{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن ...

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } * { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }



أسباب النزول





1) روى ابن جرير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: " إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصام يوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر " ، ثم إن الله عز وجل فرض شهر رمضان، فأنزل الله تعالى ذكره { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ } حتى بلغ { وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } فكان من شاء صام، ومن شاء أفطر وأطعم مسكيناً، ثم إن الله عز وجل أوجب الصيام على الصحيح المقيم، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصوم، فأنزل الله عز وجل { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ... }.



2) وروُي عن سلمة بن الأكوع أنه قال " لما نزلت هذه الآية { وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } كان من شاء منا صام، ومن شاء أن يفطر ويفتدي فعل ذلك، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }.



3) وروي أن جماعة من الأعراب سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أقريبٌ ربنا فنناجيه؟ أم بعيدٌ فنناديه؟ فأنزل الله { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ... } الآية.



4) وروى البخاري عن (البراء بن عازب) أنه قال: " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإنّ (قيس بن صرمة) الأنصاري كان صائماً، وكان يعمل بالنخيل في النهار، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندكِ طعامٌ؟ قالت: لا، ولكن أنطلقُ فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبةً لك، فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ } ففرحوا فرحاً شديداً، فنزلت { وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ }.



أى أن الصيام فُرِض على المسلمين فى بادىء الأمر وكان مسموح لمن يجد مشقة فى الصيام أن يقوم بإطعام المساكين بدلا من الصوم، ثم تغير بتكليف جميع القادرين على الصيام واستثناء المريض والمسافر بقضاء الصيام فى أيام آخرى بعد انتهاء المانع.

ثم أنزل الله تخفيفا على المسلمين بجواز الطعام والشراب والجماع بين الزوجين فى ليلة الصيام بعد أن كان محرما واستثناء أيام الاعتكاف بالمسجد لا يكون فيها جماع





التفكير :
أجدنى عاجزا عن البيان فى هذه الآيات العظيمة فآيات الصيام من أبلغ وأروع ما وجدت فى القرآن ودليل رفيع على أن الله إذا أرد أن يبين للناس تكليف معين أو حد معين من حدوده بأبسط العبارات لفعل وهذه الآيات هى خير دليل على ذلك فمن قرأ هذه الآيات وهو ضعيف فى اللغة سيفهم على الفور ما المقصود بالصيام وما الحكمة منه ومتى يكون وهل هو فرض أم أنه مجرد عمل صالح نتقرب به إلى الله

فيقول الله عز وجل

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ } أى أنه فرض على المؤمن



{ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } أى أنه فى شهر رمضان



{ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ } أى أن السحور ممتد من ليلة الصيام إلى الفجر



{ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَر } وأن على المريض بعد شفائه والمسافر بعد وصوله أن يقوم بصيام الايام التى فطر فيها اثناء مرضه أو سفره



{ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } وأن على من لا يستطيع الصيام لمرض دائم أو كبر سن أن يتصدق على الفقراء والمساكين



فنجد من الوضوح فى كيفية الصيام وشروطه تفصيلا فى القرآن لم نجده فى غيره من الفروض كالصلاة والزكاة وهذا دليلا على أهمية الفريضة المميزة التى حدثنا بها النبى صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي " كل عمل آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي "



وإذا نظرنا إلى بداية الآيات ونهايتها



{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }



{تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}



نجد أن الهدف والغاية من الصيام هو تقوى الانسان وتعليمه وتدريبه على تذكر الله فى كل أعماله



وإذا نظرنا إلى قول الله



{ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }

نجد أن اختيار التوقيت فى شهر مميز الله اختاره لينزل فيه بداية الوحى على الرسول وفيه الهدى

فنحن نطلب من الله فى كل صلاة الهداية ونقول اهدنا الصراط المستقيم والله يقول لنا إن الهدى تجدوه فى القرآن ..ولا يوجد أعظم من الايام التى نزلها فيها فى أن نقرأه ونتدبره فيها



وإذا نظرنا إلى قول الله



{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }



اختيار وضع هذه الآيه فى سياق تشريع الصيام إنما يدل على مقربة الله من الانسان ومقربة خاصة فى شهر رمضان تحث المؤمن على بذل المزيد من الطاعة والتقرب إلى الله

وقوله فليستيجبوا لى بالمعنى العام أى يطيعون وبالمعنى الخاص أن يصوموا كما أمرتهم يكون الصيام هنا يصل بنا إلى الايمان بالله ثم الرشد والتقوى

إن الصيام فى جوهرة يخبر الانسان بحقيقة وجوده فى الدنيا فالانسان فى دورة حياته الطبيعية يأكل ويشرب وينام إلى آخره من الاشياء الاعتيادية اليومية فاذا دخل رمضان وبدأ الانسان بالصيام امتنع عن هذه الاشياء ولو بشكل مؤقت وفالمقابل أصبح يذكر الله ويتعبد له أكثر من غيره من الشهور

ليتولد شعور جديد عند الانسان بأن الهدف من حياته ليس الاكل والشرب فقد قللت بالفعل أكلك وشربك وليس المال والشهوة فقد قللت من رغباتك وشهواتك وانفقت من مالك فى سبيل الله فيخرج الانسان بعد صيام الشهر بالغاية والمراد من هذه العبادة وهو أن وجودك فى الحياة إنما هى بوجود خالق أعظم أراد منك أن تتبع تعليماته لتسعد فى الدنيا والآخره ولا تفرط فى اتباع شهوات جسدك فتسقط فى دائرة لا طائل لك بها فتخسر سعادة الدارين والله أعلم



مصادر مستخدمة :

تفسير آيات الأحكام/ الصابوني (مـ 1930م -)
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً