وهنا تتجسد المنّة والاصطفاء بالإمامة والوراثة والتمكين مع هلكة عدوهم واندحاره، وللإمام ابن القيم ...

وهنا تتجسد المنّة والاصطفاء بالإمامة والوراثة والتمكين مع هلكة عدوهم واندحاره، وللإمام ابن القيم قول في هذا الصدد عندما سئل ما الحكمة من ابتلاء الأنبياء؟ فقال: فإنه سبحانه كما يحمي الأنبياء ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ليستوجبوا كمال كرامته وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء فصبروا ورضوا وتأسوا بهم، ولتمتلئ صاع الكفار فيستوجبون ما أعد الله لهم من النكال العاجل والعقوبة الآجلة فيمحقهم بسبب بغيهم وعداوتهم ويعجل في تطهير الأرض منهم. وقال أيضاً "فإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته فيما ساقهم به إلى أجلّ الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبروا إليها إلا على جسر الابتلاء والامتحان، وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين الكرامة في حقهم، فصورته صورة ابتلاء وامتحان وباطنه فيه الرحمة والمنّة، فكم لله من نعمة جسيمة ومنّة عظيمة تجنى من قطوف الابتلاء"، انتهى كلامه "رحمه الله".

وبعد هذا كله يجب على المسلم الموحد الذي رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً أن لا يساورنّه الشك في أن ما يجري اليوم لمن سار على النهج النبوي من حصار وانحسار وعجز العدة وقلّة المؤن، إنما هو امتحان من الله سبحانه، وإنما هي أيام من أيام الله، وينبغي على كل مؤمن أن يري الله تعالى منه ما يحب من صبر واحتساب وإيمان وتسليم، ويترفع وينأى بنفسه عن الأراجيف والتحدث بكل ما تسمعه أذنه، وأن يسلي نفسه بقول الله تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}[الطور:48] واعلم أنّ وعد الله حق وأنّ دابر الكفار مقطوع بإذن الله وأنّ الله ناصر دينه بنا أو بغيرنا، وليكن شكرنا لله على أن اصطفانا قبل أن يبتلينا سبحانه، فقد فضّلنا على كثير من خلقه بأن جعلنا مسلمين، وانتقانا من بين أهل التوحيد فجنّدنا للدفاع عن دينه، ومنّ علينا أن ثبّتنا بعد كل هذه المصاعب والشدائد، والتي كانت كفيلة بانتكاس الكثير، فما بقي إلا أن ننتظر موعود الله ونسير على خطى من سبقنا من سلفنا الصالح، ولا ننسى أنّ أعمالنا بين القبول والرد، ولا يسعنا إلا أن نصدق مع الله ونسأله أن يتقبّل منا صالحها ويتجاوز عن سيئها، فحينئذٍ نكون جديرين باصطفاء الله سبحانه لنا. فالحمد لله الذي ابتلى وامتحن، والحمد لله الذي اصطفى ومكّن، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 160
الخميس 6 ربيع الثاني 1440 هـ
...المزيد

مقال - الابتلاء باب للاصطفاء إنّ من سنن الله سبحانه أن يبتلي المؤمنين، ويزيد في ابتلائهم بحسب ...

مقال - الابتلاء باب للاصطفاء

إنّ من سنن الله سبحانه أن يبتلي المؤمنين، ويزيد في ابتلائهم بحسب ارتفاع مراتبهم، وذلك لينقّيهم وليؤدبهم فيكونوا بذلك أقوى إيماناً وأزكى نفساً وأصلب عوداً، ثم يكونوا أهلاً لاصطفاء الله لهم، فتسهل عندهم حينها حمل الأمانات الثقال، فيصبحوا قادرين على مواجهة المهام الجسام، فقد قرن سبحانه منحة الاصطفاء مع سنة الابتلاء، وجعل لعباده الصابرين على ابتلائه لهم، عوامل مثبتة ومسارات يسيرون عليها ووعوداً وعدهم بها، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الابتلاء في آيات كثيرة حيث قال:
[الملك:2] {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.

وفي الحديث: عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة) [سنن الترمذي].

وممّا لا شك فيه أنّ الكل منا يعرف ما جرى لجماعة المسلمين يوم حوصروا في شِعب أبي طالب وما مسّهم من جوع وألم وحيرة، فكان حال المسلمين يصعب وصفه، إذ نحلت الأجساد وذبلت الأكباد وقرقرت البطون وظمِئت الأجواف، أطفال يصرخون وشيوخ يئنون ومرضى يتألمون ورجال ونساء حائرون، فقد كانت هذه أول تجربة شاملة لجماعة المسلمين عامة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، حيث دامت مدة الحصار ثلاث سنين، فأخذ الجوع مأخذاً من المسلمين لحدٍ لا يكاد يصدّق، ولعل موقفاً من مواقف أحد الصحابة الذين حوصروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يصور لنا ولو شيئاً من تلك الأيام، فهذا سعد بن أبي وقاص يقول: خرجت في ليلة لأقضي حاجتي فسمعت قرقعة تحت البول فحفرت فاذا هي قطعة يابسة من جلد بعير، فأخذتها فغسلتها ثم رضضتها وسففتها بالماء فتقويت بها ثلاث ليال، وهذه القصة كفيلة أن تعزينا فيما يجري من شدائد وابتلاءات وتكون من عوامل القوة للمسلم إذا ما أراد أن يثبت وينظر للابتلاء من منظور التأديب له والترويض لنفسه، وتستمر مسيرة الابتلاء، وهذه وقفة أخرى مع يوم من أيام الله ألا وهو يوم الأحزاب، ذلك اليوم الذي جعله الله مثلاً لشدة الابتلاء، إذ وصف سبحانه حال المؤمنين في قوله:
{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب:11]، وقد تختلف الابتلاءات في هذا الموقف على أوجه كثيرة، منها ضعف القوة والحصار والجوع وخيانة الحلفاء، زيادة على ذلك انحسار الرقعة الجغرافية لتواجد المسلمين، وهنا بلغ ابتلاء المسلمين الذروة، فقد أدركت الطائفة المؤمنة أنها قد وصلت إلى مفترق مهم يميزهم عمّن ادعى الإيمان، ففي الوقت الذي نعق به المنافقون وبدءُوا يخذلون وينشرون أراجيفهم في صفوف المسلمين، وما أشبه اليوم بالأمس! ولكن ما كان من المؤمنين إلا أن قالوا كما في قوله تعالى:
{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}[الأحزاب:22].


• محنة ومنحة

وهنا تبدأ منحة الاصطفاء، ويكرّم الله عباده بجنود لم يكونوا بالحسبان، فكانت العناية الربانية واضحة، إذ لم يكن للسيف أي صوت في حسم المعركة، فكان جندي الريح يصول ويجول، يقتلع الخيام ويكفئ القدور ويشرد جموع الكافرين، لتنقلب الكفة لصالح المؤمنين، وكيف لا! وقد ذكر الله تعالى أيضاً الاصطفاء الذي يكون بعد انقضاء الابتلاء ويكون نتيجة الصبر على هذا الابتلاء في آيات عديدة فقال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا...} [فاطر:32].


• إنما النصر من عند الله

فمن أشدّ صور الابتلاء هو الاستضعاف من قبل العدو، فمن الممكن أن يكون عدوك يمتلك من الإمكانيات والعوامل التي تجعل قتاله أو الوقوف بوجهه أشبه بالمستحيل، وهذا تقريبا حال المؤمنين في كل زمان، وقد بين الله تعالى لنا ما جرى للذين آمنو به وصدّقوا رسله من الاستضعاف على مرّ العصور فقال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[القصص:4] وهنا نرى أنّ استضعاف فرعون لتلك الطائفة كان وجهاً من أوجه الابتلاء، فما كان لتلك الطائفة أي إمكانية للوقوف في وجه فرعون، وهنا قطعت أسباب الأرض وأصبحت تلك الطائفة مجردة من جميع الإمكانيات، وهنا أيضاً يأتي دور الاصطفاء والنجاة بعد الصبر والتنقية، فيقول الله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:6،5]
...المزيد

الثبات على العهد ذكر الله جل وعلا في كتابه العزيز صوراً وقصصا شتى عن أحوال الثابتين من الأنبياء ...

الثبات على العهد

ذكر الله جل وعلا في كتابه العزيز صوراً وقصصا شتى عن أحوال الثابتين من الأنبياء والمرسلين وغيرهم ممن ثبت على أمر الله، وقد كان في ذلك عظة وعبرة للمؤمنين وتثبيت لهم {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120]، وقد جاءت قصص الأنبياء في كتاب الله متنوعة من حيث صفة الابتلاء والمحن التي حلت بهم.

فكان من حكمة الله ذكر كل تلك القصص لتكون منارةً للسائرين على دربهم، وذكرى تحيى بها قلوبهم فيعلموا أن كل بلاء قد يمر بهم سبقهم فيه سلف صالح، فحري بالمؤمن اليوم أن يستحضر تلك المواقف ويأخذ منها العبر، فإن كان حشد الكفار وتجمعهم يزعزع من عزمه، فليتذكر ما كان من أمر نوحٍ عليه السلام وأمامه أهل الأرض أجمع إلا عدد قليل ممن آمن معه، وإن كان ما حل به مرض أو فقد ولد أو مال ونحوه فليتذكر إن شاء حال نبي الله أيوب عليه السلام، وليس من أمر فيه بلاء إلا ومر به أحد الأنبياء والصالحين من قبل، وكذا كان حال نبينا صلى الله عليه وسلم فقد حوصر وأوذي وجاع وجرح ومرض وحاربه أهل الكتاب من اليهود بسيل من الشبهات فثبت عليه الصلاة والسلام على أمر الله حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة.

فلم يكن ثبات الأنبياء وأتباعهم يوما محصورا في ميادين المعارك أو الصبر على الأذى، بل قد عرضت لهم بعض المحن على هيئة شبهات فكانت لهم امتحانا واختبارا، فقد ثبت الصديق رضي الله عنه على إيمانه في حادثة الإسراء والمعراج حين تزعزع إيمان بعض المسلمين، وكذلك الأمر عندما حوّل الله سبحانه قبلة المسلمين من المسجد الأقصى للمسجد الحرام، فكان ذلك من البلاء والامتحان ليعلم الله الثابتين : {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143].

وإن حرب الشبهات لها تأثير أشد بأضعاف من حرب السلاح، إذ لا يمكن لمتردد مشكّك أن يثبت أمام أي محنة مهما صغرت، فكيف بالقتل والقتال والجوع والحصار، ولهذا حرص عليها أعداء الله وبذلوا كثيرا من الجهود للبحث عن وسائل تمكنهم من النفاذ إلى صفوف المجاهدين لمحاولة زعزعتهم ونشر تلك الشبه حتى تكون واقعا يخاف المسلم من مخالفته ويتقهقر تحت ضغطه.

قال الشيخ أبو مصعب الزرقاوي تقبله الله: "وهكذا يضغط الواقع على الكثيرين ممن يسعون للقيام بأمر الله، حيث يشعر هؤلاء أن كل من حولهم يخالفهم فيما هم عليه، بل وينابذهم على ذلك بكل ما يستطيع، فهم يسيرون في طريق موحشة، لا معين فيها ولا أنيس، والجميع حولهم يدعوهم ليسالموا أو يداهنوا أو يقفوا موقفاً وسطاً ويلتقوا مع الجاهلية في منتصف الطريق، بدعاوى وشعارات معلومة مشهورة".

وقد وفق الله قادة المجاهدين أن فطنوا لهذا الأمر وعلموا أنّ وضوح الهدف والغاية أهم معين للمسلم على الصبر، فأعلنوا دولة الإسلام التي كان من أهدافها إيضاح تلك الغاية ورفع الطموح لدى المجاهد، والثبات على هذه الغاية مطلب منفرد لا يقل أهمية عن غيره، فكم شكّك المرجفون بدولة الإسلام واتهموا بُناتها بالتعجل ثم حاولوا الضغط عليهم للتراجع عن ذلك فأجابهم الشيخ أبو عمر البغدادي تقبله الله فقال: "أمَّتي الغالية؛ كما أنَّنا لم نكذب على الله عندما أعلنَّا دولة الإسلام، لا نكذب على الله عندما نقول أنَّها باقية، باقية؛ رغم كل التعتيم والتضليل والطعن والتشويه".

فكان ثبات ذلك الجيل أمام تلك الحرب الشرسة وتمسكهم بغايتهم ومشروعهم بكامل تفاصيله، هو ما أوصل دولة الإسلام إلى ما صارت إليه بعد توفيق الله الذي رزقهم ذلك الثبات وهداهم إليه، ولم تقم الخلافة إلا بعون الله وتثبيته لأوليائه ممن لم يعطوا الدنية في دينهم، الذين أحسنوا الظنّ بربهم فثبتوا واستلموا الراية ثم سلموها لمن بعدهم جيلا بعد جيل، فبذلوا أنفسهم رخيصة في سبيل الله، لم ينثنوا أو يركنوا مع كل ما حل بهم من شدّة وبلاء وفتن وشبهات وحرب شديدة على كل الأصعدة ومن القريب قبل البعيد، فنحسبهم ممن قال الله فيهم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 160
الخميس 6 ربيع الثاني 1440 هـ
...المزيد

الثبات على العهد ذكر الله جل وعلا في كتابه العزيز صوراً وقصصا شتى عن أحوال الثابتين من الأنبياء ...

الثبات على العهد

ذكر الله جل وعلا في كتابه العزيز صوراً وقصصا شتى عن أحوال الثابتين من الأنبياء والمرسلين وغيرهم ممن ثبت على أمر الله، وقد كان في ذلك عظة وعبرة للمؤمنين وتثبيت لهم {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120]، وقد جاءت قصص الأنبياء في كتاب الله متنوعة من حيث صفة الابتلاء والمحن التي حلت بهم.

فكان من حكمة الله ذكر كل تلك القصص لتكون منارةً للسائرين على دربهم، وذكرى تحيى بها قلوبهم فيعلموا أن كل بلاء قد يمر بهم سبقهم فيه سلف صالح، فحري بالمؤمن اليوم أن يستحضر تلك المواقف ويأخذ منها العبر، فإن كان حشد الكفار وتجمعهم يزعزع من عزمه، فليتذكر ما كان من أمر نوحٍ عليه السلام وأمامه أهل الأرض أجمع إلا عدد قليل ممن آمن معه، وإن كان ما حل به مرض أو فقد ولد أو مال ونحوه فليتذكر إن شاء حال نبي الله أيوب عليه السلام، وليس من أمر فيه بلاء إلا ومر به أحد الأنبياء والصالحين من قبل، وكذا كان حال نبينا صلى الله عليه وسلم فقد حوصر وأوذي وجاع وجرح ومرض وحاربه أهل الكتاب من اليهود بسيل من الشبهات فثبت عليه الصلاة والسلام على أمر الله حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة.

فلم يكن ثبات الأنبياء وأتباعهم يوما محصورا في ميادين المعارك أو الصبر على الأذى، بل قد عرضت لهم بعض المحن على هيئة شبهات فكانت لهم امتحانا واختبارا، فقد ثبت الصديق رضي الله عنه على إيمانه في حادثة الإسراء والمعراج حين تزعزع إيمان بعض المسلمين، وكذلك الأمر عندما حوّل الله سبحانه قبلة المسلمين من المسجد الأقصى للمسجد الحرام، فكان ذلك من البلاء والامتحان ليعلم الله الثابتين : {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143].

وإن حرب الشبهات لها تأثير أشد بأضعاف من حرب السلاح، إذ لا يمكن لمتردد مشكّك أن يثبت أمام أي محنة مهما صغرت، فكيف بالقتل والقتال والجوع والحصار، ولهذا حرص عليها أعداء الله وبذلوا كثيرا من الجهود للبحث عن وسائل تمكنهم من النفاذ إلى صفوف المجاهدين لمحاولة زعزعتهم ونشر تلك الشبه حتى تكون واقعا يخاف المسلم من مخالفته ويتقهقر تحت ضغطه.

قال الشيخ أبو مصعب الزرقاوي تقبله الله: "وهكذا يضغط الواقع على الكثيرين ممن يسعون للقيام بأمر الله، حيث يشعر هؤلاء أن كل من حولهم يخالفهم فيما هم عليه، بل وينابذهم على ذلك بكل ما يستطيع، فهم يسيرون في طريق موحشة، لا معين فيها ولا أنيس، والجميع حولهم يدعوهم ليسالموا أو يداهنوا أو يقفوا موقفاً وسطاً ويلتقوا مع الجاهلية في منتصف الطريق، بدعاوى وشعارات معلومة مشهورة".

وقد وفق الله قادة المجاهدين أن فطنوا لهذا الأمر وعلموا أنّ وضوح الهدف والغاية أهم معين للمسلم على الصبر، فأعلنوا دولة الإسلام التي كان من أهدافها إيضاح تلك الغاية ورفع الطموح لدى المجاهد، والثبات على هذه الغاية مطلب منفرد لا يقل أهمية عن غيره، فكم شكّك المرجفون بدولة الإسلام واتهموا بُناتها بالتعجل ثم حاولوا الضغط عليهم للتراجع عن ذلك فأجابهم الشيخ أبو عمر البغدادي تقبله الله فقال: "أمَّتي الغالية؛ كما أنَّنا لم نكذب على الله عندما أعلنَّا دولة الإسلام، لا نكذب على الله عندما نقول أنَّها باقية، باقية؛ رغم كل التعتيم والتضليل والطعن والتشويه".

فكان ثبات ذلك الجيل أمام تلك الحرب الشرسة وتمسكهم بغايتهم ومشروعهم بكامل تفاصيله، هو ما أوصل دولة الإسلام إلى ما صارت إليه بعد توفيق الله الذي رزقهم ذلك الثبات وهداهم إليه، ولم تقم الخلافة إلا بعون الله وتثبيته لأوليائه ممن لم يعطوا الدنية في دينهم، الذين أحسنوا الظنّ بربهم فثبتوا واستلموا الراية ثم سلموها لمن بعدهم جيلا بعد جيل، فبذلوا أنفسهم رخيصة في سبيل الله، لم ينثنوا أو يركنوا مع كل ما حل بهم من شدّة وبلاء وفتن وشبهات وحرب شديدة على كل الأصعدة ومن القريب قبل البعيد، فنحسبهم ممن قال الله فيهم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 160
الخميس 6 ربيع الثاني 1440 هـ
...المزيد

• تواضع جم اتصف الإخوة بصفات طيبة كثيرة كان أبرزها التواضع الجم وخفض الجناح لإخوانهم المؤمنين ...

• تواضع جم

اتصف الإخوة بصفات طيبة كثيرة كان أبرزها التواضع الجم وخفض الجناح لإخوانهم المؤمنين يلحظ ذلك كل من عرفهم، فيروي من عاشرهم في المعسكرات أنهم كانوا كما قال الله تعالى: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين)، أهل بذل وعطاء وتضحية ووفاء بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل التوحيد، وديارهم التي تركوها حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.

كما كانوا شعلة من النشاط والهمة العالية يحرّضون إخوانهم ويرفعون هممهم ويسبقونهم إلى أي أمر يطلبونه منهم، ومن ذلك موقف حدث قبل الانطلاق لغزوة القواديس في إحدى معسكرات الولاية، حيث قام الأخ (أبو علي) يحرض الإخوة قبل الغزوة وقال لهم: "قوموا وتعانقوا"، وبدأ هو وأبو عمر بالعناق وفجأة انفجروا بالبكاء حتى ضجّ المعسكرُ كله باكيا!
وفي أبواب الطاعات كانوا أحرص ما يكونوا على الصيام والقيام وسائر النوافل، فلم تشغلهم تكاليف الجهاد وأعباء المهام الموكلة إليهم عن عبادات التضرع والمناجاة وتزكية الأنفس، وقد ذكر الأخ أبو عثمان (حفظه الله) أن الأخ أبا علي (تقبله الله) كان قد كتب في مذكرة صغيرة خاصة به جميع العيوب التي ابتلي بها ليتعاهد نفسه بالتربية والتزكية منشغلا بعيوبه عن عيوب غيره، وأخبر –أبو عثمان- أنه قبل أن يقتل بفترة وجيزة كان قد تخلص منها كلها بفضل الله تعالى، ولا عجب فإن ميادين الجهاد أفضل الميادين لتزكية الأنفس وتربيتها وتنقيتها من الأمراض والآفات.


• مثل يحتذى في الأخوّة الصادقة

لقد ضرب هؤلاء الإخوة أروع الأمثلة في الأخوّة الإيمانية الصادقة، لقد كانوا نموذجا يُحتذى في الاجتماع على طاعة الله تعالى، والتواصي بالحق والصبر، والتعاون على البر والتقوى لم تكن صداقتهم سبيلا إلى اللهو ومضيعة الوقت، لقد كانت أخوّتهم إحدى أسباب انتقالهم من الظلمات إلى النور فكانوا عونا لبعضهم على طريق الحق يشد بعضهم أزر بعض وظلوا هكذا حتى آخر لحظة في هذه الحياة.

فحري بشباب الأمة اليوم أن يقتدوا بهذه النماذج ويسيروا على خطاها، فسيرة هؤلاء الإخوة تقبلهم الله مدرسة كاملة من التوبة والهداية إلى الولاء والبراء مرورا بالهجرة والجهاد والأخوّة الصادقة والصبر والثبات، وانتهاء بالقتل في سبيل الله، هذا هو سبيل الرشاد الذي ندعو شباب الجيل إليه بدلا من سبل الضلالة والهوى.


• إصاباتهم ثم مقتلهم "تقبلهم الله"

في أواخر عام 1437 أدى قصف يهودي غادر إلى إصابة كل من أبي عمر وأبي عليّ بإصابات متفاوتة، ومقتل أبي بكر تقبله الله، فلم يفت ذلك في عضدهم ولم ينل من عزيمتهم فلا الجراح ولا فقد الخلاّن يوقف المجاهد عن جهاده، فواصلوا جهادهم بين تحريض وتدريب وصبر وجلاد، حتى جاء القدر الذي لا مفر منه وحانت لحظة اللّحاق بمن سبقهم على ذات الدرب فقد أدى قصف بالطائرات المسيرة إلى مقتل أبي عمر وأبي علي وذلك خلال العام الحالي 1440 ، ليرتحل ثلاثة من الإخوة -تقبلهم الله-بعد أن حققوا التوحيد في حياتهم قولا وعملا وجاهدوا وبذلوا أموالهم وأنفسهم رخيصة في سبيل الله حتى أتاهم اليقين من ربهم، فنسأله تعالى أن يتقبلهم وأن يجمعنا بهم في مستقر رحمته على سرر متقابلين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 159
الخميس 28 ربيع الأول 1440 هـ
...المزيد

• بداية الملاحقة الأمنية بعد أسبوعين من هذه الواقعة تم نقلهم جميعا من أماكن عملهم وإلحاقهم ...

• بداية الملاحقة الأمنية

بعد أسبوعين من هذه الواقعة تم نقلهم جميعا من أماكن عملهم وإلحاقهم بالأمن العام بدلا من الأمن المركزي، وتفريقهم عن بعضهم في أماكن متباعدة؛ حيث تم نقل الأخ أبو عمر إلى الأمن العام بأسوان، والأخ أبو بكر إلى الأمن العام بسوهاج، والأخ أبو علي إلى الأمن العام بالوادي الجديد، في محاولة من الطواغيت لتفريقهم وإبعادهم عن بعضهم.


• طلب العلم بحثا عن المنهج الصحيح

شكل التضييق الذي تعرض له الضباط نتيجة اكتشاف الطواغيت لمجرد حضورهم لمجلس علم عند شيخ قاعد ضال! نقطة تحول في إدراكهم لحجم العداوة والبغضاء التي يكنها النظام المصري المرتد لكل ما يمتّ للإسلام بصلة! فراحوا يتحرون الحق ويطلبون العلم بحثا عن المنهج الصحيح حتى قيّض الله لهم بعض الموحدين الذين دعوهم لعقيدة التوحيد ووجوب الجهاد وردة النظام الحاكم، ترتب على ذلك تفكيرهم بشكل جدي في ترك العمل والبراءة من الشرك طاعة لله وخوفا من عقابه، ورغبة في التوبة مما اقترفوه وسعياً للجهاد والنفير إلى أرض الإسلام والهجرة.


• محاولات الهجرة والنفير

وقياما بواجب الأمة المضيع -الهجرة والجهاد- حاول الإخوة ابتداء النفير إلى إحدى ولايات الدولة الإسلامية في الشام متشوقين للّحاق بإخوانهم فيها حيث كانوا يتابعون أخبارهم وما يصدر عنهم، عبر السفر لها عام 1436 لكن لم يكتب لهذه المحاولة النجاح لحكمة شاءها الله تعالى.


• الهجرة إلى ولاية سيناء

بحلول عام1437 كان التضييق الأمني قد بلغ ذروته، وأصبح الأسر خطرا محدقا بهم، مما حدا بهم إلى التفكير في أحد أمرين؛ الأول هو القيام بتنفيذ عملية انغماسيّة في مبنى أمن الدولة بالحي السادس بالقاهرة، والثاني هو الهجرة فورا لأرض سيناء دون تنسيق مع أحد فرارا بدينهم من فرعون وجنده! وهو ما هداهم الله إليه، فخرجوا وقد وكلوا أمرهم إلى الله تعالى وألسنتهم تلهج بالدعاء أن يُبلغهم أرض الهجرة وطريق النجاة.

وضجت مصر وأروقة الأجهزة الأمنية بقصتهم وكعادتهم أوعزوا لأبواقهم بشن حملة إعلامية عليهم ملئها الكذب واختلاق القصص الواهية التي صاغوها من نسج الخيال.


• لحظة دخولهم سيناء

وعن قصة نفيرهم أخبرونا أنهم لما قرروا الهجرة لإخوانهم لم يكن يحجبهم عن ذلك إلا ما كان يبثه في نفوسهم شياطين الإنس من "وسائل الاعلام ودعاة الضلال" أن الدولة الإسلامية تقتل العساكر حتى لو أتوها تائبين! وبعد تردد عزموا أمرهم أخيرا يبغون النجاة بدينهم في أرض يقام فيها شرعه.

وعند وصولهم إلى أرض سيناء نزلوا من السيارة التي كانوا يستقلّونها وعادت أدراجها والترقب والرهبة تسيطر على قلوبهم من المشهد، وفجأة سرعان ما تقدم إليهم أحد الإخوة مقبلا عليهم بوجه بشوش مُرحّبا بهم، فزال عنهم كل ما لاقوه في سبيل الوصول لديار الإسلام، نسوا كل ما مر بهم من صعاب وتحديات قبل ذلك، خرّوا لله سجدا، شكراً لله عز وجل أن يسر لهم مبتغاهم وفرحة بالوصول والنجاة من براثن الشرك والغواية.

وظلت هذه اللحظات الجميلة عالقة في أذهانهم وقلوبهم يحبونها ويذكرونها، بل حتى الأخ الذي كان في استقبالهم -تقبله الله-كانوا عندما يرونه يعانقوه وينفجرون بالبكاء، لأنه يذكرهم بأول يوم لهم في أرض الجهاد.

أي حب هذا الذي ملأ هذه القلوب للجهاد؟ إنه الحب الذي يوصل إلى صلاح الدين والدنيا ولا صلاح لها إلا بالتوحيد والجهاد.

وقد ذكر الإخوة بأنفسهم حفاوة اللقاء الأول وحسن الكرم والاستقبال الذي لاقوه من إخوانهم المجاهدين وهو الحال مع كل من أتى إلى ديار الإسلام في ولاية سيناء وغيرها من ولايات الخلافة.


• التدرج بالعمل داخل الولاية

نظرا لمّا تمتع به الإخوة من مهارات وخبرات قتالية وعسكرية أوكلت إليهم مهام عدة (فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه)، وأي أمر أفضل من أن يكون المرء جنديا في صفوف المجاهدين ينصر دينه وتوحيده؟

حيث عمل الإخوة جميعهم في المفارز الأمنية المكلفة بضبط وملاحقة الجواسيس وأبدوا يقظة ومهارة عالية في ذلك، وعمل الأخ أبو عمر (تقبله الله) كأحد كوادر "إدارة التخطيط العسكري" وغرف العمليات، فشارك في غرفة عمليات غزوتي "القصر والكتيبة"، والإغارة على كميني (العُجرة وكرم القواديس)، كما كان مدرباً في إعداد القادة العسكريين، بينما عمل الأخ أبو علي (تقبله الله) في قطاع التدريب العسكري، وشارك في غزوة القصر، كما تولّى القيادة الميدانية للإغارة على كمين العُجرة.
...المزيد

الدولة الإسلامية - قصيد شهيد فضّلوا اللحاق بأرض التوحيد على البقاء في أرض يحكمها الطواغيت ولم ...

الدولة الإسلامية - قصيد شهيد

فضّلوا اللحاق بأرض التوحيد على البقاء في أرض يحكمها الطواغيت ولم يعبؤوا بجاه أو منصب أو مال

• قصة نفير الضباط التائبين الثلاثة من مصر إلى سيناء

سلكوا سبيل الرشاد ضاربين بعرض الحائط سبل الضلال، مضوا غير آبهين بما سعى له دعاة الباطل من تزيين الكفر والردة التي وقع بها طواغيت مصر.

بحث الضباط التائبون من الجيش المصري المرتد عن طريق الحق فوفقهم الله عز وجل لخوض غمار المفاصلة مع المرتدين وإظهار البراءة منهم والولاء للمؤمنين.

فهجروا الجاهلية التي كانوا يسلكونها وهاجروا والتحقوا بإخوانهم ممن يذود ويدافع عن الإسلام، منتقلين من الظلمات إلى النور.

في مكان متواضع مفرغ من كل شواغل الدنيا وعلى ضوء خافت في فيافي سيناء كان الموعد مع رجال يتفجر الطُهر من جنباتهم ونور التوبة في وجوههم وأثر النعيم والترف بادِ عليهم، يعلو محيّاهم حياء الرجال ووقارهم، وأما سعادتهم بالهجرة والنفير فهو أكثر ما يمكنك أن تلاحظه من تعبيراتهم وقسماتهم.

إنهم الإخوة أبو عمر (حنفي جمال محمود سلمان)
والأخ أبو بكر (محمد جمال عبد الحميد (تقبله الله) والأخ أبو علي (خيرت سامي عبد المجيد السبكي) تقبلهم الله،

ما إن رأوا إخوانهم حتى سارعوا إلى مصافحتهم وعناقهم عناق من يعرفهم لسنوات طوال، وبدأوا يسردون قصة هدايتهم ونجاتهم من دركات الشرك، وإليكم جانبا منها وما عاينه إخوانهم معهم على ثرى سيناء.


• حياتهم قبل الهجرة

كانوا يعيشون في مدن مصر حياة الترف، يسكنون الشقق الفاخرة ويركبون المراكب الفارهة ويتبوؤن الرتب والمناصب المرموقة في النظام المرتد، حيث تخرجوا من كلية الشرطة المرتدة عام 1433، وكنتيجة لتفوقهم البدني والأكاديمي تم إلحاقهم للعمل كضباط في "إدارة العمليات الخاصة"، ينحدرون من أسر ثرية وطبقات عالية، الأخ (أبو علي) والده عميد بنظام الردة، و(أبو عمر) كان مدربا في معهد العمليات الخاصة ومرافقا لأحد أئمة الكفر، لما تميز به من تفوق بدني وأداء قوي.

باختصار لم يكن ينقصهم شيء من متاع الغرور فلقد جمعوا بين المنصب والجاه والمال، تلك الحياة التي يتمناها كل عبيد الدنيا! كان تحت أيديهم ما تشتهيه الأنفس الدنيئة من ملذات وشهوات. لكن فطرَهم السليمة وحبهم لدينهم أخرج حب الدنيا من قلوبهم فطلقوها ثلاثا! وقرروا طوعا واختيارا الهجرة إلى إخوانهم في دولة الإسلام بسيناء، طمعا فيما عند الله تعالى، فما عنده خير وأبقى، فآثروا الحياة الآخرة على الحياة الدنيا والباقية على الفانية، تركوا النعيم المنقطع واختاروا النعيم المقيم.


• دورهم في اعتصام رابعة

كعادة أبواق الضلال والتي تسعى لتشويه حال أهل التوحيد، غاضين الطرف عن أرتالهم العسكرية والتي كان على رأسهم طاغوتهم المرتد (محمد مرسي) حينما شنوا حملة على سيناء لا تختلف كثيراً عما يقوم بها زبانية طاغوت مصر الآن، فادعوا أن الإخوة كانوا من ضمن المتواجدين مع القوات الأمنية فيما عرف (باعتصام رابعة) إلا أن الحقيقة أقوى من أن يغطيها هؤلاء وأبواقهم فلم يكن إلا الأخ أبو عمر "تقبله الله" وبعكس ما ادعوه فقد قام بتهريب وإنقاذ الكثير من المتظاهرين ظنّاً منه أنه سبيل الحق، فتبين وعلم بعد توبته ردة الإخوان المجرمين،ودينهم السلمي الباطل.
نقطة تحول

اعتاد الضباط الأربعة أثناء فترة التزامهم الأولى على حضور دروس بعض من انخدعوا بهم من دعاة الضلال ممن مكنهم الطاغوت من المنابر والشاشات، حيث لم يكن منهج الحق والتوحيد واضحا بالنسبة إليهم في تلك المرحلة.

وشاء الله تعالى أن تأخذ حياتهم مساراً آخرا بعد أن تم ايقافهم في أحد الأيام عند حاجز أمني للمرور أثناء ذهابهم مع أحد أصدقائهم الملتحين لحضور درس في أحد المساجد،وكان الطريق مغلقا نظرا لمرور موكب المرتد "عدلي منصور" وعند محاولتهم المرور حصلت مشادة كلامية بينهم وبين عقيد مرور نصراني كان في النقطة، وبمجرد أن رآهم برفقة صديقهم الملتحي قام بإبلاغ أمن الدولة ووزارة الداخلية، وهو دأب الطواغيت وأنصارهم في كل مكان، وعلى الفور تم اقتيادهم للتحقيق في قسم "الشرابية" ثم في قسم "إدارة العمليات الخاصة" حيث قام بالتحقيق معهم كل من: عقيد أمن العمليات الخاصة، عميد الشؤون الإدارية للعمليات الخاصة، قائد قطاع الأمن المركزي، مدير إدارة العمليات الخاصة اللواء المرتد "مدحت المنشاوي".

وكانت من ضمن الأسئلة التي وجِّهَت إليهم:عن صلاتهم وهل يلتزمون بها في الجماعة بالمسجد وخاصة الفجر، وتهدف هذه الأسئلة إلى تصنيفهم! فمجرد المحافظة على الصلوات بالنسبة لطواغيت مصر تعني دق نواقيس الخطر! وهو ما عبر عنه صراحة المرتد "مدحت المنشاوي"أثناء التحقيق معهم بقوله: "أنه يفضّل أن يضبط ضباطه متلبسين بالفاحشة على أن يحضروا دروس العلم في المساجد"!وكانت هذه نقطة التحول بالنسبة لهم، فرغم عملهم في نظام الردة إلا أن فطرهم السليمة لم تستوعب ما تفوه به هذا المرتد والذي يعبر صراحة عن واقع وحقيقة جميع أنظمة الردة في كل مكان وزمان.
...المزيد

مقال - لا تكلف إلا نفسك إن من شر البلاء الذي ابتليت به أمة الإسلام، أن كثر فيها أهل التنظير ...

مقال - لا تكلف إلا نفسك


إن من شر البلاء الذي ابتليت به أمة الإسلام، أن كثر فيها أهل التنظير وقل فيها العاملون، نتيجة انتشار العلم وسهولة تحصيله فيتحول كل فرد من الناس إلى منظر يصوب هذا ويخطئ ذاك وهو قاعد تارك للعمل، ويصير هذا الأمر لديه إلى إدمان فيخشى مع مرور الزمن أن يعمل، خوف الوقوع في الخطأ واستصعاباً للخروج عن الراحة التي اعتادها، فينتظر من غيره التغيير ولا يحس بالذنب ولا العار من قعوده وركونه بل قد يمن على إخوانه إن وصله فتحهم أنه كان مناصراً لهم قبل ذلك ولم يكن أكثر من قاعدٍ يُقيّم أفعال المجاهدين، فيكون بذلك من الغثاء كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل) [رواه أبو داوود].

وقد يتسلل هذا السلوك إلى صفوف العاملين والمجاهدين وأنصارهم، فيركن بعضهم إلى إخوانه ويجعل عمله مقتصرا على ما يرفع اللوم عنه ولا يبادر لأكثر من ذلك، فإن ظهر له أمر يعيق عمله الذي وُكّل به قعد وركن منتظراً من يزيل ذلك العائق ويمهد له الطريق ليكمل عمله، وقد يلقي في قعوده اللّوم على أميره أو على الجماعة كلها غافلا عن أن أصل عمله هو نصرة دين الله، وأن ما يعترضه من مصاعب وعوائق أياً كان سببها وأصلها لا بد له من معالجتها بنفسه وبذل الجهد والصبر والمصابرة في ذلك، ولا يقل هذا الأمر أهمية عن بذل النفس في سبيل الله، فلا يمكنه إتمام صفقة البيع للنفس مع الله دون أن يبذل في ذلك الوسع ويبلغ الجهد.

وإن خير سلف للمسلم فعل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بصير رضي الله عنه، فلما أقفلت أبواب الهجرة في وجهه ومنع من اللّحاق بالجماعة عمل بما في طاقته ففتح الله له من فضله، ولم يبقى في مكة بعد فعله قاعدا منتظراً فتح المسلمين لها ملقيا اللوم على دولة المسلمين في المدينة، وإنما كان فعله ذاك نابعاً عن علمه رضي الله عنه بأن العمل في سبيل الله أسمى من مجرد التخلص من شعور الإحساس بالذنب أو تجنب الملامة، فهدفه إرضاء ربه سبحانه والسعي لنيل رحمته بكل ما يقدر عليه من أبواب الخير التي في وسعه طرقها.

وعلى العبد أن يجدد النية دوما ويتهم نفسه بالتقصير ولا يعجب بعمله ويركن إلى ما قدم أو يمنّ على إخوانه بهذا العمل، فيكون حاله كمن قال الله فيهم {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17]، فلا يستنكف عن بذل الجهد والعمل والسعي لنصرة دين الله بكل وسيلة متاحة.

وقد أمر الله سبحانه عباده بالقتال وأراحهم من هم النتائج فأجرهم محفوظ عند ربهم ما داموا في عملهم مخلصين ولنبيهم متبعين، قال تعالى {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} [النساء: 84]، بل كان أجر المجاهد في سبيل الله الذي يفوته الظفر أعظم من غيره ممن نال السلامة والغنيمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من غازية أو سرية تغزو، فتغنم وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم ، وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم أجورهم) [رواه مسلم].

فعلى كل مجاهد ومناصر أن يتذكر أنه محاسب يوم القيامة وحده، فابذل وسعك وجاهد في سبيل الله واعمل لنصرة دينه واعلم أنه لن ينجيك يوم الحساب غير رحمة ربك سبحانه فأرِ الله منك ما تنال به رضوانه، وتذكر أنه لا عمل من دون مشقة ومصاعب تعترضك فمن أراد الجنة فليبذل لها ثمنها {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 159
الخميس 28 ربيع الأول 1440 هـ
...المزيد

فامضوا وانتظروا وارتقبوا نصر الله العزيز لأهل الإيمان به عز وجل قال سبحانه: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ ...

فامضوا وانتظروا وارتقبوا نصر الله العزيز لأهل الإيمان به عز وجل قال سبحانه: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، وقد واسانا الله سبحانه وتعالی في هذه الابتلاءاتِ والامتحاناتِ والشدائد، فقال لنا في كتابه الحكيم: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].

هذا ربنا وإلهنا يواسينا بجميل أنواع الكـَلِم الطيب. لِما يواسينا؟! حتی نثبُت علی ما يريده منا ونثبت في كل مرحلة من المراحل، وفي كل ابتلاء من الابتلاءات، ولكن بشرط أن نكون ثابتين علی ذلك الإيمان الذي هدانا إليه في كتابه وعن طريق رسوله خاتمِ الأنبياء والمرسلين، نبيِّ الرحمة والملحمة صلوات ربي وسلامه عليه، فأيقنوا بكلامه سبحانه وتعالى، وتمعَّنوا بآياتِه العظيمة. فالحقيقة - أيها المجاهدون القشاعم! - الحقيقةُ هي أن هذا الإيمان الذي ينغرس في قلوبنا، الإيمان الذي يكبر ويكبر ويزداد في قلوبنا، الإيمان الذي يثبت في قلوبنا، إنما هو في الحقيقة جندي من جنود الله الذي يهزم كلَّ قوةٍ عاتية عن أمر ربها! فلا يحزن بعدها أحد مما يحدث له، ولا يهن، ولن يستعلي عليه أيُّ عاتٍ عن أمر الله، فتمسكوا بهذا الإيمان بكل حقائقه ومتطلباته يكن لكم كلّ نصر وتمكين بإذنه تعالی ، وما هو إلا ابتلاء لإيماننا هذا ، فاثبتوا عليه رعاكم الله وتولاكم ، وتزودوا بمايزيده ويثبِّتُـه، فهو مصدر قوتنا التي لا تُقهَر ، وهو المطلوب الأساسي الذي يريده منا ربنا وإلهنا ، لأنه لا قوة لنا مِن الله إلا بهذا الإيمان الذي لا قوة ولا طاقة لمخلوق في الكون تغلبه قال تعالى: { وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا } [ آل عمران:140 ] فالله سبحانه وتعالی بهذه المداولة ، يريد معرفة مدى هذا الايمان في قلوبنا لأنه هو مصدر الفلاح في الدنيا والآخرة ، وحسبنا أن يلهِمَنا ربنا الرشاد والسداد وزيادة الإيمان.

وقال تعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128] والعاقبة للمتقين أيها المجاهدون، قال تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [آل عمران: 137]
فانتظروا العاقبتين، عاقبتنا الموعودة بالخير وعاقبتهم الموعودة بالشر، توكلوا علی اللهِ الواحدِ الأحد، الحي القيوم، تقدموا وخوضوا المعامِع، ولا تيأسوا مِن رَوحِه عز وجل، وتذكروا إنما النصرُ والتمكينُ الكاملُ لا يتَـأتَی إلا بالتمحيص والابتلاء ، والنصرُ والتمكينُ قريب بإذنه عز وجل، وما النصرُ إلا صبر ساعة، وإنّ أحسنَ العواقب إنما هي لأهل الإيمان، ولأهل العمل الصالح، وللمتواصين للهِ ولرسوله وللمؤمنين ولأئمتهم، المتواصين بالحق والعدل والمتواصين بالصبرِ والثبات، فهم الناجون حتماً من أية خسارة دنيوية وأخروية، وهم أهل الفلاح والنصر، وتأكدوا وتيقنوا بأن شرَّ العواقبِ والمصائرِ إنما هي لأهلِ الكفرِ والعصيان، لأهل الردةِ والطغيان، لأنه لا مولی لهم، نعم، لأنه لا مولی لهم، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11]
أحسنوا الظن بربِّكم وإلهِكم بنصرِہ لكم وبتمكينِه ، وبِدَحرِ الكفرِ والإلحاد بقهرِہ، فهو ربكم وإلهكم ومولاكم الذي له أجلّ الأسماء وأحسنُ الصفات ، وهو القائل لرسولِنا الكريم محمدٍ صلی الله عليه وسلم : ( أنا عِندَ ظنِّ عبدي بي ... ) [ صحيح البخاري ]، فأحسنوا الظن بإلهكم ومولاكم سبحانه وتعالی في كل حالٍ من الأحوال ؛ يكن معنا بعونه تعالی بنصرِہ العزيز ، والحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا علی الظالمين



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 158
الخميس 21 ربيع الأول 1440 هـ
...المزيد

تحريض المؤمنين على القتال ودفع صيال الكافرين إن من فضل الله وإحسانه لكم يا جنود الخلافة ثم ...

تحريض المؤمنين على القتال ودفع صيال الكافرين


إن من فضل الله وإحسانه لكم يا جنود الخلافة ثم بفضل سابقيكم من الذين أخذوا بهذا الدين بعزيمة أهل العزم كأسلافهم ، أخذوه عِلما وعملا وقتالا في سبيل إعلائه، أنكم رأيتم بأعينكم الإسلام الذي أقيم في هذا الزمان ، رأيتم خلافةً علی منهاج النبوة ، بمنهجِها الصافي النقي، برجالِها العالِمين بهذا المنهجِ والعاملين به، المطبقين له علی كل أرض مُمَكّـنةٍ لها، دون مُداهنةٍ لأي حِزب وتنظيم، أو كافرٍ ومرتد، أو طاغوتٍ وعاتٍ عن أمر ربه، عربي وأعجمي، أو صليبي وبوذي وهندي، أو أيِّ مشرك وملحد وزنديق ورافضي، وغيرهم من أمثالهم، ودون مخافةٍ لأي لائم مُجَنـَّدٍ أو غيرِ مجند؛ من حمير العلم وسحرةِ الطواغيت بالجملة ومن غيرهم من أهل الضلال والزيغ.

ورأيتم كيف يتقدم ويهاجر المسلمون من كل أرض الله بمختلف أجناسهم وألوانهم ليستظلوا بظل هذه الخلافة، يوما بعد يوم، وينصرون دينَ الله ربِّ العالمين، وترون كيف يتوحد صفُها ويَتَنَقّى، ويتقوی عودُها ويصلُب، فإنكم رأيتم كل هذا وذاك، فلله الحمد علی ما هدانا واختارنا لدينه بالعلم الصحيح؛ بمنهج النبوة، وبالتمسك بسنام الإسلام، بالجهاد القويم لأجل ذلك.

ثم إنكم رأيتم وترون بأعينكم أيضا، كيف أظهرت دولُ الكفر والردة والزندقة وأحذيتُهم الصحواتُ المستأجرون، ويتبعونهم ويناصرونهم في ذلك؛ الشيعةُ الرافضةُ بشلاتِهم وبدولتِهم إيرانَ الخبيثة، كيف أظهرت كلُّ هذه الثعالبُ مخالبها، وقشعت عن أنيابها، رمت بكل ما لديها من قوةٍ علی أراضي الدولة الإسلامية التي قامت؛ عِداءً لهذا الدين القويم، المتمثَلِ في صورة هذه الخلافة التي حباها الله نعمةً وهِبَةً منه سبحانه وتعالى، ليشكرَ الناسُ أم يكفرون! ولكن أبی كثيرٌ من الناس إلا نفوراً عن دينه القويم وكفرا به وإلحاداً وعِداء له، وتشنيعا لنظامه القويم وعِداء وحشيا له، ولا حول لا قوة إلا بالله.

ورأيتم ثالثا كيف يمتحننا اللهُ ويبتلينا في كثير من المراحل والأحيان والأماكن، ويبتلينا بهذا وذاك؛ يأخذ منا ما يشاء ويعطينا ما يشاء، فله الملك وله الحمد علی كل حال، وله الشكر، شكرَ عبادٍ له مخلصين له بإذنه تعالی.

إنّ نقاء المنهج وشموله والثبات عليه تماما، بالتطبيق والقتال، دفعا وطلبا، لهو كفيلٌ بمجيء النصر وحصولِ التمكين الكامل بحول الله وقوته، وإنما تمر به الدولة الإسلامية اليوم في كل ولاياتِها، إنما هو امتحانٌ وابتلاء، تمحيصٌ وتنقية، واتخاذُ شهداءٍ لدين الله القويم، وثباتٌ بإذنه سبحانه وتعالی علی الحق، وإظهارٌ له وللحقائق المُغَـيَّـبة عن الواقع، والتي لا يفقهها الكثيرُ إلا بعد أن يعتبروا بالواقع.

ثم لا يستقيم الحديد ولا يتشكل ولا يتقوی كما يريده صاحبُه، إلا بوضعه بالأفران الملهَبةِ الشديدةِ لصهره لإكمال صورته المطلوبة، فاثبتوا وانصهروا كما يريد بكم ربُّكم وإلهُكم، اللهُ الواحدُ الأحد، الفردُ الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فاثبتوا وانصهروا واستقيموا وتوحدوا في هذه الشدائد والابتلاءات، لا ينفكّ أحدُكم عن الآخر، وامضوا كما علمكم الله ورسوله، فإن هذه الشدائد ليست إلا لتتقووا وتتنقوا ويتصلب عودُكم أكثر فأكثر، ولا يكن خوفكم علی مناطق خرجت من سيطرة الدولة الإسلامية، فإن هذا ربما هو ابتلاء لنا في هذه المرحلة، أنثبُت أم تزلَّ أقدامُنا (عياذا بالله) فمع كل هذا، نحن علی يقين بنصر الله عز وجل، بأنها ستعود بإذن الله الواحد الأحد إلی سلطان الله سبحانه وتعالى؛ إلی سلطان الخلافة التي أذن بعودتها، ولكن الله يفعل ما يشاء، وهو أعلم بحكمته في ذلك.

إن الله سبحانه وتعالی أمرنا بالقتال ويحب من يقاتل في سبيله، وأيضا هو الذي يمتحننا ويبتلينا ومِن ثـَم هو أيضا يواسينا في مِحنِنا ومصائبـِنا ويحثنا علی الثبات والمضيِّ علی الدرب الذي حدده لنا! وهو الذي يمن علينا بنصره، فهو إلهنا الذي يحب من يحبه، ويحب من يقاتل من أجله، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54] فلا أبعدَنا الله عن محبته! ولا أبعدنا إلهُنا عن القتال في سبيله! وأن يُوقِّرَ في قلوبنا بأن لا نخافَ لومة لائم.

وهو كذلك وحده الذي يعلم علم اليقين بما فيه خيرُنا بالدنيا وبالآخرة ومتی يُمكـِّن لنا دينَه الذي اختاره لنا التمكين الكامل بكل مستوياته ومراحله، وهو وحده كذلك الذي يعلم متی ينصرنا النصرَ العظيمَ الظاهر علی أهل الكفر والردة.
...المزيد

تحريض المؤمنين على القتال ودفع صيال الكافرين إن من فضل الله وإحسانه لكم يا جنود الخلافة ثم ...

تحريض المؤمنين على القتال ودفع صيال الكافرين


إن من فضل الله وإحسانه لكم يا جنود الخلافة ثم بفضل سابقيكم من الذين أخذوا بهذا الدين بعزيمة أهل العزم كأسلافهم ، أخذوه عِلما وعملا وقتالا في سبيل إعلائه، أنكم رأيتم بأعينكم الإسلام الذي أقيم في هذا الزمان ، رأيتم خلافةً علی منهاج النبوة ، بمنهجِها الصافي النقي، برجالِها العالِمين بهذا المنهجِ والعاملين به، المطبقين له علی كل أرض مُمَكّـنةٍ لها، دون مُداهنةٍ لأي حِزب وتنظيم، أو كافرٍ ومرتد، أو طاغوتٍ وعاتٍ عن أمر ربه، عربي وأعجمي، أو صليبي وبوذي وهندي، أو أيِّ مشرك وملحد وزنديق ورافضي، وغيرهم من أمثالهم، ودون مخافةٍ لأي لائم مُجَنـَّدٍ أو غيرِ مجند؛ من حمير العلم وسحرةِ الطواغيت بالجملة ومن غيرهم من أهل الضلال والزيغ.

ورأيتم كيف يتقدم ويهاجر المسلمون من كل أرض الله بمختلف أجناسهم وألوانهم ليستظلوا بظل هذه الخلافة، يوما بعد يوم، وينصرون دينَ الله ربِّ العالمين، وترون كيف يتوحد صفُها ويَتَنَقّى، ويتقوی عودُها ويصلُب، فإنكم رأيتم كل هذا وذاك، فلله الحمد علی ما هدانا واختارنا لدينه بالعلم الصحيح؛ بمنهج النبوة، وبالتمسك بسنام الإسلام، بالجهاد القويم لأجل ذلك.

ثم إنكم رأيتم وترون بأعينكم أيضا، كيف أظهرت دولُ الكفر والردة والزندقة وأحذيتُهم الصحواتُ المستأجرون، ويتبعونهم ويناصرونهم في ذلك؛ الشيعةُ الرافضةُ بشلاتِهم وبدولتِهم إيرانَ الخبيثة، كيف أظهرت كلُّ هذه الثعالبُ مخالبها، وقشعت عن أنيابها، رمت بكل ما لديها من قوةٍ علی أراضي الدولة الإسلامية التي قامت؛ عِداءً لهذا الدين القويم، المتمثَلِ في صورة هذه الخلافة التي حباها الله نعمةً وهِبَةً منه سبحانه وتعالى، ليشكرَ الناسُ أم يكفرون! ولكن أبی كثيرٌ من الناس إلا نفوراً عن دينه القويم وكفرا به وإلحاداً وعِداء له، وتشنيعا لنظامه القويم وعِداء وحشيا له، ولا حول لا قوة إلا بالله.

ورأيتم ثالثا كيف يمتحننا اللهُ ويبتلينا في كثير من المراحل والأحيان والأماكن، ويبتلينا بهذا وذاك؛ يأخذ منا ما يشاء ويعطينا ما يشاء، فله الملك وله الحمد علی كل حال، وله الشكر، شكرَ عبادٍ له مخلصين له بإذنه تعالی.

إنّ نقاء المنهج وشموله والثبات عليه تماما، بالتطبيق والقتال، دفعا وطلبا، لهو كفيلٌ بمجيء النصر وحصولِ التمكين الكامل بحول الله وقوته، وإنما تمر به الدولة الإسلامية اليوم في كل ولاياتِها، إنما هو امتحانٌ وابتلاء، تمحيصٌ وتنقية، واتخاذُ شهداءٍ لدين الله القويم، وثباتٌ بإذنه سبحانه وتعالی علی الحق، وإظهارٌ له وللحقائق المُغَـيَّـبة عن الواقع، والتي لا يفقهها الكثيرُ إلا بعد أن يعتبروا بالواقع.

ثم لا يستقيم الحديد ولا يتشكل ولا يتقوی كما يريده صاحبُه، إلا بوضعه بالأفران الملهَبةِ الشديدةِ لصهره لإكمال صورته المطلوبة، فاثبتوا وانصهروا كما يريد بكم ربُّكم وإلهُكم، اللهُ الواحدُ الأحد، الفردُ الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فاثبتوا وانصهروا واستقيموا وتوحدوا في هذه الشدائد والابتلاءات، لا ينفكّ أحدُكم عن الآخر، وامضوا كما علمكم الله ورسوله، فإن هذه الشدائد ليست إلا لتتقووا وتتنقوا ويتصلب عودُكم أكثر فأكثر، ولا يكن خوفكم علی مناطق خرجت من سيطرة الدولة الإسلامية، فإن هذا ربما هو ابتلاء لنا في هذه المرحلة، أنثبُت أم تزلَّ أقدامُنا (عياذا بالله) فمع كل هذا، نحن علی يقين بنصر الله عز وجل، بأنها ستعود بإذن الله الواحد الأحد إلی سلطان الله سبحانه وتعالى؛ إلی سلطان الخلافة التي أذن بعودتها، ولكن الله يفعل ما يشاء، وهو أعلم بحكمته في ذلك.

إن الله سبحانه وتعالی أمرنا بالقتال ويحب من يقاتل في سبيله، وأيضا هو الذي يمتحننا ويبتلينا ومِن ثـَم هو أيضا يواسينا في مِحنِنا ومصائبـِنا ويحثنا علی الثبات والمضيِّ علی الدرب الذي حدده لنا! وهو الذي يمن علينا بنصره، فهو إلهنا الذي يحب من يحبه، ويحب من يقاتل من أجله، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54] فلا أبعدَنا الله عن محبته! ولا أبعدنا إلهُنا عن القتال في سبيله! وأن يُوقِّرَ في قلوبنا بأن لا نخافَ لومة لائم.

وهو كذلك وحده الذي يعلم علم اليقين بما فيه خيرُنا بالدنيا وبالآخرة ومتی يُمكـِّن لنا دينَه الذي اختاره لنا التمكين الكامل بكل مستوياته ومراحله، وهو وحده كذلك الذي يعلم متی ينصرنا النصرَ العظيمَ الظاهر علی أهل الكفر والردة.
...المزيد

سبيل الخاسرين أقر طاغوت تونس السبسي قانونا جديداً يضاف إلى قوانينهم الكفرية الأخرى، والذي يساوي ...

سبيل الخاسرين

أقر طاغوت تونس السبسي قانونا جديداً يضاف إلى قوانينهم الكفرية الأخرى، والذي يساوي بين الرجل والمرأة في الميراث، بعد جدل كبير حوله وبعدما حاول كثير من الأحزاب المنتسبة للإسلام إيقاف هذا القانون دون جدوى.

كانت هذه النتيجة لمسلسل طويل من تنازلات قدمتها جميع الجهات والأحزاب والجماعات المنتسبة للإسلام، في محاولة لكسب رضى الجماهير تارة وترغيب العامة في الدين تارة أخرى بزعمهم، ولتجنب بطش دول الصليب ومحاولة تحييدها عبر كسب رضاها تارات أخرى، فكانت النتيجة أن ضيعوا دينهم ودين من تبعهم، وأفسدوا على غيرهم ممن أراد أن يتمسك بالطريق القويم، ثم ضيعوا دنياهم بعد ذلك فلم يرضى منهم الطواغيت ما قدموا من تنازلات وكذلك تشتّت أحزابهم وجماعاتهم فلم يبقى لهم كيان يستطيعون به تغيير شعرة من الواقع الذي حل بهم.

فعندما ثار الناس في تونس ومصر وليبيا وغيرها، حصل في أيام ما يحتاج لسنوات طوال في القتال كما يظن كثير من الأحزاب والجماعات، ولكنهم لم يدركوا أن الذي تغير ليس إلا أشخاص الطواغيت لا نظمهم وحكوماتهم الكافرة، غير أن بعض الجماعات قد غرها اقتراب عامة الناس منهم حيث صاروا في خندق واحد يعادون الطاغوت نفسه ولو كان لأيام فقط فيما سمي بالربيع العربي فاستوحشت تلك الجماعات من الوحدة وخافت العزلة، وظن كثير منهم ممن سلك طريق الجهاد سابقاً بأنهم كانوا يحاولون عبثاً الوصول إلى التمكين وأن قتالهم السابق ليس إلا حرثاً في البحر كما صور لهم الشيطان.

ولم يدر في خلد أحد منهم أن الغاية تعبيد الناس لله وتطبيق شرعه في الأرض لا مجرد تبديل طاغوت بطاغوت آخر وهي نتيجة حتمية لتغيير يكون تحت رعاية دول الصليب وبرضاها وموافقتها، وظن أولئك الأغرار السذج أن بهم من الحذاقة والدهاء ما يخدع العالم كله فنشروا الأوامر وبثوا الرسائل والتوجيهات يحذرون من العمل المسلح أو استهداف الطواغيت الجدد حتى لا يخسروا الجماهير ولا تتكسر صورة بعض أفرعهم التي روجتها بعض الجهات الإعلامية المستفيدة، ولم يعلموا أنهم قد أضحوا ألعوبة بأيدي الصليبيين وبعض طواغيت العرب فتم عن طريقهم تهدئة الشباب وحرف مسارهم وتشتيت العمل بل وتعطيل شرع الله في بعض المناطق التي سيطر عليها بعضهم وتسليم الحكم لمجالس محلية في محاولة لكسب رضاهم.

وكان تقييم نجاح العمل لدى أكثر هؤلاء ممن غرقوا في الضلالة، هو عدم قضاء الصليبيين عليهم والمحافظة المؤقتة على أعدادهم التي تفرقت فيما بعد منهم بعد العطالة عن العمل أو ممن هداهم الله فالتحقوا بصفوف المجاهدين السائرين كما أمرهم الله، فتدمير الصليبيين لمدينة من المدن ودفاع المجاهدين عنها لآخر رمق فيه تهلكة وتدمير لأراضي المسلمين وسوء تصرف وتدبير وغير ذلك من التهم الفارغة، أما تسليم الدول إلى الطواغيت بل ومنع العمل ضدهم والثناء على بعضهم، وتعطيل شرع الله والجهاد في أغلب بقاع الأرض التي كان فيها بعض النشاط أو يسهل العمل فيها في تلك الظروف، كل ذلك لا يعد في معاييرهم فشلا ولا في عرفهم جريمة.

واليوم بعدما وصل الحال إلى ما وصل إليه، يطل علينا السفيه الخرف ليتراجع عن بعض ما كان يدعو له فصار ينتقد السلمية بعدما طبل لها ويشتم الطواغيت الذين كان له يد في تثبيت حكمهم علم ذلك أو لم يعلم، ويحاول جمع شتات جماعته على شيء غير قتال الدولة الإسلامية، وليس ذلك بأنه قد أفاق من غيه وضلاله وإنما أراد استرجاع بعضاً من أفراد جماعته الذين هجروه، ومحاولاً بث صورة أخرى له لدى شباب المسلمين بعدما شوهها بنفسه وبعد التلاعب به من جميع الأطراف، يحاول ذلك وكأن دين الله لعبة بأيديهم يتصرفون به كيف شاءوا ويتلاعبون بديار المسلمين ويجربون فيها مشاريعهم التي أملاها الشيطان عليهم ولم يفرح بها أحد أكثر منه.

وقد سارت الدولة الإسلامية منذ تأسيسها كما أمر الله سبحانه، وحملت على عاتقها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ديار المسلمين وتطبيق شرع الله فيها ولو ساعة من نهار ومنع انتشار أحكام الطواغيت بالسنان وبالدماء فوفق الله جنودها وقادتها بتطبيق شرع الله على رقع كثيرة في بقاع شتى من الأرض لسنوات عدة ولله الحمد، ولن يقر لهم قرار بإذن الله حتى يعيدوا حكم الله للأرض كافة رغم أنوف الكفار والمنافقين أجمعين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 158
الخميس 21 ربيع الأول 1440 هـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً