وقفة استراحة. عجبا والله أمر الأطفال الصغار!! فيهم خصال طيبة لو كانت عندنا مع عملنا الصالح ...

وقفة استراحة.
عجبا والله أمر الأطفال الصغار!! فيهم خصال طيبة لو كانت عندنا مع عملنا الصالح لأصبحنا أولياء الله بدون شكّ -بإذن الله-.
لا يفكرون بالماضي، ولا يذكرون الزمن الغابر، ولا يعيدون عجلة التاريخ الأول، ولا يهتمون للمستقبل، ولا يبالون بما يحصل فيه، ولا يركنون إلى الدنيا، ولا يفكرون بعمارتها، همهم الوحيد ساعة حاضرهم كيف يسعدون فيها أنفسهم، وكيف يلعبون ويمرحون، ويأكلون ويشربون، حتى إذا أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، ناموا على فراش الراحة متلذذين بنومهم، قلوبهم كاللبن الأبيض صافية، وصدروهم كالزجاجة ناقية، لا يحملون حقدا لأحد، ولا غلا لأحد، ولا كرها لأحد، حتى إذا طلع الفجر بنوره، قاموا في نشاط تام، وحيوية كاملة، يبتسمون ويضحكون وكأنهم عصافير تغرّد وتغنّي في مطلع الفجر..
في يوم من الأيام والناس يصيحون ويتذمرون، نظروا إلى اليمين فرأوا فيروس كورونا قادم إليهم، فنظروا إلى اليسار فرأوا غلا الأسعار قد حلّ في بلادهم، ونظروا إلى السماء فوقهم فرأوها قطعت الغيث عنهم، ونظروا إلى الأرض تحتهم فرأوها أجدبت نباتها عنهم، فنظروا في صدورهم فوجدوها كثقب إبرة ضاقت عليهم، ونظروا في دماءهم فإذا هي تجمدت في عروقهم، ولا تضخ إلى قلوبهم، فهم في حالة رعب وخوف وحزن ما الله به عليم، فجلستُ على مائدة الغداء بحضرة الوالد والإخوان نتذاكر الألم الذي يعانيه الناس من هذه المصائب فأمعنتُ النظر في وجه أخي الصغير وهو صامتٌ يأكل الطعام بشهية وبسرعة، فقلت لهم: يا سبحان الله!! ما أجمل البراءة في وجوه الصغار، العالم اليوم يصيح والناس خائفون, وهذا الصغير لا يهمه غير مأكله ومشربه لا يبالي بما يحدث، ولا يهتم لما سيقع، ولا يحزن على ما مضى.
ما أجمل الطفولة تجد في ابتسامتهم البراءة، وفي تعاملاتهم البساطة, لا يحقدون ولا يحسدون, وإن أصابهم مكروه لا يتذمرون, يعيشون يومهم بيومهم بل ساعتهم بساعته, لا يأخذهم التفكير ولا التخطيط لغد, ولا يفكرون كيف سيكون وماذا سيعملون, أحاسيسهم مرهفة، وأحاديثهم مشوقة، وتعاملاتهم محببة, إن أساءت إليهم اليوم في الغد ينسون، وبكلمة تستطيع أن تمحو تلك الإساءة؛ ذلك لان قلوبهم بيضاء لا تحمل على أحد، وبتعاملك اللطيف معهم يعطوك كامل مشاعرهم حباً واحتراماً وتعلقاً, صحيح أنها صفات طفولية, ولكنها جميلة ورائعة, والأروع من ذلك أن تكون فينا نحن الكبار فنكتسب منهم فنّ التعامل، ونأخذ منهم نقاء القلب، وصفاء النفس، وسعة الصدر، وسلامة المقصد، وحسن التوكل، وطرح مثاقل الجبال..
رأيتُ طفلين في سنّ الرابعة يتحدثان فقال الأول: لا تعبر على القبور فإن الله سيحرقك بالنار، وأخذ يرددها على الآخر، ما كان منه إلا أن أسرع إلى البيت وهو يبكي ويشكتي إلى أمّه ويقول: فلان قال لي: إن الله سيحرقني بالنار إن أنا مشيت على القبور، وأنا والله ما مشيتُ عليها..
يا الله ما هذه البراءة الطفولية، والفطرة الإيمانية؟!.
لو أننا دخلنا بتواضع وتذلل مدرسة الأطفال الصغار وأخذنا منهم دروس سعادتنا لأصبحنا من السعداء.
نتوكل على الله، ونحسن الظنّ به، وننشغل بيومنا الحاضر، ونذكر الله فيه، ونحمل الخير للآخرين، ولا نحمل لهم غلّا ولا حقدا ولا حسدا، وننسى الماضي وما مضى، وخبره وما جرى، ولا نهتم للمستقبل الآتي، ولا نخاف من الأمر الغيبي، ونؤمن بقضاء الله وقدره، ونرضى عن الله وأمره، فنحصل على السعادة، وستأتي إلينا راغمة..

📙📙 من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان. ص:(147).
🖋🖋 أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي.
ملاحظة/ المصادر والمراجع في متن الكتاب او على نسخة pdf.
...المزيد

منتزهات القلوب. قال أبو نصر الميكالي: تذاكرنا المنتزهات يومًا وابن دُرَيْد حاضر، فقال بعضُهم: ...

منتزهات القلوب.
قال أبو نصر الميكالي: تذاكرنا المنتزهات يومًا وابن دُرَيْد حاضر، فقال بعضُهم: أنزهُ الأماكن غُوطة دمشق. وقال آخرون: بل نهر الأُبلَّة. وقال آخرون: بل سُغْد سمرقند. وقال بعضُهم: نهروان بغداد. وقال بعضُهم: شِعب بوَّان. وقال بعضُهم: نوبهار بلخ.
فقال (أي ابن دريد): هذه منتزهات العيون فأين أنتم عن متنزهات القلوب؟ قلنا: وما هي يا أبا بكر؟ قال: ((عيون الأخبار)) للقتبي، و ((الزهرة)) لابن داود، و ((قلق المشتاق)) لابن أبي طاهر. ثم أنشأ يقول:
ومَن تكُ نزهتَهُ قينةٌ ... وكأسٌ تحثُّ وكأس تُصَبْ
فنزهتُنا واستراحَتُنا ... تلاقي العيون ودَرْس الكتبْ().
قال المأمون: لا نزهة ألذُّ من النظر في عقول الرجال().. يقصد كثرة المطالعة في كتب العلماء.
فيجب عليك الغوص في بحر العلماء الأفذاذ، واستخراج حُلي ومجوهرات علمهم في مطالعة كتبهم، والنظر في خط أقلامهم..
ﺧﻠﻴﻠﻲ ﻛﺘﺎﺑﻲ ﻻ ﻳﻌﺎﻑ ﻭﺻﺎﻟﻴﺎ ... ﻭﺇﻥ ﻗﻞ ﻟﻲ ﻣﺎﻝ ﻭﻭﻟﻰ ﺟﻤﺎﻟﻴﺎ
ﻛﺘﺎﺑﻲ ﻋﺸﻴﻘﻲ ﺣﻴﻦ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻣﻌﺸﻖ ... ﺃﻏﺎﺯﻟﻪ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻳﺪﺭﻱ ﻏﺰاﻟﻴﺎ
ﻛﺘﺎﺑﻲ ﺟﻠﻴﺴﻲ ﻻ ﺃﺧﺎﻑ ﻣﻼﻟﻪ ... ﻣﺤﺪﺙ ﺻﺪﻕ ﻻ ﻳﺨﺎﻑ ﻣﻼﻟﻴﺎ
ﻛﺘﺎﺑﻲ ﺑﺤﺮ ﻻ ﻳﻐﻴﺾ ﻋﻄﺎﺅﻩ ... ﻳﻔﻴﺾ ﻋﻠﻲ اﻟﻤﺎﻝ ﺇﻥ ﻏﺎﺽ ﻣﺎﻟﻴﺎ
ﻛﺘﺎﺑﻲ ﺩﻟﻴﻞ ﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺧﻴﺮ ﻏﺎﻳﺔ ... ﻓﻤﻦ ﺛﻢ اﺩﻻﻟﻲ ﻭﻣﻨﻪ ﺩﻻﻟﻴﺎ..
حتى أننا كنا في الكلية وكان بعض الأساتذة يعطينا ملازم من ورقة إلى عشر نذاكر منها، فكنت أسأم من قراءتها، وأتضايق من تقليب صفحاتها، حتى أنني أحصل على تقدير جيد بعد الامتحان، لكن بعض الأساتذة يعطينا المقرر كتابا كاملا فكنت أتبحر فيه، وأتلذذ بتقليب صفحاته وأحصل على فوائد غير الذي قرره علينا، وبعد الامتحان أجد درجتي عالية بتقديرات امتياز..
قراءة الكتب تعني أنك تقطف من حدائق العالم، وتطوف على عجائب الدنيا، وتدور الزمان والمكان، وتناجي ربك السموات والأرض، وتجالس الرسول -صلى عليه وسلم- وصحبه والتابعين والعلماء وكأنك في مجلس واحد بينهم.
وإن تعجب فعجب حال بعضهم يقضي حياته في اللهو واللعب, ولم يجهز لنفسه -ولا مرة-رحلة إلى هذا المنتزه، بهذا يكون قد أضاع نصف حياته.
كان ابن المبارك ﻳﻜﺜﺮ اﻟﺠﻠﻮﺱ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ، ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ: ﺃﻻ ﺗﺴﺘﻮﺣﺶ؟. ﻓﻘﺎﻝ: ﻛﻴﻒ ﺃﺳﺘﻮﺣﺶ ﻭﺃﻧﺎ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ- ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ؟.
قال النهرواني: ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺻﻴﺖ ﻭﻣﻜﺎﻧﺔ ﻋﺎﺗﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻼﺯﻣﺔ اﻟﻤﻨﺰﻝ، ﻭإﻏﺒﺎﺑﻲ ﺯﻳﺎﺭﺗﻪ، ﻭﺇﻗﻼﻟﻲ ﻣﺎ ﻋﻮﺩﺗﻪ ﻣﻦ اﻹﻟﻤﺎﻡ ﺑﻪ ﻭﻏﺸﻴﺎﻥ ﺣﻀﺮﺗﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ: ﺃﻣﺎ ﺗﺴﺘﻮﺣﺶ اﻟﻮﺣﺪﺓ؟ ﻭﻧﺤﻮ ﻫﺬا ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺎﻟﺔ. ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: ﺃﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻲ ﺇﺫا ﺧﻠﻮﺕ ﻣﻦ ﺟﻠﻴﺲ ﻳﻘﺼﺪ ﻣﺠﺎﻟﺴﺘﻲ، ﻭﻳﺆﺛﺮ ﻣﺴﺎﺟﻠﺘﻲ، ﻓﻲ ﺃﺣﺴﻦ ﺃﻧﺲ ﻭﺃﺟﻤﻠﻪ، ﻭﺃﻋﻼﻩ ﻭﺃﻧﺒﻠﻪ، ﻷﻧﻨﻲ ﺃﻧﻈﺮ ﻓﻲ ﺁﺛﺎﺭ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻭاﻷﻧﺒﻴﺎء، ﻭاﻷﺋﻤﺔ ﻭاﻟﻌﻠﻤﺎء، ﻭﺧﻮاﺹ اﻷﻋﻼﻡ اﻟﺤﻜﻤﺎء، ﻭﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء ﻭاﻟﻮﺯﺭاء، ﻭاﻟﻤﻠﻮﻙ ﻭاﻟﻌﻈﻤﺎء، ﻭاﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻭاﻷﺩﺑﺎء، ﻭاﻟﻜﺘّﺎﺏ ﻭاﻟﺒﻠﻐﺎء، ﻭاﻟﺮﺟّﺎﺯ ﻭاﻟﺸﻌﺮاء، ﻭﻛﺄﻧﻨﻲ ﻣﺠﺎﻟﺲ ﻟﻬﻢ، ﻭﻣﺴﺘﺄﻧﺲ ﺑﻬﻢ، ﻭﻏﻴﺮ ﻧﺎء ﻋﻦ ﻣﺤﺎﺿﺮﺗﻬﻢ، ﻟﻮﻗﻮﻓﻲ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﺒﺎﺋﻬﻢ، ﻭﻧﻈﺮﻱ ﻓﻴﻤﺎ اﻧﺘﻬﻰ ﺇﻟﻲّ ﻣﻦ ﺣﻜﻤﻬﻢ ﻭﺁﺭاﺋﻬﻢ().
ﻗﺎﻝ اﻟﺠﺎﺣﻆ: ﻭﻟﻘﺪ ﺩﺧﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﺑﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﺇﻣﺮﺗﻪ، ﻓﺮﺃﻳﺖ اﻟﺴﻤﺎﻃﻴﻦ ﻭاﻟﺮﺟﺎﻝ ﻣﺜﻮﻻ, ﻛﺄﻥ ﻋﻠﻰ ﺭءﻭﺳﻬﻢ اﻟﻄﻴﺮ، ﻭﺭﺃﻳﺖ ﻓﺮﺷﺘﻪ ﻭﺑﺰﺗﻪ، ﺛﻢ ﺩﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻫﻮ ﻣﻌﺰﻭﻝ، ﻭﺇﺫا ﻫﻮ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ ﻛﺘﺒﻪ، ﻭﺣﻮاﻟﻴﻪ اﻷﺳﻔﺎﻁ ﻭاﻟﺮﻗﻮﻕ، ﻭاﻟﻘﻤﺎﻃﺮ ﻭاﻟﺪﻓﺎﺗﺮ ﻭاﻟﻤﺴﺎﻃﺮ ﻭاﻟﻤﺤﺎﺑﺮ، ﻓﻤﺎ ﺭﺃﻳﺘﻪ ﻗﻂ ﺃﻓﺨﻢ ﻭﻻ ﺃﻧﺒﻞ، ﻭﻻ ﺃﻫﻴﺐ ﻭﻻ ﺃﺟﺰﻝ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ اﻟﻴﻮﻡ، ﻷﻧﻪ ﺟﻤﻊ ﻣﻊ اﻟﻤﻬﺎﺑﺔ اﻟﻤﺤﺒﺔ، ﻭﻣﻊ اﻟﻔﺨﺎﻣﺔ اﻟﺤﻼﻭﺓ، ﻭﻣﻊ اﻟﺴﻮﺩﺩ اﻟﺤﻜﻤﺔ..
ﻗﺎﻝ اﺑﻦ اﻟﺠﻬﻢ: ﺇﺫا ﻏﺸﻴﻨﻲ اﻟﻨﻌﺎﺱ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻭﻗﺖ ﻧﻮﻡ -ﻭﺑﺌﺲ اﻟﺸﻲء اﻟﻨﻮﻡ اﻟﻔﺎﺿﻞ ﻋﻦ اﻟﺤﺎﺟﺔ- ﻗﺎﻝ: ﻓﺈﺫا اﻋﺘﺮاﻧﻲ ﺫﻟﻚ ﺗﻨﺎﻭﻟﺖ ﻛﺘﺎﺑﺎ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ اﻟﺤﻜﻢ، ﻓﺄﺟﺪ اﻫﺘﺰاﺯﻱ ﻟﻠﻔﻮاﺋﺪ، ﻭاﻷﺭﻳﺤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺮﻳﻨﻲ ﻋﻨﺪ اﻟﻈﻔﺮ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺤﺎﺟﺔ، ﻭاﻟﺬﻱ ﻳﻐﺸﻰ ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻦ ﺳﺮﻭﺭ اﻻﺳﺘﺒﺎﻧﺔ ﻭﻋﺰ اﻟﺘﺒﻴﻴﻦ ﺃﺷﺪ ﺇﻳﻘﺎﻇﺎ ﻣﻦ ﻧﻬﻴﻖ اﻟﺤﻤﻴﺮ ﻭﻫﺪﺓ اﻟﻬﺪم..
ﻓﻬﺬا ﻏﺎﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻐﻒ ﻭاﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭاﻟﻌﻠﻢ! ﻓﺈﺫا ﻏﻠﺒﻪ اﻟﻨﻌﺎﺱ ﻃﺮﺩﻩ ﺑﺎﺳﺘﺠﻼﺏ اﻟﻜﺘﺐ ﻭاﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﻴﻬﺘﺰ ﻟﻔﻮاﺋﺪﻫﺎ، ﻭﻳﻄﺮﺏ ﻟﺤﻜﻤﻬﺎ().
المطالعة في كتب القدماء السعداء باب يفتح للنفس شهيتها، ويرد لها فاقتها، ومن حُرم ذلك فقد حرم نفسه ما تشتاق إليه.
قال الحافظ ابن عبد الهادي وهو يخبرنا عن لذة شيخه ابن تيمية في قراءة الكتب والتبحر فيها: ﻻ ﺗﻜﺎﺩ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﺸﺒﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ، ﻭﻻ ﺗﺮﻭﻯ ﻣﻦ اﻟﻤﻄﺎﻟﻌﺔ، ﻭﻻ ﺗﻤﻞّ ﻣﻦ اﻻﺷﺘﻐﺎﻝ، ﻭﻻ ﺗﻜﻞ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺚ، ﻭﻗﻞّ ﺃﻥ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻮﻡ ﻓﻲ ﺑﺎﺏ ﻣﻦ ﺃﺑﻮاﺑﻪ ﺇﻻ ﻭﻳﻔﺘﺢ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ اﻟﺒﺎﺏ ﺃﺑﻮاﺏ، ﻭﻳﺴﺘﺪﺭﻙ ﺃﺷﻴﺎء ﻓﻲ ﺫﻟﻚ اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﺬاﻕ ﺃﻫﻠﻪ()..
ﻗﺎﻝ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺧﻠﻴﻞ اﻟﻬﺮاس: ﻛﺎﻥ ﻻﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺑﺼﺮ ﻧﺎﻓﺬ ﻭﻧﻔﺲ ﻃﻠﻌﺔ ﻻ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﺸﺒﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ، ﻭﻻ ﺗﻜﻞ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺚ، ﻭﻻ ﺗﺮﻭﻯ ﻣﻦ اﻟﻤﻄﺎﻟﻌﺔ، ﻣﻊ اﻟﺘﻮﻓﺮ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻭﻗﻄﻊ اﻟﻨﻔﺲ ﻟﻪ ﻭﺻﺮﻑ اﻟﻬﻤﺔ ﻧﺤﻮﻩ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﻋﻦ اﻟﺒﺤﺚ ﻭاﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﻃﻴﻠﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺸﺎﻡ ﺃﻭ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ، ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ﺃﻭ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ، ﺑﻞ ﺇﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﻮﺟﻊ ﺃﻟﻤﺎ ﻭﺣﺴﺮﺓ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺃﺧﺮﺟﻮا اﻟﻜﺘﺐ ﻭاﻷﻭﺭاﻕ ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻩ ﻓﻲ ﺃﺧﺮﻳﺎﺕ ﺃﻳﺎﻣﻪ..
ﻗﺎﻝ اﻹﻣﺎﻡ اﺑﻦ اﻟﻘﻴﻢ: ﻭﺣﺪﺛﻨﻲ ﺷﻴﺨﻨﺎ -ﻳﻌﻨﻲ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ- ﻗﺎﻝ: اﺑﺘﺪﺃﻧﻲ ﻣﺮﺽ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ اﻟﻄﺒﻴﺐ: ﺇﻥ ﻣﻄﺎﻟﻌﺘﻚ ﻭﻛﻼﻣﻚ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ ﻳﺰﻳﺪ اﻟﻤﺮﺽ. ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: ﻻ ﺃﺻﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺣﺎﻛﻤﻚ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﻤﻚ، ﺃﻟﻴﺴﺖ اﻟﻨﻔﺲ ﺇﺫا ﻓﺮﺣﺖ ﻭﺳﺮﺕ ﻭﻗﻮﻳﺖ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻓﺪﻓﻌﺖ اﻟﻤﺮﺽ؟. ﻓﻘﺎﻝ: ﺑﻠﻰ. ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: ﻓﺈﻥ ﻧﻔﺴﻲ ﺗﺴﺮ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﻓﺘﻘﻮﻯ ﺑﻪ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻓﺄﺟﺪ ﺭاﺣﺔ. ﻓﻘﺎﻝ: ﻫﺬا ﺧﺎﺭﺝ ﻋﻦ ﻋﻼﺟﻨﺎ()..
ﻭﻗﺎﻝ اﺑﻦ اﻟﻘﻴﻢ ﺃﻳﻀﺎ عن شيخه ابن تيمية: ﻭﺃﻋﺮﻑ ﻣﻦ ﺃﺻﺎﺑﻪ ﻣﺮﺽ ﻣﻦ ﺻﺪاﻉ ﻭﺣﻤﻰ ﻭﻛﺎﻥ اﻟﻜﺘﺎﺏ ﻋﻨﺪ ﺭﺃﺳﻪ، ﻓﺈﺫا ﻭﺟﺪ ﺇﻓﺎﻗﺔ ﻗﺮﺃ ﻓﻴﻪ، ﻓﺈﺫا ﻏﻠﺐ ﻭﺿﻌﻪ، ﻓﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻄﺒﻴﺐ ﻳﻮﻣﺎ ﻭﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻥ ﻫﺬا ﻻ ﻳﺤﻞ ﻟﻚ ﻓﺈﻧﻚ ﺗﻌﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻚ ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎ ﻟﻔﻮﺕ ﻣﻄﻠﻮﺑﻚ().
أنشد الإمام الشافعي -رحمه الله-:
لمحبرة تجالسني نهاري... أحب إلى من أنس الصديق
ورزمة كاغد في البيت عندي... أحب إلي من عدل دقيق
ولطمة عالم في الخد مني... أحب إلي من شرب الرحيق.
وقال -رحمه الله- أيضا:
إن صحبنا الملوك تاهوا علينا... واستبدوا بالرأي دون الجليس
أو خدمناهم بقبض وبسط... كان أدعى إلى دخول الحبوس
أو صحبنا التجار عدنا إلى اللوم... وصرنا إلى حساب الفلوس
أو لزمنا السلاح نبغي به العز... تعدى إلى احترام النفوس
فلزمنا البيوت نتخذ الحبر... ونطلي به وجوه الطروس
ونناجي العلوم في كل فن... عوضا عن منادمات الكؤوس().
فإن أردت السعادة لنفسك فعليك: مطالعة الكتب والنظر فيها تتسع أمامك الأفاق، وينمو فيك رصيد المعرفة, فإن ﻫﺠﺮ اﻟﻤﻄﺎﻟﻌﺔ، ﻭﺗﺮﻙ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺐ ﻭاﻻﻧﻔﺮاﺩ ﺑﻬﺎ، حبسة ﻓﻲ اﻟﻠﺴﺎﻥ، ﻭﺣﺼﺮ ﻟﻠﻄﺒﻊ، ﻭﺭﻛﻮﺩ ﻟﻠﺨﺎﻃﺮ، ﻭﻓﺘﻮﺭ ﻟﻠﻌﻘﻞ، ﻭﻣﻮﺕ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ، ﻭﺫﺑﻮﻝ ﻓﻲ ﺭﺻﻴﺪ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ، ﻭﺟﻔﺎﻑ ﻟﻠﻔﻜﺮ، ﻭﻣﺎ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ ﺇﻻ ﻭﻓﻴﻪ ﻓﺎﺋﺪﺓ ﺃﻭ ﻣﺜﻞ، ﺃﻭ ﻃﺮﻓﺔ ﺃﻭ ﺣﻜﺎﻳﺔ، ﺃﻭ ﺧﺎﻃﺮﺓ ﺃﻭ ﻧﺎﺩﺭﺓ.
ﻫﺬا ﻭﻓﻮاﺋﺪ اﻟﻘﺮاءﺓ ﻓﻮﻕ اﻟﺤﺼﺮ، ﻭﻧﻌﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﻮﺕ اﻟﻬﻤﻢ ﻭﺧﺴﺔ اﻟﻌﺰﻳﻤﺔ، ﻭﺑﺮﻭﺩ اﻟﺮﻣﺢ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ اﻟﻤﺼﺎﺋﺐ.

📙📙 من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان. ص:(142).
🖋🖋 أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي.
ملاحظة/ المصادر والمراجع في متن الكتاب او على نسخة pdf.
...المزيد

ولا تنسوا الفضل بينكم. إن هذه الآية لم تكن ضربا من ضروب الحكايات، ولم تكن قصص وروايات، إنها من ...

ولا تنسوا الفضل بينكم.
إن هذه الآية لم تكن ضربا من ضروب الحكايات، ولم تكن قصص وروايات، إنها من كلام رب البريات، أنزلت لحكم وغايات، ويكفيك أنها درب من دروب السعادات، جاءت لتؤلف القلوب، وتوحد الصفوف، وتجمع الشمل، وتزيل قشر الحقد والحسد والبغضاء.
شكر الناس مع الثناء، يزيد من البذل والعطاء.
مكتوب في التوراة: اشكر لمن أنعم عليك، وأنعم على من شكرك، فإنه لا زوال للنعم إذا شكرت، ولا مقام لها إذا كفرت، والشكر زيادة في النعم، وأمان من الغير().
ومن يسد معروفا إليك فكن له ... شكورا يكن معروفه غير ضائع.
ولا ريب أن شكر الناس من شكر الله، وأنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس.
ولا ريب أن شكر المحسن على إحسانه مطلوب، وأنه مما تنشرح له الصدور، وتطمئن به القلوب، وتزداد إقبالا على إقبال.
ولكن قد يحصل في بعض الأحيان أن يُقابَل المعطي بشيء من الجحود، والكنود، والجفاء ونكران الجميل.
فإذا مرّ بك هذا الحال أيها المعطي فلم تُنصفْ، ولم تُعطَ قدرك، ورُدَّ عليك فضلك باليمين والشمال فلا يكبر ذلك في صدرك ويحملك على ترك العطاء والبذل، بل قابل ذلك بصدر رحب، ونفس راضية، وانتظر الشكر من خالقك؛ فعملك هذا{عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى}().
يد المعروف غنم حيث تسدى ... تحملها شكور أم كفور
كفى شكر الشكور لها جزاء ... وعند الله ما كفر الكفور.
من أسدي إليه المعروف، واصطنع إليه الإحسان فقد صار بأسر المعروف موثوقا، وفي ملك الإحسان مرقوقا، ولزمه، إن كان من أهل المكافأة، أن يكافئ عليها. وإن لم يكن من أهلها أن يقابل المعروف بنشره، ويقابل الفاعل بشكره.
وقال بعض الفصحاء: الكريم شكور أو مشكور، واللئيم كفور أو مكفور.
فإن من شكر معروف من أحسن إليه، ونشر أفضال من أنعم عليه، فقد أدى حق النعمة، وقضى موجب الصنيعة، ولم يبق عليه إلا استدامة ذلك إتماما لشكره ليكون للمزيد مستحقا ولمتابعة الإحسان مستوجبا().

قال الأصمعي: سمعت إعرابيا يقول أسرع الذنوب عقوبة كفر المعروف().
فمن عمل معك معروفا فأرجع إليه المعروف أضعاف فإن لم تستطع فأرجعه بالمثل فإن لم تستطع فبالشكر والثناء وذلك أضعف الإيمان..
وأذكر أنني كنت أُدرّس في إحدى مدارس يافع وذات يوم جاءتني طالبة صغيرة ممن أدرسهم فأعطتني علبة صغيرة من زنجبيل القهوة مع البُن، فسألتها ممن هي? فأخبرتني أنها من جدتها، وأنا بالفعل لا أعرف هذه العجوز مطلقا. فأسدت إليّ معروفها بالرغم أنها لا تعرفني إلا أنها تسمع صوتي على منبر الجمعة، والطلاب أخبروها عني. فأشغلني معروفها ودخل في قلبي حبُّها فقررتُ أن أكيل صاع إحسانها بمكيال الصندرة عندي، فاشتريتُ لها قارورة عسل من أجود أنواعه مع قليل من الكعك، بمبلغ أضعاف ما أرسلت إليّ، فأرسلت إليها ذلك{هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ}().
قيل للإسكندر: أي شيء لأسرُّ لك؟. قال: مكافأة من أحسن إليّ بأكثر من إحسانه، وعفوي عمن أساء بعد قُدْرتي عليه().
وبالشكر للمعروف تعمُّ السعادة بين الناس، وتزداد المحبة في القلوب، وتتقارب الأرواح وتتآلف، وهي كشجرة تثمر ثمرة الود والأخاء، والحب والصفاء، كيف لا يكون ذلك وهي تسقى بماء الشكر أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
إذا سر بالسراء عمّ سرورها ... وإن مس بالضراء أعقبها الأجر.
ومن كلام بعضهم: الشكر قيد للنعم الموجودة، وصيد للنعم المفقودة. وكانوا يسمّون الشكر الحافظ؛ لأنَّه يحفظ النعم الموجودة، والجالب؛ لأنَّه يجلب النعم المفقودة. وقيل أيضاً: النعمةُ إذا شكرت قرَّت وإذا كُفرت فرّت().
أنت كيف تبدو حين تعطي فترى الوجوه مبتسمة مسفرة، ضاحكة مستبشرة، شاكرة مثنية، كيف ترى نفسك?! لو كان لك جناحان أظن أنك ستحلق في السماء, وحين ترى الوجوه سوداء غبرة، ترهقها قترة، كفرة فجرة، كيف ترى حالك?!.
كذلك الناس اظهر لهم البسمة وردِّ المعروف والشكر والثناء، تدرج قلوبهم من حيث لا يدرون، فلم أرى في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على الشكر، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان?.
قال الماوردي: وأما من ستر معروف المنعم عليه ولم يشكره على ما أولاه من نعمه، فقد كفر النعمة وجحد الصنيعة. وإنه من أذم الخلائق، وأسوأ الطرائق، ما يستوجب به قبح الرد وسوء المنع . والحديث:((لا يشكر الله من لا يشكر الناس)) (). وقال بعض الأدباء: من لم يشكر لمنعمه استحق قطع النعمة.
وقال بعض الفصحاء: من كفر نعمة المفيد استوجب حرمان المزيد.
وقال بعض البلغاء: من أنكر الصنيعة استوجب قبح القطيعة.
وأنشد بعضهم:
من جاوز النعمة بالشكر ... لم يخش على النعمة مغتالها
لو شكروا النعمة زادتهم ... مقالة الله التي قالها
لئن شكرتم لأزيدنكـــــــــم ... لكنما كفــــــرهم غالها
والكفر بالنعمة يدعو إلى ... زوالها والشكر أبقى لها().
فلا تكن بخيلا، إن الشكر والثناء لا يؤتى بالمال ولا بالذهب والفضة، إنما يؤتى بكلمة طيبة فما أشد البخل عند من لم يشكر الناس.
وأنا عن نفسي لا أستطيع أن أنسى ذلك المعروف العامر، وجميل الإحسان الوافر, الذي قامت به كلية ردفان للقرآن الكريم وعلومه بقيادة الأستاذ: عبد الرزاق محسن راشد البكري وأعوانه، وما له من دور في تحصيل ثمار هذه الكلية، لقد تعب وتابع واجتهد وجاهد حتى جاء إلينا العلم بفضله وأعوانه باردا سائغا وشراب، فالشكر لله الرزاق, ثم لك يا عبد الرزاق, أنت وأعوانك المجاهدين في سبيل تحصيل العلم بسهولة ميسرة، فوالله لقد انتفعت بها فئام من الناس كثير وأنا منهم، فلولاهم بعد الله لما ألفنا لك هذا الكتاب، ولكنا في ظلمات الجهل نتخبط كالفراش المبثوث، وما زالت أيديهم بالعون تمتد تارة بكفالة يتيم، وتارة بإصلاح مسجد، وتارة بكفالة عيش لأسرة فقيرة، وتارة بتسديد ديون مديون، اللهم فاشهد أن شكرهم على صنيعهم في قلبي لا يفتر ولا ينتهي..
ولا تبخلن بالشكر والقرض فاجزه ... تكن خير مصنوع إليه وصانع.

📙📙 من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان. ص:().
🖋🖋 أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي.
ملاحظة/ المصادر والمراجع في متن الكتاب او على نسخة pdf.
...المزيد

سعادتك في حسن خلقك. {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(){وَقُولُوا لِلنَّاسِ ...

سعادتك في حسن خلقك.
{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(){وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً}(){وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(){خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}(){ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(){فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(){وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً}().
فإن حسن الخلق هو بذل الندى، وكفّ الأذى، واحتمال الأذى. وهو التخلي من الرذائل، والتحلي بالفضائل.
وجماع حسن الخلق أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.
ثم إن لحسن الخلق فضائل عديدة، فهو امتثال لأمر الله ورسوله, وبه ترفع الدرجات، وتيسر الأمور، وتستر العيوب، وتكسب القلوب.
وبه يسلم المرء من شرور الخلق، ويفي بالحقوق الواجبة والمستحبة، كما أن به السلامة من مضار الطيش والعجلة، وبه راحة البال، وطيب العيش إلى غير ذلك من فضائل حسن الخلق.
فالمؤمن كريم الخلال، جميل الخصال, تجده على أكمل ما يكون عليه الرجل في كلامه، وفي فعله وإحسانه إلى الناس، يفشي السلام، ويطعم الطعام, ويصل الأرحام، يكون على خير الخلال, وجميل الخصال؛ لكمال إيمانه بالله الكريم المتعال.
فإذا أراد الله أن يسعد العبد بين الناس أسعده بحسن الخلق، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن العبد ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم)) () فإذا أراد الله أن يسعدك طيَّب شمائلك وأخلاقك، فأحبك الناس من قربك وفعلك، من رزقهُ الله حسن الخلق عاش سعيداً، ومات حميداً، ورضي الناس عنه وشهدوا له بكل خير، ولربما بقي حياً بعد موته في الذكر الجميل، فالأخلاق والآداب الطيبة ومعاشرة الناس وتوطئة الكنف من أعظم أسباب السعادة.
وإذا أردت سعادة مع الناس: فعليك أن تسلم الناس من لسانك، فلا يسمعوا منك إلا الطيب؛ لأن المسلم طيب سلّم لله لسانه وجنانه وجوارحه وأركانه.
ولقد وصف الله أهل الجنة بأنهم طابوا، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ويسلمون عليهم، يقول الله –تعالى-: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}() فلما طابت أقوالهم وأفعالهم كانوا من أهل الجنة، فمن أراد أن يكون من السعداء فليحفظ لسانه عن الناس، وإذا أراد أن يعيش بين الناس عيشةً هنية رضية فليحفظ لسانه عن عورات المسلمين وأذية إخوانه المؤمنين، وأن يعطي إخوانه المسلمين من الكلام ما يحب أن يأخذه منهم.
كذلك من أسباب السعادة مع الناس: الحرص على مجالستهم ومباسطتهم ومؤانستهم، فإن ذلك من أسباب السعادة، فإن من نعم هذه الدنيا التي ينعم الله بها على عباده الصالحين مجالس الذكر والخير، فإذا جلست مع الناس فتفقد أحوالهم، فإذا رأيت المهموم بدلت همومه بكلمةٍ طيبة، وإذا رأيت القلق الحيران أرشدته في حيرته ووجهته من غفلته وذكرته بالله، فإنها كلماتٌ طيبات يعظم أجرها في الدنيا وفي الآخرة بعد الممات.
فمن أراد أن يعيش سعيداً مع الناس حرص على أمرهم بالخير ودلالتهم عليه، فإذا فعل ذلك طيب الله ذكره ومجالسه، وقذف في قلوب الناس حبه وحب الجلوس معه، حتى ولو كانوا من جيرانك الأقربين إذا زرتهم وتفقدت أحوالهم، فإن رأيت تقصيراً كملته، وإن رأيت عيباً دللتهم ونبهتهم عليه، وأرشدتهم إليه، وأخذت بمجامع قلوبهم إلى الله، واحتسبت الأجر عند الله, يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((أكمل المؤمنين إيمانا: أحسنهم خلقا, الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)) () والأكناف هي أطراف الشيء والأجنحة، أي: يوطئونها للناس، ويألفهم الناس ويألفونهم في الزيارة والقرب والمساءلة.
أنت لا تنفق على الناس من جيبك، إنما تنفق عليهم بالبسمة، وبالرحمة يحببك الله إلى الخلق، ويجعلك قريباً منه، وبقدر ما يفعل الإنسان يفعل الله له يوم القيامة، والجزاء من جنس العمل, قال -عليه الصلاة والسلام-: ((إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم حسن الخلق)) ().
أعط من حرمك، واعف عمن ظلمك، وابذل نداك، وكف أذاك، وتعاهد من وصلته بمعروفٍ جديد، تجد السعادة في عالمك.
من هو أسعد البشر؟! إنه ذلك الذي يقدر مواهب الآخرين، ويشاركهم في غبطتهم كما لو كانت غبطته هو، يقول الأستاذ مصطفى أمين: أشعر بسعادة غامرة عندما أستطيع أن أرسم ابتسامة على شفاهٍ حزينة، أو أمسح دمعة من عين باكية، أو أن أمد يدي إلى إنسان سيئ الحظ وقع على الأرض فأساعده على الوقوف().
إن السعادة الكبرى هي في العطاء وليست في الأخذ: تراه إذا ما جئته متهللاً, كأنك تعطيه الذي أنت آخذه, أولئك الذين يكرهون الآخرين ويحزنون لنجاحهم هم في الحقيقة يطردون السعادة من قلوبهم بإرادتهم.
فالذي ينبغي أن نتذرع بالعطاء والكرم والجود والمجالسة والبشاشة مع أصدقائنا ومعارفنا وهذا لا شك فيه، لكن لماذا إذا اقتحم مجلسنا شخص جديد انقبضنا عنه وازوررنا، وتوقفت الكلمات، وقرظت الشفاه، وأصبح الجميع صامتون متسمرون لا يتحدثون ولا يبتسمون؟؛ كما لو كان دخل عليهم عنصر غريب، يتقون الحديث معه أو يتجنبونه.
إذاً: فالإحسان والابتسامة والبشاشة والكلمة الطيبة والهدوء، هي المدخل الطبيعي إلى قلوب الآخرين، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((وتبسمك في وجه أخيك صدقة)) () فإذا أردت أن تنادي أخاك أو تحادثه أو تدعوه إلى الله –تعالى-، فقدم بين يدي نجواك صدقة، ليست صدقة مال، لكن صدقة ابتسامة تعبر عن قلب رَضِيٍ نديٍ، لا يحمل للآخرين إلا الحب والود، وليس فيه أدنى رائحة من كبر أو عجب أو غرور أو أي معنى آخر يظنه الآخرون.
فالأخلاق منحة من الله -جل جلاله-، ألا وإن أحق الناس بأخلاقك, وأحق الناس بعطفك وحنانك, وبرك وإحسانك, ومن تظهر له الخلق الحسن: والداك, أمك وأبوك{فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}()، كان أبو هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- إذا وقف على الباب وأمه بالبيت قرع الباب وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، رحمك الله يا أماه كما ربيتني صغيراً. فقالت أمه: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، رحمك الله يا بني كما بررتني كبيراً().
وكان بعض السلف إذا علا صوته على أمه عتق رقبتين كفارة لخطأه().
وسئل بعض السلف: كيف كان بر ابنك لك؟ قال: ما مشيت نهارا قط إلا مشى خلفي، ولا ليلا إلا مشى أمامي، ولا رقى سطحا وأنا تحته.
وسُئل آخر وكان كثير البر بأمه، حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولا نراك تؤاكل أمك، فقال: أخاف أن تسير يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه، فأكون قد عققتها().
وكان طلق بن حبيب من العباد والعلماء، وكان يقبل رأس أمه، وكان لا يمشي فوق ظهر بيت وهي تحته؛ إجلالا لها().
وكان محمد بن سيرين سيداً من سادات التابعين، وإماماً من العلماء المجتهدين، -رحمة الله عليهم أجمعين-، هذا الإمام العظيم كان ديواناً في العلم من تلامذة أنس بن مالك، وكان في غاية من العلم والصلاح والورع وتقوى الله –تعالى-، كان إذا جن الليل سُمع بكاءه بالقرآن في الظلمات، وكان إذا جلس مع أصحابه ضحك ومزح وأدخل السرور عليهم، فإذا دخلت أمه عليه خشع كأنه مصاب بمصيبة -رحمة الله عليه-.
كان السلف الصالح -رحمة الله عليهم- يبرون بالوالدين، أحق الناس بعطفك وإحسانك وبرك والداك، فمن مجلسك هذا تعاهد الله على أن تغير في أخلاقك ومعاملتك، حتى قال بعضهم: من نادى أباه باسمه فقد عقه، إنما يقول: يا أبتاه().
هذه من البر والأخلاق الحميدة، فلا تزال تبر الوالدين فتقوم من عندهما وقد رفعت الدعوات إلى الله لك بالأمور التي تنشرح بها الصدور, وتأمن بها من هول البعث والنشور، وما زال البار يبر والديه حتى استجاب الله دعوته, وفرج الله نكبته وكربته، كما في حديث الثلاثة الذين في الغار، وما زال البار يبر والديه حتى عزت عند الله دعوته فما رد له دعوة سأله فيها، كما في قصة أويس القرني -رحمة الله عليه-.
كذلك أحق الناس بأخلاقك الحميدة: زوجتك وأهلك وأولادك، تكون على شمائل عطرة، سل عن هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أزواجه، سل عن أخلاقه العطرة ومواقفه الجميلة الجليلة النضرة مع الصغير والكبير، وخذ ذلك المثال الذي يحتذى به، هذا هو الالتزام وهذه هي وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لك: ((خيركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي)) () فتبدأ أول ما تبدأ بوالديك ثم بأهلك وأولادك، تدخل إليهم حليماً رفيقاً براً رقيقاً، حتى تكسب تلك القلوب بالحنان والمودة والإحسان، ضع شهادات الجامعات, ورتب المعسكرات, ضع كل هذا عند باب البيت, وادخل إليهم كما لو كنت طفلاً.
كم من أب ما زال يحسن إلى أهله, ويتواضع معهم وهو من كبار القوم, حتى خرج من الدنيا وقد أسر قلوبهم بالجميل، وكم من زوج صالح خرج من الدنيا وقد أسر قلب امرأته بالجميل والعمل الصالح الجليل.
حبيبي! الأهل أحوج ما يكونون إلى الأخلاق الحميدة، فالعفو عن زلتهم، والصبر على أذيتهم، واحتساب الأجر فيما يكون منهم.
كذلك أحق الناس بأخلاقك الحميدة: العلماء والدعاة إلى الله، فيُذكرون بالجميل، ومن ذكرهم بغير ذلك –تنقصاً- فقد ضل عن سواء السبيل.
العلماء مشاعل الحكمة والنور، أهل الهدى والخير والرحمة والبشر والسرور -فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعظم أجورهم، وأن يشرح صدورهم، وأن يخلد حبهم في العباد- فحبهم في الله قربى، والدعاء لهم بظهر الغيب حسنة، لا يحبهم إلا مؤمن يخاف الله، ولا يذكرهم بالجليل إلا من يتقي الله، فهم أحق الناس بالأخلاق الحميدة، فإذا رأيت العالم فتواضع له وأجله وأكرمه، فالعلماء حقهم كبير، عيونهم سهرت وقد نامت عيون الناس، سهرت على مشاكل المسلمين وهمومهم وغمومهم ومسائلهم، فالله أعلم كم تكبدوا من مشاق، وصدعوا بحق دمغ أهل الزيغ والنفاق، العلماء حقهم كبير، فكن -رحمك الله- من أحسن الناس خلقاً مع العلماء، وإذا جلست بين يدي عالم فكن التلميذ المبرز في الخلق الحميد، وإذا جلست في مجلسه فكن التلميذ المبرز في الكلمات الطيبة التي تدل على إجلال مَن أمَر الله بإجلاله، وتعظيم مَن أمَر الله بتعظيمه، وتوقير مَن أمَر الله بتوقيره، فتلك سنة الصالحين، ودأب عباد الله المتقين جعلني الله وإياكم منهم أجمعين.
ثم أحق الناس بالخلق الحسن الضعفاء والفقراء واليتامى والثكالى، فتواضع لهم فإن رحمة الله في التواضع لهم، وأدخل السرور عليهم فمن سرهم سره الله يوم المساءة، تفقد عورات المسلمين والضعفة والمحتاجين، وافتح قلبك لهمومهم وأحزانهم، واحتسب عند الله –تعالى-، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولعل مالاً تنفقه يحجبك الله به عن النار، ولعل كربة تفرجها يفرج الله عنك بها كربة يوم القرار، احتسب عند الله في ضعفة المسلمين فإنهم أحق الناس بعطفك وحنانك، واحتسب عند الله -جل وعلا- ألا يراك الناس إلا على فعل جليل، وألا يسمع الناس منك إلا القول الجميل.
وختاما أقول لك: كن ذا أخلاق حسنة فسعة الخلق وبسطه الخاطر: نعيم عاجل وسرور حاضر لمن أراد به الله خيرا. وإن سيء الخلق وسرعة الانفعال والحدة وثورة الغضب: نكد مستمر وعذاب مقيم.

📙📙 من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان. ص:(129).
🖋🖋 أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي.
ملاحظة/ المصادر والمراجع في متن الكتاب او على نسخة pdf.
...المزيد

تريّض مع الحياة يطيبُ لك العيش. الدنيا كثيرة المغريات، مليئة بالملهيات، سريعة التغيرات، تنفث ...

تريّض مع الحياة يطيبُ لك العيش.
الدنيا كثيرة المغريات، مليئة بالملهيات، سريعة التغيرات، تنفث سُمّها كالأفعى، وتتلوّن كالحرباء، وتفترش كالحية السوداء، من ركن إليها تعب، ومن استأنس بها وُحِش، ومن لهث بعدها هلك، سعادتها حزن، وسرورها هموم وغمّ، وفرحها بكاء، وراحتها نكد، وبني آدم منها في كبد.
ﺃﺑﺎﻧﺖ ﻟﻠﻨﻮاﻇﺮ ﻋﻴﻮﺑﻬﺎ، ﻭﻛﺸﻔﺖ ﻟﻠﺒﺼﺎﺋﺮ ﻏﻴﻮﺑﻬﺎ، ﻭﻋﺪﺩﺕ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺎﻣﻪ ﺫﻧﻮﺑﻬﺎ، ﻭﻣﺎ ﻣﺮﺕ ﺣﺘﻰ ﺃﻣﺮّﺕ ﻣﺸﺮﻭﺑﻬﺎ.
ﻓﻠﺬاﺗﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﻟﻤﻌﺎﻥ اﻟﺒﺮﻕ، ﻭﻣﺼﻴﺒﺘﻬﺎ ﻭاﺳﻌﺔ اﻟﺨﺮﻕ، ﺳﻮﺕ ﻋﻮاﻗﺒﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺳﻠﻄﺎﻥ اﻟﻐﺮﺏ ﻭاﻟﺸﺮﻕ، ﻓﻤﺎ ﻧﺠﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺫﻭ ﻋﺪﺩ، ﻭﻻ ﺳﻠﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺻﺎﺣﺐ مدﺩ، ﻣﺰﻗﺖ اﻟﻜﻞ ﺑﻜﻒ اﻟﺒﺪﺩ، ﺛﻢ ﻭﻟّﺖ ﻓﻤﺎ ﺃﻟﻮﺕ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ.
ﺇﻳــﺎﻙ ﻭاﻟـــــــﺪﻧﻴﺎ اﻟــــــــﺪﻧﻴﺔ ﺇﻧــــــــﻬﺎ ... ﻫــــــــــــﻲ اﻟﺴﺤﺮ ﻓﻲ ﺗﺨﻴﻴﻠﻪِ ﻭاﻓﺘﺮاﺋﻪ
ﻣﺘﺎﻉ ﻏﺮﻭﺭ ﻻ ﻳﺪﻭﻡ ﺳﺮﻭﺭﻫﺎ ... ﻭﺃﺿــــﻐﺎﺙ ﺣـــــــﻠﻢ ﺧـــــﺎﺩﻉٌ ﺑﺒــــــﻬﺎﺋــــﻪ
ﻓﻤﻦ ﺃﻛﺮﻣﺖ ﻳﻮﻣﺎ ﺃﻫﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﻏﺪا ... ﻭﻣﻦ ﺃﺿﺤﻜﺖ ﻗﺪ ﺁﺫﻧﺖ ﺑﺒﻜﺎﺋﻪ
ﻭﻣﻦ ﺗﺴﻘﻪ ﻛﺄﺳﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺪ ﻏﺪﻭﺓ ... ﺗﺠﺮّﻋﻪ ﻛﺄﺱ اﻟﺮﺩﻯ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺋﻪ
ﻭﻣﻦ ﺗﻜﺲ ﺗﺎﺝ اﻟﻤﻠﻚ ﺗﻨﺰﻋﻪ ﻋﺎﺟﻼ ... ﺑﺄﻳﺪﻱ اﻟﻤﻨﺎﻳﺎ ﺃﻭ ﺑﺄﻳﺪﻱ ﻋﺪاﺋﻪ
ﺃﻻ ﺇﻧﻬﺎ ﻟﻠﻤﺮء ﻣﻦ ﺃﻛﺒﺮ اﻟﻌـــــــــــــﺪاء ... ﻭﻳﺤـــﺴﺒﻬﺎ اﻟﻤﻐﺮﻭﺭ ﻣﻦ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻪ
ﻓﻠﺬاﺗﻬﺎ ﻣﺴﻤﻮﻣﺔ ﻭﻭﻋﻮﺩﻫﺎ ﺳﺮاﺏ... ﻓـــــــــــــــــﻤﺎ الظاﻣﻲ ﺭﻭﻯ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺋﻪ
ﻭﻛﻢ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺫﻣﻬﺎ... ﻭﻛﻢ ﺫﻣَّﻬﺎ اﻷﺧﻴﺎﺭ ﻣﻦ ﺃﺻﻔﻴﺎﺋﻪ..
ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء: ﺇﻥ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ، ﺳﺮﻳﻌﺔ اﻟﺘﻨﻜﻴﺮ، ﺷﺪﻳﺪﺓ اﻟﻤﻜﺮ، ﺩاﺋﻤﺔ اﻟﻐﺪﺭ، ﻓﺎﻗﻄﻊ ﺃﺳﺒﺎﺏ اﻟﻬﻮﻯ ﻋﻦ ﻗﻠﺒﻚ، ﻭاﺟﻌﻞ ﺃﺑﻌﺪ ﺃﻣﻠﻚ ﺑﻘﻴﺔ ﻳﻮﻣﻚ، ﻭﻛﻦ ﻛﺄﻧﻚ ﺗﺮﻯ ﺛﻮاﺏ ﺃﻋﻤﺎﻟﻚ()، واجعل الجنة نصب عينيك.
ﺃﺭاﺩ الله لها ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﻠﻀﺪﻳﻦ، ﻭاﻟﻨﻮﻋﻴﻦ، ﻭاﻟﻔﺮﻳﻘﻴﻦ، ﻭاﻟﺮﺃﻳﻴﻦ ﺧﻴﺮ ﻭﺷﺮ، ﺻﻼﺡ ﻭﻓﺴﺎﺩ، ﺳﺮﻭﺭ ﻭﺣﺰﻥ، ﺛﻢ ﻳﺼﻔﻮ اﻟﺨﻴﺮ ﻛﻠﻪ، ويبقى سرورا في الجنة، ويضمر الشرّ في نار جهنم..
اﻟﻨﻔﺲ ﺗﺒﻜﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ ... ﺃﻥ اﻟﺴﻼﻣﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺮﻙ ﻣﺎ ﻓــــــــــﻴﻬﺎ
ﻻ ﺩاﺭ ﻟﻠﻤﺮء ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮﺕ ﻳﺴﻜﻨﻬﺎ ... ﺇﻻ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻮﺕ ﺑﺎﻧﻴﻬﺎ
ﻓﺈﻥ ﺑﻨـــﺎﻫﺎ ﺑﺨﻴﺮ ﻃـــــﺎﺏ ﻣـــــــــﺴﻜﻨﻪ ... ﻭﺇﻥ ﺑﻨﺎﻫﺎ ﺑﺸﺮ ﺧـــــﺎﺏ ﺑﺎﻧﻴـــــــــﻬﺎ.
فإذا عرفت حقيقتها، وسرعة زوالها، فريّض نفسك للعيش فيها، وتحمّل متاعبها، واثبت في مواجهتها، فهي خلقت هكذا, وستبقى هكذا, إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
خذ لك في العالم رحلة، فلن ترى إلا وكل إنسان عنده محنة، وفيه بلوة، ومصاب بفجعة، ومصفوع بلطمة، منهم من به جلطة، ومنهم من غادر بذبحة، ومنهم من ينتظر الشهقة.
وخذ لك نزهة في المستشفيات، فلن تجد إلا مجروح يصيح، ومعاق يطيح، وامرأة تنيح، وأعمى لا يشوف.
وانقل بصرك في الطرقات، فلن تجد إلا أصحاب الحاجة يسألون، وفي وجوه الخلق يبكون ويطلبون، وأصحاب سيارات يتقلبون، وفيها يحترقون، وبدماءهم ينزفون، هذا إن كانوا أحياء وإلا سرعان ما يموتون.
وتلمّس خبر البيوت وأصحابها، فلن تجد إلا أرملة تبكي على فراق زوجها، وأمٍّ تأن لموت ولدها، وامرأة حزينة لطلاقها من زوجها، وعجوز عقها أولادها، فطُردت من بيتها، وكم من أسرة الفقر حلّ بها، والجوع أهلك أصحابها، وكم من قصور الحرب هدّمها، والرصاص أصابتها، والطائرات استهدفتها، والأيدي القذرة اغتصبتها..
وتفقّد حال السجون، فلن تجد فيها إلا مظلوم، ومتهوم، ومديون، ومحروم، ومجنون، ومسحور، وبالإعدام عليه محكوم..
لو نظرت بعين قلبك لعلمت علم اﻟﻴﻘﻴﻦ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎﺓ ﺳﺠﻦ ﻟﻠﻤﺆﻣﻦ، ﻭﺩاﺭ ﻟﻷﺣﺰاﻥ ﻭاﻟﻨﻜﺒﺎﺕ، ﺗﺼﺒﺢ اﻟﻘﺼﻮﺭ ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺄﻫﻠﻬﺎ، ﻭﺗﻤﺴﻲ ﺧﺎﻭﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﻭﺷﻬﺎ، وتمسي كالنعيم، وتصبح كالصريم، نحسبها كخضراء رائعة، وهي كسراب بقيعة، ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﺬﺓ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺇﻻ ﻭﻫﻲ ﻣﺸﻮﺑﺔ بالكدر، وممزوجة بالحزن، ومحشوة بالضجر، ﻓﻤﺎ ﻳُﻈﻦ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﻧﻪ ﺷﺮاﺏ، ﻓﻬﻮ ﺳﺮاﺏ، ﻭﻋﻤﺎﺭﺗﻬﺎ ﻭﺇﻥ ﺣﺴﻨﺖ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ فهي ﺧﺮاﺏ، ﻭاﻟﻌﺠﺐ ﻛﻞ اﻟﻌﺠﺐ ﻣﻤﻦ ﻳﺪﻩ ﻓﻲ ﺳﻠﺔ اﻷﻓﺎﻋﻲ ﻛﻴﻒ ﻳﻨﻜﺮ اﻟﻠﺪﻍ ﻭاﻟﻠﺴﻊ؟! ومن خاض الماء الغمر لم يخل من بلل.
ﻃﺒﻌﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺪﺭ ﻭﺃﻧﺖ ﺗﺮﻳﺪﻫﺎ... ﺻﻔﻮا ﻣﻦ اﻷﻗﺬاﺭ ﻭاﻷﻛﺪاﺭ.
فتريّض مع الحياة إﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺫا ﻭﺿﻌﺖ، ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺑﻠﻴﺔ، ﻭﻻ ﺗﺼﻔﻮ ﻣﻦ ﻣﺤﻨﺔ ﻭﺭﺯﻳﺔ، ﻻ ﻳﻨﺘﻈﺮ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻻ اﻟﺴﻘﻢ، ﻭاﻟﻜﺒﻴﺮ ﺇﻻ اﻟﻬﺮﻡ، ﻭاﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﺇﻻ اﻟﻌﺪﻡ، ﻋﻠﻰ ﺫا ﻣﻀﻰ اﻟﻨﺎﺱ؛ خير وشرّ، اﺟﺘﻤﺎﻉ ﻭﻓﺮﻗﺔ، ﻭﻣﻴﺖ ﻭﻣﻮﻟﻮﺩ، ﻭﺑﺸْﺮى ﻭﺃﺣﺰاﻥ.
ﻓﻤﺆﺟﻞ ﻳﻠﻘﻰ اﻟﺮﺩﻯ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ... ﻭﻣﻌﺠﻞ ﻳﻠﻘﻰ اﻟﺮﺩﻯ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ..
ﻫﻞ ﺭﺃيت، ﺑﻞ ﻫﻞ سمعت ﺑﺈﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﻫﺬﻩ اﻷﺭﺽ ﻟﻢ ﻳﺼﺐ ﺑﻤﺼﻴﺒﺔ ﺩﻗّﺖ ﺃﻭ ﺟﻠّﺖ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻗﻄﻊ ﺷﺴﻊ ﻧﻌﻠﻪ؟ اﻟﺠﻮاﺏ: ﻻ. ﻭﺃﻟﻒ ﻻ، ﻭﻟﻮﻻ ﻣﺼﺎﺋﺐ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻊ اﻻﺣﺘﺴﺎﺏ ﻟﻮﺭﺩﻧﺎ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻣﻔﺎﻟﻴﺲ.
ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻻﺑﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﻰ... ﻭﻻﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﺠﺮﻱ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻪ
ﺳﺮﻭﺭ ﻭﻫﻢٌّ ﻭاﺟﺘﻤﺎﻉ ﻭﻓﺮﻗﺔ... ﻭﻳﺴﺮ ﻭﻋﺴﺮ ﺛﻢ ﺳﻘﻢ ﻭﻋﺎﻓﻴﺔ..
ﻗﺎﻝ اﺑن اﻟﺠﻮﺯﻱ: ﻭﻟﻮﻻ ﺃﻥ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺩاﺭ اﺑﺘﻼء ﻟﻢ ﺗﻌﺘﻮﺭ ﻓﻴﻬﺎ اﻷﻣﺮاﺽ ﻭاﻷﻛﺪاﺭ، ﻭﻟﻢ ﻳﻀﻖ اﻟﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻭاﻷﺧﻴﺎﺭ، ﻓﺂﺩﻡ ﻳﻌﺎﻧﻲ اﻟﻤﺤﻦ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺧﺮﺝ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻧﻮﺡ ﺑﻜﻰ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﻋﺎﻡ، ﻭﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻳﻜﺎﺑﺪ اﻟﻨﺎﺭ ﻭﺫﺑﺢ اﻟﻮﻟﺪ، ﻭﻳﻌﻘﻮﺏ ﺑﻜﻰ ﺣﺘﻰ ﺫﻫﺐ ﺑﺼﺮﻩ، ﻭﻣﻮﺳﻰ ﻳﻘﺎﺳﻲ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻭﻳﻠﻘﻲ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻪ اﻟﻤﺤﻦ، ﻭﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ ﻻ ﻣﺄﻭﻯ ﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﺒﺮاﺭﻱ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﺶ اﻟﻀﻨﻚ، ﻭﻣﺤﻤﺪ -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭسلم -ﻳﺼﺎﺑﺮ اﻟﻔﻘﺮ، ﻭﻗُﺘﻞ ﻋﻤﻪ ﺣﻤﺰﺓ ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺃﺣﺐ ﺃﻗﺎﺭﺑﻪ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻧﻔﻮﺭ ﻗﻮﻣﻪ ﻋﻨﻪ، ﻭﻏﻴﺮ ﻫﺆﻻء ﻣﻦ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻭاﻷﻭﻟﻴﺎء ﻣﻤﺎ ﻳﻄﻮﻝ ﺫﻛﺮﻩ ﻭﻟﻮ ﺧﻠﻘﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻠﺬات ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺣﻆ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻣﻨﻬﺎ(). ﻭفي الحديث: ((اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﺠﻦ اﻟﻤﺆﻣﻦ، ﻭﺟﻨﺔ اﻟﻜﺎﻓﺮ))().
فما دامت الدنيا هكذا للخلق بأكملهم، فما أنت إلا كقطرة من بحر عالمهم، مصيبك ما أصابهم، فلن تطعم السعادة، وتشعر بالراحة، حتى تسكن عند البلايا، وتتريّض عند الرزايا، وتصبر عند الضرايا، وتشكر عند السرايا، وتؤمن بالقضاء والقدر، وترضى بالمصائب والمحن، فقد رُفعت الصحف وجُفّ القلم، ووقع المكتوب، ووضع المقدور، ونُفّذ المأمور، سخط من سخط، ورضي من رضي، قُضِيَ الأمرُ واستوت على الجودي{فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}()ولا تكن في ضيق مما سيكون، إن ربك مع الذين اتقوا والذين هم محسنون..
لا أظنك صغيرا لا تعلم، ولا جاهلا لا تفهم، ولا أعمى لا تبصر، الدنيا على هذا الحال وضعت، وعلى الشكل هذا صنعت، فعشها كما هي لا تتضجر من المصائب، ولا تيأس من المتاعب، ولا تغتم من المثالب، ولا تحزن من المقالب، فإن فعلت فلن يبقى لك عزيز، ولن يصفو لك صاحب، ولن يكمل لك أمر، وتبقى طول الدهر حيران، لأنك تطلب من الدنيا الكمال، وهي فُطرت على النقصان.
فاصبر واثبت وجاهد وابتسم واضحك واقبل العفو والمعذرة، تجد حياتك طيبة، ضاحكة مستبشرة..
ﺗﻤﺘﻊ ﻣﻦ اﻷﻳﺎﻡ ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺣﺎﺯﻣﺎ ... ﻓﺈﻧــــﻚ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻴـــﻦ ﻧﺎﻩ ﻭﺁﻣـــﺮ
ﺇﺫا ﺃﺑﻘﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮء ﺩﻳﻨﻪ ... ﻓﻤﺎ ﻓﺎﺗﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻠﻴﺲ ﺑﻀﺎﺋﺮ
ﻓﻠﻦ ﺗﻌﺪﻝ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺟﻨﺎﺡ ﺑﻌﻮﺿﺔ ... ﻭﻻ ﻭﺯﻥ ﺫﺭ ﻣﻦ ﺟﻨﺎﺡ ﻟﻄﺎﺋﺮ
ﻓﻤﺎ ﺭﺿﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺛﻮاﺑﺎ ﻟﻤﺆﻣﻦ ... ﻭﻻ ﺭﺿﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺟﺰاء لكافر.

📙📙 من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان. ص:().
🖋🖋 أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي.
ملاحظة/ المصادر والمراجع في متن الكتاب او على نسخة pdf.
...المزيد

اجبر خواطر الناس. حضرت في ملتقى دعوي للدعاة والخطباء وفي ذلك اليوم جاءنا المدرب المعروف: محمد نزار ...

اجبر خواطر الناس.
حضرت في ملتقى دعوي للدعاة والخطباء وفي ذلك اليوم جاءنا المدرب المعروف: محمد نزار محمد, فأعطانا درس في الاتصال الفعال فكان مما قال: أعطيكم فائدة احفظوها عني: اجبروا خواطر الناس يجبر الله خواطركم.
فأحببت أن أجعل هذا درب من دورب السعادة..
فجبر الخواطر خلق إسلامي عظيم, يدل على سمو نفس، وعظمة قلب، وسلامة صدر، ورجاحة عقل، ونبل محتد، وكرامة أصل، وأصالة معدن, وشهامة مقدرة, ورجولة مباركة، فتطييب النفوس المنكسرة, وجبر الخواطر, من أعظم أسباب الألفة والمحبة بين الناس، وهو أدب إسلامي رفيع، وخلق عظيم, لا يتخلق به إلا أصحاب النفوس النبيلة، وأصحاب المقامات العالية..
تعلم جبر الخواطر مع الناس، الكلمة الطيبة جبر خاطر.. الابتسامة في وجوه الناس جبر خاطر.. تمد يديك للناس جبر خاطر.. تواسيهم وتهنيهم وتساعدهم جبر خاطر.. تزرهم وتدخل السعادة في قلوبهم جبر خاطر..
فالدهر ذو تصاريف عجيبة، وتقلبات غريبة، منها ما يَسُر المرء ويفرح، وما يحزنه ويترح، وكل واحد منا معرض للهموم والغموم والأحزان والمصائب والبلاوي، وأنت في كل ذلك بحاجة إلى من يأخذ بيدك ويجبر بخاطرك ويمسح عن قلبك غاشية الحزن, ويرفع عن صدرك جاثمات الكرب..
وما أروع وأنت في غمرة الحزن, أن تمتد إليك يد تسعفك، أو تسبق إلى أذنك كلمة تشد من إزرك وتسعدك، وتهون من أمر المصيبة وتنجدك، فتقف على رجليك مرة أخرى, وتنهض قائماً وتتابع سيرك في هذه الحياة..
وكثير من لحظات الحياة تمر وتنقضي, وتمسح من الذاكرة وتنمحي، ولا يبقى في الذاكرة، ولا يثبت في جدرانها, إلا أسماء أولئك الذين وقفوا معك وأنجدوك, وجبروا خاطرك وأسعفوك، وزاروك وواسوك، وأفرحوك وأسعدوك.
جبر الخواطر يعني فيما يعنيه تثبيت الآخرين, ورفع همتهم, وتهوين مصيبتهم, وإقالة عثرتهم, والأخذ بأيديهم, حتى يقف الواحد منهم على قدمه، فإن فعلت فأبشر بجبر الله لخاطرك، ووقوفه بجانبك في ساعة حرجة لا تستطيع التفلت منها إلا بمساعدة الواحد الديان جلّ في علاه..
سمعت لأحد الدعاة خطبة جمعة ألقاها فكان مما قال فيها: أن أحد الدعاة الصالحين أوصى دكتورا فقال: إن أجمل ما يحبه الله من الناس جبر الخواطر!. فذهب هذا الدكتور وفي نفس الوقت لقي رجلا فقال له الرجل: يا دكتور! إن حماتي في المستشفى أرجوك تساعدها جبر خاطر. قال الدكتور: فتذكرتُ كلام الداعية فقلت لعله جبر خاطر يحبه الله، فذهبت إلى المستشفى لأجبر خاطر تلك المرأة، وبينما أنا ذاهب حسيت بأزمة قلبية فعلمت أنها جلطة قلبية فأسرعت إلى الطبيب وقلت له: اعطني حقنة كذا وكذا... فقال له الطبيب بعد إجراء الفحوصات: والله لو كنت تأخرت خمسة دقائق كانت الجلطة تنهيك، ولكن الحمد لله فقد أسرعت. فقال هذا الدكتور: يا طبيب! والله ما جاء بي إلا أني أريد جبر خاطر امرأة فجبر الله خاطري.
سبحان الله! ما جاء به إلا جبر خاطر هذه المرأة فجبر الله خاطره وردّ الجلطة عنه بعد أن كانت ستنهيه.
هذا سيد البشرية، والعظيم في هذه الصفة العظيمة, يُطرد من مكة, فيلجأ إلى الطائف لعلهم يجبروا خاطره، فوجد منهم أشد الإيذاء والسب والشتم، فجلس يستظل تحت شجرة وإذ برب العالمين يريد أن يجبر خاطره فيرسل له ملك الجبال، فيقول ملك الجبال: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين -وهما جبلان يحيطان بمكة-، فقال صاحب الخلق الرفيع, والقلب الرحيم, والذي نفديه بأمهاتنا وأباءنا وأرواحنا، والذي لا يهمه أن يجبر الله خاطره, بل الذي يهمه أن يجبر خاطر أمته فقال: ((لا تفعل إني أريد أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا))().
تعلموا جبر الخواطر يجبر الله خواطركم، ولا تنسوا أنه من سار بين الناس بجبر الخواطر, أدركه الله في جوف المخاطر، وصنائع المعروف تقي مصارع السوء، ومن زرع جبر الخواطر للناس حصد ثمارها من رب الناس.
فوصيتي لك وللجميع: طيبوا الخواطر بما استطعتم، ولا تدخروا في ذلك جهداً، لأن ذلك فيه شعور بالسعادة، وفيه فتح لباب البر والإحسان..
فما أجمل أن نواسي من حولنا، ونجبر خواطرهم، وخاصة عند حدوث المحن والكروب، نقف إلى جانبهم، ونمد لهم يد العون، بكلمات طيبة، وبسمات شافقة، لعل الله يجبر خواطرنا، ويديم علينا النعم، ويجزينا المزيد.

📙📙 من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان. ص:(121).
🖋🖋 أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي.
ملاحظة/ المصادر والمراجع في متن الكتاب او على نسخة pdf.
...المزيد

اشكر الله وتمتع بسعادة الشكر. قد بلغ فضل الله على الناس من السعة, وبلغت نعمته عليهم من السبوغ, ما ...

اشكر الله وتمتع بسعادة الشكر.
قد بلغ فضل الله على الناس من السعة, وبلغت نعمته عليهم من السبوغ, ما لو أن أخسهم حظا, وأقلهم منه نصيبا, وأضعفهم علما, وأعجزهم عملا, وأعياهم لسانا, بلغ من الشكر له, والثناء عليه بما خلص إليه من فضله، ووصل إليه من نعمته، ما بلغ له منه أعظمهم حظا, وأوفرهم نصيبا, وأفضلهم علما, وأقواهم عملا, وأبسطهم لسانا، لكان عما استوجب الله عليه مقصرا, وعن بلوغ غاية الشكر بعيدا.
ومن أخذ بحظه من شكر الله, وحمده, ومعرفة نعمه, والثناء عليه والتحميد له، فقد استوجب بذلك من أدائه إلى الله القربة عنده والوسيلة إليه, والمزيد فيما شكره عليه من خير الدنيا، وحسن ثواب الآخرة.
إن من وفق للشكر فقد حصل له نعيم الدنيا والآخرة يعيش حميدا, قائما بأمر الله, ويموت سعيدا, خالدا في ثواب الله, ومن كفر أوشك أن يحل عليه عذاب الله .
فهذا الإله العظيم الذي هذا عطاؤه، وهذا فضله، وهذا منه، قلبك لا يخفق إلا بإذنه، وبصرك لا ينطلق إلا بإذنه، وسمعك لا يصيح إلا بإذنه، ورجلك لا تمشي إلا بإذنه، ويدك لا تبطش إلا بإذنه، وفمك لا يمضغ إلا بإذنه، وكل جسمك إنما يتحرك بإذنه!! أليس حقا عليك أن تقول له: شكرا يا رب؟! هذا الذي أعطاك ويرضى منك بهذه الكلمة، متى خرجت من قلب صادق((إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها))().
وهذه الكلمة التي تبذلها لكل إنسان ممن يستحق ومن لا يستحق، ألا ترى حقا عليك أن تبذلها لهذا الخالق العظيم الحكيم المبدع العظيم، فتقول له وأنت تعفر وجهك بالتراب، وتقول له وأنت ساجد: شكرا لك يا رب! على جميل عطائك، أصححت جسمي على حين أن المستشفيات ملأى بالمرضى، وأحييتني على حين أني قد سرت خلف أعداد كبيرة من الجنائز, وأودعتهم إلى القبور، وعافيتني إذا ابتليت غيري، وأغنيتني إذ أفقرت غيري، ورزقتني سمعا وبصرا وفؤادا، وأنت خير الرازقين، فشكرا لك يا رب! من أعماق قلبي، شكرا لك! على هذا العطاء الذي لا ينتهي، وشكرا لك! على هذه المنن التي لست لها بأهل، ولكنك أنت يا رب أهل التقوى وأهل المغفرة.
تذكر ضعفك وفقرك وعجزك، فأنت مسكين وضعيف، ولولا أن الله -عز وجل- قد أطلق البدن للزمت الأرض وللزمت الفراش، فإياك أن يغرك مركزك، إياك أن يغرك منصبك، إياك أن يغرك جاهك ووجاهتك، فأنت ضعيف أيها المسكين! تحمل البصاق في فمك، وتحمل المخاط في أنفك، وتحمل العرق تحت إبطيك، وتحمل البول في مثانتك، وتحمل النجاسة في بطنك، وتمسح عن نفسك النجاسة بيدك كل يوم مرة أو مرتين{يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}().
تجد الكثيرين يكتبون كلمات العرفان لهذا الطبيب، وربما نشروها في المجلات والجرائد، أو لمن تعاون معهم، أو لمن تسبب في نقلهم إلى مستشفى من المستشفيات، أو لمن واساهم أو لغير ذلك، لكن ربما ينسى الكثيرون توجيه الشكر الخالص للمنعم الأول وهو الله -جل وعلا-. من الذي وجه قلوب الناس إليك حتى أعانوك وساعدوك؟! من الذي حرك همة الطبيب حتى عني بك وأبدى وسعه في علاجك؟! من الذي جعل العلاج شافيا ونافعا؟! وربما تناول إنسان علاجا فكان فيه حتفه، وكان سبب هلاكه، فمن الذي جعل هذا العلاج بلسما وترياقا شافيا لك من مرضك؟! إنه الله، فلابد أن توجه الشكر له أولاً قبل أن تشكر المخلوقين.
إنك في نعم عميمة, وأفضال جسيمة، ولكنك لا تدري، تعيش مهموما مغموما حزينا كئيبا، وعندك الخبز الدافئ، والماء البارد، والنوم الهانئ، والعافية الوارفة، تتفكر في المفقود, ولا تشكر على الموجود، تنزعج من خسارة مالية, وعندك مفتاح السعادة، وقناطير مقنطرة من الخير والمواهب والنعم والأشياء، فكر واشكر{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}(). فكر في نفسك، وأهلك، وبيتك، وعملك، وعافيتك، وأصدقائك، والدنيا من حولك{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها}().
هل حمدت الله وشكرته في يوم أصبح عندك قوت يومك, وصحة في بدنك, وأمن في عيشك? (( من أصبح منكم آمنا في سربه، معافا في بدنه، عنده قوت يومه، فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها))().
والقوت هو مقدار الضرورة، بحيث لا تجوع ولا تفتر. والكفاف هو ما كفاك عن سؤال الناس وكان بمقدار كفايتك وحاجتك، فإذا حصلت هذا فاحمد الله، فقد كان خير خلق الله – عليه الصلاة والسلام- يسأل ربه هذا، فإن المال إذا زاد وكثر يؤدي إلى البطر، والحاجة إذا لم تتيسر يتشوش البال، فإذا رزقت الكفاف وكان عندك ما يكفيك فاحمد الله واقنع بما قسم الله.
هي القناعة فالزمها تعش ملــــــــكا ... لو لـــــــم يكن لك إلا راحة البدن
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها ... هل راح منها بغير القطن والكفن.
شكا بعضهم فقره إلى بعض أرباب البصائر وأظهر شدة اغتمامه به فقال له: أيسرك أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم؟. فقال: لا. فقال أيسرك أنك أخرس ولك عشرة آلاف درهم؟. فقال: لا. فقال: أيسرك أن أقطع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفا؟. فقال: لا. فقال: أيسرك أنك مجنون ولك عشر آلاف درهم؟. فقال: لا. فقال: أما تستحي أن تشكو مولاك وله عندك عروض بخمسين ألفا..
دخل ابن السماك على بعض الخلفاء وبيده كوز ماء يشربه فقال له: عظني. فقال: لو لم تعط هذه الشربة إلا ببذل جميع أموالك وإلا بقيت عطشان، فهل كنت تعطيه?! قال: نعم!. فقال لو لم تعط الماء إلا بملكك كله فهل كنت تتركه?!قال: نعم! قال فلا تفرح بملك لا يساوي شربة ماء(). إذاً: شربة ماء عند العطش أعظم من ملك الأرض كلها.
فكر واشكر نعم الله عليك وإن تذكر نعم الله عليك تلاحظ أنها تغمرك من فوقك ومن تحت قدميك{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا}()صحة في بدن، أمن في وطن، غذاء وكساء، وهواء وماء، لديك الدنيا وأنت ما تشعر، تملك الحياة وأنت لا تعلم{وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}() عندك عينان، ولسان وشفتان، ويدان ورجلان{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}() هل هي مسألة سهلة أن تمشي على قدميك، وقد بترت أقدام؟! وأن تعتمد على ساقيك، وقد قطعت سوق؟! أحقيق أن تنام ملء عينيك وقد أطار الألم نوم الكثير؟! وأن تملأ معدتك من الطعام الشهي وأن تكرع من الماء البارد وهناك من عكر عليه().
لا إله إلا الله نعم تتجلى ليلا نهارا ونحن عنها تائهون ولو وفقنا للشكر لزادت وكثرت.

📙📙 من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان. ص:(117).
🖋🖋 أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي.
ملاحظة/ المصادر والمراجع في متن الكتاب او على نسخة pdf.
...المزيد

كيف يكون اتصالك بالناس فعّال. الاتصال هو عبارة عن أسلوب حياة، وقوة تأثيرك في قلوب الآخرين، فيا ترى ...

كيف يكون اتصالك بالناس فعّال.
الاتصال هو عبارة عن أسلوب حياة، وقوة تأثيرك في قلوب الآخرين، فيا ترى كيف هي علاقاتك مع الآخرين!? وما هي مهاراتك التي تستخدمها مع الآخرين لكسب قلوبهم, وودهم وسعادتك بالأنس لقربهم!?.
انظر من حولك فلان مستمتع بحياته, تراه قد سرق قلوب الناس، فتراه من مكتبه إلى بيته إلى مسجده إلى السوق إلى ملتقى إلى لقاء... ترى الناس أقبلوا عليه من كل فج عميق, وأتوه من كل حدب ينسلون، ترى جواله شغال بالاتصالات مع الآخرين, إن غاب فالسؤال عنه والدعاء له، وإن حضر فالأنس والبشاشة؛ لأن مهارته فعّالة مع الناس, وممتازة جدا، وأنت جالس تتفكر وتجمع لنفسك الهموم والغموم والأحزان..
انظر إلى رسول الله الأستاذ الأول في إيجاد هذه المهارة مع الآخرين, واستطاع أن يكسب قلوب البشرية ويسرقها دون أن يحدث في قلوبهم جرحا, حتى أنه ذات يوم احتجم, وأخرج دما فاسدا من جسده، فأعطاه لأسامة ليرمي به بعيدا... فأخذه أسامة ومن شدة حب أسامة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما استطاع أن يرمِ هذا الدم الشريف، فشربه.. نعم شرب دم النبي -عليه الصلاة والسلام-.
كيف لا يحبه الآخرون وهو القائد الأول في عملية الاتصال الفعّال.. حتى أنه ذات يوم جلس في بيت عائشة ومعه كبار الصحابة ليتناولوا وجبة الطعام من طبخ عائشة, وكان ذلك اليوم هو يوم عائشة للطبخ وصنع الطعام.
فجلس الصحابة ونبيهم ينتظرون الطعام يجهز ليأكلوا، وبينما هم كذلك إذ بباب البيت يقرع وكان القارع صاحب طعام من زوجة النبي حفصة -رضي الله عنها-، فوضِع الطعام أمام الرسول وأصحابه، وإذ بعائشة تنظر في الطعام الآتي من حفصة فأحدث في قلبها شيء من الغيرة، لسان حالها: كيف يا حفصة تحضرين الطعام للنبي واليوم هو يومي!. وهذا التفكير البشري عند النساء ما زال موجودا إلى يومنا هذا، فمسكت صحن الطعام ورمت به، وهذا الموقف أمام من وقع?! وفي حضرة من وقع?!.
لقد وقع أمام النبي -صلى الله عليه وسلم- القائد الأعلى للقوات المسلحة، الزعيم والرئيس, والرجل الأول في دولة الإسلام . ووقع الموقف في حضرة كبار الصحابة عمداء وأركان وقادة آلوية ومدرعات و..و..
وهنا تأتي مهارة النبي في هذا الاتصال الفعّال, بأسلوب شيق ومثير, وكيف أدار الموقف بإحكام، والذي حصل من عائشة ما هو بالأمر السهل الهين!!ولو أنه حصل مع أحد من أهل زماننا, فماذا عساه فاعلا بزوجته التي أخجلته أمام القوم..
فما كان من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أن تبسم في وجوه الصحابة وهو يضحك قائلا: غارت أمكم()، وطوى ملف القضية وانتهى الموضوع.
إنه أسلوب مثير جدا لكسب القلوب وأسرها دون أن تشعر بهذا التخطيط السري لكسبها.
انظر إلى من حولك من خطباء ودعاة، تجد بعض المساجد التي يؤمها خطيب يجيد مهارة الاتصال, تجده قبل أن يصعد المنبر إلا والمسجد قد ازدحم وامتلئ, وحين يبدأ خطبته تجد القلوب إليه مذعنة, والآذان له سامعة, والجوارح هادئة, والعيون بكاء وأنين يعمّ المسجد...
وتجد خطيبا آخر ينتهي من خطبة الجمعة والمسجد فيه سطور عدد الأصابع, والبعض أسرع بتجديد وضوءه لأنه كان نائما وقت الخطبة..
ما الذي جعل المسجد الأول يزدحم ويعلو صوت الأنين والبكاء فيه, بينما الثاني صوت الشخير فيه وتحسبهم أيقاظا وهو رقود!?.
إنه أسلوب المخاطبة, وطرح الكلام بفن وتعبير ومهارة, وحركات عذبة تجذب القلوب وتأسرها.
إنها أساليب قوية ومؤثرة تنجذب القلوب إليك بحسب قوة اتصالك ومهاراتك. هذا رجل قتل تسعا وتسعين رجلا ففكرت نفسه بالتوبة فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلوه على راهب، فجاءه وقص عليه القصص، فانبهر هذا الراهب وغضب ولم يكن يمتلك مهارة الاتصال فقال في غضب: ليس لك توبة. فقتله هذا الرجل وأتمّ به المائة... ثم بحث مجددا عن أعلم أهل الأرض فدلوه على عالم، فجاءه وقص عليه القصص، فكان هذا العالم قوي في هذه المهارة استطاع من خلالها أن يجذب قلب هذا القاتل وينقذه من الهلاك، فقال له: تمهل! ومن يحول بينك وبين التوبة!? وبابها مفتوح، ورحمة الله واسعة، ففتح قلب هذا القاتل وقذف في قلبه حب التوبة فتاب فغفر الله له بسبب هذه المهارة التي أجادها ذلك العالم().
فانظر الفرق بين من يمتلك مهارة جبر الخواطر بكلمات عذبة, وبأساليب متنوعة, فيحي قلوبا كادت أن تقتلها الهموم والغموم، وبين من لا يمتلك هذه المهارة ولا يجيدها, فتنفر عنه القلوب, وتنزاح عنه وتهرب منه, ولربما كان هو أول ضحايا هذه المهارة.
تعلم أساليب متنوعة لكسب قلوب الناس، حين تكون متكلما اطرح الكلام بعذوبة, وحركات وابتسامات، وفي حالة الاستماع للمتكلم أنصت, واعطه عقلك وجوارحك, ولا تقاطع حديثه، وفي حالة التوضيح أوضح، وفي حالة الاختصار اختصر، يُحبّك الناس وتظهر في أعينهم أنك أنيق, صاحب مقام محمود.
قبل سنين طرأ لي سؤال من أحد الجاهلين عن قضية أهل البيت وأن عائشة ليست من أهل البيت، فسألت به ثلاثة ممن تتلمذت على أيديهم، فأما الأول فأجاب وأطال، وأما الثاني فأجاب وزاد، وأما الثالث فاختصر الجواب في كلمات فقال: يقول الله عن موسى: وسار بأهله. ولم يكن معه حين ذاك إلا زوجته فدل على أن الزوجة من أهل البيت.
فاختصر الجواب في كلمات نافعة, لأنه يجيد مهارة أسلوب طرح الكلام بطريقة عذبة, وبأساليب مختصرة فما استفدت إلا منه.

📙📙 من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان. ص:(113).
🖋🖋 أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي.
ملاحظة/ المصادر والمراجع في متن الكتاب او على نسخة pdf.
...المزيد

حقيقة الدنيا الحقيرة. انظر ﺇﻟﻰ اﻟﺸﻤﺲ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﺗﻄﻠﻊ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺮﻕ ﻭﺗﺠﺮﻱ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﻐﺮﺏ، واﻟﻘﻤﺮ ﻳﻬﻞّ ﺻﻐﻴﺮا ﺛﻢ ...

حقيقة الدنيا الحقيرة.
انظر ﺇﻟﻰ اﻟﺸﻤﺲ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﺗﻄﻠﻊ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺮﻕ ﻭﺗﺠﺮﻱ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﻐﺮﺏ، واﻟﻘﻤﺮ ﻳﻬﻞّ ﺻﻐﻴﺮا ﺛﻢ ﻳﻨﻤﻮ ﺭﻭﻳﺪا ﺭﻭﻳﺪا ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺪﺭا ﻣﺘﻜﺎﻣﻼ ﺛﻢ ﻳﺄﺧﺬ ﻧﻤﻮﻩ ﺑﺎﻟﻨﻘﺺ ﻭاﻻﺿﻤﺤﻼﻝ, واﻟﻤﻄﺮ ﻳﻨﺰﻝ ﻋﻠﻰ اﻷﺭﺽ اﻟﻬﺎﻣﺪﺓ ﻓﺘﺰﻫﻮ ﻭﺗﺨﻀﺮ ﺛﻢ ﻣﺎ ﺗﻠﺒﺚ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﺸﻴﻤﺎ ﻳﺎﺑﺴﺎ، ﺗﺮﻯ اﻟﺰﻫﺮﺓ ﻣﺘﻔﺘﺤﺔ ﻓﻮاﺣﺔ اﻟﺸﺬﻯ ﻓﻤﺎ ﺗﻠﺒﺚ ﺃﻥ ﺗﺬﺑﻞ ﻭﺗﻌﺒﺚ ﺑﻬﺎ ﻋﻮاﻣﻞ اﻟﺮﺩﻯ، ﺗﺮﻯ اﻟﺸﺎﺏ ﻳﻤﺘﻠﺊ ﺣﻴﻮﻳﺔ ﻭﻧﻀﺎﺭﺓ، ﻓﻤﺎ ﻳﻠﺒﺚ ﺃﻥ ﻳﺸﻴﺐ ﻭﻳﻬﺮﻡ، ﻭﺗﻠﻚ ﺳﻨﺔ اﻟﻠﻪ ﻭﻟﻦ ﺗﺠﺪ ﻟﺴﻨﺔ اﻟﻠﻪ ﺗﺒﺪﻳﻼ.
ﻫﺬﻩ ﺣﺎﻝ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻻ ﺭاﺣﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻻ اﻃﻤﺌﻨﺎﻥ، ﻭﻻ ﺛﺒﺎﺕ ﻭﻻ اﺳﺘﻘﺮاﺭ، ﻃﻠﻮﻉ ﻭﺃﻓﻮﻝ، ﻭﺩﻭﻝ ﺗﺒﻨﻰ ﻭﺃﺧﺮﻯ ﺗﺰﻭﻝ، ﻭﻣﻤﺎﻟﻚ ﺗُﺸﺎﺩ ﻭﺃﺧﺮﻯ ﺗُﺒﺎﺩ، ﻭﻣﺪﻥ ﺗُﻌﻤّﺮ ﻭﺃﺧﺮﻯ ﺗُﺪﻣّﺮ، ﻭﺳﺒﺤﺎﻥ ﻣﻦ ﻳﻐﻴﺮ ﻭﻻ ﻳﺘﻐﻴﺮ! ﻓﻮاﻋﺠﺒﺎ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻴﻒ ﺧﺪﻉ ﺑﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ ﻭﻫﻲ ﻛﻐﻤﻀﺔ ﻋﻴﻦ، ﺃﻭ ﻟﻤﺤﺔ ﺑﺼﺮ، ﺃﻭ ﻭﻣﻀﺔ ﺑﺮﻕ! ﻛﻴﻒ ﻏﺮﻫﻢ ﻃﻮﻝ اﻷﻣﻞ ﻓﻴﻬﺎ!؟ ﻭﻫﻲ ﻟﻌﺐ ﻭﻟﻬﻮ ﻭﺯﻳﻨﺔ ﻭﺗﻜﺎﺛﺮ ﻭﺗﻔﺎﺧﺮ، ﺳﺮاﺏ ﺧﺎﺩﻉ، ﻭﺑﺮﻳﻖ ﻻﻣﻊ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺳﻴﻒ ﻗﺎﻃﻊ، ﻛﻢ ﺃﺫاﻗﺖ ﺑﺆﺳﺎ؟!، ﻭﻛﻢ ﺟﺮﻋﺖ ﻏﺼﺼﺎ؟!، ﻭﻛﻢ ﺃﺫاﻗﺖ ﻧﻐﺼﺎ؟!، ﻛﻢ ﺃﺣﺰﻧﺖ ﻓﺮﺣﺎ، ﻭﺃﺑﻜﺖ ﻣﺮﺣﺎ، ﻭﻛﺪﺭﺕ ﺻﻔﻮا، ﻭﺷﺎﺑﺖ ﻣﻌﻴﻨﺎ؟!.
ﺳﺮﻭﺭﻫﺎ ﻣﺸﻮﺏ ﺑﺎﻟﺤﺰﻥ، ﻭﻓﻘﺮﻫﺎ ﻣﺸﻮﺏ ﺑﺎﻟﻜﺪﺭ، ﺳﺎﺣﺮﺓ ﻏﺮاﺭﺓ، ﺧﺎﺩﻋﺔ ﻣﻜﺎﺭﺓ، ﻛﻢ ﻫﺮﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﻐﻴﺮ، ﻭﺫﻝّ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﺰﻳﺰ، ﻭﺗﻠﻒ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻭﺯﻳﺮ، ﻭﻓﻘﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻏﻨﻲ، ﺃﺣﻮاﻟﻬﺎ ﻣﺘﺒﺪﻟﺔ، ﻭﺷﺌﻮﻧﻬﺎ ﻣﺘﻐﻴﺮﺓ، ﻓﻼ ﺗﺮﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻻ ﺭاﺣﻼ ﺇﺛﺮ ﺭاﺣﻞ، ﻭﻫﺎﻟﻜﺎ ﺧﻠﻒ ﻫﺎﻟﻚ، ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻻ ﺃﻳﺎﻡ ﻣﻌﺪﻭﺩﺓ، ﻭﺃﻧﻔﺎﺱ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ، ﻭﺁﺟﺎﻝ ﻣﻀﺮﻭﺑﺔ، ﻭﺃﻋﻤﺎﻝ ﻣﺤﺴﻮﺑﺔ، ﻭﺇﻥ ﻃﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ اﻟﻤﺨﺪﻭﻋﻴﻦ ﺑﺰﺧﺮﻓﻬﺎ، اﻟﻤﻔﺘﻮﻧﻴﻦ ﺑﺸﻬﻮاﺗﻬﺎ، اﻟﺮاﻛﻨﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﻟﻬﻮﻫﺎ ﻭﻏﺮﻭﺭﻫﺎ.
ﺫﻛﺮ اﺑﻦ ﺃﺑﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﻥ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﺼﺮﻯ ﻛﺘﺐ ﺇﻟﻰ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ: ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ: ﻓﺈﻥ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺩاﺭ ﻇﻌﻦ، ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺪاﺭ ﺇﻗﺎﻣﺔ، ﺇﻧﻤﺎ ﺃﻧﺰﻝ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺁﺩﻡ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻋﻘﻮﺑﺔ، ﻓﺎﺣﺬﺭﻫﺎ ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻓﺈﻥ اﻟﺰاﺩ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺮﻛﻬﺎ، ﻭاﻟﻐﻨﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻘﺮﻫﺎ، ﻟﻬﺎ ﻓﻰ ﻛﻞ ﺣﻴﻦ ﻗﺘﻴﻞ، ﺗﺬﻝ ﻣﻦ ﺃﻋﺰﻫﺎ، ﻭﺗﻔﻘﺮ ﻣﻦ ﺟﻤﻌﻬﺎ. ﻫﻰ ﻛﺎﻟﺴﻢ ﻳﺄﻛﻠﻪ ﻣﻦ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻭﻫﻮ ﺣﺘﻔﻪ, ﻓﻜﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺎﻟﻤﺪاﻭﻯ ﺟﺮاﺣﻪ، يحتمي ﻗﻠﻴﻼ ﻣﺨﺎﻓﺔ ﻣﺎ ﻳﻜﺮﻩ ﻃﻮﻳﻼ، ﻭﻳﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺷﺪﺓ اﻟﺪﻭاء ﻣﺨﺎﻓﺔ ﻃﻮﻝ اﻟﺒﻼء، ﻓﺎﺣﺬﺭ ﻫﺬﻩ اﻟﺪاﺭ الغراﺭﺓ، اﻟﺨﺪاﻋﺔ اﻟﺨﺘﺎﻟﺔ، التي ﻗﺪ ﺗﺰﻳﻨﺖ ﺑﺨﺪﻋﻬﺎ، ﻭﻓﺘﻨﺖ ﺑﻐﺮﻭﺭﻫﺎ، ﻭﺧﺘﻠﺖ ﺑﺂﻣﺎﻟﻬﺎ، ﻭﺗﺸﻮﻓﺖ ﻟﺨﻄﺎﺑﻬﺎ، ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﻛﺎﻟﻌﺮﻭﺱ اﻟﻤﺠﻠﻮﺓ، ﻓﺎﻟﻌﻴﻮﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻧﺎﻇﺮﺓ، ﻭاﻟﻘﻠﻮﺏ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭاﻟﻬﺔ، ﻭاﻟﻨﻔﻮﺱ ﻟﻬﺎ ﻋﺎﺷﻘﺔ، ﻭﻫﻰ ﻷﺯﻭاﺟﻬﺎ ﻛﻠﻬﻢ ﻗﺎﺗﻠﺔ، ﻓﻌﺎﺷﻖ ﻟﻬﺎ ﻗﺪ ﻇﻔﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺤﺎﺟﺘﻪ ﻓﺎﻏﺘﺮ ﻭﻃﻐﻰ، ﻭﻧﺴﻰ اﻟﻤﻌﺎﺩ ﻓﺸﻐﻞ ﺑﻬﺎ ﻟﺒﻪ، ﺣﺘﻰ ﺯﻟﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﻗﺪﻣﻪ، ﻓﻌﻈﻤﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﺪاﻣﺘﻪ، ﻭﻛﺜﺮﺕ ﺣﺴﺮﺗﻪ، ﻭاﺟﺘﻤﻌﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻜﺮاﺕ اﻟﻤﻮﺕ ﻭﺃﻟﻤﻪ، ﻭﺣﺴﺮاﺕ اﻟﻔﻮﺕ. ﻭﻋﺎﺷﻖ ﻟﻢ ﻳﻨﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻐﻴﺘﻪ، ﻓﻌﺎﺵ ﺑﻐﺼﺘﻪ، ﻭﺫﻫﺐ ﺑﻜﻤﺪﻩ، ﻭﻟﻢ ﻳﺪﺭﻙ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻃﻠﺐ، ﻭﻟﻢ ﺗﺴﺘﺮﺡ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺐ، ﻓﺨﺮﺝ ﺑﻐﻴﺮ ﺯاﺩ، ﻭﻗﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﻣﻬﺎﺩ. ﻓﻜﻦ ﺃﺳﺮ ﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺣﺬﺭ ﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻬﺎ، ﻓﺈﻥ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻠﻤﺎ اﻃﻤﺄﻥ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺳﺮﻭﺭ ﺃﺷﺨﺼﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺮﻭﻩ، ﻭﺻﻞ اﻟﺮﺧﺎء ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺒﻼء، ﻭﺟﻌﻞ اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻓﻨﺎء. ﺳﺮﻭﺭﻫﺎ ﻣﺸﻮﺏ ﺑﺎﻟﺤﺰﻥ، ﺃﻣﺎﻧﻴﻬﺎ ﻛﺎﺫﺑﺔ، ﻭﺁﻣﺎﻟﻬﺎ ﺑﺎﻃﻠﺔ، ﻭﺻﻔﻮﻫﺎ ﻛﺪﺭ، ﻭﻋﻴﺸﻬﺎ ﻧﻜﺪ، ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻥ ﺭﺑﻨﺎ ﻟﻢ ﻳﺨﺒﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺧﺒﺮا، ﻭﻟﻢ ﻳﻀﺮﺏ ﻟﻬﺎ ﻣﺜﻼ، ﻟﻜﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺃﻳﻘﻈﺖ اﻟﻨﺎﺋﻢ، ﻭﻧﺒﻬﺖ اﻟﻐﺎﻓﻞ. ﻓﻜﻴﻒ ﻭﻗﺪ ﺟﺎء ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻭاﻋﻆ ﻭﻋﻨﻬﺎ ﺯاﺟﺮ؟ ﻓﻤﺎ ﻟﻬﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﻗﺪﺭ ﻭﻻ ﻭﺯﻥ، ﻭﻻ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﺧﻠﻘﻬﺎ. ﻭﻟﻘﺪ ﻋُﺮﺿﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ- ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ- ﺑﻤﻔﺎﺗﻴﺤﻬﺎ ﻭﺧﺰاﺋﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﻨﻘﺼﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﺟﻨﺎﺡ ﺑﻌﻮﺿﺔ، ﻓﺄﺑﻰ ﺃﻥ ﻳﻘﺒﻠﻬﺎ، ﻛﺮﻩ ﺃﻥ ﻳﺤﺐ ﻣﺎ ﺃﺑﻐﺾ ﺧﺎﻟﻘﻪ، ﺃﻭ ﻳﺮﻓﻊ ﻣﺎ ﻭﺿﻊ ﻣﻠﻴﻜﻪ. ﻓﺰﻭاﻫﺎ ﻋﻦ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ اﺧﺘﻴﺎﺭا، ﻭﺑﺴﻄﻬﺎ ﻷﻋﺪاﺋﻪ اﻏﺘﺮاﺭا. ﻓﻴﻈﻦ اﻟﻤﻐﺮﻭﺭ ﺑﻬﺎ اﻟﻤﻘﺘﺪﺭ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﻧﻪ ﺃﻛﺮﻡ ﺑﻬﺎ، ﻭﻧﺴﻰ ﻣﺎ ﺻﻨﻊ اﻟﻠﻪ -ﻋﺰ ﻭﺟﻞ- ﺑﺮﺳﻮﻟﻪ -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ- ﺣﻴﻦ ﺷﺪ اﻟﺤﺠﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻄﻨﻪ..().
هذه حقيقة الدنيا، وهذه صفاتها، كلها هموم وغموم وأشغال، ﻭﺇﻥ ﺳﺮﻭﺭها ﺃﺣﻼﻡ ﻟﻴﻞ ﺃﻭ ﻛﻈﻞ ﺯاﺋﻞ، ﺇﻥ ﺃﺿﺤﻜﺖ ﻗﻠﻴﻼ، ﺃﺑﻜﺖ ﻛﺜﻴﺮا، ﻭﺇﻥ ﺳﺮﺕ ﻳﻮﻣﺎ، ﺃﺳﺎءﺕ ﺩﻫﺮا، ﺟﻤﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻧﺼﺪاﻉ، ﻭﻭﺻﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻧﻘﻄﺎﻉ.
ﻭﻣﻦ ﻳﺤـــﻤﺪ اﻟـــــــﺪﻧﻴﺎ ﻟﻌــــــﻴﺶ ﻳﺴــــــــﺮﻩ ... ﻓﺴﻮﻑ ﻟﻌﻤﺮﻱ ﻋﻦ ﻗﻠﻴﻞ ﻳﻠﻮﻣﻬﺎ
ﺇﺫا ﺃﺩﺑﺮﺕ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮء ﺣﺴﺮﺓ ... ﻭﺇﻥ ﺃﻗﺒﻠﺖ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺜﻴﺮا ﻫﻤﻮﻣﻬﺎ.
ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻜﻤﺎء: ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺗﺬﻫﺐ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻻ ﺃﻛﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﻼ ﺃﺳﻜﻦ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﺈﻥ ﻋﻴﺸﻬﺎ ﻧﻜﺪ، ﻭﺻﻔﻮﻫﺎ ﻛﺪﺭ، ﻭﺃﻫﻠﻬﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻞ، ﺇﻣﺎ ﺑﻨﻌﻤﺔ ﺯاﺋﻠﺔ، ﺃﻭ ﺑﻠﻴﺔ ﻧﺎﺯﻟﺔ، ﺃﻭ ﻣﻨﻴﺔ ﻗﺎﺿﻴﺔ(). ﺇﻗﺒﺎﻟﻬﺎ ﺧﺪﻳﻌﺔ، ﻭﺇﺩﺑﺎﺭﻫﺎ ﻓﺠﻴﻌﺔ، ﻻ ﺗﺪﻭﻡ ﺃﺣﻮاﻟﻬﺎ، ﻭﻻ ﻳﺴﻠﻢ ﻧﺰاﻟﻬﺎ، ﺣﺎﻟﻬﺎ اﻧﺘﻘﺎﻝ، ﻭﺳﻜﻮﻧﻬﺎ ﺯﻭاﻝ، ﻏﺮاﺭﺓ ﺧﺪﻭﻉ، ﻣﻌﻄﻴﺔ ﻣﻨﻮﻉ ﻧﺰﻭﻉ.
ﺃﺭﻯ ﻃﺎﻟﺐ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺇﻥ ﻃﺎﻝ ﻋﻤﺮﻩ ... ﻭﻧﺎﻝ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﺮﻭﺭا ﻭﺃﻧﻌﻤﺎ
ﻛﺒــــﺎﻥ ﺑﻨــــــــﻰ ﺑﻨﻴـــــــــﺎﻧﻪ ﻓـــﺄﻗــــــﺎﻣﻪ ... ﻓﻠــــﻤﺎ اﺳﺘﻮﻯ ﻣــــﺎ ﻗﺪ ﺑﻨــــﺎﻩ ﺗﻬﺪﻣﺎ.
ﻭﻳﻜﻔﻲ ﻓﻲ ﻫﻮاﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻻ ﻳُﻌﺼﻰ ﺇﻻ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻻ ﻳُﻨﺎﻝ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻩ ﺇﻻ ﺑﺘﺮﻛﻬﺎ.
ﻭﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ: ((ﻟﻮ ﺃﻥ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﺴﺎﻭﻱ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﺟﻨﺎﺡ ﺑﻌﻮﺿﺔ، ﻣﺎ ﺳﻘﻰ ﻛﺎﻓﺮا ﻣﻨﻬﺎ ﺷﺮﺑﺔ ﻣﺎء)) (). ﺇﻥ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ -ﺗﻌﺎﻟﻰ- ﺃﻫﻮﻥ ﻣﻦ ﺟﻨﺎﺡ اﻟﺒﻌﻮﺿﺔ، ﻭﻫﺬﻩ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻭﻭﺯﻧﻬﺎ، فلِمَ اﻟﺠﺰﻉ ﻭاﻟﻬﻠﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻣﻦ ﺃﺟﻠﻬﺎ؟!.
وﻣﻦ ﺗﻔﺎﻫﺘﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻌﻄﻲ اﻟﻜﺎﻓﺮ ﺟﻤﻠﺔ ﻭاﺣﺪﺓ، ﻭﺃﻥ ﻳﺤﺮﻣﻬﺎ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻟﻴﺒﻴﻦ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺤﻴﺎﺓ اﻟﺪﻧﻴﺎ.
فلا إله إلا الله! نجري وراها، ونلهث بعدها، وهي أصل الفقر، ودار الهموم، وموطن الأحزان.
ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻠﻒ: ﻣﻦ ﺃﺣﺐ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻠﻴﻮﻃﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻤﺼﺎﺋﺐ. ﻭﻣﺤﺐ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻻ ﻳﻨﻔﻚ ﻣﻦ ﺛﻼﺙ: ﻫﻢ ﻻﺯﻡ، ﻭﺗﻌﺐ ﺩاﺋﻢ، ﻭﺣﺴﺮﺓ ﻻ تنقضي، ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻣﺤﺒﻬﺎ ﻻ ﻳﻨﺎﻝ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﺇﻻ ﻃﻤﺤﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻓﻮﻗﻪ، ﻛﻤﺎ في اﻟﺤﺪيث: ((ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻻﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﻭاﺩﻳﺎﻥ ﻣﻦ ﻣﺎﻝ ﻻﺑﺘﻐﻰ ﻟﻬﻤﺎ ﺛﺎﻟﺜﺎ))().
ﻭروي عن اﻟﻤﺴﻴﺢ -ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ- أنه قال للحواريين: ﻻ ﺗﺘﺨﺬﻭا اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺭﺑﺎً فتتخذﻛﻢ ﻋﺒﻴﺪا, ﻭاﻋﺒﺮﻭﻫﺎ ﻭﻻ ﺗﻌﻤﺮﻭﻫﺎ، ﻭاﻋﻠﻤﻮا ﺃﻥ ﺃﺻﻞ ﻛﻞ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﺣﺐ اﻟﺪﻧﻴﺎ, ﻭﺭﺏ ﺷﻬﻮﺓ ﺃﻭﺭﺛﺖ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﺣﺰﻧﺎ ﻃﻮﻳﻼ، ﻣﺎ ﺳﻜﻨﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ في ﻗﻠﺐ ﻋﺒﺪ ﺇﻻ اﻟﺘﺎﻁ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺜﻼﺛﺔ: ﺷﻐﻞ ﻻ ﻳﻨﻔﻚ ﻋﻨﺎﺅﻩ، ﻭﻓﻘﺮ ﻻ ﻳﺪﺭﻙ ﻏﻨﺎﺅﻩ، ﻭﺃﻣﻞ ﻻ ﻳﺪﺭﻙ ﻣﻨﺘﻬﺎﻩ، اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻃﺎﻟﺒﻪ ﻣﻄﻠﻮﺑﻪ، ﻓﻄﺎﻟﺐ اﻵﺧﺮﺓ ﺗﻄﻠﺒﻪ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻜﻤﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺭﺯﻗﻪ، ﻭﻃﺎﻟﺐ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﻄﻠﺒﻪ الآﺧﺮﺓ ﺣﺘﻰ ﻳﺠﺊ اﻟﻤﻮﺕ ﻓﻴﺄﺧﺬ ﺑﻌﻨﻘﻪ. ﻳﺎ ﻣﻌﺸﺮ اﻟﺤﻮاﺭﻳﻴﻦ! اﺭﺿﻮا ﺑﺪنيء اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻊ ﺳﻼﻣﺔ اﻟﺪﻳﻦ ﻛﻤﺎ ﺭضي ﺃﻫﻞ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺪنيء اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻊ ﺳﻼﻣﺔ اﻟﺪﻧﻴﺎ..().
فليت الدنيا كما نراها، حتى نحبها ونركن إليها، وقد ﺗﺒﺪﻭ لنا ﻫﻴﻨﺔ ﻟﻴﻨﺔ ﻳﻈﻦ اﻟﺨﺎﺋﺾ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻥ ﺣﻼﻭﺓ ﺧﻔﻀﻬﺎ ﻛﺤﻼﻭﺓ اﻟﺨﻮﺽ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭلكن هيهات ﻫﻴﻬﺎﺕ ﻓﺈﻥ اﻟﺨﻮﺽ فيها ﺳﻬﻞ ﻭاﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﺴﻼﻣﺔ ﺷﺪﻳﺪ. ﻭﻗﺪ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻲ -ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ- ﺇﻟﻰ ﺳﻠﻤﺎﻥ اﻟﻔﺎﺭﺳﻲ ﺑﻤﺜﺎﻟﻬﺎ ﻓﻘﺎﻝ: ﻣﺜﻞ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﺤﻴﺔ ﻟﻴﻦ ﻣﺴﻬﺎ، ﻭﻳﻘﺘﻞ ﺳﻤﻬﺎ، ﻓﺄﻋﺮﺽ ﻋﻤﺎ ﻳﻌﺠﺒﻚ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻘﻠﺔ ﻣﺎ ﻳﺼﺤﺒﻚ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﺿﻊ ﻋﻨﻚ ﻫﻤﻮﻣﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﺃﻳﻘﻨﺖ ﻣﻦ ﻓﺮاﻗﻬﺎ، ﻭﻛﻦ ﺃﺳﺮّ ﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺣَﺬَﺭ ﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻬﺎ، ﻓﺈﻥ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻛﻠﻤﺎ اﻃﻤﺄﻥّ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺳﺮﻭﺭ ﺃﺷﺨﺼﻪ ﻋﻨﻪ ﻣﻜﺮﻭﻩ ﻭاﻟﺴﻼﻡ.()
لله درُّ أقوام هجروا الدنيا هجر الغريب على أمل أن يعود، وطلقوها طلاقا ليس بائناً بل طلاقا رجعياً، ليقضوا حوائجهم منها وطرا، وأخذوا زادهم منها بحذر، عرفوا حقيقتها فحرثوها وزرعوها وجنوا ثمارها في الآخرة.
ﺇﻥ ﻟﻠﻪ ﻋﺒـــــــــﺎﺩا ﻓﻄــــــــﻨﺎ ... ﻃﻠﻘﻮا اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺧﺎﻓﻮا اﻟﻔﺘﻨﺎ
ﻧﻈﺮﻭا ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻤﻮا ... ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﺤـــــﻲ ﻭﻃــــﻨﺎ
ﺟﻌﻠﻮﻫﺎ ﻟﺠﺔ ﻭاﺗﺨﺬﻭا ... ﺻﺎﻟﺢ اﻷﻋﻤﺎﻝ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻔﻨﺎ.
هذا خير البشرية، -عليه الصلاة والسلام- يمرُّ عليه عمر وهو مستلقٍ على حصير المسجد وقد أثّر الحصى على ظهره الشريف، فدمعت عينا عمر وقال: يا رسول الله! كسرى وقيصر على العروش مستريحين وأنت تفرش الحصى. فقال -عليه الصلاة والسلام-: أما ترضى يا عمر أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة().
ﺇﻧﻬﺎ ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﻭاﺿﺤﺔ، ﻭﻗﺴﻤﺔ ﻋﺎﺩﻟﺔ، ﻓﻠﻴﺮﺽ ﻣﻦ ﻳﺮﺿﻰ، ﻭﻟﻴﺴﺨﻂ ﻣﻦ ﻳﺴﺨﻂ، ﻭﻟﻴﻄﻠﺐ اﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺃﺭاﺩﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﺭﻫﻢ ﻭاﻟﺪﻳﻨﺎﺭ ﻭاﻟﻘﺼﺮ ﻭاﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻭﻳﻌﻤﻞ ﻟﻬﺎ ﻭﺣﺪﻫﺎ، ﻓﻠﻦ ﻳﺠﺪﻫﺎ ﻭاﻟﺬﻱ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﻫﻮ.
وهذا علي -ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ-, ﻳﻘﻮﻡ اﻟﻠﻴﻞ ﻛﻠﻪ، ﺛﻢ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﺘﻌﺘﻬﺎ ﻭﺯﻳﻨﺘﻬﺎ ﻭﺯﺧﺎﺭﻓﻬﺎ, ﻭﻳﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ ﻟﺤﻴﺘﻪ ﻭﻳﺒﻜﻲ ﻭﻳﻘﻮﻝ: ﻳﺎ ﺩﻧﻴﺎ! ﻏﺮّﻱ ﻏﻴﺮﻱ، ﻃﻠﻘﺘﻚ ﺛﻼﺛﺎ!().
وما أسوأ وما أخسُّ حال قوم ﻗﺪ ﺧﺪﻋﺘﻬﻢ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺰﺧﺎﺭﻓﻬﺎ، ﻭﺧﻠﺒﺘﻬﻢ ﻭﺧﺪﻋﺘﻬﻢ ﺑﺮﻭﻧﻘﻬﺎ، ﻭﺣﺪﺛﺘﻬﻢ ﺑﺄﺣﺎﺩﻳﺜﻬﺎ اﻟﻜﺎﺫﺑﺔ، ﻭﻭﻋﺪﺗﻬﻢ ﺑﻤﻮاﻋﻴﺪﻫﺎ اﻟﻤﺨﻠﻔﺔ الغراﺭﺓ. ﻓﻠﻢ ﺗﺰﻝ ﺗﻘﺮﺏ ﻟﻬﻢ ﺑﻌﻴﺪﻫﺎ، ﻭﺗﺮﻓﻊ ﻟﻬﻢ ﻣﺸﻴﺪﻫﺎ، ﻭﺗﻠﺒﺴﻬﻢ ﻏﻀﻬﺎ ﻭﺟﺪﻳﺪﻫﺎ، ﺣﺘﻰ ﺇﺫا ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻼﺋﻘﻬﺎ، ﻭﺗﺤﻜﻤﺖ ﻓﻴﻬﻢ ﺭﻭاﺷﻘﻬﺎ، ﻭﺗﻜﺸﻒ ﻟﻬﻢ ﺣﻘﺎﺋﻘﻬﺎ، ﻭﺭﻣﻘﺘﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻴﺔ ﺭﻭاﻣﻘﻬﺎ. ﻓﻮﺛﺒﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭﺛﺒﺔ اﻟﺤﻨﻖ، ﻭﺃﻏﺼﺘﻬﻢ ﻏﺼﺔ اﻟﺸﺮﻕ، ﻭﻗﺘﻠﺘﻬﻢ ﻗﻠﺔ اﻟﻤﺨﺘﻨﻖ، ﻓﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻋﻴﻮﻥ ﺑﺎﻛﻴﺔ، ﻭﺩﻣﻮﻉ ﺟﺎﺭﻳﺔ، ﻭﺧﺪﻭﺩ ﺩاﻣﻴﺔ، ﻭﻗﻠﻮﺏ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﺡ ﻭاﻟﺴﺮﻭﺭ ﻟﻔﻘﺪﻫﻢ ﺧﺎﻟﻴﺔ{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}().
فحذارِ حذارِ من الدنيا، فمن ركن إليها كان هو المقتول بسُمّها، والمخنوق بنفَسها.
ﺃﻧﺖ اﻟﻘﺘﻴﻞ ﺑﻜﻞ ﻣﻦ ﺃﺣﺒﺒﺘﻪ ... ﻓﺎﺧﺘﺮ ﻟﻨﻔﺴﻚ في اﻟﻬﻮﻯ ﻣﻦ ﺗﺼﻄﻔي.

📙📙 من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان. ص:(107).
🖋🖋 أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي.
ملاحظة/ المصادر والمراجع في متن الكتاب او على نسخة pdf.
...المزيد

اغلق صفحة حزنك على الماضي. يعجبني أناس حين أسألهم عن الأمس ماذا فعلتم؟ وأين كنتم؟ فيجيبوني ...

اغلق صفحة حزنك على الماضي.
يعجبني أناس حين أسألهم عن الأمس ماذا فعلتم؟ وأين كنتم؟ فيجيبوني بابتسامة: لا ندري ماذا أكلنا على غداء اليوم وأنت تسأل على أمس الماضي.
السعداء مشغولون في ساعتهم الحاضرة لا يحزنهم سواد الماضي، ولا يقلبون صفحاته، ولا يبعثرون قبره، ولا يشرحون جثته، وﻻ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ اﻟﻮﺭاء, ﻭﻻ ﻳﻠﺘﻔﺘﻮﻥ ﺇﻟﻰ اﻟﺨﻠﻒ؛ ﻷﻥ اﻟﺮﻳاح ﺗﺘﺠﻪ ﺇﻟﻰ اﻷﻣﺎﻡ، ﻭاﻟﻤﺎء ﻳﻨﺤﺪﺭ ﺇﻟﻰ اﻷﻣﺎﻡ، ﻭاﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺗﺴﻴﺮ ﺇﻟﻰ اﻷﻣﺎﻡ، ﻓﻼ ﺗﺨﺎﻟﻒ ﺳﻨﺔ الله في اﻟﺤﻴﺎﺓ, فلن تجد لسنة الله تبديلا.
لا يخافون المستقبل، لا يهابون شبحه، ولا يفزعهم أحلامه، فهم مواليد اليوم أموات غدا.
ﻣﺎ ﻣﻀﻰ ﻓﺎﺕ ﻭاﻟﻤﺆﻣﻞ ﻏﻴﺐ ... ﻭﻟﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﺃﻧﺖ ﻓﻴﻬﺎ.
فكل ﻣﺎ ﻣﻀﻰ ﻓﺎﺕ، ﻭﻣﺎ ﺫﻫﺐ ﻣﺎﺕ، ﻓﻼ ﺗﻔﻜﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻣﻀﻰ، ﻓﻘﺪ ﺫﻫﺐ ﻭاﻧﻘﻀﻰ، وراح وانتهى، ونُسي وامتحى، وأُغلق وانطوى، ولئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بما مضى، لا يأتون به ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا..
عجبا أمر بعضنا!! يشتدُّ غضبه حين يرى فلانا ينفق أمواله في أمر لا فائدة فيه، ويضحك حين يرى فلانا يرتعد من أحلام النوم!! وهذا عجيب!! والتبذير الحقيقي هو الذي ينفق أوقاته في قراءة الماضي، ويسرف بالبكاء على الفائت، والمضحك هو الذي يرتعد من أحلام اليقظة في المستقبل الغيبي، خائفا مما يتوقع حصوله في زمن بعيد{وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}().
إن ﺗﺬﻛﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭاﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻌﻪ ﻭاﺳﺘﺤﻀﺎﺭﻩ، ﻭاﻟﺤﺰﻥ ﻟﻤﺂﺳﻴﻪ ﺣﻤﻖ ﻭﺟﻨﻮﻥ، ﻭﻗﺘﻞ ﻟﻹﺭاﺩﺓ، ﻭﺗﺒﺪﻳﺪ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ اﻟﺤﺎﺿﺮﺓ، وإسراف وتبذير للوقت، وإهمال للواجبات.
ﻣﻠﻒ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﻘﻼء ﻳﻄﻮﻯ ﻭﻻ ﻳﺮﻭﻯ، ﻳُﻐﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺑﺪا ﻓﻲ ﺯﻧﺰاﻧﺔ اﻟﻨﺴﻴﺎﻥ، ﻳُﻘﻴﺪ ﺑﺤﺒﺎﻝ ﻗﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺳﺠﻦ الإﻫﻤﺎﻝ ﻓﻼ ﻳﺨﺮﺝ ﺃﺑﺪا، ﻭﻳﻮﺻّﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻼ ﻳﺮﻯ اﻟﻨﻮﺭ؛ ﻷﻧﻪ ﻣﻀﻰ ﻭاﻧﺘﻬﻰ، ﻻ اﻟﺤﺰﻥ ﻳﻌﻴﺪﻩ، ﻭﻻ اﻟﻬﻢّ ﻳﺼﻠﺤﻪ، ﻭﻻ اﻟﻐﻢّ ﻳﺼﺤﺤﻪ، وﻻ اﻟﻜﺪﺭ ﻳﺤﻴﻴﻪ، ﻷﻧﻪ ﻋﺪﻡ، فلا ﺗﻌﺶ ﻓﻲ ﻛﺎﺑﻮﺱ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺗﺤﺖ ﻣﻈﻠﺔ اﻟﻔﺎﺋﺖ، اﻧﻘﺬ ﻧﻔﺴﻚ ﻣﻦ ﺷﺒﺢ اﻟﻤﺎﺿﻲ، ﺃﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﺮﺩ اﻟﻨﻬﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺼﺒﻪ، ﻭاﻟﺸﻤﺲ ﺇﻟﻰ ﻣﻄﻠﻌﻬﺎ، ﻭاﻟﻄﻔﻞ ﺇﻟﻰ ﺑﻄﻦ ﺃﻣﻪ، ﻭاﻟﻠﺒﻦ ﺇﻟﻰ اﻟﺜﺪﻱ، ﻭاﻟﺪﻣﻌﺔ ﺇﻟﻰ اﻟﻌﻴﻦ، ﺇﻥّ ﺗﻔﺎﻋﻠﻚ ﻣﻊ اﻟﻤﺎﺿﻲ، ﻭﻗﻠﻘﻚ ﻣﻨﻪ ﻭاﺣﺘﺮاﻗﻚ ﺑﻨﺎﺭﻩ، ﻭاﻧﻄﺮاﺣﻚ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﺘﺎﺑﻪ ﻭﺿﻊٌ ﻣﺄﺳﺎﻭﻱ ﺭﻫﻴﺐ ﻣﺨﻴﻒ ﻣﻔﺰﻉ، فكم رأيتَ ممن أصيب بحالة نفسية، وجلطة دماغية، وذبحة عقلية؛ إلا وهم أصحاب القراءة في مجلدات ماضيهم المرعب، وأصحاب الذكريات في عالم ماضيهم المحزن، وأصحاب البعثرة لقبور ماضيهم الرميم، وأصحاب التشريح لماضيهم المنتن، لمّا ﺫﻛﺮ اﻟﻠﻪ اﻷﻣﻢ الماضية ﻭﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﻗﺎﻝ: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ}()اﻧﺘﻬﻰ اﻷﻣﺮ ﻭﻗﻀﻲ، ﻭﻻ ﻃﺎﺋﻞ ﻣﻦ ﺗﺸﺮﻳﺢ ﺟﺜﺔ اﻟﺰﻣﺎﻥ، ﻭﺇﻋﺎﺩﺓ ﻋﺠﻠﺔ اﻟﺘﺎﺭﻳﺦ.
ﻳﻘﻮﻝ ﺃﺣﺪ اﻟﺴﻠﻒ: ﻳﺎ اﺑﻦ ﺁﺩﻡ، ﺇﻧﻤﺎ ﺃﻧﺖ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻳﺎﻡ: ﺃﻣْﺴُﻚ ﻭﻗﺪ ﻭﻟﻰ، ﻭﻏﺪﻙ ﻭﻟﻢ ﻳﺄﺕ، ﻭﻳﻮﻣﻚ ﻓﺎﺗﻖ اﻟﻠﻪ ﻓﻴﻪ.
واﻟﺬﻱ ﻳﻌﻮﺩ ﻟﻠﻤﺎﺿﻲ، ﻛﺎﻟﺬﻱ ﻳﻄﺤﻦ اﻟﻄﺤﻴﻦ ﻭﻫﻮ ﻣﻄﺤﻮﻥ ﺃﺻﻼ، ﻭﻛﺎﻟﺬﻱ ﻳﻨﺸﺮ ﻧﺸﺎﺭﺓ اﻟﺨﺸﺐ. ﻭﻗﺪﻳﻤﺎ ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻤﻦ ﻳﺒﻜﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﺿﻲ: ﻻ ﺗﺨﺮﺝ اﻷﻣﻮاﺕ ﻣﻦ ﻗﺒﻮﺭﻫﻢ().
والآن نقول لك: لا تبكي على من مات، ابكِ على من ذهب عقله؛ لأن الذي ذهب عقله يعيش ساعته الحاضرة، أما الذي مات فقد مضى إلى رحمة خالقه.
ﺇﻥ اﻻﺷﺘﻐﺎﻝ ﺑﺎﻟﻤﺎﺿﻲ، ﻭﺗﺬﻛﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ، ﻭاﺟﺘﺮاﺭ اﻟﻤﺼﺎﺋﺐ اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﻭﻣﻀﺖ، ﻭاﻟﻜﻮاﺭﺙ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﻬﺖ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺿﺮﺏ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﻖ ﻭاﻟﺠﻨﻮﻥ.
إن نصيحتي لك: إن تذكرت الماضي فاذكر المشرق منه لتفرح وتسعد، وإن تذكرت المستقبل فتفاءل في ذكر الأشياء الجميلة، والطموحات النافعة، والأحلام المنعشة، وما أجمل أن تجعل بينهما في ساعتك الذهبية الحاضرة ذكر الله وما والاه من أمور الآخرة، فهو الدواء لحزن الماضي وخشية المستقبل الآتي.
إنك يجب أن تعمل بين عينيك لوحة مكتوب عليها: ما مضى فات، وما راح مات، وما انطوى طاح، وترسل له تعزيتك: عظّم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لمن أساء فيك، والحمد لله على نعمة المصيبة التي وقعت فيك، وإنني في عزة للحزن عليك، وشجاعتي لا تجعلني أنظر خلفي إليك، وكبريائي تمنعني لتذكّر مساويك، والسلام على من اتبع الهدى.

📙📙 من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان. ص:(104).
🖋🖋 أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي.
ملاحظة/ المصادر والمراجع في متن الكتاب او على نسخة pdf.
...المزيد

لا تحزن إذا جهلك البشر. إني أرى دموع حزنك على خدك حين تطلع على قوم في مجلس فلا يلقوا لك اعتبارا, ...

لا تحزن إذا جهلك البشر.
إني أرى دموع حزنك على خدك حين تطلع على قوم في مجلس فلا يلقوا لك اعتبارا, ولا يردوا لك تحية، ولربما رأيت الأبصار حادة، والوجوه غابرة، والألسن صامته، والقلوب عنك مشغولة، فأقول لك: لا تحزن!!
لا تحزن إن لم يقدروك، ولم يهتموا بدخولك، ولم يعطوك وجوههم، فكم من مجهول في الأرض مشهورا في السماء، وكم من مشهور في الأرض لا يُعرف في السماء..
لا تحزن!! فإﻥ اﻟﻠﻪ ﻳﺤﺐ ﻣﻦ ﺧﻠﻘﻪ اﻷﺻﻔﻴﺎء اﻷﺗﻘﻴﺎء اﻷﺧﻔﻴﺎء، اﻟﺸﻌﺜﺔ ﺭﺅﻭﺳﻬﻢ، اﻟﻤﻐﺒﺮﺓ ﻭﺟﻮﻫﻬﻢ، ﺑﻄﻮﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﻛﺴﺐ اﻟﺤﻼﻝ ﺧﻤﻴﺼﺔ، اﻟﺬﻳﻦ ﺇﺫا اﺳﺘﺄﺫﻧﻮا ﻟﻢ ﻳُﺆﺫﻥ ﻟﻬﻢ، ﻭﺇﻥ ﺧﻄﺒﻮا ﻟﻢ ﻳﻨﻜﺤﻮا، ﻭﺇﻥ ﻏﺎﺑﻮا ﻟﻢ ﻳُﻔﺘﻘﺪﻭا، ﻭﺇﻥ ﺣﻀﺮﻭا ﻟﻢ ﻳُﺪﻋﻮا، ﻭﺇﻥ ﻃﻠﻌﻮا ﻟﻢ ﻳُﻔﺮﺡ ﺑﻄﻠﻌﺘﻬﻢ، ﻭﺇﻥ ﻣﺮﺿﻮا ﻟﻢ ﻳُﻌﺎﺩﻭا، ﻭﺇﻥ ﻣﺎتوا لم يُشهدوا..
لا تحزن إن كنت عند قومٍ رجل رخيص، فربما أنت عند آخرين غالي وعند الله أغلا..
فشهرتك لا تعني أنك سعيد مسرور، فإني رأيتُ أكثر الأشقياء هم من أهل الشهرة. فانظر إلى المغنيين والمغنيات، والمسرحيين والمسرحيات، والممثلين والممثلاث، والراقصين والراقصات، الأحياء منهم والأموات، صحيح أن التاريخ خلّد أصواتهم وأفلامهم ولكن أيّ سعادة لاقوها، وأيّ راحة اراتحت بها قلوبهم، هؤلاء هم أهل الشهرة في الأرض..
أما الشّهرة في السّماء شهرة يحظى صاحبها بالقرب والرّضا والذّكر عند الله، فيعيش دنياه مرتاح البال، قرير العين، يجعل الله له من ضيق فرجا، ومن كلّ همّ مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، كلامه مسموع، ودعاؤه مُجاب، وأمله مُنال، ما أن يرفع يديه إلى السّماء ويدعو ربّه، حتى تقول الملائكة: صوت معروف من عبد معروف.
تأمّل وتفكّر ما أروع أن تقول الملائكة عن صوتك في الملأ الأعلى إنّه صوت معروف، وتقول عنك إنّك عبد معروف، في الوقت الذي لا يكاد يعرفك فيه سوى قلة من أقاربك وجيرانك!!، ربّما لا يكون بين أهل الأرض ممّن هم حولك من يسمع صوتك ويهتمّ برأيك، لكنّ أهل السّماء يسمعون صوتك، ويهتمّون بدعائك وندائك ورجائك.
الموازين والمعايير في السّماء ليست هي دومًا موازين ومعايير الأرض؛ قد يكون أهل الأرض يهتمّون بك ويجلّونك ويقدّمونك ولكنّك بين أهل السّماء لا تساوي شيئا.. ربّما تمتلئ نفسك كبرا وتظنّ أنّك تملأ ما بين الخافقين وأنت عند الله لا تساوي جناح بعوضة، وربّما تظنّ أنّك خير وأفضل من جميع من هم حولك وتمرّ بالرّجل الفقير بسيارتك فيستوقفك فلا تتوقّف عنده وتزدريه، لكنّه عند الله خير من ملء الأرض من أمثالك.. وفي المقابل، ربّما تكون متواضع الحال عِلما ومالا ومنصبا، وربّما تكون فقيرا معدما، وتشعر بأنّ النّاس من حولك معرضون عنك لا يأبهون بك، ولا يهتمون بك، لكنّك عظيم عند الله، يقول النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: ((ربَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه))().
ما هو مسطّر لك في أذهان النّاس ويجري على ألسنتهم عنك، قد يسطّر لك عكسه في الصّحيفة وفي الميزان عند الله، وقد يقال عنك ضدّه بين الملائكة المقرّبين؛ فأنت الذي في الأرض قد لا تكون أنت الذي في السّماء.
فلا تحزن لقلة شهرتك في الأرض ولا تهتمّ بالشّهرة بين النّاس وفي هذه الدّنيا الفانية، وعلى ظهر هذه الأرض الزائلة.. اهتمّ بمقامك في الملأ الأعلى.. اهتمّ بما يقوله عنك ربّ العزّة -جلّ وعلا-.. اهتمّ بما يقوله عنك الملائكة المقرّبون.. جاهد نفسك على إخلاص أقوالك وأعمالك وأحوالك لله، واحرص على إخفاء ما يمكنك إخفاؤه منها.. اجعل بينك وبين الله أسرارا من الأعمال والأقوال والأحوال الصّالحة لا يطّلع عليها إلا الله.. لا تهتمّ بما يقوله عنك النّاس فكلام الناس لك أو عليك لا يُسمن ولا يغني من جوع، احرص على الإخلاص، وتأكّد من أنّ الله لن يضيّع عملك.. الدّنيا شأنها حقير, والعمر قصير، لكنّه يطول بالنية الصّالحة الصّادقة، وازرع الخير مهما رأيته هيّنا وقليلا، ولا تنتظر شكرا من أحد، وانتظر جزاءك من الواحد الأحد.. ازرع الخير في زوجتك وأبنائك وفي أصدقائك وخلانك بكلماتك ومواقفك، وكن على يقين بأنّه سيثمر يوما ما -بإذن الله-{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّيلَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}().
ذكر ابن كثير في تاريخه: أنّ السائب بن الأقرع قدم على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يبشره بنصر المسلمين في معركة "نهاوند" ضدّ الفرس في السّنة الواحد والعشرين للهجرة، فسأله عمر عن قتلى المسلمين، فعدَّ فلاناً وفلاناً من أعيان الناس وأشرافهم، ثم قال لعمر: وآخرون من أفناد الناس لا يعرفهم أمير المؤمنين.. فجعل عمر يبكي ويقول: وما ضرهم ألا يعرفهم أمير المؤمنين؟! لكن الله يعرفهم، وقد أكرمهم بالشهادة، وما يصنعون بمعرفة عمر؟!().
ماتت عجوز على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت تَقُمُّ المسجد -أي تنظفه وتطيّبه-، ما كان أكثر المسلمين يعرفونها أو يعرفون اسمها، لكن لعلّها كانت صاحبة شأن بين أهل السّماء؛ ماتت فصلّى عليها النّاس ودفنوها ولم يُؤْذِنُوا بها النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فلمّا علم بوفاتها بعد أيام عتب أصحابه وقال لهم: ((أفلا آذنتموني))()، ثمّ ذهب إلى قبرها فصلى عليها.. أيّ مكانة هذه التي حازتها تلك المرأة في السّماء حتّى يؤمر خاتم الأنبياء بأن ينطلق إلى قبرها ليصلّي عليها ويجزل لها الدّعاء؟! ما ضرّها أنّ أصحاب السير اختلفوا في اسمها، ما دامت معروفة في السّماء بصوتها وعملها..
فاحرص على الشهرة في السماء، وكن ذهبا في سوق الآخرة، حتى ولو كنت نحاسا في سوق الدنيا, فالعبرة في حسن البضاعة, لا في شهرة التاجر.

📙📙 من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان. ص:(100).
🖋🖋 أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي.
ملاحظة/ المصادر والمراجع في متن الكتاب او على نسخة pdf.
...المزيد

وقفة استراحة. إن مما يزيل داء أسقام الهموم والأحزان والاكتئاب هو ثقة العبد بربه، وتوكله على مولاه ...

وقفة استراحة.
إن مما يزيل داء أسقام الهموم والأحزان والاكتئاب هو ثقة العبد بربه، وتوكله على مولاه وخالقه، وتفويض الأمر إليه، وحسن الظن به، وانتظار لطفه وفرجه.
فرسالتي لكل مصاب مهموم، ولكل مبتلى حزين، ولكل مجروح متألم، إحسان الثقة بالله، فمن وثق بالله كفاه الله كل شرّ، ومن فوّض الأمر إلى الله أبعد عنه كل بلاء{فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا}(). انظر إلى الواثقين بالله في ساعة الصفر، وفي وقت الشدائد، وفي دقيقة الهلاك، كيف أغاثهم بنصر حليف، وتفريج سريع، وفعل أمر مستحيل.
هذا إبراهيم الخليل للجليل في ساعة الصفر قيل أن جبريل أتاه وهو في النار فقال: يا إبراهيم ألك مساعده? فقال صاحب الثقة: أما منك فلا!!. وأما من الله فنعم!!. فجعل الله له النار بردا وسلاما().
وهذا موسى في ساعة حرجة، فرعون وجنوده خلفه، والبحر بأمواجه أمامه، والموت قريب منه، والقوم يصيحون إنا لمدركون، فقال في لسان واثق بموعود الفرج من الله: إن معي ربي سيهدين، فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر. وماذا عساها أن تفعل العصا أمام أمواج البحر المتلاطمة? ولكنها قدرة الله، ولطف الله قريب من الواثقين بفرجه، وفي بضع ثواني ينقسم البحر إلى شطرين وبينهما طريق الفرج لموسى وقومه..
وهذا خير الواثقين بموعود الرب -جلّ جلاله-، في وقت من أشد الأوقات التي لاقاها -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام-، يطارده القوم فيلجأ إلى كهف يتحصن فيه واثقا نصر الله له, وإذ بالقوم يحيطوا بهذا الغار ليقتلوا خير بشر على وجه الكرة الأرضية، ليطفئوا هذا النور، ليقضوا على سعادة الأمة, ولكن هيهات هيهات أن ينالوا من هذا الشجاع المقدام, الواثق بربه المتوكل عليه، فيصيح أبا بكر: يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لأبصرنا!!. فيقول بابتسامة وهدوء وطمأنينة وسكينة: لا تحزن! إن الله معنا. فأعمى الله أبصار القوم، وخرجوا سالمين..
عجيب والله أمر أهل الثقة بالله!! تراهم عند المصائب مبتسمون، وعند الشدائد أقوياء، وعند البلايا مستعدون، وعند الامتحان جاهزون، وعند المحن راضون، وعند الآلام والجراحات صامتون، إن أصابهم خير شكروا، وإن أصابهم بلاء صبروا، ففي كل الأحوال هم سعداء{أُولِئكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحَمةٌ وَأُولئِكَ هُمْ المُهْتَدُونَ}(). أما أولئك الجبناء، ضعيفو القلب والإرادة، قليلو الثقة والتوكل، إن أصابتهم مصيبة صاحوا وطاحوا وجعلوا المصيبة مصيبتين، فماتوا قبل الموت..
فهذا حال الأشقياء, وذاك حال السعداء, وأنت اختار أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا..
إن على الجيل الذين عصفت بهم عواصف البلايا: حسن الظن بالله، والثقة العمياء بمولاه، فإن الله لا يختار له إلا ما هو صالح له، ﻭﻣﻦ ﻋﺮﻑ ﺣﺴﻦ اﺧﺘﻴﺎﺭ اﻟﻠﻪ ﻟﻌﺒﺪﻩ ﻫﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﺼﺎﺋﺐ، ﻭﺳﻬﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﺼﺎﻋﺐ، ﻭﺗﻮﻗﻊ اﻟﻠﻄﻒ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ، ﻭاﺳﺘﺒﺸﺮ ﺑﻤﺎ ﺣﺼﻞ، ﺛﻘﺔ ﺑﻟﻄﻒ اﻟﻠﻪ ﻭﻛﺮﻣﻪ، ﻭﺣﺴﻦ اﺧﺘﻴﺎﺭﻩ، ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻳﺬﻫﺐ ﺣﺰﻧﻪ ﻭﺿﺠﺮﻩ ﻭﺿﻴﻖ ﺻﺪﺭﻩ, ﻭﻳﺴﻠﻢ اﻷﻣﺮ ﻟﺮﺑﻪ ﺟﻞ ﻓﻲ ﻋﻼﻩ، ﻓﻼ ﻳﺘﺴﺨﻂ ﻭﻻ ﻳﻌﺘﺮﺽ، ﻭﻻ ﻳﺘﺬﻣﺮ، ﺑﻞ ﻳﺸﻜﺮ ﻭﻳﺼﺒﺮ، ﺣﺘﻰ ﺗﻠﻮﺡ ﻟﻪ اﻟﻌﻮاﻗﺐ، ﻭﺗﻨﻘﺸﻊ ﻋﻨﻪ ﺳﺤﺐ اﻟﻤﺼﺎﺋﺐ.
ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻛﻦ ﺑﺮﺑﻚ ﻭاﺛﻘﺎ... ﺑﻨﻔﻊ ﻭﻛﺸﻒ اﻟﻀﺮ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺨﺎﻭﻑ..

📙📙 من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان. ص:(98).
🖋🖋 أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي.
ملاحظة/ المصادر والمراجع في متن الكتاب او على نسخة pdf.
...المزيد

معلومات

**الأستاذ هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي (أبو الليث العريقي)** هو شعلة مضيئة من العلم والتفاني في جنوب اليمن، ونموذج يُحتذى به للعالم المخلص الذي جمع بين حب التعلم، والإبداع في التأليف، والعطاء في التعليم. وُلد الأستاذ هشام في ردفان، بمنطقة الجبلة، عام 1994، في بيئةٍ أزهرت فيها جذور طلب العلم والتقوى. **رحلة العلم والتكوين:** نشأ أبو الليث العريقي على حب العلم منذ نعومة أظفاره، فانطلق في رحلة مباركة نحو طلب العلم الشرعي. بدأ مسيرته في مركز الفيوش، حيث أرسى قواعد معرفته الشرعية، ثم انتقل إلى كلية ردفان للقرآن الكريم وعلومه، حيث أتقن حفظ كتاب الله العزيز وتعمق في علومه. برز بين زملائه كطالب متميز، ليحصل على درجة البكالوريوس بتقدير "جيد جدًا"، وهي شهادة لا تعكس فقط مستوى معرفته، بل أيضًا التزامه واجتهاده. **الأساتذة والشيوخ:** تتلمذ الأستاذ هشام على أيدي نخبة من العلماء والدكاترة الأجلاء الذين زرعوا فيه أسس العلوم الشرعية. فكان من أبرز شيوخه: - الشيخ علي بن علي العمري (التفسير). - الشيخ عبد المجيد العمري (الفقه). - الدكتور أبو بكر سالم مساعد (التجويد). - الشيخ محمد الفقيه الضالعي (العقيدة). - الشيخ صالح الحميدي الضالعي (علوم القرآن والفروض). - الشيخ صالح ديان اليافعي (مصطلح الحديث). - الشيخ عبد الرحمن الهاشمي المسيميري (الثقافة). إلى جانب ذلك، نهل من علوم البلاغة، وأصول الفقه، والسيرة النبوية على يد علماء أفاضل، ما أسهم في صقل فكره وثراء معارفه. **بين التدريس والتأليف:** بعد التخرج، انطلق الأستاذ هشام في مسيرته التعليمية، حيث عمل في المدارس الحكومية، ناشرًا نور العلم ومربيًا أجيالًا من الطلاب على المبادئ والقيم. إلى جانب ذلك، وهب حياته للمطالعة والتأليف، فكان لا يفتر عن البحث والتنقيب في بطون الكتب. وقد بدأ مسيرته في التأليف وهو في ربيع شبابه، بعمر الثانية والعشرين، ليترك بصمة فريدة في المكتبة الإسلامية. **أعماله العلمية:** تجلّت ثمار جهوده العلمية في مؤلفات قيّمة، منها: 1. **الشهب المتابعة**. 2. **دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان**. 3. **مصابيح زجاجة الحياة**. 4. **مدرسة الحياة**. 5. **القطف الجني في سيرة عبد الرحمن العدني**. كل عملٍ من هذه المؤلفات يعكس شغفه في معالجة القضايا الحياتية والدينية بروح علمية عميقة وفكر متزن. **شخصية تحمل رسالة:** يتميز الأستاذ هشام بسمات العالم المخلص، الذي لا يبحث عن مكانة، بل يسعى إلى خدمة أمته عبر العلم والعمل. هو نموذج للشخص الذي يؤمن أن التعليم رسالة سامية، وأن المؤلفات الجيدة هي تلك التي تنير العقول وترتقي بالنفوس. **كلماته وأفعاله:** "العلم عبادة، والتعليم رسالة، والتأليف ميراث يبقى أبد الدهر". هكذا يبدو الأستاذ هشام في مسيرته، عازمًا على ترك أثر خالد، ليس فقط في قلوب طلابه، ولكن في صفحات الكتب التي تحمل فكره النير ورسالته السامية. الأستاذ هشام عبده العريقي، هو بحق أيقونة للعلم والإبداع، يُحتفى به في كل مجلس، ويُشار إليه بالبنان كواحد من أعلام الجيل الحديث الذين جمعوا بين الأصالة والابتكار، وبين العلم والعمل.

أكمل القراءة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً