أمير نشر الإسلام في بلاد السودان عرضنا في المقالة السابقة شيئا من مسيرة الفقيه المجدد عبد الله ...

أمير نشر الإسلام في بلاد السودان

عرضنا في المقالة السابقة شيئا من مسيرة الفقيه المجدد عبد الله بن ياسين في تكوين الدولة المرابطية المجاهدة، هذا الرجل الذي أنشأ فضلا عن الدولة جيلا يحمل الراية من بعده، كان منه يوسف بن تاشفين الذي توجه بجيوش المسلمين شمالا فعبر إلى الأندلس وهزم الصليبيين، وكان منه كذلك القائد المظفر أبو بكر بن عمر الذي عَبر رمال الصحراء حاملا الإسلام وحكم الشريعة إلى إفريقية.

وإن ممَّا يميز سيرة هذا الرجل هو تضحيته بكل شيء خدمةً لدينه وأمته، حرصا منه على وحدة صفها وعلو شأنها، ولم يكن ابن عمر ممن يسعى لخدمة نفسه ومصالحها على حساب الأمة ووحدتها، كما هو حال كثير ممن انتسب إلى هذه الأمة في الغابر والحاضر.

- القائد العسكري الجديد

بدأت مسيرة ابن لمتونة وأميرها متعلماً على يد ابن ياسين ثم قائدا عسكريا لجيوشه، ففي المحرم سنة (448 هـ) تولى أبو بكر بن عمر القيادة العسكرية للمرابطين خلفا لأخيه يحيى بن عمر، وواصل تحت إشراف الفقيه ابن ياسين مسيرة الجهاد.

غزو الروافض البجلية

وفي السنة ذاتها (448 هـ) غزا أبو بكر بن عمر بلاد السوس، وفي سنة (449 هـ) افتتح ماسة وتارودانت، وكانت هذه المدن من معاقل الرافضة في المغرب، قال السلاوي في الاستقصا: «وكان بها قوم من الرافضة يُقال لهم البجلية، نسبة إلى عليّ بن عبد الله البَجلِيّ الرافضي... فقاتلهم عبد الله بن ياسين وأبو بكر بن عمر حتى فتحوا مدينة تارودانت عنوة، وقتلوا بها خلقا كثيرا، ورجع من بقي منهم إلى مذهب السنة والجماعة».

- خليفة الشيخ بن ياسين يكمل مسيرته

وبعد استئصال الرافضة سار ابن عمر مع شيخه ابن ياسين لقتال قبائل برغواطة ذات المعتقدات الشبيهة بعقائد المجوسية، وفي أثناء هذه الحرب أصيب عبد الله بن ياسين وكانت بها شهادته، كما نحسبه، فآلت إمارة المرابطين كاملة إلى أبي بكر بن عمر، قال السلاوي: «فكان أول ما فعله بعد تجهيزه إيّاه ودفنه [ابن ياسين] أن زحف إلى برغواطة مصمما في حربهم، متوكلا على الله في جهادهم، فأثخن فيهم قتلا وسبيا حتى تفرقوا في المكامن والغياض، واستأصل شأفتهم وأسلم الباقون إسلاما جديدا، ومحا أبو بكر بن عمر أثر دعوتهم من المغرب وجمع غنائمهم وقسمها بين المرابطين وعاد إلى مدينة أغمات»، وهذا نصر آخر يضاف إلى سلسلة انتصارات ابن عمر في حرب أهل الضلالة ونشر التوحيد، وبهذا أيضا فتحت الدنيا ذراعيها لأبي بكر بن عمر الذي غدا القائد الوحيد للمرابطين.

- أبو بكر بن عمر يترك المغرب متوجها إلى الصحراء

ولكن الأمور لم تدم صافية لابن عمر في إمارة قومه ببلاد المغرب المفتتحة، فبعد أن حقق كل هذه الانتصارات جاءته الأنباء بما يكدر صفوه، قال السلاوي: «ثم ورد عليه رسول من بلاد القبلة فأخبره باختلال أمر الصحراء ووقوع الخلاف بين أهلها»، وهنا وُضع هذا القائد على مفترق طرق، أيرسل أحد أبناء عمومته ليحل هذا الخلاف؟ أم يذهب بنفسه؟ وإن ذهب بنفسه فهل يتخلى عن إمرة قومه بالمغرب بعد كل انتصاراته فيها؟
وهنا ظهرت معادن الرجال، قال السلاوي: «كان الأمير أبو بكر رجلا متورعا فعظم عليه أن يقتل المسلمون بعضهم بعضا، وهو قادر على كفهم ولم يرَ أنه في سعة من ذلك وهو متوالي أمرهم ومسؤول عنهم، فعزم على الخروج إلى بلاد الصحراء ليصلح أمرها ويقيم رسم الجهاد بها»، فترك كل شيء في سبيل الله وحده.

- الأمير يوحد الناس على قتال المشركين

ورحل الأمير المرابطي إلى الصحراء فأصلح حالها ومهد لدولة الإسلام فيها، ثم خرج إلى بلاد السودان مجاهدا في سبيل الله داعيا إليه، قال ابن خلدون: «ولحق بقومه ورفع ما كان بينهم من خرق الفتنة، وفتح باباً من جهاد السودان، فاستولى على نحو تسعين رحلة من بلادهم»، فلم يكتف -رحمه الله- بالإصلاح بين قومه فحسب، بل مهد لغزو جيوش المسلمين غرب إفريقية وإقامة دولة الإسلام فيها.

قال السلاوي: «كان سفر أبي بكر بن عمر إلى الصحراء في ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة، ولما وصل إليها أصلح شأنها ورتب أحوالها وجمع جيشا كثيفا وغزا به بلاد السودان فاستولى منها على نحو تسعين مرحلة».

- أبو بكر بن عمر يُخضِع كفار الصحراء

ويذكر السلاوي في موضع آخر أنَّ أبا بكر بن عمر غزا مملكة غانة، ونشر فيها وفيما يجاورها الإسلام: «ثمَّ أن أهل غانة ضعف ملكهم وتلاشى أمرهم في المائة الخامسة، واستفحل أمر الملثمين المجاورين لهم من جهة الشمال ممّا يلي البربر، وزحف إليهم الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني»، ويذكر السلاوي أن أبا بكر بن عمر فتح من تلك البلاد مسيرة ثلاثة أشهر «وحمل الكثير منهم ممن لم يكن أسلم قبل ذلك على الإسلام».
...المزيد

كيف يتتبع العدو الإشارات اللاسلكية الطرق التالية تعتمد على تحديد الاتجاه الذي أتت منه الإشارة ...

كيف يتتبع العدو الإشارات اللاسلكية


الطرق التالية تعتمد على تحديد الاتجاه الذي أتت منه الإشارة عن طريق استقبالها بأجهزة مختلفة من مواقع متعددة، ثم استنتاج الموضع الذي انطلقت منه الإشارة اللاسلكية:

• DDF:
وهي من الطرق التي لا تحتاج إلى إلكترونيات معقدة كثيرا (متوسطة التعقيد)، وتعطي دقة لا بأس بها، إذ يقوم عملها على تحديد اتجاه الإشارة من عدة نقاط رصد منتشرة، يحتوي كل منها على مجموعة من الهوائيات، تكون عادةً أربعة، وتعطي كل نقطة رصد الاتجاه الذي استُلمت الإشارة المطلوبة منه، ثم يتم رسم خط على الخريطة من نقطة الرصد إلى الاتجاه الذي أتت منه الإشارة، وبعد رسم جميع الخطوط من جميع نقاط الرصد على الخريطة يتم الحصول على نقطة تقاطع لجميع الخطوط، وهذه هي النقطة التي انطلقت منها الإشارة، وكلما ابتعدت نقطة الإرسال عن نقاط الرصد قلت الدقة في التحديد.

وفي هذه الطريقة وغيرها ستنتج خطوط تشير بعيداً عن الاتجاه الصحيح، وسبب هذا هو انعكاس بعض الإشارات عن الجدران والجبال، ويقوم البرنامج الذي يجمع البيانات من نقاط الرصد ويحللها باستبعاد القراءات الشاذة الناتجة عن الانعكاسات.

• طريقة مقارنة قوة الإشارة المرسلة (RSSI):

فعندما يرسل أي جهاز لاسلكي إشارة فهذه الإشارة تنتشر في الهواء وتبتعد عن الجهاز الذي أرسلها، وأثناء ابتعادها تضعف تدريجيا حتى تتلاشى ويصبح استلامها متعذراً بسبب شدة الضعف مع طول المسافة التي تسافرها الإشارة، ومن الطرق التقليدية أن تُستلم الإشارة في عدد من النقاط المختلفة، وتُقرأ من جهاز الاستلام قوة كل إشارة في كل نقطة استلام، وببعض الحسابات يمكن معرفة الموقع الذي انطلقت منه الإشارة ابتداء، وهذه من أسهل الطرق ولكن دقتها ليست عالية جداً.

وهذه الطريقة البسيطة يمكن استخدامها لمعرفة موقع نقطة الإنترنت اللاسلكي بدقة لا بأس بها باستخدام الهاتف الذكي وتطبيقاته المجانية، فإشارة الإنترنت هي إشارة لاسلكية كهرومغناطيسية، وتنطبق عليها كل القوانين الفيزيائية التي تنطبق على الإشارات الكهرومغناطيسية، ويمكن إيجاد موقع كل نقطة تتصل بالإنترنت لاسلكيا بهذه الطريقة.

• إيجاد وقت الوصول (TDOA) وتحديد زاوية وصول الإشارة (AOA):

وهذه من الأساليب الحديثة المعتمدة لدى الجيش الأمريكي منذ زمن، وتصل دقتها إلى ما دون 100 متر أحياناً، وبالدمج بينها وبين تصوير المنطقة يمكن استنتاج موقع الإرسال بدقة، خصوصاً في المناطق متباعدة البنيان، وتعتمد على استلام الإشارة المطلوب تحديد مصدرها باستخدام نقطة رصد فيها مجموعة من الهوائيات (Antenna) ثم مقارنة زاوية وصول الموجة أو زمن وصول الموجة إلى كل هوائيات المجموعة، وهذا يضمن الحصول على الاتجاه الذي جاءت منه الإشارة إلى مجموعة الهوائيات بدقة بالغة، وبوضع أكثر من نقطة رصد لاستلام نفس الإشارة، ثم رسم خطوط اتجاه الإشارة التي استلمتها كل نقطة، ستكون نقطة التقاطع بين الخطوط هي موقع الإرسال، وتستخدم بشكل تقليدي في مطاردة القبضات اللاسلكية.

ولذلك لا بد من الانتباه لاستخدام أجهزة لاسلكية في أرض مفتوحة؛ لأن انعكاس الإشارة وتشتتها غير متوفر في هذه الحالة، وستزداد دقة تحديد الموقع لدى العدو، والإجراء المضاد في حالة القبضات هو جعل إشاراتها متشابهة لا تميز مستخدماً عن آخر، وبرمجتها بحيث لا ترسل رقم القبضة أو «التون» المعرف بها، وهذا يؤدي إلى امتزاج الإشارات وعدم إمكانية تحديد الشخص المستهدف من دون استخدام العنصر البشري من قبل العدو، وهذا يعقّد عمل الصليبيين، فهم يستخدمون بشكل تقليدي البرمجيات والتحليل البرمجي للبيانات بلا اعتماد على عدد كبير من المحللين البشريين، والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 57
الخميس 1 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

كيف يتتبع العدو الإشارات اللاسلكية إن تحديد موقع الأفراد واﻷسلحة والمقرات هو من أهم خطوات ...

كيف يتتبع العدو الإشارات اللاسلكية

إن تحديد موقع الأفراد واﻷسلحة والمقرات هو من أهم خطوات الاستهداف، ومن المهم للمجاهد أن يعي كيف يحدد العدو موقعه تقنيا، حتى لا يكون فريسة سهلة له، كما أن المعرفة بتقنيات تحديد الموقع يمكن استخدامها في إعطاء العدو معلومات خاطئة، وسيتفاجأ كثير من المجاهدين بمستوى اعتماد العدو على الأجهزة الحديثة، وبمدى التضليل الممكن إحداثه لهذه الأجهزة باستخدام تقنيات بسيطة عند فهم طرق عمل العدو.

لكي تتصور الأمواج اللاسلكية الكهرومغناطيسية التي ترسلها الهواتف الخليوية والقبضات وأجهزة بث الإنترنت (WiFi) وغيرها، فعليك أن تفكر فيها وكأنها أمواج ماء تنتشر بعيدا عن نقطة المجذاف الذي يشكلها ابتداءً، وكأن ارتفاع قدرة الإرسال في القبضة أو برج التقوية (Repeater) أو جهاز بث الإنترنت بمثابة زيادة قوة الجذف وبالتالي إنشاء موجات مائية أكبر وأكبر. وكما أن تحرك الموجات المائية بعيداً عن مصدرها يؤدي إلى ضعفها ثم تلاشيها فتصبح غير مرئية للعين بعد مسافة معينة، فإن استلام الإشارة اللاسلكية يصبح أصعب وأصعب مع الابتعاد عن نقطة الإرسال.

وتتفاوت أجهزة تحديد الموقع في مبدأ عملها وفي دقة تحديدها له، وكذلك في حجمها وإمكانية استخدامها في الساحات المختلفة، فمنها ما يمكن تركيبه في طائرة صغيرة، ومنها ما يحتاج إلى سيارة، وسنذكر أشهر أساليب تحديد الموقع التي تهم المجاهدين.

وللاستزادة يمكن البحث على شبكة المعلومات العالمية عن كلمة «Geolocation” وستجد أن علم تحديد الموقع هو بحر لا ساحل له، وأن دمج تحديد الموقع بالإلكترونيات مع التصوير الجغرافي سيزيد القدرة على استنتاج الموقع بشكل أدق، ونذكر هنا الأساليب التالية:

• منظومة GPS الأمريكية وشبيهاتها الروسية وغيرها:

وهي أشهر أساليب تحديد الموقع، والأكثر شيوعاً في الحياة اليومية مدنياً وعسكرياً، وقد بُنيت على عدد من الأقمار الصناعية التي تدور في السماء، إذ يرسل كل منها موقعه والوقت الحالي في لحظة معينة بشكل مستمر، وتسير هذه الإشارة في كل الاتجاهات، فتستلمها كل أنواع أجهزة تحديد الموقع مثل الهواتف الذكية وأجهزة Garmin وأجهزة Trimple وغيرها.

ويقوم الجهاز المتضمن للـ GPS بتجميع هذه الإشارات التي يستقبلها من الأقمار المختلفة ومقارنتها ببعضها، فإذا كان القمر بعيداً فسوف تصل إشارته متأخرة، وإذا كان قريباً فستصل إشارته سريعاً، ويقوم الجهاز بمقارنة ما يستلم من إشارات الأقمار المختلفة بتوقيت دقيق جداً لديه، ويحسب المسافة بينه وبين كل قمر بناء على الوقت الذي استغرقته إشارة هذا القمر في الطريق حتى وصلت إلى الجهاز، وبعد هذا يقوم بحساب موقعه الجغرافي بناء على القوانين المثلثية المشهورة، وهذه العملية تتكرر بسرعة كبيرة، وتعطي الجهاز الفرصة لأن يحسب موقعه مرات كثيرة في الثانية الواحدة ثم يقرر ما هي الحسابات الأفضل، التي تكررت أكثر أثناء العمل، فيخرجها على أنها هي الموقع الجغرافي الصحيح.
ومن المهم معرفة أن تحديد الموقع بمنظومة GPS لا يتضمن إرسال إشارة أثناء العمل، بل هو استلام إشارة الأقمار الصناعية فقط، ولكن الخرق الأمني يحصل عند وجود جهاز تحديد الموقع مع جهاز اتصال مثل الهاتف، ففي هذه الحالة يمكن اختراق جهاز الاتصال بسهولة بالغة في العادة ثم قراءة الموقع لصاحب الهاتف من دون أن يشعر، وهي عملية اختراق بسيطة لا تحتاج إلى إمكانيات عالية.

الطرق التالية تعتمد على تحديد الاتجاه الذي أتت منه الإشارة عن طريق استقبالها بأجهزة مختلفة من مواقع متعددة، ثم استنتاج الموضع الذي انطلقت منه الإشارة اللاسلكية:

• DDF:

وهي من الطرق التي لا تحتاج إلى إلكترونيات معقدة كثيرا (متوسطة التعقيد)، وتعطي دقة لا بأس بها، إذ يقوم عملها على تحديد اتجاه الإشارة من عدة نقاط رصد منتشرة، يحتوي كل منها على مجموعة من الهوائيات، تكون عادةً أربعة، وتعطي كل نقطة رصد الاتجاه الذي استُلمت الإشارة المطلوبة منه، ثم يتم رسم خط على الخريطة من نقطة الرصد إلى الاتجاه الذي أتت منه الإشارة، وبعد رسم جميع الخطوط من جميع نقاط الرصد على الخريطة يتم الحصول على نقطة تقاطع لجميع الخطوط، وهذه هي النقطة التي انطلقت منها الإشارة، وكلما ابتعدت نقطة الإرسال عن نقاط الرصد قلت الدقة في التحديد.

وفي هذه الطريقة وغيرها ستنتج خطوط تشير بعيداً عن الاتجاه الصحيح، وسبب هذا هو انعكاس بعض الإشارات عن الجدران والجبال، ويقوم البرنامج الذي يجمع البيانات من نقاط الرصد ويحللها باستبعاد القراءات الشاذة الناتجة عن الانعكاسات.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 57
الخميس 1 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ العَشيرَ (٢/٢) شكر الإنعام فرض وأما مسألة كفران العشير فهي ...

تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ العَشيرَ

(٢/٢)
شكر الإنعام فرض

وأما مسألة كفران العشير فهي مما عمت بها البلوى بين النساء وطمت، إلا من رحم الله، والكفران جحود النعم وسترها وإخفاؤها وضده الشكران، وقد ورد تفسيره في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (أُرِيت النار فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرن) قيل: أيكفرن بالله؟ قال: (يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قط).

قال ابن رجب، رحمه الله: «قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرحه: مراد المصنّف أن يبيّن أن الطاعات كما تسمى إيمانا كذلك المعاصي تسمى كفرا لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد الكفر المخرج من الملة، قال وخص كفران العشير من بين أنواع الذنوب لدقيقة بديعة وهي قوله، صلى الله عليه وسلم: (لو أَمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها). فقرَنَ حق الزوج على الزوجة بحق الله فإذا كفرت المرأة حق زوجها وقد بلغ من حقه عليها هذه الغاية كان ذلك دليلا على تهاونها بحق الله، فلذلك يطلق عليها الكفر لكنه كفر لا يخرج عن الملة» [ابن رجب: فتح الباري].

وقال النووي: «وفيه أن كفران العشير والإحسان من الكبائر فإن التوعد بالنار من علامة كون المعصية كبيرة».

وقال ابن بطال: «وفي هذا الحديث تعظيم حق الزوج على المرأة، وأنه يجب عليها شكره والاعتراف بفضله؛ لستره لها وصيانته وقيامه بمؤنتها وبذله نفسه في ذلك، ومن أجل هذا فضّل الله الرجال على النساء في غير موضع من كتابه، فقال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، وقال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228]، وقد أمر -عليه السلام- من أسديت إليه نعمة أن يشكرها، فكيف نعم الزوج التي لا تنفك المرأة منها دهرها كله؟

وقد قال بعض العلماء: شكر الإنعام فرض. واحتج بقوله، عليه السلام: (من أسديت إليه نعمة فليشكرها)، وبقوله: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14]، فقَرَنَ بشكره شكر الآباء، قال: فكذلك شكر غيرهم واجب، وقد يكون شكر النعمة في نشرها، ويكون في أقل من ذلك، فيجزئ فيه الإقرار بالنعمة والمعرفة بقدر الحاجة» [شرح صحيح البخاري].

وقال الشوكاني: «وكثيرا ما ترى المرأة إذا كلمها القريب بكلمة حسنة، وأظهر لها أدنى محبة كانت في تلك الحالة طيبة النفس بأن تصيِّر إليه جميع ما تملكه وإن كان بآلاف مؤلفة، وإذا أظهر لها أدنى خشونة، وأبدى لها بعض الميل عنها كانت أشد الناس عداوة له وبغضا، وربما تمنت حال فورة غضبها نزول العظائم به، التي لو نزل عليه بعضها في تلك الحال وهي ثائرة الغضب لعادت باكية عليه».

هل جزاء الإحسان إلا الإحسان

وإن المتأمل في حال كثير من النساء يرى أن الكفران لا يتأتى منهن في حق الزوج وحسب، وإن كان له منه النصيب الأوفر، بل ويكون أيضا في كثير من الأحيان في حق صديقات المرأة وجاراتها بل وحتى أبنائها، أناس يحسنون إليها ويكرمونها، ومع أول مشكلة قد تحدث ينها و بينهم تكفر كل خير رأته منهم، وتنسى كل معروف أتاها منهم، وكأنها قد جُبلت على هذا الطبع والعياذ بالله، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من لم يشكر الناس، لم يشكر الله) [رواه الترمذي وغيره]؛ قال المباركفوري: «قوله: (من لم يشكر الناس... إلخ) قال الخطابي هذا يُتأول على وجهين؛ أحدهما أن من كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لمعروفهم كان من عادته كفران نعمة الله تعالى وترك الشكر له، والوجه الآخر أن الله سبحانه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر» [تحفة الأحوذي].

ولا خير في خل يخون خليله
ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشا قد تقادم عهده
ويظهر سرا كان بالأمس قد خفا

وختاما نعود ونقول للأخت المسلمة؛ اللهَ اللهَ في لسانك، تلك العضلة التي قد تلقي بك في نار جهنم، والله الله في زوجك، فواللهِ لن تؤدي حق ربك حتى تؤدي حق زوجك.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 57
الخميس 1 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ العَشيرَ (٢/٢) شكر الإنعام فرض وأما مسألة كفران العشير فهي ...

تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ العَشيرَ

(٢/٢)
شكر الإنعام فرض

وأما مسألة كفران العشير فهي مما عمت بها البلوى بين النساء وطمت، إلا من رحم الله، والكفران جحود النعم وسترها وإخفاؤها وضده الشكران، وقد ورد تفسيره في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (أُرِيت النار فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرن) قيل: أيكفرن بالله؟ قال: (يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قط).

قال ابن رجب، رحمه الله: «قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرحه: مراد المصنّف أن يبيّن أن الطاعات كما تسمى إيمانا كذلك المعاصي تسمى كفرا لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد الكفر المخرج من الملة، قال وخص كفران العشير من بين أنواع الذنوب لدقيقة بديعة وهي قوله، صلى الله عليه وسلم: (لو أَمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها). فقرَنَ حق الزوج على الزوجة بحق الله فإذا كفرت المرأة حق زوجها وقد بلغ من حقه عليها هذه الغاية كان ذلك دليلا على تهاونها بحق الله، فلذلك يطلق عليها الكفر لكنه كفر لا يخرج عن الملة» [ابن رجب: فتح الباري].

وقال النووي: «وفيه أن كفران العشير والإحسان من الكبائر فإن التوعد بالنار من علامة كون المعصية كبيرة».

وقال ابن بطال: «وفي هذا الحديث تعظيم حق الزوج على المرأة، وأنه يجب عليها شكره والاعتراف بفضله؛ لستره لها وصيانته وقيامه بمؤنتها وبذله نفسه في ذلك، ومن أجل هذا فضّل الله الرجال على النساء في غير موضع من كتابه، فقال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، وقال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228]، وقد أمر -عليه السلام- من أسديت إليه نعمة أن يشكرها، فكيف نعم الزوج التي لا تنفك المرأة منها دهرها كله؟

وقد قال بعض العلماء: شكر الإنعام فرض. واحتج بقوله، عليه السلام: (من أسديت إليه نعمة فليشكرها)، وبقوله: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14]، فقَرَنَ بشكره شكر الآباء، قال: فكذلك شكر غيرهم واجب، وقد يكون شكر النعمة في نشرها، ويكون في أقل من ذلك، فيجزئ فيه الإقرار بالنعمة والمعرفة بقدر الحاجة» [شرح صحيح البخاري].

وقال الشوكاني: «وكثيرا ما ترى المرأة إذا كلمها القريب بكلمة حسنة، وأظهر لها أدنى محبة كانت في تلك الحالة طيبة النفس بأن تصيِّر إليه جميع ما تملكه وإن كان بآلاف مؤلفة، وإذا أظهر لها أدنى خشونة، وأبدى لها بعض الميل عنها كانت أشد الناس عداوة له وبغضا، وربما تمنت حال فورة غضبها نزول العظائم به، التي لو نزل عليه بعضها في تلك الحال وهي ثائرة الغضب لعادت باكية عليه».

هل جزاء الإحسان إلا الإحسان

وإن المتأمل في حال كثير من النساء يرى أن الكفران لا يتأتى منهن في حق الزوج وحسب، وإن كان له منه النصيب الأوفر، بل ويكون أيضا في كثير من الأحيان في حق صديقات المرأة وجاراتها بل وحتى أبنائها، أناس يحسنون إليها ويكرمونها، ومع أول مشكلة قد تحدث ينها و بينهم تكفر كل خير رأته منهم، وتنسى كل معروف أتاها منهم، وكأنها قد جُبلت على هذا الطبع والعياذ بالله، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من لم يشكر الناس، لم يشكر الله) [رواه الترمذي وغيره]؛ قال المباركفوري: «قوله: (من لم يشكر الناس... إلخ) قال الخطابي هذا يُتأول على وجهين؛ أحدهما أن من كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لمعروفهم كان من عادته كفران نعمة الله تعالى وترك الشكر له، والوجه الآخر أن الله سبحانه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر» [تحفة الأحوذي].

ولا خير في خل يخون خليله
ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشا قد تقادم عهده
ويظهر سرا كان بالأمس قد خفا

وختاما نعود ونقول للأخت المسلمة؛ اللهَ اللهَ في لسانك، تلك العضلة التي قد تلقي بك في نار جهنم، والله الله في زوجك، فواللهِ لن تؤدي حق ربك حتى تؤدي حق زوجك.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 57
الخميس 1 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ العَشيرَ (١/٢) لقد حذَّرت شريعتنا الغراء -قرآنا وسنة- نساء ...

تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ العَشيرَ

(١/٢)
لقد حذَّرت شريعتنا الغراء -قرآنا وسنة- نساء أمتنا من جملة من المثالب والمعائب، التي قد تورد صاحبتها المهلكة، ومن تلكم الطباع السيئة المنهي عنها، التي لازمت كثيرا من النساء، كثرة اللعن وكفران العشير.

فعن أبي سعيد الخدري، قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمرّ على النساء، فقال: (يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار) فقلن: وَبِمَ يا رسول الله؟ قال: (تكثرن اللعن، وتكفرن العشير) [متفق عليه].

ولتعلم المرأة اللعّانة، أن اللعن يعني الطرد من رحمة الله تعالى، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لعن المؤمن كقتله) [رواه البخاري ومسلم عن ثابت بن الضحاك].

وعن أمِّ الدرداء قالت: سمعتُ أبا الدرداء يقول: قال رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالا، فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لُعِن، فإن كان لذلك أهلا، وإلا رجعت إلى قائلها) [رواه أبو داود].

أوبعد هذا تجرؤ مسلمة على اللعن؟ فكم من امرأة تلعن نفسها في اليوم مرات ومرات وهي لا تدري! بل إن من النساء من لا تجلد بسياط لعناتها إلا ظهور أطفالها المساكين، فما إن تغضب حتى تفريهم بلسانها فريا؛ شتما ولعنا، وما –والله- تلك بأخلاق المؤمنات الصالحات!

عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا ينبغي لصِدِّيق أن يكون لعّانا) [رواه مسلم].

ليس المؤمن بلعّان

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعّانا) [رواه الحاكم].

وعن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بطعّان، ولا بلعّان، ولا الفاحش البذيء) [رواه أحمد والترمذي].
وعن زيد بن أسلم، أن عبد الملك بن مروان، بعث إلى أم الدرداء بأنجاد [جمع نجد وهو متاع البيت الذي يزينه] من عنده، فلما أن كان ذات ليلة، قام عبد الملك من الليل، فدعا خادمه، فكأنه أبطأ عليه، فلعنه، فلما أصبح قالت له أم الدرداء: سمعتك الليلة، لعنت خادمك حين دعوته، فقالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لا يكون اللعّانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة) [رواه مسلم].

وطعّان ولعّان وردتا بصيغة فعّال التي تفيد كثرة الفعل، فالطعّان الذي يطعن في أعراض المسلمين ويقدح فيها، واللعّان الذي يكثر من لعن المسلمين والمسلمات ويسب ويشتم دون رادع أو وازع، والفاحش البذيء الذي لا يتورّع عن التلفظ بكلام فاحش، والجهر بألفاظ قبيحة تشمئز منها النفوس الطيبة وتتأذى منها الأسماع.

ما له... ترب جبينه!

وأين المسلمة من أخلاق نبينا -صلى الله عليه وسلم- الذي قال عنه خادمه أنس بن مالك، رضي الله عنه: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- سبّابا، ولا فحّاشا، ولا لعّانا، كان يقول لأحدنا عند المعتبة: (ما له ترب جبينه) [رواه البخاري].
بل إنه قد نهى عن لعن الدواب فكيف بلعن مسلم أو مسلمة؟!

فقد روى مسلم عن أبي برزة الأسلمي، قال: بينما جارية على ناقة، عليها بعض متاع القوم، إذ بصرت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وتضايق بهم الجبل، فقالت: حَلْ، اللهم العنها، قال: فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة).

وفي رواية أخرى؛ عن عمران بن حصين، قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقة، فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (خذوا ما عليها ودعوها، فإنها ملعونة) قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس، ما يعرض لها أحد [رواه مسلم].

نعم ناقة تركوها لأنها لُعِنت، وبعض النساء اليوم لا نبالغ إن نحن قلنا أن جلّ أدوات مطابخهن قد لُعنت وهذا من المضحكات المبكيات؛ فالسكين يجرحها فتلعنه، والصحن يقع من يدها فتلعنه، وإبريق الشاي الساخن يلسعها فتلعنه، وهكذا فلا يكاد يسلم شيء من لسانها، أصلحها الله.

فلتتقِ المسلمة الله في نفسها وفيمن حولها وإن كان جمادا لا حراك فيه، ولتنزه لسانها عن كل ما يخل بالإيمان ويطمس الحياء، وليكن لسانها رطبا بما زان وحسن، لا بما شان وساء.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 57
الخميس 1 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى مع اشتداد وطأة الحرب بين الدولة الإسلامية والتحالف الصليبي الذي تقوده ...

تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى

مع اشتداد وطأة الحرب بين الدولة الإسلامية والتحالف الصليبي الذي تقوده أمريكا، زادت آمال الشركاء المتشاكسين، والخصوم المتنافسين، المنضوين تحت قيادة التحالف باقتراب موعد حسم المعارك، فانطلقوا يستعجلون أخذ حصتهم من الغنائم التي وعدهم بها أسيادهم الصليبيون، ما دفعهم إلى التنازع فيما بينهم على الأرض والثروات التي يمنّي كل منهم نفسه أن تكون ثمنا للخسائر الكبيرة التي مُني بها في حربه مع الدولة الإسلامية.

وعلى الجانب الآخر تقف أمريكا الصليبية وهي تحاول أن تمنع تحوّل هذا التنازع إلى صراع وقتال، يؤثر على مجريات حربهم على الدولة الإسلامية.

- الصراع بين الحكومتين المرتدتين في طرابلس وطبرق

وسعيا لإرضاء الصليبيين عنهم، تحملت «حكومة الوفاق» المرتدة خسائر كبيرة في أرواح جنودها في معركة سرت التي اندفعوا فيها لقتال الدولة الإسلامية بدعم وغطاء جوي من التحالف الصليبي الدولي، ومع سيطرتهم على أجزاء واسعة في المدينة ظنوا أنه قد اقترب موعد الجائزة التي يطلبون الحصول عليها من الصليبيين لقاء قتالهم جنود الخلافة، وإزالتهم سلطان الشريعة الإسلامية عن مدينة سرت.

ولكن فاجأهم الطاغوت (حفتر) بسيطرته على منطقة الهلال النفطي، وحرمانهم بذلك من الموارد المالية الضخمة التي تحتويها تلك المنطقة، بالإضافة لكونها مصدر قوة لمن يملكها بإجباره الدول الأجنبية على التعامل معه للحصول على النفط الليبي الذي يُصدر أغلبه من موانئها، وتمكن حفتر بذلك من سحب البساط من تحت أقدام «حكومة الوفاق» المرتدة ليعطي مزيدا من القوة لحكومته في طبرق.

وردا على ذلك كثرت التسريبات عن احتمال نشوء صراع بين الطرفين على منطقة الهلال النفطي، الذي يغلب أن يتحول إلى حرب مفتوحة في ظل التهديد الكبير الذي بات يشكله الطاغوت حفتر على «حكومة الوفاق» المرتدة، هذا عدا الصراع المحتدم بين حكومتي «الوفاق» و«المؤتمر الوطني» ويسعى كل منهما إلى استلام السلطة في البلاد.

وبالتالي فإن الوضع في ليبيا مرشح للمزيد من الصراعات والنزاعات والتقاتل بين أطراف المرتدين المختلفة، خاصة مع أماني هذه الأطراف بقرب انتهاء المعارك مع الدولة الإسلامية التي تشكل عدوا مشتركا لهم جميعا.

- وإن تصبروا وتتقوا لا يضرّكم كيدهم شيئا

إن المشركين في كل زمان يجمعهم العداء للإسلام وأهله، وتُفرِّقهم المصالح، وإنَّ توقفَ الصراعات بين تلك الأصناف من المشركين التي ذكرناها إنما هو لفترة مؤقتة ليتفرغوا لقتال الدولة الإسلامية، التي ظنوا أن القضاء عليها سهل يسير فإذا بهم يقضون أعواما بانتظار حسم المعارك معها، وهو ما لم يروه إلى الآن، ولن يروه -بإذن الله- إلا والنتيجة بعكس ما كانوا يتمنون.

فلمّا طال عليهم الأمد، وخدعهم شياطينهم بقرب انتهاء المعارك ضد عدوهم المشترك، عادوا اليوم يتربصون ببعضهم، بل وبدأت بوادر الحرب بينهم تزداد وضوحا.

وإن صبر مجاهدي الدولة الإسلامية اليوم، وثباتهم، وزيادة نكايتهم في أعدائهم، وتمكّنهم من إطالة أمد الحرب لفترة أطول، من شأنه أن يزيد من الضغط على أطراف المرتدين المختلفة، ويدفع كلا منها إلى أن يسعى في سبيل مصالحه، منازعا خصومه عليها، وبالتالي تفريق الأحزاب التي اجتمعت على قتال الدولة الإسلامية اليوم، بإذن الله، ونسأل الله تعالى أن يحقق فيهم قوله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} [الأحزاب: 25]، وأن يعيننا على الكرّة عليهم، إنه على كل شيء قدير.

• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 57
الخميس 1 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى مع اشتداد وطأة الحرب بين الدولة الإسلامية والتحالف الصليبي الذي تقوده ...

تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى

مع اشتداد وطأة الحرب بين الدولة الإسلامية والتحالف الصليبي الذي تقوده أمريكا، زادت آمال الشركاء المتشاكسين، والخصوم المتنافسين، المنضوين تحت قيادة التحالف باقتراب موعد حسم المعارك، فانطلقوا يستعجلون أخذ حصتهم من الغنائم التي وعدهم بها أسيادهم الصليبيون، ما دفعهم إلى التنازع فيما بينهم على الأرض والثروات التي يمنّي كل منهم نفسه أن تكون ثمنا للخسائر الكبيرة التي مُني بها في حربه مع الدولة الإسلامية.

وعلى الجانب الآخر تقف أمريكا الصليبية وهي تحاول أن تمنع تحوّل هذا التنازع إلى صراع وقتال، يؤثر على مجريات حربهم على الدولة الإسلامية.

- الصراع بين الحكومة التركية المرتدة والـ PKK المرتدين

وبالمثل فإن نموذجا مشابها من الصراع بدأت ملامحه تزداد وضوحا في الشام، بين تركيا والـ PKK المرتدين، اللذين يعمل كلاهما تحت ظل التحالف الصليبي الدولي.

فبعد سنوات من غض الحكومة التركية المرتدة الطرف عن تقدم الـ PKK وفرض سيطرتهم على الأرض بمساعدة التحالف الصليبي الدولي والنظام النصيري، قرر الجيش التركي أن يضع حدا أمام مساعي الـ PKK، ومنعهم من إقامة إقليمهم المستقل على حدودهم الجنوبية، خاصة في ظل أماني التحالف الصليبي الدولي وعملائهم من الـ PKK باقتراب حسم المعارك ضد الدولة الإسلامية في الشام، والسيطرة على كامل ولايتي حلب والرقة.

وفي سبيل ذلك بادرت الحكومة العلمانية التركية المرتدة بتقديم المزيد من الخدمات للتحالف الصليبي الدولي، وذلك بالزج بجيشهم في حرب مباشرة مع الدولة الإسلامية، فضلا عن دعم الآلاف من الصحوات المرتدين بالسلاح والتدريب، وتقديم الغطاء الجوي لهم، وقصف المدن والقرى التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية بالآلاف من الصواريخ وقذائف المدفعية والدبابات، وذلك كله في سبيل الحصول على الرضا الأمريكي عنهم، وتقديم أنفسهم بديلاً للـ PKK في مسك الأرض التي تحرقها الطائرات الصليبية، لتجبر جنود الدولة الإسلامية على الانحياز عنها.

وبمجرد عبور الجيش التركي وعملائه من الصحوات الحدود في إطار العملية العسكرية التي أطلقوا عليها مسمّى «درع الفرات» بدأ الصراع بينهم وبين الـ PKK على إرضاء الأمريكيين، والتنازع بينهم على الأرض، الأمر الذي حاولت أمريكا الصليبية جهدها أن لا يتحوّل إلى حرب مفتوحة بين الطرفين، لكن تطوّرات الأوضاع في محيط مدينة الباب تشي بأن هذه الحرب باتت واقعا، مع محاولة الـ PKK منع «درع الفرات» المرتدين من الاقتراب من مدينة الباب، وبالتالي دق (إسفين) بين مناطق سيطرتهم في كل من منبج وعفرين، بل والإعلان المستمر من الحكومة التركية المرتدة عزمها على إخراج الـ PKK من منبج إلى شرق الفرات، وذلك لإنشاء الإقليم العازل الذي يطمح الأتراك إلى إنشائه منذ زمن، والذي يبدو أن فكرته بدأت تلاقي قبولا عند الروس والأمريكيين على حد سواء.

وبالتالي فإن هذا الصراع بين كل من الـ PKK من جهة، والحكومة التركية المرتدة وعملائها من الصحوات المرتدة من جهة أخرى مرشح للمزيد من التطورات، مع تزايد أماني الطرفين بقرب حسم المعارك ضد الدولة الإسلامية، وسعي كل طرف إلى السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأرض والموارد، وترتيب الأوضاع لصالحه قبل ذلك.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 57
الخميس 1 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى مع اشتداد وطأة الحرب بين الدولة الإسلامية والتحالف الصليبي الذي تقوده ...

تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى

مع اشتداد وطأة الحرب بين الدولة الإسلامية والتحالف الصليبي الذي تقوده أمريكا، زادت آمال الشركاء المتشاكسين، والخصوم المتنافسين، المنضوين تحت قيادة التحالف باقتراب موعد حسم المعارك، فانطلقوا يستعجلون أخذ حصتهم من الغنائم التي وعدهم بها أسيادهم الصليبيون، ما دفعهم إلى التنازع فيما بينهم على الأرض والثروات التي يمنّي كل منهم نفسه أن تكون ثمنا للخسائر الكبيرة التي مُني بها في حربه مع الدولة الإسلامية.

وعلى الجانب الآخر تقف أمريكا الصليبية وهي تحاول أن تمنع تحوّل هذا التنازع إلى صراع وقتال، يؤثر على مجريات حربهم على الدولة الإسلامية.

- الصراع بين الرافضة والمرتدين في إقليم كردستان

ولعل أوضح الأمثلة على ما يجري اليوم في مناطق إقليم كردستان، حيث أحاط البيشمركة المرتدون المناطق التي تقدموا إليها -بعد أن دمّرها الطيران الصليبي- بالسواتر الترابية، ونصبوا نقاط التفتيش على مداخل ضيقة في تلك السواتر التي عدها مراقبون بمثابة حدود مؤقتة للدولة التي يطمح مرتدو الأحزاب الكردية العلمانية في إعلانها بعد انتهاء المعارك في الموصل، لاسيما وأن بعض قادته أعلنوا أن قوات البيشمركة لن تنسحب من المناطق التي سيطرت عليها، ما دفع حلفاءهم الرافضة في بغداد إلى إطلاق تصريحات مضادة بأنهم سيتوجهون للسيطرة على تلك المناطق فور انتهاء المعارك في الموصل.

بل نجد أن التنازع امتد إلى داخل إقليم كردستان، حيث الصراع القديم بين الأحزاب الكردية المرتدة في كل من أربيل والسليمانية،فقد دفعت المعارك ضد الدولة الإسلامية وحرص أمريكا الصليبية على عدم السماح بأي صراع جانبي قد يؤثر عليها، إلى تأجيل مؤقت لحلقات الصراع، وذلك في ظل تدهور كبير في الأحوال الاقتصادية، وعجز للحكومة في أربيل عن تأمين رواتب الموظفين، وتعطل البرلمان والحكومة تماما؛ بسبب رفض مرتدي الأحزاب الكردية في السليمانية لرئاسة الطاغوت مسعود البرزاني.

ولكن مع الأماني التي تجددت لدى قادة أحزاب الردة في كردستان بقرب حسم المعارك ضد الدولة الإسلامية، وبالتالي زوال المانع الأمريكي من أي تنازع قد يؤثر على سير تلك المعارك، عاد أعداء البرزاني للضغط عليه عن طريق المظاهرات، والتهديد بإخراج أجزاء واسعة من الإقليم من سيطرة البرزاني عن طريق توحيد كل من السليمانية وجمجمال وحلبجة وكركوك في إقليم واحد محكوم ذاتيا، مستقل عن إقليم كردستان، أو حتى قطع العلاقة بين تلك المناطق وأربيل (عاصمة الإقليم)، عن طريق ربطها مباشرة بالحكومة الرافضية في بغداد.

هذا الأمر دفع الطاغوت مسعود البرزاني -أخيرا- إلى الإعلان عن استعداده للتنازل عن منصب الرئاسة لصالح غيره، دون أن يهدّئ ذلك من حدة الصراع بينه وبين شركائه في الحكومة والبرلمان، في ظل سعي كل منهم للحصول على أكثر المكاسب الممكنة من مال ونفوذ، خاصة مع شعور كل منهم أن كل طرف سيستبد بما وضع يده عليه قبل حسم المعارك في الموصل، وأن تغيير الواقع الجغرافي أو السياسي بعد انتهاء هذه المعارك سيكون في غاية الصعوبة.


• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

وسنجزي الشاكرين إن الناظر المدقق فيما اتهمت به بعض التنظيمات والأحزاب الزاعمة انتسابها للإسلام ...

وسنجزي الشاكرين


إن الناظر المدقق فيما اتهمت به بعض التنظيمات والأحزاب الزاعمة انتسابها للإسلام من أنها تستخدم الدين سُلَّما للوصول إلى السلطة يجد أنه حقيقةٌ لا افتراء، ولا أدلّ على صحّة ذلك من تضحيتهم بدين الإسلام وبيعه بأبخس الأثمان في أي مساومة تعرض عليهم من قبل الطواغيت وأسيادهم في الدول الصليبية.

فهم ينادون بالإسلام ليجمعوا حولهم الأنصار والأتباع، حتى إذا ما اشتد عودهم، ذهبوا يزاحمون الطواغيت على ما في أيديهم، مطالبين بأن يكون الحكم لله تعالى، والسلطة لأنفسهم، فلما علموا أن المشركين في العالم كله لا يرضون بأن يكون الحكم لله وحده، ساوموا الطواغيت وأسيادهم في الدول الصليبية على السلطة جاعلين الدعوة إلى حكم الله وراء ظهورهم. وأنى لهم أن يلتزموا حكم الله بعد أن جعلوا أنفسهم أندادا له؟ خاصة تلك الأحزاب التي دخلت في مجالس الطواغيت المشرّعين للقوانين الوضعية، أو في الوزارات التنفيذية الحاكمة بتلك القوانين والمتولية لهؤلاء الطواغيت؟

ثم نجدهم يزدادون تنازلا بمقدار ما يُعرضون له من الابتلاءات، أو يسعون إليه من المكاسب الدنيوية، حتى وصل بهم الأمر إلى المناداة الصريحة بالديموقراطية والعلمانية، وإعلان العداء البواح لمن يقيم شرع الله أو يدعو إليه، وموالاة اليهود والنصارى في ذلك، كما نراه واضحا جليا في حكومات الإخوان المرتدين وأحزابهم في مصر، وتركيا، وتونس، وفلسطين، وليبيا، وغيرها.

وعلى الموحّد أن يحمد الله أن عافاه من ذلك كله، إذ ما زالت الخلافة تُثبت -بفضل الله وحده- يوما بعد يوم تمسكها بدين الله، وإخلاص أمرائها وجنودها في توحيدهم لله، واتّباعهم لرسوله، صلى الله عليه وسلم، وإقامتهم للدين على هدي السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين، نحسبهم كذلك، ولا نزكي على الله أحدا، وهذا الثبات لم يكن إلا بمحض فضل الله وكرمه.

وليس مقدار الفتن الذي صُبّ على المهاجرين والأنصار بسبب تمسّكهم بدينهم هو وحده الدليل على صدقهم وإخلاصهم، إذ لم ينج من تلك الفتن أهل الأحزاب والتنظيمات التي ضلّت من قبل، ولكن العبرة في الاعتقاد والمنهاج، والثبات عليهما عند الفتن، وعدم التبديل في أحكام الإسلام، وعدم المداهنة في دين الله تعالى، إذ علموا أن لا نجاة من أن تتخطفهم عواصف الفتن إلا بمزيد من التمسّك بأصل الدين وفروعه، ومزيد من طلب العون والتثبيت من الله القوي العزيز، بطاعته فيما أمر من إقامة الدين، وجهاد المشركين، واجتناب ما نهى عنه وزجر من طاعة المشركين ومداهنتهم في الدين.

وما زالت الدولة الإسلامية -بفضل الله- تثبت أنها تبذل كل ما في يدها في سبيل أن يَسلم لرعيتها توحيدهم، ويتحقق لديهم اتباع سنّة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- في كل جوانب حياتهم، وأن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويأتمروا بالمعروف وينتهوا عن المنكر، وأن يكون دينهم كله لله تعالى، لا يشاركه فيه أحد من الأنداد، ولا ينازعه فيه أحد من الطواغيت.

فبعد أن مكّن الله لهم في سنين قليلة من الجهاد ما لم يمكّن لأتباع الأحزاب والتنظيمات الضالة المضلة في قرن من التنازلات والمداهنة لأعداء الله، حرص جنود الدولة الإسلامية أن يشكروا لله -عز وجل- هذه النعمة بإقامتهم للدين، ولو أدى بهم ذلك إلى أن يحاربهم عليه الإنس والجان، ورفضوا أن يبدلوا دين الله، أو أن يُنقِصوا منه، ولو دفعوا ثمنا لهذا الثبات ما كلّفهم من دماء وأشلاء، وسلاح وعتاد، وأموال.

وهذا هو دأب الأنبياء والصالحين في كل زمان ومكان، أن يحرصوا على بقاء دينهم، ويبذلوا ما في أيديهم، لينالوا ما في يد الله، ولو أدى ذلك إلى فناء الأنفس، فضلا عن المال والسلطان، كما وصفهم الله سبحانه بقوله: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ * وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ* فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 145-148].

فالثبات الثبات يا جنود الإسلام، فما هي -والله- إلا إحدى الحسنيين، والعاقبة للمتقين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 57
الخميس 1 ربيع الأول 1438 ه‍ـ
...المزيد

عبــد الله بن ياسين مجدّد الشريعة في بلاد الصحراء (٢/٢) • الحكم بالشريعة ولما توفي شيخ ...

عبــد الله بن ياسين
مجدّد الشريعة في بلاد الصحراء
(٢/٢)
• الحكم بالشريعة

ولما توفي شيخ كدالة قدم ابن ياسين أمير قبيلة لمتونة لتولي القيادة العسكرية، قال السلاوي: «فجمع عبد الله بن ياسين رؤوس القبائل من صنهاجة وولى عليهم يحيى بن عمر اللمتوني وعبد الله بن ياسين هو الأمير... فكان يحيى بن عمر يتولى النظر في أمر الحرب، وعبد الله بن ياسين ينظر في أمر الدين وأحكام الشرع ويأخذ الزكوات والأعشار».

واستمر المرابطون خلف أميرهم العسكري الجديد بتوجيه من فقيههم عبد الله بن ياسين يجددون للناس دينهم.

ففي سنة (446 هـ) -كما يذكر البكري- غزا ابن ياسين أودغست (جنوب موريتانيا اليوم) التي كانت منزل ملك غانة قبل دخول الإسلام، قال البكري: «وقتل فيها عبد الله بن ياسين رجلا من العرب المولّدين من أهل القيروان معلوما بالورع والصلاح وتلاوة القرآن وحجّ البيت يسمّى زباقرة، وإنّما نقموا عليهم أنّهم كانوا تحت طاعة صاحب غانة [الوثني] وحكمه» [المسالك والممالك].

وفي سنة (447 هـ) دخل المرابطون سجلماسة (جنوب المغرب اليوم) وأزاحوا ما بها من ظلم، قال السلاوي: «وغيّر ما وجد بها من المنكرات، وقَطَع المزامير وآلة اللهو، وأَحرق الدور التي كانت تباع بها الخمور، وأزال المكوس وأسقط المغارم المخزنية، ومحا ما أوجب الكتاب والسنة محوه، واستعمل على سجلماسة عاملا من لمتونة وانصرف إلى الصحراء».

وفي نهاية هذه السنة (447 هـ) قُتل الأمير يحيى بن عمر اللمتوني فقدّم الشيخ ابن ياسين أخاه (أبا بكر بن عمر) في المحرم سنة (448 هـ)، فسار تحت إمرة الفقيه كما سار أخوه من قبله، مواصلين الجهاد في سبيل الله، قال السلاوي: «ودخل المرابطون مدينة أغمات [شرق مراكش] سنة تسع وأربعين وأربعمائة، فأقام بها عبد الله بن ياسين نحو الشهرين ريثما استراح الجند، ثم خرج إلى تادلا ففتحها وقتل من وجد بها من بني يفرن ملوكها وظفر بلقوط المغراوي فقتله... ثم تقدم عبد الله بن ياسين إلى بلاد تامسنا ففتحها واستولى عليها».

وكان ابن ياسين -رحمه الله- يثخن في أعداء الله قتلا وسبيا حتى وصلت الأخبار إلى الفقيه الذي أرسله الجاهل بواقع المجاهدين، قال الذهبي: «وبلغت الأخبار إلى الفقيه بما فعل عبد الله بن ياسين فعظم ذلك عليه وندم، وكتب إليه ينكر عليه كثرة القتل والسبي، فأجابه: أما إنكارك علي ما فعلت وندامتك على إرسالي، فإنك أرسلتني إلى أمة كانوا جاهلية، يخرج أحدهم ابنه وابنته لرعي السوام، فتأتي البنت حاملا من أخيها، فلا ينكرون ذلك، وما دأبهم إلا إغارة بعضهم على بعض، ويقتل بعضهم بعضا، ففعلت وفعلت وما تجاوزت حكم الله، والسلام» [تاريخ الإسلام]، وهكذا رد ابن ياسين على من يُنَظِّر له جهاده وهو بعيد عن واقعه مصدقا ما يتناقله الناس من أخبار.

وبعد كل هذه الفتوحات عزم المرابطون بتوجيهٍ من شيخهم وفقيههم على غزو قبائل (برغواطة) وهي قبائل أشبه بالمجوسية، قال السلاوي: «وقيل له إن برغواطة قبائل كثيرة وأخلاط شتى اجتمعوا في أول أمرهم على صالح بن طريف المتنبئ الكذاب، واستمر حالهم على الضلالة والكفر إلى الآن، فلما سمع عبد الله بن ياسين بحال برغواطة وما هم عليه من الكفر رأى أن الواجب تقديم جهادهم على جهاد غيرهم فسار إليهم في جيوش المرابطين»، ويقدر الله تعالى أن يصاب ابن ياسين في ذروة ملاحمه مع هؤلاء المجوس (451 هـ) فينال الشهادة، قال صاحب «الاغتباط» في حقه: «دوّخ المغرب إلى أن صار يدين بتعاليم الإسلام بعد أن كاد يتقلص منه».

وصية ابن ياسين

قال السلاوي: «ولما حضرته الوفاة قال لهم: يا معشر المرابطين، إني ميت من يومي هذا لا محالة وإنكم في بلاد عدوكم، فإياكم أن تجبنوا أو تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وكونوا أعوانا على الحق وإخوانا في ذات الله، وإياكم والتحاسد على الرياسة فإن الله يؤتي ملكه من يشاء من خلقه ويستخلف في أرضه من أراد من عباده».

مضى ابن ياسين بعد أن بنى نواة دولة إسلامية انطلقت من نهر السنغال جنوبا لتصل إلى جوار مراكش شمالا، ثم توسعت بعد ذلك لتصل إلى الأندلس على حدود فرنسا شمالا على يد تلميذه يوسف بن تاشفين، وإلى أعماق أدغال إفريقية جنوبا على يد تلميذه أبي بكر بن عمر، لقد مضى بعد أن ترك جيلا من المجاهدين يكمل المسيرة من بعده، بعد أن أقام بهم ومعهم دولة الإسلام، فرحم الله ابن ياسين، وبارك في جنود الخلافة اليوم الذين يقارعون كل ممتنع عن تحكيم الشريعة، ولا ينفكون عن ذلك مهما بذلوا من تضحيات حتى يكون الدين كله لله.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 56
الخميس 24 صفر 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

عبــد الله بن ياسين مجدّد الشريعة في بلاد الصحراء من سنن الله -عز وجل- في خلقه أنهم كلما تاهوا ...

عبــد الله بن ياسين
مجدّد الشريعة في بلاد الصحراء

من سنن الله -عز وجل- في خلقه أنهم كلما تاهوا في غيهم وضلالهم أرسل لهم من يجدد لهم أمر دينهم، فتطيعه طائفة من الناس ويزيغ عنه أكثرهم، ويُظهر الموحدون البراءة ممن خالف منهج الله -عز وجل- ويجالدونهم بالسيف حتى يُظهر الله دينه ويكون الدين كله له، من هؤلاء المجددين كان الداعية العالم المجاهد عبد الله بن ياسين.

بدأت قصته بقرار اتخذه شيخ قبيلة كدالة القاطنة في صحراء المغرب يحيى بن إبراهيم، وهو أن يبصّر قومه بشرائع الله ويعرفهم حدوده، وكان رجلا خيِّرا محبا للدين، وقد استمر بحثه عمن يخرج مغه داعبا لقومه فرفض كثير من الدعاة الخروج معه إلى الصحراء لما في ذلك من المشقة إلا الداعية المجاهد عبد الله بن ياسين، فإنه قَبِل المهمة واستعان بالله عليها.

قال السلاوي: «فانتدب لذلك رجل منهم يقال له عبد الله بن ياسين الجزولي، وكان من حذاق الطلبة ومن أهل الفضل والدين والورع والسياسة، مشاركا في العلوم، فخرج مع يحيى بن إبراهيم إلى الصحراء»، وهكذا تحمّل ابن ياسين الغربة والمسير في قلب الصحراء ليحمل الدين إلى قوم تاهوا عنه.

ولمّا وصل عبد الله بن ياسين إلى مضارب قبيلة لمتونة وسألوه عما جاء به، أخبرهم بشرائع الإسلام التي جاء يعلمهم إياها ويطبق حدودها، قال ابن الأثير: «وقالوا: تذكر لنا شريعة الإسلام، فعرفهم عقائد الإسلام وفرائضه، فقالوا: أمّا ما ذكرت من الصلاة والزكاة، فهو قريب، وأما قولك: من قتل يُقتل، ومن سرق يُقطع، ومن زنى يُجلد أو يُرجم، فأمر لا نلتزمه، اذهب إلى غيرنا! فرحلا عنهم»، وهكذا امتنعت هذه القبيلة في بداية أمرها عن التزام الشريعة، فلم يقبل ابن ياسين بالبقاء بينهم دون التزام كامل بها.

ويمضي ابن ياسين إلى قبيلة كدالة بصحبة شيخها، قال ابن الأثير: «فدعاهم عبد الله بن ياسين والقبائل الذين يجاورونهم إلى حكم الشريعة، فمنهم من أطاع، ومنهم من أعرض وعصى»، ثم ألجؤوه بعد ذلك إلى الخروج عنهم لمّا ضاقوا ذرعا بأحكام الشريعة فلم يرضوا بتطبيقها، ولما لم يكن عند ابن ياسين قوة حينها لمحاربتهم أراد الخروج إلى السودان ليدعوهم، لكن شيخ كدالة أشار عليه بالمكوث في مدرسة مشهورة (يقال أنها قرب نهر السنغال). قال ابن خلدون: «فنبذوا عن الناس في ربوة يحيط بحر النيل من جهاتها ضحضاحا في المصيف وغمرا في الشتاء، فتعود جزرا منقطعة. فدخلوا في غياضها منفردين للعبادة».

من الدعوة إلى الجهاد

ويشاء الله أن يكون هذا الداعية نواة طيبة لإقامة دولة إسلامية، قال ابن خلدون: «وتسامع بهم من في قلبه مثقال حبة من خير، فتسايلوا إليهم ودخلوا في دينهم وغيضتهم، ولمّا كمل معهم ألف من الرجالات، قال لهم شيخهم عبد الله بن ياسين: إن ألفا لن تُغلب من قلّة، وقد تعيّن علينا القيام بالحق والدعاء إليه وحمل الكافة عليه، فاخرجوا بنا لذلك، فخرجوا وقتلوا من استعصى عليهم من قبائل لمتونة وكدالة»، فخرج ابن ياسين مجاهدا في سبيل الله القبائل المرتدة الممتنعة عن التزام الشرائع.

ويروي ابن الأثير ذلك فيقول: «فقال ابن ياسين للذين أطاعوا: قد وجب عليكم أن تقاتلوا هؤلاء الذين خالفوا الحق، وأنكروا شرائع الإسلام، واستعدوا لقتالكم، فأقيموا لكم راية، وقدموا عليكم أميرا»، وبتلك الفئة المؤمنة القليلة أخضع المرابطون الصحراء لحكم الله تعالى، قال السلاوي: «وجعل يغزو القبائل حتى ملك جميع بلاد الصحراء وذلل قبائلها... فاشتهر أمره في جميع بلاد الصحراء وما والاها من بلاد السودان وبلاد القبلة وبلاد المصامدة وسائر أقطار المغرب، وأنه قام رجل بكدالة يدعو إلى الله تعالى وإلى الصراط المستقيم ويحكم بما أنزل الله، وأنه متواضع زاهد في الدنيا، وطار له ذكر في العالم وتمكن ناموسه من القلوب وأحبته الناس»، فلما أرضى اللهَ بسخط الناس في بادئ أمره، أرضى الله عنه الناس بعد ذلك، فأحبوه ودخلوا في طاعته.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 56
الخميس 24 صفر 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً