حكم بين العدل والظلم ◾ {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} وإن مما يجب على المؤمن التسليم به أن ...

حكم بين العدل والظلم

◾ {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}

وإن مما يجب على المؤمن التسليم به أن الله تعالى عدل لا يظلم أحدا بل هو سبحانه حرم الظلم على نفسه كما جاء في الحديث القدسي الصحيح: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي..)، وقال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} وقال: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} وقال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، وما يحصل في هذه الدنيا من مصائب ومحن ونوازل فهي من جنس الابتلاءات التي تعم الكافر والمؤمن، فترفع درجة المؤمن وتمحق الكافر، ويكون تمام العدل في أحكام الآخرة عندما يساق المؤمنون إلى الجنة ويساق الكافرون إلى النار.

فلا ينبغي للعبد أن يشك في عدل الله تعالى في شيء، ولا يعترض عليه في أحكامه وأوامره وقضائه، فهو سبحانه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ} فلا يخرج المؤمن عن طاعة ربه، بل يقابل قضاءه بأتم التسليم ولو غابت الحكمة عنه، وذلك من حسن الظن بالله وأنه ما منع إلا ليعطي وما أخَّر إلا ليجزل، وهو أعلم بعباده وبما يصلح لهم وهو كله راجع لعلمه سبحانه وحكمته قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}، فلا يعترض العبد على القدر إن جانب هواه وخالف مبتغاه، فقد قال تعالى منكرا ذلك: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} بل يكون من المهتدين الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، ولا ينتظر أن تصيبه الحسنة حتى يحسن وأن لا يكون ممن إذا أصابتهم السيئة أساؤوا، بل إن العبد هو من يبادر ويقبل ولا يشترط على ربه، ومن ذلك كراهة النذور فكما في الصحيحين وغيرهما قد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النذر وقال: (إنّه لا يردّ شيئا، وإنّما يستخرج به من البخيل).

وليتأمل العبد مشهدا من مشاهد العدل المطلق يوم القيامة فيما رواه مسلم عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يؤتى بأنعم أهل الدّنيا من أهل النّار يوم القيامة، فيصبغ في النّار صبغة، ثمّ يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قطّ؟ هل مرّ بك نعيم قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ. ويؤتى بأشدّ النّاس بؤسا في الدّنيا من أهل الجنّة، فيصبغ صبغة في الجنّة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قطّ؟ هل مرّ بك شدّة قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ، ما مرّ بي بؤس قطّ، ولا رأيت شدّة قطّ).

وأنه في ذلك اليوم سيقتص الله للمظلومين من الظالمين أجمعين، وحاشاه أن يترك ظالما بغير حساب ففي الصحيحين عن أبي موسى قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ اللّه ليملي للظّالم حتّى إذا أخذه لم يفلته)، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}، وذلك وعد الله لا يخلفه يوم يقوم الناس لرب العالمين فيحكم بينهم ويقول: {الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، وسيجد المؤمنون والكافرون ما وعدهم ربهم حقا قال تعالى: {وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}.

وفي ذلك اليوم أيضا يشهد الكون كله لله بالعدل -وكفى بالله شهيدا- وينطقون حامدين لربهم على فضله قال تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال ابن كثير: "ونطق الكون أجمعه -ناطقه وبهيمه- لله رب العالمين بالحمد في حكمه وعدله؛ ولهذا لم يسند القول إلى قائل بل أطلقه، فدل على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد". فلا يجزعنَّ المؤمن ولا يسخط وليرَ اللهُ منه الرضا والتسليم، فلا يظن بربه إلا حسنا، ولا يقول إلا طيبا، ولا يفعل إلا خيرا، والحمد لله رب العالمين.


▫ المصدر: مقالات النبأ - حِكمٌ بين العَدل والظلم
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد

حكم بين العدل والظلم ◾ كل العدل في الشرع ومما زاد رقعة الظلم في زماننا تغييب حكم الشريعة من ...

حكم بين العدل والظلم

◾ كل العدل في الشرع

ومما زاد رقعة الظلم في زماننا تغييب حكم الشريعة من حياة الناس وإبدالها بأحكام البشر وتشريعاتهم الناقصة الخاطئة، فهي وضعت بناء على وجهات نظر قاصرة لا تخلو من حظوظ النفس وأهوائها ونزواتها وشهواتها، وهي كثيرة التقلبات عديدة الثغرات مستمرة التناقضات، حتى إن العامة تستهزأ بها فتقول: القانون للضعفاء والفقراء والثغرات للأقوياء والأغنياء، فتلك حقيقة العدل عند المخلوق وطبيعة الإنسان الذي وصفه الله بقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}، وهو الأمر الذي أدركته الملائكة بعلمها المحدود بادئ ذي بدء، عندما أطلعهم الله سبحانه أنه {جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، فعجبوا وسألوه سبحانه: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}، إلا أن الله أجابهم: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.

◾ عدل الدنيا قاصر

وإن مما لا يطيقه البشر إنصاف الجميع في الدنيا، ولذلك يوضع الميزان يوم القيامة ليحكم الله بين الخلائق البشر وغيرهم، كما عند مسلم وغيره من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لتؤدّنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتّى يقاد للشّاة الجلحاء من الشّاة القرناء)؛ لذا فعدل الدنيا مهما بلغ يبقى قاصرا، فمن ينصف المقتول ظلما وقد فارق دنياه، ومن يرد حق الذين هدمت بيوتهم وشردوا وقتل أبناؤهم؟، من يرد حق الأيتام والأرامل؟، وحق كل المستضعفين من المسلمين الذين تسلط عليهم الكفار في ديار الكفر؟ لا شك أن هؤلاء وغيرهم حقهم محفوظ عند الله تعالى يوم الحساب، سترد إليهم حقوقهم كاملة غير منقوصة.

◾ {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}

وإن مما يجب على المؤمن التسليم به أن الله تعالى عدل لا يظلم أحدا بل هو سبحانه حرم الظلم على نفسه كما جاء في الحديث القدسي الصحيح: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي..)، وقال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} وقال: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} وقال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، وما يحصل في هذه الدنيا من مصائب ومحن ونوازل فهي من جنس الابتلاءات التي تعم الكافر والمؤمن، فترفع درجة المؤمن وتمحق الكافر، ويكون تمام العدل في أحكام الآخرة عندما يساق المؤمنون إلى الجنة ويساق الكافرون إلى النار.

فلا ينبغي للعبد أن يشك في عدل الله تعالى في شيء، ولا يعترض عليه في أحكامه وأوامره وقضائه، فهو سبحانه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ} فلا يخرج المؤمن عن طاعة ربه، بل يقابل قضاءه بأتم التسليم ولو غابت الحكمة عنه، وذلك من حسن الظن بالله وأنه ما منع إلا ليعطي وما أخَّر إلا ليجزل، وهو أعلم بعباده وبما يصلح لهم وهو كله راجع لعلمه سبحانه وحكمته قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}، فلا يعترض العبد على القدر إن جانب هواه وخالف مبتغاه، فقد قال تعالى منكرا ذلك: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} بل يكون من المهتدين الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، ولا ينتظر أن تصيبه الحسنة حتى يحسن وأن لا يكون ممن إذا أصابتهم السيئة أساؤوا، بل إن العبد هو من يبادر ويقبل ولا يشترط على ربه، ومن ذلك كراهة النذور فكما في الصحيحين وغيرهما قد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النذر وقال: (إنّه لا يردّ شيئا، وإنّما يستخرج به من البخيل).

وليتأمل العبد مشهدا من مشاهد العدل المطلق يوم القيامة فيما رواه مسلم عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يؤتى بأنعم أهل الدّنيا من أهل النّار يوم القيامة، فيصبغ في النّار صبغة، ثمّ يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قطّ؟ هل مرّ بك نعيم قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ. ويؤتى بأشدّ النّاس بؤسا في الدّنيا من أهل الجنّة، فيصبغ صبغة في الجنّة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قطّ؟ هل مرّ بك شدّة قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ، ما مرّ بي بؤس قطّ، ولا رأيت شدّة قطّ).

▫ المصدر: مقالات النبأ - حِكمٌ بين العَدل والظلم
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد

حكم بين العدل والظلم • الحمد لله العدل الديان، منزل الكتاب والميزان، ومبتلي عباده بالإعطاء ...

حكم بين العدل والظلم

• الحمد لله العدل الديان، منزل الكتاب والميزان، ومبتلي عباده بالإعطاء والحرمان، والصلاة والسلام على نبيه العدنان، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد.

كان العدل وما يزال مطلب الحاضرين والغابرين، وفي هذا المقال بين أيدينا أصول وحِكم بين العدل والظلم، ذكرى للغافلين وبشرى للمؤمنين وسلوى للمظلومين، علّ الله أن يجعلها سببا في أمان قلب جازع وبال مضطرب ونفس يائسة لتعود إلى ربها حق العودة وتؤمن به ربا حكما عدلا كما تؤمن به ربا غفورا رحيما.

◾ الابتلاء سنة عادلة

اقتضت سنة الله ابتلاء المؤمنين بالكافرين والعكس، وابتلاء الناس بعضهم ببعض وكل ذلك من حكمة الله ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، وليرفع الله الصابرين درجات قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان]؛ قال الإمام الطبري: "وامتحنا أيها الناس بعضكم ببعض، جعلنا هذا نبيا وخصصناه بالرسالة، وهذا ملِكا وخصصناه بالدنيا، وهذا فقيرًا وحرمناه الدنيا لنختبر الفقير بصبره على ما حرم مما أعطيه الغنيّ، والملك بصبره على ما أعطيه الرسول من الكرامة، وكيف رضي كل إنسان منهم بما أُعطى وقُسم له، وطاعته ربه مع ما حُرم مما أُعطى غيره، يقول: فمن أجل ذلك لم أُعطِ محمدا الدنيا، وجعلته يطلب المعاش في الأسواق، ولأبتليكم أيها الناس وأختبر طاعتكم ربكم وإجابتكم رسوله إلى ما دعاكم إليه، بغير عرض من الدنيا ترجونه من محمد أن يعطيكم على اتباعكم إياه، لأني لو أعطيته الدنيا لسارع كثير منكم إلى اتباعه طمعا في دنياه أن يَنال منها". [التفسير]

فالله بصير بكل ما يحل بعباده من جراح ومحن، وهو سبحانه قادر على تغيير حالهم، ولكنه سبحانه خلقنا ليختبرنا، قال تعالى: {ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ}، وهو أيضا بصير بأفعال الكافرين بحق عباده المؤمنين، وهو سبحانه يملي لهم ويستدرجهم ليعذبهم عذابا مهينا قال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}، وما كان الله تاركا عباده دون أن ينتصر لهم، بل يهيئ الأسباب لجنده المؤمنين، وليس لنا في ذلك أن نطَّلع على الغيب، فقال تعالى تلو الآية السابقة: {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.

وفي هذا قد بيَّن الإمام ابن القيم أصولا وحقائق إيمانية ثابتة، ذكر فيها وجوها من حكم الابتلاء التي لا تخرج في كل أحوالها وصورها عن عدل الله تعالى المطلق ومنها: "أن ما يصيب المؤمنين -من الشرور والمحن والأذى- دون ما يصيب الكفار، والواقع شاهد بذلك، وكذلك ما يصيب الأبرار في هذه الدنيا: دون ما يصيب الفجار والفساق والظلمة بكثير، وأن ما يصيب الكافر والفاجر والمنافق -من العز والنصر والجاه- دون ما يحصل للمؤمنين بكثير، بل باطن ذلك ذل وكسر وهوان، وإن كان في الظاهر بخلافه، قال الحسن رحمه الله: "إنهم وإن هملجت بهم البغال، وطقطقت بهم النعال؛ إن ذل المعصية لفي قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه"، وأن ابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته، أو نقصت ثوابه، وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعدُّ به لتمام الأجر، وعلو المنزلة، وأن ما يصيب المؤمن في هذه الدار -من إدالة عدوه عليه، وغلبته له، وأذاه له في بعض الأحيان-: أمر لازم، لا بد منه، وهو كالحر الشديد والبرد الشديد، والأمراض والهموم والغموم، فهذا أمر لازم للطبيعة والنشأة الإنسانية في هذا الدار، حتى للأطفال والبهائم لما اقتضته حكمة أحكم الحاكمين، فلو تجرد الخير في هذا العالم عن الشر، والنفع عن الضر، واللذة عن الألم: لكان ذلك عالما غير هذا، ونشأة أخرى غير هذه النشأة، وكانت تفوت الحكمة التي مزج لأجلها بين الخير والشر، والألم واللذة، والنافع والضار، وأن ابتلاء المؤمنين بغلبة عدوهم لهم وقهرهم وكسرهم لهم أحيانا، فيه حكم عظيمة لا يعلمها على التفصيل إلا الله عز وجل فمنها: استخراج عبوديتهم وذلهم لله وانكسارهم له، وافتقارهم إليه وسؤاله نصرهم على أعدائهم، ولو كانوا دائما منصورين قاهرين غالبين، لبطروا وأشِروا، ولو كانوا دائما مقهورين مغلوبين منصورا عليهم عدوهم، لما قامت للدين قائمة ولا كانت للحق دولة". [إغاثة اللهفان باختصار]


▫ المصدر: مقالات النبأ - حِكمٌ بين العَدل والظلم
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد

هم العدو فاحذرهم • ولا يخرج حال أولئك الخونة عن اثنين، إما توافق كامل مع أجهزة المخابرات ...

هم العدو فاحذرهم

• ولا يخرج حال أولئك الخونة عن اثنين، إما توافق كامل مع أجهزة المخابرات لبلدانهم التي يعيشون بها نصرانية كانت أو علمانية أو منتسبة للإسلام، حيث إنهم يرون في الإخبار عمن تجاوز الحدود التي وضعها الطواغيت، واجبا متحتما عليهم، يحفظون به حظائرهم التي يقتاتون منها ويطيعون فيها راعيهم، أو أنه التقاء مصالح نابع عن حقد دفين لديهم، والمبدأ عندهم أن لا تنفض الناس من حولهم وتلتحق بالمجاهدين، فتخبو سوقهم وتكسد بضاعتهم التي لم يريدوا بها وجه الله أصلا، فإذا ظهرت الاستقامة على الفتى ونأيه عن كل تلك المناهج الضالة، صرخوا بهم إنهم أناس يترفعون، لتكمل "أجهزة الترويع" عملها معهم!

يضاف إليهم الجماعات المنحرفة التي حملت السلاح، وتعلقت بنفس التيار، وأملوا المساكين بالشريعة ومنوهم بالخلافة وخدروهم بالنضال والمقاومة، فاستزلوا بذلك كثيرا من الشباب، ثم وبغمضة عين سلموا أسلحتهم وصافحوا قاتلهم ورضوا بقليل من الفتات وكثير من الذل، ويخيل لهم أنهم الذين ختموا الجهاد ونجحوا بامتحاناته وتخرجوا في خنادقه، ووصلوا الغاية وبلغوا المرام، وتراهم الآن يزاولون مهنهم "المدنية" بلقب مجاهد!، ويعطلون أي عمل جهادي باسم التجربة والخبرة!.

والحقيقة أن أولئك وغيرهم رأوا في القعود حكمة، وأن الجهاد ليس له مستقبل!، فوضعوا له شروطا مستحيلة من الإعداد والتنفيذ، ودخلوا عوالم أخرى من الخيالات، ببرامج هي أطول من تدرج الإخوان المرتدين، ونظريات إلى تغلغل في أنظمة الحكم وقوات الجيش، ثم انقلابات عسكرية، ومنهم من اكتفى بمخططات لإصلاحات لا تسمن بل وبعيدة المدى، ولا يخفى على أحد كم حوت هذه الطرق من انحرافات منهجية، زد عليها أنه لا أرضية واقعية عند أصحابها للبدء بتطبيقها.

بل الأمر أنهم غاصوا عميقا في الحسابات المادية، ولجؤوا إليها واستعاذوا بها فزادتهم رهقا، وسبب ذلك كله انعدام الإيمان بالله، وعدم الوثوق بموعوده لعباده، سواء في الآخرة أو في الدنيا من الغلبة والتمكين، ذلك بأنهم وقعوا في فخاخ "القوى العالمية" وما معها من الأرقام والأوهام، فظنوا ألن يقدر عليها أحد، فأخلدوا حتى تورمت جنوبهم من طول القعود، وصاروا حجر عثرة في طريق أي مجاهد، لأن نجاح أي عمل يكشف باطلهم ويؤكد أن تنظيراتهم سراب في سراب، فأطلقوا عدوانهم على المجاهدين في البداية، ثم ابتلاهم الله بأن صاروا أنصارا لطوائف ردتها وطوامها كعين الشمس، وما كل ذلك إلا بغيا وحسدا من عند أنفسهم، وكبرا عن التنازل والاعتراف بالحق، فغدوا على علمهم أجهل الجهال كما قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، وهذا جواب لمن يتساءل حين يرى تخبطهم الشرعي، كيف تخفى المسائل التي يعلمها الغلمان عن تلك اللحى؟!؛ إنما هو نور الله يقذفه حيث شاء وينزعه ممن شاء.

فيا طالب الحق ومريد الجهاد، الساعي خلف الهداية، لا تبالِ بتنظيرات المرجفين، وتقريرات المنحرفين، ولتنفض عنك ذنب ومذلة القعود، وتخفف من كل تلك الشروط والقيود المبتدعة التي وضعوها لتعقيد الجهاد، فالأمر في أصله أيسر بكثير، أخرج البخاري في صحيحه عن البراء: "أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رجل مقنّع بالحديد، فقال : يا رسول اللّه، أقاتل وأسلم؟ قال: (أسلم ثمّ قاتل)، فأسلم ثمّ قاتل، فقتل، فقال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: (عمل قليلا وأجر كثيرا)، فمن أراد القعود وجد في المنظرين ملاذا من تأنيب النفس، وأما من صدق وعزم فلا موطأ له معهم، ومن أدمن الفلسفة والتنظير بدون امتثال خرج من الجهاد، ودوننا علماء السلف وأئمة الجهاد السابقين، كلهم وضعوا أسس الجهاد بدمائهم ومهّدوا سبيله بأشلائهم، فدونك يا طالب الحق العلماء المجاهدين العالمين العاملين الذين قضوا نحبهم في ساحاته وارحم نفسك ولا تطع من أعمى الله بصيرته {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.


▫ المصدر: مقتطف من افتتاحية النبأ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد

هم العدو فاحذرهم • ولا يخرج حال أولئك الخونة عن اثنين، إما توافق كامل مع أجهزة المخابرات ...

هم العدو فاحذرهم

• ولا يخرج حال أولئك الخونة عن اثنين، إما توافق كامل مع أجهزة المخابرات لبلدانهم التي يعيشون بها نصرانية كانت أو علمانية أو منتسبة للإسلام، حيث إنهم يرون في الإخبار عمن تجاوز الحدود التي وضعها الطواغيت، واجبا متحتما عليهم، يحفظون به حظائرهم التي يقتاتون منها ويطيعون فيها راعيهم، أو أنه التقاء مصالح نابع عن حقد دفين لديهم، والمبدأ عندهم أن لا تنفض الناس من حولهم وتلتحق بالمجاهدين، فتخبو سوقهم وتكسد بضاعتهم التي لم يريدوا بها وجه الله أصلا، فإذا ظهرت الاستقامة على الفتى ونأيه عن كل تلك المناهج الضالة، صرخوا بهم إنهم أناس يترفعون، لتكمل "أجهزة الترويع" عملها معهم!

يضاف إليهم الجماعات المنحرفة التي حملت السلاح، وتعلقت بنفس التيار، وأملوا المساكين بالشريعة ومنوهم بالخلافة وخدروهم بالنضال والمقاومة، فاستزلوا بذلك كثيرا من الشباب، ثم وبغمضة عين سلموا أسلحتهم وصافحوا قاتلهم ورضوا بقليل من الفتات وكثير من الذل، ويخيل لهم أنهم الذين ختموا الجهاد ونجحوا بامتحاناته وتخرجوا في خنادقه، ووصلوا الغاية وبلغوا المرام، وتراهم الآن يزاولون مهنهم "المدنية" بلقب مجاهد!، ويعطلون أي عمل جهادي باسم التجربة والخبرة!.

والحقيقة أن أولئك وغيرهم رأوا في القعود حكمة، وأن الجهاد ليس له مستقبل!، فوضعوا له شروطا مستحيلة من الإعداد والتنفيذ، ودخلوا عوالم أخرى من الخيالات، ببرامج هي أطول من تدرج الإخوان المرتدين، ونظريات إلى تغلغل في أنظمة الحكم وقوات الجيش، ثم انقلابات عسكرية، ومنهم من اكتفى بمخططات لإصلاحات لا تسمن بل وبعيدة المدى، ولا يخفى على أحد كم حوت هذه الطرق من انحرافات منهجية، زد عليها أنه لا أرضية واقعية عند أصحابها للبدء بتطبيقها.

بل الأمر أنهم غاصوا عميقا في الحسابات المادية، ولجؤوا إليها واستعاذوا بها فزادتهم رهقا، وسبب ذلك كله انعدام الإيمان بالله، وعدم الوثوق بموعوده لعباده، سواء في الآخرة أو في الدنيا من الغلبة والتمكين، ذلك بأنهم وقعوا في فخاخ "القوى العالمية" وما معها من الأرقام والأوهام، فظنوا ألن يقدر عليها أحد، فأخلدوا حتى تورمت جنوبهم من طول القعود، وصاروا حجر عثرة في طريق أي مجاهد، لأن نجاح أي عمل يكشف باطلهم ويؤكد أن تنظيراتهم سراب في سراب، فأطلقوا عدوانهم على المجاهدين في البداية، ثم ابتلاهم الله بأن صاروا أنصارا لطوائف ردتها وطوامها كعين الشمس، وما كل ذلك إلا بغيا وحسدا من عند أنفسهم، وكبرا عن التنازل والاعتراف بالحق، فغدوا على علمهم أجهل الجهال كما قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، وهذا جواب لمن يتساءل حين يرى تخبطهم الشرعي، كيف تخفى المسائل التي يعلمها الغلمان عن تلك اللحى؟!؛ إنما هو نور الله يقذفه حيث شاء وينزعه ممن شاء.

فيا طالب الحق ومريد الجهاد، الساعي خلف الهداية، لا تبالِ بتنظيرات المرجفين، وتقريرات المنحرفين، ولتنفض عنك ذنب ومذلة القعود، وتخفف من كل تلك الشروط والقيود المبتدعة التي وضعوها لتعقيد الجهاد، فالأمر في أصله أيسر بكثير، أخرج البخاري في صحيحه عن البراء: "أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رجل مقنّع بالحديد، فقال : يا رسول اللّه، أقاتل وأسلم؟ قال: (أسلم ثمّ قاتل)، فأسلم ثمّ قاتل، فقتل، فقال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: (عمل قليلا وأجر كثيرا)، فمن أراد القعود وجد في المنظرين ملاذا من تأنيب النفس، وأما من صدق وعزم فلا موطأ له معهم، ومن أدمن الفلسفة والتنظير بدون امتثال خرج من الجهاد، ودوننا علماء السلف وأئمة الجهاد السابقين، كلهم وضعوا أسس الجهاد بدمائهم ومهّدوا سبيله بأشلائهم، فدونك يا طالب الحق العلماء المجاهدين العالمين العاملين الذين قضوا نحبهم في ساحاته وارحم نفسك ولا تطع من أعمى الله بصيرته {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.


▫ المصدر: مقتطف من افتتاحية النبأ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد

هم العدو فاحذرهم • ليس على المسلمين شيء أشد ضررا من دعاة جهنم، الذين تفننوا في صد الناس بالدين ...

هم العدو فاحذرهم

• ليس على المسلمين شيء أشد ضررا من دعاة جهنم، الذين تفننوا في صد الناس بالدين عن الدين!، ودعوتهم الناس إلى الكفر من على المنابر!، أولئك الذين قال عنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث حذيفة بن اليمان: (يَكُونُ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا)، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: (هُمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا).

ومن أغرب تناقضاتهم اليوم، مناداتهم بالناس للقعود سعيا للجهاد!، إذ يحاول منظرو تيار القعود إثبات أنه "قعود في سبيل الله!"، فجعلوا الجهاد سرابا، وسدوا أبوابه وعطلوا ركابه، وبسبب فتاواهم وضلالهم قعد الكثيرون عن الجهاد، بعد أن لعبوا بالعواطف بكلام ظاهره شرعي وباطنه بدعي، هذا مع تسلط الكفار على بلاد المسلمين، وقد بغوا وهدموا مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، في ظل تفريق عجيب من السائرين عكس سبيل الجهاد بين قضايا الأمة ومسائل الدين، فيتخيّرون ما يشاؤون وما يتماشى مع أهوائهم ومصالحهم، ويتجاهلون الطارئ وما تحتاجه الأمة.

ومثلهم وأنكى منهم، المنتكسون الهاربون من ميادين الجهاد المستلمون لزمام التنظير، وهم مقتنعون في أعماقهم أنهم قد جاوزوا القنطرة وأخذوا صكا بالعصمة من الضلال مدى الحياة!، وأشد وطأة منهم أولئك الذين لم يعرفوا من الجهاد غباره ولا من البارود ريحه، وتراهم في كل مرة يناوئون المجاهدين ويخالفونهم.

لقد كان ضررهم -جميعا على اختلافهم- أعظم من ضرر المحاربين أنفسهم على الجهاد والمجاهدين، بل حتى ما لبث كثير منهم أن أصبح رأسا في الحرب على الجهاد، وسببا في انتكاس الكثيرين وتقاعس القاعدين، وتمكن الطواغيت من كثير من الشباب الذي أبدى منهجه متحمسا للجهاد، فغدا مصيرهم الأسر والتنكيل.

في حين يبقى المنظرون في صولة وجولة افتراضية بقول دون عمل، بينما يختفي من ينبس ببنت شفة من شباب المسلمين بكلمة الحق، فلا هم خلُّوهم وشأنهم لينفروا إلى الجهاد، ولا هم تركوهم مستورين بعيدا عن أعين الطواغيت وجواسيسهم، بل قدموهم على طبق من ذهب لعدوهم يفتنهم في دينهم.

خدمة لو دفعت الطواغيت دماء عروقهم لم يحصِّلوها، ولو تبدت لهم في صقع غائر لضربوا لأجلها أكباد الإبل، لكنهم وجدوها مجانا بخيانة دنيئة تنبي أن الأمور حصلت بالتراضي بين الطرفين، ولسان حال الطواغيت لدعاة السوء غضوا عنا ودعوا عداوتنا ونغض عنكم ونمد لكم الطِوَل، فتركوهم يلعبون بالناس وسمحوا لهم الإنكار على الطواغيت الذين لا يتفقون معهم سياسيا، وللقصص والحكايا، وبمجتمع صغير حولهم تسير به أعمالهم!

ولا يخرج حال أولئك الخونة عن اثنين، إما توافق كامل مع أجهزة المخابرات لبلدانهم التي يعيشون بها نصرانية كانت أو علمانية أو منتسبة للإسلام، حيث إنهم يرون في الإخبار عمن تجاوز الحدود التي وضعها الطواغيت، واجبا متحتما عليهم، يحفظون به حظائرهم التي يقتاتون منها ويطيعون فيها راعيهم، أو أنه التقاء مصالح نابع عن حقد دفين لديهم، والمبدأ عندهم أن لا تنفض الناس من حولهم وتلتحق بالمجاهدين، فتخبو سوقهم وتكسد بضاعتهم التي لم يريدوا بها وجه الله أصلا، فإذا ظهرت الاستقامة على الفتى ونأيه عن كل تلك المناهج الضالة، صرخوا بهم إنهم أناس يترفعون، لتكمل "أجهزة الترويع" عملها معهم!

يضاف إليهم الجماعات المنحرفة التي حملت السلاح، وتعلقت بنفس التيار، وأملوا المساكين بالشريعة ومنوهم بالخلافة وخدروهم بالنضال والمقاومة، فاستزلوا بذلك كثيرا من الشباب، ثم وبغمضة عين سلموا أسلحتهم وصافحوا قاتلهم ورضوا بقليل من الفتات وكثير من الذل، ويخيل لهم أنهم الذين ختموا الجهاد ونجحوا بامتحاناته وتخرجوا في خنادقه، ووصلوا الغاية وبلغوا المرام، وتراهم الآن يزاولون مهنهم "المدنية" بلقب مجاهد!، ويعطلون أي عمل جهادي باسم التجربة والخبرة!.

والحقيقة أن أولئك وغيرهم رأوا في القعود حكمة، وأن الجهاد ليس له مستقبل!، فوضعوا له شروطا مستحيلة من الإعداد والتنفيذ، ودخلوا عوالم أخرى من الخيالات، ببرامج هي أطول من تدرج الإخوان المرتدين، ونظريات إلى تغلغل في أنظمة الحكم وقوات الجيش، ثم انقلابات عسكرية، ومنهم من اكتفى بمخططات لإصلاحات لا تسمن بل وبعيدة المدى، ولا يخفى على أحد كم حوت هذه الطرق من انحرافات منهجية، زد عليها أنه لا أرضية واقعية عند أصحابها للبدء بتطبيقها.


▫ المصدر: مقتطف من افتتاحية النبأ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد

الدولة الإسلامية وتحطيم وثن المؤامرة • الإيمان بالله... لا الإيمان بالمؤامرة؟ إن المؤمنين ...

الدولة الإسلامية وتحطيم وثن المؤامرة

• الإيمان بالله... لا الإيمان بالمؤامرة؟

إن المؤمنين بنظرية المؤامرة عليهم أولا أن يراجعوا إيمانهم، فيعلموا يقينا أن الأمر كله بيد الله عز وجل، وأن كل ما يجري من أحداث في العالم إنما هو مقدر منه سبحانه، ومكتوب في اللوح المحفوظ من قبل أن يخلق الله تعالى السموات والأرض، وأنه لا يعلم الغيب إلا الله، لا "حكومة العالم الخفية" ولا كل أجهزة المخابرات، وبالتالي فإنهم بإعطائهم صفات الربوبية، من القدرة الكاملة، والعلم الكامل، إنما يشركون بالله عز وجل، وهم بعجزهم أمام ما قيدوا به أنفسهم من خرافات وأوهام أساؤوا الظن بالله تعالى، الذي وعد عباده بالنصر على أعدائهم إن هم أخلصوا النية لله تعالى في جهادهم، وسلكوا سبيل الكتاب والسنة في سعيهم لإقامة الدين، وأن المؤامرات والمتآمرين لو كان بيدهم وقف مسيرة الدين، لما بقي الدين قائما حتى الآن، وأن اليهود والمرابين كانوا موجودين في مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلم تكن نهاية مؤامراتهم إلا قطع رؤوس مقاتليهم وسبي ذراريهم، واغتنام أموالهم على يد المؤمنين.

وعليهم ثانيا أن ينظروا في هذا العالم، ويعلموا أن أحداث العالم أكثر تداخلا من أن يتم تفسيرها بفرضياتهم الساذجة، وأن مصالح الأمم والدول، وأصحاب القوى، أكثر تشابكا وتضاربا من أن يتم توجيهها لخدمة مشروع واحد، فالعالم مكون من فرق متصارعة كثيرة، كل منها يريد أن يهيمن عليه كله، أو على جزء منه، والمسلمون يستفيدون من هذا التنازع والتصارع بين أمم الكفر في ضربها جميعاً، وتحقيق مصالحهم هم إن سلكوا طريق السنة، وساروا على منهاج النبوة.

إن الدولة الإسلامية بما منّ الله على جنودها من عز وتمكين، تقدّم النموذج الواضح، والمثال الناصع عن إمكانية إقامة الدين، والانتصار على المشركين، وقمع المرتدين، مهما بلغت قوتهم وزاد عددهم، وإن واقعها اليوم هو نقض لنظرية المؤامرة، وتنكيس لوثنها المعبود من دون الله، وتحطيم للأغلال التي فرضها أصحابها على الناس ليظلوا عبيدا خانعين لهم، وإن القادم من الفتوح سيزيد أهل الإيمان يقينا بقدرة الله، ونصره للمؤمنين، والعاقبة للمتقين.

• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 18
السنة السابعة - الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1437 هـ

مقال:
الدولة الإسلامية وتحطيم وثن المؤامرة
...المزيد

الدولة الإسلامية في عصر نظرية المؤامرة... • لو بحثنا في مؤامرات كفار اليوم وعلى رأسهم اليهود ...

الدولة الإسلامية في عصر نظرية المؤامرة...

• لو بحثنا في مؤامرات كفار اليوم وعلى رأسهم اليهود والصليبيون ضد الإسلام، فإننا سنجد أن أهم أهدافها كانت إبعاد شريعة الله من الوجود، وترسيخ الفرقة بين المسلمين، وتجزئة أرضهم، وتقاسم ثرواتها بينهم. ولتحقيق ذلك احتلوا بلاد المسلمين، وأنشؤوا فيها الحدود المصطنعة ليقسموها إلى مناطق، تقاسموها فيما بينهم، وأزاحوا عنها شريعة الله وطبقوا فيها شرائعهم الوضعية، ثم فرضوا عليها من يرتضون منه استمرار سياستهم تلك بعد رحيلهم، وبقي الوضع على هذه الحال لفترة طويلة من الزمن، وكانت أهداف مؤامراتهم تلك بمثابة الثوابت التي لا يقبلون التنازل عنها بأي حال.

وبالتالي فإن قيام الدولة الإسلامية بنسف كل تلك الثوابت من خلال إقامتها للدين، وتحكيم الشريعة، وتطبيق الحدود، وكسر الحدود المصطنعة لتوحيد بلاد المسلمين، وإعلان إعادة الخلافة، وتوحيد الجماعات المجاهدة في العالم تحت ظلها، كل ذلك كان نسفا لنظرية المؤامرة التي افترض أصحابها أنه لا يمكن الخروج عن الخط الذي ترسمه "حكومة العالم الخفية"، أو الدول الاستعمارية، أو حتى رؤوس الأموال الدولية والشركات الاحتكارية.

فالدولة الإسلامية قامت -بفضل من الله- خلال سنوات قليلة من العمل الدؤوب الجاد بكسر وثن نظريات المؤامرة التي جعلتها الفصائل والأحزاب والتنظيمات عقبة أمام أي تفكير جاد بإقامة حكم الله في الأرض، وذلك بافتراض أن اليهود والصليبيين لا يمكن أن يسمحوا بذلك مهما كان الثمن، لكن مجاهدي الدولة الإسلامية -بفضل الله- قدّروا الثمن اللازم لذلك من الدماء والأشلاء والأموال، وأعلنوا استعدادهم لدفع هذا الثمن في سبيل إقامة حكم الله في الأرض، وذلك انطلاقا من العقيدة التي يقوم عليها الجهاد، وهي القتال لتحطيم كل أنواع الشرك في الأرض، ومنه شرك نظرية المؤامرة التي تعطي لأمريكا واليهود ولأجهزة المخابرات صفات رب البرية من العلم المطلق والقدرة المطلقة، بل والتحكم فيما قضاه الله وقدره للبشر.

• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 18
السنة السابعة - الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1437 هـ

مقال:
الدولة الإسلامية وتحطيم وثن المؤامرة
...المزيد

الدولة الإسلامية وتحطيم وثن المؤامرة • الإسلام.. وحقيقة المؤامرات لا يختلف اثنان أن الصراع ...

الدولة الإسلامية وتحطيم وثن المؤامرة

• الإسلام.. وحقيقة المؤامرات

لا يختلف اثنان أن الصراع بين الإسلام والكفر شمل كل أشكال الحرب، سواء منها الظاهرة المباشرة، أو الخفية غير المباشرة، التي يمكننا أن نعبر عنها بالمكيدة أو المكر أو حتى بالمؤامرة، فالحرب بين الرسول عليه الصلاة والسلام والمشركين في مكة شهدت كل ذلك، من التضييق والتعذيب وقتل الأنصار، إلى الحصار الاقتصادي والتجويع، إلى استعداء الأهل والعشيرة، إلى المؤامرة والمكر، كما فعلوا في اجتماعهم الشهير في دار الندوة للتحضير لقتله صلى الله عليه وسلم، وهذه المحاولات جميعها بما فيها المؤامرة فشلت جميعا -بفضل الله- وبقي الإسلام، حتى صارت له دولة في المدينة، وقد وصف الله عز وجل بعضا من مؤامراتهم في تلك المرحلة فقال: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [سورة الأنفال: 30].

وفي المدينة التي لم يكن للكفار والمنافقين الشوكة لإعلان الحرب الظاهرة، كان اللجوء إلى المكر والمؤامرات لإنهاء الدولة النبوية، والقضاء على دعوة النبي عليه الصلاة والسلام، وكان القائمون على هذا هم اليهود -أجداد السادة المفترضين للعالم الحالي حسب نظرية المؤامرة- وقد جرب هؤلاء وحلفاؤهم من المنافقين مختلف أنواع المؤامرات من إشعال الفتن بين الأوس والخزرج، إلى التشهير بعرض النبي عليه الصلاة والسلام، بل ومحاولة قتله، ولما فشلت كل محاولاتهم تآمروا مع الكفار من قريش وقبائل العرب وجمعوا أقصى ما استطاعوا لقتال المسلمين في غزوة الأحزاب، فلم تكن نتيجة مؤامراتهم وكيدهم إلا أن أخرج النبي عليه الصلاة والسلام قسما منهم من المدينة، وقتل الآخرين، وسبي ذراريهم، وغنم أموالهم وأرضهم، ودمر مساكنهم وحصونهم، ولو طبقنا نظرية المؤامرة على يهود ذلك الزمان لوجدناهم مخالفين لها تماما، فلا هم كانوا متحدين تقودهم قيادة موحدة تضع لهم خططا طويلة الأمد لفترات تصل إلى قرن من الزمن، ولا هم قادرون على الوصول بمؤامراتهم إلى النتيجة المرجوة، بل فشلت كل مؤامراتهم على الدولة النبوية بفضل الله، لما كان النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته كما أرادهم الله تعالى من الصبر والتقوى (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)، فأزال الله المشركين من قريش ومن اليهود، وارتفعت راية الإسلام عالية في جزيرة العرب رغم مؤامراتهم.

وإننا لنجد أن القرآن ردّ الابتلاءات التي حلّت بالمسلمين في أحد وحنين إلى ذنوب المسلمين لا إلى مؤامرات اليهود والمنافقين، رغم أن قصة انسحاب رأس النفاق وحليف اليهود ابن سلول في معركة أحد بثلث جيش المسلمين كانت ستمثل مادة دسمة لأصحاب نظرية المؤامرة في تفسير ما حدث، إلا أن أهل الإسلام مجمعون على أن سبب ذلك كان معصية بعض الصحابة لله سبحانه وتعالى، بمخالفتهم أمر النبي عليه الصلاة والسلام، لا مؤامرات المنافقين حلفاء اليهود، وكذلك في حنين، فالسبب فيما أصابهم كان معصيتهم لله سبحانه وتعالى، بأن أُعجب بعضهم بقوتهم وكثرتهم، فنالهم ما نالهم.

فالمؤامرات على الإسلام وأهله لم تنقطع يوما، لكنها لم تؤت ثمارها إلا حين فتح لها المسلمون المجال بمخالفتهم للقاعدة الربانية في التصدي لكيد الأعداء بالصبر واليقين.

• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 18
السنة السابعة - الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1437 هـ

مقال:
الدولة الإسلامية وتحطيم وثن المؤامرة
...المزيد

الدولة الإسلامية وتحطيم وثن المؤامرة • ماهي نظرية المؤامرة؟ تقوم هذه الفرضية على أساس وجود ...

الدولة الإسلامية وتحطيم وثن المؤامرة

• ماهي نظرية المؤامرة؟

تقوم هذه الفرضية على أساس وجود مجموعة من الناس، هم من اليهود غالبا، يجتمعون في مكان مجهول من العالم بشكل دوري، ليضعوا خططا لتغيير العالم، يطلق عليها تسمية بروتوكولات، ويطبقونها، عن طريق اصطناع الأحداث الكبرى فيه، التي هي في الغالب الحروب، والكوارث الاقتصادية، والثورات الاجتماعية، وتسيطر هذه المجموعة من الناس على كامل اقتصاد العالم، وعلى كل السلطات الحاكمة فيه، وعلى كل الحركات والتنظيمات بطريقة أو بأخرى، والنتيجة التي يخلص إليها معتنق هذه الفرضية، أن كل ما يجري في العالم من أحداث إنما هو من تدبير هذه المجموعة من المتآمرين الدوليين، الذين يمتلكون المال من خلال سيطرتهم على رأس المال عن طريق البنوك الربوية العالمية، وعلى السلطة بسيطرتهم على كل الحكومات والأنظمة، وعلى الشعوب والمجتمعات عن طريق سيطرتهم على الإعلام، والمنظمات والأحزاب بمختلف أنواعها، وأن نتيجة الأحداث في العالم كيفما كانت فهي في خدمة أهداف المؤامرة الدولية التي تقصد في النهاية إلى التمكين لمجموعة المتآمرين من حكم العالم، والتمهيد لحكم الشيطان، أو لقدوم المسيح الدجال، أو على الأقل لسيادة اليهود على العالم.

فهذه النظرية وإن كان بعض أسسها حقيقيا كسيطرة اليهود على أكبر رؤوس الأموال في العالم، وعلى أكبر مفاصل الإعلام، وتغلغل نفوذهم داخل دوائر الحكم في العالم، فإن الجانب الساذج من الفرضية، يقوم على افتراضهم أن اليهود بسيطرتهم على المال والإعلام يمكنهم أن يفعلوا في العالم ما يشاؤون من تغييرات، بخلاف الواقع الذي يحوي الكثير من التناقضات والتداخلات في المصالح والأهواء، وبالتالي فإن تضارب هذه الأهواء والمصالح على مساحة العالم تجعل من المستحيل أن يحقق أي من البشر خططه على أرض الواقع بالصورة التي يريد، هذا إذا عزلنا الأرض عن الظروف البيئية وغيرها من العوامل الواقعية التي من شأن التغيرات المفاجئة فيها أن تعيق استمرار أي مشروع، بتغير الشروط الملائمة لنجاح المشروع، وتطبيق الخطة.

كيف يتقبل الناس نظرية المؤامرة؟

رغم سذاجة هذه الفرضية، وصعوبة تصديقها، فإنها راجت كثيرا في العالم، كتعبير عن الروح الانهزامية الجبريّة، التي تستخدم أمثال هذه الأفكار لتبرر واقعها السيء، وتفترض من خلالها أن العالم يُدار من قبل المتآمرين بحيث لا يمكن لأي إنسان أن يخرج من إطارها فضلا عن أن يقف في وجهها، كما يستخدم هذه الفرضية وما يشتق منها بعض الأدعياء تحليلات يقنعون بها المغفلين بأنهم قادرون على إدراك خفايا الأحداث، فيُرضون بذلك غرورهم الساذج بقدراتهم المزعومة، وتسخيف عقول غيرهم ممن يتهمونهم بالسطحية والجري خلف ظواهر الأمور.

ومن جانب آخر فإن فرضية المؤامرة هذه قد جرى الترويج لها من خلال حملات دعائية مكثفة طوال قرن من الزمن، قام بالجزء الأكبر منها أطراف متناقضة في غاياتها، أولهم القوميون المعادون لليهود لأسباب قومية، في أوروبا على شكل الخصوص، الذين كانوا يركزون على قضية أن اليهود هم السبب في كل ما يحل ببلدانهم من مصائب اقتصادية وسياسية، وهزائم عسكرية، ليجعلوا من ذلك مبررا لحملات الانتقام منهم، والتي كان أشهرها حملات النازيين الألمان قبيل الحرب العالمية الثانية وأثناءها.

والطرف الآخر كانوا هم اليهود أنفسهم وحركتهم الصهيونية، الذين استفادوا من فرضية المؤامرة في إخافة خصومهم في العالم، وجذب الراغبين في الزعامات للارتباط بهم، عن طريق إقناع الناس في كل مكان أنهم المهيمنون على العالم وأن كل ما يجري فيه إنما هو بتخطيط منهم، وتنفيذا لمصالحهم ومشاريعهم، وبالتالي لا فائدة من مقاومتهم أو الوقوف في وجه مشاريعهم وطموحاتهم.

كما قامت أطراف أخرى متناقضة باستخدام هذه الفرضية لضرب خصومها، فالاشتراكيون يستخدمونها لإثبات علاقة الرأسمالية العالمية التي يمثلها المرابون الكبار من اليهود بكل ما يحدث في العالم من كوارث ونكبات، وأعداء الاشتراكية يستخدمونها لضرب الشيوعية على أساس أنها صنيعة المؤامرة لضرب الأديان ونشر الإلحاد، وتدمير اقتصادات البلدان، ونشر الجوع والفقر، لتهيئة الأوضاع لسيطرة "الحكومة الخفية" على العالم.

بل حتى داخل الحركات والأحزاب التي تعطي لنفسها لقب "الإسلامية" تجد من كبار منظريها وقادتها من يروّج لفرضية المؤامرة، ليبرر لأتباعها وأنصارها القعود، والاستسلام، بدعوى أن لا فائدة من قتال الطواغيت الحاكمين لأرض الإسلام وجنودهم، باعتبارهم مجرد بيادق على "رقعة الشطرنج" التي تتحكم بها "الحكومة الخفية" التي تديرهم من وراء الستار، وبناء على هذا فالحل عندهم، أن يتم العمل على تدمير هذه "الحكومة الخفية" ورفع قبضتها عن العالم قبل التفكير في إحداث أي تغيير، دون أن يشرحوا طبعا كيف يمكنهم هزيمة هذه الحكومة التي يرونها تقدر على كل شيء، وتعلم بكل شيء، ولا يعجزها شيء، وكأنها إله من دون الله عزّ وجل! تعالى الله عما يشركون.


• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 18
...المزيد

الدولة الإسلامية وتحطيم وثن المؤامرة • تتنوع التفسيرات البشرية المتجردة غير المبنية على الكتاب ...

الدولة الإسلامية وتحطيم وثن المؤامرة

• تتنوع التفسيرات البشرية المتجردة غير المبنية على الكتاب والسنة لأحداث التاريخ، فمنها ما يركز على التحليل الاقتصادي، ويجعل من الاقتصاد قاعدة للتحولات التاريخية، وعلى أساس التغيرات في أحوال الناس الاقتصادية تحدث التغيرات في كل نواحي حياتهم، وما الصراعات بين الأفراد، وبين الطبقات الاجتماعية، وبين الدول والأمم والشعوب، سوى ظل للصراع على المادة بمفهومها الاقتصادي، ومنها ما يرى أن السياسة هي محرك التاريخ، وأن غريزة حب السيطرة عند الإنسان هي وقود هذا المحرك الذي تنتج عنه الأحداث بمختلف مستوياتها، ابتداء بالصراعات داخل الأسرة الواحدة، حتى الصراعات والحروب بين الدول والأمم، ومنها ما يتجه إلى التفسير الفكري أو "الأيديولوجي" الذي يجعل من الصراعات في الواقع انعكاسا لاختلاف الأفكار والعقائد التي يحملها المتصارعون في أذهانهم وعقولهم، وبمقدار إيمان الأطراف المتصارعة بأفكار متناقضة تزداد حدة الصراع بين الطرفين ويطول أمده، بل منها من مال باتجاه تحميل الظروف البيئية التي يعيشها الإنسان المسؤولية عن كل أحداث التاريخ ونتائجها، فالتضاريس والمناخ والمياه، وغيرها من خصائص الأمكنة التي يعيش فيها الإنسان، هي السبب -حسب هذه المناهج- لكل ما يجري في التاريخ من أحداث، وبالتالي فإن معرفة أحوال الطبيعة في المكان في كل مرحلة زمنية كافية -حسب نظرهم- لتفسير كل ما جرى في هذا المكان من أحداث، وهناك غير هذه المناهج السابق ذكرها الكثير من المناهج المجتزأة في دراسة التاريخ التي يركز كل منها على وجه من وجوه احتياجات الإنسان وخصائصه النفسية، فيجعله الأساس في كل سلوكياته واندفاعاته، وتفسير كل الأحداث على أساس هذه الصفة، أو هذه الغريزة، دون سواها، وبالتالي وقوعها جميعا في أخطاء كبيرة رغم انطلاقها من الواقع، بسبب اجتزائها لجزء منه وعدم اشتمالها على كل العوامل التي تؤثر في سلوك الإنسان، والأحداث التي يصنعها.

ونتيجة عقم هذه المناهج البشرية عن إنتاج تفسير متماسك متكامل لأحداث التاريخ، لجأ كثير من الناس إلى البحث عن افتراضات لا تمت لأي من العلوم بصلة، وإنما صاغها لهم من يشبهون المشعوذين والكهان من أدعياء المعرفة ببواطن الأمور، وخلفيات الأحداث، وإدراك ما لا يرى من الوقائع، وكان من أبرز ما تفتقت عنه أذهان هؤلاء الدجالين من الخرافات، وتلقفه المدمنون على المخدّرات الفكرية من مسكّنات، تريحهم من آلام الواقع، وأحزان الماضي، وهموم المستقبل، ما يعرف عند الجهال بنظرية المؤامرة.

• ماهي نظرية المؤامرة؟

تقوم هذه الفرضية على أساس وجود مجموعة من الناس، هم من اليهود غالبا، يجتمعون في مكان مجهول من العالم بشكل دوري، ليضعوا خططا لتغيير العالم، يطلق عليها تسمية بروتوكولات، ويطبقونها، عن طريق اصطناع الأحداث الكبرى فيه، التي هي في الغالب الحروب، والكوارث الاقتصادية، والثورات الاجتماعية، وتسيطر هذه المجموعة من الناس على كامل اقتصاد العالم، وعلى كل السلطات الحاكمة فيه، وعلى كل الحركات والتنظيمات بطريقة أو بأخرى، والنتيجة التي يخلص إليها معتنق هذه الفرضية، أن كل ما يجري في العالم من أحداث إنما هو من تدبير هذه المجموعة من المتآمرين الدوليين، الذين يمتلكون المال من خلال سيطرتهم على رأس المال عن طريق البنوك الربوية العالمية، وعلى السلطة بسيطرتهم على كل الحكومات والأنظمة، وعلى الشعوب والمجتمعات عن طريق سيطرتهم على الإعلام، والمنظمات والأحزاب بمختلف أنواعها، وأن نتيجة الأحداث في العالم كيفما كانت فهي في خدمة أهداف المؤامرة الدولية التي تقصد في النهاية إلى التمكين لمجموعة المتآمرين من حكم العالم، والتمهيد لحكم الشيطان، أو لقدوم المسيح الدجال، أو على الأقل لسيادة اليهود على العالم.

فهذه النظرية وإن كان بعض أسسها حقيقيا كسيطرة اليهود على أكبر رؤوس الأموال في العالم، وعلى أكبر مفاصل الإعلام، وتغلغل نفوذهم داخل دوائر الحكم في العالم، فإن الجانب الساذج من الفرضية، يقوم على افتراضهم أن اليهود بسيطرتهم على المال والإعلام يمكنهم أن يفعلوا في العالم ما يشاؤون من تغييرات، بخلاف الواقع الذي يحوي الكثير من التناقضات والتداخلات في المصالح والأهواء، وبالتالي فإن تضارب هذه الأهواء والمصالح على مساحة العالم تجعل من المستحيل أن يحقق أي من البشر خططه على أرض الواقع بالصورة التي يريد، هذا إذا عزلنا الأرض عن الظروف البيئية وغيرها من العوامل الواقعية التي من شأن التغيرات المفاجئة فيها أن تعيق استمرار أي مشروع، بتغير الشروط الملائمة لنجاح المشروع، وتطبيق الخطة.


• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 18
السنة السابعة - الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1437 هـ

مقال:
الدولة الإسلامية وتحطيم وثن المؤامرة
...المزيد

صنفان من أهل النار • الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما ...

صنفان من أهل النار

• الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد روى الإمام مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البُخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا).

ومما قاله العلماء في شرح هذا الحديث:

- قوله: (صنفان من أهل النار) "فيه ذم هذين الصنفين" [المنهاج شرح صحيح مسلم للنووي].

- وقوله: (لم أرهما) "أي: لم يوجد في عصره صلى الله عليه وسلم، منهما أحد لطهارة أهل ذلك العصر الكريم، ويتضمن ذلك أن ذينك الصنفين سيوجدان، وكذلك كان!" [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي]، وسبحان الله! "هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع هذان الصنفان، وهما موجودان" [المنهاج].

- وقوله: (قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس) فيه "وجوب النار لهم من أجل ظلمهم وتعذيبهم واستطالتهم على الناس بالضرب بهذه السياط" [إكمال المعلم شرح صحيح مسلم للقاضي عياض]، "وكذلك كان، فإنه خلف بعد تلك الأعصار قوم يلازمون السياط المؤلمة... وربما أفضى بهم الهوى وما جبلوا عليه من الظلم إلى هلاك المضروب، أو تعظيم عذابه، وهذا أحوال الشرط" [المفهم]، "والشُّرَط جمع شُرْطة وشرطي، وهم طائفة من أعوان الولاة" [الصحاح في اللغة للجوهري]

وما أشبه حال شرطة الطواغيت اليوم بما وصفهم به الصادق المصدوق، صلوات الله وسلامه عليه!

- وقوله: (ونساء كاسيات عاريات) "قيل: معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارًا لجمالها ونحوه، وقيل: تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها" [نيل الأوطار للشوكاني]، وقيل: "تبدي من محاسنها، مع وجود الأثواب الساترة عليها، ما لا يحل لها أن تبديه" [المفهم].

- وقوله: (مميلات مائلات) "أما مائلات فقيل: معناه عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه، مميلات: أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم، وقيل: مائلات: يمشين متبخترات مميلات لأكتافهن، وقيل: مائلات: يمشطن المشطة المائلة، وهي مشطة البغايا، مميلات: يمشطن غيرهن تلك المشطة" [المنهاج]، و"كلاهما من الميل، بالياء باثنتين من تحتها، ومعنى ذلك: أنهن يملن في أنفسهن تثنيا ونعمة وتصنعا؛ ليملن إليهن قلوب الرجال، فيميلوا إليهن، ويفتنهم" [المفهم].

- وقوله: (رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة) "أسنمة: جمع سنام، وسنام كل شيء: أعلاه، والبخت: جمع بختية، وهي ضرب من الإبل عظام الأجسام، عظام الأسنمة، شبه رؤوسهن بها لما رفعن من ضفائر شعورهن أعلى أوساط رؤوسهن تزينا وتصنعا، وقد يفعلن ذلك بما يكثرن به شعورهن، والمائلة: الرواية بالياء، من الميل، يعني: أن أعلى السنام يميل لكثرة شحمه، شبه أعالي ما يرفعن من الشعر بذلك" [المفهم]، وقيل: "معنى رؤوسهن كأسنمة البخت: أن يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها" [المنهاج].

- والحديث ساقه الإمام مسلم للإخبار بأن من فعل ذلك فهو من أهل النار، وأنه لا يجد ريح الجنة مع أن ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام! وفي ذلك وعيد شديد يدل على تحريم ما اشتمل عليه الحديث من صفات هذين الصنفين [نيل الأوطار].


• المصدر: صحيفة النبأ – العدد 18
السنة السابعة - الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1437 هـ

مقال:
صنفان من أهل النار
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً