وإن تعُدُّوا نعمة الله لا تُحصوها • الزواج والنسل والسكن وتتابع الآيات في ذكر مِنن الله ...

وإن تعُدُّوا نعمة الله لا تُحصوها

• الزواج والنسل والسكن

وتتابع الآيات في ذكر مِنن الله علينا، قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72]، فقد يسر الله للناس أسباب بناء الحياة الاجتماعية بالزواج وتكثير الذرية، وجعل المودة والمحبة وسيلة دوام هذه النعمة وهي نعمة على نعمة! فالزوجة للأنس بها والسكن إليها كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].

ومن النعم التي ذكرها الله في سورة النحل قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ}، حين يستكمل الجنين نموَّه ويصبح في حالة يمكنه معها العيش خارج رحم أمه، وذلك الحين لا يعلمه إلا الله، {لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} في غاية الجهل والضعف، فسبحان من ألهم الرضيع التقام الثدي ومن سخَّر له إخراج الغائط والبول وهو لا يملك من أمره شيئا!

{وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]، وشكر هذه النعم بأن لا تستخدم فيما يغضب الله، فلا تنظر إلى حرام ولا تستمع إلى منكر.

وهيأ الله للإنسان أسباب الراحة الجسدية والنفسية في حياته فقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} لراحة بدنه واطمئنان نفسه، فهو الذي خلق ما يحتاج في بنائه كالطين والحجر والخشب والحديد، وكذلك الجلود في البيوت المتنقلة: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ}، وعلَّمهم كيف يشيدونها.

وجعل في بيوتكم هذه أثاثا كالوسائد والبسط، تستتمون به الراحة والسكن: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80].

وأنعم علينا بالحماية والوقاية فقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا}، فالأشجار والصخور لتظلنا من حر الشمس، والجبال معاقلَ وحصوناً نتحصن فيها من السيول والأعاصير ونحوها.

قال: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أي قمصان تقيكم الحر والبرد، {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} أي الدروع تقيكم في القتال، {كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [النحل: 81].

فهذه بعض نعم الله -تعالى- التي ذكَّرنا بها في موضع واحد فقط من المواضع الكثيرة في كتابه الكريم، وإن العبد المؤمن لَيعرف حقيقة نعم الله عليه، ويعرف كيف يقابلها بالشكر لمنعمها، سبحانه وتعالى، ويعرف خطورة نسيان هذه النعم، وخطورة كفرانها، فهو الفقير دوما إلى الله تعالى، والله هو الغني الحميد.

• النعم التي لا تحصى.. والعبد الشكور

وقد قال الله -تعالى- في ثنايا السورة: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 18]، فنِعم الله أكثر بكثير مما ذُكر، والنبيه يستدل بالقليل على الكثير، ثم إن العاجز عن إحصاء النعم هو أعجز عن شكرها، ولذا فإن الله غفور رحيم لمن قام بوسعه، ولو عبدت الله ما عبدت فلن تشكر الله حق شكره، وخير الشاكرين محمد صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة -رضي الله عنها- أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا؟) [رواه البخاري].

ثم ذكر الله حال الجاحدين لأنعم الله: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنكم بِرَبِّهِمْ يُشرِكُونَ * لِيَكفرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 53 - 55]، فذمُّ الله للجاحدين يتتالى، والجحود يسير وكثير، والكفار جاحدون، ومن المسلمين من فيه جحود. فلا تكن يا عبد الله في غفلة من هذا وتظن أن الآيات في الكفار فقط، بل في طائفة من المسلمين شيء منه؛ فمن الجحود ما يكون من حال الرجل بعد المرض والالتجاء الشديد لله، من الإعراض عنه -تعالى- بعد الشفاء، ومن الجحود دعاء الله الرزقَ وصرفه في المنكرات، ومن الجحود الانتفاع بخيرات الأرض واللهو بها عن العبادة، ومن الجحود كثرة المال وقلة الصدقة، ومن الجحود سماع العلم وترك العمل، ومن الجحود صحة الجسم ونشاطه وترك الجهاد في سبيل الله، ومن الجحود كثرة العيال والشُحُّ بهم أن يُقتلوا في مرضاة الله، ومن الجحود أن يكون درب الهجرة متيسرا فيتركها، وأجحد منه من يمُنُّ الله عليه بالعيش في ديار المسلمين ثم يفِرُّ إلى ديار الكافرين!


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 92
الخميس 10 ذو القعدة 1438 ه‍ـ
...المزيد

وإن تعُدُّوا نعمة الله لا تُحصوها إن صاحب الشِيَم يشكر من أسدى إليه فضلا ونعمة، يشكره بقلبه ...

وإن تعُدُّوا نعمة الله لا تُحصوها

إن صاحب الشِيَم يشكر من أسدى إليه فضلا ونعمة، يشكره بقلبه وبأفعاله، وبلسانه بذكره بالخير بين الناس، وإنَّ أكرم المنعمين هو الله سبحانه، الذي بيَّن بعض نعمه في سورة عظيمة من كتابه العظيم، وهي سورة النحل، نقف عند بعضها قليلا، فهي مما يزيد في تعظيمه وشكره.

• الأنعام.. منافع وجَمال

قال الله في مَطلع السورة: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا}، وهي الإبل والبقر والغنم، {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} من البرد بجعل أشعارها وأصوافها وجلودها لباسا وفرشا وأغطية، {وَمَنَافِعُ} كحمل المتاع والتنقل بين الديار، {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5]، من لحومها ومن ألبانها، كما قال في موضع آخر من السورة: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ} [النحل: 66]، فهو لبن أبيض خالص من الشوائب، سهل شربه، وهو يتولد ممَّا في الكرش من الفرث -وهي الأعشاب والأشواك التي تتغذى منها الأنعام- ومن الدم، ومع ذلك فلا صفة فيه من صفات الفرث والدم!

وقال: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 7]، فهي تنقل الأشياء الثقيلة من مكان إلى آخر دون عناء منا ولا تعب، ولولا تسخير الله إياها لنا للحقتنا أعظم المشقة، فللَّه الحمد على ذلك.

ثم ذكر نعمة الليل والنهار، {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} [النحل: 12]، فالليل لنسكن فيه ونرتاح، والنهار لنكدح فيه ونعتاش، ولا يغني أحدهما عن الآخر في إقامة الحياة المتزنة، وفي الشمس إنضاج الثمار ودفء الأجواء وفيها الضياء، وقدَّر بُعد الشمس عن الأرض لئلا يصل من ضوئها وحرارتها إلا بمقدار الحاجة، وأي زيادة أو نقص في هذا المقدار الموزون يجعل الأرض غير صالحة لاستمرار الحياة فيها، {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: 21].

قال تعالى: {وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِہِ} [النحل: 12]، تسير بأمر الله، وبها نهتدي إلى الاتجاهات كما قال بعد عدة آيات: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16]، فهي علامات يُهتدى بها إلى القبلة وإلى غيرها من أرض الله الواسعة والبلدان البعيدة والبحار الشاسعة، وإلى أوقات فصول السنة من حيث بدايتها ونهايتها وإلى معرفة موسم الحصاد وفيضان الأنهار، وهي كذلك زينة للسماء، {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} [النحل: 13].

• النحل والعسل

ثم ذكر الله بعد آيات، نعمة كبيرة في خِلْقَةٍ صغيرةٍ، سُميت باسمها هذه السورة العظيمة وهي النحلة، قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 68 - 69]، إن هذا الوحي والإلهام الإلهي يظهر لنا في سَير هذه الحشرة الضعيفة، فالمتأمل في النحل يجد أنها تسير وفق نظام دقيق، وهذا النظام لم يأت عبثا، إنما هو الإلهام والإرشاد الذي قذفه الله في نفس النحل فبنت مملكة تسمى "مملكة النحل"، وأن الله جعل في كل خلية نحل ملكة عليها، وأن النحل يسلك السبل من حيث شاء في هذا الجو العظيم والبراري الشاسعة والأودية والجبال الشاهقة، بحثا عن الزهر والثمر ليتغذى منه، ثم تعود كل نحلة إلى بيتها وما لها فيه من يرقات وعسل، لا تحيد عنه يمنة ولا يسرة، وبيوتها محكمة في غاية الإتقان في تسديسها ورصها، بحيث لا يكون بينها خلل، فتخرج الشمع من أجسادها، وتقيء العسل من فيها، ثم تصبح من غدٍ إلى مراعيها.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 92
الخميس 10 ذو القعدة 1438 ه‍ـ
...المزيد

فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ • العسل شفاء ووقاية قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ ...

فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ

• العسل شفاء ووقاية

قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69]، وفي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس -رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنا أنهى أمتي عن الكي).

قال ابن القيم: "وفي سنن ابن ماجه مرفوعا من حديث أبي هريرة: (من لعق العسل ثلاث غدوات كل شهر، لم يصبه عظيم من البلاء)، وفي أثر آخر: (عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن). فجمع بين الطب البشري والإلهي، وبين طب الأبدان، وطب الأرواح، وبين الدواء الأرضي والدواء السمائي" [زاد المعاد في هدي خير العباد].

والعسل على اختلاف ألوانه وأنواعه وقاية وعلاج لكثير من الأمراض، من ذلك أنه مقَوٍّ للجهاز المناعي، قاتل لجميع الميكروبات والجراثيم، فهو من أقوى المضادات الحيوية الطبيعية، وفي المواظبة على أكله وقاية من السرطان، وشفاء من أمراض الكبد والمرارة، كما يُعتبَر مهدِّئا نفسيا فعالا في علاج الأرق والتوتر العصبي والقلق، وهو منشط للجهاز الهضمي، وعلاج لقرح المعدة، إذا شُرب على الريق مع الماء، ويُعَدُّ كذلك من أقوى المعقمات داخليا وخارجيا، خصوصا لمن أُجري له عمل جراحي.

وهو أفضل علاج للجروح والحروق، حيث يعمل على سرعة التئام الجروح والتقرحات، فتنمو الأنسجة المصابة بعد وضعه بِنَسق أسرع، وهو في نفس الوقت يطهِّر الجرح ويعقمه من البكتيريا والجراثيم، بما يحتويه من مضادات حيوية طبيعية، وله خاصية ثمينة في الوقاية من الإنتانات والتعفنات.

قال ابن القيم: "والعسل فيه منافع عظيمة، فإنه جلاء للأوساخ التي في العروق والأمعاء وغيرها، محلل للرطوبات أكلا وطلاء، نافع للمشايخ وأصحاب البلغم، مُنَقٍّ للكبد والصدر، مُدِر للبول، موافق للسعال الكائن عن البلغم. وإذا لُطِّخ به البدن المقمل والشعر، قتل قمله وصئبانه، وطَوَّل الشعر، وحَسَّنه، ونَعَّمه، وإن اكتحل به، جلا ظلمة البصر، وإن استنَّ به، بيَّض الأسنان وصقلها، وحفظ صحتها، وصحة اللثة، ويفتح أفواه العروق، ويدر الطمث، ولعقه على الريق يذهب البلغم، ويغسل خمل المعدة، ويدفع الفضلات عنها، ويسخنها تسخينا معتدلا، ويفتح سددها، ويفعل ذلك بالكبد والكلى والمثانة، وهو غذاء مع الأغذية، ودواء مع الأدوية، وشراب مع الأشربة، وحلو مع الحلوى، وطلاء مع الأطلية، ومفرح مع المفرحات، فما خلق شيء في معناه أفضل منه، ولا مثله، ولا قريبا منه، ولم يكن معول القدماء إلا عليه، وأكثر كتب القدماء لا ذِكر فيها للسكر البتة، ولا يعرفونه، فإنه حديث العهد حدث قريبا، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشربه بالماء على الريق، وفي ذلك سر بديع في حفظ الصحة لا يدركه إلا الفطن الفاضل" [زاد المعاد في هدي خير العباد].

ويحتوي العسل على عدد من الفيتامينات، منها: فيتامين (C) وهو من أهم الفيتامينات لتكوين الأنسجة التي تعطي القوة والمرونة للغضاريف والأربطة، وكذلك النسيج العظمي، ويعمل أيضا على تعجيل شفاء الجروح وجبر كسور العظام، وغير ذلك من الإصابات، وكذلك يحتوي العسل على فيتامين (D) المهم لتقوية العظام، والمضاد لهشاشتها، وكذلك فيتامين (K) المضاد للنزيف، وفيتامين (A) الضروري للإبصار والمضاد للعشى الليلي، وفيتامين (B1) الذي يؤدي نقصه إلى بعض أمراض الجهاز العصبي، ويحدث تشنجات وآلاما في الأطراف مع مشاكل في القلب، إلى غير ذلك من الفيتامينات والإنزيمات والمعادن الضرورية للإنسان.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 92
الخميس 10 ذو القعدة 1438 ه‍ـ
...المزيد

فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ إن الطعام نعمة أنعم الله -تعالى- بها على عباده، فجعل ...

فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ

إن الطعام نعمة أنعم الله -تعالى- بها على عباده، فجعل فيه ما يقيمون به أصلابهم، ويحفظون به أنفسهم، وبالإضافة لوظيفة التغذية التي تؤديها الأطعمة بأنواعها، وذلك لاحتوائها على العناصر الضرورية لعمل أعضاء جسم الإنسان، وأجهزته المختلفة، جعل الله -تعالى- في كثير من الأطعمة منافع فريدة، واختص كلا منها بفوائد وقائية أو علاجية.

وذلك أن كلا من الأطعمة سواء كان مصدرها نباتيا أو حيوانيا، له خصائص تختلف عن غيرها بمقدار ما يحتويه من العناصر الكيميائية المتنوعة، التي لكل منها تأثير خاص على صحة الإنسان، سلبا أو إيجابا.

وسنحاول في هذه المقالة -إن شاء الله- أن نتكلم عن بعض الأطعمة التي وردت فيها فوائد ثابتة في السنة النبوية الشريفة، ونسأل الله أن ينفع بها المسلمين، ويرزقنا وإياهم دوام الصحة والعافية.


• بيت لا تَمْرَ فيه، جياع أهله

ففي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من تصبَّح بسبع تمرات عجوة، لم يضُرَّہُ ذلك اليوم سُمٌّ، ولا سِحرٌ).

وقد اكتشف العلم الحديث مؤخراً أن التمر على الريق من أقوى المنشطات للكبد، مما يرفع مقاومة الجسد للسموم.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة، بيتٌ لا تمر فيه جياعٌ أهله، يا عائشة، بيتٌ لا تمر فيه جياعٌ أهله) أو (جاع أهله) قالها مرتين أو ثلاثا، [رواه مسلم].

ويؤيد هذا الحديث ما ثبت من حديث عائشة -رضي الله عنها- أيضا: قالت (كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا، إنما هو التمر والماء إلا أن نؤتى باللُّحَيم) [رواه البخاري].

وفي هذه الأحاديث فضيلة التمر والحث على الادخار منه، والبيت الذي فيه التمر لا يجوع أهله، وإنما الجائع من ليس عنده تمر، وأن التمر والماء يغنيان عن جميع الطعام.

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في التمر: "وهو غذاء فاضل حافظ للصحة لا سيما لمن اعتاد الغذاء به، كأهل المدينة وغيرهم، وهو من أفضل الأغذية" [زاد المعاد في هدي خير العباد].

وقال أيضا: "وهو من أكثر الثمار تغذية للبدن وهو فاكهة وغذاء، ودواء وشراب وحلوى" [زاد المعاد في هدي خير العباد].

ويحتوي التمر على قيمة غذائية عالية، وهو من أقدم ما اقتات عليه الإنسان، وتعتبر (100 جرام) منه يوميا، وجبة متكاملة تغني الإنسان عن كامل احتياجاته اليومية من المغنيسيوم والمنجنيز والنحاس والكبريت، ونصف احتياجاته من الكالسيوم والبوتاسيوم.

وقد كان التمر زاد المقاتلين قديما، فإذا خرجوا للقتال، جمعوه وطحنوه وتزودوا به، فكان لهم قوتا يتقوون به.

والمداومة على أكل التمر، تعالج فقر الدم، واضطراب الأعصاب، وضعف المناعة، وهو من أقوى الأغذية وقاية من السرطان والأورام الخبيثة لاحتوائه على مضادات أكسدة، وهو كذلك غنِي بالفسفور المهم للتفكير وتحسين أداء الدماغ، حيث أنه الغذاء المفضل لخلايا المخ.

كما أن التمر غذاء هام للمرضع والأطفال وحديثي الولادة، حيث يعمل على تحفيز إفراز اللبن عند المرضع، وينشط الكبد عند حديثي الولادة فيقيهم من اليرقان الذي يكون بسبب خمول الكبد، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحنِّك الغلمان بالتمر، كما في تحنيكه لعبد الله بن الزبير، وإبراهيم بن موسى الأشعري.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 92
الخميس 10 ذو القعدة 1438 ه‍ـ
...المزيد

حرص الأنبياء على دين أهلهم الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد: فقد ...

حرص الأنبياء على دين أهلهم


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:

فقد ظل الأنبياء دعاة إلى دين الله -سبحانه- ليلا ونهارا، سرا وعلانية، ليؤدوا أمانة البلاغ التي أوكلها الله لهم، فما من نبي إلا قال لقومه: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف: 68]، وقد كان لأهليهم نصيب من دعوتهم، فإن الأنبياء يحرصون على ذلك في حياتهم وحينما يحضرهم الموت، تلك الوصايا لم تكن وصية ميراث أو قطيعة رحم أو حرص على دنيا حقيرة فانية، حاشاهم، لكنها وصية الاستسلام لله بالتوحيد ونبذ الشرك، لأن بها خلاص الرقاب من النار، وبها دخول جنة العزيز الغفار، ولنا أن نتساءل: كم من الآباء اليوم يحرصون على سلامة ذريتهم في الآخرة؟ وكم منهم آثر الفانية على الباقية؟ فهل من كانت له وصية كان فيها حظ من وصايا الأنبياء لأبنائهم؟ وهل قرأ الآباء قول الله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [البقرة: 130 - 133]؟.

أسلم واستسلم إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لله رب العالمين بقلبه وجوارحه، فكان إماما للموحدين، ومن هديه أنه وصَّى أبناءه ألا يموتوا إلا على الإسلام، الإسلام الذي يعني الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، وتأمل حرص ذريته من الأنبياء على تلك الوصية، فمن ذريته حفيده نبي الله يعقوب بن إسحاق -عليهما السلام- النبي الحريص الذي وصَّى أبناءه بوصية جده إبراهيم، وعندما حضره الموت سألهم عن عبادتهم ومن يعبدون من بعده إذا توفاه الله تعالى، فكان جواب الأبناء أنهم موحدون يصرفون العبادة لله وحده، فأين هذا بين الآباء والأبناء اليوم وأين الاقتداء بهدي أولئك الأنبياء الأطهار، ولا غرابة أن يوسف الصديق -عليه السلام- بن يعقوب -عليه السلام- كان على تلك الطريقة العظيمة وهو القائل في دعوته لأهل السجن: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40]، حيث قرر أن صرف التحاكم لغير الله شرك بالله تعالى، ولذلك أثَّرت دعوة الأنبياء في مصر وانتشرت على نطاق واسع في عهد يوسف -عليه السلام- وهذا يفسر اضطهاد فرعون مصر لذرية يعقوب بعد انتزاع فرعون الحكم من الملوك الرعاة المسلمين بني إسرائيل، فقد كان حكم فرعون يقوم على أساس وثني مناقض لتوحيد الألوهية والربوبية، وشرع الأنبياء يقوم على نقض ربوبية الطواغيت وحكمهم، وهذه هي العقيدة التي حرص نبي الله إبراهيم ونبي الله يعقوب أن يعلموها أبناءهم ويوصوهم بها عند موتهم.

ولو تأملنا آيات القرآن الذي فيه الهدى والنور وشفاء الصدور، لوجدنا من تلك الوصايا العظيمة وصية لقمان الحكيم لابنه، فأمعِن فيها النظر، وخُذ الدروس والعبر، قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].

إنها وصية بليغة في وصف الشرك من الأب الحكيم لابنه، فيها نهي عن الشرك بالله لأنه أقبح ذنب وأعظم ظلم، كيف لا يكون ظلما في حق الله سبحانه، والله -جل في علاه- خلق الخلق ودَبَّر أمورهم ورزقهم وأحياهم ثم يميتهم ثم إليه يرجعون، وبعدها يشركون به، ويعبدون طواغيت الحكم والتشريع والمتابعة، ويعبدون القبور والأوثان ويصرفون لهم أنواع العبادة، فكم من الآباء اليوم يحرصون على سلامة أبنائهم من الشرك وسوء عاقبته ولزوم الجماعة ودار الإسلام؟ وكم منهم حرص على سلامتهم من القتل بزعمه فحذَّرهم من الجهاد، ولم يحرص على عاقبة أمرهم وأوردهم المهالك، فنأى بهم إلى ديار الكفر فعرَّضهم لفساد دينهم؟ هل تفكر الآباء الذين يقرؤون القرآن بتلك الوصايا وهل أدرجوها في ثنايا وصيتهم، أم خلت تلك السطور، من ذلك العلم الجليل المأثور؟ هل يجمع الآباء الأموال ويبنون الدور، ويقيمون على التجارة ويشيدون الرياض والقصور، ثم يكتبون وصاياهم لأبنائهم في الحرص على هذا الحطام، أم يكتبون لهم وصايا الأنبياء أولي العزم الكرام؟
إن كثيرا من الناس قد وقع في ظلم أبنائه وزوجته فلم يوف ما بذمته من حق تجاههم، حق البلاغ الذي أداه الرسل لأزواجهم وذرياتهم، فإن أعظم الظلم للزوجة والذرية ليس في التقصير في حقوقهم الدنيوية، بل إن أعظم الظلم في حقهم هو تركهم يجهلون أمر دينهم وعدم دعوتهم لمعرفة وفهم ما أوجبه الله عليهم في ركن الإسلام الأول، وهو ركن الشهادتين الأعظم، الذي يتضمن الإيمان بالله وتوحيده والكفر بالطواغيت، والإيمان بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- ومتابعة شرعه وعدم تقديم الشرائع على شريعته وما جاء به من النور والهدى من عند الله، بل الأدهى من ذلك أن الآباء قد جهلوا أمر دينهم ولم يرفعوا عن أنفسهم الجهل في ظل نور الشريعة وقوة أهل الحق، بل إن كثيرا من الآباء يصدون أبناءهم عن الحق واتباع الهدى مع أن أهله مهتدون يدعونه للخير، فمن كان هذا حاله فإن أمره إلى خسار وبوار، فالفوز والبشارة ليست لمن صم أذنه عن سماع التوحيد، ولم يكفر بأهل الشرك والتنديد، بل البشارة والهداية لمن قال الله تعالى فيهم: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 17 - 18].

إن الله -تبارك وتعالى- أثنى على أنبيائه بصفات كثيرة، كل ذلك لنقتدي بهم ونتخلق بأخلاقهم، ومنهم النبي إسماعيل -عليه السلام- الذي أثنى الله –تعالى- عليه وعلى دعوته لأهله، حيث تجد صورة الأب الحريص والنبي الداعية لأهله فيسعى أن يكون أهله معه من سكان منزله في الجنة، فكان يحرص على أدائهم صلاتهم وزكاتهم وهي أعظم الأركان بعد ركن الشهادتين، قال الله -تعالى- عنه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 54 - 55].

وليرجع كل أب ويتفكر ماذا قدم لأهله من النصح بالتزام التوحيد والكفر بالطاغوت والقيام في طاعة الله -تعالى- اقتداء بسيرة أولئك الأنبياء المهتدين، فهنيئا لكل أب موحد قاد أهله إلى الاستقامة والهدى، ولم يترك أهله تائهين سدى، فشتان بين من دخل النار وخسر نفسه فهو وحيد بلا أهل في النار، وبين من دخل الجنة هو وزوجه وذريته والملائكة يدخلون عليهم بالسلام من كل باب، يهنئونهم بما عملوا من الصبر والثبات على أمر الله تعالى، فنعم عقبى الدار.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 92
الخميس 10 ذو القعدة 1438 ه‍ـ
...المزيد

اغتنم غِناك قبل فَقْرك [2/2] • أبقيت لهم الله ورسوله ولو أمعن المسلم النظر في أفعال الصحابة ...

اغتنم غِناك قبل فَقْرك
[2/2]

• أبقيت لهم الله ورسوله

ولو أمعن المسلم النظر في أفعال الصحابة -رضي الله عنهم- لرأى في ذلك العجب العجاب، ولأدرك حقيقة اغتنام الغنى قبل الفقر، ومنهم الصديق أبو بكر وأبو حفص عمر، وإليك أخي هذه الرواية التي تظهر صورة التنافس والتسابق إلى شراء الجنة بالمال قبل أن يفنى وتضيع الفرصة، فعن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب، يقول: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتصدق فوافق ذلك عندي مالا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أبقيت لأهلك؟) قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: (يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟) قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسبقه إلى شيء أبدا" [رواه الترمذي وأبو داود].

إن هؤلاء الصفوة علموا أن الدنيا تتقلب بأهلها فالغني قد يصبح فقيرا والفقير غنيا وأن الفرصة قد تفوت، فاغتنموا غناهم قبل فقرهم واشتروا الجنة بأموالهم وأنفسهم، وضؤلت في أعينهم كل كنوز الدنيا حين رضوا بالكفاف وطلبوا مرضاة ربهم وجنته حتى أتتهم الدنيا راغمة، وبشرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة وهم أحياء يمشون على الأرض فهنيئا لهم ولمن اتبعهم وهنيئا لمن اقتدى بهم واغتنم غناه قبل فقره.

• ربح البيع أبا يحيى

ومن الصحابة من أنفق كل ماله ليكمل طريق هجرته إلى الله ورسوله، فقد أدرك المشركون صهيب بن سنان -رضي الله عنه- في طريق هجرته فدلهم على ماله على أن يخلوا سبيله ففعلوا، قال صهيب رضي الله عنه: "فلما رآني -أي رسول الله، صلى الله عليه وسلم- قال: (يا أبا يحيى، ربح البيع) ثلاثا، فقلت: يا رسول الله، ما سبقني إليك أحد، وما أخبرك إلا جبريل، صلى الله عليه وسلم" [رواه الطبراني].

ومن يتأمل حال الناس اليوم فإن كثيرا منهم لا يجمع المال لينفقه في سبيل الله ويجعله وسيلة إلى الله وجنته، بل يجمع المال ليعيش في دنيا دنية، وسعادة باطنها الشقاء، وملذات عجلت لصاحبها في الدنيا في ديار الكفر، فطوبى لمن اغتنم غناه قبل فقره فاقتدى بهذا الصحابي الجليل، وطوبى لكل مهاجر اقتدى بصهيب فترك المال ومصالح الدنيا وهاجر في سبيل الله إلى دار الإسلام، وتعسا لكل منتكس اشترى بغناه ذل العيش عند الكفار وأعداء الدين.

ومن الصحابة الأغنياء المنفقين في سبيل الله عثمان بن عفان، رضي الله عنه، فعن عبد الرحمن بن سمرة، قال: جاء عثمان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بألف دينار، قال الحسن بن واقع: وكان في موضع آخر من كتابي، في كمه، حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره. قال عبد الرحمن: فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقلبها في حجره ويقول: (ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم) مرتين، [رواه الترمذي في سننه وأحمد في فضائل الصحابة].

تفكر في نفسك لو أنك أنفقت ما أنفقت وقيل لك ذلك فلا شك أنك حينها قد ملكت الدنيا بأجمعها، ومع ذلك لم يدع هذا الصحابي الجليل الإنفاق في سبيل الله، بل لم يترك فرصة للإنفاق إلا واغتنمها، وهذا هو فعل الأبرار طلاب الدرجات العلا من الجنة، وهذا هو اغتنام فرصة الغنى في وقت الحاجة والعسرة، التي قد تفوت بضياع المال والفقر، فاغتنم غناك

• وأعينهم تفيض من الدمع حزناً

أيها المقتدي بالصحابة قبل فقرك، فإن فقراء الصحابة كانوا يبكون على ضياع فرصة الجهاد بالمال أو النفس لأنهم لا يملكون مؤنة ذلك، قال الله تعالى عنهم: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92].

قال الإمام الطبري رحمه الله: "ولا سبيل أيضاً على النفر الذين إذا ما جاءوك، لتحملهم، يسألونك الحُمْلان، ليبلغوا إلى مغزاهم لجهاد أعداءِ الله معك، يا محمد، قلت لهم: لا أجد حَمُولةً أحملكم عليها {تَوَلَّوْا}، يقول: أدبروا عنك، {وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا}، وهم يبكون من حزن على أنهم لا يجدون ما ينفقون، ويتحمَّلون به للجهادِ في سبيل الله" [جامع البيان].

أناس بكوا لأنهم ما وجدوا نفقة في سبيل الله لجهاد الكفار، وأناس اليوم في زماننا يبكون على المال ويعيشون في كنف الكفار والطواغيت، أناس اغتنموا فرصة غناهم قبل فقرهم على أحسن حال، وأناس استخدموا غناهم في سخط الله تعالى، فشتان بين من يسخط الله ومن يرضيه، وشتان شتان بين منزلة هذا وذاك عند الله تعالى، {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7]، والحمد لله ولي الصالحين، وصلِّ اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الهداة المهتدين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 92
الخميس 10 ذو القعدة 1438 ه‍ـ
...المزيد

اغتنم غِناك قبل فَقْرك [1/2] الحمد لله رب العالمين، بديع السماوات والأرض ذي القوة المتين، ...

اغتنم غِناك قبل فَقْرك
[1/2]

الحمد لله رب العالمين، بديع السماوات والأرض ذي القوة المتين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد...

فإن مما يكبح جماح النفس وطلبها للدنيا وملذاتها وزخرفها هو القناعة برزق الكفاف، والرضى بما يعطي الله -تعالى- بحكمته لعباده الصالحين، ورزق الكفاف هو الذي يكون بقدر الحاجة، فلا يفضل منه شيء، فإن من قنع بهذا الرزق قد حاز الغنى الحقيقي، غنى النفس عن طلب الدنيا التي يتصارع عليها الناس ويتركون دينهم لأجلها، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (قد أفلح من أسلم، ورُزِق كفافا، وقَنَّعه الله بما آتاه) [رواه مسلم]، فلا نعمة أعظم من نعمة الإسلام، ثم رزق الكفاف والقناعة به.

• الغنى غنى النفس

إن كثيرا من الناس يرى أن الغنى إنما يكون بالثروات والكنوز والأموال، وهذا وإن كان صحيحا بمنظور عموم أهل الدنيا ألا أن الشريعة تنظر لمعنى الغنى بمنظور آخر، وهذا المعنى هو الذي يحقق السعادة الحقيقية لدى من يحمله، إنه غنى النفس، وهذا المعنى تجده في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس) [متفق عليه]، وفي الحديث إشارة إلى أن الإنسان قد يكون لديه مال ولكنه يطمع في تكثير ما عنده ويفني حياته في شهوة تحصيل الزيادة منه، ومثل هذا لا يكون غنيا بما عنده ولم يغتنم غناه لمرضاة ربه وإنما لمرضاة نفسه التي لا تشبع من زيادة المال واللهث وراء الدنيا.

وهذه هي طبيعة الإنسان، كما أخبر الله -تعالى- في كتابه: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8]، أي لحب المال لشديد، وكما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فعن أنس بن مالك، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب) [متفق عليه].

فلا ينجو من هذا الوصف إلا المسلم الكيِّس الفطن الذي يرى قرب منيته وحدوث رزيته، فيتفكر في عذاب الله وعقابه لو اشتغل بالدنيا عن طاعته، ويتفكر فيما أعده الله له من خير لو أغنى نفسه عن مزيد الدنيا واشتغل بطاعة الله وطلب جنته، واشتغل بطلب المزيد في الآخرة فلا يسعى لتلك الفتنة التي قد تورده المهالك، ولكن حين ينعم اللهُ عليه بالمال فإنه يعده من الابتلاء الذي يختبر به، ومن يعتقد هذا فسيغتنم غناه ويبقى غني النفس على كل حال فيشتري الجنة بتلك الكنوز وينفقها في سبيل الله

• أولئك هم المؤمنون حقاً

وهكذا هم الأغنياء، فريقان؛ فريق بخلوا عن نصرة دين الله والإنفاق في سبيله وكنزوا الذهب والفضة وهؤلاء هم الذين لا يؤدون زكاة أموالهم فضلا عن أن يتصدقوا، قال الله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران: 180]، وفريق اشتروا الجنة بأموالهم، واتبعوا رضوان الله -تعالى- الذي اعتبر صدقتهم قرضا حسنا فضاعفه لهم أضعافا كثيرة فكان الإنفاق هو صفة أهل الإيمان كما أن البخل صفة أهل النفاق، قال الله -تعالى- مادحا المؤمنين: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 3 - 4].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 92
الخميس 10 ذو القعدة 1438 ه‍ـ
...المزيد

طواغيت الخليج وظيفة واحدة.. بأساليب مختلفة تستمر الأزمة المشتعلة بين طواغيت الخليج، كاشفة عن ...

طواغيت الخليج
وظيفة واحدة.. بأساليب مختلفة


تستمر الأزمة المشتعلة بين طواغيت الخليج، كاشفة عن مدى النزاع بينهم، الذي أخذ خلال العقود الماضية أشكالا عديدة، تمحورت في الغالب على محاولات جاهدة من قبل كل منهم على الاستقواء على خصومه بأمريكا، وذلك من خلال السعي لاسترضائها بأي شكل ممكن، ومحاولة كل منهم أن يثبت أنه الأشد ولاءً لها، والأقدر على تنفيذ مخططاتها في المنطقة، والأجدر بأن يوكَّل بالمهام، وتُسند إليه المسؤوليات، في سبيل تحقيق مصالح أمريكا الاستراتيجية والاقتصادية.

ولعل أهم أدوات الصراع بين هؤلاء الخصوم المتشاكسين، هي سعي كل منهم إلى امتلاك أكبر عدد ممكن من الأوراق التي يبقيها في يده، ويظهرها باستمرار لسادته الأمريكيين، ويستخدمها في حرق الأوراق التي في أيدي خصومه، وفي النهاية التضحية بهذه الأوراق وحرقها عندما تصبح تكاليف الحفاظ عليها أكبر من المردود المتوقع منها.

وهذا ما رأيناه واضحا جليا في مرحلة الجهاد في العراق إبان الاحتلال الأمريكي المباشر، فمع الاستنزاف الكبير للجيش الأمريكي على أيدي المجاهدين في العراق، والعجز الواضح للإدارة الأمريكية عن تحقيق النصر على المجاهدين، أو على الأقل الخروج من المأزق بأقل الخسائر، وبعد سلسلة طويلة من المحاولات التي أثبتت فشلها، وأرهقت الميزانية الأمريكية بمزيد من التكاليف، وجد قادة الجيش الأمريكي أن لا مناص لديهم من الاستعانة بالمنتسبين إلى أهل السنة، في قتال الدولة الإسلامية، بعد سنوات من عدم الثقة بهم، والخوف من ولائهم لأهل الجهاد، أو ميل كثير منهم إلى نظام البعث الكافر الذي أسقطه الصليبيون.

وهكذا بدأت خطة الصحوات التي وضعت الإدارة الأمريكية كل ثقلها وراءها، ورصدت لها مليارات الدولارات، وجاء دور الطواغيت في المنطقة ليأخذ كلٌّ منهم دوره في هذه الخطة.

فأمسك طواغيت أبو ظبي والرياض وعمّان بورقة الصحوات العشائرية والمناطقية، فموّلوا رؤوسها، ووفروا لهم الفتاوى التي تبرر ردّتهم وعمالتهم للصليبيين من علماء السوء التابعين لهم، ودعموهم إعلاميا وسياسيا.

في الوقت الذي أمسك فيه طواغيت قطر والكويت تساندهم تركيا، بورقة صحوات الفصائل، ودعموهم من خلال ستار رقيق عماده الجمعيات الخيرية، والمنظمات التي يسمّونها "إسلامية"، والتي بدأت تضخ الأموال في جيوب قادة فصائل الصحوات وعلماء السوء الذين جندتهم أجهزة المخابرات، وأضفت عليهم حجاب "الاستقلالية" ليخدعوا بهم السذّج والمغفلين، وتولَّى هؤلاء شنَّ هجوم كبير على الدولة الإسلامية، ووصفها بالغلو والخارجية، والتحريض على قتالها.

وهكذا، حمل كل من الطواغيت جزءاً من الحمل في تحشيد المرتدين من أهل السنة في العراق ضد الدولة الإسلامية، لإنقاذ أمريكا من الهزيمة الساحقة لها على أيدي المجاهدين، وبالرغم من أداء كل من جناحي الصحوات، من مرتدي الفصائل والعشائر المهمة نفسها، وتبرير عمالتهم لأمريكا بالكذبة نفسها وهي التصدي لإيران، فإن التنافس بينهما كان حادا جدا، لنيل الرضا الأمريكي من جهة، وانعكاسا للصراع بين الداعمين لكل طرف من جهة أخرى.

حتى إذا أدى كل منهما وظيفته، تخلت عنهم أمريكا، وأسلمتهم كليهما للروافض، فمزقوهم شر تمزيق، وأنهوا وجودهم تماما، حتى لم يبق منهم إلا أسماء وهمية، وبعض قادتهم الذين تُؤويهم عواصم الدول التي كانت تدعمهم، وتحرص على إبقائهم لديها، للاستفادة منهم في مشاريع مستقبلية، فتعمل على إحياء صحواتهم من جديد، لتفاوض عليهم، وتنافس بهم.

وقد كرّر هؤلاء الطواغيت اللعبة ذاتها في ليبيا والشام، وبالأدوات ذاتها تقريبا، وانقسم مرتدو الصحوات في كل الحالات إلى القسمين ذاتهما تقريبا، ثم كان لهم المصير ذاته، وهكذا تستمر لعبة الصراع بين طواغيت الخليج، بالأسلوب عينه، والأدوات عينها، ومصادر القوة نفسها، المتمثلة بالمال ووسائل الإعلام وعلماء السوء المرتبطين بهذا الطاغوت أو ذاك.

إن عبث هؤلاء الطواغيت بساحات الجهاد، وتأليبهم المرتدين ضد الدولة الإسلامية في كل مكان، ليس أهون من جرائمهم التي لا تعدّ، والتي أبرزها حكمهم بغير ما أنزل الله تعالى، وولاؤهم المطلق للصليبيين، واحتضانهم لقواعدهم العسكرية، وتمويلهم لحروبهم ضد المسلمين، بل ومشاركتهم الفعلية في قصف مدنهم وقراهم بطائراتهم، وهم في ذلك أنداد متشابهون لا يختلفون إلا في الطريقة التي يؤدون بها هذه الجرائم، وينفذون بها هذه المهمام.

وإن حكمهم في الدنيا واحد، وهو الكفر، وإن قتالهم جميعا فرض واجب على كل المسلمين، وهذا ما يقوم به جنود الدولة الإسلامية اليوم، بفضل الله، وسيستمرون على ذلك حتى يزيلوا كل هؤلاء الطواغيت ويحكموا ما تحت أيديهم من أرض بشريعة رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 92
الخميس 10 ذو القعدة 1438 ه‍ـ
...المزيد

عبادات في عشر ذِي الحجَّة • عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَا ...

عبادات في عشر ذِي الحجَّة

• عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ). قالُوا: وَلا الْجِهَادُ؟ قَالَ: (وَلا الْجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيءٍ) [صحيح البخاري].

• صيام الأيام التسع

عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم تسع ذي الحجة" [رواه أبو داود].

• صيام يوم عرفة

عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن صوم يوم عرفة، فقال: (يُكفِّر السنة الماضية والباقية) [رواه مسلم].

• الأضحية

عن أنس رضي الله عنه قال: "ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين، فرأيته واضعا قدمه على صفاحهما، يسمي ويكبر، فذبحهما بيده" [رواه البخاري ومسلم].

• التكبير والتهليل والتحميد

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من أيّام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) [رواه أحمد].

• سائر الأعمال الصالحة

كل عمل صالح يُتَقَرَّب به إلى الله تعالى لعموم لفظ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما العمل في أيام أفضل منها في هذه...) فيشمل الغزو والرباط والذكر والصلاة وقراءة القرآن وصلة الأرحام والصدقات وغيرها.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 497
السنة السادسة عشرة - الخميس 2 ذو الحجة 1446 هـ
إنفوغرافيك العدد
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 497 الافتتاحية: يا جنود الله هبوا ينبغي للمجاهد أن ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 497
الافتتاحية:

يا جنود الله هبوا

ينبغي للمجاهد أن يستغل المواسم الإيمانية في تجديد همته وإذكاء جهاده، وقد أظلكم معاشر المجاهدين عشرٌ مباركاتٌ علا قدرهنّ وعظُم أجرهنّ وتسامت أخبارهنّ، وكنّ بحق خير أيام العام، ومع ذلك لم يغب الجهاد عنهنّ وألقى بظلاله عليهنّ كما في الصحيح: (مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ). قالُوا: وَلا الْجِهَادُ؟ قَالَ: (وَلا الْجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيءٍ) [البخاري]

المتابع للحوار السابق الذي دار بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام في محضر الحديث عن تفضيل العمل في العشر على العمل في سواهن؛ يلحظ كيف أن الصحابة لم يتبادر إلى ذهنهم عمل يزاحم هذه الأفضلية سوى الجهاد في سبيل الله، فسألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- متعجبين مستغربين: "ولا الجهاد في سبيل الله؟" لم يقولوا: ولا الصدقة؟ ولم يقولوا: ولا الصلاة أو الصيام أو القيام..؟ بل خصّوا الجهاد من بين سائر الأعمال لعلوّ قدره ورسوخ مكانته في نفوسهم إلى الحد الذي جعلوه علامة فارقة يقيّمون بها الأعمال، واستغربوا أن يكون هناك عمل صالح يربو فضله على الجهاد، كيف لا وهم تلاميذ النبي المجاهد -صلى الله عليه وسلم- وغرْس يديه الشريفتين ونتاج تربيته الإيمانية الجهادية التي حفرت في قلوبهم وعقولهم أن الجهاد لا يعدله شيء وأنّه عزّ الأولين والآخرين.

جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- استثنى من المفاضلة مجاهدا (خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيءٍ). وعلماء الملة على أن المفاضلة بين أعمال العشر والجهاد إنما هي في الفضائل لا الفرائض، والجهاد اليوم فرض عين لا نافلة، ومع ذلك فإنّ الحالة التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- للمجاهد المخاطر بنفسه هي صورة لا تنفك عن أحوال المجاهدين في زماننا، فهم في كل يوم يخاطرون بأرواحهم ويضحّون بأغلى ما يملكون، وقد هاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم في سائر الأيام والشهور وسائر البقاع والثغور.

فأنت يا جندي الخلافة تستطيع أن تكون هذا المجاهد الفريد الذي وصف حاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مفضِّلا جهاده على العمل الصالح في هذه الأيام المباركات، فكيف لو جمعتَ بين أجر هذا الجهاد المتفرّد وأجر هذه العشر، فنلتَ أعلى المرتبتين وأجمعهما وأتمهما بإذن الله تعالى.

إنها فرصة عظيمة لك أيها المجاهد لتحوز خيرية الجهاد في خيرية هذه الأيام، ولئن كانت الشريعة قد أمرت بالتعرض لنفحات الدهر ومواسم الأجر، ألا فتعرّضوا أيها الأباة لمواطن الطعان والشهادة في سبيل الله في هذه الأيام استبسالا في القتال وتحقيقا للنكاية وجلبا للإثخان، فإن صدور المؤمنين عطشى للثأر ممن ولغوا في الدماء والأعراض، وإنّه لا شيء يطفئ ظمأ الثأر كالدماء! وليس أنفى للقتل من القتل.

أيها المجاهدون لقد حال بينكم وبين بيت الله الحرام الحوائل وأعاقكم عن الطواف به العوائق، وأنتم معذورون في ذلك فلم تستطيعوا إلى البيت سبيلا، وكلكم يتمنى لو زاحم مناكب الحجيج في أطهر البقاع وأشرف الأزمان، ولكن قضاء الله والحكم حكمه، فلئن كان الحال كذلك ألا فزاحموا مواكب الفداء ولبّوا نداء الجهاد وانطلقوا كل في ثغره فشدوا على عدوكم وابذلوا أنفسكم تقبل الله بذلكم، واضربوا رقاب الكافرين واسفكوا دماءهم تقبل الله أضاحيكم كما كان دأب إخوانكم من قبل.

أيها المجاهدون المرابطون على ثغور الشريعة، إن لكم أجر السائرين الساعين في بيت الله الحرام بالنية وإنْ لم تحجوا البيت، كما قال ابن رجب: "القاعد -يعني عن الحج- لعذر، شريك للسائر وربما سبق السائر بقلبه السائرين بأبدانهم".

فكيف وأنتم نقيض القعود ومادة الجهاد وسُعاته وكماته ورأس حربته في هذا الزمان الذي تمايزت فيه الصفوف تمايزا لم نشهده من قبل.

ولئن وقف الناس بعرفات وفاتكم ذلك، فلقد وقفتم موقفا يحبه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقفتم على ثغور المسلمين تذودون عن حياض الشريعة وبيضة الإسلام، وتذكروا أن القاسم الأكبر بين الحج والجهاد هي ملة إبراهيم -عليه السلام- الذي يطغى اسمه على مناسك الحج من أولها إلى آخرها التي تضج بالتوحيد لله تعالى، والجهاد اليوم هو التطبيق العملي لتلك الملة التي أوحى الله إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- باتباعها فتأمل.

معاشر الأجناد، نظرنا في كتب الوعظ فلم نجد موعظة أبلغ من الوصية بالتقوى فاتقوا الله وأطيعوه، ونظرنا في كتب التوحيد فلم نجد أحكم له وأضبط من المفاصلة ففاصِلوا المشركين واعتزلوهم، ونظرنا في كتب الرقائق فلم نجد أنفع للقلب من الورع والخشية، فتورعوا عن مواطن الريبة، واخشوا ربكم سبحانه، {فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
يا جنود دولة الإسلام في كل مكان إن الله قدّر لكم أن لا يكون سبيل وصولكم إلى بيت الله الحرام عبر الوثائق والجوازات على متن المدارج والطائرات كما هو شأن عامة الناس، بل إن سبيلكم إلى بيت الله الحرام لن يكون بغير الجهاد وبغير تطهير طرق الوصول إليه من قطاع الطرق طواغيت الحكم وجيوشهم الكافرة، فكونوا على قدر المسؤولية فالطرقات تغص بهؤلاء.

وأيقنوا بأن كل معركة تخوضونها أيها المجاهدون في سهل أو جبل، تقربكم أكثر فأكثر من الوصول إلى بلاد الوحي التي دنسها الصليبيون والمرتدون والأمر نفسه ينطبق على بيت المقدس، فلا توقفوا معارككم ولا تلينوا لعدوكم ولا تستوحشوا لكثرة المتساقطين وقلة الثابتين فالقلة المؤمنة انتصرت عبر تاريخ الإسلام بقوة إيمانها وعمق تجردها وشدة إخلاصها لمولاها، فنعم القلة الثابتة على الدرب، وسحقا لمن بدّل وغيّر وباع الباقية بالفانية.

معاشر المجاهدين لا شك أن الشوق إلى المسجدين الحرام والأقصى يختلج الصدور ولا يدرك حرّ ذلك الشوق إلا من أنزل المسجدين قدرهما تديُّنا واعتقادا، فالمسلم لا يرى فيهما مزارات سياحية ولا أطلالا تاريخية، بل يراهما إرثا عقديا مقدسا صانه السابقون بدمائهم وضيّعه الأخلاف يوم ضيعوا الكتاب والسنة واتبعوا السبل فتفرقت بهم عن سبيل الله.

ألا فأطفئوا لظى الشوق إلى المقدسات بوصل المفخخات وصلي الراجمات، وأشعلوا العشر وسائر الدهر على الكافرين جيوشا وحكومات، وسعّروا الهجمات تلو الهجمات، وتخطفوا الجواسيس وتقصدوا القيادات، ونخص بالتحريض المجاهدين المنفردين بين ظهراني العدو، فيا جنود الله هبوا واغتنموا عشركم بخير العمل، الجهاد في سبيل الله على منهاج نبيكم، جهادا يقربكم من مكة والقدس ودمشق فكلهن أسيرات ينتظرن الخلاص.

أيها المجاهدون سرعان ما تمضي العشر وتنقضي أيامها ويبقى الجهاد ماضيا وسيفه مشرعا وركبه مسرعا لحق به السابقون وتخلف عنه المخلَّفون، ولئن كانت مواسم الطاعة ونفحاتها تنقضي بانقضاء الشهور والدهور، فقد أبقى الله لكم بفضله الجهاد موسما أبديا لا ينقضي إلى قيام الساعة، فأحسنوا اغتنامه فإنّه عزكم في الدنيا والآخرة، والله لا يخلف الميعاد.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 497
السنة السادسة عشرة - الخميس 2 ذو الحجة 1446 هـ

المقال الافتتاحي:
يا جنود الله هبوا
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً