[3] لماذا نجاهد ؟
56. المجاهدون هم الصادقون :
لقوله تعالى: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ " وقوله: " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا " وقوله: " لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " وقوله: (وحين البأس) أي في وقت اشتداد القتال والإلتحام مع الأعداء .
57. المجاهد جمع بين الفوز الدنيوي والأخروي :
لقوله تعالى: " فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " فجمع لهم بين جزاء الدنيا وجزاء الآخرة، وقوله: " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ " ولم يقل فائزون بالآخرة فقط ليعم كل فوز يخطر على البال .
58. أن كره الجهاد والتثاقل والتثبيط عنه من صفات أهل النفاق وحب الجهاد والمسارعة إليه من صفات أهل الإيمان :
لقوله تعالى: " فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيل اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ " وقوله: " وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ " وقوله: أولوا الطول أي أصحاب الغنى والسعة والقدرة. وقوله: (الخوالف) أي النساء والاطفال والشيوخ
القاعدين عن الجهاد فهم رضوا بالقعود مع هؤلاء وتخلفوا عن الجهاد، وقوله: " وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فإن أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا " وقوله: (ليبطئن) أي يتثاقل الجهاد ويثبط غيره، وقوله : " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ " .
59. الشهادة في سبيل الله هي الصراط المستقيم :
لقوله تعالى: " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ " وذكر في آية أخرى أن الشهداء هم الذين أنعم الله عليهم، وصراطهم أي طريقهم هو طريق الشهادة وهو الصراط المستقيم في قوله : " وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا " وهذا تفسير للصراط ببعض أفراده .
60. أن ترك الجهاد تحصل به من المفاسد في الدنيا والآخرة ما هو خارج عن الحصر من الذل والهوان والفقر، وتسلط الأعداء، والاشتغال بالدنيا والغفلة عن الآخرة، وغلبة الكفر، والحرمان من ثواب الجهاد، وعلو الباطل والشرك والكفر،
والصد عن دين الله، ثم حصول سنة الاستبدال والوعيد الأخروي، وغيرها الكثير : كما قال تعالى: " إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " ولم يذكر هل العذاب دنيوي أو أخروي ولا نوع العذاب ليشمل كل أنواع وصنوف العذاب: من تسلط الأعداء والفقر والذل والجوع وغير ذلك، وقوله: " قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " وقوله: " وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " والتهلكة الإشتغال بالدنيا وترك الجهاد والإنفاق فيه كما جاء في سبب النزول .
61. استحباب سؤال الشهادة وتمنيها خلافاً للموت :
لا يجوز تمني الموت ولا الدعاء به شرعا، لما جاء عند البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لا يتمنّين أحدكم الموت من ضرّ أصابه، فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي. وأما الشهادة فيُشرع سؤالها والدعاء بها وتمنيها، فأباح الشارع ذلك، بل واستحبّه، ورغب فيه وخص ذلك من عموم النهي، ، لما في الشهادة من الفضائل والكرامات والسعادة الأبدية في الدنيا والآخرة .
62. الشهداء أفضل من العلماء :
وهذه المسألة اختلف فيها في العلماء ورجح بعضهم أن الشهداء أفضل واستدلوا على ذلك بأنه ورد في الشهداء من الفضائل والخصائص مالم يرد في لا كثرة ولا عظمة، وحديث أنس عند مسلم "ما نفس تموت لها عند الله خير، يسرها أنها ترجع إلى الدنيا ولا أن لها الدنيا وما فيها إلا الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيقتل في الدنيا لما يرى من فضل الشهادة "
والنفس هنا تعم العالم وغيره فبان بذلك فضل الشهيد على من سواه واستدلوا كذلك بقرب الشهداء من منزلة النبوة كما سبق، ولا فضل أعلى من ذلك واستدلوا كذلك بأن من أسباب تفضيل الوسيلة الغاية التي توصل إليها والجهاد الموصل الى الشهادة أفضل من طلب العلم الموصل إلى درجة العالمية . والحق في ذلك أن الأفضلية نسبية، ولا ينبغي إطلاق الأفضلية دون اعتبار للأمور المؤثرة في تفضيل العمل من الاحوال العارضة وحاجة الناس والزمان والمكان الأمور، والإخلاص والمشقة في العمل وغير ذلك من الأمور، وقد يكون العمل الفاضل في مكان وزمان مفضولا وقد يكون المفضول ،فاضلا وكذا العمل يختلف بحسب الاشخاص وما يقدرون عليه إذ قد يصلح لزيد ما لا يصلح لعمرو، وعلى كل فالقصد هنا هو التنبيه على فضل الجهاد. قال ابن القيم: " فأعلى هذه المراتب النبوة والرسالة ، ويليها الصديقية ، فالصديقون هم أئمة أتباع الرسل ، ودرجتهم أعلى الدرجات بعد النبوة فإن جرى قلم العالم بالصديقية ، وسال مداده بها ،
كان أفضل من دم الشهيد الذي لم يلحقه في رتبة الصديقية وإن سال دم الشهيد بالصديقية وقطر عليها كان أفضل من مداد العالم الذي قصر عنها. فأفضلهما صديقهما . فإن استويا في الصديقية استويا في المرتبة " والله اعلم .
63. الشهيد لا يشعر بآلام القتل ولا سكرات الموت :
كما جاء عند الترمذي من حديث أبي هريرة وقال حسن صحيح : ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مَس القَرْصَةِ. والقرصة قيل: هي عضة النملة ، وقيل : هو أخذ لحمة الإنسان بأصبعيك حتى تؤلمه ولسع البراغيث وكلها ألمها متقارب، لا يكاد يُذكر، ولا يجزع منه حتى الطفل. قال الزبيدي في الإتحاف: اعلم أنه لو لم يكن بين يدي العبد المسكين كرب ، ولا هول ولا عذاب ، سوى سكرات الموت بمجردها ، لكان جديرا بأن يتنغص عليه عيشه ، ويتكدر عليه سروره ، ويفارقه سهوه ، وغفلته وحقيق بأن يطول فيه فكره ، ويعظم له استعداده ، لا سيما وهو في كل نفس بصدده ; كما قال بعض الحكماء : " كرب بيد سواك لا تدري متى يغشاك .
64. الشهيد يرى مقعده من الجنة قبل أن يموت :
الجنة ونعيمها وما أعد للشخص فيها أمر غيبي لا يرى إلا بعد الموت والمؤمن بعد موته يعرض عليه مقعده فيها ومنزلته في قبره بالغداة والعشي ويراها.وأما الشهيد فإنه يرى مقعده من الجنة قبل موته، كما عند الترمذي بإسناد حسن صحيـح من حديث المقدام بن معديكرب : " للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة ویری مقعده من الجنة ... إلخ، والمقعد هو المنزلة ومحل قعود الشخص ونزوله في الجنة، ومن رأى ذلك هان عليه الموت مع أنه يهون على الشهيد أصلا، ولعل هذا الأمر من أسباب ابتسام كثير من الشهداء عند الاحتضار ، وهذا أنس بن النضر كما رواه البخاري قبل أن يقتل بقليل يشم ريح الجنة، فقال: (يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد) وهذه الفضيلة هي رؤية حقيقية يرونها عيانا قبل موتهم ولا منامية ولا خيالية، وتعجل للشهداء قبل موتهم وخروج أرواحهم، ثم بعد ذلك يغدون إلى الجنة حقيقة بأجساد غير أجسادهم .
65. يضحك الله من الشهيد :
كما جاء عند البخاري من حديث ابي هريرة: " يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُما الآخَرَ يَدْخُلانِ الجَنَّةَ: يُقاتِلُ هذا في سَبِيلِ اللَّهِ، فيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ على القاتِلِ، فيُسْتَشْهَدُ " وجاء عند أحمد وصححه الالباني من حدیث نعيم الغطفاني: " أفضلُ الشهداء الذين يُقاتِلونَ الصف الأول فلا يلفتون وجوههم حتى يُقتلوا، أولئك يتَلَبَّطونَ في الغَرفِ الغلى من الجنة، يضحك إليهم ربُّك، فإذا ضحك ربُّك إلى عبدٍ في موطن فلا حساب عليه " وفي هذا شرف أي شرف، أن يضحك الله سبحانه بعظمته وسلطانه إلى ذلك الشهيد، وكم ترى من الناس من يتزلفون إلى المشاهير وغيرهم ليأخذ لقطة معهم أو قميص وربما يطير فرحاً إذا ظفر بذلك فكيف إذا كان الله بجلاله يضحك إلى هذا الشهيد!! .
66. يعجب الله من الشهيد ويباهي به الملائكة :
كما جاء عند ابن أبي داوود وأصلحه من حديث ابن مسعود: " عجِب رَبُّنا عزّ وجلَّ مِن رجُلٍ غزا في سبيل الله فانهزم - يعني أصحابه - فعَلم ما عليه، فرجع حتّى أُهرِيق دَمُهُ، فيقولُ اللهُ تعالى لملائكته: انظروا إلى عبدي رجع رغبةً فيما عندي، وشفقةً ممّا عندي حتّى أُهرِيق دَمُهُ " .
67. الشهيد تظلله الملائكة بأجنحتها :
كما عند البخاري من حديث جابر قالَ : لَمّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عن وجْهِهِ أَبْكِي، ويَنْهَوْنِي عنه، والنبي ﷺ لَا يَنْهَانِي، فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فاطمة تَبْكِي، فَقَالَ النبي ﷺ تَبْكِينَ أَوْ لا تَبْكِينَ ما زالَتِ المَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بأَجْنِحَتِها حتَّى رَفَعْتُموهُ .
68. الشهيد لا تأكله الارض ولا يتعفن :
قد كتب الله سبحانه على ابن آدم عند موته أن يتعفن جسده، وتأكله الأرض والديدان ، ولا يبقى شئ من جسده إلا عجب الذنب كما عند مسلم من حديث ابي هريرة - قال:
" كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب " وهناك أناس اختصهم الله بكرامته كالانبياء فلا تأكلهم الارض، كما جاء عند أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه ابن خزيمة من حديث أوس بن أوس: " إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الانبياء " أما الشهيد فقد ثبت أن الصحابة المقتولين زمن النبي كشفت قبورهم ووجدت أجسادهم محفوظة لم يصبها أي تغيير، وقد
وردت قصص كثيرة تدل على بقاء الشهداء كما جاء عند أنس في المستدرك: " أنَّ أبا طلحةَ قَرَأَ القرآن:انفِرُوا حِفافًا وَثِقالًا). [التوبة: ٤١]، فقال: أرى أن نُستَنفَرَ شُيوخًا وشُبّانًا فقالوا: يا أبانا، لقد غَزَوتَ مع النبي ﷺ حتى مات ومع أبي بكرٍ وعُمَرَ، فنحن نغزو عنك، فأبى، فرَكِبَ البحر حتّى مات، فلمْ يَجِدوا جَزيرةً يَدفنوه إلّا بعد سبعة أيّامٍ، قال: فما تَغَيَّرَ " .
69.الشهيد يدخل الجنة حالاً من قتله ومآلاً في الآخرة :
أعد الله الجنة لعباده المؤمنين جزاء لهم على أعمالهم، وجعل فيها من أصناف النعيم وأنواعه ما لا يحده الوصف، ولا يخطر على قلب بشر، والشهيد له مع الجنة حال آخر، ووضع خاص وكرامة عظيمة، فهو من حين يقتل يدخل الجنة حالا ومباشرة ويعجل له دخولهاونعيمها قبل يوم القيامة، ويبقى فيها إلى أن ينفخ في الصور نفخة البعث وترجع الأرواح إلى أجسادها، وذلك لكرامته على الله، ولعلو منزلته عنده، فالجنة تثبت للشهيد حالا .
70. الشهيد راض بعطاء الله :
قال تعالى: " لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ " وجاء عند البخاري من حديث أنس: " أنَّ رِعْلًا، وذكوانَ وعُصَيَّةً ، وبَنِي لَحْيانَ، اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ على عَدُوٌّ ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ، كُنَّا نُسَمِّيهِمُ القُرّاءَ فِي زَمَانِهِمْ، كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهارِ، ويُصَلُّونَ باللَّيْل، حتى كانُوا بِبِثْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النبيَّ ﷺ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو في الصُّبْحِ على أحْياءٍ مِن أحياءِ العَرَبِ، على رِعْلٍ، وذَكْوانَ، وعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيانَ قالَ أَنَسٌ : فَقَرَأْنا فيهم قُرْآنًا، ثُمَّ إِنَّ ذلكَ رُفِعَ: بَلِّغُوا عَنّا قَوْمَنا أَنا لَقِينَا رَبَّنا فَرَضِيَ عَنَّا وأَرْضانا " .
71. الشهداء لهم ما يشتهون في البرزخ :
كما جاء عند مسلم من حديث ابن مسعود : أن مسروق بن الأجدع قال : سَأَلْنا عَبْدَ اللهِ عن هذِهِ الآيَةِ: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، قال: أما إنّا قد سَأَلْنا عن ذلك، فَقالَ : أَرْواحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَها قَنادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلى تِلكَ القَنادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيهِم رَبُّهُمُ اطلاعَةً، فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شيئًا؟ قالوا: أَيَّ شَيءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنا؟ فَفَعَلَ ذلكَ بِهِمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا من أَنْ يُسأَلُوا، قالوا: يا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْواحَنا في أَجْسادِنا حتَّى نُقْتَلَ في سَبيلِكَ مَرَّةً أُخْرى، فَلَمّا رَأَى أَنْ ليسَ لَهُمْ حاجَةٌ تُركُوا .
72. دار الشهداء هي أحسن الدور في الجنة :
كما جاء عند البخاري من حديث سمرة بن جندب : رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيانِي، فَصَعِدا بي الشَّجَرَةَ فأدْخَلاني دارًا هي أَحْسَنُ وأَفْضَلُ، لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ منها، قالا: أما هذه الدّارُ فَدارُ الشُّهَداء . فإذا كانت دار عامة المؤمنين كما قال - صلى الله عليه وسلم (لم أرى دارا قط أحسن منها فكيف بدار الشهداء التي صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها أفضل وأحسن من دار عامة المؤمنين .
73. الشهيد يوضع على رأسه تاج الوقار :
فالشهيد ملك في الجنة كما سبق، فيتوج كما يتوج الملوك، وليس بأي تاج، بل تاج الوقار والعظمة والكرامة الدال على عظمة صاحبه، وأنه مكرم عند الله تعالى وعند ملائكته وخلقه، فإن الشهيد عظيم عند الله تعالى وعند الخلق وكريم على الله تعالى وعلى الخلق، وهذا التاج مكون ومرصع بالياقوت، والياقوتة منه خير الدنيا وما فيها، فكيف به كله كما جاء عند الترمذي من حديث المقدام بن معد يكرب وقال حسن : للشهيد عند الله ست خصال...وذكر منها: ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها .
74. الشهيد يرجى له النجاة من نفخة الصعق :
كما قَالَ تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامُ يَنْظُرُونَ. ونفخة الصعق يَمُوتُ بِسَبَبِهَا جَمِيعُ الْمَوْجُودِينَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقِيلَ: هُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ، وَمَلَكُ الْمَوْتِ وَقِيلَ : هُمُ الشُّهَدَاءُ، وَقِيلَ: الانبياء، وقيل غير ذلك .
75. بالجهاد نطهر الارض من نجاسة الشرك :
كما قال تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ. وذكر الطبري عن قتادة في قوله : "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" قال: حتى لا يكون شرك. وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" قال:الشرك ويكون الدين لله. وعن ابن عباس: "وقاتلوهم لا تكون فتنة" يقول : شرك. وقوله: (حتى) حرف غاية يفيد استمرار القتال إلى غاية وهي زوال الشرك، فإذا بقي شيء من الشرك ولو كان قليلاً فإن القتال واجب حتى يزول الشرك بالكامل من الارض .
76. بالجهاد يكون الدين لله وحده :
لقوله تعالى : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. والدين معناه الطاعة الطاعة والانقياد وقد يرد لمعاني أخرى بحسب السياق، قال صاحب المقاييس: فَالدِّينُ: الطَّاعَةُ يُقَالُ دَانَ لَهُ يَدِينُ دِينًا، إِذَا أَصْحَبَ وَانْقَادَ وَطَاعَ. وَقَوْمٌ دِينٌ، أَيْ مُطِیعُونَ مُنْقَادُونَ. والمعنى: وقاتلوهم حتى لا يكون شرك وحتى تكون الطاعة والانقياد لله وحده دون ما سواه من الطواغيت
والأنداد، مع إزالة الحواجز المادية المتمثلة في سلطان الطواغيت، وفي الأوضاع القاهرة للأفراد، فلا يكون هناك سلطان في الأرض لغير الله، ولا يدين العباد يومئذ لسلطان قاهر إلا سلطان الله . . فإذا أزيلت هذه الحواجز المادية ترك الناس أفراداً يختارون عقيدتهم أحراراً من كل ضغط على ألا تتمثل العقيدة المخالفة للإسلام في تجمع له قوة مادية يضغط بها على الآخرين، ويحول بها دون اهتداء من يرغبون في الهدى ، ويفتن بها الذين يتحررون فعلا من كل سلطان
إلا سلطان الله .
77. بالجهاد نرد على المعتدي :
لقوله تعالى: " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " وقوله: " وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ " وقوله: " الشَّهْرُ
الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصُ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " وقوله: " وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " وعليه فالرد على المعتدي حق لكل إنسان، ولو كان المعتدي مسلماً فإن قتاله ودفعه واجب ولو أدى لقتله، ولو قتلت وأنت تدافع عن نفسك أو دينك أو أهلك أو مالك لكنت شهيدا، كما جاء عند أبي داوود والترمذي وقال حسن صحيح: " منْ قُتِل دُونَ مَالِهِ فَهُو شَهِيدٌ، ومِنْ قُتل دُونَ دمِهِ فَهُو شهيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهُو شهيد، ومنْ قُتِل دُونَ أَهْلِهِ فَهُو شهيد " رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن. فكيف إذا اجتمع في العدو الواحد وصف الكفر، والحرابة والصيال والإفساد والتخريب، والتدمير، والسرق والنهب لخيرات المسلمين، وتمكين الطواغيت، واحتلال بلاد المسلمين، ودعم اليهود بكل ما لديه من سلاح ومال وإعلام ونفوذ لقتل المسلمين، فهل يشك أحد أن قتال هذا الصائل وطرده من ديار المسلمين أنه من أوجب الواجبات وأفرض الفرائض !! .
78. بالجهاد نرهب أعداء الله :
لقوله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم. وإرهاب العدو مقاصد الجهاد العظيمة التي يحصل بها كفُّ شرّ الكفار عن المسلمين، ولولا خيار الردع لتمادى العدو في التقتيل والتنكيل والتسلط على المسلمين من المستضعفين، كما يحدث ولا يزال يحدث من تقتيل المسلمين، واستهانة بدمائهم، حتى أصبحت دماء المسلمين كدماء البعوض لا قيمة لها ولا وزن، لغياب خيار الردع أما إذا علم العدو حجم الخسائر التي ستلحقه من جراء اعتدائه فإنه سيتراجع، أو يكف شره قليلاً، وربما ينسحب انسحابًا نهائيًا، ولا يعود مرة أخرى .
79. بالجهاد نحرر الأسارى :
لحديث أبي موسى الأشعري عند البخاري: فُكُوا العاني، يَعْنِي: الأسِيرَ ، وأَطْعِمُوا الجائع، وعُودُوا المَرِيض. ويا للحسرة كم في سجون الطواغيت من النُّخب والقيادات والعلماء من المسجونين ظلمًا وعدوانًا، بلا تهم أصلًا أو بتهم ملفقة. ولك أن تعلم، بحسب مصادر أجنبية، أن عدد السجناء في مصر وحدها ۱۲۰ ألفًا، وهذا هو الرقم المعلن فقط، في ظل تكتم النظام عن الأرقام الحقيقية. وهذا في مصر وحدها، دون بقية الدول العربية .
80. بالجهاد نحرض المسلمين على القتال :
لقوله تعالى: " فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلِّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا " وقوله: " يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ " وهذا التحريض يحصل به التنشيط للمسلمين والتشجيع على القتال، ويكون بذلك قدوة لغيره من المسلمين، ويكون له أجر من سار على طريقه لحديث أبي هريرة عند مسلم: " مَن دَعا إلى هدى، كان له مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلك من أُجُورِهِمْ شيئًا " وهذا التحريض قد يكون من خلال الاشتباك المباشر مع العدو بتوجيه ضربات أو من خلال الإعلام أو غير ذلك .
81. بالجهاد نحكّم شريعة الله :
وهذا مفهوم من قوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ. إذ كيف يكون الدين والطاعة والانقياد لله في ظل حكم الجاهلية؟ وكيف يكون الدين لله، في ظل علوّ أحكام الجاهلية من قوانين الأمم الكافرة، والدساتير الفاسدة الكفرية؟! ولا يلزم من ذلك إنكار التأني قليلًا في التطبيق – لا في التشريع - حتى يتمكن المسلمون من ذلك، ولكن لا ينبغي أيضًا التساهل بترك التطبيق بدعوى عدم القدرة والتمكن، حتى يؤدي ذلك مع الوقت - إلى إسقاط
تحكيم الشريعة من أساسه . ...المزيد
مساعدة
الإبلاغ عن المادة
تعديل تدوينة
[3] لماذا نجاهد ؟ 56. المجاهدون هم الصادقون : لقوله تعالى: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ...
[3] لماذا نجاهد ؟
56. المجاهدون هم الصادقون :
لقوله تعالى: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي ...المزيد
56. المجاهدون هم الصادقون :
لقوله تعالى: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي ...المزيد
[2] لماذا نجاهد ؟ 31. بالجهاد نحكّم شريعة الله : وهذا مفهوم من قوله تعالى: " وَقَاتِلُوهُمْ ...
[2] لماذا نجاهد ؟
31. بالجهاد نحكّم شريعة الله :
وهذا مفهوم من قوله تعالى: " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ". إذ كيف يكون الدين، والطاعة، والانقياد لله، في ظل حكم الجاهلية؟ وكيف يكون الدين لله، في ظل علو أحكام الجاهلية من قوانين الأمم الكافرة، والدساتير الفاسدة الكفرية؟! ولا يلزم من ذلك إنكار التأني قليلًا في التطبيق لا في التشريع - حتى يتمكن المسلمون من ذلك، ولكن لا ينبغي أيضًا التساهل بترك التطبيق بدعوى عدم القدرة والتمكن حتى يؤدي ذلك مع الوقت - إلى إسقاط
تحكيم الشريعة من أساسه .
32. بالجهاد نحمي بيضة الإسلام :
وذلك أن المجاهد في الحقيقة يذب عن دين الله ويحمي
المسلمين من ورائه ولولا بقاء الجهاد لم يبق عالم يتعلم ولا عابد يتعبد، ولا آذان يرفع، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، ولعم الفساد والخراب في الارض، ولذلك يدفع الله الكفار والمشركين بالمجاهدين، كما قال تعالى: " الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٌّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ
يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " .
33. أن الجهاد تحصل به من المصالح في الدنيا والآخرة ما هو خارج عن الحصر من اتخاذ الشهداء، وتكفير الذنوب، ورفعة الدرجات، وإزالة الشرك، وإرهاب الاعداء، وردع المعتدين، وعلو الإسلام وظهوره على غيره من الأديان، وتحرير السجناء، ونصرة المستضعفين، ودحض الباطل، وتطهير الأرض من الكفار والمجرمين، وتحقيق العدل، وتحقيق الأمن، وتمييز الصفوف من المنافقين والمرتدين، وغير ذلك من المقاصد المبثوثة في النصوص كما في قوله : " وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ " وقوله: " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ " وقوله: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ " وفسرت الفتنة بالشرك، وقوله: " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ " فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله، وقوله: " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " فإرهاب العدو من مقاصد الجهاد كالتفجيرات وغيرها التي تحصل بها النكاية في العدو، وقوله: " وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سبيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا " وقوله: " وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَا تَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُون"
وقوله: "وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ "وقوله : " وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقِّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ " .
34. أن الله عقد صفقة مع المجاهدين بأن جعل الجهاد بالنفس والمال بمنزلة الثمن وجعل الجنة بمنزلة السلعة مع كونه الخالق لهم تكرماً منه سبحانه ووعد على ذلك بالجنة :
كما قال تعالى: " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ " وهذا كقوله في الآية الأخرى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " .
35. أن الجهاد يعظم أجره بحسب الاحوال العارضة فالجهاد في زمن ضعف المسلمين وقلة النصير أعظم من الجهاد في غيره : كما قال تعالى: " لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْح وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى " والمجاهد الذي يخفق ويصاب أعظم من المجاهد الذي يسلم ويغنم، كما قال تعالى: " الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ " وحديث عبدالله بن عمرو عند مسلم: " ما مِن غازِيَةٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، تَغْزُو فَتَغْنَمُ وتَسْلَمُ إِلَّا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أُجُورِهِمْ، وما مِن غازِيَةٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، تُخْفِقُ وتُصابُ، إِلَّا تَمَّ أُجُورُهُمْ " والجهاد في زمن الفتن والشدة أعظم من الجهاد في غيره، كما جاء عند الترمذي من حديث أبي ثعلبة الخشني: " فإنَّ من ورائِكُم أَيّامًا، الصَّبِرُ فِيهِنَّ مِثلُ القَبْضِ على الجَمْرِ لِلعَامِلِ فِيهِنَّ مِثلُ أَجْرِ خَمْسِينَ
رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثلَ عَمَلِكُمْ " .
36. أنه قد ثبت للحور العين للشهيد ما لم يثبت لغيره من المسلمين تكرماً من الله وفضلاً منه سبحانه للشهيد :
وأقل ما جاء لكل مسلم في الجنة هو زوجتان من الحور العين كما جاء عند مسلم من حديث أبي سعيد الخدري: " إِنَّ أَدْنى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً... إلى أن قال: ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ، فَتَدْخُلُ عليه زَوْجَتاهُ مِنَ الحُورِ العِينِ.. وجاء ذكر (الاهل) دون التحديد بعدد معين في حديث أبي موسى الأشعري عند البخاري: " إِنَّ فِي الجَنَّةِ خَيْمَةٌ لُؤْلُؤًةٍ مُجَوَّفَةٍ عَرْضُها سِتُّونَ مِيلًا، في كُلِّ زاوِيَةٍ مِنْها أَهْلُ ما يَرَوْنَ الآخَرِينَ، يَطُوفُ عَلَيهِمُ المُؤْمِنُونَ، وجَنَّتَانِ مِن فِضَّةٍ؛ آنِيَتُهُما وما فيهما، وجَنَّتَانِ من
گذا؛ آنِيَتُهُما وما فيهما، وما بينَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى
رَبِّهِمْ إِلَّا رِداءُ الكِبْرِ على وَجْهِهِ في جَنَّةِ عَدْنٍ " ولم يأتي التصريح بالعدد في غير الشهيد كما جاء عند الترمذي بإسناد صحيح من حديث المقدام بن معد يكرب : " للشهيد عند الله ست خصال..وذكر منها: ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين " .
37. أن الأعمار والآجال مقدرة ومكتوبة بيد الله ولا يعلم الإنسان هل سيموت اليوم أو غداً والفرار من الموت لا يقدم الأجل ولا يؤخره :
كما قال تعالى: " إذا جاء أجلهم لا يستئخرون ساعة ولا يستقدمون " وقال تعالى عن المنافقين: " قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا " وقال سبحانه: " أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ " والكل سيموت، لكن شتان بين من يموت مقبلاً على الله تاركاً الدنيا خلفه، يقتحم المهالك والردى، يطلب الموت في مظانه ليزيل راية الشرك والكفر ويعلي راية التوحيد وينصر دين الله وبين من لا يكترث ولا يرفع بذلك رأساً ولا يهتم، فهو غارق في دنياه، لا يطلب غيرها ولا يريد سواها .
38. من نوى الجهاد وكان صادقا ثم عجز فله أجر المجاهد :
كما جاء عند مسلم من حديث أنس مالك: " من طَلَبَ الشَّهادَةَ صادِقًا أُعْطِيَها ولو لَمْ تُصِبْهُ " وحديث سهل بن حنيف عند مسلم: " مَن سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بصِدْقٍ، بَلَغَهُ اللَّهُ مَنازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ على فِرَاشِهِ " وحديث أنس بن مالك عند البخاري: " أَنَّ رَسولَ اللَّهِ رَجَعَ مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنا مِنَ المَدِينَةِ، فقالَ: إِنَّ بالمَدِينَةِ أقوامًا، ما سِرْتُمْ مَسِيرًا، ولا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كانوا معكُمْ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالمَدِينَةِ؟ قَالَ: وهُمْ بِالمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ " وحديث أبي هريرة عند مسلم: " من ماتَ ولَمْ يَغْزُ، ولَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ على شُعْبَةٍ مِن نِفاق " .
39. أن القتل في سبيل الله هو زبدة وخلاصة الايمان :
كما أخرج الضياء في الاحاديث المختارة من حديث عبد الله الخثعمي : أنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ أَيُّ الأعمال أفضل؟ قال : إيمان لا شكّ فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجَّةٌ مَبرورة قيل : فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: جُهد الْمُقِلّ. قيل : فأيُّ الهجرة أفضلُ؟ قال: من هجر ما حرم الله. قيل : فأيُّ الجهاد أفضلُ؟ قال: من جاهد المشركين بنفسه وماله. قيل فأيُّ الجهاد أشرفُ؟ قال: من أُهريق دمه، وعُقِرَ جواده " فانظر كيف جعل قتال الكفار والقتل في سبيله من افضل اعمال الايمان على
الإطلاق وجعله زبدة الاعمال .
40. أن الله يحب طلب معالي الامور ويكره سفسافها :
كما أخرج الطبراني وغيره : إنَّ الله تعالى يُحِبُّ مَعالي الأُمورِ، وأَشرافَها، ويَكرَهُ سَفْسافَها. والجهاد من أعلى الاعمال وأشرفها ، ولا يقبل عليه إلا أصحاب الهمم العالية والنفوس الشريفة الزكية، ولا ينبغي لصاحب الهمة العالية أن يرضى بما دون النجوم .
41. أن الجهاد من أحب الاعمال الى الله :
والصادق في المحبة لا يتقرب لحبيبه إلا بأحب الاشياء إليه، فكيف إذا كان المحبوب هو الله جل جلاله، وروى الترمذي والحاكم وصححه الذهبي عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فتذاكرنا وقلنا لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملناه فأنزل الله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ .
42. المجاهد في ضمان الله وكفالته من خروجه من بيته :
كما جاء عند البخاري من حديث ابي هريرة: " تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق بكلماته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه بما نال من أجر أو غنيمة " وفي رواية: (انتدب الله)، وفي رواية مسلم: (تضمن الله)، ومعنى الكفالة والضمان هنا تحقيق الموعود من الله تعالى، فإن الضمان والكفالة مؤكدان لما يضمن ويتكفل به وتحقيق ذلك من لوازمها وأخرج الترمذي وحسنه من حديث ابي هريرة: " ثلاثة حق على الله عونهم:
المجاهد في سبيل الله، والمُكاتَبُ الذي يريدُ الأداء، والناكحُ الذي يُرِيدُ العفافَ " .
43. أن الجهاد ذورة سنام الإسلام :
لحديث الترمذي وقال حسن صحيح من حديث معاذ: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. وإنما شبه الجهاد بذروة سنام البعير، لأن ذروة السنام وهي أعلاه لا يعادلها شيء من البعير، كذلك الجهاد لا يعادله شئ من أعمال الإسلام .
44. الجهاد سياحة أمة محمد :
كما روى أبو دواوود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي
وصححه الالباني في صحيح الجامع : إنَّ سياحة أمتي
الجهاد في سبيل الله تعالى . قال ابن النحاس في المشارع: " لما كانت السياحة هي السير في الأرض على سبيل الفرار من الأغيار والنظر إلى الآثار بعين الاعتبار، سمي الجهاد في سبيل الله سياحة لأنه فرار من الوجود وسير إلى المعبود على قدم الإيمان والتصديق بالموعود، ونظر للنفس بعين الإنصاف في تسليمها إلى المشتري خروجا من عالم الخلاف، وشتّان بين من هو سائر بنفسه ينزّهها، وبين من هو مجتهد
عليها ليتلفها، هذا هو السائح يقينا، والبائع نفسه بالربح
الأعظم فوزا مبينا" انتهى كلامه .
45. الجهاد باب من أبواب الجنة :
كما عند البخاري من حديث ابي هريرة: مَن أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِن شَيْءٍ مِنَ الأَشْياءِ فِي سَبيلِ اللَّهِ، دُعِيَ مِن أبواب، - يَعْنِي الجَنَّةَ - يا عَبْدَ اللَّهِ هَذا خَيْرٌ، فَمَن كَانَ مِن أهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِن بابِ الصَّلاةِ، ومَن كَانَ مِن أَهْلِ الجهادِ دُعِيَ مِن بابِ الجِهادِ، ومَن كَانَ مِن أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّدَقَةِ، ومَن كانَ مِن أَهْلِ الصَّيامِ دُعِيَ من باب الصِّيامِ، وبابِ الرَّيّانِ ، فقال أبو بَكْرٍ: ما على هذا الذي يُدعى مِن تِلكَ الأبْوابِ مِن ضَرُورَةٍ، وقال: هلْ يُدعى مِنْها كُلَّها أَحَدٌ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تكون منهم يا أبا بَكْرٍ .
46. الجهاد يذهب الله به الهم والغم :
كما أخرج الضياء والحاكم وابن حبان وصححه الالباني من حديث عبادة بن الصامت: عليكم بالجهاد في سَبيلِ اللهِ؛ فإنَّه بابٌ مِن أبواب الجنَّةِ يُذهِبُ الله به الهَمَّ والغَمَّ .
47. الجهاد من أسباب حسن الخاتمة :
وذلك أن المجاهد ينتظر الموت في كل وقت، فلا يكاد يخلو وقته من التزود لدار المعاد بالتوبة والاستغفار والتزود قبل الرحيل بسبب كثرة ذكره للموت، وهذا يوجب له حسن الخاتمة، بخلاف غيره من اهل الدنيا الذي قد يدركه الموت وهو غارق في الذنوب والآثام، ولذلك أمر النبي بالإكثار من ذكر الموت كما جاء عند الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة: أكثروا ذكر هادم اللذات .
48. بالشهادة يسبق اللاحق ويدرك السابق :
وهذه فرصة عظيمة لكل مسلم ضيع عمره في الباطل وأراد الاستدراك والسبق واللحاق بمن قد سبقه في الخير، فعليه بالجهاد وطلب الشهادة، وقد أمر الله بالسبق والمسارعة في الخير كما في قوله: " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ " وقوله: "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ " وقوله: وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " وقد ذكر سبحانه أن السابقون في الدنيا هم المقربون عند الله في الآخرة : " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ " .
49. أن الشهيد بين أمرين إما الشهادة أو النصر :
كما في قوله: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ. قال السعدي: أي: قل للمنافقين الذين يتربصون بكم الدوائر: أي شيء تربصون بنا؟ فإنكم لا تربَّصون بنا إلا أمراً فيه غاية نفعنا، وهو إحدى الحسنيين: إما الظفر بالأعداء والنصر عليهم ونيل الثواب الأخروي والدنيوي، وإما الشهادة التي هي من أعلى درجات الخَلْق وأرفع المنازل عند الله .
50. منة الشهداء على الناس أجمعين :
فأما منة الشهداء على المسلمين، فهو ما يحصل بسببهم من العز والتمكين والرفعة بالدين وإزالة الذل والهوان والعجز وأما منتهم على الكافرين فهو إنقاذهم من الخلود في النار وإخراجهم من الظلمات إلى النور .
51. أن النبي كان يدعو لأصحابه بالشهادة :
كما روى احمد وصححه الالباني في صحيح الجامع: " اللَّهمَّ اجْعَلْ فَناءَ أُمَّتِي قتلا في سبيلكَ بالطَّعنِ والطاعون " وجاء عند ابن ماجه وصححه الالباني من حديث ابن عمر : " أَنَّ رسولَ اللَّهِ رأى على عُمر قميصا أبيض فقال : ثوبُكَ هذا غسيل أم جديد؟ قال: لا، بل غسيل . قال : البَس جديدًا، وعِش حميدًا، ومت شهيدًا " .
52. المجاهد من أفضل الناس :
كما جاء عند البخاري من حديث أبي سعيد الخدري: قيل : يا رَسولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: مُؤْمِنٌ يُجاهِدُ في سَبيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، قالوا: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: مُؤْمِنٌ في شِعْبٍ مِنَ الشُّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ، ويَدَعُ النَّاسَ مِن شَرِّه .
53. الجهاد سبب الهداية وصلاح البال وتيسير الأمور :
لقوله: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ.
قال البغوي في تفسيره: (سَيَهْدِيهِمْ) أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَرْشَدِ الْأُمُورِ، وَفِي الْآخِرَةِ إِلَى الدَّرَجَاتِ، {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ يُرْضِي حُصَمَاءَهُمْ وَيَقْبَلُ أَعْمَالَهُمْ} .
54. لا يمكن دخول الجنة إلا بعد الجهاد والصبر عليه :
لقوله تعالى: " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ " وقوله : " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " وقوله: " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أخْبَارَكُمْ " .
55. الشهيد يعطي نوراً يسير به في ظلمة الصراط :
لقوله تعالى: " وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ " وذلك حين ينطفئ نور المنافقين قبل الصراط كما أخبر الله عنهم : " يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ " . ...المزيد
31. بالجهاد نحكّم شريعة الله :
وهذا مفهوم من قوله تعالى: " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ". إذ كيف يكون الدين، والطاعة، والانقياد لله، في ظل حكم الجاهلية؟ وكيف يكون الدين لله، في ظل علو أحكام الجاهلية من قوانين الأمم الكافرة، والدساتير الفاسدة الكفرية؟! ولا يلزم من ذلك إنكار التأني قليلًا في التطبيق لا في التشريع - حتى يتمكن المسلمون من ذلك، ولكن لا ينبغي أيضًا التساهل بترك التطبيق بدعوى عدم القدرة والتمكن حتى يؤدي ذلك مع الوقت - إلى إسقاط
تحكيم الشريعة من أساسه .
32. بالجهاد نحمي بيضة الإسلام :
وذلك أن المجاهد في الحقيقة يذب عن دين الله ويحمي
المسلمين من ورائه ولولا بقاء الجهاد لم يبق عالم يتعلم ولا عابد يتعبد، ولا آذان يرفع، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، ولعم الفساد والخراب في الارض، ولذلك يدفع الله الكفار والمشركين بالمجاهدين، كما قال تعالى: " الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٌّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ
يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " .
33. أن الجهاد تحصل به من المصالح في الدنيا والآخرة ما هو خارج عن الحصر من اتخاذ الشهداء، وتكفير الذنوب، ورفعة الدرجات، وإزالة الشرك، وإرهاب الاعداء، وردع المعتدين، وعلو الإسلام وظهوره على غيره من الأديان، وتحرير السجناء، ونصرة المستضعفين، ودحض الباطل، وتطهير الأرض من الكفار والمجرمين، وتحقيق العدل، وتحقيق الأمن، وتمييز الصفوف من المنافقين والمرتدين، وغير ذلك من المقاصد المبثوثة في النصوص كما في قوله : " وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ " وقوله: " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ " وقوله: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ " وفسرت الفتنة بالشرك، وقوله: " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ " فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله، وقوله: " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " فإرهاب العدو من مقاصد الجهاد كالتفجيرات وغيرها التي تحصل بها النكاية في العدو، وقوله: " وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سبيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا " وقوله: " وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَا تَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُون"
وقوله: "وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ "وقوله : " وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقِّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ " .
34. أن الله عقد صفقة مع المجاهدين بأن جعل الجهاد بالنفس والمال بمنزلة الثمن وجعل الجنة بمنزلة السلعة مع كونه الخالق لهم تكرماً منه سبحانه ووعد على ذلك بالجنة :
كما قال تعالى: " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ " وهذا كقوله في الآية الأخرى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " .
35. أن الجهاد يعظم أجره بحسب الاحوال العارضة فالجهاد في زمن ضعف المسلمين وقلة النصير أعظم من الجهاد في غيره : كما قال تعالى: " لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْح وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى " والمجاهد الذي يخفق ويصاب أعظم من المجاهد الذي يسلم ويغنم، كما قال تعالى: " الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ " وحديث عبدالله بن عمرو عند مسلم: " ما مِن غازِيَةٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، تَغْزُو فَتَغْنَمُ وتَسْلَمُ إِلَّا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أُجُورِهِمْ، وما مِن غازِيَةٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، تُخْفِقُ وتُصابُ، إِلَّا تَمَّ أُجُورُهُمْ " والجهاد في زمن الفتن والشدة أعظم من الجهاد في غيره، كما جاء عند الترمذي من حديث أبي ثعلبة الخشني: " فإنَّ من ورائِكُم أَيّامًا، الصَّبِرُ فِيهِنَّ مِثلُ القَبْضِ على الجَمْرِ لِلعَامِلِ فِيهِنَّ مِثلُ أَجْرِ خَمْسِينَ
رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثلَ عَمَلِكُمْ " .
36. أنه قد ثبت للحور العين للشهيد ما لم يثبت لغيره من المسلمين تكرماً من الله وفضلاً منه سبحانه للشهيد :
وأقل ما جاء لكل مسلم في الجنة هو زوجتان من الحور العين كما جاء عند مسلم من حديث أبي سعيد الخدري: " إِنَّ أَدْنى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً... إلى أن قال: ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ، فَتَدْخُلُ عليه زَوْجَتاهُ مِنَ الحُورِ العِينِ.. وجاء ذكر (الاهل) دون التحديد بعدد معين في حديث أبي موسى الأشعري عند البخاري: " إِنَّ فِي الجَنَّةِ خَيْمَةٌ لُؤْلُؤًةٍ مُجَوَّفَةٍ عَرْضُها سِتُّونَ مِيلًا، في كُلِّ زاوِيَةٍ مِنْها أَهْلُ ما يَرَوْنَ الآخَرِينَ، يَطُوفُ عَلَيهِمُ المُؤْمِنُونَ، وجَنَّتَانِ مِن فِضَّةٍ؛ آنِيَتُهُما وما فيهما، وجَنَّتَانِ من
گذا؛ آنِيَتُهُما وما فيهما، وما بينَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى
رَبِّهِمْ إِلَّا رِداءُ الكِبْرِ على وَجْهِهِ في جَنَّةِ عَدْنٍ " ولم يأتي التصريح بالعدد في غير الشهيد كما جاء عند الترمذي بإسناد صحيح من حديث المقدام بن معد يكرب : " للشهيد عند الله ست خصال..وذكر منها: ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين " .
37. أن الأعمار والآجال مقدرة ومكتوبة بيد الله ولا يعلم الإنسان هل سيموت اليوم أو غداً والفرار من الموت لا يقدم الأجل ولا يؤخره :
كما قال تعالى: " إذا جاء أجلهم لا يستئخرون ساعة ولا يستقدمون " وقال تعالى عن المنافقين: " قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا " وقال سبحانه: " أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ " والكل سيموت، لكن شتان بين من يموت مقبلاً على الله تاركاً الدنيا خلفه، يقتحم المهالك والردى، يطلب الموت في مظانه ليزيل راية الشرك والكفر ويعلي راية التوحيد وينصر دين الله وبين من لا يكترث ولا يرفع بذلك رأساً ولا يهتم، فهو غارق في دنياه، لا يطلب غيرها ولا يريد سواها .
38. من نوى الجهاد وكان صادقا ثم عجز فله أجر المجاهد :
كما جاء عند مسلم من حديث أنس مالك: " من طَلَبَ الشَّهادَةَ صادِقًا أُعْطِيَها ولو لَمْ تُصِبْهُ " وحديث سهل بن حنيف عند مسلم: " مَن سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بصِدْقٍ، بَلَغَهُ اللَّهُ مَنازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ على فِرَاشِهِ " وحديث أنس بن مالك عند البخاري: " أَنَّ رَسولَ اللَّهِ رَجَعَ مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنا مِنَ المَدِينَةِ، فقالَ: إِنَّ بالمَدِينَةِ أقوامًا، ما سِرْتُمْ مَسِيرًا، ولا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كانوا معكُمْ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالمَدِينَةِ؟ قَالَ: وهُمْ بِالمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ " وحديث أبي هريرة عند مسلم: " من ماتَ ولَمْ يَغْزُ، ولَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ على شُعْبَةٍ مِن نِفاق " .
39. أن القتل في سبيل الله هو زبدة وخلاصة الايمان :
كما أخرج الضياء في الاحاديث المختارة من حديث عبد الله الخثعمي : أنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ أَيُّ الأعمال أفضل؟ قال : إيمان لا شكّ فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجَّةٌ مَبرورة قيل : فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: جُهد الْمُقِلّ. قيل : فأيُّ الهجرة أفضلُ؟ قال: من هجر ما حرم الله. قيل : فأيُّ الجهاد أفضلُ؟ قال: من جاهد المشركين بنفسه وماله. قيل فأيُّ الجهاد أشرفُ؟ قال: من أُهريق دمه، وعُقِرَ جواده " فانظر كيف جعل قتال الكفار والقتل في سبيله من افضل اعمال الايمان على
الإطلاق وجعله زبدة الاعمال .
40. أن الله يحب طلب معالي الامور ويكره سفسافها :
كما أخرج الطبراني وغيره : إنَّ الله تعالى يُحِبُّ مَعالي الأُمورِ، وأَشرافَها، ويَكرَهُ سَفْسافَها. والجهاد من أعلى الاعمال وأشرفها ، ولا يقبل عليه إلا أصحاب الهمم العالية والنفوس الشريفة الزكية، ولا ينبغي لصاحب الهمة العالية أن يرضى بما دون النجوم .
41. أن الجهاد من أحب الاعمال الى الله :
والصادق في المحبة لا يتقرب لحبيبه إلا بأحب الاشياء إليه، فكيف إذا كان المحبوب هو الله جل جلاله، وروى الترمذي والحاكم وصححه الذهبي عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فتذاكرنا وقلنا لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملناه فأنزل الله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ .
42. المجاهد في ضمان الله وكفالته من خروجه من بيته :
كما جاء عند البخاري من حديث ابي هريرة: " تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق بكلماته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه بما نال من أجر أو غنيمة " وفي رواية: (انتدب الله)، وفي رواية مسلم: (تضمن الله)، ومعنى الكفالة والضمان هنا تحقيق الموعود من الله تعالى، فإن الضمان والكفالة مؤكدان لما يضمن ويتكفل به وتحقيق ذلك من لوازمها وأخرج الترمذي وحسنه من حديث ابي هريرة: " ثلاثة حق على الله عونهم:
المجاهد في سبيل الله، والمُكاتَبُ الذي يريدُ الأداء، والناكحُ الذي يُرِيدُ العفافَ " .
43. أن الجهاد ذورة سنام الإسلام :
لحديث الترمذي وقال حسن صحيح من حديث معاذ: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. وإنما شبه الجهاد بذروة سنام البعير، لأن ذروة السنام وهي أعلاه لا يعادلها شيء من البعير، كذلك الجهاد لا يعادله شئ من أعمال الإسلام .
44. الجهاد سياحة أمة محمد :
كما روى أبو دواوود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي
وصححه الالباني في صحيح الجامع : إنَّ سياحة أمتي
الجهاد في سبيل الله تعالى . قال ابن النحاس في المشارع: " لما كانت السياحة هي السير في الأرض على سبيل الفرار من الأغيار والنظر إلى الآثار بعين الاعتبار، سمي الجهاد في سبيل الله سياحة لأنه فرار من الوجود وسير إلى المعبود على قدم الإيمان والتصديق بالموعود، ونظر للنفس بعين الإنصاف في تسليمها إلى المشتري خروجا من عالم الخلاف، وشتّان بين من هو سائر بنفسه ينزّهها، وبين من هو مجتهد
عليها ليتلفها، هذا هو السائح يقينا، والبائع نفسه بالربح
الأعظم فوزا مبينا" انتهى كلامه .
45. الجهاد باب من أبواب الجنة :
كما عند البخاري من حديث ابي هريرة: مَن أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِن شَيْءٍ مِنَ الأَشْياءِ فِي سَبيلِ اللَّهِ، دُعِيَ مِن أبواب، - يَعْنِي الجَنَّةَ - يا عَبْدَ اللَّهِ هَذا خَيْرٌ، فَمَن كَانَ مِن أهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِن بابِ الصَّلاةِ، ومَن كَانَ مِن أَهْلِ الجهادِ دُعِيَ مِن بابِ الجِهادِ، ومَن كَانَ مِن أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّدَقَةِ، ومَن كانَ مِن أَهْلِ الصَّيامِ دُعِيَ من باب الصِّيامِ، وبابِ الرَّيّانِ ، فقال أبو بَكْرٍ: ما على هذا الذي يُدعى مِن تِلكَ الأبْوابِ مِن ضَرُورَةٍ، وقال: هلْ يُدعى مِنْها كُلَّها أَحَدٌ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تكون منهم يا أبا بَكْرٍ .
46. الجهاد يذهب الله به الهم والغم :
كما أخرج الضياء والحاكم وابن حبان وصححه الالباني من حديث عبادة بن الصامت: عليكم بالجهاد في سَبيلِ اللهِ؛ فإنَّه بابٌ مِن أبواب الجنَّةِ يُذهِبُ الله به الهَمَّ والغَمَّ .
47. الجهاد من أسباب حسن الخاتمة :
وذلك أن المجاهد ينتظر الموت في كل وقت، فلا يكاد يخلو وقته من التزود لدار المعاد بالتوبة والاستغفار والتزود قبل الرحيل بسبب كثرة ذكره للموت، وهذا يوجب له حسن الخاتمة، بخلاف غيره من اهل الدنيا الذي قد يدركه الموت وهو غارق في الذنوب والآثام، ولذلك أمر النبي بالإكثار من ذكر الموت كما جاء عند الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة: أكثروا ذكر هادم اللذات .
48. بالشهادة يسبق اللاحق ويدرك السابق :
وهذه فرصة عظيمة لكل مسلم ضيع عمره في الباطل وأراد الاستدراك والسبق واللحاق بمن قد سبقه في الخير، فعليه بالجهاد وطلب الشهادة، وقد أمر الله بالسبق والمسارعة في الخير كما في قوله: " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ " وقوله: "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ " وقوله: وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " وقد ذكر سبحانه أن السابقون في الدنيا هم المقربون عند الله في الآخرة : " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ " .
49. أن الشهيد بين أمرين إما الشهادة أو النصر :
كما في قوله: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ. قال السعدي: أي: قل للمنافقين الذين يتربصون بكم الدوائر: أي شيء تربصون بنا؟ فإنكم لا تربَّصون بنا إلا أمراً فيه غاية نفعنا، وهو إحدى الحسنيين: إما الظفر بالأعداء والنصر عليهم ونيل الثواب الأخروي والدنيوي، وإما الشهادة التي هي من أعلى درجات الخَلْق وأرفع المنازل عند الله .
50. منة الشهداء على الناس أجمعين :
فأما منة الشهداء على المسلمين، فهو ما يحصل بسببهم من العز والتمكين والرفعة بالدين وإزالة الذل والهوان والعجز وأما منتهم على الكافرين فهو إنقاذهم من الخلود في النار وإخراجهم من الظلمات إلى النور .
51. أن النبي كان يدعو لأصحابه بالشهادة :
كما روى احمد وصححه الالباني في صحيح الجامع: " اللَّهمَّ اجْعَلْ فَناءَ أُمَّتِي قتلا في سبيلكَ بالطَّعنِ والطاعون " وجاء عند ابن ماجه وصححه الالباني من حديث ابن عمر : " أَنَّ رسولَ اللَّهِ رأى على عُمر قميصا أبيض فقال : ثوبُكَ هذا غسيل أم جديد؟ قال: لا، بل غسيل . قال : البَس جديدًا، وعِش حميدًا، ومت شهيدًا " .
52. المجاهد من أفضل الناس :
كما جاء عند البخاري من حديث أبي سعيد الخدري: قيل : يا رَسولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: مُؤْمِنٌ يُجاهِدُ في سَبيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، قالوا: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: مُؤْمِنٌ في شِعْبٍ مِنَ الشُّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ، ويَدَعُ النَّاسَ مِن شَرِّه .
53. الجهاد سبب الهداية وصلاح البال وتيسير الأمور :
لقوله: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ.
قال البغوي في تفسيره: (سَيَهْدِيهِمْ) أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَرْشَدِ الْأُمُورِ، وَفِي الْآخِرَةِ إِلَى الدَّرَجَاتِ، {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ يُرْضِي حُصَمَاءَهُمْ وَيَقْبَلُ أَعْمَالَهُمْ} .
54. لا يمكن دخول الجنة إلا بعد الجهاد والصبر عليه :
لقوله تعالى: " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ " وقوله : " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " وقوله: " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أخْبَارَكُمْ " .
55. الشهيد يعطي نوراً يسير به في ظلمة الصراط :
لقوله تعالى: " وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ " وذلك حين ينطفئ نور المنافقين قبل الصراط كما أخبر الله عنهم : " يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ " . ...المزيد
[2] لماذا نجاهد ؟ 31. بالجهاد نحكّم شريعة الله : وهذا مفهوم من قوله تعالى: " وَقَاتِلُوهُمْ ...
[2] لماذا نجاهد ؟
31. بالجهاد نحكّم شريعة الله :
وهذا مفهوم من قوله تعالى: " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ". إذ كيف يكون الدين، والطاعة، والانقياد لله، في ظل حكم الجاهلية؟ وكيف يكون الدين لله، في ظل علو أحكام الجاهلية من قوانين الأمم الكافرة، والدساتير الفاسدة الكفرية؟! ولا يلزم من ذلك إنكار التأني قليلًا في التطبيق لا في التشريع - حتى يتمكن المسلمون من ذلك، ولكن لا ينبغي أيضًا التساهل بترك التطبيق بدعوى عدم القدرة والتمكن حتى يؤدي ذلك مع الوقت - إلى إسقاط
تحكيم الشريعة من أساسه .
32. بالجهاد نحمي بيضة الإسلام :
وذلك أن المجاهد في الحقيقة يذب عن دين الله ويحمي
المسلمين من ورائه ولولا بقاء الجهاد لم يبق عالم يتعلم ولا عابد يتعبد، ولا آذان يرفع، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، ولعم الفساد والخراب في الارض، ولذلك يدفع الله الكفار والمشركين بالمجاهدين، كما قال تعالى: " الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٌّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ
يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " .
33. أن الجهاد تحصل به من المصالح في الدنيا والآخرة ما هو خارج عن الحصر من اتخاذ الشهداء، وتكفير الذنوب، ورفعة الدرجات، وإزالة الشرك، وإرهاب الاعداء، وردع المعتدين، وعلو الإسلام وظهوره على غيره من الأديان، وتحرير السجناء، ونصرة المستضعفين، ودحض الباطل، وتطهير الأرض من الكفار والمجرمين، وتحقيق العدل، وتحقيق الأمن، وتمييز الصفوف من المنافقين والمرتدين، وغير ذلك من المقاصد المبثوثة في النصوص كما في قوله : " وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ " وقوله: " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ " وقوله: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ " وفسرت الفتنة بالشرك، وقوله: " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ " فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله، وقوله: " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " فإرهاب العدو من مقاصد الجهاد كالتفجيرات وغيرها التي تحصل بها النكاية في العدو، وقوله: " وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سبيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا " وقوله: " وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَا تَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُون"
وقوله: "وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ "وقوله : " وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقِّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ " .
34. أن الله عقد صفقة مع المجاهدين بأن جعل الجهاد بالنفس والمال بمنزلة الثمن وجعل الجنة بمنزلة السلعة مع كونه الخالق لهم تكرماً منه سبحانه ووعد على ذلك بالجنة :
كما قال تعالى: " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ " وهذا كقوله في الآية الأخرى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " .
35. أن الجهاد يعظم أجره بحسب الاحوال العارضة فالجهاد في زمن ضعف المسلمين وقلة النصير أعظم من الجهاد في غيره : كما قال تعالى: " لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْح وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى " والمجاهد الذي يخفق ويصاب أعظم من المجاهد الذي يسلم ويغنم، كما قال تعالى: " الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ " وحديث عبدالله بن عمرو عند مسلم: " ما مِن غازِيَةٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، تَغْزُو فَتَغْنَمُ وتَسْلَمُ إِلَّا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أُجُورِهِمْ، وما مِن غازِيَةٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، تُخْفِقُ وتُصابُ، إِلَّا تَمَّ أُجُورُهُمْ " والجهاد في زمن الفتن والشدة أعظم من الجهاد في غيره، كما جاء عند الترمذي من حديث أبي ثعلبة الخشني: " فإنَّ من ورائِكُم أَيّامًا، الصَّبِرُ فِيهِنَّ مِثلُ القَبْضِ على الجَمْرِ لِلعَامِلِ فِيهِنَّ مِثلُ أَجْرِ خَمْسِينَ
رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثلَ عَمَلِكُمْ " .
36. أنه قد ثبت للحور العين للشهيد ما لم يثبت لغيره من المسلمين تكرماً من الله وفضلاً منه سبحانه للشهيد :
وأقل ما جاء لكل مسلم في الجنة هو زوجتان من الحور العين كما جاء عند مسلم من حديث أبي سعيد الخدري: " إِنَّ أَدْنى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً... إلى أن قال: ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ، فَتَدْخُلُ عليه زَوْجَتاهُ مِنَ الحُورِ العِينِ.. وجاء ذكر (الاهل) دون التحديد بعدد معين في حديث أبي موسى الأشعري عند البخاري: " إِنَّ فِي الجَنَّةِ خَيْمَةٌ لُؤْلُؤًةٍ مُجَوَّفَةٍ عَرْضُها سِتُّونَ مِيلًا، في كُلِّ زاوِيَةٍ مِنْها أَهْلُ ما يَرَوْنَ الآخَرِينَ، يَطُوفُ عَلَيهِمُ المُؤْمِنُونَ، وجَنَّتَانِ مِن فِضَّةٍ؛ آنِيَتُهُما وما فيهما، وجَنَّتَانِ من
گذا؛ آنِيَتُهُما وما فيهما، وما بينَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى
رَبِّهِمْ إِلَّا رِداءُ الكِبْرِ على وَجْهِهِ في جَنَّةِ عَدْنٍ " ولم يأتي التصريح بالعدد في غير الشهيد كما جاء عند الترمذي بإسناد صحيح من حديث المقدام بن معد يكرب : " للشهيد عند الله ست خصال..وذكر منها: ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين " .
37. أن الأعمار والآجال مقدرة ومكتوبة بيد الله ولا يعلم الإنسان هل سيموت اليوم أو غداً والفرار من الموت لا يقدم الأجل ولا يؤخره :
كما قال تعالى: " إذا جاء أجلهم لا يستئخرون ساعة ولا يستقدمون " وقال تعالى عن المنافقين: " قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا " وقال سبحانه: " أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ " والكل سيموت، لكن شتان بين من يموت مقبلاً على الله تاركاً الدنيا خلفه، يقتحم المهالك والردى، يطلب الموت في مظانه ليزيل راية الشرك والكفر ويعلي راية التوحيد وينصر دين الله وبين من لا يكترث ولا يرفع بذلك رأساً ولا يهتم، فهو غارق في دنياه، لا يطلب غيرها ولا يريد سواها .
38. من نوى الجهاد وكان صادقا ثم عجز فله أجر المجاهد :
كما جاء عند مسلم من حديث أنس مالك: " من طَلَبَ الشَّهادَةَ صادِقًا أُعْطِيَها ولو لَمْ تُصِبْهُ " وحديث سهل بن حنيف عند مسلم: " مَن سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بصِدْقٍ، بَلَغَهُ اللَّهُ مَنازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ على فِرَاشِهِ " وحديث أنس بن مالك عند البخاري: " أَنَّ رَسولَ اللَّهِ رَجَعَ مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنا مِنَ المَدِينَةِ، فقالَ: إِنَّ بالمَدِينَةِ أقوامًا، ما سِرْتُمْ مَسِيرًا، ولا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كانوا معكُمْ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالمَدِينَةِ؟ قَالَ: وهُمْ بِالمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ " وحديث أبي هريرة عند مسلم: " من ماتَ ولَمْ يَغْزُ، ولَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ على شُعْبَةٍ مِن نِفاق " .
39. أن القتل في سبيل الله هو زبدة وخلاصة الايمان :
كما أخرج الضياء في الاحاديث المختارة من حديث عبد الله الخثعمي : أنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ أَيُّ الأعمال أفضل؟ قال : إيمان لا شكّ فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجَّةٌ مَبرورة قيل : فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: جُهد الْمُقِلّ. قيل : فأيُّ الهجرة أفضلُ؟ قال: من هجر ما حرم الله. قيل : فأيُّ الجهاد أفضلُ؟ قال: من جاهد المشركين بنفسه وماله. قيل فأيُّ الجهاد أشرفُ؟ قال: من أُهريق دمه، وعُقِرَ جواده " فانظر كيف جعل قتال الكفار والقتل في سبيله من افضل اعمال الايمان على
الإطلاق وجعله زبدة الاعمال .
40. أن الله يحب طلب معالي الامور ويكره سفسافها :
كما أخرج الطبراني وغيره : إنَّ الله تعالى يُحِبُّ مَعالي الأُمورِ، وأَشرافَها، ويَكرَهُ سَفْسافَها. والجهاد من أعلى الاعمال وأشرفها ، ولا يقبل عليه إلا أصحاب الهمم العالية والنفوس الشريفة الزكية، ولا ينبغي لصاحب الهمة العالية أن يرضى بما دون النجوم .
41. أن الجهاد من أحب الاعمال الى الله :
والصادق في المحبة لا يتقرب لحبيبه إلا بأحب الاشياء إليه، فكيف إذا كان المحبوب هو الله جل جلاله، وروى الترمذي والحاكم وصححه الذهبي عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فتذاكرنا وقلنا لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملناه فأنزل الله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ .
42. المجاهد في ضمان الله وكفالته من خروجه من بيته :
كما جاء عند البخاري من حديث ابي هريرة: " تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق بكلماته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه بما نال من أجر أو غنيمة " وفي رواية: (انتدب الله)، وفي رواية مسلم: (تضمن الله)، ومعنى الكفالة والضمان هنا تحقيق الموعود من الله تعالى، فإن الضمان والكفالة مؤكدان لما يضمن ويتكفل به وتحقيق ذلك من لوازمها وأخرج الترمذي وحسنه من حديث ابي هريرة: " ثلاثة حق على الله عونهم:
المجاهد في سبيل الله، والمُكاتَبُ الذي يريدُ الأداء، والناكحُ الذي يُرِيدُ العفافَ " .
43. أن الجهاد ذورة سنام الإسلام :
لحديث الترمذي وقال حسن صحيح من حديث معاذ: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. وإنما شبه الجهاد بذروة سنام البعير، لأن ذروة السنام وهي أعلاه لا يعادلها شيء من البعير، كذلك الجهاد لا يعادله شئ من أعمال الإسلام .
44. الجهاد سياحة أمة محمد :
كما روى أبو دواوود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي
وصححه الالباني في صحيح الجامع : إنَّ سياحة أمتي
الجهاد في سبيل الله تعالى . قال ابن النحاس في المشارع: " لما كانت السياحة هي السير في الأرض على سبيل الفرار من الأغيار والنظر إلى الآثار بعين الاعتبار، سمي الجهاد في سبيل الله سياحة لأنه فرار من الوجود وسير إلى المعبود على قدم الإيمان والتصديق بالموعود، ونظر للنفس بعين الإنصاف في تسليمها إلى المشتري خروجا من عالم الخلاف، وشتّان بين من هو سائر بنفسه ينزّهها، وبين من هو مجتهد
عليها ليتلفها، هذا هو السائح يقينا، والبائع نفسه بالربح
الأعظم فوزا مبينا" انتهى كلامه .
45. الجهاد باب من أبواب الجنة :
كما عند البخاري من حديث ابي هريرة: مَن أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِن شَيْءٍ مِنَ الأَشْياءِ فِي سَبيلِ اللَّهِ، دُعِيَ مِن أبواب، - يَعْنِي الجَنَّةَ - يا عَبْدَ اللَّهِ هَذا خَيْرٌ، فَمَن كَانَ مِن أهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِن بابِ الصَّلاةِ، ومَن كَانَ مِن أَهْلِ الجهادِ دُعِيَ مِن بابِ الجِهادِ، ومَن كَانَ مِن أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّدَقَةِ، ومَن كانَ مِن أَهْلِ الصَّيامِ دُعِيَ من باب الصِّيامِ، وبابِ الرَّيّانِ ، فقال أبو بَكْرٍ: ما على هذا الذي يُدعى مِن تِلكَ الأبْوابِ مِن ضَرُورَةٍ، وقال: هلْ يُدعى مِنْها كُلَّها أَحَدٌ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تكون منهم يا أبا بَكْرٍ .
46. الجهاد يذهب الله به الهم والغم :
كما أخرج الضياء والحاكم وابن حبان وصححه الالباني من حديث عبادة بن الصامت: عليكم بالجهاد في سَبيلِ اللهِ؛ فإنَّه بابٌ مِن أبواب الجنَّةِ يُذهِبُ الله به الهَمَّ والغَمَّ .
47. الجهاد من أسباب حسن الخاتمة :
وذلك أن المجاهد ينتظر الموت في كل وقت، فلا يكاد يخلو وقته من التزود لدار المعاد بالتوبة والاستغفار والتزود قبل الرحيل بسبب كثرة ذكره للموت، وهذا يوجب له حسن الخاتمة، بخلاف غيره من اهل الدنيا الذي قد يدركه الموت وهو غارق في الذنوب والآثام، ولذلك أمر النبي بالإكثار من ذكر الموت كما جاء عند الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة: أكثروا ذكر هادم اللذات .
48. بالشهادة يسبق اللاحق ويدرك السابق :
وهذه فرصة عظيمة لكل مسلم ضيع عمره في الباطل وأراد الاستدراك والسبق واللحاق بمن قد سبقه في الخير، فعليه بالجهاد وطلب الشهادة، وقد أمر الله بالسبق والمسارعة في الخير كما في قوله: " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ " وقوله: "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ " وقوله: وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " وقد ذكر سبحانه أن السابقون في الدنيا هم المقربون عند الله في الآخرة : " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ " .
49. أن الشهيد بين أمرين إما الشهادة أو النصر :
كما في قوله: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ. قال السعدي: أي: قل للمنافقين الذين يتربصون بكم الدوائر: أي شيء تربصون بنا؟ فإنكم لا تربَّصون بنا إلا أمراً فيه غاية نفعنا، وهو إحدى الحسنيين: إما الظفر بالأعداء والنصر عليهم ونيل الثواب الأخروي والدنيوي، وإما الشهادة التي هي من أعلى درجات الخَلْق وأرفع المنازل عند الله .
50. منة الشهداء على الناس أجمعين :
فأما منة الشهداء على المسلمين، فهو ما يحصل بسببهم من العز والتمكين والرفعة بالدين وإزالة الذل والهوان والعجز وأما منتهم على الكافرين فهو إنقاذهم من الخلود في النار وإخراجهم من الظلمات إلى النور .
51. أن النبي كان يدعو لأصحابه بالشهادة :
كما روى احمد وصححه الالباني في صحيح الجامع: " اللَّهمَّ اجْعَلْ فَناءَ أُمَّتِي قتلا في سبيلكَ بالطَّعنِ والطاعون " وجاء عند ابن ماجه وصححه الالباني من حديث ابن عمر : " أَنَّ رسولَ اللَّهِ رأى على عُمر قميصا أبيض فقال : ثوبُكَ هذا غسيل أم جديد؟ قال: لا، بل غسيل . قال : البَس جديدًا، وعِش حميدًا، ومت شهيدًا " .
52. المجاهد من أفضل الناس :
كما جاء عند البخاري من حديث أبي سعيد الخدري: قيل : يا رَسولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: مُؤْمِنٌ يُجاهِدُ في سَبيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، قالوا: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: مُؤْمِنٌ في شِعْبٍ مِنَ الشُّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ، ويَدَعُ النَّاسَ مِن شَرِّه .
53. الجهاد سبب الهداية وصلاح البال وتيسير الأمور :
لقوله: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ.
قال البغوي في تفسيره: (سَيَهْدِيهِمْ) أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَرْشَدِ الْأُمُورِ، وَفِي الْآخِرَةِ إِلَى الدَّرَجَاتِ، {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ يُرْضِي حُصَمَاءَهُمْ وَيَقْبَلُ أَعْمَالَهُمْ} .
54. لا يمكن دخول الجنة إلا بعد الجهاد والصبر عليه :
لقوله تعالى: " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ " وقوله : " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " وقوله: " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أخْبَارَكُمْ " .
55. الشهيد يعطي نوراً يسير به في ظلمة الصراط :
لقوله تعالى: " وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ " وذلك حين ينطفئ نور المنافقين قبل الصراط كما أخبر الله عنهم : " يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ " . ...المزيد
31. بالجهاد نحكّم شريعة الله :
وهذا مفهوم من قوله تعالى: " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ". إذ كيف يكون الدين، والطاعة، والانقياد لله، في ظل حكم الجاهلية؟ وكيف يكون الدين لله، في ظل علو أحكام الجاهلية من قوانين الأمم الكافرة، والدساتير الفاسدة الكفرية؟! ولا يلزم من ذلك إنكار التأني قليلًا في التطبيق لا في التشريع - حتى يتمكن المسلمون من ذلك، ولكن لا ينبغي أيضًا التساهل بترك التطبيق بدعوى عدم القدرة والتمكن حتى يؤدي ذلك مع الوقت - إلى إسقاط
تحكيم الشريعة من أساسه .
32. بالجهاد نحمي بيضة الإسلام :
وذلك أن المجاهد في الحقيقة يذب عن دين الله ويحمي
المسلمين من ورائه ولولا بقاء الجهاد لم يبق عالم يتعلم ولا عابد يتعبد، ولا آذان يرفع، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، ولعم الفساد والخراب في الارض، ولذلك يدفع الله الكفار والمشركين بالمجاهدين، كما قال تعالى: " الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٌّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ
يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " .
33. أن الجهاد تحصل به من المصالح في الدنيا والآخرة ما هو خارج عن الحصر من اتخاذ الشهداء، وتكفير الذنوب، ورفعة الدرجات، وإزالة الشرك، وإرهاب الاعداء، وردع المعتدين، وعلو الإسلام وظهوره على غيره من الأديان، وتحرير السجناء، ونصرة المستضعفين، ودحض الباطل، وتطهير الأرض من الكفار والمجرمين، وتحقيق العدل، وتحقيق الأمن، وتمييز الصفوف من المنافقين والمرتدين، وغير ذلك من المقاصد المبثوثة في النصوص كما في قوله : " وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ " وقوله: " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ " وقوله: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ " وفسرت الفتنة بالشرك، وقوله: " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ " فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله، وقوله: " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " فإرهاب العدو من مقاصد الجهاد كالتفجيرات وغيرها التي تحصل بها النكاية في العدو، وقوله: " وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سبيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا " وقوله: " وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَا تَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُون"
وقوله: "وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ "وقوله : " وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقِّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ " .
34. أن الله عقد صفقة مع المجاهدين بأن جعل الجهاد بالنفس والمال بمنزلة الثمن وجعل الجنة بمنزلة السلعة مع كونه الخالق لهم تكرماً منه سبحانه ووعد على ذلك بالجنة :
كما قال تعالى: " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ " وهذا كقوله في الآية الأخرى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " .
35. أن الجهاد يعظم أجره بحسب الاحوال العارضة فالجهاد في زمن ضعف المسلمين وقلة النصير أعظم من الجهاد في غيره : كما قال تعالى: " لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْح وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى " والمجاهد الذي يخفق ويصاب أعظم من المجاهد الذي يسلم ويغنم، كما قال تعالى: " الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ " وحديث عبدالله بن عمرو عند مسلم: " ما مِن غازِيَةٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، تَغْزُو فَتَغْنَمُ وتَسْلَمُ إِلَّا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أُجُورِهِمْ، وما مِن غازِيَةٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، تُخْفِقُ وتُصابُ، إِلَّا تَمَّ أُجُورُهُمْ " والجهاد في زمن الفتن والشدة أعظم من الجهاد في غيره، كما جاء عند الترمذي من حديث أبي ثعلبة الخشني: " فإنَّ من ورائِكُم أَيّامًا، الصَّبِرُ فِيهِنَّ مِثلُ القَبْضِ على الجَمْرِ لِلعَامِلِ فِيهِنَّ مِثلُ أَجْرِ خَمْسِينَ
رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثلَ عَمَلِكُمْ " .
36. أنه قد ثبت للحور العين للشهيد ما لم يثبت لغيره من المسلمين تكرماً من الله وفضلاً منه سبحانه للشهيد :
وأقل ما جاء لكل مسلم في الجنة هو زوجتان من الحور العين كما جاء عند مسلم من حديث أبي سعيد الخدري: " إِنَّ أَدْنى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً... إلى أن قال: ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ، فَتَدْخُلُ عليه زَوْجَتاهُ مِنَ الحُورِ العِينِ.. وجاء ذكر (الاهل) دون التحديد بعدد معين في حديث أبي موسى الأشعري عند البخاري: " إِنَّ فِي الجَنَّةِ خَيْمَةٌ لُؤْلُؤًةٍ مُجَوَّفَةٍ عَرْضُها سِتُّونَ مِيلًا، في كُلِّ زاوِيَةٍ مِنْها أَهْلُ ما يَرَوْنَ الآخَرِينَ، يَطُوفُ عَلَيهِمُ المُؤْمِنُونَ، وجَنَّتَانِ مِن فِضَّةٍ؛ آنِيَتُهُما وما فيهما، وجَنَّتَانِ من
گذا؛ آنِيَتُهُما وما فيهما، وما بينَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى
رَبِّهِمْ إِلَّا رِداءُ الكِبْرِ على وَجْهِهِ في جَنَّةِ عَدْنٍ " ولم يأتي التصريح بالعدد في غير الشهيد كما جاء عند الترمذي بإسناد صحيح من حديث المقدام بن معد يكرب : " للشهيد عند الله ست خصال..وذكر منها: ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين " .
37. أن الأعمار والآجال مقدرة ومكتوبة بيد الله ولا يعلم الإنسان هل سيموت اليوم أو غداً والفرار من الموت لا يقدم الأجل ولا يؤخره :
كما قال تعالى: " إذا جاء أجلهم لا يستئخرون ساعة ولا يستقدمون " وقال تعالى عن المنافقين: " قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا " وقال سبحانه: " أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ " والكل سيموت، لكن شتان بين من يموت مقبلاً على الله تاركاً الدنيا خلفه، يقتحم المهالك والردى، يطلب الموت في مظانه ليزيل راية الشرك والكفر ويعلي راية التوحيد وينصر دين الله وبين من لا يكترث ولا يرفع بذلك رأساً ولا يهتم، فهو غارق في دنياه، لا يطلب غيرها ولا يريد سواها .
38. من نوى الجهاد وكان صادقا ثم عجز فله أجر المجاهد :
كما جاء عند مسلم من حديث أنس مالك: " من طَلَبَ الشَّهادَةَ صادِقًا أُعْطِيَها ولو لَمْ تُصِبْهُ " وحديث سهل بن حنيف عند مسلم: " مَن سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بصِدْقٍ، بَلَغَهُ اللَّهُ مَنازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ على فِرَاشِهِ " وحديث أنس بن مالك عند البخاري: " أَنَّ رَسولَ اللَّهِ رَجَعَ مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنا مِنَ المَدِينَةِ، فقالَ: إِنَّ بالمَدِينَةِ أقوامًا، ما سِرْتُمْ مَسِيرًا، ولا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كانوا معكُمْ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالمَدِينَةِ؟ قَالَ: وهُمْ بِالمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ " وحديث أبي هريرة عند مسلم: " من ماتَ ولَمْ يَغْزُ، ولَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ على شُعْبَةٍ مِن نِفاق " .
39. أن القتل في سبيل الله هو زبدة وخلاصة الايمان :
كما أخرج الضياء في الاحاديث المختارة من حديث عبد الله الخثعمي : أنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ أَيُّ الأعمال أفضل؟ قال : إيمان لا شكّ فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجَّةٌ مَبرورة قيل : فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: جُهد الْمُقِلّ. قيل : فأيُّ الهجرة أفضلُ؟ قال: من هجر ما حرم الله. قيل : فأيُّ الجهاد أفضلُ؟ قال: من جاهد المشركين بنفسه وماله. قيل فأيُّ الجهاد أشرفُ؟ قال: من أُهريق دمه، وعُقِرَ جواده " فانظر كيف جعل قتال الكفار والقتل في سبيله من افضل اعمال الايمان على
الإطلاق وجعله زبدة الاعمال .
40. أن الله يحب طلب معالي الامور ويكره سفسافها :
كما أخرج الطبراني وغيره : إنَّ الله تعالى يُحِبُّ مَعالي الأُمورِ، وأَشرافَها، ويَكرَهُ سَفْسافَها. والجهاد من أعلى الاعمال وأشرفها ، ولا يقبل عليه إلا أصحاب الهمم العالية والنفوس الشريفة الزكية، ولا ينبغي لصاحب الهمة العالية أن يرضى بما دون النجوم .
41. أن الجهاد من أحب الاعمال الى الله :
والصادق في المحبة لا يتقرب لحبيبه إلا بأحب الاشياء إليه، فكيف إذا كان المحبوب هو الله جل جلاله، وروى الترمذي والحاكم وصححه الذهبي عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فتذاكرنا وقلنا لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملناه فأنزل الله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ .
42. المجاهد في ضمان الله وكفالته من خروجه من بيته :
كما جاء عند البخاري من حديث ابي هريرة: " تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق بكلماته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه بما نال من أجر أو غنيمة " وفي رواية: (انتدب الله)، وفي رواية مسلم: (تضمن الله)، ومعنى الكفالة والضمان هنا تحقيق الموعود من الله تعالى، فإن الضمان والكفالة مؤكدان لما يضمن ويتكفل به وتحقيق ذلك من لوازمها وأخرج الترمذي وحسنه من حديث ابي هريرة: " ثلاثة حق على الله عونهم:
المجاهد في سبيل الله، والمُكاتَبُ الذي يريدُ الأداء، والناكحُ الذي يُرِيدُ العفافَ " .
43. أن الجهاد ذورة سنام الإسلام :
لحديث الترمذي وقال حسن صحيح من حديث معاذ: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. وإنما شبه الجهاد بذروة سنام البعير، لأن ذروة السنام وهي أعلاه لا يعادلها شيء من البعير، كذلك الجهاد لا يعادله شئ من أعمال الإسلام .
44. الجهاد سياحة أمة محمد :
كما روى أبو دواوود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي
وصححه الالباني في صحيح الجامع : إنَّ سياحة أمتي
الجهاد في سبيل الله تعالى . قال ابن النحاس في المشارع: " لما كانت السياحة هي السير في الأرض على سبيل الفرار من الأغيار والنظر إلى الآثار بعين الاعتبار، سمي الجهاد في سبيل الله سياحة لأنه فرار من الوجود وسير إلى المعبود على قدم الإيمان والتصديق بالموعود، ونظر للنفس بعين الإنصاف في تسليمها إلى المشتري خروجا من عالم الخلاف، وشتّان بين من هو سائر بنفسه ينزّهها، وبين من هو مجتهد
عليها ليتلفها، هذا هو السائح يقينا، والبائع نفسه بالربح
الأعظم فوزا مبينا" انتهى كلامه .
45. الجهاد باب من أبواب الجنة :
كما عند البخاري من حديث ابي هريرة: مَن أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِن شَيْءٍ مِنَ الأَشْياءِ فِي سَبيلِ اللَّهِ، دُعِيَ مِن أبواب، - يَعْنِي الجَنَّةَ - يا عَبْدَ اللَّهِ هَذا خَيْرٌ، فَمَن كَانَ مِن أهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِن بابِ الصَّلاةِ، ومَن كَانَ مِن أَهْلِ الجهادِ دُعِيَ مِن بابِ الجِهادِ، ومَن كَانَ مِن أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّدَقَةِ، ومَن كانَ مِن أَهْلِ الصَّيامِ دُعِيَ من باب الصِّيامِ، وبابِ الرَّيّانِ ، فقال أبو بَكْرٍ: ما على هذا الذي يُدعى مِن تِلكَ الأبْوابِ مِن ضَرُورَةٍ، وقال: هلْ يُدعى مِنْها كُلَّها أَحَدٌ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تكون منهم يا أبا بَكْرٍ .
46. الجهاد يذهب الله به الهم والغم :
كما أخرج الضياء والحاكم وابن حبان وصححه الالباني من حديث عبادة بن الصامت: عليكم بالجهاد في سَبيلِ اللهِ؛ فإنَّه بابٌ مِن أبواب الجنَّةِ يُذهِبُ الله به الهَمَّ والغَمَّ .
47. الجهاد من أسباب حسن الخاتمة :
وذلك أن المجاهد ينتظر الموت في كل وقت، فلا يكاد يخلو وقته من التزود لدار المعاد بالتوبة والاستغفار والتزود قبل الرحيل بسبب كثرة ذكره للموت، وهذا يوجب له حسن الخاتمة، بخلاف غيره من اهل الدنيا الذي قد يدركه الموت وهو غارق في الذنوب والآثام، ولذلك أمر النبي بالإكثار من ذكر الموت كما جاء عند الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة: أكثروا ذكر هادم اللذات .
48. بالشهادة يسبق اللاحق ويدرك السابق :
وهذه فرصة عظيمة لكل مسلم ضيع عمره في الباطل وأراد الاستدراك والسبق واللحاق بمن قد سبقه في الخير، فعليه بالجهاد وطلب الشهادة، وقد أمر الله بالسبق والمسارعة في الخير كما في قوله: " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ " وقوله: "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ " وقوله: وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " وقد ذكر سبحانه أن السابقون في الدنيا هم المقربون عند الله في الآخرة : " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ " .
49. أن الشهيد بين أمرين إما الشهادة أو النصر :
كما في قوله: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ. قال السعدي: أي: قل للمنافقين الذين يتربصون بكم الدوائر: أي شيء تربصون بنا؟ فإنكم لا تربَّصون بنا إلا أمراً فيه غاية نفعنا، وهو إحدى الحسنيين: إما الظفر بالأعداء والنصر عليهم ونيل الثواب الأخروي والدنيوي، وإما الشهادة التي هي من أعلى درجات الخَلْق وأرفع المنازل عند الله .
50. منة الشهداء على الناس أجمعين :
فأما منة الشهداء على المسلمين، فهو ما يحصل بسببهم من العز والتمكين والرفعة بالدين وإزالة الذل والهوان والعجز وأما منتهم على الكافرين فهو إنقاذهم من الخلود في النار وإخراجهم من الظلمات إلى النور .
51. أن النبي كان يدعو لأصحابه بالشهادة :
كما روى احمد وصححه الالباني في صحيح الجامع: " اللَّهمَّ اجْعَلْ فَناءَ أُمَّتِي قتلا في سبيلكَ بالطَّعنِ والطاعون " وجاء عند ابن ماجه وصححه الالباني من حديث ابن عمر : " أَنَّ رسولَ اللَّهِ رأى على عُمر قميصا أبيض فقال : ثوبُكَ هذا غسيل أم جديد؟ قال: لا، بل غسيل . قال : البَس جديدًا، وعِش حميدًا، ومت شهيدًا " .
52. المجاهد من أفضل الناس :
كما جاء عند البخاري من حديث أبي سعيد الخدري: قيل : يا رَسولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: مُؤْمِنٌ يُجاهِدُ في سَبيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، قالوا: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: مُؤْمِنٌ في شِعْبٍ مِنَ الشُّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ، ويَدَعُ النَّاسَ مِن شَرِّه .
53. الجهاد سبب الهداية وصلاح البال وتيسير الأمور :
لقوله: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ.
قال البغوي في تفسيره: (سَيَهْدِيهِمْ) أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَرْشَدِ الْأُمُورِ، وَفِي الْآخِرَةِ إِلَى الدَّرَجَاتِ، {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ يُرْضِي حُصَمَاءَهُمْ وَيَقْبَلُ أَعْمَالَهُمْ} .
54. لا يمكن دخول الجنة إلا بعد الجهاد والصبر عليه :
لقوله تعالى: " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ " وقوله : " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " وقوله: " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أخْبَارَكُمْ " .
55. الشهيد يعطي نوراً يسير به في ظلمة الصراط :
لقوله تعالى: " وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ " وذلك حين ينطفئ نور المنافقين قبل الصراط كما أخبر الله عنهم : " يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ " . ...المزيد
[1] لماذا نجاهد ؟ 1. الجهاد سبب لتكفير جميع الذنوب : لقوله تعالى: " فَالَّذِينَ هَاجَرُوا ...
[1] لماذا نجاهد ؟
1. الجهاد سبب لتكفير جميع الذنوب :
لقوله تعالى: " فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ " وقوله : " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " وقوله : " وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا " وقوله: " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أولي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " وجاء عند مسلم من حديث عبد الله بن عمرو: " يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْن " وجاء عند الترمذي بإسناد حسن صحيح من حديث المقدام بن
معد يكرب: للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة...
2. الجهاد سبب النجاة من النار :
لقوله تعالى: " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ " وحديث أبو عبس عند البخاري :
" ما اغْبَرَّتْ قَدَما عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَمَسَّهُ النار " وحديث أبو هريرة عند الترمذي بإسناد حسن : " لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبَنُ في الشَّرعِ ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنَّمَ " وحديث أبو هريرة عند مسلم: " لا يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وقاتِلُهُ في النَّارِ أَبَدًا " وحديث ابن عباس عند الترمذي بإسناد حسن: عينانِ لا تمَسَّهما النَّارُ: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله .
3. الجهاد سبب دخول الجنة :
لقوله تعالى : " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ " وقوله : " لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " وقوله : " إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ " وقوله : " وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ " وجاء عند الترمذي بإسناد من حسن من حديث أبي هريرة : " من قاتل في سبيل الله فواقَ ناقةٍ وجبت له الجنةُ " وجاء عند البخاري حدیث عبدالله بن أبي أوفى : " واعْلَمُوا أنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ " وحديث أبي هريرة عند مسلم : " تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَن خَرَجَ فِي سَبيلِهِ، لا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهادًا في سَبيلي، وإيمانًا بي وتَصْدِيقًا برُسُلِي فَهُو عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أَوْ أَرْجِعَهُ إِلى مَسْكَنِهِ الذي خَرَجَ منه نائِلًا ما نالَ مِن أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ " .
4. الشهادة سبب الوقاية من فتنة وعذاب القبر :
لما جاء عند مسلم من حديث سلمان الفارسي : " رِباطُ يَومٍ ولَيْلَةٍ خَيْرٌ مِن صِيامِ شَهْرٍ وقِيامِهِ، وإن مات جرى عليه عَمَلُهُ الذي كانَ يَعْمَلُهُ، وأُجْرِيَ عليه رِزْقُهُ، وأَمِنَ الفَتَانَ " وجاء عند الترمذي بإسناد صحيح من حديث المقدام بن معد يكرب :
" للشهيد عند الله ست خصال... وذكر منها ويجار من عذاب القبر .
5. الشهادة سبب الوقاية من الفزع الأكبر يوم القيامة :
قال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَرْعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ " والمجاهد الشهيد لا شك أنه أولى الناس ممن سبقت لهم الحسنى في الدنيا، وجاء عند الترمذي بإسناد صحيح من حديث المقدام بن معد يكرب : " للشهيد عند الله ست خصال.. وذكر منها: ويأمن من الفزع الأكبر وجاء عند ابن ماجه وصححه الالباني من حديث ابي هريرة :
" من مات مرابطًا في سبيل الله أجرى عليْهِ أَجرَ عملِهِ الصّالحِ الَّذي كان يعملُ وأجرى عليْهِ رزقه وأمن من الفتّانِ وبعثَهُ اللَّهُ يومَ القيامة آمنا من الفرع "واختلفوا في تفسير الفزع الأكبر، فقيل: هي النار حين تنطبق على أهلها، وقيل: هو الموت حين يذبح بين الجنة والنار، وقيل: هو العرض على النار، وقيل: هي النفخة في الصور .
6. الشهيد يشفع يوم القيامة لسبعين من أهله :
لما جاء عند الترمذي بإسناد صحيح من حديث المقدام بن معد يكرب : " للشهيد عند الله ست خصال.. وذكر منها: ويشفع في سبعين من أقاربه " وجاء عند ابي داوود وصححه ابن حبان والالباني من حديث أبي الدرداء: " يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته .
7. أن الشهيد درجته في الجنة بعد درجة النبوة :
قال تعالى: " وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا " وجاء عند ابن حبان من حديث عتبة السلمي : " القتلى ثلاثة: رجل مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتّى إذا لقي العدوّ قاتلهم حتى يُقتَلَ فذلك الشَّهيدُ الممتحَنُ في خيمةِ اللهِ تحت عرشه ولا يفضُلُه النَّبيُّون إلّا بفضل درجةِ النُّبوَّةِ " .
8. الجهاد هو طاعة وامتثال لأمر الله ورسوله :
لقوله تعالى: " فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ " وقوله: " فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلِّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا " وقوله: " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " وقوله: " وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا " وقوله: " قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ " وقوله : " وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " وقوله: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةٌ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ "
وقوله : " وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ " وقوله: " يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ " والخطاب للنبي خطاب لأمته، وجاء عند أبي داوود وغيره بإسناد صحيح من حديث أنس بن مالك: " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " .
9. المجاهدين أولى الناس وأحقهم برحمة الله :
لقوله تعالى: " إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله " وقوله: " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةٌ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " وقوله : " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ
وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ " .
10. المجاهدين هم أحباب الله :
لقوله تعالى: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ " وقوله: " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " .
11. غاية كل مسلم هو الفوز بالجنة والنجاة من النار :
والمجاهد قد فاز بذلك بل وأكثر من ذلك من الطمأنينة والراحة وما يحصل له من الغنائم والرزق في الدنيا والأمن وانتفاء الخوف والحزن في الآخرة ثم النعيم المقيم كما في قوله تعالى: " فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ " والمجاهد قد فاز بذلك في قوله: " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " .
12. المجاهدين هم أول الناس دخولا في الطائفة المنصورة :
لحديث جابر بن سمرة عند مسلم : " لَنْ يَبْرَحَ هذا الدِّينُ قائِمًا، يُقاتِلُ عليه عِصابَةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ " وحديث المغيرة بن شعبة عند البخاري: " لا يَزالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي ظَاهِرِينَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وهُمْ ظَاهِرُونَ " .
13. أجور المجاهد عظيمة ومضاعفة بأضعاف كثيرة :
كما قال تعالى: " وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا " وقوله: " الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ " وجاء عند البخاري من حديث البراء بن عازب:
" أَتي النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بالحَدِيدِ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أُقاتِلُ أَوْ أَسْلِمُ؟ قال: أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ، فَقُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: عَمِلَ قَلِيلًا، وأُجِرَ كَثِيرًا " وجاء من حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داوود وأصلحه: " قفلةٌ كغَزوة " أي رجوع المجاهد بعد انتهاء المهمة تساوي غزوة في الأجر وقوله: " ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة " وقوله: " مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " وحديث خريم بن فاتك عند الترمذي بإسناد حسن " من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف " وأخرج الضياء من حديث عثمان : " يَوْمٌ في سَبيلِ اللهِ خَيْرٌ مِن أَلْفِ يَوْمٍ فيما سواه " أي أن جهاد يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه، وذلك يشمل مكة والمدينة، وجاء عند مسلم من حديث أبي هريرة : " قيل للنبي : ما يَعْدِلُ الجِهَادَ في سَبيلِ اللهِ؟ قال: لا تَسْتَطِيعُونَهُ قالَ: فأعادوا عليه مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلانَّا كُلُّ ذلك يقولُ : لا تَسْتَطِيعُونَهُ، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: مَثَلُ المُجاهِدِ فِي سَبيلِ اللهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ القَائِمِ القَانِتِ بآياتِ اللهِ لا يَفْتُرُ مِن صِيامٍ، وَلا صَلاةٍ، حَتَّى يَرْجِعَ المُجاهِدُ في سَبيلِ اللهِ تعالى " وجاء عند الترمذي بإسناد حسن من حديث أبي هريرة:
" مقام أحدكم في سبيل الله أفضلُ منْ صلاتِهِ في بيته سبعين عام " وأخرج احمد والنسائي وصححه ابن حجر وغيره من حديث كعب بن مرة : " من بلغ العدو سهمًا رفعه الله درجةً، فقال عبد الرحمن بن أُمِّ النَّحَامِ: وما الدرجة يا رسول الله؟ قال: أما إنها ليست بعَتَبةِ أُمِّكِ ولكن ما بين الدرجتين مائة عام " .
14. أن دم المجاهد يأتي يوم القيامة كهيئته يشهد لصاحبه :
كما جاء عند البخاري من حديث ابي هريرة: " والذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ في سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَن يُكْلَمُ في سَبيلِهِ إِلَّا جَاءَ يَومَ القِيامَةِ، وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، والرِّيحُ رِيحُ المِسْكِ " أي يكونُ يوم القيامة على حالته التي جُرح به في الدُّنيا عندما طُعِنَ، يَسِيلُ ويَتفَجَّرُ منها الدَّمُ، ولكنَّ هذا الدَّمَ وإنْ كان لَوْنُهُ لَوْنَ الدَّمِ إِلَّا أَنَّ عَرْفَه -يعني: رائحته - تكونُ طَيِّبةً مِثل رائحةِ المِسْكِ. وقيل : الحِكمةُ في كَونِ الدَّمِ يَأتي يومَ القِيامة على هيئتِه أَنَّه يَشْهَدُ لِصاحِبِه بفَضْلِه، وعلى قاتله بفعله، وفائدة رائحته الطَّيِّبة أن تنتشر في أهل الموقف إظهارًا لفضيلته أيضًا، ومِن ثَمَّ لَم يُشْرَعْ غَسْلُ شَهِيدِ المعركة .
15. الجهاد سبب لحصول خيرات الدنيا والآخرة :
قال تعالى : " كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " وقوله: " لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " وقوله: " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ " .
16. أن الله فضل المجاهدين على جميع القاعدين لغير عذر :
كما قال تعالى: " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أولى الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبيل اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا " .
17. نفي الله التسوية بين الجهاد وبين غيره من الأعمال :
كما قال تعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .
18. الجهاد سبب الفلاح في الدنيا والآخرة :
لقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " وقوله: " لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون " .
19. الجهاد سبب لرضوان الله :
لقوله تعالى: " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مقِيمٌ " وقوله: " فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءُ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ " وقوله: " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا
اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ " وقوله : " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا " .
20. أن الشهداء أحياء في البرزخ حياة خاصة :
لقوله تعالى: " وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء " وهذه الحياة يرزقون فيها لقوله في آية أخرى: " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ " وقد جاء عند أحمد وأبي داوود وأصله عند مسلم: " لما أصيب إخوانكم -يعني: يوم أحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب مدللة في ظل العرش " ولا شك أن الشهداء لهم هذه المزية، وهي أن أرواحهم باقية وأنها في أجساد وأنها تتنعم أما أرواح غيرهم فلم يذكر أنها في أجساد، بل تكون بدون جسد وكذلك لم يرد أنهم يرزقون كالشهداء .
21. أن الشهادة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها :
لقوله تعالى : " وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ
الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ " أي ولئن قتلتم في سبيل الله أو متُّم - أيها المؤمنون - ليَغْفرنَّ الله لكم مغفرة عظيمة، ويرحمكم رحمة منه، هي خير من هذه الدنيا وما يجمع أهلها فيها من نعيمها الزائل، وحديث أنس بن مالك عند البخاري:
" لَرَوْحَةٌ في سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ غَدْوَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وما فيها، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ، أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ - يَعْنِي سَوْطَهُ - خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وما فيها " أي أنَّ المشي في سَبيلِ اللهِ في الغزو في وقتِ الصَّباحِ أو وقتِ المساءِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنيا جميعًا،
«ولقابُ قَوسِ أحدِكم» والقَوسُ : الآلة التي يرمى بها السهام، والمعنى: قَدْرُ طُولها أو ما بين الوَثَرِ والقَوسِ، والمراد: أنَّ فَضْلَ استعماله في سبيل الله تعالى يجازى عليه صاحِبُه مَنزِلةً في الجنَّة، وتلك المنزِلةُ خير مِنَ الدُّنيا وما فيها، وفي رواية عند البخار موضع قيد» وهو السوط الذي يُساقُ به الفَرَسُ الذي يُجاهَدُ به في سَبيلِ اللهِ، يجازى عليه في الجنَّةِ بمنزلة وقَدرِ هذا القَوسِ، خَيْرٌ الدُّنيا وما فيها؛ وذلك لأنَّ الدُّنيا فانيةٌ، وكُلَّ شَيْءٍ في الجَنَّةِ وإِن صَغُرَ في التَّمثيل لنا، وليس فيها صغير-هو أدْوَمُ وأبْقى مِنَ الدُّنيا الفانيةِ المُنقَطِعَةِ، فَكانَ الدَّائِمُ الباقي خَيرًا مِنَ المُنقَطِعِ .
22. الشهداء في البرزخ فرحين مستبشرين بإخوانهم :
لقوله تعالى: " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " وأخرج أبو داوود من حديث عباس بإسناد صحيح في سبب نزول الآية: " لما أُصيب إخوانكم بأُحُدٍ جَعَلَ اللهُ أرواحهم في أجوافِ طَيرٍ خُضرٍ ترِدُ من أنهار الجنَّةِ وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم
فقالوا من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنَّةِ نُرزَقُ؟ لئلا يزهدوا في الجهاد وينكلوا عن الحرب فقال اللهُ عزَّ وجل أنا أُبلغهم عنكم فأنزلَ اللَّهُ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتا " الآيةَ .
23. النبي يتمنى الشهادة في سبيل الله ثلاث مرات :
كما جاء عند مسلم من حديث ابي هريرة: " والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو في سَبيلِ اللهِ فَأَقْتَلُ، ثُمَّ أَغْرُو فَأَقْتَلُ، ثُمَّ أَغْرُو فَأَقْتَلُ " .
24. أن الموت في سبيل الله من أفضل الميتات :
كما جاء عند الضياء من حديث عبدالله الخثعمي: أنَّ النبي ﷺ سُئِلَ : أَيُّ الأَعْمالِ أفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانُ لا شَكٍّ فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحَجَّةٌ مَبْرورةٌ، قيلَ: فأَيُّ الصَّلاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: طُولُ القِيامِ، قيل: فأيُّ الصَّدَقةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: جُهْدُ المُقِلِّ، قيل: فأَيُّ الهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَن هَجَرَ ما حَرَّمَ اللهُ عليه، قيل: فأَيُّ الجِهادِ أَفْضَلُ؟ قالَ: مَن جَاهَدَ المُشْرِكِينَ بماله ونَفْسِه، قيلَ: فأَيُّ القَتْلِ أَشْرَفُ؟ قالَ: مَن أُهرِيقَ دَمُهُ وعُقِرَ جَوادُه» .
25. أجر المرابط مستمر بعد موته لا يتوقف :
كما جاء عند الترمذي بإسناد حسن صحيح من حديث فضالة
بن عبيد: كلُّ ميّتٍ يُحْتَمُ على عَمِلِهِ إِلَّا الَّذِي مَاتَ مرابطًا في سبيل الله فإنَّه ينمي لَهُ عمله إلى يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر .
26. الشهيد يتمنى الرجوع الى الدنيا لما يرى من النعيم :
كما جاء عند البخاري من حديث أنس بن مالك: " ما مِن عَبْدٍ يَمُوتُ له عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيا وأنَّ له الدُّنْيا وما فيها ، إلّا الشَّهِيدَ؛ لِما يَرى مِن فَضْلِ الشَّهَادَةِ؛ فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيا، فيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرى " وجاء عند البخاري من حديث أنس بن مالك أيضا: " ما أَحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيا وله ما على الأرْضِ مِن شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيدُ، يَتَمَنِّى أنْ يَرْجِعَ إلى الدُّنْيا، فيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرِى مِنَ الكرامة " ولم يستثن في تمني الرجوع الى الدنيا أحد من الأنبياء والعلماء مع عظيم منازلهم غير الشهيد لما
يراه من الكرامة .
27. المجاهد يأتيه رزقه وهو مقيم في أشرف العبوديات :
كما جاء عند أحمد وأخرجه البخاري بصيغة التمريض من حديث عبدالله بن عمر: " وجَعَل رِزْقي تحتَ ظِلَّ رمحي " ولتعلم أخي أن أفضل الرزق على الإطلاق هو رزق المجاهد ، ثم انظر كيف يأتيه رزقه وهو يتعبد لله بقتل الكفار .
28. المجاهد من أطيب الناس عيشاً :
كما جاء عند مسلم من حديث أبي هريرة: مِنْ خَيْرِ معاش النّاسِ لَهُمْ، رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنانَ فَرَسِهِ فِي سَبيلِ اللهِ، يَطِيرُ على مَتْنِهِ، كُلَّما سَمِعَ هَيْعَةً، أَوْ فَرْعَةً طَارَ عليه، يَبْتَغِي القَتْلَ والْمَوْتَ مَظَانَّهُ، أَوْ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ فِي رَأْسِ شَعَفَةٍ من هذه الشَّعَفِ، أَوْ بَطْنِ وادٍ مِن هذه الأوْدِيَةِ، يُقِيمُ الصَّلاةَ ، ويُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حتَّى يَأْتِيَهُ اليَقِينُ، ليسَ مِنَ النَّاسِ إِلّا في خَيْرٍ .
29. بالجهاد نرهب أعداء الله :
لقوله: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ"، وإرهاب العدو من مقاصد الجهاد العظيمة التي يحصل بها كف شر الكفار عن المسلمين، ولولا خيار الردع، لتمادى العدو في التقتيل والتنكيل والتسلط على المسلمين والمستضعفين، كما يحدث ولا يزال يحدث من تقتيل المسلمين، واستهانة بدمائهم حتى أصبحت دماء المسلمين كدماء البعوض لا قيمة لها ولا وزن، لغياب
خيار الردع أما إذا علم العدو حجم الخسائر التي ستلحقه من جراء اعتدائه فإنه سيتراجع، أو يكف شره قليلاً، وربما ينسحب انسحابًا نهائيًا، ولا يعود مرة أخرى .
30. بالجهاد نحرر الأسارى :
لحديث أبي موسى الأشعري عند البخاري: " فُكُوا العاني، يَعْنِي: الأسِيرَ وأَطْعِمُوا الجائع، وعُودُوا المريض". ويا للحسرة كم في سجون الطواغيت من النُّخب والقيادات والعلماء من المسجونين ظلمًا وعدوانًا، بلا تهم أصلًا أو بتهم ملفقة. ولك أن تعلم، بحسب مصادر أجنبية، أن عدد السجناء في مصر
وحدها ۱۲۰ ألفًا، وهذا هو الرقم المُعلن فقط، في ظل تكتم النظام عن الأرقام الحقيقية. وهذا في مصر وحدها، دون بقية الدول العربية . ...المزيد
1. الجهاد سبب لتكفير جميع الذنوب :
لقوله تعالى: " فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ " وقوله : " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " وقوله : " وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا " وقوله: " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أولي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " وجاء عند مسلم من حديث عبد الله بن عمرو: " يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْن " وجاء عند الترمذي بإسناد حسن صحيح من حديث المقدام بن
معد يكرب: للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة...
2. الجهاد سبب النجاة من النار :
لقوله تعالى: " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ " وحديث أبو عبس عند البخاري :
" ما اغْبَرَّتْ قَدَما عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَمَسَّهُ النار " وحديث أبو هريرة عند الترمذي بإسناد حسن : " لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبَنُ في الشَّرعِ ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنَّمَ " وحديث أبو هريرة عند مسلم: " لا يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وقاتِلُهُ في النَّارِ أَبَدًا " وحديث ابن عباس عند الترمذي بإسناد حسن: عينانِ لا تمَسَّهما النَّارُ: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله .
3. الجهاد سبب دخول الجنة :
لقوله تعالى : " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ " وقوله : " لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " وقوله : " إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ " وقوله : " وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ " وجاء عند الترمذي بإسناد من حسن من حديث أبي هريرة : " من قاتل في سبيل الله فواقَ ناقةٍ وجبت له الجنةُ " وجاء عند البخاري حدیث عبدالله بن أبي أوفى : " واعْلَمُوا أنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ " وحديث أبي هريرة عند مسلم : " تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَن خَرَجَ فِي سَبيلِهِ، لا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهادًا في سَبيلي، وإيمانًا بي وتَصْدِيقًا برُسُلِي فَهُو عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أَوْ أَرْجِعَهُ إِلى مَسْكَنِهِ الذي خَرَجَ منه نائِلًا ما نالَ مِن أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ " .
4. الشهادة سبب الوقاية من فتنة وعذاب القبر :
لما جاء عند مسلم من حديث سلمان الفارسي : " رِباطُ يَومٍ ولَيْلَةٍ خَيْرٌ مِن صِيامِ شَهْرٍ وقِيامِهِ، وإن مات جرى عليه عَمَلُهُ الذي كانَ يَعْمَلُهُ، وأُجْرِيَ عليه رِزْقُهُ، وأَمِنَ الفَتَانَ " وجاء عند الترمذي بإسناد صحيح من حديث المقدام بن معد يكرب :
" للشهيد عند الله ست خصال... وذكر منها ويجار من عذاب القبر .
5. الشهادة سبب الوقاية من الفزع الأكبر يوم القيامة :
قال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَرْعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ " والمجاهد الشهيد لا شك أنه أولى الناس ممن سبقت لهم الحسنى في الدنيا، وجاء عند الترمذي بإسناد صحيح من حديث المقدام بن معد يكرب : " للشهيد عند الله ست خصال.. وذكر منها: ويأمن من الفزع الأكبر وجاء عند ابن ماجه وصححه الالباني من حديث ابي هريرة :
" من مات مرابطًا في سبيل الله أجرى عليْهِ أَجرَ عملِهِ الصّالحِ الَّذي كان يعملُ وأجرى عليْهِ رزقه وأمن من الفتّانِ وبعثَهُ اللَّهُ يومَ القيامة آمنا من الفرع "واختلفوا في تفسير الفزع الأكبر، فقيل: هي النار حين تنطبق على أهلها، وقيل: هو الموت حين يذبح بين الجنة والنار، وقيل: هو العرض على النار، وقيل: هي النفخة في الصور .
6. الشهيد يشفع يوم القيامة لسبعين من أهله :
لما جاء عند الترمذي بإسناد صحيح من حديث المقدام بن معد يكرب : " للشهيد عند الله ست خصال.. وذكر منها: ويشفع في سبعين من أقاربه " وجاء عند ابي داوود وصححه ابن حبان والالباني من حديث أبي الدرداء: " يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته .
7. أن الشهيد درجته في الجنة بعد درجة النبوة :
قال تعالى: " وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا " وجاء عند ابن حبان من حديث عتبة السلمي : " القتلى ثلاثة: رجل مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتّى إذا لقي العدوّ قاتلهم حتى يُقتَلَ فذلك الشَّهيدُ الممتحَنُ في خيمةِ اللهِ تحت عرشه ولا يفضُلُه النَّبيُّون إلّا بفضل درجةِ النُّبوَّةِ " .
8. الجهاد هو طاعة وامتثال لأمر الله ورسوله :
لقوله تعالى: " فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ " وقوله: " فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلِّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا " وقوله: " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " وقوله: " وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا " وقوله: " قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ " وقوله : " وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " وقوله: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةٌ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ "
وقوله : " وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ " وقوله: " يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ " والخطاب للنبي خطاب لأمته، وجاء عند أبي داوود وغيره بإسناد صحيح من حديث أنس بن مالك: " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " .
9. المجاهدين أولى الناس وأحقهم برحمة الله :
لقوله تعالى: " إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله " وقوله: " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةٌ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " وقوله : " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ
وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ " .
10. المجاهدين هم أحباب الله :
لقوله تعالى: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ " وقوله: " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " .
11. غاية كل مسلم هو الفوز بالجنة والنجاة من النار :
والمجاهد قد فاز بذلك بل وأكثر من ذلك من الطمأنينة والراحة وما يحصل له من الغنائم والرزق في الدنيا والأمن وانتفاء الخوف والحزن في الآخرة ثم النعيم المقيم كما في قوله تعالى: " فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ " والمجاهد قد فاز بذلك في قوله: " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " .
12. المجاهدين هم أول الناس دخولا في الطائفة المنصورة :
لحديث جابر بن سمرة عند مسلم : " لَنْ يَبْرَحَ هذا الدِّينُ قائِمًا، يُقاتِلُ عليه عِصابَةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ " وحديث المغيرة بن شعبة عند البخاري: " لا يَزالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي ظَاهِرِينَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وهُمْ ظَاهِرُونَ " .
13. أجور المجاهد عظيمة ومضاعفة بأضعاف كثيرة :
كما قال تعالى: " وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا " وقوله: " الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ " وجاء عند البخاري من حديث البراء بن عازب:
" أَتي النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بالحَدِيدِ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أُقاتِلُ أَوْ أَسْلِمُ؟ قال: أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ، فَقُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: عَمِلَ قَلِيلًا، وأُجِرَ كَثِيرًا " وجاء من حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داوود وأصلحه: " قفلةٌ كغَزوة " أي رجوع المجاهد بعد انتهاء المهمة تساوي غزوة في الأجر وقوله: " ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة " وقوله: " مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " وحديث خريم بن فاتك عند الترمذي بإسناد حسن " من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف " وأخرج الضياء من حديث عثمان : " يَوْمٌ في سَبيلِ اللهِ خَيْرٌ مِن أَلْفِ يَوْمٍ فيما سواه " أي أن جهاد يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه، وذلك يشمل مكة والمدينة، وجاء عند مسلم من حديث أبي هريرة : " قيل للنبي : ما يَعْدِلُ الجِهَادَ في سَبيلِ اللهِ؟ قال: لا تَسْتَطِيعُونَهُ قالَ: فأعادوا عليه مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلانَّا كُلُّ ذلك يقولُ : لا تَسْتَطِيعُونَهُ، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: مَثَلُ المُجاهِدِ فِي سَبيلِ اللهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ القَائِمِ القَانِتِ بآياتِ اللهِ لا يَفْتُرُ مِن صِيامٍ، وَلا صَلاةٍ، حَتَّى يَرْجِعَ المُجاهِدُ في سَبيلِ اللهِ تعالى " وجاء عند الترمذي بإسناد حسن من حديث أبي هريرة:
" مقام أحدكم في سبيل الله أفضلُ منْ صلاتِهِ في بيته سبعين عام " وأخرج احمد والنسائي وصححه ابن حجر وغيره من حديث كعب بن مرة : " من بلغ العدو سهمًا رفعه الله درجةً، فقال عبد الرحمن بن أُمِّ النَّحَامِ: وما الدرجة يا رسول الله؟ قال: أما إنها ليست بعَتَبةِ أُمِّكِ ولكن ما بين الدرجتين مائة عام " .
14. أن دم المجاهد يأتي يوم القيامة كهيئته يشهد لصاحبه :
كما جاء عند البخاري من حديث ابي هريرة: " والذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ في سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَن يُكْلَمُ في سَبيلِهِ إِلَّا جَاءَ يَومَ القِيامَةِ، وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، والرِّيحُ رِيحُ المِسْكِ " أي يكونُ يوم القيامة على حالته التي جُرح به في الدُّنيا عندما طُعِنَ، يَسِيلُ ويَتفَجَّرُ منها الدَّمُ، ولكنَّ هذا الدَّمَ وإنْ كان لَوْنُهُ لَوْنَ الدَّمِ إِلَّا أَنَّ عَرْفَه -يعني: رائحته - تكونُ طَيِّبةً مِثل رائحةِ المِسْكِ. وقيل : الحِكمةُ في كَونِ الدَّمِ يَأتي يومَ القِيامة على هيئتِه أَنَّه يَشْهَدُ لِصاحِبِه بفَضْلِه، وعلى قاتله بفعله، وفائدة رائحته الطَّيِّبة أن تنتشر في أهل الموقف إظهارًا لفضيلته أيضًا، ومِن ثَمَّ لَم يُشْرَعْ غَسْلُ شَهِيدِ المعركة .
15. الجهاد سبب لحصول خيرات الدنيا والآخرة :
قال تعالى : " كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " وقوله: " لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " وقوله: " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ " .
16. أن الله فضل المجاهدين على جميع القاعدين لغير عذر :
كما قال تعالى: " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أولى الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبيل اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا " .
17. نفي الله التسوية بين الجهاد وبين غيره من الأعمال :
كما قال تعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .
18. الجهاد سبب الفلاح في الدنيا والآخرة :
لقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " وقوله: " لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون " .
19. الجهاد سبب لرضوان الله :
لقوله تعالى: " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مقِيمٌ " وقوله: " فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءُ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ " وقوله: " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا
اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ " وقوله : " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا " .
20. أن الشهداء أحياء في البرزخ حياة خاصة :
لقوله تعالى: " وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء " وهذه الحياة يرزقون فيها لقوله في آية أخرى: " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ " وقد جاء عند أحمد وأبي داوود وأصله عند مسلم: " لما أصيب إخوانكم -يعني: يوم أحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب مدللة في ظل العرش " ولا شك أن الشهداء لهم هذه المزية، وهي أن أرواحهم باقية وأنها في أجساد وأنها تتنعم أما أرواح غيرهم فلم يذكر أنها في أجساد، بل تكون بدون جسد وكذلك لم يرد أنهم يرزقون كالشهداء .
21. أن الشهادة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها :
لقوله تعالى : " وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ
الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ " أي ولئن قتلتم في سبيل الله أو متُّم - أيها المؤمنون - ليَغْفرنَّ الله لكم مغفرة عظيمة، ويرحمكم رحمة منه، هي خير من هذه الدنيا وما يجمع أهلها فيها من نعيمها الزائل، وحديث أنس بن مالك عند البخاري:
" لَرَوْحَةٌ في سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ غَدْوَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وما فيها، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ، أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ - يَعْنِي سَوْطَهُ - خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وما فيها " أي أنَّ المشي في سَبيلِ اللهِ في الغزو في وقتِ الصَّباحِ أو وقتِ المساءِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنيا جميعًا،
«ولقابُ قَوسِ أحدِكم» والقَوسُ : الآلة التي يرمى بها السهام، والمعنى: قَدْرُ طُولها أو ما بين الوَثَرِ والقَوسِ، والمراد: أنَّ فَضْلَ استعماله في سبيل الله تعالى يجازى عليه صاحِبُه مَنزِلةً في الجنَّة، وتلك المنزِلةُ خير مِنَ الدُّنيا وما فيها، وفي رواية عند البخار موضع قيد» وهو السوط الذي يُساقُ به الفَرَسُ الذي يُجاهَدُ به في سَبيلِ اللهِ، يجازى عليه في الجنَّةِ بمنزلة وقَدرِ هذا القَوسِ، خَيْرٌ الدُّنيا وما فيها؛ وذلك لأنَّ الدُّنيا فانيةٌ، وكُلَّ شَيْءٍ في الجَنَّةِ وإِن صَغُرَ في التَّمثيل لنا، وليس فيها صغير-هو أدْوَمُ وأبْقى مِنَ الدُّنيا الفانيةِ المُنقَطِعَةِ، فَكانَ الدَّائِمُ الباقي خَيرًا مِنَ المُنقَطِعِ .
22. الشهداء في البرزخ فرحين مستبشرين بإخوانهم :
لقوله تعالى: " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " وأخرج أبو داوود من حديث عباس بإسناد صحيح في سبب نزول الآية: " لما أُصيب إخوانكم بأُحُدٍ جَعَلَ اللهُ أرواحهم في أجوافِ طَيرٍ خُضرٍ ترِدُ من أنهار الجنَّةِ وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم
فقالوا من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنَّةِ نُرزَقُ؟ لئلا يزهدوا في الجهاد وينكلوا عن الحرب فقال اللهُ عزَّ وجل أنا أُبلغهم عنكم فأنزلَ اللَّهُ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتا " الآيةَ .
23. النبي يتمنى الشهادة في سبيل الله ثلاث مرات :
كما جاء عند مسلم من حديث ابي هريرة: " والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو في سَبيلِ اللهِ فَأَقْتَلُ، ثُمَّ أَغْرُو فَأَقْتَلُ، ثُمَّ أَغْرُو فَأَقْتَلُ " .
24. أن الموت في سبيل الله من أفضل الميتات :
كما جاء عند الضياء من حديث عبدالله الخثعمي: أنَّ النبي ﷺ سُئِلَ : أَيُّ الأَعْمالِ أفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانُ لا شَكٍّ فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحَجَّةٌ مَبْرورةٌ، قيلَ: فأَيُّ الصَّلاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: طُولُ القِيامِ، قيل: فأيُّ الصَّدَقةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: جُهْدُ المُقِلِّ، قيل: فأَيُّ الهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَن هَجَرَ ما حَرَّمَ اللهُ عليه، قيل: فأَيُّ الجِهادِ أَفْضَلُ؟ قالَ: مَن جَاهَدَ المُشْرِكِينَ بماله ونَفْسِه، قيلَ: فأَيُّ القَتْلِ أَشْرَفُ؟ قالَ: مَن أُهرِيقَ دَمُهُ وعُقِرَ جَوادُه» .
25. أجر المرابط مستمر بعد موته لا يتوقف :
كما جاء عند الترمذي بإسناد حسن صحيح من حديث فضالة
بن عبيد: كلُّ ميّتٍ يُحْتَمُ على عَمِلِهِ إِلَّا الَّذِي مَاتَ مرابطًا في سبيل الله فإنَّه ينمي لَهُ عمله إلى يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر .
26. الشهيد يتمنى الرجوع الى الدنيا لما يرى من النعيم :
كما جاء عند البخاري من حديث أنس بن مالك: " ما مِن عَبْدٍ يَمُوتُ له عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيا وأنَّ له الدُّنْيا وما فيها ، إلّا الشَّهِيدَ؛ لِما يَرى مِن فَضْلِ الشَّهَادَةِ؛ فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيا، فيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرى " وجاء عند البخاري من حديث أنس بن مالك أيضا: " ما أَحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيا وله ما على الأرْضِ مِن شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيدُ، يَتَمَنِّى أنْ يَرْجِعَ إلى الدُّنْيا، فيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرِى مِنَ الكرامة " ولم يستثن في تمني الرجوع الى الدنيا أحد من الأنبياء والعلماء مع عظيم منازلهم غير الشهيد لما
يراه من الكرامة .
27. المجاهد يأتيه رزقه وهو مقيم في أشرف العبوديات :
كما جاء عند أحمد وأخرجه البخاري بصيغة التمريض من حديث عبدالله بن عمر: " وجَعَل رِزْقي تحتَ ظِلَّ رمحي " ولتعلم أخي أن أفضل الرزق على الإطلاق هو رزق المجاهد ، ثم انظر كيف يأتيه رزقه وهو يتعبد لله بقتل الكفار .
28. المجاهد من أطيب الناس عيشاً :
كما جاء عند مسلم من حديث أبي هريرة: مِنْ خَيْرِ معاش النّاسِ لَهُمْ، رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنانَ فَرَسِهِ فِي سَبيلِ اللهِ، يَطِيرُ على مَتْنِهِ، كُلَّما سَمِعَ هَيْعَةً، أَوْ فَرْعَةً طَارَ عليه، يَبْتَغِي القَتْلَ والْمَوْتَ مَظَانَّهُ، أَوْ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ فِي رَأْسِ شَعَفَةٍ من هذه الشَّعَفِ، أَوْ بَطْنِ وادٍ مِن هذه الأوْدِيَةِ، يُقِيمُ الصَّلاةَ ، ويُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حتَّى يَأْتِيَهُ اليَقِينُ، ليسَ مِنَ النَّاسِ إِلّا في خَيْرٍ .
29. بالجهاد نرهب أعداء الله :
لقوله: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ"، وإرهاب العدو من مقاصد الجهاد العظيمة التي يحصل بها كف شر الكفار عن المسلمين، ولولا خيار الردع، لتمادى العدو في التقتيل والتنكيل والتسلط على المسلمين والمستضعفين، كما يحدث ولا يزال يحدث من تقتيل المسلمين، واستهانة بدمائهم حتى أصبحت دماء المسلمين كدماء البعوض لا قيمة لها ولا وزن، لغياب
خيار الردع أما إذا علم العدو حجم الخسائر التي ستلحقه من جراء اعتدائه فإنه سيتراجع، أو يكف شره قليلاً، وربما ينسحب انسحابًا نهائيًا، ولا يعود مرة أخرى .
30. بالجهاد نحرر الأسارى :
لحديث أبي موسى الأشعري عند البخاري: " فُكُوا العاني، يَعْنِي: الأسِيرَ وأَطْعِمُوا الجائع، وعُودُوا المريض". ويا للحسرة كم في سجون الطواغيت من النُّخب والقيادات والعلماء من المسجونين ظلمًا وعدوانًا، بلا تهم أصلًا أو بتهم ملفقة. ولك أن تعلم، بحسب مصادر أجنبية، أن عدد السجناء في مصر
وحدها ۱۲۰ ألفًا، وهذا هو الرقم المُعلن فقط، في ظل تكتم النظام عن الأرقام الحقيقية. وهذا في مصر وحدها، دون بقية الدول العربية . ...المزيد
لماذا نطلب العلم ؟؟ 1. لامتثال أمر الله لقوله : فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك... فبدأ ...
لماذا نطلب العلم ؟؟
1. لامتثال أمر الله لقوله : فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك... فبدأ بالعلم قبل القول والعمل. وحديث أنس بن مالك عند ابن ماجه وصححه الالباني : طلب العلم فريضة على كل مسلم.
2. لتحقيق العبودية التي هي الغاية من الخلق كما قال تعالى : وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون. والعبادة هي : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الاقوال والاعمال الظاهرة والباطنة ولا تحصل بغير العلم.
3. لتحقيق الايمان وقد تواترت النصوص بأن أفضل الاعمال إيمان بالله وهو ركنان أحدهما : معرفة ما جاء به الرسول، والثاني : تصديقه بالقول والعمل. والتصديق بالقول والعمل بلا علم محال.
4. لتحقيق العمل بالكتاب والسنة لأن العمل لا يصح ولا يقبل ولا يكمل بغير علم صحيح لقوله : إنما يتقبل الله من المتقين..
وقوله : الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا... قال الفضيل : أخلصه وأصوبه.
5. التنزه عن الجهل والنأي عنه والنجاة منه لقبحه وذمه في النصوص كما في قوله : أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى... فجعل من لا يعلم بمنزلة الأعمى،
وقوله : ولكن أكثرهم يجهلون، وقوله : ولكن أكثرهم لا يعلمون، وشبه من لا يسمع ولا يعقل بالأنعام بل أسوء من الأنعام في قوله : أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون
إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا، وجعل من لا يعقل من الأشرار بل من أشر من يمشي على الارض في قوله : إن شر الدوآب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون.. وقوله : فلا تكونن من الجاهلين.. وقال كليمه موسى : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.. وقال لنوح : إني أعظك أن تكون من الجاهلين، وأمر بالإعراض عن الجهلة فقال : وأعرض عن الجاهلين، وأثنى على من أعرض عنهم فقال : وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين، وذكر من أول صفات عباد الرحمن إعراضهم عن الجهلة فقال : وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، وأخبر عن أهل النار أنهم أهل الجهل : وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير، وقال : ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون.
6. لرفعة الدرجات لقوله : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات.. وقوله : ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى.. وقوله : إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم...أولئك لهم درجات عند ربهم... وقوله : وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء...
7. لتحقيق الغاية من الخلق والامر وهي معرفة الله بأسمائه وصفاته لقوله : الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل..لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما..
8. لتحقيق الخشية ودخول الجنة لقوله : كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء... وذكر أن أصحاب الجنة هم أهل الخشية في قوله : جزاؤهم عند ربهم جنات تجري...ذلك لمن خشي ربه.
9. إدراك فضيلة الدخول في جملة الشهود من أولي العلم الذين قرن الله شهادتهم بشهادته على أعظم مشهود وهي الشهادة له بالوحدانية في قوله : شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط...
10. أن الله ذكر المراتب الاربعة في سورة العصر التي يحصل بها النجاة من الخسارة وهي الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. وهي كلها متوقفة على العلم.
11. رجاء نيل ثواب الجهاد بالعلم لأن العلم جهاد لقوله :
وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون، ولفظ النفير عند الإطلاق يقصد به الجهاد كما في قوله : انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم، وقول النبي : لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا، ولما حسنه الترمذي من حديث أنس بن مالك : مَنْ خَرَجَ في طلبِ العلمِ، فهوَ في سبيلِ اللهِ حتى يرجعَ.
12. رجاء الدخول في الطائفة التي أراد الله بها الخير والنجاة من الطائفة التي لا يريد الله بها الخير لحديث معاوية عند البخاري : مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ.
13. لتسهيل طريق دخول الجنة. لحديث أبي هريرة عند مسلم : وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّة.
14. رجاء استغفار من في السماوات والارض لحديث أبي الدرداء عند الترمذي وصححه الالباني : وإن العالم ليستغفر له من في السَّمواتِ ومن في الأرضِ حتّى الحيتانُ في الماءِ.
15. لتعليم الناس لحديث أبي أمامة الباهلي عند الترمذي وصححه الالباني : إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتّى النَّملةَ في جُحرِها وحتّى الحوتَ ليصلُّونَ على معلِّمِ النّاسِ الخيرَ، وحديث عثمان بن عفان عند البخاري : خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وقد امتن الله على المؤمنين بتعليمهم الكتاب والحكمة وهي السنة لقوله : لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة..
16. لحصول النور والحياة والخير الذي سببه العلم والنجاة من الظلام والموت والشر الذي سببه الجهل لقوله : أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس.. والمقصود نور العلم والإيمان والطاعة، وقوله : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفرلكم.. وقوله : وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء عبادنا... وقوله : قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين.. وقوله : قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلوا عليكم آيات مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور... وقوله : ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا..
17. لتحقيق المقصود من إنزال القرآن وهو التعقل والتفكر والتدبر ولا يحصل بغير العلم لقوله : وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون.. وقوله : إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون، وقوله : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون، وقوله : كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب، وذم من لا يتدبر فقال : أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها.. وقال : أفلم يدبروا القول.. وذكر أن الغرض من ذكر القصص في القرآن هو التفكر فقال : فاقصص القصص لعلهم يتفكرون، وذكر أن الغرض من ضرب الأمثال هو التفكر فقال : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون، وذم المنافقين بأنهم لا يفقهون فقال : ولكن المنافقين لا يفقهون..
18. الدخول في جملة أهل العلم لنفي الله التسوية بين العالم والجاهل في قوله : هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون... وحديث أبي امامة الباهلي عند الترمذي وصححه الالباني : ذُكِرَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رجُلانِ؛ أحدهما عابدٌ، والآخَرُ عالِمٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: فضلُ العالمِ على العابدِ كفضلي على أدناكم، ولأن الله خص أهل العلم بالثناء واستشهد بهم على صحة الوحي دون غيرهم من أهل الجهل فقال : ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق... وقوله : والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق.. وقوله : قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا...
19. الإتصاف بالرسوخ في العلم الذي مدح الله أهله في قوله : هو الذي أنزل عليك الكتاب...والراسخون في العلم... وقوله : فبظلم من الذين هادوا..لكن الراسخون في العلم منهم...
ولا يحصل الرسوخ بغير طلب العلم.
20. الدخول في جملة من جعل الله كتابه آيات بينات في صدورهم لقوله : بل هو آيات بينات في صدور الذين...
21. لحصول الفرح الحقيقي لأهل العلم لقوله : قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون، وفسر فضل الله بالإيمان ورحمته بالقرآن والايمان والقرآن هما العلم النافع والعمل الصالح.
22. لحصول الخير الكثير بالعلم لقوله : ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، والحكمة إصابة الحق والعمل به وهما العلم النافع والعمل الصالح
23. لحصول الفضل العظيم بالعلم وقد امتن الله بالعلم على رسوله في قوله : وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما
24. لشكر الله على نعمة العلم وهي من أعظم النعم التي تستحق الشكر وقد امتن الله بها على عباده وأمرهم بشكرها لقوله : كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون
25. الاقتداء بالانبياء كما جاء عند الترمذي من حديث أبي الدرداء : إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درْهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَ بِهِ فقد أخذَ بحظٍّ وافرٍ، وقد سأل الله نبيه سؤال الاستزادة من العلم في قوله : وقل رب زدني علما..
26. لنيل أحقية السياسة والحكم والفصل بين الناس بالحق
لأن أهل العلم هم أحق الناس بالحكم والسياسة لأنهم أعرف الناس بالحلال والحرام ومعرفة ما أنزل الله على رسوله وقد كانت بني اسرائيل تسوسهم الأنبياء، وقد أمر الله بطاعتهم فقال : وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم.. وولاة الأمر هم الأمراء والعلماء بلا خلاف.
27. لاكتساب علم الحجة ولا يحصل بغير طلب العلم، وقد رفع الله إبراهيم درجات لغلبته على قومه بالحجة فقال : وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء... وقد سمى الله الحجة بالسلطان لأن الحجة لها سلطان على الناس فالقلوب تنقاد للعلم والبراهين والحجج طائعة مكرهة ولا تنقاد بالأبدان، وقال : قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه إن عندكم من سلطان بهذا... وقال : أم لكم سلطان مبين.. وقال : إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان..
28. رجاء التسبب بهداية الغير لحديث أبي هريرة عند مسلم :
مَن دَعا إلى هُدًى، كانَ له مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن أُجُورِهِمْ شيئًا، ومَن دَعا إلى ضَلالَةٍ، كانَ عليه مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثامِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن آثامِهِمْ شيئًا.
وحديث سهل بن سعد في الصحيحين : لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم.
29. ل الدخول في جملة الطائفة الطيبة الذين ذكرهم النبي والنجاة من الطائفة الذين ذمهم النبي في حديث أبو موسى عند البخاري : مَثَلُ ما بَعَثَنِي اللَّهُ به مِنَ الهُدى والعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أصابَ أرْضًا، فَكانَ مِنْها نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ الماءَ، فأنْبَتَتِ الكَلَأَ والعُشْبَ الكَثِيرَ، وكانَتْ مِنْها أجادِبُ، أمْسَكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بها النّاسَ، فَشَرِبُوا وسَقَوْا وزَرَعُوا، وأَصابَتْ مِنْها طائِفَةً أُخْرى، إنَّما هي قِيعانٌ لا تُمْسِكُ ماءً ولا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذلكَ مَثَلُ مَن فَقُهَ في دِينِ اللَّهِ، ونَفَعَهُ ما بَعَثَنِي اللَّهُ به فَعَلِمَ وعَلَّمَ، ومَثَلُ مَن لَمْ يَرْفَعْ بذلكَ رَأْسًا، ولَمْ يَقْبَلْ هُدى اللَّهِ الذي أُرْسِلْتُ بهِ.
30. ل النجاة من اللعنة لما حسنه الترمذي من حديث أبي هريرة : ألا إنَّ الدنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها إلا ذكرُ اللهِ وما والاهُ وعالمٌ أو متعلمٌ.
31. لتبليغ الحديث لما جاء عند البخاري من حديث عبدالله بن عمرو : بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً، وَحَدِّثُوا عن بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا حَرَجَ وَمَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ. وقد دعا النبي بنضارة الوجه لمن بلغ حديثه لحديث ابن مسعود عند الترمذي وصححه الالباني : نضَّر الله امرءًا سمِع مقالَتي فوعاها وحفِظها وبلَّغها فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه.
32. رجاء الدخول في الخيرية لحديث عثمان بن عفان عند البخاري : خيركم من تعلم القرآن وعلمه. وحديث أبي هريرة عند البخاري : تَجِدُونَ النّاسَ مَعادِنَ، خِيارُهُمْ في الجاهِلِيَّةِ خِيارُهُمْ في الإسْلامِ، إذا فقِهُوا.
33. رجاء بلوغ مرتبة الصديقية والتي هي أعلى مرتبة في الجنة بعد مرتبة الانبياء لقوله : ومن يطع الله والرسول... وجاء عند البخاري من حديث أبي سعيد البخاري : إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ يَتَراءَوْنَ أهْلَ الغُرَفِ مِن فَوْقِهِمْ، كما يَتَراءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغابِرَ في الأُفُقِ، مِنَ المَشْرِقِ أوِ المَغْرِبِ؛ لِتَفاضُلِ ما بيْنَهُمْ. قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، تِلكَ مَنازِلُ الأنْبِياءِ لا يَبْلُغُها غَيْرُهُمْ؟ قالَ: بَلى، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، رِجالٌ آمَنُوا باللَّهِ وصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ. قال ابن القيم : الصديقية هي كمال الايمان بما جاء به الرسول علما وتصديقا وقياما به، فهي راجعة إلى نفس العلم فكل من كان أعلم بما جاء به الرسول وأكمل تصديقا له كان أتم صديقية، فالصديقية شجرة أصولها العلم وفروعها التصديق، وثمرتها العمل.
34. رجاء بلوغ مرتبة الامامة في الدين وهي أرفع مراتب الصديقين وهي لا تحصل بغير الصبر واليقين، واليقين هو كمال العلم وغايته فبتكميل مرتبة العلم تحصل إمامة الدين لقوله : وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا... وقد ذكر الله أن من صفات أهل الجنة أنهم يسألون الله الإمامة في الدين لقوله : والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما أولئك يجزون الغرفة بما صبروا..
35. لاستعمال الحواس فيما خلقت له من العلم والتعليم والفهم والتفكر والتدبر. وقد ذم الله أهل القرى الظالمة التي أهلكها لتعطيل حواسهم عن التعقل والفهم ولم يستعملوها فيما خلقت له من الايمان والتعقل والتفكر والتدبر في آياته الكونية والشرعية فقال : أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا.. وقال : وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله..
36. لمعرفة الله إذ هو أفضل العلوم وأصلها وكل معلوم فهو فرع عن علمه ولا تتحقق معرفته بلا علم وقد ذم الله من غفل عنه فقال : ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا... وقال : نسوا الله فأنساهم أنفسهم...
37. لزيادة المحبة ل الله في قلب العبد. فكلما ازداد من العلم بالله كلما ازداد حبه له وكلما ازداد حبه كلما ازداد إيمانه. وقد أخبر الله عن أهل الإيمان أنهم يحبون الله أكثر من محبة المشركين لمعبوداتهم فقال : ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله...
38. لعلاج أمراض الشبهات والشهوات لقوله : وننزل من القرآن ما هو شفاء... وقوله : يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء.. وحديث ابن عباس عند أحمد : قتَلوه قتَلَهم اللهُ، ألم يَكُنْ شِفاءُ العيِّ السَّؤال. فجعل العي وهو عي القلب عن العلم مرض وشفاؤه سؤال العلماء.
39. أن الله نهى عن اتباع خطوات الشيطان فقال : ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين، وحذر من الاغترار به فقال : ولا يغرنكم بالله الغرور، وحذر من الافتتان به فقال : ولا يفتننكم الشيطان.. وأخبر عن أن سبب هلاك الأمم قبلنا هو تزيين الشيطان فقال : تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم.. ولا يتحقق امتثال كل ذلك بغير العلم.
40. لأن الإشتغال به من أفضل الاعمال بعد الفرائض... لحديث أبي امامة الباهلي عند الترمذي وصححه الالباني : ذُكِرَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رجُلانِ؛ أحدهما عابدٌ، والآخَرُ عالِمٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: فضلُ العالمِ على العابدِ كفضلي على أدناكم. قال ابن تيمية في منهاج السنة : وهذه الثلاث ـ الصلاة، والعلم، والجهاد ـ هي أفضل الأعمال بإجماع الأمة، قال أحمد بن حنبل: أفضل ما تطوع به الإنسان الجهاد، وقال الشافعي: أفضل ما تطوع به الصلاة، وقال أبو حنيفة ومالك: العلم، والتحقيق أن كلا من الثلاثة لا بد له من الآخرين، وقد يكون هذا أفضل في حال، وهذا أفضل في حال، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يفعلون هذا وهذا وهذا، كل في موضعه بحسب الحاجة والمصلحة.
41. رجاء الرفعة في الدنيا والآخرة كما جاء عند مسلم من حديث ابن عمر : إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتابِ أَقْوامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ.
42. لإحياء الاسلام قال ابن القيم : من طلب العلم ليحيي به الاسلام فهو من الصديقين ودرجته بعد درجة النبوة.
43. لتحقيق أفضل المنازل في الدنيا لما حسنه الترمذي من حديث أبي كبشة الانماري : إنَّما الدُّنيا لأربعةِ نفرٍ: عبدٌ رزقَه اللَّهُ مالًا وعِلمًا فهوَ يتَّقي ربَّهُ فيهِ ويصلُ بهِ رحِمَهُ ويعلَمُ للَّهِ فيهِ حقًّا فَهَذا بأفضلِ المَنازلِ. وعبدٍ رزقَهُ اللَّهُ علمًا ولم يرزُقهُ مالًا فَهوَ صادقُ النيَّةِ يقولُ: لَو أنَّ لي مالًا لعَمِلتُ فيه بعَملِ فلانٍ فهو بنيَّتهِ فأَجرُهُما سواءٌ. وعَبدٌ رزقَهُ اللَّهُ مالًا ولَم يَرزُقهُ عِلمًا يخبِطُ في مالِهِ بغيرِ عِلمٍ لا يتَّقي فيهِ ربَّهُ ولا يَصلُ فيهِ رحمَهُ ولا يعلَم للهِ فيهِ حقًّا فهو بأخبَثِ المنازلِ، وعبدٌ لم يَرزُقْهُ اللَّهُ مالًا ولا عِلمًا فَهوَ يقولُ: لَو أنَّ لي مالًا لعَمِلْتُ فيهِ بعمَلِ فلانٍ فَهوَ بنيَّتِهِ فوزرُهُما سواءٌ.
44. لصرف الهمة والفكر بالاشتغال بالعلم عن كل ما لا يقرب إلى الله من المحرمات والمكروهات وفضول المباحات والافكار الضارة والوساس الشيطانية والخطرات الرديئة لأن النفس إذا لم تنشغل بالطاعة انشغلت بالمعصية وقوة العقل والفكر إذا لم تستغل في الفكر فيما ينفع من مصالح الدارين ومنها طلب العلم فلا بد أن يعاقب العبد بالاشتغال فيما لا ينفع لأن الذهن
لا يمكن أن يخلو من الافكار والخطرات.
45. ليكون صدقة جارية بعد الموت لحديث أبي هريرة عند مسلم : إِذا ماتَ الإنْسانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلّا مِن ثَلاثَةٍ: إِلّا مِن صَدَقَةٍ جارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صالِحٍ يَدْعُو له. وحديث أبو قتادة عند ابن ماجه وصححه الالباني : خيرُ ما يخلِّفُ الرَّجُلُ من بعدِه ثلاثٌ ولدٌ صالِحٌ يدعو لَه وصَدَقةٌ تجري يبلغُهُ أجرُها وعِلمٌ يُعمَلُ بِه من بعدِهِ.
46. لتحصيل ثواب مجالس العلم والسعي لها لحديث أبي هريرة عند مسلم : وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ، وَيَتَدارَسُونَهُ بيْنَهُمْ؛ إِلّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ... وقوله : السائحون الراكعون الساجدون... والسائحون أي : الذاهبون للغزو أو طلب العلم
47. رجاء هداية ونفع الناس عند ضياع العلم واستحكام الجهل لحديث حذيفة عند ابن ماجه وصححه الالباني : يدرُسُ الإسلامُ كما يدرُسُ وَشيُ الثَّوبِ حتّى لا يُدرى ما صيامٌ، ولا صلاةٌ، ولا نسُكٌ، ولا صدَقةٌ، ولَيُسرى على كتابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ في ليلَةٍ، فلا يبقى في الأرضِ منهُ آيةٌ، وتبقى طوائفُ منَ النّاسِ الشَّيخُ الكبيرُ والعجوزُ، يقولونَ: أدرَكْنا آباءَنا على هذِهِ الكلمةِ، لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فنحنُ نقولُها فقالَ لَهُ صِلةُ: ما تُغني عنهم: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وَهُم لا يَدرونَ ما صلاةٌ، ولا صيامٌ، ولا نسُكٌ، ولا صدقةٌ؟ فأعرضَ عنهُ حُذَيْفةُ، ثمَّ ردَّها علَيهِ ثلاثًا، كلَّ ذلِكَ يعرضُ عنهُ حُذَيْفةُ، ثمَّ أقبلَ علَيهِ في الثّالثةِ، فقالَ: يا صِلةُ، تُنجيهِم منَ النّار ثلاثًا. وقد بشر الله الغرباء في زمن الغربة عن الاسلام والعلم فقال في حديث أبي هريرة عند مسلم : بَدَأَ الإسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كما بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبى لِلْغُرَباءِ
48. رجاء شرف الانتساب لأهل القرآن وهم أهل الله وخاصته وأحق الناس بشرف الانتساب هم أهل العلم العاملون به كما روى ابن ماجة وصححه الالباني من حديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ ؟ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ.
49. جاء في حديث عبدالله بن عمرو عند أبي داوود : يُقالُ لصاحبِ القرآنِ اقرأْ وارتقِ ورتِّلْ كما كنت تُرتِّلُ في الدنيا فإنَّ منزلَك عند آخرِ آيةٍ تقرؤُها. وأهل العلم داخلون فيه دخولا أولياً ولا شك
50. أن الله ذكر الأمور التي تستحق الغبطة والتمني وذكر منها المال والعلم وقراءة القرآن ويفهم من ذلك أن غيرها لا تستحق الغبطة ولا تمنيها إما لأن نفعها قليل أو لأنه لا نفع فيها البتة كما جاء في حديث ابن مسعود عند البخاري : لا حَسَدَ إلّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا، فَسَلَّطَهُ على هَلَكَتِهِ في الحَقِّ، وآخَرُ آتاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهو يَقْضِي بها ويُعَلِّمُها. وحديث ابن عمر عند البخاري : لا حَسَدَ إلّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ القُرْآنَ فَهو يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيْلِ وآناءَ النَّهارِ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا فَهو يُنْفِقُهُ آناءَ اللَّيْلِ وآناءَ النَّهارِ
51. أن الله ذكر عن أهل القرآن أنهم مع السفرة الكرام البررة من الملائكة وأهل العلم العاملون به داخلون فيه دخولا أولياً لحديث عائشة عند البخاري : مَثَلُ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ وهو حافِظٌ له، مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ..
- 52. أن الله يجازي قارئ القرآن الذي يتعاهده ويشق عليه على تعبه ويعطيه أجره مرتين وأهل العلم العاملون به داخلون فيه دخولا أولياً لحديث عائشة أيضا عند البخاري : مَثَلُ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ وهو حافِظٌ له، مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، ومَثَلُ الذي يَقْرَأُ وهو يَتَعاهَدُهُ، وهو عليه شَدِيدٌ؛ فَلَهُ أجْرانِ. ...المزيد
1. لامتثال أمر الله لقوله : فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك... فبدأ بالعلم قبل القول والعمل. وحديث أنس بن مالك عند ابن ماجه وصححه الالباني : طلب العلم فريضة على كل مسلم.
2. لتحقيق العبودية التي هي الغاية من الخلق كما قال تعالى : وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون. والعبادة هي : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الاقوال والاعمال الظاهرة والباطنة ولا تحصل بغير العلم.
3. لتحقيق الايمان وقد تواترت النصوص بأن أفضل الاعمال إيمان بالله وهو ركنان أحدهما : معرفة ما جاء به الرسول، والثاني : تصديقه بالقول والعمل. والتصديق بالقول والعمل بلا علم محال.
4. لتحقيق العمل بالكتاب والسنة لأن العمل لا يصح ولا يقبل ولا يكمل بغير علم صحيح لقوله : إنما يتقبل الله من المتقين..
وقوله : الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا... قال الفضيل : أخلصه وأصوبه.
5. التنزه عن الجهل والنأي عنه والنجاة منه لقبحه وذمه في النصوص كما في قوله : أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى... فجعل من لا يعلم بمنزلة الأعمى،
وقوله : ولكن أكثرهم يجهلون، وقوله : ولكن أكثرهم لا يعلمون، وشبه من لا يسمع ولا يعقل بالأنعام بل أسوء من الأنعام في قوله : أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون
إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا، وجعل من لا يعقل من الأشرار بل من أشر من يمشي على الارض في قوله : إن شر الدوآب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون.. وقوله : فلا تكونن من الجاهلين.. وقال كليمه موسى : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.. وقال لنوح : إني أعظك أن تكون من الجاهلين، وأمر بالإعراض عن الجهلة فقال : وأعرض عن الجاهلين، وأثنى على من أعرض عنهم فقال : وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين، وذكر من أول صفات عباد الرحمن إعراضهم عن الجهلة فقال : وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، وأخبر عن أهل النار أنهم أهل الجهل : وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير، وقال : ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون.
6. لرفعة الدرجات لقوله : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات.. وقوله : ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى.. وقوله : إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم...أولئك لهم درجات عند ربهم... وقوله : وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء...
7. لتحقيق الغاية من الخلق والامر وهي معرفة الله بأسمائه وصفاته لقوله : الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل..لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما..
8. لتحقيق الخشية ودخول الجنة لقوله : كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء... وذكر أن أصحاب الجنة هم أهل الخشية في قوله : جزاؤهم عند ربهم جنات تجري...ذلك لمن خشي ربه.
9. إدراك فضيلة الدخول في جملة الشهود من أولي العلم الذين قرن الله شهادتهم بشهادته على أعظم مشهود وهي الشهادة له بالوحدانية في قوله : شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط...
10. أن الله ذكر المراتب الاربعة في سورة العصر التي يحصل بها النجاة من الخسارة وهي الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. وهي كلها متوقفة على العلم.
11. رجاء نيل ثواب الجهاد بالعلم لأن العلم جهاد لقوله :
وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون، ولفظ النفير عند الإطلاق يقصد به الجهاد كما في قوله : انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم، وقول النبي : لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا، ولما حسنه الترمذي من حديث أنس بن مالك : مَنْ خَرَجَ في طلبِ العلمِ، فهوَ في سبيلِ اللهِ حتى يرجعَ.
12. رجاء الدخول في الطائفة التي أراد الله بها الخير والنجاة من الطائفة التي لا يريد الله بها الخير لحديث معاوية عند البخاري : مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ.
13. لتسهيل طريق دخول الجنة. لحديث أبي هريرة عند مسلم : وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّة.
14. رجاء استغفار من في السماوات والارض لحديث أبي الدرداء عند الترمذي وصححه الالباني : وإن العالم ليستغفر له من في السَّمواتِ ومن في الأرضِ حتّى الحيتانُ في الماءِ.
15. لتعليم الناس لحديث أبي أمامة الباهلي عند الترمذي وصححه الالباني : إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتّى النَّملةَ في جُحرِها وحتّى الحوتَ ليصلُّونَ على معلِّمِ النّاسِ الخيرَ، وحديث عثمان بن عفان عند البخاري : خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وقد امتن الله على المؤمنين بتعليمهم الكتاب والحكمة وهي السنة لقوله : لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة..
16. لحصول النور والحياة والخير الذي سببه العلم والنجاة من الظلام والموت والشر الذي سببه الجهل لقوله : أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس.. والمقصود نور العلم والإيمان والطاعة، وقوله : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفرلكم.. وقوله : وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء عبادنا... وقوله : قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين.. وقوله : قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلوا عليكم آيات مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور... وقوله : ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا..
17. لتحقيق المقصود من إنزال القرآن وهو التعقل والتفكر والتدبر ولا يحصل بغير العلم لقوله : وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون.. وقوله : إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون، وقوله : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون، وقوله : كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب، وذم من لا يتدبر فقال : أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها.. وقال : أفلم يدبروا القول.. وذكر أن الغرض من ذكر القصص في القرآن هو التفكر فقال : فاقصص القصص لعلهم يتفكرون، وذكر أن الغرض من ضرب الأمثال هو التفكر فقال : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون، وذم المنافقين بأنهم لا يفقهون فقال : ولكن المنافقين لا يفقهون..
18. الدخول في جملة أهل العلم لنفي الله التسوية بين العالم والجاهل في قوله : هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون... وحديث أبي امامة الباهلي عند الترمذي وصححه الالباني : ذُكِرَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رجُلانِ؛ أحدهما عابدٌ، والآخَرُ عالِمٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: فضلُ العالمِ على العابدِ كفضلي على أدناكم، ولأن الله خص أهل العلم بالثناء واستشهد بهم على صحة الوحي دون غيرهم من أهل الجهل فقال : ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق... وقوله : والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق.. وقوله : قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا...
19. الإتصاف بالرسوخ في العلم الذي مدح الله أهله في قوله : هو الذي أنزل عليك الكتاب...والراسخون في العلم... وقوله : فبظلم من الذين هادوا..لكن الراسخون في العلم منهم...
ولا يحصل الرسوخ بغير طلب العلم.
20. الدخول في جملة من جعل الله كتابه آيات بينات في صدورهم لقوله : بل هو آيات بينات في صدور الذين...
21. لحصول الفرح الحقيقي لأهل العلم لقوله : قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون، وفسر فضل الله بالإيمان ورحمته بالقرآن والايمان والقرآن هما العلم النافع والعمل الصالح.
22. لحصول الخير الكثير بالعلم لقوله : ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، والحكمة إصابة الحق والعمل به وهما العلم النافع والعمل الصالح
23. لحصول الفضل العظيم بالعلم وقد امتن الله بالعلم على رسوله في قوله : وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما
24. لشكر الله على نعمة العلم وهي من أعظم النعم التي تستحق الشكر وقد امتن الله بها على عباده وأمرهم بشكرها لقوله : كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون
25. الاقتداء بالانبياء كما جاء عند الترمذي من حديث أبي الدرداء : إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درْهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَ بِهِ فقد أخذَ بحظٍّ وافرٍ، وقد سأل الله نبيه سؤال الاستزادة من العلم في قوله : وقل رب زدني علما..
26. لنيل أحقية السياسة والحكم والفصل بين الناس بالحق
لأن أهل العلم هم أحق الناس بالحكم والسياسة لأنهم أعرف الناس بالحلال والحرام ومعرفة ما أنزل الله على رسوله وقد كانت بني اسرائيل تسوسهم الأنبياء، وقد أمر الله بطاعتهم فقال : وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم.. وولاة الأمر هم الأمراء والعلماء بلا خلاف.
27. لاكتساب علم الحجة ولا يحصل بغير طلب العلم، وقد رفع الله إبراهيم درجات لغلبته على قومه بالحجة فقال : وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء... وقد سمى الله الحجة بالسلطان لأن الحجة لها سلطان على الناس فالقلوب تنقاد للعلم والبراهين والحجج طائعة مكرهة ولا تنقاد بالأبدان، وقال : قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه إن عندكم من سلطان بهذا... وقال : أم لكم سلطان مبين.. وقال : إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان..
28. رجاء التسبب بهداية الغير لحديث أبي هريرة عند مسلم :
مَن دَعا إلى هُدًى، كانَ له مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن أُجُورِهِمْ شيئًا، ومَن دَعا إلى ضَلالَةٍ، كانَ عليه مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثامِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن آثامِهِمْ شيئًا.
وحديث سهل بن سعد في الصحيحين : لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم.
29. ل الدخول في جملة الطائفة الطيبة الذين ذكرهم النبي والنجاة من الطائفة الذين ذمهم النبي في حديث أبو موسى عند البخاري : مَثَلُ ما بَعَثَنِي اللَّهُ به مِنَ الهُدى والعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أصابَ أرْضًا، فَكانَ مِنْها نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ الماءَ، فأنْبَتَتِ الكَلَأَ والعُشْبَ الكَثِيرَ، وكانَتْ مِنْها أجادِبُ، أمْسَكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بها النّاسَ، فَشَرِبُوا وسَقَوْا وزَرَعُوا، وأَصابَتْ مِنْها طائِفَةً أُخْرى، إنَّما هي قِيعانٌ لا تُمْسِكُ ماءً ولا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذلكَ مَثَلُ مَن فَقُهَ في دِينِ اللَّهِ، ونَفَعَهُ ما بَعَثَنِي اللَّهُ به فَعَلِمَ وعَلَّمَ، ومَثَلُ مَن لَمْ يَرْفَعْ بذلكَ رَأْسًا، ولَمْ يَقْبَلْ هُدى اللَّهِ الذي أُرْسِلْتُ بهِ.
30. ل النجاة من اللعنة لما حسنه الترمذي من حديث أبي هريرة : ألا إنَّ الدنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها إلا ذكرُ اللهِ وما والاهُ وعالمٌ أو متعلمٌ.
31. لتبليغ الحديث لما جاء عند البخاري من حديث عبدالله بن عمرو : بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً، وَحَدِّثُوا عن بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا حَرَجَ وَمَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ. وقد دعا النبي بنضارة الوجه لمن بلغ حديثه لحديث ابن مسعود عند الترمذي وصححه الالباني : نضَّر الله امرءًا سمِع مقالَتي فوعاها وحفِظها وبلَّغها فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه.
32. رجاء الدخول في الخيرية لحديث عثمان بن عفان عند البخاري : خيركم من تعلم القرآن وعلمه. وحديث أبي هريرة عند البخاري : تَجِدُونَ النّاسَ مَعادِنَ، خِيارُهُمْ في الجاهِلِيَّةِ خِيارُهُمْ في الإسْلامِ، إذا فقِهُوا.
33. رجاء بلوغ مرتبة الصديقية والتي هي أعلى مرتبة في الجنة بعد مرتبة الانبياء لقوله : ومن يطع الله والرسول... وجاء عند البخاري من حديث أبي سعيد البخاري : إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ يَتَراءَوْنَ أهْلَ الغُرَفِ مِن فَوْقِهِمْ، كما يَتَراءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغابِرَ في الأُفُقِ، مِنَ المَشْرِقِ أوِ المَغْرِبِ؛ لِتَفاضُلِ ما بيْنَهُمْ. قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، تِلكَ مَنازِلُ الأنْبِياءِ لا يَبْلُغُها غَيْرُهُمْ؟ قالَ: بَلى، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، رِجالٌ آمَنُوا باللَّهِ وصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ. قال ابن القيم : الصديقية هي كمال الايمان بما جاء به الرسول علما وتصديقا وقياما به، فهي راجعة إلى نفس العلم فكل من كان أعلم بما جاء به الرسول وأكمل تصديقا له كان أتم صديقية، فالصديقية شجرة أصولها العلم وفروعها التصديق، وثمرتها العمل.
34. رجاء بلوغ مرتبة الامامة في الدين وهي أرفع مراتب الصديقين وهي لا تحصل بغير الصبر واليقين، واليقين هو كمال العلم وغايته فبتكميل مرتبة العلم تحصل إمامة الدين لقوله : وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا... وقد ذكر الله أن من صفات أهل الجنة أنهم يسألون الله الإمامة في الدين لقوله : والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما أولئك يجزون الغرفة بما صبروا..
35. لاستعمال الحواس فيما خلقت له من العلم والتعليم والفهم والتفكر والتدبر. وقد ذم الله أهل القرى الظالمة التي أهلكها لتعطيل حواسهم عن التعقل والفهم ولم يستعملوها فيما خلقت له من الايمان والتعقل والتفكر والتدبر في آياته الكونية والشرعية فقال : أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا.. وقال : وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله..
36. لمعرفة الله إذ هو أفضل العلوم وأصلها وكل معلوم فهو فرع عن علمه ولا تتحقق معرفته بلا علم وقد ذم الله من غفل عنه فقال : ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا... وقال : نسوا الله فأنساهم أنفسهم...
37. لزيادة المحبة ل الله في قلب العبد. فكلما ازداد من العلم بالله كلما ازداد حبه له وكلما ازداد حبه كلما ازداد إيمانه. وقد أخبر الله عن أهل الإيمان أنهم يحبون الله أكثر من محبة المشركين لمعبوداتهم فقال : ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله...
38. لعلاج أمراض الشبهات والشهوات لقوله : وننزل من القرآن ما هو شفاء... وقوله : يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء.. وحديث ابن عباس عند أحمد : قتَلوه قتَلَهم اللهُ، ألم يَكُنْ شِفاءُ العيِّ السَّؤال. فجعل العي وهو عي القلب عن العلم مرض وشفاؤه سؤال العلماء.
39. أن الله نهى عن اتباع خطوات الشيطان فقال : ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين، وحذر من الاغترار به فقال : ولا يغرنكم بالله الغرور، وحذر من الافتتان به فقال : ولا يفتننكم الشيطان.. وأخبر عن أن سبب هلاك الأمم قبلنا هو تزيين الشيطان فقال : تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم.. ولا يتحقق امتثال كل ذلك بغير العلم.
40. لأن الإشتغال به من أفضل الاعمال بعد الفرائض... لحديث أبي امامة الباهلي عند الترمذي وصححه الالباني : ذُكِرَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رجُلانِ؛ أحدهما عابدٌ، والآخَرُ عالِمٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: فضلُ العالمِ على العابدِ كفضلي على أدناكم. قال ابن تيمية في منهاج السنة : وهذه الثلاث ـ الصلاة، والعلم، والجهاد ـ هي أفضل الأعمال بإجماع الأمة، قال أحمد بن حنبل: أفضل ما تطوع به الإنسان الجهاد، وقال الشافعي: أفضل ما تطوع به الصلاة، وقال أبو حنيفة ومالك: العلم، والتحقيق أن كلا من الثلاثة لا بد له من الآخرين، وقد يكون هذا أفضل في حال، وهذا أفضل في حال، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يفعلون هذا وهذا وهذا، كل في موضعه بحسب الحاجة والمصلحة.
41. رجاء الرفعة في الدنيا والآخرة كما جاء عند مسلم من حديث ابن عمر : إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتابِ أَقْوامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ.
42. لإحياء الاسلام قال ابن القيم : من طلب العلم ليحيي به الاسلام فهو من الصديقين ودرجته بعد درجة النبوة.
43. لتحقيق أفضل المنازل في الدنيا لما حسنه الترمذي من حديث أبي كبشة الانماري : إنَّما الدُّنيا لأربعةِ نفرٍ: عبدٌ رزقَه اللَّهُ مالًا وعِلمًا فهوَ يتَّقي ربَّهُ فيهِ ويصلُ بهِ رحِمَهُ ويعلَمُ للَّهِ فيهِ حقًّا فَهَذا بأفضلِ المَنازلِ. وعبدٍ رزقَهُ اللَّهُ علمًا ولم يرزُقهُ مالًا فَهوَ صادقُ النيَّةِ يقولُ: لَو أنَّ لي مالًا لعَمِلتُ فيه بعَملِ فلانٍ فهو بنيَّتهِ فأَجرُهُما سواءٌ. وعَبدٌ رزقَهُ اللَّهُ مالًا ولَم يَرزُقهُ عِلمًا يخبِطُ في مالِهِ بغيرِ عِلمٍ لا يتَّقي فيهِ ربَّهُ ولا يَصلُ فيهِ رحمَهُ ولا يعلَم للهِ فيهِ حقًّا فهو بأخبَثِ المنازلِ، وعبدٌ لم يَرزُقْهُ اللَّهُ مالًا ولا عِلمًا فَهوَ يقولُ: لَو أنَّ لي مالًا لعَمِلْتُ فيهِ بعمَلِ فلانٍ فَهوَ بنيَّتِهِ فوزرُهُما سواءٌ.
44. لصرف الهمة والفكر بالاشتغال بالعلم عن كل ما لا يقرب إلى الله من المحرمات والمكروهات وفضول المباحات والافكار الضارة والوساس الشيطانية والخطرات الرديئة لأن النفس إذا لم تنشغل بالطاعة انشغلت بالمعصية وقوة العقل والفكر إذا لم تستغل في الفكر فيما ينفع من مصالح الدارين ومنها طلب العلم فلا بد أن يعاقب العبد بالاشتغال فيما لا ينفع لأن الذهن
لا يمكن أن يخلو من الافكار والخطرات.
45. ليكون صدقة جارية بعد الموت لحديث أبي هريرة عند مسلم : إِذا ماتَ الإنْسانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلّا مِن ثَلاثَةٍ: إِلّا مِن صَدَقَةٍ جارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صالِحٍ يَدْعُو له. وحديث أبو قتادة عند ابن ماجه وصححه الالباني : خيرُ ما يخلِّفُ الرَّجُلُ من بعدِه ثلاثٌ ولدٌ صالِحٌ يدعو لَه وصَدَقةٌ تجري يبلغُهُ أجرُها وعِلمٌ يُعمَلُ بِه من بعدِهِ.
46. لتحصيل ثواب مجالس العلم والسعي لها لحديث أبي هريرة عند مسلم : وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ، وَيَتَدارَسُونَهُ بيْنَهُمْ؛ إِلّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ... وقوله : السائحون الراكعون الساجدون... والسائحون أي : الذاهبون للغزو أو طلب العلم
47. رجاء هداية ونفع الناس عند ضياع العلم واستحكام الجهل لحديث حذيفة عند ابن ماجه وصححه الالباني : يدرُسُ الإسلامُ كما يدرُسُ وَشيُ الثَّوبِ حتّى لا يُدرى ما صيامٌ، ولا صلاةٌ، ولا نسُكٌ، ولا صدَقةٌ، ولَيُسرى على كتابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ في ليلَةٍ، فلا يبقى في الأرضِ منهُ آيةٌ، وتبقى طوائفُ منَ النّاسِ الشَّيخُ الكبيرُ والعجوزُ، يقولونَ: أدرَكْنا آباءَنا على هذِهِ الكلمةِ، لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فنحنُ نقولُها فقالَ لَهُ صِلةُ: ما تُغني عنهم: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وَهُم لا يَدرونَ ما صلاةٌ، ولا صيامٌ، ولا نسُكٌ، ولا صدقةٌ؟ فأعرضَ عنهُ حُذَيْفةُ، ثمَّ ردَّها علَيهِ ثلاثًا، كلَّ ذلِكَ يعرضُ عنهُ حُذَيْفةُ، ثمَّ أقبلَ علَيهِ في الثّالثةِ، فقالَ: يا صِلةُ، تُنجيهِم منَ النّار ثلاثًا. وقد بشر الله الغرباء في زمن الغربة عن الاسلام والعلم فقال في حديث أبي هريرة عند مسلم : بَدَأَ الإسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كما بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبى لِلْغُرَباءِ
48. رجاء شرف الانتساب لأهل القرآن وهم أهل الله وخاصته وأحق الناس بشرف الانتساب هم أهل العلم العاملون به كما روى ابن ماجة وصححه الالباني من حديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ ؟ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ.
49. جاء في حديث عبدالله بن عمرو عند أبي داوود : يُقالُ لصاحبِ القرآنِ اقرأْ وارتقِ ورتِّلْ كما كنت تُرتِّلُ في الدنيا فإنَّ منزلَك عند آخرِ آيةٍ تقرؤُها. وأهل العلم داخلون فيه دخولا أولياً ولا شك
50. أن الله ذكر الأمور التي تستحق الغبطة والتمني وذكر منها المال والعلم وقراءة القرآن ويفهم من ذلك أن غيرها لا تستحق الغبطة ولا تمنيها إما لأن نفعها قليل أو لأنه لا نفع فيها البتة كما جاء في حديث ابن مسعود عند البخاري : لا حَسَدَ إلّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا، فَسَلَّطَهُ على هَلَكَتِهِ في الحَقِّ، وآخَرُ آتاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهو يَقْضِي بها ويُعَلِّمُها. وحديث ابن عمر عند البخاري : لا حَسَدَ إلّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ القُرْآنَ فَهو يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيْلِ وآناءَ النَّهارِ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا فَهو يُنْفِقُهُ آناءَ اللَّيْلِ وآناءَ النَّهارِ
51. أن الله ذكر عن أهل القرآن أنهم مع السفرة الكرام البررة من الملائكة وأهل العلم العاملون به داخلون فيه دخولا أولياً لحديث عائشة عند البخاري : مَثَلُ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ وهو حافِظٌ له، مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ..
- 52. أن الله يجازي قارئ القرآن الذي يتعاهده ويشق عليه على تعبه ويعطيه أجره مرتين وأهل العلم العاملون به داخلون فيه دخولا أولياً لحديث عائشة أيضا عند البخاري : مَثَلُ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ وهو حافِظٌ له، مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، ومَثَلُ الذي يَقْرَأُ وهو يَتَعاهَدُهُ، وهو عليه شَدِيدٌ؛ فَلَهُ أجْرانِ. ...المزيد
في ظل كثرة الانشغالات وضيق الوقت وزحمة وسائل التواصل تصبح الحاجة ماسة لتقريب العلوم الشرعية ...
في ظل كثرة الانشغالات وضيق الوقت وزحمة وسائل التواصل تصبح الحاجة ماسة لتقريب العلوم الشرعية والاقتصار على المهمات كالقواعد والاصول والضوابط وعدم الإنشغال الكبير بالتفريع والتجزيء والمتون والحواشي التي ربما تثقل على المتعلمين وتقدم تفصيلات زائدة ربما حتى المتخصصين في العلوم الشرعية قد لا يحتاجونها وتهدر أوقات كان الأجدر أن تصرف في غيرها، فينبغي مراعاة الزمن وظروف وأحوال الناس وأما التمسك بالمتون التي تم تأليفها في تلك الأزمان وكانت مفهومة لأهل ذلك الزمان ومناسبة لهم وترك غيرها ولو كانت أولى منها وأنفع لأهل هذا العصر فليس بصحيح إذ أن هذه المتون وغيرها من كتب التراث لا تعدو كونها وسيلة لفهم مقصود الشارع وليست غاية بذاتها والبعض منها ليس فيها كبير فائدة بل ربما تشغل عن الاشتغال بالقرآن والسنة ومحكمات الشريعة وهو أولى وأجدر أن تصرف فيه الهمم والعزائم أضف لذلك أن بعض كتب التراث كان سبب تأليفها هو معالجة مشاكل المجتمع في زمن المؤلف مثل تأليف كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب لمعالجة انتشار الشرك في العبادة في ذلك الوقت وكذا تأليف الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية فقد أكثر فيه من الآيات المتعلقة بالصفات لأن ابن تيمية عاش في عصر انتشر وكثر فيه الكلام والجدل في الصفات وأغلب كتبه كانت ردود على المتكلمين والصوفية وغيرهم وهكذا قد يأتي عصر يقتضي المقام فيه التفصيل في مسألة على وجه الخصوص لازدياد حاجة الناس إليها كما هو الحال في عصرنا الحالي إذ ظهرت مستجدات جديد لم تكن معروفة سابقاً كالشذوذ والنسوية وغيرها من المسائل فلا ينبغي الجمود على متون أو كتب معينة وكأنها كتاب منزل من عند الله وترك ما هو أولى وأنفع لأهل الزمان وما يقتضيه الحال، والأمر كله راجع للمصالح والمفاسد ولا يفهم من كلامي العيب أو التقليل في من يدرس المتون أو كتب التراث أو علمائنا الاقدمين كلا والله بل هي مجرد تنبيه من العبد الفقير. ...المزيد