إن مِن أعظم آفات العبادات: آفة الإلف والعادة، فعندما يعتاد المرء العبادات وتصبح جزءًا مِن برنامجه ...

إن مِن أعظم آفات العبادات: آفة الإلف والعادة، فعندما يعتاد المرء العبادات وتصبح جزءًا مِن برنامجه اليومي: كالصلاة، والأسبوعي: كالجمعة، والسنوي: كرمضان، والحج؛ تتحول هذه العبادات إلى مجرد أفعال وأقوال متكررة لا تضيف جديدًا إلى حياة الفرد.

وإن مَن يدقق النظر في ركن الدين الأعظم بعد توحيد الله -تعالى- وهو الصلاة، التي وصفها الله -سبحانه- بأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، فقال -تعالى-: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت:45)، يجد أنها تحولت إلى عادة مِن العادات عند كثيرٍ منا، فأصبحت لا تنهى عن الفحشاء ولا المنكر! بل صارت أشبه بجهاز تسجيل، يكبر المسلم ليدخل صلاته، فيكرر لسانه المحفوظات التي اعتادها بلا تفكير منه فيما يقرأ ولا تدبر لأذكارها، ويخرج منها كما دخل، فلا خشوع ولا خضوع ولا قرب -إلا مَن رحم الله تعالى-؛ فصاحب التدخين ما زال يدخن، وصاحب الأغاني مستمر، وصاحب الربا مصر، وصاحب الغيبة ربما يكثر منها، وصاحبة التبرج تتباهى به، إلخ.

وهذه المعاصي تضعف الايمان وتقوي جانب الشيطان، وتمرض القلب، وهو الران: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين:14)؛ فأين التأثر بالصلاة وتذوق طعم الإيمان؟!

إن مقياس وضابط تحول الصلاة إلى عادة هو مقدار الإحساس بالخشوع واللذة فيها، فإن كانت الصلاة حركات وأقوالًا مجردة لا تحرك في الوجدان ساكنًا سواء بالتأخر عنها، أو بما فيها مِن أقوالٍ وأذكارٍ؛ فهي إذًا عادة؛ ألا ترى يا أخي كيف كان ينظر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إليها؟! فقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول لبلال -رضي الله عنه-: (يَا بِلَالُ أَقِمْ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، هذه هي الصلاة التي ضيَّع روحها وثمرتها كثير مِن الناس ممَن أصبحت الصلاة لا تمثِّل عندهم إلا حركات وكلمات لا صلة بينها وبين قلوبهم.

واعلم يا أخي أن مَن صارت صلاته كذلك؛ تجده لا يعرف حتمًا صلاة الليل وقيامه؛ لأنه لو كان يعلمها لوجد لذة الصلاة، ولجاهد مِن أجلها.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "قال بعض السلف: إني أدخل في الصلاة فأحمل هم خروجي منها، ويضيق صدري إذا فرغت أني خارج منها، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني)، ومَن كانت قرة عينه في شيء فإنه يود ألا يفارقه ولا يخرج منه، فإن قرة عين العبد نعيمه وطيب حياته به.
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً