معركة الزلاقة .. يوم كسر ابن تاشفين صلبان أوروبا • كتب ألفونسو إلى ابن تاشفين يعلمه أن المعركة ...

معركة الزلاقة .. يوم كسر ابن تاشفين صلبان أوروبا

• كتب ألفونسو إلى ابن تاشفين يعلمه أن المعركة يوم الاثنين، إلا أن أمير المرابطين كان يقظا حذرا، عالما بمكر ألفونسو، فشدد الحراسة ونشر العيون وأبقى قواته في كامل جاهزيتها.

في ليلة الخميس، كان في جيش المسلمين الشيخ ابن رميلة رحمه الله، إمام من أئمة المالكية في قرطبة، ومع كبر سنه وعظم قدره ووافر علمه، إلا أنه كان ينافس الشباب على الصفوف الأولى، وفي منامه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول له: "يا ابن رميلة، إنكم منصورون، وإنك ملاقينا"، فقام فرحا يبشر المسلمين، وحق له أن يفرح، فقد بشره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحُسنيين، نصر لأمته، وشهادة له.

وبالفعل حدث ما كان يتوقعه أمير المرابطين، وغدر ألفونسو بجيش المسلمين وشن هجومه يوم الجمعة (12 من شهر رجب لعام 479 هـ)، وكان ابن تاشفين قد قسم جيشه إلى ثلاث فرق: فرقة الأندلسيين، معها فرقة المرابطين الأولى يقودها القائد داود بن عائشة، وفرقة المرابطين الثانية متخفية خلف التلال يقودها بنفسه.

اشتبكت جيوش الصليب مع الفرقتين العسكريتين (الأندلسية، والمرابطية الأولى)، حمل الصليبيون على الفرقة الأندلسية حتى أثقلت بالجراح، ففر شطر جنودها من هول المعركة، وأصيب ابن عباد، فلما علم ابن تاشفين أن جيش الصليب قد أُنهك وأخذ منه التعب مأخذه، كبَّر اللهَ بصوت جهوري، وكانت تكبيراته إيذانا ببدء خطته الالتفافية، وقسم فرقته إلى فوجين، فوج بقيادة (سير بن أبي بكر) مهمته مساندة الفرقتين المقاتلتين، وفوج يقوده بنفسه، ليلتف به على مؤخرة الجيش الصليبي ويقتحم معسكره، فأضرم فيه النيران، وقتل حراسه ومن كانوا يستريحون فيه، وأطبق الحصار على جيش الصليب.

أمر ابن تاشفين فرقة الانغماسيين البالغ عددها أربعة آلاف مقاتل بالترجل من خيولها، والانغماس في قلب الجيش الصليبي حيث ألفونسو، وتمكن انغماسي من الوصول إلى ألفونسو وطعنه بخنجر في فخذه، تخلخلت صفوف عباد الصليب وتزلزلت، فهرب ألفونسو إلى تلة قريبة من أرض المعركة، يرافقه خمسمائة فارس، وفي الليل تسلل ألفونسو بفلوله هاربا إلى طليطلة وسهام المجاهدين تطاردهم وترديهم صرعى، ولم يصل من الخمسمائة فارس إلا ثلاثون.

حضر العلماء والشيوخ والقضاة معركة الزلاقة وأبلوا فيها بلاء حسنا، فكان من بين الشهداء -كما نحسبهم- ابن رميلة القرطبي صاحب الرؤيا، وقاضي الدولة المرابطية أبو مروان عبد الملك المصمودي، لم يمنعهم كبر سنهم من المشاركة في القتال، ولم يتعذروا بحاجة الأمة إلى علمهم، ولا اكتفوا بالجهاد بألسنتهم، فلله درهم من علماء.

بقي جيش المسلمين أربعة أيام يجمع الغنائم لكثرتها، فقد ذكر صاحب (نفح الطيب): "وأقامت العساكر بالموضع أربعة أيام، حتى جُمعت الغنائم، واستؤذن في ذلك السلطان يوسف، فعف عنها، وآثر بها ملوك الأندلس، وعَرَّفهم أن مقصده الجهاد والأجر العظيم، وما عند الله في ذلك من الثواب المقيم، فلما رأت ملوك الأندلس إيثار يوسف لهم بالغنائم استكرموه وأحبوه".

وقبل أن يترك ابن تاشفين أرض الأندلس عائدا إلى المغرب، أوصى ملوكها بتقوى الله ونبذ الفرقة، وإخلاص التوبة، وأن لا يضيعوا ثمرة النصر بمعاصيهم، وكان عمره يومها 79 عاما، لم يمنعه عمره ولا جاهه من الجهاد في سبيل الله، وتقدم الصفوف وطلب الحتوف، فلله دره من أمير.

سميت معركة الزلاقة بهذا الاسم لكثرة دماء الصليبيين التي أريقت فيها، حتى زلقت بسببها خيول المسلمين

سميت معركة الزلاقة بهذا الاسم، لكثرة دماء الصليبيين التي أريقت، فكانت تزلق بسببها حوافر خيول المسلمين، فجيش الصليب الذي خرج من طليطلة يناهز الثمانين ألفا، لم يرجع منه إلا ثلاثون فارسا أعيتهم الجراح، وصدمتهم قوة المسلمين وبأسهم.

نقش أمير المرابطين يوسف بن تاشفين -رحمه الله- اسمه قائدا مسلما، قاد معركة مفصلية في تاريخ الأمة، قدر الله أن تكون سببا في بقاء المسلمين في الأندلس قرونا، وإلا لكانت مأساة سقوط غرناطة (آخر إمارة إسلامية في الأندلس) في القرن العاشر الهجري حدثت قبل خمسة قرون، وكُتب اسم الزلاقة إلى جانب بدر وحنين ومؤتة والقادسية واليرموك وحطين واليمامة.

وقد كانت معركة الزلاقة مثالا حياً على نصر الله للجماعة المسلمة، وخذلانه للطوائف المتنازعة، كما كانت مثالاً حيّاً للأجيال، أن الصليبيين لا يمكنهم هزيمة المسلمين إن أصلحوا عقيدتهم، ونواياهم، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولم يتفرقوا.


• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 18
السنة السابعة - الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1437 هـ

من التاريخ:
معركة الزلاقة .. يوم كسر ابن تاشفين صلبان أوروبا
...المزيد

معركة الزلاقة .. يوم كسر ابن تاشفين صلبان أوروبا وصلنا في العدد السابق إلى طلب أهل الأندلس ...

معركة الزلاقة .. يوم كسر ابن تاشفين صلبان أوروبا

وصلنا في العدد السابق إلى طلب أهل الأندلس وملوكها المدد من الأمير يوسف بن تاشفين رحمه الله أمير المرابطين، الذين كانوا يحكمون المغرب الإسلامي، فما كان منه إلا أن لبى نداء الأندلس لمّا استنصره أهلها، فأرسل طليعة من خمسمائة فارس، أقاموا معسكرا لهم بمنطقة "الجزيرة الخضراء" جنوب الأندلس، ثم اجتاز جيش المرابطين البحر من المغرب الإسلامي إلى الأندلس، وكان جيش ابن تاشفين يضم متطوعين أجابوا استنفاره.

ثم لحقهم بقوته الخاصة التي كان يسميها "الكتيبة الخضراء"، وكان تعدادها اثني عشر ألفا، متيمنا بالحديث المرفوع: (لن يُغلب اثنا عشر ألفا من قلة) [رواه أبو داود والترمذي وغيرهما عن ابن عباس].

يقول ابن الكردبوس عن عبور جيش المرابطين إلى الأندلس: "وقد أخلص لله تعالى نيته، وملأ البحر أساطيلَ، وأجاز رعيلا رعيلا، واحتل الجزيرة الخضراء في كتيبته الخضراء، المشتملة على اثني عشر ألف راكب من صناديد الأجناد" [تاريخ الأندلس].

ملأنا البر حتى ضاق عنا
وسطح البحر نملؤه سفينا

كان من حكمته أن اصطحب معه الإبل من صحراء المغرب إلى الأندلس، فكان لها أيما أثر في المعركة، فالصليبيون لم يعتادوا على رؤيتها، فكانت خيولهم ترتعب من الإبل وتهرب.

وبينما ابن تاشفين بجيشه في عرض البحر، إذ اعتلاهم الموج وماجت بهم السفن، فرفع يديه وقال: "اللهم إن كنت تعلم أن جوازي هذا خيرا وصلاحا للمسلمين فسهل علي جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعّبه علي حتى لا أجوزه"، فهدأ البحر بإذن الله، واجتازه المسلمون.

وصل ابن تاشفين الأندلس، وفي مدنها حظي باستقبال الفاتحين، إلى أن وصل إشبيلية والتقى ملكها المعتمد بن عباد بعد أن تاب مما اقترفته يداه، والتحق الآلاف من أهل الأندلس متطوعين للجهاد تحت راية الأمير ابن تاشفين، حتى بلغ تعداد جيشه ثلاثين ألفا، أغلبهم متطوعون.

لم ينتظر الأمير ابن تاشفين، ولم تلهه مفاتن الأندلس كما ألهت غيره من الملوك، بل قصد سهلا بالقرب من بطليوس بات يُعرف لاحقا باسم سهل الزلاقة، يبغي لقاء الصليبيين وملكهم ألفونسو السادس، الذي حشد أمة الصليب بحدها وحديدها.

اقترح المعتمد على ابن تاشفين أن يستريح في إشبيلية قبل بدء المعركة، فرد عليه: "إنما جئت ناويا جهاد العدو، فحيثما كان العدو، كانت وجهتي".

وصل ألفونسو حامل الصليب، إلى ساحة المعركة متبخترا بجيش قوامه ثمانون ألف جندي، رأى ألفونسو سواد جيشه يملأ الآفاق، فقال ألفونسو: "بهذا الجيش أقاتل الجنَّ والإنس، وأقاتل ملائكة السماء".

وكان ألفونسو قد بعث رسالة مطولة إلى ابن تاشفين قبل انطلاقه إلى الأندلس، يهدده فيها بأن الصليبيين سيبحرون إلى المغرب لقتال المرابطين وإبادة الأمة الحنيفية.

خيّر ابن تاشفين الصليبي ألفونسو بين الإسلام والجزية والسيف

فلما بلغ ابن تاشفين الأندلس رد على رسالة ألفونسو: "بلغنا يا أذفونش أنك دعوت إلى الاجتماع بنا، وتمنيت أن تكون لك سفن تعبر بها البحر إلينا، فقد عبرنا إليك، وقد جمع الله تعالى في هذه الساحة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك، {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}"، وقد خيّر ابن تاشفين -في رسالته- ألفونسو بين الإسلام والجزية والقتال.

ردّ ألفونسو السادس على رسالة ابن تاشفين واختار الحرب وبدأ بالتجهيز فحاصر مدينة سرقسطة، وأيقن أن من سيقاتله اليوم يختلف عن الملوك الذين اعتاد قتالهم، وعلم أن خصمه اليوم واثق بوعد ربه، لا ملوك طوائف همهم الدنيا ولو على حساب دينهم، فلسنوات لم يهاجم أهل الأندلس جموع الصليبيين، وكانت كل حروبهم دفاعية، تنتهي بانسحابات وتسليم مواقع، أو توقيع اتفاقيات تسلبهم مناطق لصالح عباد الصليب.

كتب ألفونسو إلى ابن تاشفين يعلمه أن المعركة يوم الاثنين، إلا أن أمير المرابطين كان يقظا حذرا، عالما بمكر ألفونسو، فشدد الحراسة ونشر العيون وأبقى قواته في كامل جاهزيتها.

• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 18
السنة السابعة - الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1437 هـ

من التاريخ:
معركة الزلاقة .. يوم كسر ابن تاشفين صلبان أوروبا
...المزيد

رياح الصليبيين ورايات الطواغيت • كما في كل مرة يأخذ الأغرار من قادة الصحوات في الشام وأنصارهم كل ...

رياح الصليبيين ورايات الطواغيت

• كما في كل مرة يأخذ الأغرار من قادة الصحوات في الشام وأنصارهم كل كلام يخرج من أفواه الطواغيت على أنه قرار نافذ، وكلمة عهد لا يمكن التراجع عنها، متناسين عدد المرات التي خابت ظنونهم بوعود طواغيت جزيرة العرب، أو بالخطوط الحمر لكل من أردوغان وأوباما، أو لاءات فرنسا وأشباهها، دون أن يتعلموا الدروس، أو تؤدّبهم التجارب، فإذا بهم يخرجون من حفرة ليقعوا في حفرة أغور وأخطر، حتى يأتي اليوم الذي تدق فيه -بإذن الله- رقابهم فيُستراح من سفاهتهم وإجرامهم وكفرهم.

فرغم الصدمة الكبيرة التي تلقتها الصحوات بتمكن الجيش النصيري وحلفائه من عزلهم في الريف الشمالي، وتقدم مرتدي الـ PKK إلى مناطقهم، في ظل خذلان واضح لهم من أسيادهم العاملين في إطار التحالف الصليبي ضد الدولة الإسلامية، عاد قادة الصحوات ليستبشروا خيرا بالتصريحات الأخيرة لطواغيت جزيرة العرب وتركيا، عن تدخل عسكري وشيك في ساحة الشام، ليمنّوا أنفسهم وجنودهم وأنصارهم، أن هذا التدخل سيكون لصدّ الهجمة النصيرية، ولِلَجم إيران وروسيا، متناسين أن هؤلاء الطواغيت لا يمكن لهم أن يتحركوا خارج السياسة الأمريكية، أو خارج إطار أي مشروع لا يحقق أهداف الصليبيين في المنطقة.

فالتصريح الذي أطلقه الطواغيت من آل سلول عن تدخل بري في ساحة الشام، جاء استجابة لطلب أمريكي تم التصريح به عقب مباحثات الدول الكبرى في التحالف الصليبي ضد الدولة الإسلامية في اجتماع بروكسل، وجاء الطلب أو الأمر الأمريكي بإعلانهم الحاجة إلى قوة عسكرية بريّة من الدول التي تدعي الإسلام، لتقوم بتنفيذ مهام التحالف الصليبي على الأرض، في ظل عدم توفر قوة بريّة مؤهلة بالشكل الكافي لقتال الدولة الإسلامية، وهذه القوة النظامية ستكون النواة لتجميع مقاتلي الصحوات حولها، لتشكيل قوة كبيرة من هؤلاء المرتدين لقتال جيش الخلافة، فمعركة جيوش الطواغيت -إن حدثت- في الشام إنما ستكون ضد الدولة الإسلامية فحسب، وبالتالي فإن استبشار قادة الصحوات بأنباء هذا التدخل ربما يكون مردّه إلى ما سيجرّه عليهم من أموال وإعانات، لا إلى كونه وسيلة للوقوف في وجه النظام النصيري وحلفائه كما يمنّون أنصارهم.

وهذا التدخل -إن حدث- فلن يقدّم الكثير لأعداء الدولة الإسلامية من صليبيين، وطواغيت مرتدين، وعملائهم من الصحوات، ولن يزيد دوره على إحداث المزيد من التشابك والتعقيد في ساحتي الشام والعراق، شبيه بالتعقيد الذي أحدثه التدخل الروسي لصالح النظام النصيري، وبالتالي فإن رؤية الدولة الإسلامية لهذا التدخل لن تختلف عن رؤيتها تجاه التدخل الأمريكي لصالح الروافض ومرتدي الأحزاب الكردية، أو الروسي لصالح النصيريين، فهي تستمر في قتالها لكل المشركين والمرتدين، مهما تغيرت ألوانهم وأوطانهم وألسنتهم، منطلقين من أمر الله تعالى (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً)، كما أنها تركّز على قتال العدو الأقرب إليها بناء على أمره تعالى (قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ الْكُفَّارِ)، وهذه الرؤية المستندة إلى المنهج النبوي، الخاضع للأمر القرآني الرباني، لا يشوش عليها تصريح أو خبر، ولا يحرف وجهة القتال المبني على أساسها تدخل من أي طرف كان مهما بلغت قوته، فهي تقاتل المرتدين من الروافض والعلمانيين والنصيريين والصحوات، ولن يعجزها بإذن الله أن يضاف إليهم جنود الطواغيت الذين تقاتلهم في ساحات أخرى، بينما نجد أن قرارات الحرب والسلم عند كل أعداء الدولة الإسلامية تخضع لموازين القوى التي يتم احتسابها بناء على عدد الحلفاء وحجم قوة الأعداء، ولذلك نشاهد حجم التذبذب في القرارات، والاضطراب في السياسات والتوجهات، بين فترة وأخرى، فهي أشبه بالرايات الخفيفة الوزن التي تحركها الرياح وتوجهها كيفما اتجهت، حتى أن المراقب يحير في معرفة اتجاه البوصلة التي يسير عليها هذا الطرف أو ذاك، وهذا الصراع بين الرؤية الثابتة المستقرة للدولة الإسلامية، والرؤى المتذبذبة المضطربة لأعدائها، هو من الأسباب الكونية لتحقيق النصر عليهم بإذن الله.

فالثبات على عقيدة التوحيد، واتباع السنة دليلا ومنهجا للوصول إلى النصر، هو السبيل لتحقيق التمكين في الأرض وإقامة الدين كاملا كما أنزله الله عز وجل، ولن تضر المؤمنين تحزبات المشركين وحشودهم ومؤامراتهم، أكثر مما أضرت بجيش النبي -عليه الصلاة والسلام- في غزوة الأحزاب، والعاقبة للمتقين.


• صحيفة النبأ – العدد 18
السنة السابعة - الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1437 هـ

المقال الافتتاحي:
رياح الصليبيين ورايات الطواغيت
...المزيد

مهاجر الجزائري نِعم حامل القرآن أنت • وهو يغادر وقف مودعا أصحابه المقربين في المطار قائلا ...

مهاجر الجزائري نِعم حامل القرآن أنت

• وهو يغادر وقف مودعا أصحابه المقربين في المطار قائلا لهم:

أنا مهاجر الآن وسألتقي بكم بإذن الله في ربوع دولة الخلافة لنغزو معا إن يسر الله لي ولكم الوصول والنفير أو يكون موعدنا الجنة إن رزقني الله الشهادة قبلكم

وحينما وطئت قدمه أرض الخلافة قادما إليها من الجزائر كان أول ما فعله الدخول على صفحته في الإنترنت ليكتب عبارة واحدة: "الله أكبر الله أكبر حلم تحقق"

مهاجر ذو التسعة والعشرين ربيعا والذي كان أصغر إخوته كان باسِم الثغر سريع الدمعة لا يعرف الحقد طريقا إلى قلبه وإذا اختلف مع إخوانه يلوذ بالصمت فلا تسمع له صوتا وإذا تبين له أنه أخطأ في حق أحد إخوانه فسرعان ما يتراجع ويعتذر دون تردد أو خجل

من أبناء المساجد وحافظ للقرآن منذ صباه أكمل دراساته الجامعية في تخصص الشريعة الإسلامية في جامعة خروبة وفي الوقت ذاته كان يدرس القرآن الكريم لأكثر من مائتي طالب في أحد المساجد فتخرج على يديه عشرات الفتيان ممن حفظوا القرآن الكريم بكامله وكان يؤم المصلين في التراويح في شهر رمضان وهو في سن مبكر لما حباه الله من حفظ كتابه العزيز ومن عذوبة صوت في تلاوته

عمل في التجارة بائعا للمواد الغذائية فكان في نظر أبناء مدينته مثالا للصدق والأمانة والتعامل الطيب مع الناس جميعهم كيف لا وقد كان سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى

تعلق قلبه بالجهاد ورغم أن الجميع كان يخشى نشر العقيدة السليمة أو التحدث بها خوفا من الطواغيت وأجهزة العسكر القمعية في الجزائر إلا أن مهاجرا كان يستغل الرحلات المدرسية والمخيمات ليقوم بإلقاء محاضرات للطلاب يحدثهم فيها عن المجاهدين ويسمعهم الأناشيد الجهادية التي تشيد ببطولات المجاهدين لتكون تلك الأناشيد هي ملح رحلاتهم ومخيماتهم غير عابئ بالنتائج التي قد تترتب على اجتهاداته تلك

من المفارقات تلميذه من سهل له أمر الهجرة إلى أرض الخلافة

كان همه دائما وأبدا النفير لسوح الجهاد فقد هم بالنفير إلى العراق قبل عقد من الزمن لكن اعتقال صاحبه الذي سبقه والذي كان من المفترض أن ينسق له أمر هجرته أضاع عليه الفرصة فأصابه بعد ذلك هم شديد وحزن عميق حتى فتح الله له أبواب رحمته بعد قيام الخلافة حيث هاجر أحد طلبته ممن حفظ القرآن على يديه إلى أرض الخلافة وراح الطالب يتواصل مع أستاذه ليساعده في أمر الهجرة والترتيب لها ورغم أن مهاجرا كان ينوي الزواج إلا أنه ترك كل شيء حينما حانت ساعة الهجرة فغادر داره موهما من حوله أنه ذاهب في رحلة سياحية لن تطول لكن الوجهة كانت دولة الخلافة التي فشل مرتين في اجتياز عقبات الوصول إليها نتيجة التشديد الأمني من قبل الطواغيت ليتمكن في المرة الثالثة من دخولها بعد سنين عجاف حاول فيها الالتحاق بالمجاهدين

تغيرت حياة مهاجر بالكامل فالشاب قد تخلى عن أحلام مستقبله تجارته بيته سيارته أصدقائه عروسه فهو قد رمى الدنيا وما فيها وراء ظهره وأصبح جل همه أن يكون مجاهدا في سبيل نصرة دينه لتكون كلمة الله هي العليا وليمسي حلمه الوحيد أن يكون جنديا في جيش الخلافة

حين وصوله أراضي الدولة الإسلامية أقام في إحدى دور الضيافة والتي تعد أولى محطات دخول المهاجرين إلى أرض الخلافة فشهد له الجميع بكثرة قيامه وسجوده فكان لا يفتر من عبادته تلك ولا يغادر المصحف يده إلا حينما يأوي إلى فراشه فكان القرآن الكريم أقرب المقربين إليه بل كان صاحبه الذي لا يفارقه أبدا

طال انتظاره في دار الضيافة لأيام رأى فيها الشباب منشغلين بالتذمر لتأخر التحاقهم بالمعسكرات التي كانت ملأى بالمتدربين مما يوجب عليهم الانتظار حتى يأتيهم الدور بينما كان مهاجر منشغلا بذكر الله وقراءة القرآن كعادته

حين أزف موعد التحاقه بالمعسكر الشرعي تأهب وكأنه داخل إلى ساحة معركة همة تسابق السحاب علوا وفارس في مضمار خيل يسابق الريح سرعة ونشاطا

في التدريبات الصباحية الخاصة بالمعسكر الشرعي كان يتوجب على المتدربين قطع مسافة عدة كيلومترات في دقائق معدودة والتي تعدّ نوعا من التدريب الخاص بالسرعة والقوة والمطاولة وكانت المسافة كل يوم تزداد والوقت ينقص في تحد كبير للزمن لكن مهاجر كان دائما ممن يحلون في المراكز الثلاثة الأولى فقد أعد جسده وبدنه لمثل هذا اليوم منذ أمد بعيد فقد كان قبل الهجرة سباحا ماهرا ورياضيا متميزا

صلى إماما لإخوته في المعسكر فمهارته وحسن تلاوته القرآن في الصلاة جعل من يصلي خلفه من إخوانه يتمنون لو أنه يطيل فلا ينتهي إلا بختم كتاب الله وكان كثيرا ما يتوقف بسبب البكاء الذي يقطع قراءته ثم اختير ليكون مسؤولا عن جميع حلقات تحفيظ القرآن والتي تعدّ من أساسيات المعسكر الشرعي

وفي معسكره التدريبي العسكري القاسي وكلما جمع أمير المعسكر المتدربين وألقى فيهم خطبة يحثهم فيها على بذل المزيد أو يزجرهم فيها أو يستنكر تقصيرهم في التدريب يبدأ مهاجر بالبكاء الشديد وحينما يُسأَل عن سبب البكاء يرد عليهم: حياء من الله

• المصدر: قصة شهيد – صحيفة النبأ – العدد 17
...المزيد

سنّة الله في الصحوات.. باقية في الوقت الذي ذهب ممثلو الصحوات فيه للتفاوض مع النظام النصيري في ...

سنّة الله في الصحوات.. باقية

في الوقت الذي ذهب ممثلو الصحوات فيه للتفاوض مع النظام النصيري في جنيف ونيويورك، كان جيش النظام وحلفاؤه من الصليبيين الروس والروافض يتقدمون في عدة مواقع من الشام لتتقلص بذلك مناطق سيطرة الصحوات أكثر فأكثر، ويضيق عليهم الخناق في مواقع عدة، وتهدد مساحات واسعة ومدن كثيرة بالحصار ويدفع ذلك عشرات الألوف من الناس للهرب باتجاه الحدود التركية طالبين اللجوء خوفا من وقوعهم أسرى بيد النصيرية والروافض وبات كل فصيل من فصائل الصحوات اليوم يرى نفسه وحيدا في الساحة ضعيفا عن مجابهة النظام النصيري، مخذولا من قبل دول الجوار ضحية لوعودهم الكاذبة محسورا على ما كان بيده من موارد ومقاتلين ضيعهم في حربه على الإسلام والمسلمين بدلا من توجيههم لقتال النصيرية والروافض

وباتت حالهم اليوم تذكرنا بطيور المداجن التي يقوم مربوها برعايتها وهي لا تزال في بيوضها حتى تخرج إلى الحياة فتزداد العناية بها ويزداد الاهتمام بتغذيتها ويقام على حمايتها من الأمراض، لتكبر ويزداد وزنها بل وتجد المربي يحقنها بالهرمونات استعجالا لنموها حتى إذا نضجت قام ببيعها ليحقق منها المكسب الذي دفعه إلى بذل كل هذه الرعاية ثم تتناقلها أيادي التجار وكل منهم ينال نسبة من أرباح بيعها لمن بعده، وصولا إلى المستهلك النهائي الذي لا مصلحة له من ورائها سوى إنهاء حياتها ذبحا والاستفادة من لحمها في تأمين ما يحتاجه من غذاء

وهكذا هي سنة الله في الصحوات في كل مكان تستدرجهم أجهزة المخابرات، ثم تبدأ عملية التغذية والدعاية والحماية من قبل "الدول الراعية" وذلك لتحصيل غايات معينة من هذا الدعم، حتى إذا نمت وزاد وزنها باعها الراعي إلى من يدفع السعر الأعلى بتسوية سياسية تجري في الخفاء، وهذا ما لم تدركه صحوات الشام إلى الآن، فلم تدرك أن أمريكا وحلفاءها قد باعوهم لإيران وروسيا ليقوموا بذبحهم اليوم بعد أن دفعوا ثمنا للرعاة لا يعلمه قادة الصحوات مما أثار تعجبهم واستغرابهم

فقد حسِب هؤلاء الأغرار أن مجرد قتالهم الدولة الإسلامية هو صك حماية لهم من كل الأخطار وأن الطائرات التي تؤمّن لهم الغطاء في معاركهم مع جنود الخلافة ستؤازرهم في كل وقت وأن مخازن السلاح التي فُتحت أمامهم منذ إعلانهم الحرب على دولة الخلافة ستبقى مفتوحة دائما، وأن حيازتهم لقب "المعارضة المعتدلة" من الصليبيين هو صك حماية دائمة من الصليبيين والطواغيت لهم، فلما تقدم الجيش النصيري إلى مدنهم وقراهم، وجدوا أنفسهم لا حامي لهم ولا معين فعادوا اليوم يرجون عونا من جيش الخلافة الذي طالما أفتى حمير العلم من شرعيي صحواتهم أن قتاله مقدم على قتال النصيريين وصرح قادتهم وإعلاميوهم أنه عميل للجيش النصيري فإذا بهم اليوم يعلنون الحقيقة التي استيقنتها نفوسهم ومالت عنها ألسنتهم ألا وهي أن تورطهم في قتال الدولة الإسلامية جعلهم لقمة سائغة للنصيرية وأعوانهم

إن الكِبر وحده هو ما يمنع قادة الصحوات اليوم أن يعترفوا بكونهم ألعوبة بيد أجهزة المخابرات طيلة السنوات الماضية، وأن حربهم على الدولة الإسلامية إنما كانت إرضاء للصليبيين والطواغيت، وأن كل ما افتروه على الدولة الإسلامية من فرى وأكاذيب إنما كان لتبرير هذه الحرب، ولتكون دافعا لقطعانهم التي تسمع لهم وتطيع في بلاهة وسذاجة وبلا وعي وأيقنوا أن ردّتهم عن دين الإسلام التي صرحت بها الدولة الإسلامية مرارا وعاملتهم على أساسها إنما كانت حقيقية وأنها قائمة على توليهم للكفار وإعلانهم الرضا بالمبادئ الكفرية من ديموقراطية وعلمانية، ولامتناعهم عن تطبيق أحكام الشريعة فيما تحت أيديهم من مناطق، واستبدالهم القوانين الوضعية بحكم الله في محاكمهم، وحربهم في سبيل إزاحة الشريعة عن المناطق الواقعة تحت سيطرة الدولة الإسلامية، حتى تكون من جنس المناطق التي يسيطرون عليها

وليعلموا أن توبتهم عن أفعالهم تلك وقطعهم العلاقات مع الكفار والمرتدين، وإعلان البراءة منهم، وعزمهم على سلوك طريق الهدى وتصحيح النية في الجهاد حتى يكون الدين كله لله، هي الخطوة الأولى في تصحيح مسار تلك الفصائل ومن ثم لزوم جماعة المسلمين وإمامهم الواجب الشرعي الذي أُمرنا به والفريضة الغائبة والواجب الكفائي الذي كُفيت الأمة جمعاء حمله ومؤونته فالخلافة قامت بفضل الله وتوفيقه على أرض الشام والعراق وبويع لخليفة المسلمين، وأما ما يُرجى من نصر وتمكين فالمؤمن الموحد موعود بإحدى الحسنيين وكلاهما فوز وظفر؛ إما نصر وإما شهادة وكفى بها من مغنم

أما وهم مصرون على ردتهم متمسكون بحبال الصليبيين والطواغيت ووعودهم الكاذبة فإن فشلهم وذهاب ريحهم وتمكن النصيرية من ذبحهم واستلاب ما بأيديهم من أرض وسلاح هي مسألة وقت لا أكثر وبالتالي خسارتهم لدنياهم بعد أن خسروا آخرتهم ولن يكون مصيرهم أكثر من مصير من سبقهم من صحوات العراق الذين آل بهم المطاف جنودا لإيران الصفوية وخدما للمشروع الرافضي الذي خرجوا يوما ما زاعمين السعي لإفشاله وإلى الله ترجع الأمور

المصدر: صحيفة النبأ – العدد 17
...المزيد

من يبذل الثمن؟ • في هذه الأيام الأخيرة التي يشتد فيها وطيس المعارك، ويصبح حال المسلمين بين كر ...

من يبذل الثمن؟

• في هذه الأيام الأخيرة التي يشتد فيها وطيس المعارك، ويصبح حال المسلمين بين كر وفر، يأتيك خبر يثلج قلبك بانتصار المؤمنين في أرض، ويأتيك في الوقت نفسه خبر آخر يحزنك بانحيازهم عن أرض أخرى، وبين هذه الأخبار وتلك يتقلب قلبك بين الحزن والسرور.

وننسى أن قتالنا هو قتال لأمر أعظم من الأرض والعرض والناس أجمعين، إنه القتال من أجل دين رب العالمين، نعم إنه التوحيد الذي من أجله خُلقنا جميعا، فعندما نستشعر عظم الأمانة التي نقاتل من أجلها يهون كل شيء أمامها، فليس كثيرا أن تهرق دماؤنا، وتدق جماجمنا من أجلها. لأن من عظّم الولاء والبراء في قلبه والحب والبغض في الله هانت أمامه التضحيات، وما أروع موقف ذلك الصحابي -رضوان الله عليه- الذي أراد الكفار قتله فبكى، فظنوه بكى جزعا من الموت، ولكن بكاءه كان حزنا على أن له نفسا واحدة فقط، فقد تمنى لو أن له مئات الأنفس ليبذلها كلها في سبيل الله.

نعم لقد أبصروا وعلموا الغاية الحقة التي من أجلها خلقوا، وزاد شوقهم لحسن المآل، فصغرت في أنفسهم كل التضحيات التي كانوا يقدمونها، ونحن اليوم بفضل الله على نهج أولئك الأفذاذ نسعى، وبهدي سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم- نسير، فلا نقاتل من أجل غايات زائلة لا معنى لها ولم يرشدنا إليها ربنا، ولا نبيه صلى الله عليه وسلم، كمن ينافح عن حدود موهومة رسمها "سايكس وبيكو"، ولا نقاتل من أجل حفنة تراب، فجهادنا أسمى وأعلى، إنه القتال من أجل تحقيق الغاية العظمى، أن يكون الدين كله لله.

لقد وفق الله أولئك الرجال الذين أخذوا بيد أهل الإسلام على أرض العراق إلى ميادين العز والسؤدد والأنفة والكرامة قبل عشر سنوات مضت، فغدوا شامة بين الخلائق أجمعين يصدعون بدعوة خير المرسلين وتوحيد رب العالمين، فشمخت منارات الهداية ترشد السالكين وتأوي المستضعفين، وارتفعت راية الحق على أرض الشام فأضاء مجد الخلافة وعم خيرها وسناها.

نعم أيها المسلمون، إن فجر دولة القرآن قد بزغ، هذه الكلمة الصادقة التي رددها الشيخ أبو مصعب الزرقاوي -تقبله الله- وهو يجالد الأعداء بثلة قليلة من المجاهدين الذين ينغمسون في الحتوف بصدور عارية، وكان وقتها يبصر من وراء الأفق ذلك الفجر الموعود، فجر دولة القرآن.

فما لأناس يتعامون ولا يبصرون هذا الفجر الذي نعيش دفئه، وقد بزغ نوره حتى غطى ولايات عديدة بين العراق والشام واليمن وسيناء وغرب إفريقية والقوقاز وخراسان وغيرها من البلدان.

إن التفاؤل وضده، إنما ينبعان من القلب، فمن عرف التوحيد وعمل بما علم، أدرك أن المعركة لا تحددها تلك الأشبار من الأرض هنا أو هناك، بل يحددها ما يفيض من القلب من ثمرة تلك المعرفة النابعة من الإيمان بالله استجابة لأمره وطمعا برضاه، فمتى ما كنا نقاتل من أجل دين رب العالمين مستصغرين التضحيات التي نبذلها في سبيله أدركنا العز والظفر، وإن انطفأت جذوة التوحيد في نفوسنا، لا قدّر الله، وما عاد يحركنا أوارها المتقد، وشككنا في الطريق، فستضيع كل المكاسب التي تفضل الله بها على أهل الإيمان اليوم.

إذن يجب أن نعلم أن الأمانة عظيمة والحمل ثقيل، إنه دين رب العالمين الذي خلق لأجله الخلق أجمعين، وسيحاسبهم عليه يوم الدين، وبما أنه السبيل الذي ارتضاه لنا اللطيف الخبير، فلن يهولنا تجمع الأحزاب، ولن تخيفنا حفنة من الثعالب والذئاب، ولو سدت الآفاق طائراتهم، وملأت البحار بارجاتهم، فإننا نقاتل من أجل ملة أبينا إبراهيم، دين رب العالمين، الذي متى شاء أمرا، قال له: كن فيكون، ليهلك من هلك على بينة ويحيا من حي على بينة.

فتعال معي أيها المسلم الموحد لنبصر الفجر الموعود، ونجعل الطريق إليه أعمارنا، والخطوات إليه تضحياتنا، فزوال الغمة قريب، وإنما هي أيام قلائل، وسنسمع التكبيرات ترج أنحاء روما، وسنرى عما قريب ابتسامة الموحد مشرقة، وهو يدك بمعوله آخر رموز الشرك في (تل أبيب) وغيرها، وليتبروا -بإذن الله- ما علوا تتبيرا، وحينها بإذن الله تصدح حناجرنا بالشكر والتكبير، لمن كان حقا عليه نصر المؤمنين، هذا... والحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين.

• المصدر: صحيفة النبأ – العدد 17
السنة السابعة - الثلاثاء 29 ربيع الآخر 1437 هـ

مقال:
من يبذل الثمن؟
...المزيد

ملوك الطوائف يستغيثون بابن تاشفين • سجلت سنة 422 هـ انتهاء حكم الدولة الأموية في الأندلس وبداية ...

ملوك الطوائف يستغيثون بابن تاشفين

• سجلت سنة 422 هـ انتهاء حكم الدولة الأموية في الأندلس وبداية مرحلة تاريخية جديدة عرفت بـ "ملوك الطوائف"، كان أهم سبب لهذا التحول، تعيين هشام الأموي سلطانا على الأندلس، قبل أن يتم السابعة من عمره، كما تشير بعض المصادر التاريخية، فتسلط عليه الحُجّاب والوزراء، أبرزهم المنصور بن أبي عامر الذي حكم باسم الأمويين بمساعدة أم هشام (صبح)، وتمكن من تحويل مقاليد الحكم إليه وإلى أولاده من بعده، مكوناً الدولة العامرية التي لم تعمر هي الأخرى طويلا، وعلى أنقاض الدولة الأموية وامتدادها العامري في الأندلس، قامت دويلات ضعيفة عرف عهدها بعهد "ملوك الطوائف"، تجاوز عددها اثنتين وعشرين دويلة، كان عهدها من أكثر عهود المسلمين في الأندلس تفككا وضعفا، تميز بردّة كثير من ملوك الطوائف لمظاهرتهم الصليبيين على الطوائف المسلمة الأخرى، وكذا دفع معظم ملوك الطوائف جزية مالية ضخمة للصليبي ملك قشتالة ألفونسو السادس، بعد أن كان الصليبيون هم من يدفع الجزية للمسلمين لأكثر من قرن.

الاستعانة بالكفار على المسلمين

في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري دخل ملوك الطوائف في حروب داخلية طاحنة فيما بينهم متغافلين عن عدوهم الصليبي في الشمال، بل لم يتورع بعضهم عن التحالف مع الدول الصليبية والاستعانة بها لقتال إخوانهم وأحيانا إعانتها بالمال والجند لقتال طائفة مسلمة أخرى، وأن يحصل على مساندتها العسكرية مقابل دفع الجزية، فنشبت حرب بين طائفة طليطلة وطائفة قرطبة، شارك فيها أمراء طليطلة وقرطبة وإشبيلية، استمر هذا الصراع سنوات، بلغ أوجه بتحالف المأمون بن ذي النون أمير طليطلة مع الصليبي فرناندو الأول ملك ليون وقشتالة، فاستولى المأمون على بلنسية بدعم صليبي، ثم سيطر المعتمد بن عباد أمير طائفة إشبيلية على مدن مرسية وأريولة ومدن أخرى، عقد ابن عباد بعدها حلفا مع الصليبي ألفونسو السادس ملك قشتالة، على أن يؤازر ألفونسو ابن عباد بالجنود النصارى في قتاله أمراء الطوائف الآخرين، في حين يدفع ابن عباد الجزية لملك قشتالة، فاستطاع ألفونسو بعد اتفاقاته مع ملوك الطوائف ومساعدتهم له من الاستيلاء على طليطلة (عاصمة القوط الغربيين قبل الفتح الإسلامي) في سنة 478 هـ، وفقد بذلك المسلمون طليطلة إلى الأبد بعد أن حكمها المسلمون ثلاثمائة واثنين وسبعين عاماً، واتخذها ملك قشتالة عاصمة لدولته الصليبية.

الصليبيون لا يكتفون بالجزية والخضوع

كان سقوط طليطلة بيد الصليبيين بمثابة آخر مسمار دُق في نعش التحالف بين ألفونسو وابن عباد أمير إشبيلية، كون ألفونسو لم يقنع بطليطلة فحسب كما هو في الاتفاق، بل احتل جميع الأراضي الواقعة على ضفتي نهر تاجة، وعلى قلاع مجريط (مدريد حاليا) وماردة وبطليوس، فجزع ابن عباد، وكتب إليه كتاباً يحذره فيه ألّا يتعدى في حروبه التوسعية طليطلة، إلا أن ألفونسو لم يهتم بكلام ابن عباد، وقرر مواصلة توغلاته في بلاد المسلمين، وأضحت طائفة سرقسطة مهددة بمصير كمصير طليطلة، حينها علم معظم ملوك الطوائف أن لا ملجأ من ألفونسو إلا بالاستنجاد بالمرابطين في المغرب الإسلامي.

رعي الجمال خير من رعي الخنازير

أرسل المتوكل بن الأفطس أمير بطليوس يطلب العون والمدد من السلطان يوسف بن تاشفين لإنقاذ الأندلس، عقد أهل الأندلس بعدها اجتماعا عاما ضم أمراءها وعلماءها وأعيانها وتجارها، وعندما تخوّف أغلب ملوك الطوائف من دخول المرابطين للأندلس خشية إزالة المرابطين لعروشهم الفاسدة، فقال لهم عبارته الشهيرة: "تالله إني لأؤثر رعي الجمال لسلطان مراكش على أن أغدو تابعا لملك النصارى أدفع له الجزية، إنّ رعي الجمال خير من رعي الخنازير!".

فكتب ابن عباد رسالة إلى أمير دولة المرابطين في المغرب الإسلامي يوسف بن تاشفين جاء فيها: "إلى حضرة الإمام أمير المسلمين، إنا نحن العرب في هذه الأندلس، قد تلفت قبائلنا وتفرق جمعنا، وتوالى علينا هذا العدو المجرم اللعين أذفنش (ألفونسو)، أسر المسلمين وأخذ البلاد والقلاع والحصون، وقد ساءت الأحوال وانقطعت الآمال، وأنت أيدّك الله ملك المغرب، استنصرتُ بالله ثم بك، واستغثت بحرمكم، لتجوزوا لجهاد هذا العدو الكافر، والسلام على حضرتكم السامية، ورحمة الله تعالى وبركاته"، ولما وصل الكتاب لابن تاشفين أكرم حامليها، ثم استشار قادته وأمراءه، فأشاروا عليه بالسير إلى الأندلس لحمايتها من الوقوع في يد الصليبيين.

وبالفعل، استجاب الأمير يوسف بن تاشفين -رحمه الله- لنصيحه قادته ومستشاريه، وعبر البحر بسبعة آلاف من خيرة مقاتليه، فكانت معركة الزلاقة التي نصر الله فيها أهل التوحيد من جيش المرابطين على جيش الصليبيين في العام 479 هـ.

• المصدر: صحيفة النبأ – العدد 17
السنة السابعة - الثلاثاء 29 ربيع الآخر 1437 هـ

من التاريخ:
ملوك الطوائف يستغيثون بابن تاشفين
...المزيد

الزكاة.. الزكاة أيها المسلمون • مسألة مهمة: دفع أموال الزكاة إلى جباة إمام المسلمين "بيت مال ...

الزكاة.. الزكاة أيها المسلمون

• مسألة مهمة:

دفع أموال الزكاة إلى جباة إمام المسلمين "بيت مال الزكاة"، وبراءة ذمة من أداها إليهم، وعدم جواز كتمان قدر الزكاة:

قال الشوكاني في (نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار): "باب براءة رب المال بالدفع إلى السلطان مع العدل والجور"، ثم أورد حديث أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أدّيت الزكاة لرسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم، إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها، فلك أجرها، وإثمها على من بدلها» رواه أحمد بإسناد صحيح، كما أورد رحمه الله حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: «إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها»، قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم»، متفق عليه.

وقال المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" باختصار: "باب المعتدي في الصدقة كمانعها، الاعتداء مجاوزة الحد، فيحتمل أن يكون المراد به المزكي الذي يعتدي بإعطاء الزكاة لغير مستحقيها وعلى غير وجهها، وعلى المعتدي في الصدقة من الإثم ما على المانع، فلا يحل لرب المال كتمان المال وإن اعتدى عليه الساعي، ويؤيده حديث بشير بن الخصاصية الذي رواه أبو داود قال: قلنا: يا رسول الله: إن قوما من أصحاب الصدقة يعتدون علينا، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا".

فوائد إخراج الزكاة:

اعلم أخي المسلم: أن للزكاة فوائد عظيمة، منها:

أولا: أن الزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، فمن أداها فقد أقام ركنا من أركان الدين، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان».

ثانيا: أنها تطهر المال وتطهر النفس، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103]

ثالثا: أنها تكفر الذنوب، فعن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلك على أبواب الخير؛ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار...» أخرجه الترمذي وغيره، وقال: حديث حسن صحيح.

رابعا: أنها تجعل صاحبها من المحسنين المحبوبين لرب العالمين، قال تعالى: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 159].

خامسا: أنها سبب لنماء المال وحلول البركة، قال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]

سادسا: أنها دليل على صدق إيمان المزكي، ولذا سميت صدقة، فإنها تدل على صدق صاحبها في طلب رضا الله تعالى.

• المصدر: صحيفة النبأ – العدد 17
السنة السابعة - الثلاثاء 29 ربيع الآخر 1437 هـ

مقال:
الزكاة.. الزكاة أيها المسلمون
...المزيد

الزكاة.. الزكاة أيها المسلمون • الترهيب من منع الزكاة: وفيه أدلة كثيرة من القرآن والسنة، فكما ...

الزكاة.. الزكاة أيها المسلمون

• الترهيب من منع الزكاة:

وفيه أدلة كثيرة من القرآن والسنة، فكما أن الله عز وجل أعد تلك الفضائل العظيمة لمن أدّى زكاة ماله طيبة بها نفسُه؛ توعد جلت عظمته مانعي الزكاة بالوعيد العظيم، فقال تعالى: {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت: 6-7].

وبيّن تبارك وتعالى أن كراهية إخراج الزكاة من علامات النفاق، قال تعالى عن المنافقين: {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 54].

وأنها صفة من صفات أهل النار الذين قال الله تعالى عنهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 42-44].

كما أن مانعي الزكاة من أشد الناس عذابا يوم القيامة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34-35].

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان هذه الآية في الحديث الذي رواه مسلم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدّي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفّحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة»، وحقها هو الزكاة.

وعند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزميه (يعني شدقيه) ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك» ثم تلا قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران: 180].

وروى الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا: «لا يكون رجل يكنز فيمس درهم درهما، ولا دينار دينارا، يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على حدته»، وقال المنذري: إسناده صحيح.

• المصدر: صحيفة النبأ – العدد 17
السنة السابعة - الثلاثاء 29 ربيع الآخر 1437 هـ

مقال:
الزكاة.. الزكاة أيها المسلمون
...المزيد

الزكاة.. الزكاة أيها المسلمون • أخبر الله تعالى في كتابه الكريم أن إعطاء الزكاة سبب في الفوز ...

الزكاة.. الزكاة أيها المسلمون

• أخبر الله تعالى في كتابه الكريم أن إعطاء الزكاة سبب في الفوز والفلاح، فقال سبحانه: {الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 1-5].

كما وعد جل جلاله الذين يؤدون الزكاة بأن يرحمهم ويدخلهم في رحمته الواسعة، فقال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 156].

ورتّب عز وجل الأجور العظيمة المضاعفة لمن يُخرج زكاة ماله ابتغاء مرضاته، فقال تعالى: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39].

ثم بين ربنا سبحانه أن من أدى زكاة ماله، فسينجيه من عذاب النار يوم القيامة، فقال تعالى: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ} [الليل: 14-18].

ووصف عباده المؤمنين بصفات كثيرة، منها أنهم يؤدّون الزكاة، فقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: 1-4]

ولعظيم أمر الزكاة وأهميتها، فإن الحق سبحانه فرضها على الأمم السابقة وأوصى بها الأنبياء والرسل، فقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 54-55]، وقال تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 30-31].

وكذلك حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على أداء الزكاة ورغّب في أجرها في أحاديث كثيرة، منها ما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: يا ابن آدم أنفِقْ أُنفق عليك»، ومنها ما رواه الترمذي عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما نقص مال عبد من صدقة» وهو حديث حسن صحيح، ومنها أيضا ما رواه الإمام أحمد بسند صحيح عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يُقضى بين الناس».

فهنيئا لمن وفقه الله وأدّى زكاة ماله طيبة بها نفسُه، فمن فعل ذلك فليبشر بالخير الكثير والبركة من الله، قال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]، وقال تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].

• المصدر: صحيفة النبأ – العدد 17
السنة السابعة - الثلاثاء 29 ربيع الآخر 1437 هـ

مقال:
الزكاة.. الزكاة أيها المسلمون
...المزيد

مهاجر الجزائري نِعم حامل القرآن أنت • طال انتظاره في دار الضيافة لأيام رأى فيها الشباب منشغلين ...

مهاجر الجزائري نِعم حامل القرآن أنت

• طال انتظاره في دار الضيافة لأيام رأى فيها الشباب منشغلين بالتذمر لتأخر التحاقهم بالمعسكرات التي كانت ملأى بالمتدربين مما يوجب عليهم الانتظار حتى يأتيهم الدور بينما كان مهاجر منشغلا بذكر الله وقراءة القرآن كعادته

حين أزف موعد التحاقه بالمعسكر الشرعي تأهب وكأنه داخل إلى ساحة معركة همة تسابق السحاب علوا وفارس في مضمار خيل يسابق الريح سرعة ونشاطا

في التدريبات الصباحية الخاصة بالمعسكر الشرعي كان يتوجب على المتدربين قطع مسافة عدة كيلومترات في دقائق معدودة والتي تعدّ نوعا من التدريب الخاص بالسرعة والقوة والمطاولة وكانت المسافة كل يوم تزداد والوقت ينقص في تحد كبير للزمن لكن مهاجر كان دائما ممن يحلون في المراكز الثلاثة الأولى فقد أعد جسده وبدنه لمثل هذا اليوم منذ أمد بعيد فقد كان قبل الهجرة سباحا ماهرا ورياضيا متميزا

صلى إماما لإخوته في المعسكر فمهارته وحسن تلاوته القرآن في الصلاة جعل من يصلي خلفه من إخوانه يتمنون لو أنه يطيل فلا ينتهي إلا بختم كتاب الله وكان كثيرا ما يتوقف بسبب البكاء الذي يقطع قراءته ثم اختير ليكون مسؤولا عن جميع حلقات تحفيظ القرآن والتي تعدّ من أساسيات المعسكر الشرعي

وفي معسكره التدريبي العسكري القاسي وكلما جمع أمير المعسكر المتدربين وألقى فيهم خطبة يحثهم فيها على بذل المزيد أو يزجرهم فيها أو يستنكر تقصيرهم في التدريب يبدأ مهاجر بالبكاء الشديد وحينما يُسأَل عن سبب البكاء يرد عليهم: حياء من الله

في أحد الأيام حصلت له خصومة مع أحد المتدربين، مع أنه ليس من محبي الخصومات، ولكن أحد الإخوة المتدربين غضب منه لرفضه أن يخطب الجمعة حينما طلب منه ذلك، لأنه خشي أن يخطب في مجاهدين، يراهم خيرا منه، رغم أنه أعلمهم وأحفظهم للقرآن، وكان يتردد ويتذلل لذلك المتدرب طالبا منه العفو والصفح، رغم أنه لم يسئ إليه، وبقي يلاحقه ويكثر من الاعتذار له، حتى قبل ذلك الأخ اعتذاره وتعانقا، فكانت فرحته لا تعادلها فرحة يوم ذاك.

كان متمكنا من اللغة العربية وقواعدها ومن علوم الشرع، لهذا فقد كان مقررا له حين الانتهاء من التدريب أن يتفرغ في المعسكرات معلما وداعيا، فالحاجة لأمثاله ليست بالقليلة، والمجاهدون من أصحاب العلم الشرعي لهم مكانتهم، وهو ممن دعاهم الخليفة أبو بكر البغدادي -حفظه الله- للهجرة إلى أرض الخلافة مع العلماء والمشايخ والكفاءات وغيرهم ممن يحتاج المسلمون دورهم وخدماتهم في أرض الخلافة، لكن كان يتوجب عليه أن يذهب للرباط وسوح المعارك أولا قبل أن يتفرغ لمهمته الدعوية التعليمية.

جلس في مقر الكتيبة التي فُرز إليها، وتم تحديد أولى الغزوات التي سيشترك فيها، وفيما انشغل رفاق جهاده بكتابة وصاياهم، انشغل هو بقراءة القرآن وتجهيز سلاحه.

كان سعيدا بأن والده ووالدته راضيان عنه، فرغم أنهما كانا يعاتبانه بشدة لأنه سافر ولم يخبرهما بأنه كان قاصدا أرض الجهاد، إلا أنهما أخبراه أنهما راضيان عنه كل الرضى، وأن الموعد الجنة، إن لم يكن هناك لقاء في دنياهما هذه.

أوصى قبل مقتله أن يُبشّر أهله بخبر استشهاده

حمّل (مهاجر) أصحابه وصية شفوية، فأوصى أن يصل خبر استشهاده لأهله كبشارة، وأن تفرح له والدته حين سماعها نبأ مقتله، وأن توزع الحلوى والعصائر، وأن تسعد لما انتهى إليه، شهيدا عند رب العالمين، إن شاء الله، وكان يكثر من دعاء الله أن يتقبله شهيدا، ويشفعه في أمه وأبيه وإخوانه وأخواته وأصدقائه.

وبعد أيام قليلة فقط من وصوله إلى أرض المعركة قُتل (مهاجر) بصاروخ طائرة صليبية، فتناثر الجسد أشلاء، حتى ما كاد يبقى منه شيء يستدل به عليه، تناثر الجسد وتقطع في سبيل الله، أما الروح فقد سمت وارتفعت لباريها، لا أمنية لها إلا أن تعود بجسد صاحبها إلى هذه الدنيا ليقتل مرة أخرى في سبيل الله، وهكذا نحسبه، ونحسبها.

أيها المهاجر، يا من تركت القرب من أمك وأبيك وإخوانك وأهلك، هنيئا ما ظفرت به، ونسأل ربنا الأعلى أن يتقبلك في عليين، وأن يرزقك جنان الخلد، وأن يبدلك عروس الدنيا بحور عين، هي خير من نساء العالمين.

• المصدر: صحيفة النبأ – العدد 17
السنة السابعة - الثلاثاء 29 ربيع الآخر 1437 هـ

قصة شهيد:
مهاجر الجزائري.. نِعم حامل القرآن أنت
...المزيد

مهاجر الجزائري نِعم حامل القرآن أنت • وهو يغادر وقف مودعا أصحابه المقربين في المطار قائلا ...

مهاجر الجزائري نِعم حامل القرآن أنت

• وهو يغادر وقف مودعا أصحابه المقربين في المطار قائلا لهم:

أنا مهاجر الآن وسألتقي بكم بإذن الله في ربوع دولة الخلافة لنغزو معا إن يسر الله لي ولكم الوصول والنفير أو يكون موعدنا الجنة إن رزقني الله الشهادة قبلكم

وحينما وطئت قدمه أرض الخلافة قادما إليها من الجزائر كان أول ما فعله الدخول على صفحته في الإنترنت ليكتب عبارة واحدة: "الله أكبر الله أكبر حلم تحقق"

مهاجر ذو التسعة والعشرين ربيعا والذي كان أصغر إخوته كان باسِم الثغر سريع الدمعة لا يعرف الحقد طريقا إلى قلبه وإذا اختلف مع إخوانه يلوذ بالصمت فلا تسمع له صوتا وإذا تبين له أنه أخطأ في حق أحد إخوانه فسرعان ما يتراجع ويعتذر دون تردد أو خجل

من أبناء المساجد وحافظ للقرآن منذ صباه أكمل دراساته الجامعية في تخصص الشريعة الإسلامية في جامعة خروبة وفي الوقت ذاته كان يدرس القرآن الكريم لأكثر من مائتي طالب في أحد المساجد فتخرج على يديه عشرات الفتيان ممن حفظوا القرآن الكريم بكامله وكان يؤم المصلين في التراويح في شهر رمضان وهو في سن مبكر لما حباه الله من حفظ كتابه العزيز ومن عذوبة صوت في تلاوته

عمل في التجارة بائعا للمواد الغذائية فكان في نظر أبناء مدينته مثالا للصدق والأمانة والتعامل الطيب مع الناس جميعهم كيف لا وقد كان سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى

تعلق قلبه بالجهاد ورغم أن الجميع كان يخشى نشر العقيدة السليمة أو التحدث بها خوفا من الطواغيت وأجهزة العسكر القمعية في الجزائر إلا أن مهاجرا كان يستغل الرحلات المدرسية والمخيمات ليقوم بإلقاء محاضرات للطلاب يحدثهم فيها عن المجاهدين ويسمعهم الأناشيد الجهادية التي تشيد ببطولات المجاهدين لتكون تلك الأناشيد هي ملح رحلاتهم ومخيماتهم غير عابئ بالنتائج التي قد تترتب على اجتهاداته تلك

من المفارقات تلميذه من سهل له أمر الهجرة إلى أرض الخلافة

كان همه دائما وأبدا النفير لسوح الجهاد فقد هم بالنفير إلى العراق قبل عقد من الزمن لكن اعتقال صاحبه الذي سبقه والذي كان من المفترض أن ينسق له أمر هجرته أضاع عليه الفرصة فأصابه بعد ذلك هم شديد وحزن عميق حتى فتح الله له أبواب رحمته بعد قيام الخلافة حيث هاجر أحد طلبته ممن حفظ القرآن على يديه إلى أرض الخلافة وراح الطالب يتواصل مع أستاذه ليساعده في أمر الهجرة والترتيب لها ورغم أن مهاجرا كان ينوي الزواج إلا أنه ترك كل شيء حينما حانت ساعة الهجرة فغادر داره موهما من حوله أنه ذاهب في رحلة سياحية لن تطول لكن الوجهة كانت دولة الخلافة التي فشل مرتين في اجتياز عقبات الوصول إليها نتيجة التشديد الأمني من قبل الطواغيت ليتمكن في المرة الثالثة من دخولها بعد سنين عجاف حاول فيها الالتحاق بالمجاهدين

تغيرت حياة مهاجر بالكامل فالشاب قد تخلى عن أحلام مستقبله تجارته بيته سيارته أصدقائه عروسه فهو قد رمى الدنيا وما فيها وراء ظهره وأصبح جل همه أن يكون مجاهدا في سبيل نصرة دينه لتكون كلمة الله هي العليا وليمسي حلمه الوحيد أن يكون جنديا في جيش الخلافة

حين وصوله أراضي الدولة الإسلامية أقام في إحدى دور الضيافة والتي تعد أولى محطات دخول المهاجرين إلى أرض الخلافة فشهد له الجميع بكثرة قيامه وسجوده فكان لا يفتر من عبادته تلك ولا يغادر المصحف يده إلا حينما يأوي إلى فراشه فكان القرآن الكريم أقرب المقربين إليه بل كان صاحبه الذي لا يفارقه أبدا

طال انتظاره في دار الضيافة لأيام رأى فيها الشباب منشغلين بالتذمر لتأخر التحاقهم بالمعسكرات التي كانت ملأى بالمتدربين مما يوجب عليهم الانتظار حتى يأتيهم الدور بينما كان مهاجر منشغلا بذكر الله وقراءة القرآن كعادته

حين أزف موعد التحاقه بالمعسكر الشرعي تأهب وكأنه داخل إلى ساحة معركة همة تسابق السحاب علوا وفارس في مضمار خيل يسابق الريح سرعة ونشاطا

في التدريبات الصباحية الخاصة بالمعسكر الشرعي كان يتوجب على المتدربين قطع مسافة عدة كيلومترات في دقائق معدودة والتي تعدّ نوعا من التدريب الخاص بالسرعة والقوة والمطاولة وكانت المسافة كل يوم تزداد والوقت ينقص في تحد كبير للزمن لكن مهاجر كان دائما ممن يحلون في المراكز الثلاثة الأولى فقد أعد جسده وبدنه لمثل هذا اليوم منذ أمد بعيد فقد كان قبل الهجرة سباحا ماهرا ورياضيا متميزا

صلى إماما لإخوته في المعسكر فمهارته وحسن تلاوته القرآن في الصلاة جعل من يصلي خلفه من إخوانه يتمنون لو أنه يطيل فلا ينتهي إلا بختم كتاب الله وكان كثيرا ما يتوقف بسبب البكاء الذي يقطع قراءته ثم اختير ليكون مسؤولا عن جميع حلقات تحفيظ القرآن والتي تعدّ من أساسيات المعسكر الشرعي

وفي معسكره التدريبي العسكري القاسي وكلما جمع أمير المعسكر المتدربين وألقى فيهم خطبة يحثهم فيها على بذل المزيد أو يزجرهم فيها أو يستنكر تقصيرهم في التدريب يبدأ مهاجر بالبكاء الشديد وحينما يُسأَل عن سبب البكاء يرد عليهم: حياء من الله

• المصدر: قصة شهيد – صحيفة النبأ – العدد 17
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً