تربية الأهل والأولاد في القرآن الكريم دراسة قرآنية إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ ...

تربية الأهل والأولاد في القرآن الكريم
دراسة قرآنية

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه.

أما بعد:
فقد أوجبت الشريعة الإسلامية على الآباء أن يحسنوا تربية[1] أبنائهم ورعايتهم، وحرَّمت تضييعهم وتضييعَ حقوقهم، وشرعت الكثير من الأحكام لحفظ الأبناء؛ ليؤدي هذا الحفظ المعضد الذي وجب لأهله[2]، وإن الله - تعالى - أوجب على الوالد أن يقيَ أهله من النار، وما يكون ذلك إلا بالتربية الصالحة؛ قال الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

قال السعدي في تفسير هذه الآية: "فالأولاد عند والديهم موصًى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيِّعوا؛ فيستحقوا بذلك الوعدَ والعقاب، ووقاية الأهل والأولاد بتأديبهم وتربيتهم، وإجبارهم على أمر الله"[3].

فصاحب الهمة العالية هو الذي يقي نفسَه وأهله من العذاب؛ وذلك بترك المعاصي، وفعل الطاعات؛ فالمسلم الواجب عليه أن يُصلِحَ نفسه أولاً، ويقي نفسه شر النار وغضب الجبار، ثم يتجه ثانيًا إلى تكوين أسرته على مبادئ الدين الحنيف، ويغرس في نفوسهم أدبَ القرآن الكريم، والفضائل الإسلامية العليا[4].

وهذا حثٌّ من الله - تعالى - للآباء على تربية أبنائهم وأهليهم تربيةً إيمانية، نابعةً من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أجل المحافظة عليهم في الدنيا من الانحرافات والفتن التي عمَّت البلادَ والعباد، وفوزهم في الآخرة برضوان الله - تعالى - وبُعْدهم عن سخطه وغضبه.

إن مبادرة الفرد المسلم في إصلاح مجتمعه - ولا سيما ذووه المقربون - له أكبرُ الأثر في نهضته وارتقائه؛ فالقرآن الكريم لَمَّا دعا إلى علو الهمة دعا لها بشتى صورها وأشكالها، لم يجعَلْها في نطاق الأفراد فحسب؛ وإنما وسَّع دائرة الهمة والمبادرة في مجتمعه الذي يعيش فيه.

ولا يمكن أن تكون مهمة الأسرة هي عملية الإنجاب والمحافظة على النوع البشري فحسْبُ؛ بل هي مهمة تتعدى مهمةَ الإشباع إلى مهمة الإبداع في إخراج أجيال مسلِمة صالحة، يتباهى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة.

ولا نجد تصويرًا لأثَر الأسرة في تنشئة الطفل السليم أبلغَ في التعبير من قوله - تعالى -: ﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴾ [الأعراف: 58]، فما أشبهَ الأسرةَ بالأرض الخصبة الطيبة التي تنبت أطفالاً ذوي طباعٍ خيِّرة نقية، وسلوكٍ نبيل، وما أشبه الأسرةَ المنهارةَ في أخلاقها وسلوكِها بالأرض الخبيثة التي لا تنبت إلا نباتًا قليلاً حجمُه ونفعُه، فتخرج أطفالها بطباعٍ قاسية وسلوك سيِّئٍ[5].

فالتربية بصفة عامة تُعَد تنمية ورعاية لكل جوانب الإنسان؛ سواء العقلية أو النفسية أو الوجدانية أو الجسمية أو الخُلقية، وفي جانب التربية الخُلقية، ولكي يكون الخُلُق الجيد راسخًا في النفس؛ فإنه يجب تكرارُه حتى يصبح عادة؛ وذلك بالتدريب، ولا يكون ذلك إلا بالتربية[6].

وقد ضرب لنا أنبياءُ الله أعظم مَثَل في سعيهم المستمر لتأديب أبنائهم، وعلِموا أنهم قدوة متبعة لأبنائهم ولكل البشر؛ فكانوا كبارًا بهِمَمهم، وبنَوا مجدهم بأنفسهم، وعلَّموا أولادهم ألا يفتخروا بنسب أو بعِرْق، بل معيار التفاخر هو هممهم الموصلة إلى مرضاة الله.

قال - تعالى -: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 124]، قال السعدي في تفسير هذه الآية: "أي: يقتدون بك في الهدى، ويمشون خلفك إلى سعادتِهم الأبدية، ويحصل لك الثناء الدائم، والأجر الجزيل، والتعظيم من كل أحد.

وهذه - لعمر الله - أفضلُ درجة تنافس فيها المتنافسون، وأعلى مقام شمَّر إليه العاملون، وأكملُ حالة حصَّلها أولو العزم من المرسلين وأتباعهم، من كل صدِّيق متَّبع لهم، داعٍ إلى الله وإلى سبيله، فلما اغتبط إبراهيم - عليه السلام - بهذا المقام، وأدرك هذا، طلب ذلك لذريته؛ لتعلوَ درجتُه ودرجة ذريته، وهذا أيضًا من إمامته، ونصحه لعباد الله، ومحبته أن يكثُرَ فيهم المرشدون؛ فلله عظمة هذه الهمم العالية، والمقامات السامية"[7].

فانظر إلى همة إبراهيم - عليه السلام - وعلوِّها بأن دعا الله - تعالى - وسأله أن يُخرِج من صلبه ذريةً تطيع الله - تعالى - وتعبُده، ولا يكتفي بذلك؛ بل همته أن يكونَ إمامًا يُقتدى به في الخير، وأحب أن تكونَ عبادته متصلة بعبادة أولاده وذريته، وأن يكون هداهم متعديًا إلى غيرهم بالنفع، وذلك أكثر ثوابًا وأحسن مآبًا، فلله دره ما أعظمَ همتَه!

وحرَص إبراهيم - عليه السلام - كل الحرص على تربية أبنائه على هذا المبدأ العظيم، الذي هو التوحيد، وذلك في دعواته: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، وفي موضع آخر: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 128]، فكان هذا أسلوبَ إبراهيم - عليه السلام - في تربية أبنائه، فأول أمر هو الأهل والأولاد، فصب همتَه على إصلاحهم ودعوتهم، فكان هذا الأسلوب وتلك الوصايا الميمونة في عقِبه ونسله، فكل واحد من أبنائه كان موحِّدًا يعبد الله ويُربِّي على ذلك ولَدَه، ويحذِّرهم من الشرك بالله، ولنتأمَّل مسيرة يعقوب بن إسحاق - عليهما السلام - وهو في سياق الموت، لقد جمع أولاده الاثني عشر وراح يوصيهم: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 133]، وهكذا فإن تربية الأولاد على الإيمان بالله - تعالى - دأب المرسلين، ونهج الأنبياء، وهو النهج القويم، والصراط المستقيم.

قال - تعالى -: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 13 - 19].

تبيِّن لنا هذه الآيات همةَ لقمان - عليه السلام - العالية، وكيف جعلها في ابنه، وصبَّ جلَّ همه على تربيته، فذكر له تلك الوصايا الخالدة، وهذا يبيِّن لنا العلاقة بين الوالدين والأولاد في أسلوب رقيق، وكون تلك الوصية موجَّهةً إلى ابنه، فهي رمز لمصداقية النصيحة تلك.

كما أن مصداقية تلك الوصايا تبدو جلية، فنحن نسمع في صدورها وبين ثناياها كلمة: ﴿ يَا بُنَيَّ ﴾، التي تحمل دلالاتٍ بعيدةً؛ فحرف النداء يثير الحس، ويوقظ الشعور، ويجلب الانتباه، وكلمة: ﴿ يَا بُنَيَّ ﴾ تصور لنا أسمى معاني الحب والرحمة والشفقة، وتَفيض بأروعِ مشاعر العطف والحنان، ولو خلا الكلام منها وأُجمِل التخصيصُ بالنداء، لَما أدت الغرضَ نفسه.

فنجد في تصفحنا لتاريخنا العريق كثيرًا من الآباء أصحاب الهمم الرفيعة، لم يوفِّروا من الجهد شيئًا في سبيل السمو بهِمَم أبنائهم.

فقد جاء في وصية لقمان - عليه السلام - لابنه التي يجدر بنا الوقوفُ عندها: قولُه - تعالى -: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].

ذكر الطبري في تفسيره لهذه الآية: "يقولُ - تعالى ذِكرُهُ - مُخْبِرًا عن قيل لقمان لابنه: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾ [لقمان: 17] بحُدُودِهَا، ﴿ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ يقولُ: وَأْمُرِ النَّاسَ بطاعةِ اللهِ، واتِّباعِ أمْرِهِ، ﴿ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ يَقُولُ: وَانْهَ النَّاسَ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ، ومُوَاقعةِ مَحَارِمِهِ، ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ﴾ يقولُ: وَاصْبِرْ على ما أصابَكَ من النَّاسِ فِي ذَاتِ اللَّهِ إذا أنت أمرتَهُمْ بِالمَعْرُوفِ، ونهيتَهم عن المنكَرِ، ولا يصُدَّنَّكَ عن ذلك ما نالك مِنْهُمْ؛ ﴿ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ يقولُ: إِنَّ ذَلِكَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ عَزْمًا مِنْهُ" [8].

ويبدأ لقمان - عليه السلام - بأمر ابنه، أمره بتوحيد الله بأوامر إيمانية متسلسلة مبدوءة بالصلاة، أول شعيرة من شعائر الإسلام أُمرنا بتعليمها أولادنا، وضربهم عليها وهم صغار؛ فالصلاة جامعة لكل أركان الإسلام، بدءًا من الشهادتين، وانتهاءً بحج البيت؛ فالشهادتان جزء أساسي في التحيات في الصلاة، وأما الحج، فإن المصلي يتوجه في صلاته إلى البيت الحرام، إلى الكعبة، إلى القِبلة.

وكان ذلك دأب الأنبياء جميعهم، قال - تعالى -: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40].

جاء في تفسير هذه الآية:
أن إبراهيم - عليه السلام - كان مثابرًا على الصلاة مقيمًا لها، مع شمول دعوتِه لذريتِه أيضًا، ومن يسيرُ سيرتَهما من أولادهما؛ للإشعار بأنه المقتدى به في ذلك وذريتُه أتباعٌ له، وأنه ذكَرهم بطريق الاستطراد؛ ففي هذه الآية دعاءٌ من إبراهيم - عليه السلام - لذريته بالثبات على إقامة الصلاة، والبُعد عن عبادة الأصنام [9].

وقال - تعالى -: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].

قال القرطبي في تفسير هذه الآية: "أمَره بأن يأمر أهلَه بالصلاة ويمتثلَها معهم، ويصطبر عليها ويلازمها، وهذا الخطابُ للنبي - صلى الله عليه وسلم - ويدخل في عمومه جميعُ أمته، وأهلُ بيته على التخصيص" [10].

فأعظم ما يسعى إليه المؤمنُ ويجعل همتَه فيه: تربيتُه لأبنائه، وأعظم ما يربِّي عليه المؤمن أبناءه إقامة الصلاة على الوجه الذي يُرضي ربَّنا - عز وجل - ويربِّيهم عليها من صِغرهم، وإقامتها، مع كل ما يتضمنه معنى الصلاة من خشوع وخضوع لله؛ حتى يلقوا بذلك مرضاة الله - تعالى.

والله - عز وجل - ذكر لنا نماذجَ أخرى، منها قوله - تعالى -: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 54، 55]، وقال - تعالى -: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41].

وهنا يبرز لنا دور الأب كقدوة، إن إبراهيم - عليه السلام - والذي قال عنه ربه - تبارك وتعالى -: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ [النجم: 37]، لَمَّا وفَّى بكل ما أُمِر به، أعطى القدوة لابنه الذي استجاب وأطاع؛ لأنه قد تربى على ذلك.

فهذا هو نبي الله - تعالى - بعلوِّ همته وعزيمته، يسعى بإرادته لتحسين تربية ابنه، فيرتقي به ويكون أهلاً لأن يصبح مستخلفًا في الأرض، فها هو إبراهيم - عليه السلام - يربي ولده على أن يكون قدوة وقائدًا يقود الناس إلى الخير، ذا همة عالية، فيتبعه كل من أراد النجاة، فمع صِغَر سن ولده إلا أنه كان يجتهد في جعله أكثر تحملاً للمسؤولية والأمانة، التي لا بد أن يبلغها إن وصل إلى سن الرشد.

ومن أهم المجالات التي لا بد للأسرة أن تكون همتُها منصبَّةً إليها في تربية أبنائها: بناءُ الأجيال المهيَّأة لقيادة الناس، ونشر الحق والتمكين في الأرض؛ وذلك انطلاقًا من قوله - تعالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143].

وهذا الدور لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تربية أصيلة مستمدَّة من كتاب الله وسنة الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ويندرج تحت هذا الدور بناءُ البيت المسلم وحمايته، ومن ثم لا ينبغي أن يترك ليُهاجَمَ من قِبَل العناصر المفسدة والجائرة [11].

ومن أهم المجالات التي لا بد من مراعاتها:
أولاً: المجال العَقَدي:
الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي تحمل على عاتقها تربيةَ الأبناء؛ فهي تتولى تشكيل المعتقد والقِيَم والأفكار؛ وذلك مصداقًا لقول الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((ما مِن مولُودٍ إلا يُولدُ على الفِطرةِ، فأبواهُ يُهوِّدانِهِ أو يُنصِّرانِهِ أو يُمجِّسانِهِ، كما تُنتجُ البهِيمةُ بهِيمةً جمعاء، هل تُحِسُّون فِيها مِن جدعاء؟))[12]، وفي الحديث تأكيد لدَور الوالدين في تربية الأبناء، وتحميلُهم تبِعات مسؤولية التربية، وما دامت عقيدة الأمة ومنهجها الإسلامَ، فإنه يجب أن تأخذ هذه العقيدةُ التي هي مقياس صلاح الإنسان حظًّا وافرًا داخل الأسرة، ومن المُسلَّم لدى علماء التربية: أن التربية التي يتعرض لها الإنسان في بداية نشأته مسؤولةٌ إلى حد كبير على ما يطرأ للإنسان من اعتقاد سليم أو خاطئ، وعلى الآباء تقع مسؤوليةٌ كبيرة تجاه أبنائهم[13].

فمن الواجب على الأسرة المسلمة - ونحن في عصر اختلطت فيه المفاهيم والقِيَم لدى كثير من أبناء المسلمين - أن تعمِدَ إلى ترسيخ المفاهيم العقدية لدى أبنائها منذ السنوات الأولى، وترضعه العقيدة كما ترضعه الحليب؛ فالتربية العقائدية السليمة لها دور كبير في تربية الطفل المسلم، وإكسابه المناعة اللازمة ضد الأفكار والعقائد المنحرفة؛ ولذلك لا بد من التركيز على البناء العقائدي السليم للأبناء؛ لمنحهم الحصانةَ الكافية لمواجهة التحديات والمغريات التي يعايشونها في واقعهم.

ثانيًا: المجال الأخلاقي:
اهتم الإسلام بالأخلاق، واعتبرها الأساس الذي تستند إليه كلُّ المعاملات الإنسانية، وقد أثنى الله - عز وجل - وامتدح نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، وقد وجَّه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الآباءَ إلى ممارسة دورهم التربوي الأخلاقي؛ فالأسرة مأمورة أن تُعوِّد أبناءها السلوك الأخلاقي، وتعديل السلوك الذي يتنافى مع الأخلاق الإسلامية بالممارسات والإجراءات التي يمكن إجمالها فيما يلي:
1- ترسيخ خُلق الأمانة في نفوس الأبناء؛ حيث إن الإنسان وحده هو المؤهَّل لحمل الأمانة، وهذه التبعة الثقيلة هي مناط التكريم الذي أعلنه اللهُ في الملأ الأعلى، وعليه أن ينهض بتلك الأمانة؛ حتى يصل إلى مقام كريم؛ وذلك مصداقًا لقوله - تعالى -: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً ﴾ [الأحزاب: 72].

2- غرس خُلق الصبر في أنفسهم؛ وذلك أسوة بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أُوذي في مكة، وهجر بيته ووطنه، وحُوصر في شِعب أبي طالب، وبيان أجر الصابرين؛ وذلك انطلاقًا من قوله - تعالى -: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

3- غرس خُلق الصِّدق في نفوس الأبناء؛ فالمسلم صادقٌ ظاهرًا وباطنًا، وقولاً وفعلاً، فإن الصدق أصلٌ من أصول الأخلاق، وهو المحك لمعرفة درجة الإيمان.

ثالثًا: المجال الاجتماعي:
تعتبر الأسرة حلقة وصلٍ بين النشء والمجتمع الكبير، ولها دور مهم في التنشئة الاجتماعية الصحيحة للأبناء؛ فالشخصية لا تولد مع الفرد، ولكنها تولد تدريجيًّا بتفاعله في المحيط الاجتماعي الذي ينشأ فيه والأسرة، ويمكن إجمالُ دَور الأسرة في هذا المجال من خلال ما يلي:
1- تعليم الأبناء ردَّ السلام، كما ورد بالصيغة المتعارف عليها؛ لِما فيه من شيوع المحبة والتآلف في الأسرة والمجتمع ومواطن الرباط، ومصداق ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لن تدخُلُوا الجنَّة حتى تُؤمنُوا، ولن تُؤمنُوا حتى تحابُّوا، أوَلا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتُموه تحاببتُم؟ أفشُوا السَّلام بينكُم)) [14].

2- تعويد الأبناء على آداب الاستئذان داخل البيت قبل البلوغ وبعده؛ وذلك مصداقًا لقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 58].

3- لفت انتباههم إلى غض البصر عن المحرَّمات؛ إذ لا بد للحياة من ضوابطَ مع الفرد؛ فالإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف لا تهيج فيه الشهوات كل حين[15]؛ وذلك مصداقًا لقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30].

4- ربط الأبناء بالصحبة الصالحة، وقد دلت نتائج الدراسات أن للصحبة أثرًا بالغًا في نمو الطفل النفسي والاجتماعي؛ فهي تؤثِّر في قِيَمه وعاداته واتجاهاته، وقد حذَّر القرآن الكريم من رفقاء السوء؛ وذلك مصداقًا لقوله: ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلاً * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا * وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلاً ﴾ [الفرقان: 25 - 28].

رابعًا: المجال النفسي والوجداني:
يشكِّل المجال النفسي الوجداني مساحة واسعة في نفسية الطفل، فإذا سلَّمنا بأهمية مرحلة الطفولة، فإننا نُسلِّم أيضًا بقدر الأهمية للأسرة؛ باعتبارها الوسط البيئي الذي يعيش فيه الفرد، ويكتسب من خلالها اتجاهاته الأساسيةَ التي تعتبر محددات لسلوكه، والتي يُفضل أن يتفاعل معها، وبالتالي فهي العامل البيئي الأول بلا منازع[16]، ويمكن إجمالُ دور الأسرة في هذا المجال من خلال:
1- إرواء الحاجة إلى الحب والحنان، وقد أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على نساء قريش؛ لحنانهن على أولادهن، ومصداق ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خيرُ نساءٍ ركِبْنَ الإبِلَ صالحُ نساءِ قُرَيْشٍ؛ أَحْنَاهُ على وَلَدٍ في صغَرِه، وأرعاه على زوْجٍ في ذات يدِهِ)) [17].

2- غرس الثقة بالنفس مبكرًا، فلا بد من تعويدهم على حمل المسؤولية، وهذا ما يستدل عليه من الهدي النبوي في حديث أنس - رضي الله عنه -: "أتى علَيَّ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأنا ألعبُ مع الغلمان، فسلَّم علينا، فبعثني إلى حاجَةٍ، فأبطأْتُ على أمِّي، فلمَّا جئتُ قالت: ما حبسك؟ قلتُ: بعثني رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِحَاجَةٍ، قالتْ: ما حاجتُهُ؟ قلتُ: إنَّها سرٌّ، قالتْ: لا تحدِّثنَّ بسرِّ رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أحدًا"[18].

3- تحذير الأم لأبنائها من التكبُّر والخيلاء إلا أمام صفوف الأعداء، ومصداق ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي دُجانة: ((إنها لَمِشيةٌ يُبغضها اللهُ، إلا في مثل هذا الموضع))[19].

4- إرواء حاجة الأبناء في الملاطفة والممازحة؛ فعن أنس قال: "كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أحسنَ الناسِ خُلُقًا، وكان إذا جاء قال: ((يا أبا عُمير، ما فعل النُّغير؟)) نغرٌ كان يلعبُ به، فربما حضر الصلاة وهو في بيتِنا، فيأمُرُ بالبِساطِ الذِي تحتهُ فيُكنسُ ويُنضحُ، ثُم يقُومُ ونقُومُ خلفهُ فيُصلِّي بِنا"[20].

[1] التربية هي: تعهُّد الشيء ورعايتُه بالزيادة والتنمية والتقوية، والأخذ به في طريقة النضج والكمال، والذي تؤهِّله له طبيعته؛ انظر: كلمات في علم الأخلاق ص 39.
[2] انظر: الأحكام الخاصة بالعلاقة بين الآباء والأبناء، ص 40.
[3] تيسير الكريم الرحمن ص 166، وانظر: زاد المسير 6/48، والتحرير والتنوير 28/327.
[4] انظر: التفسير الواضح 3/705.
[5] انظر: علم النفس التربوي في الإسلام، ص 106.
[6] انظر: كلمات في علم الأخلاق ص 39.
[7] انظر: تيسير الكريم الرحمن ص 59.
[8] انظر: جامع البيان 21/73.
[9] انظر: معالم التنزيل 4/358، وأنوار التنزيل 3/93، وإرشاد العقل السليم 5/54، وتفسير الجلالين 1/336، روح المعاني 13/243.
[10] انظر: الجامع لأحكام القرآن 11/263.
[11] في ظلال القرآن 6/3620.
[12] أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي ومات هل يصلى عليه، حديث (1358)، 3/219، ومسلم في كتاب القدر، باب معنى: كل مولود يولد على الفطرة، حديث (2658)، 4/2047 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.
[13] انظر: فلسفة التربية الإسلامية ص 129.
[14] أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، حديث (54)، 1/74، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.
[15] انظر: علم النفس الاجتماعي، ص107.
[16] انظر: التنشئة الوالدية، الأمراض النفسية، ص 7.
[17] أخرجه البخاري في النفقات، باب حفظ المرأة زوجها في ذات يده، حديث رقم (5365)، 9/511، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل نساء قريش، حديث رقم (2527) 4/1958 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.
[18] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب فضائل أنس بن مالك، حديث رقم (2481) 4/1929.
[19] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (6508) 7/104، من طريق خالد بن سليمان عن عبدالله بن خالد بن سماك بن خرشة، عن أبيه، عن جده: أنَّ أبا دجانة يوم أُحُد أعلم بعصابةٍ حمراء، فنظر إليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يختالُ في مِشيته بين الصَّفين، قال... فذكره، قال الهيثمي في المجمع 6/91: "رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفه".
[20] أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب الانبساط إلى الناس، حديث رقم (6129) 10/138، ومسلم في كتاب الآداب، باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله، حديث رقم (2150) 3/1692 من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه.



رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/48734/#ixzz4ljW9nVM6
...المزيد

المفاتن الدنيوية وأثرها على النفس في القرآن الكريم المقدمة: الحمد لله رب العالمين والصلاة ...

المفاتن الدنيوية وأثرها على النفس في القرآن الكريم

المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد:
تعريف الفتنة في اللغة والاصطلاح:
الفتنة في اللغة: مصدر كالفتن والفتون، وكل ذلك مأخوذ من مادة ((فتن)) التي تدل على الابتلاء والاختبار، يُقال: فتنت الذهب بالنار إذا امتحنته[1].

أما الفتنة في الاصطلاح: فقد عرفها الجرجاني بقوله: ((الفتنة: هي ما يُبيَّن به حال الإنسان في الخير والشر))[2]، وقال المناوي: ((الفتنة : البلية وهي معاملة تُظهر الأمور الباطنة))[3].

وقد خلق الله تعالى الدنيا وخلق فيها الإنسان، وجعل فيها من الفتن والمغريات الكثيرة ليمتحن الإنسان ويبتليه، فإما أن يسلك طريق الشهوات والفتن ويتبع خطوات الشيطان خطوة تلو خطوة وهو مسلوب الهمة، فليس له همٌ إلا اتباع رغباته، وإما أن يتحدى نفسه، ويغلب نفسه الأمارة بالسوء، والله -سبحانه وتعالى- قد بين في كتابه العزيز أن الدنيا بما فيها ما هي إلا فتنة، قال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 28]، فالله تعالى في هذه الآية يقول للمؤمنين: اعلموا أن أموالكم وأولادكم التي خولكموها الله تعالى ما هي إلا اختبار وبلاء، أعطاكموها، ليمتحنكم ويبتليكم لينظر كيف أنتم عاملون في أداء حق الله عليكم فيها، والانتهاء إلى أمر الله ونهيه فيها، والفتنة هنا هي الاختبار والامتحان[4]، والسبب في ذلك كما ذكر أبو السعود في تفسيره أنها سبب في الوقوع في الإثم والعقاب، أو محنة من محن الله تعالى، ويكون الأجر العظيم لمن آثر رضا الله تعالى عليها وراعى حدوده فيهما فنيطوا[5] همتكم مما يؤدكم إليه[6].

وقد بين الله تعالى لعبادة المفاتن الدنيوية وحذر من الاشتغال بها في خطابات قرآنية كثيرة، وقد أجملها الله تعالى في قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24].

فبين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن هذه المصالح الدنيوية في حب المال والأولاد وغيرها من المفاتن، إن كانت أولى من طاعة الله ورسوله، وطغى هذا الحب على حب الله ورسوله فتربصوا مما يحبونه حتى يأمر الله بعقوبة عاجلة وآجلة لهم [7].

وكل هذه المفاتن تجرد العبد من همته إن اتبعها، وإن سار خلفها، فالدنيا ما هي إلا لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد، قال تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20]، فهذه هي الحياة الدنيا، وهذه هي مفرداتها وجميعها تصرف الإنسان عن المبادرة إلى الخيرات والاتصاف بعلو الهمة.

واللعب: هو اسم لقول أو فعل لا يقصد به فاعله تحصيل النفع أو دفع ضرر، وغالباً ما يطلق على أفعال الصغار والصبيان في مرحلة الطفولة، وغير ذلك.

أما اللهو: فهو الفعل الذي يقصد به جلب المتعة ودفع المفسدة، ويتضمن ذلك كل ما يحقق المتعة للإنسان من لعب وطرب وغيره[8].

يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: ((اعلموا أن الحياة الدنيا لعب باطل، ولهو فرح، ثم ينقضي، فبين أن الحياة الدنيا منقضية فلا ينبغي أن يترك أمر الله محافظة على مالا ينبغي))[9].

ويقول السعدي في تفسير هذه الآية: ((يخبر تعالى عن حقيقة الدنيا وما هي عليه، ويبين غايتها وغاية أهلها، بأنها لعب ولهو، تلعب بها الأبدان، وتلهو بها القلوب ... ثم ضرب للدنيا مثلا بغيث نزل على الأرض، فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام، حتى إذا أخذت الأرض زخرفها، وأعجب نباته الكفار، الذين قصروا همهم ونظرهم إلى الدنيا جاءها من أمر الله ما أتلفها فهاجت ويبست، فعادت على حالها الأولى، كأنه لم ينبت فيها خضراء، ولا رؤي لها مرأى أنيق، كذلك الدنيا ... فهذا كله مما يدعو إلى الزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، ولهذا قال: ﴿ كَمَثَلِ غَيْثٍ ﴾ أي: إلا متاع يتمتع به وينتفع به، ويستدفع به الحاجات، لا يغتر به ويطمئن إليه إلا أهل العقول الضعيفة الذين يغرهم بالله الغرور)) [10].

فانظر إلى ما قاله المفسرون -رحمهم الله- عن هذه المفاتن الدنيوية بالعموم وأنها لعب ولهو وفرح سوف ينقضي.

وفيما يلي ذكرٌ لأهم المفاتن الدنيوية بشيء من التفصيل:
أولاً: حب الدنيا[11]:
إن من ظواهر خلق علو الهمة الترفع عن محقرات الأمور وصغائرها، وطلب معالي الأمور وكمالاتها، فالتعلق بسفاسف الأمور من دناءة النفس وانحطاط همتها، لا يفعله كبار القلوب والنفوس؛ لأن هؤلاء تكون نظراتهم آخذة في طريق صاعد، ومنطلقة إلى آفاق المعالي.

يقول تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15، 16] ، أي: أن الله تعالى توعد من كان مقصور الهمة على الدنيا لا يطلب غيرها ولا يريد سواها، فهؤلاء الذين يريدون الحياة الدنيا، مستمرون على إرادتها بأعمالهم ولا يكادون يريدون الآخرة، لأنهم جردوا هممهم ومقصدهم إلى الدنيا، ولم يعملوا للآخرة[12].

قال القرطبي في تفسير هذه الآيات: ((المراد بالآية المؤمنون؛ أي من أراد بعمله ثواب الدنيا عجل له الثواب ولم ينقص شيئا في الدنيا، وله في الآخرة العذاب؛ لأنه جرد قصده إلى الدنيا، وهذا كما قال -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ))[13] فالعبد إنما يعطي على وجه قصده، وبحكم ضميره، وهذا أمر متفق عليه في الأمم بين كل ملة ولهذا جزم بالجواب فقال: ﴿ نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﴾ [14].

ويقول ابن كثير: ((فلا يقتَصِرن قاصر الهمة على السعي للدنيا فقط، بل لتكن همته سامية إلى نيل المطالب العالية في الدنيا والآخرة))[15].

فالآية تشير إلى أن الانغماس في حب الدنيا وشهواتها يؤدي إلى صرف المرء عن علو الهمة والمسارعة للخيرات، ويؤدي إلى إحباط العمل والخسران في الآخرة؛ ذلك لأن دنياه هي جل همه واهتمامه.

فالدنيا بمغرياتها وشهواتها ومفاتنها وملذاتها إذا أقبل عليها العبد إقبالاً لا ضابط له قطعت عليه الطريق إلى الله وإلى رضاه -سبحانه وتعالى- وأصبح دني الهمة لا يفكر إلا فيها.

يقول السعدي في تفسير هذه الآيات: ((أي: كل إرادته مقصورة على الحياة الدنيا، وعلى زينتها من النساء والبنين، والقناطير المقنطرة، من الذهب، والفضة، والخيل المسومة، والأنعام والحرث. قد صرف رغبته وسعيه وعمله في هذه الأشياء، ولم يجعل لدار القرار من إرادته شيئا، فهذا لا يكون إلا كافرا، لأنه لو كان مؤمنا، لكان ما معه من الإيمان يمنعه أن تكون جميع إرادته للدار الدنيا، بل نفس إيمانه وما تيسر له من الأعمال أثر من آثار إرادته الدار الآخرة))[16].

هذه هي الدنيا فمن أحبها، وشغف بها، واستراح إليها، وسعى لها سعيها ضر نفسه، وضعف إيـمانه، ودنت همته، فتراه يمشي وراءها، ويدفع الغالي والنفيس لكي يحصل عليها، وكل ذلك حتى لا يفقدها، معتقداً في قرارة نفسه أنها هي الباقية، ولكنه في النهاية يكتشف قبح فعله، فهو قد آثر الرخيص على الغالي، وباع الكنوز بأبخس الأثمان.

فتباين موقف الناس في الحياة الدنيا، فمن منكب عليها ولهث وراء ملذاتها وشهواتها والنتيجة دنو همته، وانشغاله بسفاسف الأمور، ومن منصرف عنها زاهد فيها، لا يقيم لها وزناً ولا يلقي لها بالاً، وهي عنده لا تعدل جناح بعوضة، فعلت همته وانشغل بمعالي الأمور، وأصبح لا يفكر إلا بالوصول إلى السمو والرقي في هذه الحياة الدنيا؛ في الدين أولاً ثم في الدنيا.

والمتأمل في حديث القرآن عن الدنيا يجد أن القرآن قد تضمن عدداً من الآيات تبلغ نحو خمس وعشرين آية تحذر العبد المؤمن من مغريات الدنيا وتصفها بأنها متاع الغرور.

ومن الآيات التي تبين حقيقة الدنيا قوله تعالى: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾ [الكهف: 45]، فالحياة في حقيقتها ـ بحسب المثل القرآني ـ أشبه بالدورة الزراعية، تبدأ بقطرات من الماء، ثم تنتهي بالهشيم من الزرع، الذي تطير به الرياح، فتذروه هنا وهناك، كأن لم يكن شيئاً مذكوراً.

يقول السعدي: ((قوله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- أصلا ولمن قام بوراثته بعده تبعا: اضرب للناس مثل الحياة الدنيا ليتصوروها حق التصور، ويعرفوا ظاهرها وباطنها، فيقيسوا بينها وبين الدار الباقية، ويؤثروا أيهما أولى بالإيثار، وأن مثل هذه الحياة الدنيا، كمثل المطر، ينزل على الأرض، فيختلط نباتها، تنبت من كل زوج بهيج، فبينا زهرتها وزخرفها تسر الناظرين، إذ أصبحت هشيما تذروه الرياح، فذهب ذلك النبات الناضر، والزهر الزاهر، والمنظر البهي، فأصبحت الأرض غبراء ترابا، قد انحرف عنها النظر، وصدف عنها البصر، وأوحشت القلب، كذلك هذه الدنيا، بينما صاحبها قد أعجب بشبابه، ... وخاض في الشهوات في جميع أوقاته، إذ أصابه الموت أو التلف لماله، فذهب عنه سروره، وزالت لذته وحبوره، واستوحش قلبه من الآلام، وفارق شبابه وقوته وماله، هنالك يعض الظالم على يديه، حين يعلم حقيقة ما هو عليه، ويتمنى العود إلى الدنيا، لا ليستكمل الشهوات، بل ليستدرك ما فرط منه من الغفلات، بالتوبة والأعمال الصالحات، فالعاقل الجازم الموفق، يعرض على نفسه هذه الحالة، ويقول لنفسه: قدِّري أنك قد مت، ولا بد أن تموتي، فأي: الحالتين تختارين؟ الاغترار بزخرف هذه الدار، والتمتع بها كتمتع الأنعام السارحة، أم العمل، لدار أكلها دائم وظلها، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فبهذا يعرف توفيق العبد من خذلانه، وربحه من خسرانه))[17].

ويقول تعالى ـ مبيناً دنو همة من سعى وراءها، وأهتم بها ـ: ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [النجم: 29].

يقول أبو السعود في تفسير هذه الآية: ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا ﴾ أي عنْهم، ووضعُ الموصولِ موضعَ ضميرِهم للتوسلِ بهِ، أي وصفُهم بما في حيزِ صلتِه من الأوصافِ القبيحةِ وتعليلِ الحكمِ بهَا أيْ فأعرضْ عمَّن أعرضَ عن ذكرِنا المفيدِ للعلمِ اليقينيِّ وهو القُرآنُ المُنطوي عَلى علومِ الأولينَ والآخرينَ المذكرِ لأمورِ الآخرةِ أو عن ذكرِنا كما ينبغِي فإنَّ ذلكَ مستتبعٌ لذكرِ الآخرة وما فيها من الأمور المرغوبِ فيها والمرهوبِ عنَها : ﴿ وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ راضياً بها قاصراً نظرَهُ عليها، والمرادُ النهيُ عن دعوتِه والاعتناءُ بشأنِه فإنَّ من أعرضَ عمَّا ذُكرَ وانهمكَ في الدُّنيا بحيثُ كانتْ هي مُنتهَى همتِه وقُصارَى سعيِه لا تزيدُه الدعوةُ إلى خلافِها إلا عناداً وإصراراً على الباطلِ))[18].

والدنيا ما هي إلا منتهاه، فهو أعمى لا يبصر ولو كان عنده بصر، لأننا لا نراه إلا شديد التعلق بها فنسي يوم اللقاء بربه العظيم، يقول تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ ﴾ [القيامة: 20، 21].

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: ((أي: إنما يحملهم على التكذيب بيوم القيامة ومخالفة ما أنزله الله -عز وجل- على رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الحق والقرآن العظيم: أنهم إنما همتهم إلى الدار الدنيا العاجلة، وهم لاهون متشاغلون عن الآخرة))[19].

فمن اشتغل قلبه وعقله في تحصيل الدنيا، فأحبها أكثر من كل شيء، فما نراه إلا أشد الناس بعداً عن الله، وهذه المرتبة من حب الدنيا تتنافى مع الإيمان بالله واليوم الآخر، فالله تعالى ما خلق الدنيا إلا وهي سريعة الزوال، كذلك أمر الله أصحاب الهمم العالية أن يعتبروها محطة وليست مقراً، وللأسف لم يع هذا الأمر صنف من الناس، وهم أصحاب الهمم الدنيئة الذين يكرسون هممهم للوصول إلى الدنيا فحسب، لم يعوا هذه الحقيقة فاستعظموا الدنيا ونسو الآخرة.

وحال المؤمن عالي الهمة، والذي يسعى لأن تبقى همته عالية، أن يأخذ نصيبه من الحياة الدنيا ضمن الحدود التي أذن الله بها، وقلبه وحبه وشوقه، ومطالبه السامية معلقة بما أعد الله تعالى للمتقين في الدار الآخرة من خيرات حسان، وهذا هو الزهد المطلوب من المؤمنين ليكونوا من أصحاب الهمم العالية، إنه زهد القلوب واستصغار الحياة الدنيا بالنسبة إلى الدار الآخرة، وهذا التصور الصحيح لكون أثره في النفوس واضحًا فيجعل المؤمن صاحب همة عالية، يوجه معظم طاقاته وإمكاناته إلى ما يحقق له يوم القيامة مطمعًا أجلّ وأعظم.

بخلاف التعلق الكلي بالدنيا ومتاعها ولذاتها فإنه ينمي الجسد فقط ولا ينمي الروح، لذلك فإنَّ من جعل كل همه مرتبطاً بالحياة الدنيا وزينتها فإن الله يعطيه منها على مقدار عمله وما قسم له.

يقول تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الأحزاب: 16].

قال ابن عاشور في تفسير هذه الآية: ((المقصود من الآية تخليق المسلمين بخلق استضعاف الحياة الدنيا، وصرف هممهم إلى السعي نحو الكمال الذي به السعادة الأبدية سيرا وراء تعاليم الدين التي تقود النفوس إلى أوج الملكية))[20].

وفي آية أخرى ذمَّ الله تعالى من كان همه إرادة الدنيا فقال: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 134].

يقول السعدي في تفسير هذه الآية: ((ثم أخبر أن مَن كانت همته وإرادته دنية غير متجاوزة ثواب الدنيا، وليس له إرادة في الآخرة فإنه قد قصر سعيه ونظره، ومع ذلك فلا يحصل له من ثواب الدنيا سوى ما كتب الله له منها، فإنه تعالى هو المالك لكل شيء، الذي عنده ثواب الدنيا والآخرة، فليُطلبا منه ويستعان به عليهما، فإنه لا ينال ما عنده إلا بطاعته، ولا تدرك الأمور الدينية والدنيوية إلا بالاستعانة به، والافتقار إليه على الدوام))[21].

ثانياً حب المال:
إن حب المال والتعلق به من أكثر المفاتن التي تؤدي بصاحبها إلى دنو الهمة، والتعلق بسفاسف الأمور، علماً بأن حب المال متأصلٌ في النفس الإنسانية، فالإنسان مقصور على ذلك، وإن كان الناس يتفاوتون في هذا الأمر، يقول تعالى: ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الفجر: 20].

قال البغوي: ((أي: كثيراً، يعني: يحبون جمع المال ويولعون به))[22]، فهذا الحب الشديد والحرص العظيم يمنع الإنسان المسلم من المشاركة والمبادرة وإعلاء الهمة في البذل والعطاء، ومما بُبيِّنُ لنا أن المال محبوب للنفوس قوله تعالى: ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ [البقرة: 177]، وقوله تعالى: ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الفجر: 20].

يقول السعدي في تفسير هذه الآية: ((﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ ﴾ وهو كل ما ينمو له الإنسان من مال، قليلاً كان أو كثيراً، أي: أعطى المال ﴿ حُبًّا جَمًّا ﴾ أي: حب المال، بين به أن المال محبوب للنفوس، فلا يكاد يخرجه العبد، فمن أخرجه مع حبه له تقرباً إلى الله تعالى، كان هذا برهاناً لإيمانه))[23].

فالحرص على المال من أسباب دنو الهمة والعزيمة، فالحريص على ماله لا ينفق في سبيل الله ولا يتصدق حتى إنه لا يكاد يخرج زكاة ماله، وقد يحتال على شرع الله ولا يخرجها، فهذه الصفة ذميمة في النفس البشرية لا ينجو منها إلا من أراد أن يعلي همته، ويكون اهتمامه لا ينصب إلا في معالي الأمور وأشرفها.

ومن أحب المال أصبح المال شغله الشاغل، وأصبح لا يفكر إلا كيف يجمع المال؟ ومن أي طريق يحصل عليه؟ فيستخدم كل الطرق للوصول إلى المال سواء، أكانت طرق الحصول على المال حلالاً أم حرامًا؟ يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9].

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: ((يقول تعالى آمرًا لعباده المؤمنين بكثرة ذكره وناهيا لهم عن أن تشغلهم الأموال والأولاد عن ذلك ومخبرًا لهم بأنه من التَهَى بمتاع الحياة الدنيا وزينتها عما خُلِقَ له من طاعة ربه وذكره، فإنه من الخاسرين الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة))[24].

ومن المعلوم أن فتن الدنيا كثيرة الشعب والأطراف، لكن الأموال أعظم فتنها، وأعظم فتنة فيها أنها لا غنى لأحد عنها، فإن وجد المال حصل منه الطغيان الذي لا تكون عاقبة أمره إلا خسراً، وإن فقد المال حصل منه الفقر الذي يكاد أن يكون كفراً، ورغم ذلك فإنه ليس مذموماً ومرفوضاً البتة، بل إن الله قد جعل المال مدداً في مواضع في كتابه، لقوله تعالى: ﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 12]، والأصل أن الإنسان يجعل هذا المال وسيلة للوصول إلى الكمال في الدنيا والآخرة، فيجعل المال سبباً من أسباب علو همته ورقيه للمعالي، فالانهماك في هذا الأمر وهو حب المال الحب الذي يقود إلى دنو الهمة فإنه ينقل الإنسان المسلم عن طاعة ربه، ويجعله يؤثر العاجلة على الآجلة، ويورثه الخور والكسل، ويجره إلى الاسترسال في الدعة واطراح الجد.

فَمَنْ هَجَرَ اللَّذَّاتِ نَالَ المُنَى، وَمَنْ
أَكَبَّ عَلَى اللَّذَّات عَضَّ عَلَى اليَد[25]

ومن الأمثلة التي ذكرها لنا القرآن مبيناً فيها حقيقة المال، وأنه من المفاتن التي تقود الإنسان إلى دنو الهمة وسفاسف الأمور قصة أصحاب الجنتين.

المثال الأول: قال تعالى: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا ﴾ [الكهف: 32، 33].

وخلاصة القصة: تدور حول رجلين جعل الله لأحدهما جنتين[26]، أي بستانين من أعناب محفوفتين بالنخل، المحدق جنباتهما الزرع، وكل من الأشجار والزرع مثمر في غاية الجودة، والأنهار متفرقة منها هاهنا وهاهنا، ودخل جنته مغروراً ومعجباً بها، فقال: ما أظن أن تهلك هذه الجنة، وما أظن الساعة أي: يوم القيامة كائنة، ولئن كان هناك حياة بعد الموت ورجوع إلى الله، ليكونن لي هناك أحسن من هذا الحظ عند ربي، فقال له صاحبه ـ وكان رجلاً مؤمناً ـ وهو منكر عليه إنكاره يوم البعث ـ: لقد كفرت بالذي خلقك، وأنا الآن الفقير، ولكن أرجو الله أن يعطيني في الآخرة خيراً من جنتك، ويرسل على جنتك ما يهلك شجرها وثمرها، أو يجعل ماء أنهارها غائراً في الأرض، وقد وقع الهلاك بثمرة صاحبه، وأحس بأن الذي وقع بجنته إنما هو نتيجة كفره وغروره، فقال: ﴿ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ﴾ [الكهف: 35][27].

إنه مثل ضربه الله تعالى لهذه الأمة , وليس بخبر عن حال متقدمة , ليزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة , وجعله زجراً وإنذاراً[28].

فتبدأ القصة بعرض نعمة أنعم الله بها على رجلٍ صاحبِ تفكير مادي يهتم ويحرص على المال كل الحرص، ولم يدرك ذلك الرجل المصدر الحقيقي لتلك النعمة، فانحرف تفكيره عن التفكير السليم تجاه النعم التي أُعطي إياها فدنت همته وأصبح يرى المال كل شيء.

وجاءت الأفعال الأربعة: ((جعلنا))، و ((حففنا))، و ((جعلنا))، و ((فجرنا))، على هذه الصفة دلالة على أن المصدر الحقيقي لهذه النعم هو الله تعالى.

وبالنظر إلى المحاورة التي كانت بين صاحب الهمة العالية ذلك المؤمن، وصاحب الهمة الدنيئة صاحب الجنتين يبين لنا من هو الذي يهتم بمعالي الأمور ويعطي الأمور حقوقها وحقيقتها، فصاحب الجنتين فكر التفكير المادي البحت ﴿ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ﴾ [الكهف: 35]، معتمداً في تفكيره على منطقه ومنطلقه المادي وهو أساس المفاخرة عنده[29]، أما المسلم فكان يحاوره محاورة الوعظ والدعاء منطلقاً في فكره بالإيمان بالله والبعث [30].

يقول سيد قطب: ((ثم تجيء قصة الرجلين والجنتين تضرب مثلا للقيم الزائلة والقيم الباقية، وترسم نموذجين واضحين للنفس المعتزة بزينة الحياة، والنفس المعتزة باللّه. وكلاهما نموذج إنساني لطائفة من الناس: صاحب الجنتين نموذج للرجل الثري، تذهله الثروة، وتبطره النعمة، فينسى القوة الكبر التي تسيطر على أقدار الناس والحياة، ويحسب هذه النعمة خالدة لا تفنى، فلن تخذله القوة ولا الجاه. وصاحبه نموذج للرجل المؤمن المعتز بإيمانه، الذاكر لربه، يرى النعمة دليلا على المنعم، موجبة لحمده وذكره، لا لجحوده وكفره))[31].

وليعلم كل صاحب همة أن لا دلالة لكثرة مال الإنسان أو قلته على إكرام الله له أو إهانته، قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الفجر: 16 - 18]، وجاء في تفسير هذه الآيات أن الله تعالى ينكر على الإنسان اعتقاده بأن كثرة المال التي رزقها الله إياه هي دليل على إكرام الله له، وكذلك ينكر علي اعتقاده أن قلة مال الإنسان دليل على إهانة الله له؛ لأن الله تعالى يعطي المال الكثير للمؤمن والكافر، وقد لا يعطي من المال إلا القليل للمؤمن أو للكافر، وذلك للابتلاء، ولا علاقة، ولا دلالة في هذا العطاء القليل أو الكثير على الإهانة أو الإكرام [32].

فصاحب الجنتين أوتي هاتين الجنتين، فقاده هذا المال إلى دنو الهمة في كل شيء، وحسبه دليلاً على إكرام الله له فراح يفتخر به ويتباهى ويتعالى على صاحبه، ويعيِّره بقلة ماله، وأما صاحبه المؤمن فقد قاده إيمانه لعلو الهمة، فأدرك ببصيرته ونور إيمانه أن هذا المال وسيلة وليس غاية، وأن الفقر والغنى إنما هو ابتلاء للإنسان، ليظهر مدى شكر العبد لربه في حالة غناه، ومدى صبر العبد في حالة فقره.

فالحرص على المال سببٌ لدنو الهمة وسقوطها؛ لأنه فيه نيل الملذات واتباع الشهوات والتسلط على الناس بالباطل، وفيه قابلية جر صاحبه إلى الطغيان، وتجاوز قدر نفسه، وادعاء ما ليس له، والظن بأن ما أويته هو على وجه الاستحقاق، فحمل هذا الظن على العجب بنفسه، وازدراء غيره والتكبر على من هو دونه [33].

فانظر إلى هذه القصة التي تفرق بين أصحاب الهمم العالية وأصحاب الهمم الدنيئة، والسبب في هذا التفريق هو الحرص على المال.

المثال الثاني: الذي يدلنا على أن من أحب المال، وأكب على جمعه قاده إلى دنو الهمة وجعله لا يهتم إلا بمحقرات هذه الدنيا، إنه قارون، قال تعالى: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 76 - 83].

بين يدي القصة: قارون من قوم موسى -عليه السلام-، واختلف الناس في قرابته لموسى، فقيل هو عمه، وقيل هو ابن عمه وقيل ابن خالته، فهو بإجماعٍ رجل من بني إسرائيل، وكان ممن آمن بموسى وحفظ التوراة، وكان عند موسى -عليه السلام- من عبَّاد المؤمنين، ثم لحقه الزهو والإعجاب فبغى على قومه بأنواع البغي، فمن ذلك كفره بموسى، واستخفافه بقومه لكثرة ماله وولده، وبظلمه لهم، وتكبره والاستطالة عليهم [34].

فهذه القصة التي ذكرها الله -عز وجل- في كتابه ليعين المؤمن، ويعلي همته بالاتعاظ والاعتبار بالفتنة العظيمة وهي فتنة المال، حيث انشغل الناس بجمعه، وتركوا مهمات الأمور فدنت همتهم وانشغلوا بالسفاسف التي لا تنفعهم إلا من رحم ربي، فينسى الإنسان بذلك المال حق الله -عز وجل- ويقوده إلى التكبر والبغي والعجب قال تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق: 6، 7]، فالعبد لا يستغني عن ربه -عز وجل- طرفة عين، ولكنه بماله يظن أنه استغنى فدنت همته، وطغى على عباد الله، وتكبر ووقع العجب بنفسه موقعا عظيماً.

والقضية تتكرر في كل عصر ومصر، فأكثر أصحاب الأموال همهم أن يكثر ماله، فيبخل بزكاته، ويمنع حق الله تعالى من ذلك المال فشدة حرصهم على المال وحبهم له يجعلهم يجمعونه من الوجوه المباحة وغير المباحة، فطالب المال كشارب ماء البحر، كلما زاد شرباً ازداد عطشاً [35].

وما أجمل كلام الإمام السعدي على هذه القصة التي تبين حقيقة المال، ونهاية من حرص عليه الحرص المذموم الذي يهوى به في المهالك والشرور.

يقول السعدي في تفسير الآيات: ((يخبر تعالى عن حالة قارون وما فعل وفُعِلَ به ونُصِحَ ووُعِظَ، فقال: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾...فقَالَ قارون ـ رادًّا لنصيحتهم، كافرا بنعمة ربه ـ: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾: أي: إنما أدركت هذه الأموال بكسبي ومعرفتي بوجوه المكاسب، وحذقي، أو على علم من اللّه بحالي، يعلم أني أهل لذلك، فلِمِ تنصحوني على ما أعطاني اللّه تعالى؟، فلم يزل قارون مستمرا على عناده وبغيه، وعدم قبول نصيحة قومه، فرحا بطرا قد أعجبته نفسه، وغره ما أوتيه من الأموال، ... فانقسم فيه الناظرون قسمين، كل تكلم بحسب ما عنده من الهمة والرغبة.

﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾أي: الذين تعلقت إرادتهم فيها، وصارت منتهى رغبتهم، ليس لهم إرادة في سواها، يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ من الدنيا ومتاعها وزهرتها ﴿ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ وصدَّقوا أنه لذو حظ عظيم، وأنه ليس وراء الدنيا دار أخرى ... فصار هذا الحظَّ العظيمَ، بحسب همتهم، وإن همة جعلت هذا غاية مرادها ومنتهى مطلبها، لَمِنْ أدنى الهمم وأسفلها وأدناها، وليس لها أدنى صعود إلى المرادات العالية والمطالب الغالية)) [36].

وصدق بقوله: وإن همة جعلت هذا غاية مرادها، ومنتهى مطلبها لمن أدنى الهمم وأسفلها وأدناها، وليس لها أدنى صعودٍ إلى المرادات العالية، و المطالب الغالية، وكما هو معلوم أن صاحب الهمة الدنيئة يحرص كل الحرص على هذا المال كما فعل قارون، ففتنة صاحب المال ليست في جمعه وكسبه من وجوه مشروعة أو غير مشروعة فحسب، بل هي أيضاً في الحرص عليه حرصاً يجعل المرء يفقد ذلك الميزان الذي وصفه القرآن لنا: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].

فيحرص عليه الحرص الذي يجعله يكسب من غير محله، وينفقه في غير محله، ويبخل به عن مستحقيه، فدنت همته في هذا المال في كل الوجوه والأحوال[37].

وعن كعب بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ))[38].

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في شرحه لهذا الحديث: ((هذا مثل عظيم جداً ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- لفساد دين المسلم فإنَّ الحرص على المال والشرف في الدنيا، وإن فساد الدين بذلك ليس بدون فساد الغنم بذئبين جائعين ضاربين يأتيان في الغنم، وقد غاب عنها رعاؤها ليلاً، ومعلوم أنه لا ينجو من الغنم من إفساد الذئبين المذكورين والحالة هذه إلا قليل.

فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن حرص المرء على المال والشرف إفساد لدينه ليس بأقل من إفساد الذئبين لهذه الغنم، بل إما أن يكون مساوياً له وإما أكثر.

ويشير الحديث إلى أنه لا يسلم من دين المسلم ـ مع حرصه على المال والشرف في الدنيا ـ إلا القليل، كما أنه لا يسلم من الغنم مع إفساد الذئبين فيها إلا القليل.

فهذا المثل العظيم يتضمن غاية التحذير من شر الحرص على المال والشرف في الدنيا. فأما الحرص على المال: فهو على نوعين:
أحدهما: شدة محبة المال مع شدة طلبه من وجوهه المباحة، والمبالغة في طلبه، والجد في تحصيله ولو حصلت المشقة، ولو لم يكن في الحرص على المال إلا تضييع العمر الشريف الذي لا قيمة تعدله، فيجمع لمن لا يحمده، ويقدم على من لا يعذره لكفاه بذلك ذمًّا للحرص.

النوع الثاني: أن يزيد على ما سبق ذكره في النوع الأول فيطلب المال من الوجوه المحرمة، ولمنع الحقوق الواجبة))[39].

ولقد أوضح الله -عز وجل- في كتابه العزيز بأن الحرص على المال إذا تجاوز الحد كان من أسباب الفشل، ولذلك قال سبحانه في بداية سورة الأنفال: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 1][40].

إن هؤلاء الذين حدث بينهم الخلاف في شأن الغنائم، كان من الدوافع التي دفعتهم إلى هذا الخلاف، ما فهموه من أن حيازة الغنائم تدل على حسن البلاء، وشدة القتال في سبيل الله، فكان كل واحد منهم يحرص على أن يظهر بهذا المظهر المشرف، وهم في أول لقاء لهم مع أعدائهم.

وعندما جاوز هذا الحرص حده، بأن غطى على ما يجب أن يسود بينهم في سماحة وصفاء، نزل القرآن ليهديهم بتربيته الحكيمة، وليؤدبهم بأدبه السامي، فعالجت هذه الآيات نفوس المؤمنين، وعملت على تطهيرها من الاختلاف الذي ينشأ عن حب المال، والتطلع للمادة. ولا ريب أن حب المال والتطلع إلى المادة من أكبر أسباب الفشل[41].

فالنظرة إلى المال على أنه أساس، وأنه أعز وأفضل من النفس ليست نظرة قرآنية، فالقرآن الكريم قد حذر من الحرص على المال، والاهتمام به؛ لما يقود النفس إلى الانحطاط في الأخلاق ودنو الهمة والعزيمة، والانشغال بسفاسف الأمور ومحقراتها، ولذلك فإنَّ الله -عز وجل- زهد فيه بقوله: ﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [آل عمران: 157]، ومما يجمعون هو المال[42].

لأن جزاء الاستثمار في سبيل الله الجنة، وما أسعده من قرار، فليعلم من أراد أن يعلي همته أن يجعل هذا المال سبباً لحصول مرضاة الله له، وأن يرتقى به إلى المعالي والسمو، كما أنه لا يحرص عليه كل الحرص الذي يقوده إلى دنو الهمة والعزيمة، وضعف المبادرة لرضا الله -عز وجل-.

ثالثاً: طول الأمل:
تعددت آيات القرآن الكريم في ذم طول الأمل وتحذيرها من ذلك الداء الفتاك العضال. وقبل أن نتحدث عن هذه الآيات التي حذرتنا من هذا المرض لا بد أن نبين معنى طول الأمل وما حقيقته:
طول الأمل في اللغة:
هو الاسم من قولهم: أملته آمُلُهُ أمْلاً وإمْلَه، وهو مأخوذ من مادة (أ م ل) التي تدل على التثبت والانتظار. ولهذه المادة معنى آخر أيضاً هو الحبل من الرمل المعتدل معظمه [43].

قال ابن منظور: ((الأمل، والآمل، والإمل، وجمع الآمل آمال، وإنه لطويل الإملة أي: التأمل))[44].

وأما طول الأمل في الاصطلاح:
فقد قال القرطبي في تعريف الآمل حينما فسر قوله تعالى: ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 3]: ((الحرص على الدنيا والانكباب عليها والحب لها، والإعراض عن الآخرة، وشغلهم عن الطاعة)) [45].

وقال المناوي: ((الأمل توقع حصول الشيء، وأكثر ما يستعمل فيما يستبعد حصوله))[46].

وعن أبي سعيد الخدري[47] -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- غَرَزَ بَيْنَ يَدَيْهِ غَرْزًا ثُمَّ غَرَزَ إِلَى جَنْبِهِ آخَرَ ثُمَّ غَرَزَ الثَّالِثَ فَأَبْعَدَهُ ثُمَّ قَال: ((هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا ؟))، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: ((هَذَا الْإِنْسَانُ وَهَذَا أَجَلُهُ وَهَذَا أَمَلُهُ يَتَعَاطَى الْأَمَلَ وَالْأَجَلُ يَخْتَلِجُهُ دُونَ ذَلِكَ))[48].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول ((لَا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ فِي: حُبِّ الدُّنْيَا وَطُولِ الْأَمَلِ))[49].

يقول ابن حجر[50]: ((قصر الأمل حقيقة الزهد، وليس كذلك بل هو سبب؛ لأن من قصر أمله زهد. ويتولد من طول الأمل الكسل عن الطاعة، والتسويف بالتوبة، والرغبة في الدنيا والنسيان للآخرة والقسوة في القلب؛ لأن رقته وصفاءه إنما يقع بتذكير الموت والقبر والثواب والعقاب وأهوال القيامة، كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الحديد: 16] وقيل: من قصر أمله قل همه، وتنور قلبه؛ لأنه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة وقل همه ورضي بالقليل))[51].

فطول الأمل ينسي الآخرة، ويجعل الإنسان مسلوب الهمة والإرادة، فتراه طويل الأمل لاهياً متناسياً لهادم اللذات، فتفتر همته لطلب معالي الأمور، فيصبح راكناً للدنيا وزينتها، حتى لا يكون له هم سواها.

يقول تعالى: ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 96]، ومعنى ذلك أن الإنسان يتمنى أن يعيش ألف سنة، ويطول عمره، وهذا الطول في عمره لا يزحزحه عن العذاب[52].

يقول ابن عاشور في تفسير هذه الآية: ((والمراد من الناس في الظاهر جميع الناس أي جميع البشر، فهم أحرصهم على الحياة، فإن الحرص على الحياة غريزة في الناس، إلا أن الناس فيه متفاوتون قوة وكيفية وأسبابا، وقوله ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ﴾ بيان لأحرصيتهم على الحياة، وتحقيق لعموم النوعية في الحياة المنكرة لدفع توهم أن الحرص لا يبلغ بهم مبلغ الطمع في الحياة البالغة لمدة ألف سنة، فإنها مع تعذرها لو تمت لهم كانت حياة خسف وأرذل عيش يظن بهم أن لا يبلغ حبهم الحياة إلى تمنيها))[53].

فطول الأمل هو سبب لدنو همة المرء. وكثير من الناس يخدعه الشيطان فيصور لأحدهم أن أمامه عمراً طويلاً وسنينًا متعاقبة، يبني فيها آمالاً كثيرة، فيجمع أمره لمواجهة هذه السنين، معتمداً على هذه الآمال الباطلة الغائبة وينسى الآخرة.

يقول تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ * وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ ﴾ [الشعراء: ٢٠٥ – ٢٠٨]، وهذه أعظم آية في إزالة الداء العضال الذي هو طول الأمل [54].

وهذه رسالة عظيمة من الله تعالى لكل من طال أمله وضعفت همته فتعلق بالدنيا ونعيمها، بأن هذا النعيم والتمتع سيزول، ولن ينفع العبد إلا ما قدم من عمل الصالحات والطاعات.

يقول تعالى مبيناً أثر طول الأمل على الإنسان: ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 3].

والآية هنا توضح الأثر السلبي للآمال الطويلة على حياة الإنسان، وتبين إلى أي درجة تجعل هذه الآمال بنفس الإنسان مقفولاً تجعله يغفل عن الآخرة ويقبل على الدنيا وكل ذلك سيكون نتيجته دنو همته، وانشغاله بسفاسف الأمور، فيجب على المسلم أن يقصر الآمال ليعلي همته ويهتم بعاليات الأمور، فيكون أكبر همه إصلاح نفسه، يسابق أهل الهمم العالية للوصول إلى رضا الله تعالى، بعكس من أطال أمله فتجده ضعيف الهمة كسلاناً متراخياً، مؤجلاً عمل اليوم إلى الغد.

ولا شك أن من عوامل النصر والتمكين للمسلمين في صدر الإسلام هو الإيمان واليقين وقصر الأمل، بالإضافة إلى عدم اهتمامهم بزخارف الدنيا وبريقها، حيث تسبب ذلك في أن يرد المسلمون الأوائل إلى ميدان القتال والجهاد بقوة وعزم فائقة، فلم يكونوا يرون أمامهم إلا الله تعالى، ولا يتحركون إلا في طريق الطاعة والتقوى.

ولكن عندما امتدت إليهم الآمال الطويلة، وملكتهم العلائق الدنيوية، حل الشك والتردد محل اليقين، ودنو الهمة والضعف بدلاً من علوها، والشغف بأمور الدنيا محل الزهد، وبدأوا يتراجعون أمام أعدائهم، يسلكون سبيل التخلف، فلا سبيل لهم للعلو والرقي إلا في قصر الأمل لتعلو همتهم، ويكونوا مثل أسلافهم في العزم والجد وطلب المعالي.

[1] انظر: الصحاح في اللغة 2/223، ومعجم مقاييس اللغة 4/472، ولسان العرب 13/317، والمعجم الوسيط 2/673 مادة (فتن).
[2] التعريفات 1/212 .
[3] التوقيف على مهمات التعاريف 1/549.
[4] انظر: جامع البيان 13/486، والدر المتثور 7/94.
[5] أي: اجعلوا همتكم تقودكم إلى مرضاة الله تعالى. انظر: النهاية لابن الأثير 5/129((نوط))
[6] انظر: إرشاد العقل السليم 3/103
[7] انظر: مفاتيح الغيب 16/17 ، وتفسير القرآن العظيم 2/452.
[8] انظر: التحرير والتنوير 11/401، وتفسير المنار 7/303 .
[9] الجامع لأحكام القرآن 17/165 .
[10] تيسير الكريم الرحمن ص 991.
[11] الدنيا: مؤنث على وزن فُعلى من دنا يدنو فهو دان، وسميت الدنيا لدنوها، والدني من الرجال: الضعيف الدون، انظر: مقاييس اللغة مادة (دني) 2/248، ولسان العرب مادة: (دنو).
[12] انظر: إيقاظ الهمم ص66.
[13] أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب بدء الوحي ح (1)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : إنما الأعمال بالنية ح (1907) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[14] الجامع لأحكام القرآن 1/751.
[15] تفسير القرآن العظيم 1/751.
[16] تيسير الكريم الرحمن ص435، وانظر: تفسير المنار 12/41.
[17] تيسير الكريم الرحمن ص556.
[18] إرشاد العقل السليم 8/160.
[19] تفسير القرآن العظيم 4/578.
[20] التحرير والتنوير 21/213
[21] تيسير الكريم الرحمن ص 226.
[22] معالم التنزيل ص1407، وانظر: روح المعاني 15/342
[23] تيسير الكريم الرحمن ص80
[24] تفسير القرآن العظيم 4/478.
[25] انظر: الآداب الشرعية 3/559.
[26] لم يعين -سبحانه وتعالى- مكانهما إذ لا يتعلق بتعيينه كبير فائدة انظر: روح المعاني 8/260 .
[27] انظر: تفسير القرآن العظيم 3/1147.
[28] انظر: النكت والعيون 3/ 306.
[29] انظر: تفسير القرآن للعثيمين 6/54.
[30] انظر: مفاتيح الغيب 21/107.
[31] في ظلال القرآن 4/2270.
[32] انظر: معالم التنزيل 8/421، والمحرر الوجيز 7/33، وتفسير القرآن العظيم 4/657، وفتح القدير 7/491.
[33] انظر: المستفاد من قصص القرآن ص (142).
[34] انظر:محاسن التأويل 7/536 .
[35] انظر: تفسير المنان في قصص القرآن ص432-433 .
[36] تيسير الكريم الرحمن 731-732.
[37] انظر: دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي ص105 .
[38] أخرجه الترمذي في جامعه كتاب الزهد، باب ما جاء في أخذ المال بحقه (4/588) ح (2376) وقال: ((حديث حسن صحيح))، والحديث صححه ابن حبان (8/24)، والألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته (2/983).
[39] انظر: مجموعة رسائل الحافظ ابن رجب (3/125).
[40] جاء في سبب نزول هذه الآية ما أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في النفل ح (2737)، والطبري في تفسيره 9/171، والبيهقي في الكبرى 6/291 وفي الدلائل 3/135، وذكره البغوي في تفسيره 2/266 ونسبه لأهل التفسير، والواحدي في أسباب النزول 1/155، وابن الجوزي في زاد المسير3/316، والسيوطي في الدر المنثور4/6، من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر: ((من فعل كذا وكذا فله من النفل كذا وكذا))، قال: فتقدم الفتيان ولزم المشيخة الرايات فلم يبرحوها فلما فتح الله عليهم قال المشيخة كنا ردءا لكم لو انهزمتم لفئتم إلينا فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى، فأبى الفتيان وقالوا: جعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنا فأنزل الله: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ﴾ [الأنفال: 1] إلى قوله: ﴿ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ﴾ [الأنفال: 1 - 5].
[41] انظر: التفسير الوسيط للقرآن الكريم لمحمد سيد طنطاوي 6/33.
[42] انظر: جامع البيان7/339، والدر المصون في علم الكتاب المكنون 1/969، وتفسير المنار 4/161.
[43] انظر : معجم مقاييس اللغة 1/140.
[44] لسان العرب 11/27 مادة ((أمل))
[45] الجامع لأحكام القرآن 1/26، وانظر: الصحاح 1/22، وتهذيب اللغة 15/284، ومعجم مقاييس اللغة 1/140.
[46] التوقيف على مهمات التعاريف 1/93
[47] هو: سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة الخدري الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد: صحابي، كان من ملازمي النبي -صلى الله عليه وسلم- ، استشهد أبوه مالك يوم أحد، وشهد أبو سعيد الخندق، وبيعة الرضوان، أحد الفقهاء المجتهدين لقب بمفتي المدينة، توفي في المدينة سنة (74 هـ) .
انظر : أسد الغابة لابن الأثير 2 / 289 و5 / 211، والبداية والنهاية 9 / 3.
[48] أخرجه أحمد في مسنده 3/17، وحسن إسناده الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 4/196، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 10 / 447: ((رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير علي بن علي الرفاعي وهو ثقة)).
[49] أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه ح (6420)، ومسلم في كتاب الزكاة، باب كراهة الحرص على الدنيا ح (1046)، واللفظ للبخاري، وعند مسلم : ((قلب الشيخ شاب على حب اثنتين حب العيش والمال)).
[50] هو: أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني، أبو الفضل، شهاب الدين، ابن حجر: من أئمة العلم كان فصيح اللسان، راوية للشعر، عارفا بأيام المتقدمين وأخبار المتأخرين، وعُرف بأسلوبه العلمي الرصين، وقدرته على تلخيص المعلومات ونقدها، ولي قضاء مصر مرات ثم اعتزل، توفي سنة ( 852 هـ ) .
أما تصانيفه فكثيرة جليلة، ومن أشهرها: ((فتح الباري شرح صحيح البخاري))، ((تهذيب التهذيب)) ((الإصابة في تميز الصحابة)) وغير ذلك .
انظر: الضوء اللامع 2 / 36 -40 ، وحسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة 1/363 – 366 ، وشذرات الذهب 7/270 – 273.
[51] فتح الباري 11/237.
[52] انظر: معالم التنزيل 1/ 114، والجامع لأحكام القرآن 2/26، وإرشاد العقل السليم 1/132.
[53] التحرير والتنوير 1/599 .
[54] انظر: أضواء البيان 1/42.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/41637/#ixzz4ljVUaIQe
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً