عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنّ قلوب بني آدم كلّها ...

عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:

(إنّ قلوب بني آدم كلّها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرّفه حيث شاء، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اللهم مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك). [رواه مسلم]


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 514
السنة السابعة عشرة - الخميس 03 ربيع الآخر 1447 هـ
إنفوغرافيك العدد
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 514 الافتتاحية: • متغيّرات وثابت وحيد يزدحم المشهد ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 514
الافتتاحية:

• متغيّرات وثابت وحيد

يزدحم المشهد العالمي بالتطورات السياسية والعسكرية المتلاحقة في التحالفات والصراعات، الأمر الذي أصاب الكثيرين بالتيه والحيرة جراء التسارع الرهيب في الأحداث، وما ذلك إلا لغفلتهم عن الاستمساك بالعروة الوثقى؛ الثابت الوحيد وسط كل هذه المتغيّرات، وحبل الله العاصم من كل هذه القواصم.

ولعل أبرز ما يطفو على السطح هذه الأيام القمم والمؤتمرات بل المؤامرات المنصبة على جهود وضع خاتمة للمشهد الفلسطيني الدامي، وجهود سوق طواغيت العرب إلى جحر "التطبيع" مع اليهود موالاة وتوليا، علما أن جميع الأطراف الطاغوتية متورطة في نسج خيوط هذه المؤامرة اليهودية الصليبية على أمة الإسلام، ولا وجود للأبرياء أو المحايدين في هذا الملف.

وبينما تغرق الساحة الدولية بهذه الصراعات والمتغيرات، يقف البعض حائرا تائها لا يدري ماذا يفعل، وما الموقف الذي يتخذه حيال هذا الواقع المضطرب الذي يزداد تعقيدا يوما بعد يوم، ولا شك أن هذا الشعور يختلج صدور كثير من عامة المسلمين، إذا ما أردنا أن نفرّق بين العامة والخاصة في زمن الإسفاف.

والحقيقة أن هذا "التيه" لا يليق بالمسلم وبين يديه كتاب ربه سبحانه، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- الذي ما ترك خيرا إلا دلّنا عليه ولا شرا إلا حذّرنا منه، حتى أكمل الله به الدين وأتمّ به النعمة، وتركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتنكبها إلا ضال.

والسبب الرئيس لكل هذا التيه والعمه، هو تعطيل الكتاب والسنة في حياة الناس، والمرء قد يتلو الآيات ليل نهار، لكنها مع ذلك معطلة في حياته؛ ليست سوى تراتيل تُتلى ثم تُطوى ولا يبقى منها أثر في واقعه العملي، وبذلك يفقد المرء بصيرته، فأنى يبصر النور وسط هذا النفق المظلم؟!

ولقد دلّنا الوحيُ على الموقف غير المحايد الذي ينبغي للمسلم اتخاذه تجاه المتغيرات من حوله، وأكدت نصوص الشريعة أن التوحيد هو الثابت الوحيد والركن الشديد الذي يأوي إليه المسلم في جميع أحواله، ويبقى بالنسبة إليه المعيار والميزان الذي يزن الأمور به ويقيس المواقف وفقا له، ولا يخرج عنه قيد أنملة، لقوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}، وحديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-). [الحاكم والبيهقي].

فعبر منظار التوحيد وبوصلته، يرى المسلم جميع هذه المؤتمرات مؤامرات صرفة يحيكها دهاقنة الشر من الغزاة اليهود والصليبيين لأمة الإسلام، سواء فيما يتعلق بفلسطين أو سوريا الأسيرتين، أو فيما يتعلق بملف موالاة اليهود تحت مسمى "تطبيع العلاقات" أو غيرها من الملفات التي تتصدر المشهد.

وها هنا لفتة منهجية مهمة لمن يعادي "التطبيع" وطنيةً لا ديانةً؛ إن الحل الأوحد الذي يصمد أمام "مؤامرة التطبيع" هو التوحيد بولائه وبرائه، وليست الوطنية ومشتقاتها من "المقاومة" و "الثورة" وغيرها من المفرزات التي أنتجتها المناهج الجاهلية وطغت على المشهد خلال العقود الأخيرة ولم ينج منها إلا من رحم.

وبالتالي، فالمسلم الذي يشتكي "التيه والحيرة" من متغيرات الساحة وتقلباتها، مأمور شرعا بلزوم منهاج نبيه -صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله الله هاديا وبشيرا بالتوحيد الذي لا تغيّره صروف الدهر مهما بلغت، كما أرسله المولى -تبارك وتعالى- بشريعة الجهاد الذي هو سلاح المسلم في التصدي لجيوش الأحزاب والمنافقين الذين يجتمعون اليوم في "الأمم المتحدة" وغيرها من المحافل الجاهلية، للنيل من الإسلام.

ولا يتوقع المسلم أو يظن لوهلة أن كل هذه المؤتمرات والجهود الدولية الماراثونية ستتمخض عن خير للمسلمين، بل كل الشر أن يظن المرء ذلك! وكل الخير أن يقطع المرء أمله في كل هؤلاء، بل الخير المحض والواجب عليه والفرض أن يكفر بهم ويعاديهم وينظر إليهم بنفس العين التي ينظر بها إلى اليهود والنصارى، فإنْ فَعَل ذلك واستوت عنده كل الأطراف الجاهلية الناطقة بالعربية أو الأعجمية؛ زال "تيهه" وانجلت "حيرته" وأبصر الحق حقا والباطل باطلا.

إن المسلم الذي يشتكي "الحيرة" في زمن المتغيرات المتلاحقة، عليه أن ينهل من معين النبوة، وأن يرد مواردها العذبة فهي البوصلة التي لا تخيب، وهي النور الذي لا يخبو إلى قيام الساعة.

وقد أخبر تعالى في كتابه أنه يهدي أولياءه إلى نور الهداية ويخرجهم من ظلمات التيه فقال سبحانه: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}، قال ابن كثير: "يخبر تعالى أنه يهدي من اتبع رضوانه سبل السلام، فيخرج عباده المؤمنين من ظلمات الكفر والشك والريب إلى نور الحق الواضح الجلي المبين السهل المنير، وأن الكافرين إنما وليهم الشياطين تزين لهم ما هم فيه من الجهالات والضلالات، ويخرجونهم ويحيدون بهم عن طريق الحق إلى الكفر والإفك". انتهى كلامه.

وحاصل الكلام أيها المسلم، أن سبيل نجاتك وهدايتك وسط هذه الظلمة هو كفرك بالطاغوت لقوله تعالى: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا}، والعروة الوثقى هي عين ما تبحث عنه وتطلبه أيها الهائم، وهي "الطريقة المثلى والصراط المستقيم".

ومِن أظهر صور الطاغوت في عصرنا: الحكام المرتدون الذين يحكمون بلاد المسلمين بالقوانين الجاهلية، ويوالون اليهود والنصارى وينفذون مؤامراتهم، فالمسلم مطالب بالكفر بهؤلاء كافة، وتكفيرهم واتخاذهم أعداء كما يتخذ اليهود والنصارى أعداء.

واعلم -أيها المسلم- بأن الطاغوت منظومة جاهلية كاملة لا تقتصر على شخص الحاكم، بل تشمل كل سدنته وأعوانه وأركان حكمه؛ من الجنود والدعاة والإعلاميين والمفكرين والمؤثّرين، وكل السائرين في فلك الطاغوت الموطدين لحكمه، المنافحين عنه، الموالين له، فكل هؤلاء لبنات في منظومة الطاغوت، أمرنا اللهُ بالكفر بها، وأخبرنا تعالى أن بذلك تكون العصمة من الضلال، وأنه العروة الوثقى التي لا تنقطع.

فهذا هو سبيل الهداية والنجاة، والعصمة من الزيغ والانحراف في هذه الحياة، فالمتغيرات كثيرة إلا التوحيد، وكل العرى مقطوعة إلا العروة الوثقى فاستمسك بها أيها المسلم بكلتا يديك، وإلا تناوشتك الرماح وتقاذفتك الرياح، ولات حين مندم.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 514
السنة السابعة عشرة - الخميس 03 ربيع الآخر 1447 هـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 145 (تفريغ كلمة صوتية) • وبشر المؤمنين كلمة صوتية ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 145
(تفريغ كلمة صوتية)

• وبشر المؤمنين

كلمة صوتية لمولانا أمير المؤمنين الشيخ المجاهد
أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي ( تقبله الله )


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

{ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102].
{ياأيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالًا كثيرًا ونساءً واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام إنّ اللّه كان عليكم رقيبًا} [النساء: 1].
{ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع اللّه ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا} [الأحزاب: 71] أما بعد:

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

إلى الموحدين الصادقين في هذه الأمة عامة، وإلى المجاهدين الصابرين الباذلين الثابتين على ثغور الإسلام خاصة، إلى أبناء التوحيد وحملة الرسالة وحراس العقيدة في مشارق الأرض ومغاربها، تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وأعاد علينا وعليكم عيد الأضحى المبارك باليمن والإيمان والنصر والتمكين لدولة الإسلام، فهنيئا لكم إخوة الإيمان ما أنتم فيه من تعظيم شعائر الله بتوحيده والتزام أمره، ومراغمة أعدائه والذب عن حرماته، فجزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا.

قال الله تبارك وتعالى: {أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا وإنّ اللّه على نصرهم لقديرٌ (39) الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍّ إلّا أن يقولوا ربّنا اللّه ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لهدّمت صوامع وبيعٌ وصلواتٌ ومساجد يذكر فيها اسم اللّه كثيرًا ولينصرنّ اللّه من ينصره إنّ اللّه لقويٌّ عزيزٌ} [الحج: 39، 40]. وقال سبحانه: {الّذين آمنوا يقاتلون في سبيل اللّه والّذين كفروا يقاتلون في سبيل الطّاغوت فقاتلوا أولياء الشّيطان إنّ كيد الشّيطان كان ضعيفًا} [النساء: 76].

فها هي السنوات الخداعات، والفتن والمصائب والآلام قد اشتد ليلها الحالك، وخيمت بأساها على أهل الإسلام، فبعد أن طويت قرون من العهد التليد الذي أشرق بين الأنام بدعوة الإسلام وحكمه في الأرض، حيث كان المسلمون فيه سادة الدنيا أهل الشكيمة والعزيمة والإباء، سطروا بفعالهم من التضحية مآثر خالدة، ومن الشجاعة والإقدام أحاديث باهرة، ها هم اليوم في سفر الضياع والشتات تمزقهم الأهواء، وتعبث بدينهم النصارى، وتسرح في أرضهم أمم الكفر، بعد أن سلبتها فأودعتهم بين حدود الذل والعار، وغدى الموحدون الصادقون قرابين يقربها الطواغيت وأذنابهم بين فينة وأخرى لأحفاد القردة والخنازير، ليجددوا لهم الطاعة ويعلنوا لهم الولاء، وأمسى الناظر الحصيف لا يبصر إلا دينا مضيعا، وحمى مستباحا، وتأثما من قول وسماع كلمة الحق، وخشية من الصدع بها بين الأنام، فشابهت هذه الأمة بفعالها ما حذرها ربها في كتابه صنيع من سبقها من الأمم، وشابه علماؤها علماءهم، حذو القذة بالقذة، فتعددت صور الجاهلية في زماننا، وتفاقم شرها وتسلط وتجبر أتباعها، وإن هذه الأدواء في جسد الأمة لهي كفيلة في استجلاب البلاء وتفاقم اللأواء وتسلط الأعداء، ولن يكون خلاص أهل الإسلام إلا بالتوبة الصادقة، والرجوع والخضوع إلى الخالق جل وعلا، والتزام أمره واجتناب نهيه بتحقيق التوحيد ونبذ الشرك وسد الذرائع المفضية إليه، والاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتمسك بهما علما وعملا، تدبرا وفهما كفهم سلف هذه الأمة من الصحابة الأخيار، ومن تبعهم بإحسان، ففي ذلك النجاة والفلاح في الدارين، وقد بين لنا ربنا جل وعلا أن الكتاب والسنة عصمة من الكفر والتفرق لمن تمسك بهما، قال سبحانه: {وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات اللّه وفيكم رسوله ومن يعتصم باللّه فقد هدي إلى صراطٍ مستقيمٍ (101) ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون (102) واعتصموا بحبل اللّه جميعًا ولا تفرّقوا واذكروا نعمت اللّه عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار فأنقذكم منها كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تهتدون} [آل عمران: 101 - 103] ونهانا ربنا وحذرنا من التفرق والاختلاف فقال:{ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذابٌ عظيمٌ} [آل عمران: 105]، وفي الحديث الصحيح (عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا. فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا. ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال).

أيها المسلمون تمر علينا أيام من أيام الله التي يميز فيها سبحانه الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب، والدعي وصاحب الدعوى، ولا زال أبناء الإسلام بفضل الله ومنه في دولة الخلافة يقفون موقف الثبات متوكلين على ربهم متجردين من حولهم وقوتهم في وجه أحلاف الكفر من صليبيين ويهود وملاحدة ومرتدين ومجوس، وقد كسروا أجفان سيوفهم وأسرجوا خيولهم، وكمنوا لأعدائهم وقعدوا لهم كل مرصد، فما أصغوا للائم جبان أعياه شظف العيش ووعورة الطريق وشدة الأهوال، وما تخلوا عن نهج ارتضوه طاعة لله سلكوه، وهم على يقين أن هذا الأمر دونه سيل من الدماء، وتكالب الأعداء، وعظيم البلاء من أسر وكسر وبتر، وعاقبته الفتح والتمكين بإذن الله لعباده الموحدين المتقين، قال ربنا الحكيم الخبير سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]. وأخبرنا سبحانه أن التمحيص كائن لا محالة فقال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، وقال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157] وقال عز شأنه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142] وقال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31]، قال الإمام الطبري في تأويل هذه الآية: ولنبلونكم أيها المؤمنون بالقتل وجهاد أعداء الله حتى نعلم المجاهدين منكم يقول: حتى يعلم حزبي وأوليائي أهل الجهاد في الله منكم وأهل الصبر على قتال أعدائه فيظهر ذلك لهم ويعرف ذوو البصائر منكم في دينه من ذوي الشك والحيرة فيه وأهل الإيمان من أهل النفاق ونبلو أخباركم فنعرف الصادق منكم من الكاذب. انتهى كلامه رحمه الله.

وإن ميزان النصر أو الهزيمة عند المجاهدين أهل الإيمان والتقوى ليس مرهونا بمدينة أو بلدة سلبت، وليس خاضعا لما يملكه المخلوقون من تفوق جوي أو صواريخ عابرة أو قنابل ذكية، ولا لكثرة الأتباع والأشياع، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده وينصر من يشاء، وما من شيء إلا وربنا آخذ بناصيته، وما أكثر الناس ولو حرص كل مؤمن مجاهد مبلغ بمؤمنين، بل إن كفتي هذا الميزان خاضعة لما يملكه العبد من يقين بوعد ربه، وثبات على توحيده وإيمانه وإرادته الحقة في قتال أعداء الدين، وعدم النكوص أو النكول عن ذلك، فبهذا يزن أهل الإيمان تقلب الأحوال، فمتى تخلوا عن دينهم وصبرهم وجهاد عدوهم ويقينهم بوعد خالقهم هزموا وذلوا، ومتى تمسكوا به عزوا وانتصروا ولو بعد حين، فإن العاقبة للمتقين، فلا سبيل لإعزاز هذا الدين بعد توحيد الله والإيمان به إلا بالقتال وحب الاستشهاد في سبيله، ومراغمة أعدائه من الكفرة المجرمين في كل موطن، فبذلك يقام الدين وتنصر الملة، فربنا الحكيم الخبير سبحانه يمن على عباده المؤمنين بالنصر أحيانا، ويبتليهم أحيانا أخرى، فيحرمهم من هذه النعمة، ويذيقهم طعم الابتلاء لحكم يقدرها ويعلمها، وقد عد ابن القيم رحمه الله نبذا من هذه الحكم فقال:

منها: أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب فإن المسلمين لما أظهرهم الله على أعدائهم يوم بدر وطار لهم الصيت دخل معهم في الإسلام ظاهرا من ليس معهم فيه باطنا فاقتضت حكمة الله عز وجل أن سبب لعباده محنة ميزت بين المؤمن والمنافق فأطلع المنافقون رؤوسهم في هذه الغزوة -يعني أحد- وتكلموا بما كانوا يكتمونه وعاد تلويحهم تصريحا وانقسم الناس إلى كافر ومؤمن ومنافق انقساما ظاهرا وعرف المؤمنون أن لهم عدوا في نفس دورهم، وهو معهم لا يفارقونهم فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم.

ومنها: لو نصر الله سبحانه وتعالى المؤمنين دائما وأظفرهم بعدوهم في كل موطن وجعل لهم التمكين والقهر لأعدائهم أبدا لطغت نفوسهم وشمخت وارتفعت فلو بسط لهم النصر والظفر لكانوا في الحال التي يكونون فيها لو بسط لهم الرزق فلا يصلح عباده إلا السراء والضراء والشدة والرخاء والقبض والبسط فهو المدبر لأمر عباده كما يليق بحكمته إنه بهم خبير بصير.

ومنها: استخراج عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء فيما يحبون وفيما يكرهون وفي حال ظفرهم وظفر أعدائهم بهم فإذا ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يحبون وما يكرهون فهم عبيده حقا وليسوا كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء والنعمة والعافية.

ومنها: أنه إذا امتحنهم بالغلبة والكسرة والهزيمة ذلوا وانكسروا وخضعوا فاستوجبوا منه العز والنصر فإن خلعة النصر إنما تكون مع ولاية الذل والانكسار قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123]، وقال: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 25]، فهو سبحانه إذا أراد أن يعز عبده ويجبره وينصره كسره أولا ويكون جبره له وانكساره له ونصره على مقدار ذله وانكساره.

ومنها: أن الله سبحانه هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لم تبلغها أعمالهم ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه كما وفقهم للأعمال الصالحة التي هي من جملة أسباب وصولهم إليها.

ومنها: أن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغيانا وركونا إلى العاجلة وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والدار الآخرة فإذا أراد بها ربها ومالكها وراحمها كرامته قيض لها من الابتلاء والامتحان ما يكون دواءً لذلك المرض العائق عن السير الحثيث إليه فيكون ذلك البلاء والمحنة بمنزلة الطبيب يسقي العليل الدواء الكريه ويقطع منه العروق المؤلمة لاستخراج الأدواء منه ولو تركه لغلبته الأدواء حتى يكون فيها هلاكه. ومنها: أن الشهادة عند الله من أعلى مراتب أوليائه الشهداء هم خواصه والمقربون من عباده وليس بعد درجة الصديقية إلا الشهادة وهو سبحانه يحب أن يتخذ من عباده شهداء تراق دماؤهم في محبته ورضائه ويؤثرون رضاه ومحابَّه على نفوسهم ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها من تسلط العدو. انتهى كلامه رحمه الله.

فيا أيها الموحدون المجاهدون المرابطون، يا أبناء الإسلام وحملة لوائه في زمن الغربة، خذوا الكتاب بقوة، واقبضوا على جمر التكاليف، واقتفوا أثر الرسل والأنبياء والصديقين: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: 39] وقد قص لنا ربنا في كتابه العزيز من قصصهم ما فيه مدكر، وذكر لنا حال أقوامهم ومقالهم تسلية لكل من سار على درب من هدى الله، ليقتدي بهم ويستمسك بما استمسكوا به واعتصموا، فهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم نبي الملحمة والمرحمة يعلم أمته، ويهب للأجيال المتعاقبة أسفارا من التضحية والبذل والفداء ليستن به من خلفه ويسير على نهجه القويم وصراط الله المستقيم، فقد شج وجهه صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته، وقتل عمه وأصحابه وأحبابه، وآذاه أهل الإفك، وأصابه والصحابة الكرام الجوع والعناء حتى زلزلوا زلزالا شديدا، وحل بهم من الكرب والضيق طوال سيرته ودعوته ما قضى الله وقدر لأهل الإيمان والتقوى،( روى البخاري في صحيحه عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون).

قال صاحب المدارج: ولما كان طالب الصراط المستقيم طالب أمر أكثر الناس ناكبون عنه مريدا لسلوك طريق مرافقه فيها في غاية القلة والعزة والنفوس مجبولة على وحشة التفرد وعلى الأنس بالرفيق نبه الله سبحانه على الرفيق في هذه الطريق وأنهم هم الذين {أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] فأضاف الصراط إلى الرفيق السالكين له وهم الذين أنعم الله عليهم، ليزول عن الطالب للهداية وسلوك الصراط وحشة تفرده عن أهل زمانه وبني جنسه وليعلم أن رفيقه في هذا الصراط هم الذين أنعم الله عليهم فلا يكترث بمخالفة الناكبين عنه له فإنهم هم الأقلون قدرا وإن كانوا الأكثرين عددا كما قال بعض السلف: عليك بطريق الحق، ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل، ولا تغتر بكثرة الهالكين وكلما استوحشت في تفردك فانظر إلى الرفيق السابق واحرص على اللحاق بهم وغض الطرف عمن سواهم فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت إليهم فإنك متى التفت إليهم أخذوك وعاقوك" انتهى كلامه. فهنيئا لكل متبع ومقتف لمن أنعم الله عليهم يلقى ما لاقوا ويصبر كما صبروا حتى يرد الحوض غير مبدل ولا مغير. قال أبو الوفاء ابن عقيل رحمه الله: إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بـ (لبيك)، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة

وقال إمام الدعوة النجدية رحمه الله: فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله والمعاداة في الله والموالاة في الله ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء لم يكن فرقان بين الحق والباطل ولا بين المؤمنين والكفار ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، انتهى كلامه.

يا أهل الإسلام، لقد ظن الصليبيون وعلى رأسهم أمريكا أن هذه الأمة خداج لا عقب لها يخشى منه ويتقى في هذا الزمان، وتخال بإهلاكها الحرث والنسل في حربها المسلمين أنها ستجهض أمل المجاهدين المتقد في صدورهم، ولو نظر المتجرد للحقيقة لأدرك ما آلت إليه حامية الصليب أمريكا بعد دخولها ساحة الصدام المباشر مع أبناء الإسلام لما يقرب عقدين من الزمان فها هي بفضل الله ومنه تعيش أسوأ مرحلة تمر بها في تاريخها المعاصر كما يصرح بذلك ساستها وكبراؤها، وحالا مؤذنة بزوالها بإذن الله، بل وما عادت تخفي تلمظها على ما أنفقت من أموال طائلة لم تجن من ورائها سوى الحسرة والندامة، فمع اتساع رقعة الجهاد، ومسعاها الحثيث لتحجيمه وكفه عن التمدد والانتشار ازدادت وتيرة استنزافها في بؤس وشقاء تكابده أمرين، وما العقوبات التي تفرضها على حلفاءها وتدندن حولها اليوم كما في المشهد التركي، وطلبها الإفراج عن القس الصليبي ومجابهة طلبها بالرفض، وسعي الروس والإيرانيين للتمرد وعدم الانصياع لما تمليه عليهما من عقوبات، بل وحتى كوريا الشمالية تبدي عدم التزامها وتصف أسلوب أمريكا المتبع بسياسة العصابات إلا علامة انكفاء وتدن عما كانت عليه وازدراء متعمد من الحلفاء لما يرونه من ضعفها، وإن للمجاهدين بعد الله الفضل فيما ألم بها من كسر لهيبتها وهوانها، فلا اعتبار بزهوها وما تتشدق به من نصرها المزعوم بإخراج الدولة من المدن والأرياف في العراق والشام، فأرض الله واسعة والحرب سجال، وما وضعت أوزارها، وكان الأجدر والأولى بها وبأكابر مجرميها أن يدسوا رؤوسهم في التراب، ويستروا سوآتهم عن العيان بعد أن أباد الله على أيدي عباده المجاهدين المستضعفين في العراق ما أنشأته من الفرق والألوية والكتائب طوال عشر سنين أو تزيد، حتى ألجأها المجاهدون للتملق والتزلف للمليشيات والأحزاب الرافضية الإيرانية في العراق، فشب المستنجد به عن الطوق، حتى وصل قادة هذه المليشيات إلى سدة الحكم، وأصبحت تقلب كفيها تندب حظها فهذا حالها ومقالها، لقد أفشل المجاهدون بتوفيق الله ومنه ما كانت تحلم به أمريكا من السيطرة وبسط النفوذ، حتى أقبلت روسيا الصليبية تزاحمها في المنطقة، وتنكد عليها استفرادها بها، وإنا في دولة الإسلام قد أعددنا لكم يا حماة الصليب وقتلة أهل السنة على أرض الشام وكل مكان ما سينسيكم بإذن الله أهوال العراق وخراسان، وما انطفأ لهيب المعركة فيهما، ولن ينطفئ بحول الله وقوته، فالأيام بيننا يا عباد الصليب.

فيا أهل السنة في الشام، لقد تهاوى الأدعياء، وانكشفت سوءة المبطلين المأجورين من وقفوا في وجه المجاهدين وأخروا الجهاد لسنين، فمنذ أن هب أبناء دولة الإسلام نصرة لكم وذبا عن الحرم، كان همهم الأكبر أن يجنبوكم قدر الاستطاعة ما تلقونه اليوم من عناء على مرأى ومسمع العالم أجمع، فإن التاريخ يعيد نفسه، وقد حذرناكم سيرة الصليبيين فيمن سلف من فصائل الصحوات ومرتدي العشائر في العراق، وكيف تركوهم يلقون مصيرهم بأنفسهم، ويمسوا بين مطرقة المجاهدين وسندان الرافضة، فها هي صحوات الشام تلقى المصير نفسه، والقدر المحتوم على كل من سلك غير سبيل المؤمنين، وظل رهن إشارة الصليبيين، وباع آخرته ودنياه بدنيا غيره، فيا جندي فصائل الصحوات في الشام، أما آن لك أن تدرك ما يجري حولك؟!، وإلى أي حال يقودك قادتك وجلاوزة فصيلك؟!، لقد خدعوك وأغروك بنصرة أهل السنة في الشام بعد أن ادعو مفارقة ومنابذة الطاغوت النصيري، واليوم يصالحونه ويقفون معه صفا واحدا في قتال دولة الخلافة كما جرى في حوض اليرموك وبادية السويداء، فأين عقلك يا جندي الصحوات؟!، أين قلبك إذ عمي بصرك؟!، انظر مليا وتفكر فقد وضح الأمر وانكشف الغطاء!، أين شرع الله وتطبيق أحكامه فيما يسمونه المحرر الذي بات يسلم للنصيرية وإيران والروس دون قتال يذكر؟!، فاعلم على أي شيء تقاتل، نعم على أي شيء تقاتل؟!، وقد أضحيت ممن يزهق نفسه تحت راية عميه جاهلية!، (روى الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية) حتى وإن زخرفها دعاة جهنم وحسنوها لك فعجبا لك!، أخرجت ليحل طاغوت علماني مكان طاغوت نصيري؟!، ألهذا نفرت؟!، ألهذا هاجرت يا من هاجرت؟!، أو بهذا يستجلب النصر وتستنزل الرحمات، واللطف وتفريج الكربات؟!، كلا والله ما كان هذا سبيل أصحاب الدعوات، فتب إلى ربك مما أوقعوك فيه من الردة، وأَقبل، وكن عونا ونصيرا لدولة الإسلام التي ما تركت بفضل الله ومنه لعدوها أرضا يحفل بها إلا بعد قتال مرير وخسائر لا تعد ولا تحصى، وإن مما يدمي القلب، ويحز في نفس كل مسلم غيور على دينه وأمته ماحل بالغوطة الشرقية وجنوب دمشق من تهجير أهلها واستباحة أرضها، وما آلت إليه أرض حوران، وكيف أن فصائل الردة أسلمت الديار، وعاد كثير من الخونة المرتدين إلى سالف عهدهم بعد أن أنجزوا المهام الموكلة إليهم، وحالوا دون المجاهدين وعدوهم من النصيرية والروافض المشركين، فماذا جنت فصائل الردة في حوران بعد أن نفض داعموها أيديهم عنها؟، وإن ما فعله هؤلاء المرتدون الخونة وصمة عار لا تمحى وإن تقادى بها العهد والزمان، وهل خفي عن ناظري كل متابع أكوام الأسلحة خفيفها ومتوسطها وثقيلها وهي تسلم للنصيرية يدا بيد؟!، وها هي إدلب اليوم على شفا جرف هار يطالها قصف الروس والنصيرية يرومون اقتحامها، ولا زال هؤلاء الخونة من فصائل الذل والعار يؤدون الدور نفسه عبر تحشيدهم الإعلامي، وما انفك الناس يصدقونهم، ويبنون عليهم الآمال في دفع صيال النصيرية، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وفي مقابل ذلك رأى الجميع بفضل الله ومنه ثبات جنود الخلافة في جنوب دمشق رغم ضعف تسليحهم وقلة عتادهم إلا أنهم سعوا في دفع صيال عدوهم، ونحسبهم والله حسيبهم قد استنفذوا الوسع والطاقة في ذلك، حتى نفد ما بأيديهم، وما عاد سقف يؤويهم فانحازوا إلى إخوانهم، وما وضعوا السلاح عن كواهلهم، فهم إلى اليوم في جهاد عدوهم، وهذا شاهد حي كفيل بأن يميز به المسلم بين من يذب عن أمته ويذود عن حياض المسلمين، ومن يتاجر بدماء المسلمين ويقتات عليها!، حتى رميت الدولة بالتهور والجنون وعدم الحنكة والسياسة واستعداء الأعداء، وكأن بلاد المسلمين ليست سليبة محتلة من الصليبيين منذ قرون!، وجهل شانئوا الدولة ومبغضوها أن خالقنا جل وعلا قد أعلى شأن أمة الأخدود في كتابه العزيز، وأكرمها بجنة عرضها السماوات والأرض، وسماه الفوز الكبير، لثبات تلك الأمة على دينها، وعدم تخليها عن توحيد ربها، وما رضخت لطاغوت ذليل حقير سامها العذاب في الدنيا، ومن نافلة القول أن يعلم كل مجاهد في هذا الزمان أنه من غير ثبات طائفة الإيمان ومجابهتها آلة العدو الضخمة الهائلة حتى وإن أفضى ذلك لاصطلامها فلن تحيا هذه الأمة ولن يقوم للإسلام دولة، فلا بد من طليعة تضحي وتكون القنطرة التي تعبر الأمة من خلالها إلى ميادين العزة والكرامة،

وإن دولة الخلافة باقية بإذن الله ما بقيت متمسكة بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، تنصر دين الله وتقاتل أعداءه، وتسعى في مرضاته وإن اجتمع عليها من بأقطارها، فاعلموا يا أهل السنة في الشام أنه لا خيار لكم إن أردتم العيش أعزة كرماء إلا بالرجوع إلى دينكم وجهاد عدوكم، فإن العبرة ليست بحمل السلاح وحده، وإنما بتحقيق التوحيد وتجريد عقيدة الولاء والبراء، وعدم القبول بغير حاكمية الشريعة والموت في سبيل تحقيق ذلك، ثم النهوض من جديد بفتح الجبهات ومنابذة هدن الذل والعار التي أسلمت فصائل الردة بموجبها مناطق أهل السنة، وكانت عونا للصليبيين والنصيرية المعتدين في توحيد جهودهم لحرب دولة الخلافة في العراق والشام، وهذا أمر معلن غير خفي، ولطالما حث قادة الصليب على توحيد الجهود في حرب الدولة الإسلامية، فإن حربهم اليوم حرب إبادة شاملة لأهل السنة لا تستهدف حسر نفوذ الدولة فحسب، وقد أدركوا منذ عهد ليس بالقريب أن السنة هم الخطر الحقيقي، ولا بد من استئصاله، فمنهم الحذر والخوف دائما، فأفيقوا يا أهل السنة، فمن مد طوق النجاة للرافضة الأنجاس بعد أن كاد المجاهدون أن يقضوا على توسعهم في المنطقة؟ سوى تحالف الصليب، وحكومات الردة والعمالة، وعلى رأسها آل سلول وإمارات الردة والخراب والإفساد بأموالهم ومقدرات بلدانهم، يا أهل السنة في العراق والشام وكل مكان، يا أهل السنة، السلاح السلاح، اطلبوا الموت توهب لكم الحياة، فإن من قتل في الحروب مدبرا أكثر بكثير ممن قتل مقبلا!، والحقوا بركب الخلافة في العراق والشام واليمن وسيناء وخراسان وليبيا وغرب إفريقية ووسطها وشرق آسيا والقوقاز وغيرها من الولايات، فقد عزم أبناء الإسلام أن لا يضعوا السلاح، وأن لا ينعم الصليبيون وأذنابهم بطيب عيش ومقام حتى يحكم الله بينهم وبين عدوهم ويقضي أمرا كان مفعولا، قال ربنا تبارك وتعالى: } كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوْا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُوْا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌ لَكُمْ واللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُوْنَ{ ]البقرة: 216[ قال ابن القيم: ففي هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب والمحبوب قد يأتي بالمكروه لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة لعدم علمه بالعواقب فإن الله يعلم منها ما لا يعلمه العبد وأوجب له ذلك أمورا

منها: أنه لا أنفع له من امتثال الأمر وإن شق عليه في الابتداء لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات ولذات وأفراح وإن كرهته نفسه فهو خير لها وأنفع وكذلك لا شيء أضر عليه من ارتكاب النهي وإن هويته نفسه ومالت إليه فإن عواقبه كلها آلام وأحزان وشرور ومصائب وخاصية العقل تحمل الألم اليسير لما يعقبه من اللذة العظيمة والخير الكثير واجتناب اللذة اليسيرة لما يعقبها من الألم العظيم والشر الطويل،

ومن أسرار هذه الآية: أنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور والرضى بما يختاره له ويقضيه لما يرجو فيه من حسن العاقبة،

ومنها: أنه لا يقترح على ربه ولا يختار عليه ولا يسأله ما ليس له به علم فلعل مضرته وهلاكه فيه وهو لا يعلم فلا يختار على ربه شيئا بل يسأله حسن الاختيار له وأن يرضيه بما يختاره فلا أنفع له من ذلك.

ومنها: أنه إذا فوض أمره إلى ربه ورضي بما يختاره له أمده فيما يختاره له بالقوة عليه والعزيمة والصبر وصرف عنه الآفات التي هي عرضة اختيار العبد لنفسه وأراه من حسن عواقب اختياره له مالم يكن ليصل إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه.

ومنها: أنه يريحه من الأفكار المتعبة في أنواع الاختيارات ويفرغ قلبه من التقديرات والتدبيرات التي يصعد منها في عقبة وينزل في أخرى ومع هذا فلا خروج له عما قدر عليه فلو رضي باختيار الله أصابه القدر وهو محمود مشكور ملطوف به فيه وإلا جرى عليه القدر وهو مذموم غير ملطوف به فيه لأنه مع اختياره لنفسه ومتى صح تفويضه ورضاه اكتنفه المقدور مع العطف عليه واللطف به فيصير بين عطفه ولطفه فعطفه يقيه ما يحذره ولطفه يهون عليه ما قدره إذا نفذ القدر في العبد كان من أعظم أسباب نفوذه تحيله في رده فلا أنفع له من الاستسلام وإلقاء نفسه بين يدي القدر طريحا كالميتة فإن السبع لا يرضى بأكل الجيف. انتهى كلامه رحمه الله.


يا أهل السنة في جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم أين أحفاد الصحابة فيكم؟، أين غيرتكم على دينكم وأمتكم؟، أين مروءتكم وشهامتكم؟، أما ترون حال أهل السنة في العراق والشام واليمن؟!، أو تظنون أنكم بمنأى عما يلاقيه أهل الإسلام من الكرب والبلاء؟!، ثبوا من رقادكم وسكرتكم وانفضوا غبار الذل عنكم، فما عاد طغيان وكفر دولة آل سلول قبحهم الله بخاف حتى على صبيانكم، وقد عزموا على تغريبكم وعلمنتكم في حملة ممنهجة سعيا لإكفاركم، وتدمير منهج أهل السنة والجماعة على أرضكم، يا أحفاد الفاتحين حطموا حاجز الخوف المتوهم في نفوسكم، ولا تعولوا على أشباه الرجال ممن يسمون بالعلماء، فقد باعوا دينهم لهذا الطاغوت وأرخصوا الأعراض إرضاءً لنزواته وشهواته، وخدروكم بدعوى الأمن الزائف على أرضكم وخوف الفتنة والقتل، إن الفتنة الشرك، إن الفتنة أن يقتل أبناؤكم على غير ملة الإسلام في سبيل نصرة الطاغوت والوطنية، إن الفتنة أن تنطلق طائرات القتل والدمار من أرضكم يقودها أبناؤكم وبفتاوى القتلة المجرمين بلاعمة العصر، لتقصف مدن وبلدات أهل السنة في العراق والشام وتسويها بالأرض نصرة وإعانة للصليبيين، وتمكينا للنصيرية والرافضة وملاحدة الأكراد من رقاب أهل السنة، ومن منا لم يسمع بدعم الملاحدة الأكراد بمئة مليون دولار كما صرحوا بذلك؟ وبدعمهم اللامحدود لرافضة العراق أما في جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم من يقف في وجه هؤلاء المرتدين السفهاء؟!، انهضوا يا آساد النزال في الحجاز ونجد والبحرين، وأعدوا العدة، وجهزوا السرايا وعبئوا الكتائب، واستعينوا بالله لخلع هؤلاء المرتدين الخونة، أحفاد أبي رغال، الذين طال شرهم ومكرهم بأهل السنة في كل مكان، وأبوا إلا أن يكونوا العين الساهرة للصليبيين، واليد الباطشة بالمسلمين اليوم، فإنه لا صيانة للدين والعرض من دون دم مهراق وقلب للآخرة تواق.

ويا أهل السنة في الأردن ألأجل رغيف خبز تضجون؟!، وحكم الله وشرعه في أرضكم مضيع مبدل قد عفا رسمه فلا يرى؟!، كفاكم جريا خلف السراب واكفروا بالأحزاب، فإن صلاح الحال لن يكون إلا بخلع هؤلاء الطواغيت الجاثمين على البلاد، وبإقامة شرعة رب العباد، فأقبلوا على ربكم ودينكم، أين أصحاب العزمات منكم كفوارس السلط والفحيص وليوث الكرك والزرقاء وإربد ومعان؟!، أين الأنجاد؟!، أين أهل الشداد؟!، ليفهموا ذنب الروم وكلب اليهود من هم أبناء الإسلام، من هم المجاهدون فإن للموحدين ثأرا قد أقسموا برب البيت أن لا يضيعوه، وإن غدا لناظره لقريب.

واعلموا يا أهل الإسلام، أن النصر والتأييد بيد الله وحده: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160] ، قال الإمام الطبري في تفسيره: "فَلَا غَالِبَ لَكُمْ" من الناس، يقول: فلن يغلبكم مع نصره إياكم أحد ولو اجتمع عليكم من بين أقطارها من خلقه فلا تهابوا أعداء الله لقلة عددكم وكثرة عددهم ما كنتم على أمره واستقمتم على طاعته وطاعة رسوله؛ فإن الغلبة لكم والظفر دونهم، فاستنزلوا النصر من الله وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا.

ويا عشائر أهل السنة في العراق، لقد رأيتم بأس المجاهدين وقوتهم، ولم تغن عنكم استجداءاتكم ونداءاتكم المتوالية لمعممي الرافضة شيئا، وأصبح المحارب المرتد منكم يؤخذ على حين غرة وفي وضح النهار من بيته ليلقى حتفه رغم أنفه، وبلغ بكم الحال أن تطلبوا العون من دولة المجوس إيران فعجبا لكم عجبا!، أين غيرتكم ومروءتكم؟!، أين نخوتكم؟!، أما يستنهض نفوسكم ويشجيها مرأى وأنين نساء أهل السنة في سجون الرافضة ومخيمات التهجير والشتات؟!، فتوبوا وأوبوا إلى ربكم، فهذا ما نُؤمله ونرجوه، وإنا لنقبل توبة من تاب قبل القدرة عليه، فلا تكونوا وقود معركة خاسرة تطيلون أمدها بدماء أبناءكم، وينعم الرافضة المجوس آمنين يتحينون ساعة الحسم لينقضوا عليكم كما فعلوا بأسلافكم من الصحوات، ففيما لقيه أولئك عظة لكم وعبرة فأفيقوا من غيكم، وعودوا لرشدكم وانصروا دولة الإسلام، وادخروا بأسها للذب والذود عنكم ذلك خير لكم.
يا أجناد الخلافة في العراق والشام وخراسان واليمن وشرق آسيا وغرب إفريقية ووسطها والصومال وليبيا وسيناء ونجد والحجاز وتونس والجزائر والقوقاز وكشمير يا جنود الإسلام وحملة لوائه يا ليوث الغاب وأسد الميدان، ضعوا نصب أعينكم قول ربكم: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: 36 - 38] وقوله سبحانه: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 139، 140] فاسعوا للنصر مجتهدين باذلين، واطلبوا الشهادة صابرين محتسبين، وتوكلوا على من بيده ملكوت كل شيء، وارجوه العون والسداد والهداية والرشاد، وواصلوا المسير، فهذا طريق الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام هجرة وقتال دماء وأشلاء ولا يهولنكم أو يغرنكم كثرة المنتكسين أو المخذلين والمخالفين، والزموا غرز الجماعة، وإياكم والاختلاف على أمراءكم، وليحفظ كل امرئ منكم ثغره ولا يؤتين الإسلام من قبله فالطبيب والإعلامي والقاضي والدعوي والمحتسب والأمني والإداري كل في جهاد وجلاد وصبر واحتساب، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، واحذروا ممن يريد أن يحرش بينكم وبين أمراءكم، ويحيي الضغائن ودعوى الجاهلية بين أظهركم، وعضوا بالنواجذ على وصية نبيكم صلى الله عليه وسلم حين( قال: وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: بالجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية، فهو من جثاء جهنم " قالوا: يا رسول الله، وإن صام، وإن صلى؟ قال: وإن صام، وإن صلى، وزعم أنه مسلم، فادعوا المسلمين بأسمائهم بما سماهم الله عز وجل المسلمين المؤمنين عباد الله عز وجل).

وأبشروا بالمعية والتأييد، وإن قل الناصر والمعين، (ففي صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك).

يا جنود الإسلام وأبناء الخلافة في الشام في البركة ودمشق والرقة والخير وإدلب وحلب ثقوا بوعد الله ونصره واستمسكوا بحبله المتين وكونوا رهبان الليل فرسان النهار، ثم أبشروا وأملوا خيرا، فإن مع الضيق فرجا ومخرجا، ولن يغلب عسر يسرين، فقد وثب أحفاد أبي بصير، ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهما، ليذيقوا الصليبيين والملاحدة المجرمين والنصيرية وصحوات الردة أجمعين شيئا من بأس الموحدين، فالمعركة بيننا وبينهم قد أوقد نارها من جديد، وسيشتد أوارها فلا قبل لهم بها بإذن الله، وقد أغرى الصليبيون النصيرية وملاحدة الأكراد وزجوا بهم في لهيب حرب طاحنة لن تبقي لهم رأسا ولا ذنبا، وظنوا أنهم قد حصروا الدولة في هجين وما حولها، فالأمر خلاف ما يحسبون ويظنون، فلن يهنؤوا بشبر من أرض الشام بحول الله وقوته، فالدولة ليست محصورة في هجين، فأبناء السنة كماة لا ينامون على ضيم، وتأبى نفوسهم عيش الذلة والصغار فقد ولى زمان القهر، وإرخاص دماء المسلمين والعبث بأشلائهم دون رادع، قد ولى زمن القيد والعبيد، والأيام حبلى بما يسوء أعداء الملة والدين وينغص عيشهم.

فيا أجناد العراق يا أهل الجلاد منكم مبتدأ الشرارة، فشنوا الغارة إثر الغارة، وإياكم والدعة والراحة، وابذلوا الوسع في رص الصفوف، ونظموا الكتائب لخوض الحتوف نغصوا على الرافضة والمرتدين عيشهم وأبيدوا خضراءهم، وأروا الله من أنفسكم خيرا ثأرا للدين ونصرة للمستضعفين في سجون الصفويين والمرتدين، فوالله ما نسيناكم يا إخواننا الأسرى وأخواتنا ولكم حق كبير علينا، ولن نألو جهدا في استنقاذكم، فاصبروا واثبتوا وأقبلوا على ربكم وخالقكم بكثرة الدعاء وألحوا في الطلب واسألوه أن يفتح على إخوانكم وييسر لكم فرجا عاجلا ومخرجا قريبا، فصابروا مر الألم بحلو اليقين والوحشة بذكر الله والأنس بكتابه حفظا وتدبرا وفهما فهذا زاد المتقين، وليأتين ذلك اليوم الذي تقتصون فيه من جلاديكم، ولكم علينا أن تروا من إخوانكم ما يشف صدوركم، ويجبر كسر قلوبكم بإذن الله، فلا خير في عيش يذل فيه أهل السنة وتستباح حرماتهم، ونبكي قاعدين مثل النساء!، فلن يرى الروافض الأنجاس منا إلا الشدة والبأس.

وأما أنتم يا أنصار الخلافة في كل مكان في الإعلام والميدان، نبشركم بأن الدولة بخير حال لأنها ترجوا ما عند الله وما عند الله خير وأبقى، ولا يروعنكم حملة التضليل والتشويه المتعمدة، وقد سخر لها أعداء الله المراكز والهيئات وعددا ليس بالقليل من الرويبضات، فإياكم يا آساد البلاغ وفرسان الإعلام إياكم أن تستقوا الأخبار وتأخذوها من غير إعلام الدولة المركزي، فجددوا العهد وابذلوا المزيد وخذلوا عن دولتكم، فإن المعركة اليوم في ساحتكم وقد كفيتم غيرها وإخوانكم في شغل فكونوا لهم ردءا وعونا ونصيرا، ونبارك للأسد الضارية في بلدان الصليب في كندا وأوربا وغيرها جميل صنيعهم نصرة لإخوانهم، ألا بارك الله مسعاكم، وتقبل حسن بلائكم، فسيروا يا أنصار الخلافة في إثرهم، أعدوا من الميسور وتوكلوا على العلي القدير، واضربوا ضربا يخلع القلوب ويطير بالألباب، فطلقة خارقة أو طعنة في الأحشاء غائرة أو تفجير ناسفة في أرضكم تعدل ألف عملية عندنا، ولا تهملوا الدهس في الطرقات، فخذوا لحربكم أهبتها ليصلى الصليبيين والمرتدين لهيبها، وأذكركم يا جنود الخلافة وأنصارها في هذه الأيام المعدودات أن تدركوا ما فات وأن تحيوا سنة قتل الجعد بن درهم، وتضحوا بكل علماني وملحد ومرتد محارب لله ورسوله، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، واللهُ غالب على أمره ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 145 الافتتاحية: وبشر الصابرين فلا والله ما كانت ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 145

الافتتاحية: وبشر الصابرين


فلا والله ما كانت الدعوات يوماً طريقاً مفروشة بالورود والرياحين، إن ثمن الدعوات باهظ، وثمن نقل المبادئ إلى أرض الواقع كثير من الأشلاء والدماء، ولن يوقد سراج الفجر في هذه الظلماء إلا المجاهدون والشهداء.

جمل يسيرة فيها من المعاني الكثير نطق بها من أيقن بموعود الله عز وجل وبشاراته، الشيخ أبو مصعب الزرقاوي تقبله الله.

فصبر وثبت جنوده من بعده فصارت أجسادهم حجر الأساس لقيام دولة الخلافة، فدفعوا ثمن هجرتهم وجهادهم ببذل دمائهم نصرة لدين الله عز وجل وإعلاء لكلمته.

ورغم استعار لظى الحرب وشدة أهوالها إبان الاحتلال الأمريكي للعراق فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا نحسبهم والله حسيبهم، فاستمروا بمقارعة الحملات العسكرية الصليبية وإفشال مكائدها وعقلوا أن الطريق محفوف باللأواء والشدائد والمتاعب، فلابد للسائر من عدة الصبر، والتي بغيرها لا يستطيع إكمال المسير وتحصيل النعيم المقيم في نهايته.

فكان جزاء صبرهم على ما أصابهم من القتل والجراح وعلى ما ابتلوا به من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، أن ينالوا البشارات من رب الأرض والسماوات، وصلوات من ربهم ورحمة وعدُّوا من المهتدين كما نحسبهم.
{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 154 - 157]

وما يمر به جنود الخلافة اليوم مر به إخوانهم من قبلهم في الماضي القريب والبعيد ممن انتهجوا نهجهم وساروا على دربهم في طريق الحق، فرزق الله الثابتين الموقنين، بنصر لم يكن في حسبانهم جزاء صبرهم وثباتهم، حتى أعلنوا قيام الخلافة على منهاج النبوة ثم مضت سنة الله تعالى، بالتمحيص والابتلاء في كل مرحلة من مراحل النصر والتمكين، فالأجر على قدر المشقة وكذا النصر والتمكين على قدر الابتلاء والتمحيص.
فالعداوة والبغضاء والصراع مع ملل الكفر وأهل الباطل مستمرة، قائمة باقية لقيام الساعة، ولا يضر الطائفة المنصورة إن غلبت الكفة لعدوهم في زمن من الأزمان، فالعبرة في الاستمرار بمحاربتهم وقتالهم وإزهاق أرواحهم {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] فيصبر أهل الحق ويثبتون وتنقلب محنتهم إلى منحة ثم يبدلهم الله بعد خوفهم أمنا.

قال خباب بن الأرت "رضي الله عنه": شكونا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا ؟، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: كان الرجل فيمن قبلكم، يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) [رواه البخاري] فانظر كيف ذكر رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بثبات من قبله على أمر الله، وانظر بعد هذا الحديث بسنوات يسيرة كيف مكن الله لرسوله "صلى الله عليه وسلم" في المدينة وأقام دولة ما لبثت غير قليل حتى أسقط الله على أيدي فرسانها أصحاب رسول الله دولة فارس والروم.

عندما صبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة جزعت على ميت لها فلم تصبر من الوهلة الأولى ثم جاءت معتذرة بعد ذلك فقال لها عليه الصلاة والسلام (إنما الصبر عند أوّل صدمة).

فالصبر وقت المحنة لا بعدها والثبات وقت الشدة لا حين تذكرها بعد أن تنجلي، فلستم أول من سار على طريق الحق ولن تكونوا آخرهم بإذن الله، فاصبروا وستحصدون بإذن الله بصبركم وثباتكم عما قريب نصرا وتمكينا.

فيا جنود خليفة المسلمين وأمير المؤمنين الشيخ أبو بكر البغدادي حفظه الله كونوا كما أوصاكم أميركم في كلمته "وبشر الصابرين" وأعينوا إمامكم بصبركم وثباتكم وجهادكم، وبإذن الله لن يخلفنا الله وعده، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 145
الخميس 19 ذو الحجة 1439 ه‍ـ
...المزيد

ثبات الصادقين من السنن الربانية فالتاريخ يعيد نفسه، ومنطق الأحداث عبر العصور لا يتغير؛ تتغير ...

ثبات الصادقين من السنن الربانية

فالتاريخ يعيد نفسه، ومنطق الأحداث عبر العصور لا يتغير؛ تتغير الأشخاص، ويتبدل اللاعبون، وتتطور الآلات، ولكن مسرح الأحداث ثابت، وقصة الصراع واحدة؛ حق يصارع باطلاً، وإسلام يحارب كفراً وجاهلية ونفاقًا يتدسس، وضعفاء خورة يُـمسكون العصا من الوسط، ينتسبون إلى أمتهم، ولكنهم يؤثرون دنياهم، وينتظرون سكون العجاج وانتهاء المعركة؛ لينحازوا إلى القوي، ويركبوا سفن الغالب، وبئس ما صنعوا.

وحدهم الربانيون يحملون الراية في زمن الانكسار، ويرفعون الجباه في زمن الاستخزاء، وتبحر هممهم عبر الأثير مسافرة إلى الخبير البصير، مقتدية بالبشير النذير -صلى الله عليه وسلم- غرباء تلفح وجوههم رياح الوحشة، وتدمى أقدامهم الحافية في صحراء ملتهبة بنار العداوات، تُـغلق دونهم الأبواب؛ فيستطرقون باب السماء؛ فيُـفتح لهم من روح الجِـنان ما يحيا به الجَنان، خالطتهم بشاشة الإيمان فلا يرتد أحد منهم سخطة لدينه ولو رمته الدنيا عن قوس واحدة .


• الأمير الشيخ أبو مصعب الزرقاوي -تقبله الله-
"وصايا هامة للمجاهدين والرد على المخذلين"
...المزيد

مقال: فضل العِلم وأهله (2) قال ابن قيم الجوزية في كتابه مفتاح دار السعادة، وهو يذكر وجوه فضل ...

مقال: فضل العِلم وأهله (2)


قال ابن قيم الجوزية في كتابه مفتاح دار السعادة، وهو يذكر وجوه فضل العلم وأهله:


• الوجه الثالث والخمسون:

أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بتبليغ العلم عنه، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو، قال قال رسول الله (بلِّغوا عني ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمِّدا فليتبوأ مقعدَه من النار)، وقال: (ليبلغ الشاهد منكم الغائب) روى ذلك أبو بكرة ووابصة بن معبد وعمار بن ياسر، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأسماء بنت يزيد بن السكن، وحجير وأبو قريع، وسرَّاء بنت نبهان، ومعاوية بن حيدة القشيري وعم أبي حُرَّة وغيرهم.

فأمر بالتبليغ عنه، لما في ذلك من حصول الهدى بالتبليغ، وله -صلى الله عليه وسلم- أجر من بلَّغَ عنه وأجر من قبل ذلك البلاغ، وكلما كثر التبليغ عنه تضاعف له الثواب، فله من الأجر بعدد كلِّ مبلَّغ وكلِّ مهتد بذلك البلاغ، سوى ماله من أجر عمله المختصِّ به، فكلُّ من هُدي واهتدى بتبليغه فله أجره، لأنه هو الداعي إليه.

ولو لم يكن في تبليغ العلم عنه إلا حصول ما يحبه -صلى الله عليه وسلم- لكفى به فضلا، وعلامة المحب الصادق أن يسعى في حصول محبوب محبوبه، ويبذل جهده وطاقته فيها، ومعلوم أنه لا شيء أحبُّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إيصاله الهدى الى جميع الأمة، فالمبلِّغ عنه ساع في حصول محابِّه، فهو أقرب الناس منه وأحبهم إليه، وهو نائبه وخليفته في أمته، وكفى بهذا فضلا وشرفا للعلم وأهله.


• الوجه الرابع والخمسون:

أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدَّم بالفضائل العلمية في أعلى الولايات الدينية وأشرفها، وقدم بالعلم بالأفضل على غيره.

فروى مسلم في صحيحه حديث أبي مسعود البدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم سلما أو سنا..،) وذكر الحديث.

فقدَّم في الإمامة بفضيلة العلم على تقدُّم الإسلام والهجرة، ولما كان العلم بالقرآن أفضل من العلم بالسنة لشرف معلومه على معلوم السنة قدَّم العلم به، ثم قدم العلم بالسنة على تقدم الهجرة، وفيه من زيادة العمل ماهو متميِّز به، لكن إنما راعى التقديم بالعلم ثم بالعمل، وراعى التقديم بالعلم بالأفضل على غيره، وهذا يدل على شرف العلم وفضله وأن أهله هم أهل التقدم إلى المراتب الدينية.


• الوجه الخامس والخمسون:

ما ثبت في صحيح البخاري من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه) وتعلُّم القرآن وتعليمه يتناول تعلُّم حروفه وتعليمَها، وتعلم معانيه وتعليمها، وهو أشرف قسمي تعلُّمه وتعليمه، فإن المعنى هو المقصود واللفظ وسيلة إليه..


• الوجه السادس والخمسون:

ما رواه الترمذي وغيره في نسخة عمرو ابن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لن يشبع المؤمن من خير يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة)، قال الترمذي هذا حديث حسن غريب، وهذه نسخة معروفة رواها الناس وساق أحمد في المسند أكثرها أو كثيرا منها، ولهذا الحديث شواهد.

فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- النَّهمة في العلم وعدم الشبع منه من لوازم الإيمان وأوصاف المؤمنين وأخبر أنَّ هذا لا يزال دأب المؤمن حتى دخوله الجنة.

ولهذا كان أئمة الاسلام إذا قيل لأحدهم إلى متى تطلب العلم؟ فيقول إلى الممات، قال نعيم بن حماد سمعت عبد الله بن المبارك رضي الله عنه يقول وقد عابه قوم في كثرة طلبه للحديث، فقالوا له: إلى متى تسمع؟ قال إلى الممات.

وقال الحسن بن منصور الجصَّاص قلت لأحمد بن حنبل رضي الله عنه الى متى يكتب الرجل الحديث؟ قال إلى الموت..

وقال عبد الله بن بشر الطالقاني أرجو أن يأتيني أمر ربِّي والمحبرة بين يدي، ولم يفارقني القلم والمحبرة. وقال حميد بن محمد بن يزيد البصري: جاء ابن بسطام الحافظ يسألني عن الحديث، فقلت له ما أشد حرصك على الحديث! فقال أو ما أحب أن أكون في قطار آل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقيل لبعض العلماء: إلى متى يحسن بالمرء أن يتعلَّم؟ قال ما حسنت به الحياة.

وسئل الحسن عن الرجل له ثمانون سنة: أيحسُن أن يطلب العلم؟ قال إن كان يحسن به أن يعيش.
• الوجه الستون:

أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى بطلبة العلم خيرا، وما ذاك إلا لفضل مطلوبهم وشرفه.
قال الترمذي حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن أبي هرون قال: كنا نأتي أبا سعيد فيقول: مرحبا بوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الناس لكم تبع، وإنَّ رجالا يأتونكم من أقطار الارض يتفقَّهون في الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا.

حدثنا قتيبة حدثنا روح بن قيس عن أبي هرون العبدي عن أبي سعيد الخدري، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يأتيكم رجال من قبل المشرق يتعلَّمون فإذا جاؤوكم فاستوصوا بهم خيرا) فكان أبو سعيد إذا رآنا قال مرحبا بوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي هذا حديث لانعرفه إلا من حديث أبي هرون العبدي عن أبي سعيد.

قال أبو بكر العطار قال علي ابن المديني قال يحيى بن سعيد: كان شعبة يضعِّف أبا هارون العبدي، قال يحيى: وما زال ابن عوف يروي عن أبي هارون حتى مات، وأبو هرون اسمه عمارة بن جوين.


• الوجه الحادي والستون:

قد تقدم أن العالم يستغفر له من في السموات ومن في الارض وقد رويت آثار عديدة عن جماعة من الصحابة في هذا المعنى: .. ومنها ما رواه فطر بن خليفة عن أبي الطفيل، عن علي: (ما انتعل عبد قط ولا تخفَّف ولا لبس ثوبا ليغدو في طلب العلم إلا غفرت ذنوبه حيث يخطو عند باب بيته) وقد رواه ابن عدي مرفوعا، وقال ليس يرويه عن فطر غير إسمعيل بن يحيى التيمي. قلت وقد رواه إسمعيل بن يحيى هذا عن الثوري: حدثنا محمد بن أيوب الجُوزجاني عن مجالد عن الشعبي عن الأسود عن عائشة مرفوعا: (من انتعل ليتعلم خيرا غفر له قبل أن يخطو).
وقد رواه عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن فطر عن أبي الطفيل عن علي.

وهذه الأسانيد وإن لم تكن بمفردها حجَّة، فطلب العلم من أفضل الحسنات، والحسنات يذهبن السيئات، فجديرٌ أن يكون طلب العلم ابتغاء وجه الله يكفِّر ما مضى من السيئات ،فقد دلت النصوص أن إتباع السيئة الحسنة تمحوها، فكيف بما هو من أفضل الحسنات وأجل الطاعات؟! فالعُمدة على ذلك لاعلى حديث أبي داود والله اعلم..

انتهى كلامه باختصار من كتاب مفتاح دار السعادة


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 138
الخميس 21 شوال 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - مقال: • متى نصر الله إن السر وراء انتصار المسلمين على كل قوى الكفر ...

الدولة الإسلامية - مقال:

• متى نصر الله

إن السر وراء انتصار المسلمين على كل قوى الكفر والشرك وتمكنهم من ديارهم وبسط سيطرتهم على أغلبها، وسيادتها بشرع الله، هو تمسكهم بالعقيدة المستمدة من الكتاب والسنة، تلك العقيدة الربانية، التي تقوم على العبودية التامة لله والافتقار إليه، وعقد أواصر الولاء للمؤمنين والبراءة من الشرك والمشركين، ونبذ التعلُّق بالأسباب المادية وجعل الخلاص بها، فاليقين بموعود الله عز وجل بالنصر والظفر والتمكين هو عامل أساس في تحقيق الغاية من {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39]، وإن الإيمان بقوة الله عز وجل، وحسن الظن، به وأنه الناصر الجبار المنتقم، وأن الأمر كله بيديه، فيه إعانة على تحقيق اليقين الراسخ في نفس المجاهد، فمهما طغت ملل الكفر وتحالفاتهم، وتفاخرت بترسانتها وما لديها من قدرات عسكرية، إلا أنها لن تكون حائلاً أمام أقدار الله عز وجل عليهم، فمن حقَّق اليقين بموعود الله عز وجل وصدَّقه بلا ريب أو شك تصغر في ناظريه ما يروج له أعداء الله، {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} [الملك: 20].

فموازين القوة في الصراع مع ملل الكفر لا ينبغي حصرها بالمنظور المادي الدنيوي، فهذا الفهم القاصر منشأه التأثر بكثير من نظريات الحرب التي وُضعت ممَّن لا يدخل ضمن حساباته أن النصر بيد الله ولم يتحمل أن يمكث في ساحات النزال والجهاد صابراً على ما يلقاه من الشدة والبلاء، فزين له الشيطان تلك النظريات ولبَّس عليه ليرجعه إلى ما كان عليه من الركون للدنيا وخذلان الطائفة المنصورة، فمراحل الصراع مع أمم الكفر وتحالفاتهم لابد أن تقاس بمنظور التقوى بشقيه، من إخلاص تام وتجرد كامل من الحول والقوة إلى حول الله وقوته، وتمام التوكل عليه مع إعداد العدة المتاحة.

فنحن مطالبون بالقتال والجهاد مأمورون بذلك من ربنا عز وجل، ولم يكلفنا بالنتيجة والمآل، "فما النصر إلا من عند الله" وهو سبحانه الذي يوفق عباده ليحققوا المراد من القتال والجهاد ويعينهم على تحقيق ذلك، ويختبر صدقهم ومدى صبرهم على ما حققوه وأنجزوه ويبتليهم ليميز الخبيث من الطيب والصادق من الكاذب.

ولابد لكل جندي ومناصر لهذه الطائفة المنصورة أن يدرك أن الصراع مع الكفر لا ينحصر في منطقة أو بلدة، ولا في بقعة أو رقعة، ولا يتوقف على أي فرد في هذه الطائفة، وأن مقارعة أمم الكفر لم تكن من أجل دنيا أو نيل ما فيها من ملذات ومغنم، إنما عملاً بالواجب المتحتِّم على كل مسلم قادر ودفاعاً عن هذا الدين العظيم الذي وفقنا الله له، ونيلاً للعزة والكرامة ونيل الرفعة والسعادة، ونصرة للمستضعفين والمضطهدين {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 6]، وكلما بلغ البلاء شدته على الطائفة المنصورة كان النصر قريبا ولو بعد حين، {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21] فثبات المؤمنين في قتالهم للكافرين واستمرارهم في ذلك وعدم التفاتهم للعقبات التي يضعها أعداؤهم أمامهم لصدهم عن مواصلة مسيرتهم وحمل الراية عمن سبقهم، لهو من نصر الله لهم، فإن العاقبة لمن صبر وصدق، وإن ثبات جنود الخلافة اليوم وإصرارهم على مواصلة القتال ورسوخ إرادته في نفوسهم له ما بعده بإذن الله، فملل الكفر ليس لديها اليوم ما تقدمه سوى الاستخدام المفرط للقوة والذي سيعود أوارها في ديارهم عما قريب بإذن الله.

وما هذه المحنة التي تمر بها دولة الخلافة إلا تهيئة للنفوس والأجيال لحمل أمانة أعظم وهي أمانة التمكين في الأرض بإذن الله {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]، فلابد من التركيز في القتال مع أمم الكفر على نشر معالم ملة إبراهيم بين الناس والاستعلاء بها وترسيخها والعمل بها وطمس المفاهيم الجاهلية التي نشرها الطواغيت بين الناس، فمن هذا الغرس ستقطف الثمار بإذن الله.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 138
الخميس 21 شوال 1439 ه‍ـ
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ...

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شـريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام الأولين والآخرين، أما بعد:

فهذه سلسلة إذاعية في بيان وتوضيح بعض مسائل المنهج والعقيدة، التي وقع فيها الالتباس والاشتباه على أبنائنا وإخواننا من جنود الدولة الإسلامية وسائر المسلمين في داخل دولة الخلافة وخارجها؛ وذلك بسبب التعميم الصادر عن اللجنة المفوضة المعنون له بالآية: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42]، الذي تم إيقاف وتعطيل العمل به؛ وذلك لما تضمنه من أخطاء علمية ومنهجية وعبارات موهمة حمالة أوجه، أدت إلى الوقوع في التنازع والاختلاف.

فكان لزاما علينا عدم تأخير البيان عن وقت دعت الحاجة إليه واشتدت، وأصبحت ضرورة ملحة؛ وذلك لجمع كلمة الدولة، وتأليف قلوب جنودها على الحق، وإفراغهم لصد عادية أمم الكفر عليها، والذب عن بيضة الإسلام وحرماته.

وقد حذرنا الله تعالى من التنازع والاختلاف أيما تحذير فقال سبحانه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)} [الأنفال: 46]

وفي الوقت ذاته أمرنا بالجماعة وعظم شأنها ..
قال النبي ﷺ: «عليكم بالجماعة»، وقال ﷺ: «يد الله مع الجماعة»، وقال ﷺ: «وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد».
وجاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي وصححه، قال ﷺ: «وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن، السمع والطاعة، والجهاد والهجرة والجماعة، فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه».

وإن من أسباب الفتنة والاختلاف والتنازع:

1 - ترك الاعتصام بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، والاعتماد على الأهواء وأقوال الرجال ..
قال تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].

وقال تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)} [آل عمران: 101].

قال ﷺ: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب ?لله وسنتي".

وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة ؓ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا؛ فيرضـى لكم أن تعبدوه ولا تشـركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال».

وكان النبي ﷺ يقول إذا خطب: «أما بعد: فإن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشـر الأمور محدثاتها».

وقال ابن عباس: "أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله تعالى".

وعن التابعي الجليل ابن شهاب الزهري ؒ، قال: كان من مضـى من علمائنا يقولون: "الاعتصام بالسنة نجاة".

وقال الإمام الأوزاعي ؒ: "عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك ورأي الرجال، وإن زخرفوه بالقول؛ فإن الأمر ينجلي وأنت على طريق مستقيم".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ؒ: "وأهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة، ويطيعون الله ورسوله، فيتبعون الحق، ويرحمون الخلق". ([1])
وقال أيضا ؒ: "والفتنة والفرقة لا تقعان إلا من ترك ما أمر الله به، والله تعالى أمر بالحق والعدل وأمر بالصبر، والفتنة تكون من ترك الحق أو من ترك الصبر". انتهى كلامه ؒ.

2 - ومن أسباب الاختلاف والتنازع عدم تمييز السنة من البدعة على بعض صغار المنتسبين للعلم أنصاف المتعلمين، الذين جعلوا أنفسهم في مصاف الأئمة المجتهدين، فتجد الواحد منهم يزعم أنه المهتدي، ويحسب أن السنة معه، وأن المخالف له ضال مبتدع وربما قال: كافر، فينشأ عن ذلك من التفرق والشـرور ما الله به عليم.

والسنة هي ما أمر به الله ورسوله، والبدعة هي ما لم يشرعه الله من الدين.
وقد قال سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [النحل: 43].

وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا».

وعن محمد بن سيرين ؒ، قال: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم". انتهى كلامه.
ومن صفات رؤوس الضلالة (أهل البدع): أنهم يمررون باطلهم بعبارات شرعية رنانة، كحفظ جناب التوحيد، وملة إبراهيم، والتوحيد الخالص وغيرها؛ كما قالت الخوارج لعلي بن أبي طالب ؓ: "لا حكم إلا لله، وقالوا: "لا نحكم الرجال، نريد حكم الله".

وهذه الأقوال لا تروج على أهل العلم، كما لا تروج الدنانير الزائفة على الصيرفي الحاذق، فقد فهم علي ؓ مغزى كلام الحرورية، ولم يرج عليه قولهم: (لا حكم إلا لله) كما راج على الجهال، حيث قال ؓ: "لا حكم إلا لله، {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60]، فما تدرون ما يقول هؤلاء؟ يقولون: لا إمارة، أيها الناس، إنه لا يصلحكم إلا أمير بر أو فاجر".([2])
وفي صحيح مسلم عن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله ﷺ، أن الحرورية لما خرجت وهو مع علي بن أبي طالب ؓ قالوا: لا حكم إلا لله، قال علي: "كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله ﷺ وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم، لا يجاوز هذا منهم (وأشار ؓ إلى حلقه) من أبغض خلق الله إليه".

قال النووي ؒ: "قوله: (قالوا لا حكم إلا لله، قال علي: كلمة حق أريد بها باطل) معناه: أن الكلمة أصلها صدق، قال الله تعالى: { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف: 40]، لكنهم أرادوا بها الإنكار على علي ؓ في تحكيمه". انتهى كلامه.

من أجل ذلك وجب على طالب الحق أن يبتغي الحق من مظانه، لا من المرجفين أنصاف المتعلمين، ولا من علماء الضلالة.

وكان سفيان بن عيينة وغيره من أهل العلم كالإمام أحمد وعبد الله بن المبارك يقولون: إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغر؛ فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69].

فكيف تترك أخي المجاهد أهل الثغر من العلماء الذين نفروا إلى أرض الجهاد والإسلام، كيف تترك هذا المعين الصافي، ثم تذهب لتأخذ دينك عن القاعدين بين أحضان طواغيت جزيرة العرب وغيرها، وما كفرهم ولا أنكر عليهم، يخالط جنوده ورجال أمنه ومخابراته من غير أن يبين لهم ما ارتكبوه من نواقض.

ولا تغتر أخي بسجن الطاغوت لأحدهم، فقد يكون تلميعا وإشهارا له ولأقواله، وإدخالا له على الإخوة في السجون؛ لإحداث البلبلة وإلقاء الشبهات بينهم، وقد كانت لهم الفرصة سانحة إن كانوا أهل حق وصدق أن ينفروا إلى أرض الجهاد، ويهاجروا إلى دار الإسلام.

فإن الطاغوت الذي يؤوي أمثال هؤلاء المنظرين للغلو في التكفير، ويسمح برواج بدعتهم هو نفسه الذي يؤوي أهل التجهم والإرجاء ويعينهم على الترويج لبدعتهم، وما ذلك إلا لكون الطرفين والمنهجين يؤديان لنتيجة واحدة؛ وهي الطعن في أهل الحق وترك الهجرة والجهاد في سبيل الله تعالى.

أخي المجاهد: كيف بعد إذ نجاك الله من شباك علماء الطواغيت أهل الإرجاء، تعود فتقع في شباك علماء الطواغيت المروجين للغلو المصدرين للشبهات؛ لكي يقعدوك عن جهادك، ويردوك عن هجرتك، فيسلم من بأسك أولياؤهم من أعداء الله تعالى.

وقد قال بعض السلف: "ما أمر الله تعالى عباده بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: فإما إلى غلو، وإما إلى تقصير؛ فبأيهما ظفر قنع".

كيف تترك علم من يحمل معك السلاح، ويقاتل معك في الصف من أهل العلم والفقه -لا أعني أنصاف المتعلمين-، وتسلم عقلك وذهنك إلى من لا يستأمن على دينه، وهو يعيش في دعة سالما مسالما للطواغيت، وينظر لك من بعيد؟!

3 - السبب الثالث من أسباب الاختلاف والتنازع: البغي، يقال بغى فلان على فلان؛ أي تعدى عليه بالقول أو الفعل وتجاوز حده.

قال الله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } [الشورى: 14].
وقال تعالى: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } [الجاثية: 17].
وقال تعالى: { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)} [البقرة: 213].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ؒ: "الاجتهاد السائغ لا يبلغ مبلغ الفتنة والفرقة إلا مع البغي، لا لمجرد الاجتهاد ... فلا يكون فتنة وفرقة مع وجود الاجتهاد السائغ، بل مع نوع بغي، وكل ما أوجب فتنة وفرقة فليس من الدين، سواء كان قولا أو فعلا ...

وقال أيضا ؒ: "وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها في باب الصفات والقدر والإمامة وغير ذلك: هو من هذا الباب؛ فيه المجتهد المصيب، وفيه المجتهد المخطئ، ويكون المخطئ باغيا، وفيه الباغي من غير اجتهاد، وفيه المقصر فيما أمر به من الصبر". ([3]) انتهى كلامه.

وإن من البغي الاستطالة على المخالف، واتهامه في نيته، وقذف المسلم بالكفر أو البدعة تعديا وظلما جزافا من غير بينة ...

أخرج ابن حبان في صحيحه عن حذيفة ؓ، قال: قال رسول الله ﷺ: «إن ما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رئيت بهجته عليه، وكان ردئا للإسلام، غيره إلى ما شاء الله، فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشـرك»، قال: قلت: يا نبي الله، أيهما أولى بالشـرك، المرمي أم الرامي؟ قال: «بل الرامي».

وقال الآجري ؒ: "إن الله عز وجل بمنه وفضله أخبرنا في كتابه عمن تقدم من أهل الكتابين اليهود والنصارى، أنهم إنما هلكوا لما افترقوا في دينهم، وأعلمنا مولانا الكريم أن الذي حملهم على الفرقة عن الجماعة والميل إلى الباطل الذي نهوا عنه، إنما هو البغي والحسد، بعد أن علموا ما لم يعلم غيرهم، فحملهم شدة البغي والحسد إلى أن صاروا فرقا فهلكوا، فحذرنا مولانا الكريم أن نكون مثلهم فنهلك كما هلكوا، بل أمرنا عز وجل بلزوم الجماعة، ونهانا عن الفرقة، وكذلك حذرنا النبي ﷺ من الفرقة وأمرنا بالجماعة، وكذلك حذرنا أئمتنا ممن سلف من علماء المسلمين، كلهم يأمرون بلزوم الجماعة, وينهون عن الفرقة". ([4]) انتهى كلام الآجري ؒ.

وننكر أشد النكير على من يبغي ويتعدى فيكفر العلماء أمثال ابن قدامة المقدسـي والنووي وابن حجر العسقلاني وغيرهم ô ممن لهم على أمة الإسلام أياد بيضاء في نشـر العلم ونصـرة الشـريعة، بل نحفظ مكانتهم ونترحم عليهم، ونعتذر عما بدر منهم من أخطاء وزلات.

قال الشعبي -أحد أئمة التابعين- ؒ: "كل أمة علماؤها شرارها، إلا المسلمين؛ فإن علماءهم خيارهم". ([5])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ؒ: دفع التكفير عن علماء المسلمين وإن أخطئوا هو من أحق الأغراض الشرعية". ([6]) انتهى كلامه ؒ.

وقال الشيخ عبد الله بن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب ؒ: "ونحن كذلك: لا نقول بكفر من صحت ديانته، وشهر صلاحه، وعلم ورعه وزهده، وحسنت سيرته، وبلغ من نصحه الأمة ببذل نفسه لتدريس العلوم النافعة والتأليف فيها، وإن كان مخطئا في هذه المسألة أو غيرها". انتهى كلامه ؒ.

وممن نثني عليهم، ونحفظ حقهم علينا أمراء الدولة الإسلامية من أبي مصعب الزرقاوي؛ أمير الاستشهاديين، الصادع بالحق والتوحيد، وقتّال أهل الشـرك والتنديد، مرورا بالشيخ المجاهد أبي عمر البغدادي صاحب العقيدة الراسخة والمواقف الشامخة، ووزيره الشيخ المجاهد أبي حمزة المهاجر صاحب التآليف والتصانيف النافعة، والشيخ أبي محمد العدناني قامع المنحرفين، وكاسر حدود الكافرين، والعالم الرباني أبي علي الأنباري، وغيرهم من أمراء هذه الدولة الذين قضوا في سبيل الله، نحسبهم والله حسيبهم، ولا نزكي على الله أحدا.

وستشتمل هذه السلسلة بإذن الله تعالى على بيان أمور منها:
* حكم التوقف في تكفير المشركين أو الكفار.
* حكم الطوائف الممتنعة، وحكم المخالف فيها.
* حكم ساكني ديار الكفر الطارئ.
ونسأل الله تعالى أن يبارك في هذه السلسلة العلمية، وأن يجعلها سببا لجمع كلمة المجاهدين على الكتاب والسنة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


[1])) مجموع الفتاوى (3/279).
[2])) مصنف ﭐبن أبي شيبة (7/562/37931).
[3])) الاستقامة (1/37(.
[4])) الشـريعة (1/270).
[5])) مجموع الفتاوى (7/284).
[6])) مجموع الفتاوى (35/103).



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 98
الخميس 1 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

أُكفئت قدورهم اليهود والرافضة كفار أعداء للمسلمين، تحالفوا وتمالؤوا هم والصليبيون على حربنا ...

أُكفئت قدورهم

اليهود والرافضة كفار أعداء للمسلمين، تحالفوا وتمالؤوا هم والصليبيون على حربنا بالأمس، واليوم خالف الله بين قلوبهم ومكر بهم فاشتعلت الحرب فيما بينهم، وبقدر ما تحتدم الحرب بين الطرفين؛ بقدر ما يربح المسلمون ويغنمون، لكن هذا لا يعفيهم من السعي الحثيث لامتلاك أسباب القوة التي تمكّنهم من مجابهة علو اليهود القادم وحقد الرافضة المزمن، ولينصرن الله من ينصره.


افتتاحية صحيفة النبأ العدد 500
"دولة فارس ودولة اليهود"
...المزيد

إنَّ صدورَ المؤمنينَ عَطشى فارووها بالدِّماءِ فأنت يا جندي الخلافة تستطيع أن تكون هذا المجاهد ...

إنَّ صدورَ المؤمنينَ عَطشى فارووها بالدِّماءِ

فأنت يا جندي الخلافة تستطيع أن تكون هذا المجاهد الفريد الذي وصف حاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مفضِّلا جهاده على العمل الصالح في هذه الأيام المباركات، فكيف لو جمعتَ بين أجر هذا الجهاد المتفرّد وأجر هذه العشر، فنلتَ أعلى المرتبتين وأجمعهما وأتمهما بإذن الله تعالى.

إنها فرصة عظيمة لك أيها المجاهد لتحوز خيرية الجهاد في خيرية هذه الأيام، ولئن كانت الشريعة قد أمرت بالتعرض لنفحات الدهر ومواسم الأجر، ألا فتعرّضوا أيها الأباة لمواطن الطعان والشهادة في سبيل الله في هذه الأيام استبسالا في القتال وتحقيقا للنكاية وجلبا للإثخان، فإن صدور المؤمنين عطشى للثأر ممن ولغوا في الدماء والأعراض، وإنّه لا شيء يطفئ ظمأ الثأر كالدماء! وليس أنفى للقتل من القتل.


افتتاحية صحيفة النبأ العدد 497
"يا جنود الله هبوا"
...المزيد

هل تستوي تضحيات الحجيج بتضحياتِ المجاهدين؟ وحيثما نظرتَ في موضع يتقاطع فيه الجهاد والحج؛ قادك ...

هل تستوي تضحيات الحجيج بتضحياتِ المجاهدين؟

وحيثما نظرتَ في موضع يتقاطع فيه الجهاد والحج؛ قادك بلا ريب إلى أفضلية جهاد الفريضة، وبصّركَ بالحكمة من ذلك خصوصا في زماننا.

فمثلا، يتقاطع الحج مع الجهاد في التضحية بالمال والجهد والمشقة، فلا حج بغير سفر ولا سفر بغير عناء، ولعل مساحة ذلك تضيق اليوم في ظل تطور وسائل النقل وسبل الإعاشة والراحة التي تتوفر للحجيج خلافا لما كان عليه الحال في السابق، ومع ذلك هل يستوي اليوم بذل الحجيج وتضحيتهم ومشاقهم وسائر جهدهم، بجهاد المجاهدين وتضحيتهم وهجرتهم وشظف عيشهم، الحاملين أرواحهم على أكفهم الباذلين أنفسهم دون دينهم وأمتهم؟!

ويتقاطع الحج مع الجهاد في تحقيق التوحيد، فالحج من أول مناسكه إلى آخرها يقرر التوحيد لله وينفي الشرك، والجهاد إنما شُرع لأجل حماية جناب التوحيد وتحقيقه ودعوة الناس إليه وأطرهم عليه وسوقهم إلى الجنة بالسلاسل.

وبالنظر إلى شيوع الشرك اليوم وحراسة الحكومات والجيوش له، ندرك فضل الجهاد ومدى العوز إليه، وأنه السبيل الوحيد لمقارعة الشرك ونبذه وصد عاديته، كما ندرك أيضا أن الدعاة إلى التوحيد مجرّدين من سيوف الجهاد؛ لم يعودوا قادرين على القيام بالدعوة على الوجه الذي أمر به الشارع الحكيم، وما يصلنا من أنّات وزفرات دعاة التوحيد في ديار الكفر يغني عن مزيد بيان، والله المستعان.


افتتاحية صحيفة النبأ العدد 498
"بين الجهاد والحج"
...المزيد

واجب النساء في جهاد الأعداء النساء شقائق الرجال، وكم من مسلمة لم يقعدها ضعفها وانشغالها بتربية ...

واجب النساء في جهاد الأعداء

النساء شقائق الرجال، وكم من مسلمة لم يقعدها ضعفها وانشغالها بتربية أطفالها وطاعة زوجها عن أن تنال من المعروف ما ناله الكُمّل من الرجال، بل منهن من طرقت أبوابا هي من أخص خصائص الرجال لما فيها من شدّة على النفس، وحاجة إلى القوّة والعزيمة، كباب الجهاد في سبيل الله تعالى.
وإننا اليوم في إطار هذه الحرب على الدولة الإسلامية، وما فيها من شدة وبلاء، يغدو لزاما على النساء المسلمات أن يقمن بواجبهن على كافة الأصعدة في دعم المجاهدين في هذه المعركة، بأن يعددن أنفسهن مجاهدات في سبيل الله، ويتجهزن للذود عن دينهن بأنفسهن فداء لدين الله تبارك وتعالى، وبتحريضهن لأزواجهن وأبنائهن، فيكن كالنساء المجاهدات من الرعيل الأول.

ولبيان أهمية واجبك أختي المسلمة في الصراع المحتدم اليوم بين ملل الكفر وملة الإسلام، لا بد لنا أن نذكرك بالمرأة المجاهدة في العصر الذهبي للإسلام، وما سوف نسوقه لك من نماذج لنساء المسلمين هو أحد الجوانب المضيئة في حياة المرأة المسلمة، أم الأبطال وأخت الأبطال وزوجة الأبطال، وليس غريباً على نساء المسلمين اليوم أن يكون عندهن من الفداء والصدق والحب للدين مثل المجاهدات السابقات اللاتي نصرن الإسلام.

وعسى أن يكون ما سنذكره من صور دافعاً لك -أختي الكريمة- لتقتدي بهن، ليحصل لك من الخير ما حصل لهن وللدين في وقتهن، فهنَّ حقاً من يستحققن أن يقتدى بهن، وليست غيرهن قدوتك أختي المسلمة، كلا، فإن أردت أن تعرفي من أنت فانظري بمن تقتدين، وإذا أردت أن تعرفي حال الأمة فانظري بمن تقتدي نساؤها، فإن كنَّ يقتدين بالعظيمات المجاهدات الصادقات القانتات العابدات الصابرات فقد انتصرت الأمة، وإن كن يقتدين بالكافرات الكاذبات الضالات المضلات المائلات المميلات، فهذه خسارة كبيرة للأمة حقاً.


• حرص النساء الصحابيات على القتال

لقد دخلت المرأة ميدان المعركة في قرون الإسلام الأولى ليس ذلك بسبب قلة الرجال في وقتها، ولكنه راجع إلى حبها للأجر والفداء والتضحية في سبيل الله، يبين ذلك ما رواه أحمد عن حشرج بن زياد الأشجعي عن جدته أم أبيه أنها قالت: خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزاة خيبر وأنا سادس ست نسوة، فبلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن معه نساء، فأرسل إلينا فقال: (ما أخرجكن؟ وبأمر من خرجتن؟) فقلنا: خرجنا نناول السهام، ونسقي الناس السويق، ومعنا ما نداوي به الجرحى، ونغزل الشَّعر، ونعين به في سبيل الله، قال: (قمن فانصرفن)، فلما فتح الله عليه خيبر أخرج لنا سهاماً كسهام الرجل، قلت: يا جدة ما أخرج لكن؟ قالت: تمراً.

ومن حبها أيضاً للجهاد والفداء لهذا الدين فقد قادها ذلك الحب الصادق إلى طلب خوض الجهاد طلباً صريحاً من الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقالت كما في البخاري وسنن النسائي واللفظ له عن عائشة -رضي اله عنها- أنها قالت: قلت: يا رسول الله، ألا نخرج فنجاهد معك، فإني لا أرى عملاً في القرآن أفضل من الجهاد؟ قال: (لا، ولكنَّ أحسن الجهاد وأجمله حج البيت حج مبرور)، وفي رواية أحمد والبخاري قال: (لا، جهادكنَّ الحج المبرور وهو لكنَّ جهاد).


• نسيبة الأنصارية

وأول تلك النماذج التي نسوقها لك -أختي الكريمة- لتقتدي بها، لو كانت نساء المسلمين مثلها لما ضاع لنا حق ولا انتهكت لنا حرمة إن شاء الله، إنها المجاهدة الشجاعة التي خرجت يوم كان الجهاد جهاد دفع، إنها أم عمارة نَسِيبةُ بنتُ كعبٍ الأنصارية.

جاء في ترجمتها في سير أعلام النبلاء للذهبي: "شهدت أم عمارة ليلة العقبة وشهدت أحداً والحديبية ويوم حنين ويوم اليمامة وجاهدت وفعلت الأفاعيل، وقُطعت يدها في الجهاد، وقال الواقدي شهدَتْ أُحُداً مع زوجها غزية بن عمرو ومع ولديها، خرجت تسقي ومعها شَنٌّ وقاتلت وأبلت بلاء حسناً، وجُرحت اثني عشر جرحاً.
وكان ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدته وكانت قد شهدت أحداً، قالت سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لمقام نَسيبةَ بنتِ كعبٍ اليومَ خيرٌ من مقامِ فلانٍ وفلان)، وكانت يومئذ تقاتل أشد القتال وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحاً، وضربها ابن قمئة على عاتقها وكان أعظم جراحها، فداوته سنة، ثم نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حمراء الأسد، فشدت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدم، رضي الله عنها ورحمها".

• ألق ترسك إلى من يقاتل

قال الإمام الذهبي: "قالت أم عمارة: رأيتني، وانكشف الناس عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فما بقي إلا نفر ما يتمون عشرة، وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه، والناس يمرون به منهزمين، ورآني ولا ترس معي فرأى رجلاً مولياً ومعه ترس، فقال: (ألق ترسك إلى من يقاتل)، فألقاه فأخذته فجعلت أترِّسُ به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل، ولو كانوا رَجَّالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله، فأقبل رجل على فرس فيضربني وترَّسْتُ له فلم يصنع شيئاً وولى، فأضربُ عرقوبَ فرسِه فوقع على ظهره فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يصيح: (يا ابنَ أمِّ عِمارة أمَّكَ أمَّكَ)، قالت: فعاونني عليه حتى أوردته شَعوبَ، وهو اسم من أسماء الموت".

قال الإمام ابن كثير: "قال ابن هشام: وقاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم أحد، فذكر سعيد بن أبي زيد الأنصاري أن أم سعد بنت سعد بن الربيع كانت تقول: دخلت على أم عمارة فقلت لها: يا خالة أخبريني خبرك، فقالت: خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس، حتى خلصت الجراح إلي، قالت: فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور فقلت لها: من أصابك بهذا؟ قالت: ابن قمئة أقمأه الله، لما ولى الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبل يقول: دلوني على محمد لا نجوت إن نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضربني هذه الضربة" [البداية والنهاية].


• من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟!

وقال الذهبي: "عن عبد الله بن زيد [وهو ابن أم عمارة] قال: جرحتُ يومئذ جرحاً وجعل الدم لا يَرْقَأُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعصب جرحك)، فتُقْبِل أمي إليَّ ومعها عصائب في حِقْوها، فرَبَطَت جرحي والنبي -صلى الله عليه وسلم- واقف فقال: (انهض بُنيَّ فضارب القوم)، وجعل يقول: (من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟)، فأقبل الذي ضرب ابني فقال رسول الله: (هذا ضارب ابنك)، قالت: فأعترض له فأضرب ساقه، فبرك، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتبسم حتى رأيت نواجذه، وقال (استقدت يا أم عمارة)، ثم أقبلنا نَعُلُّه بالسلاح حتى أتينا على نفْسِه، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي ظَفَّرَكِ)".

وقال: "عن عبد الله بن زيد بن عاصم أيضاً، قال: شهدتُ أُحُداً، فلما تفرقوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دنوت منه أنا وأمي نذب عنه فقال: (ابن أم عمارة؟) قلت: نعم، قال: (ارمِ)، فرميت بين يديه رجلاً بحجر وهو على فرس، فأصبت عين الفرس، فاضطرب الفرس، فوقع هو وصاحبه، وجعلت أعلوه بالحجارة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يتبسم، ونظر إلى جرح أمي على عاتقها فقال: (أمَّكَ أمَّكَ اعصِبْ جُرْحَها، اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة) قلت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا".

وقال: "عن محمد بن يحيى بن حبان قال: جُرِحَتْ أم عمارة بأُحُد اثني عشر جرحا، وقطعت يدها يوم اليمامة، وجُرِحَتْ يوم اليمامة سوى يدها أحد عشر جرحا. فقدمت المدينة وبها الجراحة فلقد رئي أبو بكر -رضي الله عنه- وهو خليفة يأتيها يسأل عنها، وابنها حبيب بن زيد بن عاصم هو الذي قطعه مسيلمة، وابنها الآخر عبد الله بن زيد المازني الذي حكى وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قُتل يوم الحرة وهو الذي قَتل مسيلمة الكذاب بسيفه" [سير أعلام النبلاء].

هذه هي المجاهدة الشجاعة الصابرة أم عمارة، وحقاً من يطيق ما تطيق أم عمارة؟ متى كانت هذه قدوتك أختي الكريمة في شجاعتها وفدائها وإقدامها وثباتها وصبرها على هذا الطريق أفلحتِ، بإذن الله.

• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 100
الخميس 15 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً