عنه في ميادين الجهاد وثغور الرباط مثل الشهادة، وهي منزلة عظيمة ودرجة عالية رفيعة، معراجها الدماء وصداقها الأشلاء، يطلبها الكثيرون ولا ينالها إلا الأنقياء، إذْ أنها محض اصطفاء كما أخبر المولى: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ}، فما كل من خطبها أجابته ولا كل من تمنّاها أتته، ولكن من يصدق الله يصدقه.

وقد تواترت نصوص الوحيين في فضلها والترغيب فيها، وتتابعت أقوال الأئمة في بيان أحكامها ومنازلها، وتوالت قوافل المجاهدين تسعى خلفها وتجاور المنايا لأجلها، تتمناها وتبذل لها غاية جهدها، وكلما سمعت هيعة أو فزعة طارت إليها تطلبها في مظانها، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.

وفي أسباب تسمية الشهيد تكاثرت أقوال العلماء وتقاطرت، قال ابن حجر في الفتح: "اختُلف في سبب تسمية الشهيد شهيدا، فقال النضر بن شميل: لأنه حي فكأنّ أرواحهم شاهدة أي حاضرة، وقال ابن الأنباري: لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة، وقيل: لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة، وقيل: لأنه يشهد له بالأمان من النار، وقيل: لأن عليه شاهدا بكونه شهيدا، وقيل: لأنه لا يشهده عند موته إلا ملائكة الرحمة، وقيل: لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل، وقيل: لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة، وقيل: لأن الأنبياء تشهد له بحسن الاتّباع، وقيل: لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه، وقيل: لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره، وقيل: لأنه يشاهد الملكوت من دار الدنيا ودار الآخرة، وقيل: لأنه مشهود له بالأمان من النار". أهـ. وقد وردت أقوال غيرها كلها تقطر فضلا وتدرّ أجرا وفخرا.

وإنّ أنفس العقود وأبرها وأوثقها عقد الشهيد وصفقته مع ربه تبارك وتعالى، ولذلك أكدها الله بأنواع المؤكدات في كتبه المنزلة على أولي العزم من رسله فقال سبحانه: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ}، قال ابن كثير: "إذا أردت أن تعرف مقدار الصفقة، فانظر إلى المشتري من هو؟ وهو اللّه جل جلاله، وإلى العوض وهو أكبر الأعواض وأجلها، جنات النعيم، وإلى الثمن المبذول فيها وهو النفس، والمال الذي هو أحب الأشياء للإنسان ، وإلى من جرى على يديه عقد هذا التبايع وهو أشرف الرسل، وبأي كتاب رقم وهي كتب اللّه الكبار المنزلة على أفضل الخلق". اهـ.

ولمّا كان الموت مصير كل حي، كان الأجدر بمن ملأ اليقين قلبه، أن يبادره قبل أن يباغته، وأن يطارده قبل أن يداهمه، وأن يختار له أرجى الطرق وأجداها وأجودها، وهو القتال في سبيل الله، ذودا عن حياض الدين وحرمات المسلمين، وما أعذب الموت في هذا السبيل المبرور، فلقد كان أمنية خير الخلق وأتقاهم نبينا -صلى الله عليه وسلم- القائل: (والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل) [متفق عليه]، وقد بوّب الإمام البخاري في صحيحه: "باب تمني الشهادة".

كما تمناها وسعى إليها صفوة الخلق بعد الأنبياء -عليهم السلام- الصحابة الكرام الذين باعوا أنفسهم لله وطلّقوا الدنيا وبتّوا طلاقها وطلبوا الشهادة في مواطنها، فاشتروا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله، سعيا في نيل منزلتها، خير المنازل عند الله تعالى، لا تعلوها إلا منزلة الأنبياء والصديقين، وقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- دار الشهداء في الجنة فقال: (رأيت الليلة رجلين أتياني فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل، لم أرَ قط أحسن منها، قالا: أما هذه فدار الشهداء). [البخاري].

وأما مصير أرواح الشهداء بعد مقتلهم فأكرم به من مصير، قال الإمام ابن كثير: "خبّر تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قُتلوا في هذه الدار، فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار، في حواصل طير خضر، فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين فإنها تطير بأنفسها" اهـ، وبيّن الإمام ابن رجب الفرق بين أرواح الشهداء وأرواح عموم المؤمنين في البرزخ: "أن أرواح الشهداء تخلق لها أجساد، وهي الطير التي تكون في حواصلها، ليكمل بذلك نعيمها ويكون أكمل من نعيم الأرواح المجردة من الأجساد، فإن الشهداء بذلوا أجسادهم للقتل في سبيل الله، فعُوِّضوا عنها بهذه الأجساد في البرزخ". اهـ.

ومن أعظم فضائل الشهيد أنه يؤمّن من فتنة القبر، وقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- سبب ذلك، فأخرج النسائي في السنن: "أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، ما بالُ المؤمنين يُفتنون في قبورِهم إلَّا الشَّهيدَ؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: (كفَى ببارقةِ السُّيوفِ على رأسِه فتنةً)". فإنّ فتنة القبر تختبر صدق الإيمان، وثبوت المجاهد في مواطن التقاء السيوف وتطاحن الصفوف، خير دليل على صدق إيمانه، فكفته هذه تلك.

وطالما شكّك أهل الوهن والعينة في طريق الجهاد والشهادة، مع أن الله تولى الرد عليهم بذاته العلية، قال ابن كثير: "لمّا كان من شأن القتال أن يُقتل كثير من المؤمنين، قال: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} أي: لن يُذهبها، بل يكثرها وينميها ويضاعفها، ومنهم من يجري عليه عمله في طول برزخه". اهـ.

ثم تدبر قوله تعالى: {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} هل هو إلا سلوى للمؤمنين وبلسمٌ للسائرين على هذا الدرب، الذي يلاقي فيه المجاهد القابض على الجمر، ما يهدّ الجبال ويفتت جلامد الصخر، وهو مع ذلك ثابت لا يتزعزع ماض لا يتضعضع، وكأنها بشارة إلهية إلى عباده الغرباء الذين ينصر بهم ملته والناس عنهم صدود؛ أنّ الله سيصلح بالكم ويعوضكم أضعاف ما عانيتم وقاسيتم في درب الجهاد، ومن ذاق عرف، ولا يفقه القرآن مثل مجاهد.

وما هذه النصوص الثابتة إلا نزر يسير من غزير فضل الشهادة، نسوقها لنحرّك الأشواق إلى مصارع العشاق ونثير الغرام إلى دار السلام، فهبّوا للجهاد حماة الإسلام، تقافزوا للمنون وتواثبوا إلى الطعان، وانفروا خفافا وثقالا، وتذكروا أن الشهادة منازل تتفاضل، ألا فتنافسوها كما تنافسها الربّيون قبلكم، وكلهم من باب الإخلاص جازوا فما كل قتيل في الصف شهيد، والله أعلم بمن يقاتل في سبيله، وهذا الذي عليه العهدة، فيا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا بالإسلام حتى نلقاك عليه مقبلين غير مدبرين.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 511
السنة السابعة عشرة - الخميس 12 ربيع الأول 1447 هـ
...المزيد

نصائح جامعة من أمير المؤمنين أبي بكر البغدادي تقبله الله فاسعوا للنصر مجتهدين باذلين، واطلبوا ...

نصائح جامعة من أمير المؤمنين أبي بكر البغدادي تقبله الله


فاسعوا للنصر مجتهدين باذلين، واطلبوا الشهادة صابرين محتسبين، وتوكلوا على من بيده ملكوت كل شيء، وارجوه العون والسداد والهداية والرشاد، وواصلوا المسير فهذا طريق الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، هجرة وقتال، دماء وأشلاء، ولا يهولنكم أو يغرنكم كثرة المنتكسين أو المخذلين والمخالفين.

والزموا غرز الجماعة، وإياكم والإختلاف على أمراءكم، وليحفظ كل امرئ منكم ثغره، ولا يؤتين الإسلام من قبله، فالطبيب والإعلامي والقاضي والدعوي والمحتسب والأمني والإداري كل في جهاد وجلاد وصبر واحتساب، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة


أمير المؤمنين أبو بكر البغدادي تقبله الله
من الكلمة الصوتية: { وبشر الصابرين }
...المزيد

أهمية الهداية في حياة المجاهد بيّن -تعالى شأنه- أن الظالمين من عباده يحرمون من هدايته بمقدار ...

أهمية الهداية في حياة المجاهد

بيّن -تعالى شأنه- أن الظالمين من عباده يحرمون من هدايته بمقدار معصيتهم له، حتى إن خرجوا عن طاعته بالكلية، حُرموا من هدايته بالكلية أيضا، وهذا من أكبر عقوباته لمن عصاه في الدنيا، قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]، وقال سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المنافقون: 6]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 67].

فإذا علم المجاهد ذلك، نظر إلى حاله في كل حين، فإن وجد في نفسه نشاطا على الطاعات وتعلقا بالجهاد في سبيل الله ورغبة في الآخرة عن الدنيا، حمد الله تعالى أن يسّر له من العبادات ما يقوي به إيمانه، وأبعده عن معاصيه، وإن وجد في نفسه فتورا وانصرافا إلى الدنيا ورغبة فيها عن الآخرة، سأل الله تعالى لنفسه الهداية واستعان على ذلك بالطاعات الظاهرة والباطنة، وتاب من المعاصي، واستغفر الله من ذنبه، لعل الله تعالى أن يهديه إلى صراط مستقيم.


• مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [190]
"آمنوا بربهم وزدناهم هدى"
...المزيد

سنة الاستبدال { وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا ...

سنة الاستبدال

{ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }

ولقد رأينا مصداق هذا الأمر كثيرا في هذا الجهاد المبارك، إذ يبعث الله تعالى في كل حين طوائف من عباده تنصر دينه وتعمل لإقامته في الأرض، في الوقت الذي تزيغ فيه قلوب عباد مضى لهم في طريق الجهاد سنين، إما لشهوات دنيوية رانت على قلوبهم فأنستهم ذكر ربهم، فمكنوا الشيطان بذلك من أنفسهم، أو لشبهات دينية استولت على عقولهم حتى ضلوا بها عن سواء السبيل، والسعيد من أسعده الله بالثبات على الطريق من بعد الهداية إليه، حتى نيل الجائزة التي أعدها الله تعالى لمن ختم حياته بالسير عليه، جنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للمتقين.


• مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [179]
"فسوف يأتي الله بقوم"
...المزيد

مؤسسة آفاق الإلكترونية - سلسلة نصائح أمنية الحلقة الأولى: الفقرة (٢) ضع جهاز النصرة على ...

مؤسسة آفاق الإلكترونية - سلسلة نصائح أمنية
الحلقة الأولى: الفقرة (٢)


ضع جهاز النصرة على وضعية الطيران دائما،
ولا تتصل بالإنترنت عليه من خلال SIM card
مباشرة، بل من خلال وسيط كالراوتر.

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً