"تفاعل الجسد مع الحزن والسكينة: دراسة تأملية بين القرآن والعلوم الحديثة"
تأمل وتدبر بقلم الكاتبة 🪄: صبرينة حمود
عندما يشعر الإنسان بالحزن أو الهم، لا يبقى هذا الإحساس حبيس النفس، بل يتفاعل معه الجسد بأكمله في استجابة متعددة الأجهزة، كما أظهرت الدراسات العلمية الحديثة. أول ما يتأثر هو الدماغ، الذي يفعّل مراكز العاطفة ويطلق إشارات عصبية تؤثر على أعضاء الجسد المختلفة، ويليه القلب، الذي قد يبطئ أو يضطرب نبضه تبعًا لشدة الانفعال، ثم الجهاز التنفسي، حيث يصبح التنفس أحيانًا ضيقًا وسطحيًا، ومع استمرار الضغط النفسي، تشتد عضلات الظهر نتيجة التوتر العصبي، ويشعر الإنسان بثقل في أعلى الظهر.
وقد أثبتت دراسة نشرتها مجلة Frontiers in Psychology عام 2021، أن المشاعر السلبية تؤدي إلى زيادة النشاط الكهربائي في عضلات الظهر، وهو ما قد يرتبط بتجربة بعض الأشخاص للشعور بالتوتر أو الثقل أثناء الحزن. وهذا التفاعل الجسدي العميق يعكس بدقة التعبير القرآني البديع في قوله تعالى: أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ الَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ سورة الشرح [1_3]، ففيها إشارة إلى أن الحزن والهم يثقلان الصدر والظهر، فجاء الإمتنان الإلهي على النبي ﷺ بشرح الصدر بعد انقباضه ورفع الوزر بعد ثقله، وهي حالة عامة تشمل كل إنسان يمر بالحزن، لكنها تجلت في أصفى صورها في قلب النبي الكريم.
وبعد أن أظهر الحزن تأثيره الواضح على الدماغ والقلب والرئتين وعضلات الظهر، تأتي حالة السكينة والطمأنينة كاستجابة داخلية وإلهية للجسد، فعند السكينة يستعيد الجسد توازنه ويهدأ القلب، وتنظم الرئتان تنفسهما العميق المنتظم، وتسترخي العضلات التي كانت مشدودة بفعل التوتر. وقد أظهرت دراسة نشرتها مجلة Journal of Physiological Anthropology عام 2016، أن تحفيز المشاعر الإيجابية المعتدلة قبل أداء مهمة ذهنية قد يؤثر على بعض مؤشرات الجهاز القلبي الوعائي، مثل ضغط الدم ومقاومة الأوعية، أثناء فترة الاسترخاء بعدها. كما أشارت مراجعة علمية إلى أن التأمل وممارسات الاسترخاء تقلل نشاط الجهاز العصبي المسؤول عن التوتر، وتزيد من نشاط الجهاز المسؤول عن التهدئة، مما يخلق شعورًا عميقًا بالسكينة، مع الإشارة إلى أن الأدلة في بعض الدراسات متباينة وتحتاج إلى مزيد من البحث.
وتتطابق هذه النتائج الفسيولوجية بشكل عام مع وصف القرآن لكيفية رفع الله عن النبي ﷺ ما أثقله، أي إزالة التوتر العضلي وضيق الصدر، ليعيش الإنسان حالة راحة نفسية متوازنة، ليست فرحة شديدة مفاجئة، بل طمأنينة معتدلة تشبه السكون العميق في قلب مطمئن.
ومن هذا يتضح أن القرآن الكريم يُظهر انسجامًا بين ما يوحي به النصّ من أثر المشاعر على الجسد والروح، وبين ما أظهرته بعض الدراسات الحديثة العلمية، حيث أشار إلى ضيق الصدر وثقل الظهر عند الحزن، وإلى انشراح الصدر ورفع العبء عند الطمأنينة والسكينة.
إن التأمل في ما يحدث داخل الجسد من ضيق الصدر وثقل الظهر عند الحزن، وانشراح الصدر ورفع العبء عند السكينة، يقودنا إلى إدراك عظمة الخالق ورحمته التي تتجلّى في أعظم تفاصيل حياتنا. فالله سبحانه وتعالى لا يترك قلب عبده مكبلاً بالهم، دون أن يمنحه فسحة من الطمأنينة، ولا يثقل ظهره بالحزن، إلا ليخفف عنه ويشرح صدره بقدرته الحكيمة. وهذه الحقائق العلمية التي تكشف عن استجابة جسدنا للمشاعر، ما هي إلا انعكاس لحكمة الله الخفية في خلق الإنسان، تذكرنا بأن السكينة ليست مجرد شعور عابر، بل هبة إلهية تصل إلى القلب والجسد معًا، لتكون تذكرة دائمة بأن رحمة الله تشمل كل أبعاد حياتنا، وأن كل همّ يزول بعده انشراح وصبر، وأن الطمأنينة والسكينة هما ثمار الإيمان والتقرب إلى الله في كل حال.
---
مراجع علمية خاصة بالشعور بالحزن:
https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/17598878/
https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/14585487/
https://www.buoyhealth.com/learn/emotional-cause-of-back-pain?utm_source=chatgpt.com
مراجع علمية خاصة بالشعور بالسكينة:
https://healthcare-bulletin.co.uk/article/effects-of-meditation-on-cardiorespiratory-parameters-systematic-review-4441/?utm_source=chatgpt.com
https://jphysiolanthropol.biomedcentral.com/articles/10.1186/s40101-016-0116-4?utm_source=chatgpt.com ...المزيد
"تفاعل الجسد مع الحزن والسكينة: دراسة تأملية بين القرآن والعلوم الحديثة" تأمل وتدبر بقلم الكاتبة ...
"تفاعل الجسد مع الحزن والسكينة: دراسة تأملية بين القرآن والعلوم الحديثة"
تأمل وتدبر بقلم الكاتبة 🪄: صبرينة حمود
عندما يشعر الإنسان بالحزن أو الهم، لا يبقى هذا الإحساس حبيس النفس، بل يتفاعل معه ...المزيد
تأمل وتدبر بقلم الكاتبة 🪄: صبرينة حمود
عندما يشعر الإنسان بالحزن أو الهم، لا يبقى هذا الإحساس حبيس النفس، بل يتفاعل معه ...المزيد