العُجْبُ سببٌ من أسباب الخطأ، والخطأ لا يحطّ من قَدْرِ العَالِم. قال الإمام ابن الجزري( منجد ...

العُجْبُ سببٌ من أسباب الخطأ، والخطأ لا يحطّ من قَدْرِ العَالِم.

قال الإمام ابن الجزري( منجد المقرئين:58-59):

( .... وليحذر-المقرئ- كلَّ الحذر من الرياء والحسد.....، والعُجْبِ وقلَّ مَن يسلم منه !!
رُوِّينا(1) عن الإمام أبي الحسن الكسائي أنه قال: صليْتُ بالرشيد فأعجبتني قراءتي، فَغَلِطّتُ في آية ما أَخْطَأ فيها صَبِيٌّ قَطُّ، أَرَدتُّ أن أقول:(لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41](2) فقلت: (لعلهم يرجعين)!!. قال: فوالله ما اجترأ هارون أن يقول لي أخطأت، ولكنه لما سَلَّمْتُ قال لي: يا كِسَائي، أيّ لغة هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين قد يعثر الجواد! قال: أما هذا فنعم) ا.هـ(3).

قال الإمام الذهبي معلقا على هذه القصة في(سير أعلام النبلاء: 1/376):
( مَن وَعَى عقلُه هذا الكلامَ: عَلِمَ أن العالِمَ مهما عَلا كَعبُه، وبَرَزَ في العِلْم، إلا أنه لا يَسْلَم مِن أخطاء وزَلَّاتٍ، لا تَقْدَح في عِلْمه و لا تحطّ مِن قَدْرِه، و لا تُنْقِص مَنزِلتَه.
ومَن حَمَلَ أخطاءَ أهلِ العِلمِ والفَضلِ على هذا السبيل: حُمِدَت طريقَتُه، وشُكِر مَسلَكُه وَوُفِّق للصَّواب) ا.هـ

وذكر الذهبي خبرًا آخر، فقال(سير أعلام النبلاء:9/133):
( وعن خلفِ بنِ هِشَامٍ: أَنَّ الكسائيَّ قرأَ على المِنْبَرِ:(أَنَا أَكْثَرَ مِنْكَ مَالًا)[الكهف:34] بِالنَّصبِ، فسأَلُوهُ عنِ العِلَّةِ، فَثُرتُ في وجُوهِهِم، فَمَحَوهُ، فقالَ لي: يا خَلَفُ! مَن يَسْلَمُ مِن اللَّحْنِ؟) ا.هـ

ومما قاله الكسائي عن نفسه في هذه القضية (سير أعلام النبلاء: 9/133):
( رُبَّمَا سَبَقَنِي لِسَانِي بِاللَّحْنِ)ا.هـ

ومما ذُكِرَ من سبب هذا اللحن الذي وقع فيه الكسائي، ما نقله الإمامُ الذهبي حيث قال:
( وعنِ الفَرَّاء، قال: إِنَّمَا تَعَلَّمَ الكِسَائِيُّ النَّحوَ عَلَى كِبَرٍ، ...) ا.هـ المرجع السابق.

قلتُ:
كم مرةٍ قرأتَ وصليتَ فيها بالناس، ولم يخطر ببالك أيّ عُجْب بنفسك، وفوضت أمرك لله، ونفيت عن نفسك الحولَ والقوّة، ودعوتَ الله قبل الصلاة أن يوفقك ويعينك، فلم تلحن أو تخطأ أو تتلعثم طيلة الصلاة!.

وكم مرةٍ قرأتَ ولم تلحن أو تتلعْثم، فلما أُعْجبتَ بقراءتك أو صوتك أو أدائك وقلتَ في نفسك: الناس سيثنون عليَّ ويمدحونني، فوقعت-مباشرة أو بعد قليل- في اللحن، وفي شيء لم تتخيل-أبدًا- أن تقع فيه!.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هناك فرق بين( رُوِّينا) -بضم (الراء) وكسر(الواو) مشددة، وبين( رَوَيْنَا) بفتح (الراء)و(الواو) مخففة، فالأولى: روَّانا مشايخُنا؛أي: نقلوا لنا فسمعنا عنهم، والثانية: من روى يروي؛ إذا نقل عن غيره، ينظر:(شرح الأربعين النووية للطوفي:14-15، ومنجد المقرئين، بتحقيق الشيخ علي العمران).
(2) ورد(لعلهم يرجعون) في أكثر من موضع غير[الروم:41]، ومن ذلك: [آل عمران: 72، الأعراف: 168، يوسف: 62]، والقصة-هنا- لم تُبَيّن الموَضِعَ الذي أخطأ فيه الإمام الكسائي.
(3) ذُكِرَتْ هذه القصة بتمامها في(تاريخ بغداد:11 / 407، 408) و(غاية النهاية: 1 / 538)، و(إنباه الرواة: 2/263)، وذُكِرَ بعضُها في:(سير أعلام النبلاء: 9/133).
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم تأمُّلاتٌ في حديثِ: «إذا طلَع النَّجمُ؛ رُفِعَتِ العاهةُ عن أهلِ كُلِّ ...

بسم الله الرحمن الرحيم


تأمُّلاتٌ في حديثِ:
«إذا طلَع النَّجمُ؛ رُفِعَتِ العاهةُ عن أهلِ كُلِّ بلدٍ»


الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِه الأمينِ، وعلى آلِه، وصَحْبِه أجمعينَ، وبعد :

نَصُّ الحديث:
عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إذا طلَع النَّجمُ؛ رُفِعَتِ العاهةُ عن أهلِ كُلِّ بلدٍ».
تخريج الحديث:
أخرجه أحمدُ في «المُسنَدِ» 14/192، ومُحمَّدُ بنُ الحسنِ في «الآثار» 2/862، والطَّحاويُّ في «شرحِ مُشْكِلِ الآثار» 6/53، بسندٍ صحيحٍ.
غريب الحديث:
النَّجمُ: هو الثُّرَيَّا، كما فسَّره ابنُ عمرَ -رضي اللهُ عنهما- عندما سُئل عن نَهْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن بيعِ الثِّمارِ حتَّى تذهبَ العاهةُ، فقيل له: متى ذاكَ يا أبا عبدِ الرَّحمنِ؟ قال: طلوعُ الثُّرَيَّا. أخرجه الشَّافعيُّ في «مُسنَدِه» (644)، والطَّحاويُّ في «شرحِ مُشْكِلِ الآثارِ» 6/53، والثُّرَيَّا: اسمٌ لنجمٍ يَطلُعُ صباحًا في أوَّلِ فصلِ الصَّيفِ عندَ اشتدادِ الـحَرِّ ببلادِ الحجازِ، ووقتُ طلُوعِها بالتَّاريخِ الشَّمسيِ هو في اليومِ السَّابعِ من شهرِ يُونيو.
العاهةُ: الآفةُ والدَّاءُ الـمُتْلِفُ لِما أصاب مِن الزُّروعِ والثِّمارِ.
فقه الحديث:
هذا الحديثُ من مُعْجِزاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ ففيه بيانُ متى تنزلُ الآفاتُ ومتى تُرفَعُ، وهذا الحديثُ الشَّريفُ في الأدواءِ والأوبئةِ الَّتي تُصِيبُ الزُّروعَ والثِّمارَ.
قال ابنُ القيِّمِ -رحمه اللهُ تعالى-: (وفُسِّر بطلوعِ الثُّرَيَّا، وفُسِّرَ بطلوعِ النَّباتِ زمنَ الرَّبيعِ، ومنه:{والنَّجمُ والشَّجرُ يَسجُدانِ} [الرَّحمن: 6]، فإنَّ كمالَ طلوعِه وتمامَه يكونُ في فصلِ الرَّبيعِ؛ وهو الفصلُ الَّذي ترتفعُ فيه الآفاتُ. وأمَّا الثُّرَيَّا فالأمراضُ تَكثُرُ وقتَ طلوعِها معَ الفجرِ وسقوطِها). [«زاد المعاد» 4/54 ط المجمع].
ففي فترةِ الانتقالِ من الرَّبيعِ إلى الصَّيفِ تنتشرُ الأوبئةُ والأمراضُ، فإذا دخل الصَّيفُ -وعلامتُه ظهورُ الثُّرَيَّا-؛ رفع اللهُ الآفاتِ والأوبئةَ عن الزُّروعِ والثِّمارِ؛ لأنَّه بدأ صلاحُها، فالظَّاهرُ أنَّ الاعتبارَ بأنْ يَبدُوَ الصَّلاحُ لا بالزَّمانِ، وإنَّما ذُكِرَ طلوعُ الثُّرَيَّا لأنَّ الصَّلاحَ يبدو في الغالبِ إذا طلَعتْ وتَنقطِعُ العاهاتُ.
قال الإمامُ الطَّحاويُّ -رحمه اللهُ-: (وطلَبْنا اليومَ الَّذي يكونُ فيه ذلك في طلوعِ فجرِه من أيَّامِه، فوجَدْناه اليومَ التَّاسعَ عشرَ من أيَّامِه، وطلَبْنا ما يُقابِلُ ذلك من الشُّهورِ السُّرْيانيَّةِ الَّتي يَعتبِرُ أهلُ العراقِ بها ذلك فوجَدْناه "أيار"، وطلَبْنا اليومَ الَّذي يكونُ ذلك في فجرِه، فإذا هو اليومُ الثَّاني عشرَ من أيَّامِه، وهذانِ الشَّهرانِ اللَّذانِ يكونُ فيهما حملُ النَّخلِ -أعني بحملِها إيَّاه: ظهورَه فيها لا غيرَ ذلك-، وتُؤْمَنُ بالوقتِ الَّذي ذكَرْناه منهما عليها العاهةُ الـمَخُوفةُ عليها كانت قبلَ ذلك) [«شرح مُشْكِلِ الآثارِ» (6/57)].
وإنْ كانت هذه العاهاتُ خاصَّةً بالزُّروعِ والثِّمارِ، لكنْ نستبشرُ أنْ تكونَ عامَّةً في كلِّ وباءٍ أصاب النَّاسَ، ونسألُ اللهَ -تعالى- أن يرفعَ هذا الوباءَ عن أُمَّةِ الإسلامِ، آمينَ.
منقول
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً