ثباث أهل (جُوَاثَا) على الإسلام بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ارتدت العرب أجمعين إلا مكة ...

ثباث أهل (جُوَاثَا) على الإسلام

بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ارتدت العرب أجمعين إلا مكة والمدينة والطائف، وقرية بالبحرين، هذه القرية هي (جُوَاثَا) التي ثبت أهلها على الإسلام، ولاقَوا في ذلك ما لاقَوا من أذى المرتدين المحيطين بهم من كل مكان، إلى أن أرسل إليهم الصديق -رضي الله عنه- العلاء بن الحضرمي الذي قضى على أهل الردة، بفضل الله.

قال ابن كثير في البداية والنهاية: "فلما مات المنذر ارتد أهل البحرين وملَّكوا عليهم الغَرور، وهو المنذر ابن النعمان بن المنذر. وقال قائلهم: لو كان محمد نبيا ما مات، ولم يبق بها بلدة على الثبات سوى قرية يقال لها (جُوَاثَا)، كانت أول قرية أقامت الجمعة من أهل الردة كما ثبت ذلك في البخاري عن ابن عباس وقد حاصرهم المرتدون وضيقوا عليهم، حتى مُنعوا من الأقوات وجاعوا جوعا شديدا حتى فرَّج الله.

وهكذا صبرت هذه القرية المسلمة في محيطٍ كافر مرتد، صبرت وثبتت على دينها لما أعلن الجميع عودتهم إلى الجاهلية والردة، حتى أذن الله بالفرج والنصر بدحر المرتدين واقتلاع شأفتهم.

قال ابن الأثير في الكامل: "وخندَقَ المسلمون على أنفسهم والمشركون، وكانوا يتراوحون القتال ويرجعون إلى خندقهم، فكانوا كذلك شهرا، فبينا هم كذلك سمع المسلمون ضوضاء هزيمة أو قتال، فقال العلاء: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال عبد الله بن حذف: أنا، فدخل عسكر المسلمين فأخبرهم أن القوم سكارى، فخرج المسلمون عليهم، فوضعوا فيهم السيف كيف شاءوا، وهرب الكفار، فمن بين مرتد وناج ومقتول ومأسور، واستولى المسلمون على العسكر، ولم يفلت رجل إلا بما عليه".



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 120
الخميس 6 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (8) ذكرنا في الحلقة الماضية أن قضية المهدي من أكثر القضايا التي ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (8)

ذكرنا في الحلقة الماضية أن قضية المهدي من أكثر القضايا التي استغلها أهل الضلال في تسويق ضلالهم، واجتذاب الأنصار والأتباع إليهم، وفي هذه الحلقة -بإذن الله- سنذكر نماذج من التاريخ، تُبيِّن بعض أهم الحالات لأدعياء المهدوية أو من ألبسهم الناس هذا الثوب، فدفعوهم إلى ذلك، ببيعتهم لهم، ومناداتهم بهذا اللقب، دون رضا منهم أحيانا، ولا نعني بنسبة كل منهم إلى طائفته أن كل هذه الطائفة يدعونه بذلك، ولكن لبيان أنه قد ظهر في كل هذه الطوائف المبتدعة من نُودِيَ بالمهدية.


• مهدي الكيسانية: محمد بن علي (رضي الله عنهما)، توفي عام 83 هـ

"السيد الإمام أبو القاسم وأبو عبد الله، محمد بن الإمام علي بن أبي طالب، وأمه من سبي اليمامة زمن أبي بكر الصديق، وهي خولة بنت جعفر الحنفية. وكانت الشيعة في زمانه تتغالى فيه، وتدَّعي إمامته، ولقَّبوه بالمهدي، ويزعمون أنه لم يمت" [سير أعلام النبلاء].

وقال ابن كثير، رحمه الله: "وصارت الشيعة فرقتين، الجمهور منهم مع سليمان يريدون الخروج على الناس ليأخذوا بثأر الحسين، وفرقة أخرى مع المختار يريدون الخروج للدعوة إلى إمامة محمد بن الحنفية، وذلك عن غير أمر ابن الحنفية ورضاه، وإنما يتقولون عليه ليروجوا على الناس به، وليتوصلوا إلى أغراضهم الفاسدة" [البداية والنهاية].

وروي عن عبد الله بن محمد بن الحنفية قال: "قالوا لأبي: يا مهدي، السلام عليك، قال: سبحان الله، ألم أنهكم عن هذا؟ إنما المهدي من هدى الله، عز وجل" [المستدرك].


• مهدي الرافضة: محمد بن الحسن العسكري

وهو أسطورة اخترعها غلاة الرافضة، عندما انقطعت السلسلة التي كانوا ينقلون فيها الإمامة في نسل علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وذلك بوفاة إمامهم الحسن العسكري ولم يعقب، فزعموا أن له ولدا، أخفته أمه في سرداب خوفا عليه من أعدائه، في القرن الثالث الهجري، ثم اختفى وغاب عن الأنظار، وأنه لا زال حيا إلى يومنا هذا، بل سيبقى حيا حتى قبيل قيام الساعة، ليظهر على أنه المهدي، فيقيم دينهم، ويقتل أعداءهم.


• مهدي الخوارج: صاحب الزنج، هلك سنة 270 هـ

"هو طاغية الزنج، علي بن محمد بن عبد الرحمن العبدي، من عبد القيس. افترى وزعم أنه من ولد زيد بن علي العلوي، وكان منجما طرقيا ذكيا حروريا ماكرا داهية منحلا على رأي فجرة الخوارج يتستر بالانتماء إليهم، وإلا فالرجل دهري فيلسوف زنديق" [سير أعلام النبلاء].

قال ابن كثير: "وقد كان هذا اللعين -أعني صاحب الزنج المدعى إلى غير أبيه- يقول لأصحابه: لقد عُرِضَتْ عليَّ النبوة فخفت أن لا أقوم بأعبائها، فلم أقبلها" [البداية والنهاية].

قال بعض المؤرخين "وكانت أيامه مذ نجم إلى أن قتل أربع عشرة سنة وأربعة أشهر، وتنوزع في عدة من قتل من أصحاب السلطان، وغيرهم من الرجال والنساء والصبيان، بالسيف والحرق والغرق والجوع، فمنهم من يقول أن ذلك ألف ألف، وأكثرهم يرى أن ذلك لا يحيط به الإحصاء، ولا يحصره العدد كثرة وعظما" [التنبيه والإشراف].


• مهدي الباطنية: عبيد الله الباطني، هلك سنة 322 هـ

"أول من قام من الخلفاء الخوارج العبيدية الباطنية، الذين قلبوا الإسلام، وأعلنوا بالرفض، وأبطنوا مذهب الإسماعيلية، وبثُّوا الدعاة، يستغوون الجبلية والجهلة. وادعى هذا المدبر، أنه فاطمي من ذرية جعفر الصادق فقال: أنا عبيد الله بن محمد بن عبد الله بن ميمون بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد. وقيل: بل قال: أنا عبيد الله بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق. وقيل: لم يكن اسمه عبيد الله، بل إنما هو سعيد بن أحمد" [سير أعلام النبلاء].


• مهدي الأشاعرة: محمد بن تومرت، هلك سنة 524 هـ

"أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت البربري، والمصمودي، الهرغي، الخارج بالمغرب، المدعي أنه علوي حسني، وأنه الإمام المعصوم المهدي.

كان يقول لأصحابه: ما في الأرض من يؤمن إيمانكم، وأنتم العصابة الذين عَنَى النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لا يزال أهل الغرب ظاهرين"، وأنتم تفتحون الروم، وتقتلون الدجال، ومنكم الذي يؤم بعيسى، وحدثهم بجزئيات اتفق وقوع أكثرها، فعظمت فتنة القوم به حتى قتلوا أبناءهم وإخوتهم لقسوتهم وغلظ طباعهم، وإقدامهم على الدماء، فبعث جيشا، وقال: اقصدوا هؤلاء المارقين المبدلين الدين، فادعوهم إلى إماتة المنكر وإزالة البدع، والإقرار بالمهدي المعصوم، فإن أجابوا، فهم إخوانكم، وإلا فالسنة قد أباحت لكم قتالهم.

قال اليسع بن حزم: سمَّى ابن تومرت المرابطين بالمجسمين، وما كان أهل المغرب يدينون إلا بتنزيه الله -تعالى- عما لا يجب وصفه بما يجب له، مع ترك خوضهم عما تقصر العقول عن فهمه.إلى أن قال: فكفَّرهم ابن تومرت لجهلهم العرض والجوهر، وأن من لم يعرف ذلك، لن يعرف المخلوق من الخالق، وبأن من لم يهاجر إليه، ويقاتل معه، فإنه حلال الدم والحريم، وذكر أن غضبه لله وقيامه حسبة.

وقد بلغني -فيما يقال: أن ابن تومرت أخفى رجالا في قبور دوارس، وجاء في جماعة ليريهم آية، فصاح: أيها الموتى أجيبوا، فأجابوه: أنت المهدي المعصوم، وأنت وأنت، ثم إنه خاف من انتشار الحيلة، فخسف فوقهم القبور فماتوا" [سير أعلام النبلاء].

• مهدي البهائية: علي محمد رضا الشيرازي، هلك سنة 1266 هـ

كان هذا الطاغوت من أتباع الطريقة (الشيخية) التي يدين أتباعها بدين الرافضة المشركين، خرج على أصحابه بادعاء المهدوية، فلما وجد فيهم تصديقا لذلك، واتباعا له على هذا الباطل، زاد في غيِّه، فزعم أنه نبي موحى إليه مثل محمد وعيسى، عليهما السلام، ثم زعم أنه إله، وأن الله -تعالى- قد حل في جسده، تعالى الله عما يقول علوا كبيرا، وأطلق على نفسه لقب (الباب)، قيل "باب المهدي"، وقيل "باب الحقائق".

وخلفه في دينه الباطل أتباع يطلق على أكثرهم اليوم اسم (البهائية) نسبة إلى أحد خلفائه اسمه (حسين البهاء)، الذي جمع لهم دينا ملفقا من كل ما وافق هواه من العقائد والأديان، وكتب لهم كتبا هو وخلفاؤه، هي أقدس عندهم من الكتاب المنزل من رب العالمين ويربط كثيرون بين أتباع هذا الدين والمنظمات اليهودية والماسونية العالمية.


• مهدي الصوفية: أحمد بن عبد الله الفحل، هلك سنة 1302 هـ

ينتسب إلى آل بيت رسول الله، عليه الصلاة والسلام، كان في صغره من أتباع إحدى الطرق الصوفية، قاد واحدة من أكبر حركات المقاومة ضد الإنكليز في وادي النيل، تمكنت من بسط سيطرتها على مناطق واسعة من السودان.

زعم أنه هو المهدي، وفتن الناس باسمه ونسبه وزهده وقتاله للصليبيين وانتصاره عليهم، ويروى عنه أنه كان يزعم أنه مؤيد في معاركه ضد أعدائه بالنبي، عليه الصلاة والسلام، والخلفاء الراشدين، والخضر، وستين ألفا من الأولياء الميتين، وبملك الموت يرسله الله معه لأخذ أرواح أعدائه، كما ينقل عنه قوله: "فيأتي النبي ويجلس معي، ويقول للأخ المذكور: شيخك هو المهدي، فيقول: إني مؤمن بذلك، فيقول، عليه الصلاة والسلام: من لم يصدق بمهديته كفر بالله ورسوله، قالها ثلاث مرات"، ويروى أن أتباعه (الدراويش) استباحوا بهذه الدعوى دماء من لم يؤمن بدينهم، وأموالهم وأعراضهم.


• مهدي القاديانية: غلام أحمد الهندي، هلك سنة 1326 هـ

ظهر في منطقة البنجاب، إبان الاحتلال البريطاني لها، وكان والده من عملاء الإنكليز، الذين أعانوا ابنه (ميرزا غلام أحمد) وساعدوا في اشتهاره بالعلم والتقوى، ليلتف الناس حوله، ويكون منهم طائفة، أساس دعوتها تثبيط المسلمين في الهند عن قتال الإنكليز.

ثم تطور به الحال بعد أن جعله أتباعه من أولياء الله الصالحين، أن زعم أنه المهدي المذكور في الأخبار، ثم أضاف إلى ذلك الزعم أن الله جمع له بالإضافة إلى المهدوية أنه هو عيسى بن مريم، عليه السلام، فادعى النبوة، ونفى أن يكون محمد -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم النبيين، ثم تطور به الأمر وزعم أن الله –تعالى- أحيا رسول الله ليحل في بدنه، فلا يكون بذلك خلاف بين كونه -عليه الصلاة والسلام- خاتما للنبيين، وبين ادعائه للنبوة.

وكان يزعم أنه يوحى إليه من الله تعالى، وأن جبريل يتنزل عليه بالوحي، وأن شريعته ناسخة لشريعة محمد، عليه الصلاة والسلام، وكلامه مقدم عند أتباعه على القرآن، ولا زال لأتباع هذا الدين (القاديانية) انتشار في الهند، وبعض المناطق الأخرى، وهم يسمون أنفسهم (الأحمدية) نسبة إلى طاغوتهم الهالك (ميرزا غلام أحمد).


• كل الأمم تنتظر مهديا ينصر دينها

قال ابن القيم -رحمه الله- بعد حديثه عن بعض فرق أهل الضلال وما تقوله كل منها في مهديها المزعوم: "فكل هذه الفرق تدعي في مهديها الظلوم الغشوم، والمستحيل المعدوم، أنه الإمام المعصوم، والمهدي المعلوم، الذي بشر به النبي، صلى الله عليه وسلم، وأخبر بخروجه. وهي تنتظره كما تنتظر اليهود القائم الذي يخرج في آخر الزمان، فتعلو به كلمتهم، ويقوم به دينهم وينصرون به على جميع الأمم. والنصارى تنتظر المسيح، يأتي قبل يوم القيامة فيقيم دين النصرانية، ويبطل سائر الأديان، وفي عقيدتهم نزع المسيح الذي هو إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي نزل طامينا، إلى أن قالوا: وهو مستعد للمجيء قبل يوم القيامة.

فالملل الثلاث تنتظر إماما قائما يقوم في آخر الزمان" [المنار المنيف].

فهذه عينة مختارة من أبرز من ادعى المهدوية، أو لُقبوا بذلك، وقد رأينا كم كان وراء تلك المزاعم من فتن كبيرة في الدين، فعلى أساس هذا الزعم نشأت طوائف وأديان، وسفكت دماء، واستبيحت أموال وأعراض.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 120
الخميس 6 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

(إنما الصبر عند الصدمة الأولى) قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر عند الصدمة ...

(إنما الصبر عند الصدمة الأولى)


قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) [رواه البخاري]، وفي رواية أخرى عند ابن ماجه عن أبي أمامة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يقول الله سبحانه: (ابن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى، لم أرض لك ثوابا دون الجنة).

ولحديث الإمام البخاري قصة حدثت مع امرأة، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بامرأة تبكي عند قبر فقال: (اتقي الله واصبري)، قالت: إليك عنِّي فإنك لم تُصب بمصيبتي ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي، صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي، صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) [رواه البخاري].

والمعنى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما أمر المرأة بالصبر أنكرت عليه ذلك، لكنها لما عرفت أن الذي خاطبته هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءت إلى بيته معتذرة، فأعلمها أن تحقيق الصبر، الذي يؤجر عليه المسلم أجرا عظيما هو ما يظهره المسلم من التسليم بقدر الله عندما يلقى صدمة المصيبة بالصبر، فقد يبكي الإنسان وهو صابر وقد يكون غير ذلك.

ولذا فليكن المسلم حريصا على تمثل الصبر عند وقوع المصائب، وليحرص على ألا يقول كلمة أو يفعل فعلاً ينقص من أجره، وما عند الله خير وأبقى، وليعلم أن الله -عز وجل- بشَّرَه فقال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 120
الخميس 6 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ عمل الصليبيون الروس منذ ...

فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ

عمل الصليبيون الروس منذ احتلالهم لبلدان المسلمين على تنصير أهلها، فإن لم يتمكنوا من ذلك أجبروهم على الانتقال منها إلى مناطق أخرى يضيعون فيها وسط الكثرة الغالبة من النصارى، أو يتعرضون للفناء بسبب البرد والجوع، وبالمثل يقومون بنقل أعداد كبيرة من النصارى إلى مناطق المسلمين، كي يجعلوا لهم سندا في هذه الأرض، وذريعة دائمة للتدخل فيها.

ولم يتغير هذا الحال في عهد البلاشفة الشيوعيين، فالنزعة القومية السلافية لقادة الاتحاد السوفيتي، وحقدهم الأعمى على الإسلام وأهله، خاصة مع المقاومة الشديدة التي تعرضوا لها في مناطقهم على مدى تاريخ احتلالهم لها، دفعتهم إلى تعزيز السياسة الصليبية القديمة، القاضية بالعمل على إضعاف الوجود الإسلامي في هذه المناطق، من خلال إبعاد أهلها عنها، أو دفعهم إلى تغيير دينهم نحو الإلحاد أو النصرانية، وكذلك عبر تكثيف هجرة النصارى والملاحدة إليها من مناطق أخرى.

ولقد كان هؤلاء النصارى المستوطنون في بلدان المسلمين كمناطق القوقاز وجزيرة القرم ودول آسيا الوسطى وغيرها، من أهم الأوتاد التي غرسها الروس في هذه المناطق لتثبيت هيمنتهم عليها، وهم اليوم من أقرب أعوان الطواغيت الحاكمين لتلك البلدان، ولذلك فإن أي جهد يبذله المسلمون لانتزاع هذه الأرض من القبضة الروسية، وإخراجها من تحت حكم الطواغيت يصطدم غالبا بالوجود الصليبي المستوطن لها، قبل اصطدامه بالحشود العسكرية التي سيوجهها الكرملين من مناطق الأورال وحوض الفولغا، وسيبقى هؤلاء المستوطنون أوفياء لإخوانهم في موسكو، يوالونهم على المسلمين، فيتجسسون عليهم، وينشرون الفساد بين أبنائهم، ويكونون على أهبة الاستعداد دائما لحمل السلاح إلى جانبهم، دفاعا عن مصالح أمتهم القومية، ودينهم النصراني.

ولكن من ناحية أخرى، فهؤلاء النصارى المحاربون من أجبن الناس، وأحرصهم على الدنيا، وأشدهم كراهية للموت، ولا يزال المعايشون لهم يعرفون مدى الرعب الذي يعض قلوبهم، كلما سمعوا كلمة التوحيد من فم مسلم، أو تكبيرة للصلاة من مئذنة مسجد، خوفا من أن يكون ذلك إيذانا بانطلاق الجهاد الذي يستأصل شأفتهم من هذه الأرض، ويمحو شركهم عنها، ويكتم كل فم ينطق بالتثليث والكذب على الله بزعم الزوجة والولد له، سبحانه عما يصفون، أسوة بباقي إخوانهم من المشركين والمرتدين.

وهكذا كان الهجوم الذي نفَّذه المجاهد الفذ (خليل الداغستاني) صبيحة يوم الأحد، أمام أحد كنائسهم في القوقاز، والذي مكَّنه الله فيه من قتل عدد من الصليبيين النصارى، وجرح بعض إخوانهم من المرتدين، فهو -بإذن الله- شارة انطلاق سلسلة من الهجمات الدامية التي ستنال النصارى المحاربين في كل المناطق التي تحتلها روسيا من بلاد المسلمين، والتي ستُمَكِّن من قتل عدد كبير منهم جزاء لهم على كفرهم بالله العظيم، بينما ستزرع الهلع والرعب في قلوب مئات الألوف من إخوانهم، ليولوا على أدبارهم هاربين، لاحقين بإخوانهم، عائدين من حيث جاء آباؤهم وأجدادهم.

وهذا الأمر سيدفع الطواغيت الحاكمين لتسخير كل إمكانياتهم الضعيفة أصلا في حماية هؤلاء النصارى إرضاءً لساداتهم في موسكو، وهو ما سيستنزف تلك الإمكانات ويجعلهم مكشوفين أكثر، هم وجنودهم، أمام ضربات المجاهدين، كما سيدفع حكام موسكو إلى توجيه دعم كبير مالي وعسكري لهم، لتعزيز قدراتهم على حماية الوجود الروسي في مناطق حكمهم، وكذلك لحماية تلك الحكومات الشكلية التي يدير الروس من خلالها هذه المناطق، وبالتالي استنزاف الخزانة الروسية التي بدأت مواردها تشحُّ شيئا فشيئا بفعل المشكلات المتصاعدة مع الصليبيين الغربيين، وتعريض دولة روسيا لمزيد من الإضعاف -بإذن الله- على المدى البعيد.

إن الأمر الذي ندعو إليه لا يتطلب جماعات كبيرة العدد من المقاتلين المدرَّبين، ولا أسلحة شديدة الفتك والتدمير، ولكنه -في هذه المرحلة- يحتاج مجاهدا يحمل في قلبه إيمانا راسخا بالله عز وجل، وحبا للشهادة في سبيله، ومستوى عاليا من البراء من المشركين يدفعه إلى التقرب إلى الله بدمائهم، يستعمل ما أمكنه الحصول عليه من سلاح في الإثخان بأعداء الله، والتنكيل بهم.

وليعلم كل مسلم، أن دماء أولئك النصارى المحاربين، وأموالهم مباحة، وكذلك أسر من تيسر منهم، وافتداؤهم بالمال أو بفكاك أسارى المسلمين، فلا يبخس أحد من المعروف شيئا، قال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 120
الخميس 6 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

العفو يقربك إلى الله أخي المجاهد اعلم أن من أسمى الأخلاق التي حث الإسلام على الاتصاف والتحلي ...

العفو يقربك إلى الله


أخي المجاهد اعلم أن من أسمى الأخلاق التي حث الإسلام على الاتصاف والتحلي بها هي خلق العفو عمن أساء وظلم، وهو الخلق الذي يُقرب العبد من ربه، ويجعله ممن يأمل عفوه يوم لا ينفع مال ولا بنون.

قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء: 149].
قال ابن كثير في تفسير الآية: "إن تُظهروا أيها الناس خيرا، أو تُخفوه، أو تعفوا عمن أساء إليكم، فإن ذلك مما يقربكم من الله ويُجزل ثوابكم لديه، فإن من صفاته -تعالى- أن يعفو عن عباده مع قدرته على عقابهم".

وقال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 40].

وقال لنبيه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].

قال ابن جرير الطبري في تفسيره: "خذ العفو من أخلاق الناس، واترك الغلظة عليهم، وقد أُمر بذلك نبي الله في المشركين" [جامع البيان في تأويل القرآن].

وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدَّعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم) [رواه البخاري].

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟"، فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال: (اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة) [رواه أبو داود].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [رواه مسلم].

وقال الحسن البصري: "أفضل أخلاق المؤمن العفو".

وقال الأحنف بن قيس: "إياكم ورأي الأوغاد"، قالوا وما رأي الأوغاد؟ قال: "الذين يرون الصفح والعفو عاراً".

وأما صور عفو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمّن أساء إليه فهي كثيرة، منها أنه عفا عن الأعرابي الذي أتاه وهو نائم تحت الشجرة فأخذ سيفه وقال له: من يمنعك مني يا محمد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الله، فسقط السيف من يد الأعرابي، وتمكن منه رسول الله ثم عفا عنه.

وعفا كذلك عن الأعرابي الذي جذبه من ردائه وحمَّر رقبته وطلب منه المال، فالتفت إليه -صلى الله عليه وسلم- ولم يعنفه وأمر له بعطاء، وعفا عن ثمامة بن أُثال بعدما أسره بَعْثُ رسول الله قِبَلَ نجد، وكان العفو سببا في إسلامه، وعفا عن المرأة اليهودية التي سممته، وعفا عن أهل مكة بعد فتحها، وعفا عن أبي سفيان يوم فتح مكة، وخصَّه بما هو أكثر من العفو عندما أعلن أن من دخل دار أبي سفيان فهو آمِن، وعفا عن أهل ثقيف بقوله لملك الجبال: (أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا).

إذن فالتاريخ يثبت أن المسلم يحقق بالعفو ما لا يحقق بضده، وفوق ذلك أن من اتصف به فهو متأس بالنبي صلى الله عليه وسلم وسائر على نهجه وراج من الله عزوجل عفوه ورضاه، فكما تدين تدان.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 120
الخميس 6 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

الحوار المشهود والعذاب الموعود (1) لا يفتأ الناس ينظرون إلى الصراع بين الحق والباطل بالنتائج ...

الحوار المشهود والعذاب الموعود (1)

لا يفتأ الناس ينظرون إلى الصراع بين الحق والباطل بالنتائج المادية التي يبنون عليها مواقفهم وردود أفعالهم، فمن الناس من حسم أمره بالقعود والنكول عن أمر الله لما رأى في نظره أن الأمر محسوم لصالح أقوى القوتين المتصارعتين على ميدان أرض الله الواسعة، وهما قوة الحق وقوة الباطل، فيظن الباطل غالبا والحق مغلوبا، وما درى أن العاقبة لأهل الحق والتقوى والإيمان، ومنهم من يميل مع القوة حيث مالت فيُظهر الإيمان تارة ويظهر الكفر تارة أخرى حسب النتائج التي تلبي مصالحه وهواه، ومنهم من ينظر من بعيد حتى إذا كانت الدائرة لأهل الإيمان ادعى أنه كان منهم ومناصرا لهم، وإذا كانت الدائرة لأهل الباطل قال قد أنعم الله عليَّ إذ لم أكن معهم شهيدا، وبين هذه الأصناف تبقى ثلة مبصرة اجتباها الله من بين الخلق كلهم، فلم تكترث للكثرة الخائبة المرتكسة، ولم تتأرجح في المواقف ولم تتردد قلوبهم أو تشك في موعود الله تبارك وتعالى، ولقد آنسهم ربهم -جل في علاه- فيما حكاه من الحوار مع الكفار ومشاهد العذاب التي لو تأملها المؤمن وقارن بين عاقبته وعاقبة أعداء الله، لهانت عليه كل بلية يلقاها في دنياه من أعدائه، ولتضاءلت في نظره كل الأخطار المحدقة به، التي يراها بأم عينه، فلنتأمل بعض تلك الحوارات وبعض تلك المشاهد الرهيبة من الانتقام والعذاب الخالد السرمدي.

لقد أخبر الله -تعالى- عباده الموحدين أن حوارات ستقع مع الكفار لما كان منهم من استهزاء بآيات الله -تعالى- والكفر بها ونصب العداوة لأولياء الله والسخرية منهم والضحك عليهم، كما أخبر الله -تعالى- عن حوارات أخرى بين التابعين والمتبوعين، وحوارات بين أهل الإيمان وأهل الكفران في الآخرة، وتلك المشاهد لا تغيب عن قلوب الصادقين الذين لا ينظرون إلى الصراع الدنيوي بنتائجه العاجلة، لأن الربح كل الربح عندهم هو الجزاء الجزيل من الرب الجليل يوم القيامة، وأن الله -تعالى- توعد الكفار بعذاب سرمدي سيراه المؤمنون ويحمدون الله -تعالى- على نعمة الهداية والنجاة من مصائر الكفار وسوء عاقبتهم، كما أنهم سيضحكون من الكفار يوم القيامة وتقر أعينهم بذلك الانتقام الذي ينزله الله بالقوم الكافرين.

وهنا سنتعرض إلى الحوار الذي أجاب الله به الكفار، والذي أجاب به ملائكته عن أسئلة الكفار والمجرمين بهذا الشأن والحكاية القرآنية عن حالهم ومآلهم، نسأل الله العفو والعافية، ومن الروايات التي جمعت بعض تلك الحوارات هو ما رواه الإمام الطبري -رحمه الله- إذ قال: "قال محمد بن كعب: بلغني، أو ذُكر لي، أن أهل النار استغاثوا بالخزنة، ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب، فردُّوا عليهم ما قال الله، فلما أيسوا نادَوا: يا مالك، وهو عليهم، وله مجلس في وسطها، وجسور تمرُّ عليها ملائكة العذاب، فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها، فقالوا: يا مالك، ليقض علينا ربك، سألوا الموت، فمكث لا يجيبهم ثمانين ألفَ سنة من سني الآخرة، أو كما قال، ثم انحط إليهم، فقال: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [سورة الزخرف: 77]، فلما سمعوا ذلك قالوا: فاصبروا، فلعلَّ الصبر ينفعنا، كما صبر أهل الدنيا على طاعة الله، قال: فصبروا، فطال صبرهم، فنادوا {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [سورة الرعد: 21]، أي مَنْجى، فقام إبليس عند ذلك فخطبهم، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [سورة الرعد: 22]، فلما سمعوا مقالته، مَقَتُوا أنفسهم، قال: فنُودوا {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} [سورة غافر: 10] الآية، قال: فيجيبهم الله {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [سورة غافر: 12]، قال: فيقولون: ما أيسنا بعد، قال: ثم دعوا مرَّة أخرى، فيقولون: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [سورة السجدة: 12]، قال: فيقول الرب تبارك وتعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [سورة السجدة: 13]، يقول الرب: لو شئت لهديت الناس جميعا، فلم يختلف منهم أحد {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا}يقول: بما تركتم أن تعملوا ليومكم هذا {إِنَّا نَسِينَاكُمْ} أي تركناكم {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة السجدة: 13 - 14] قال: فيقولون: ما أيسنا بعد، قال: فيدعون مرَّة أخرى: {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} [سورة الرعد: 44] قال: فيقال لهم: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [سورة الرعد: 44 - 45] ... الآية، قال: فيقولون: ما أيسنا بعد، ثم قالوا مرَّة أخرى: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} قال: فيقول: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [سورة فاطر: 37]، ثم مكث عنهم ما شاء الله، ثم ناداهم: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [سورة المؤمنون: 105]، فلما سمعوا ذلك قالوا: الآن يرحمنا، فقالوا عند ذلك: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} أي: الكتاب الذي كُتب علينا {وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} [سورة المؤمنون: 106 - 107] الآية، فقال عند ذلك: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [سورة المؤمنون: 108 - 111]، قال: فلا يتكلمون فيها أبدا، فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء منهم، وأقبل بعضهم ينبح في وجه بعض، فأطبقت عليهم، قال عبد الله بن المبارك في حديثه: فحدثني الأزهر بن أبي الأزهر أنه قال: فذلك قوله: {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [سورة المرسلات: 35 - 36]" [تفسير الطبري].

فما أعظم تلك المشاهد الرهيبة من العذاب الطويل الخالد بأهل الكفران! وما أعظم الأجوبة التي تلقاها الكفار، التي تبين فداحة جرمهم وكفرهم بالله -تعالى- وحرابة دينه وأوليائه!

تلك الحوارات وتلك المشاهد هي أنيس كل مجاهد يحاربه من استكبر عليه وعلى إخوانه من قبل أمم الكفر والبغي، فحاربوه وأذاقوه البلاء والفتنة، وأظهروا له العداء والاستهزاء والسخرية ورموه بالضلال، {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} [سورة المطففين: 32]، وهذا ما تفعله وسائل إعلام المرتدين والصليبيين اليوم، وهنا يتجلى مشهد آخر، لو تأمله المجاهد الموحد لازداد قلبه اطمئنانا واستئناسا ورضى، فكما يرى المؤمن الموحد مشاهد الضحك والاستهزاء به ورميِهِ بالضلال من قبل الكفار في الدنيا، فسيكون هو من يضحك منهم في الآخرة وهم يُعَذبون، وبهذا الشأن قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [المطففين: 29 - 34].

قال الإمام الطبري: "كان ابن عباس يقول: إن السور الذي بين الجنة والنار يُفتح لهم فيه أبواب، فينظر المؤمنون إلى أهل النار، والمؤمنون على السرر ينظرون كيف يعذَّبون، فيضحكون منهم، فيكون ذلك مما أقرَّ الله به أعينهم، كيف ينتقم الله منهم" [تفسير الطبري].وهذا المنظر الذي ينظر إليه المؤمنون لهو أشفى لصدورهم من كل انتقام دنيوي قد نراه أحيانا في الكفار، لأن أقصى ما يمكن فعله بهم في الدنيا هو قتلهم، والله -تعالى- عبَّر عن قتل الكفار بأنه عذاب لهم بأيدي المؤمنين، وذلك لأن رحلة العذاب للكفار تبدأ بعد القتل، فتبدأ صور العذاب النفسي والجسدي للكفار في اليوم الآخر، فيرى ذلك أهل الإيمان عيانا، ويقدر لهم أن يحاوروا الكفار الذين يرون الماء الطيب والرزق الذي حباه الله به عباده الصابرين، كما في قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف: 50].

قال الإمام البغوي: "قال عطاء عن ابن عباس: لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة طمع أهل النار في الفَرَج، وقالوا: يا رب إن لنا قرابات من أهل الجنة، فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم، فينظروا إلى قرابتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فيعرفونهم، ولم يعرفهم أهل الجنة لسواد وجوههم، فينادي أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم، وأخبروهم بقراباتهم: أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [سورة الأعراف: 50]" [تفسير البغوي].

ولعل من يقرأ هذه الآيات يجد أن نعمة الهداية هي محض فضل عظيم خصَّ به الله -تبارك وتعالى- أهل طاعته وأسكنهم دار مقامته وانتقم لهم من الكفار في الدنيا والآخرة، {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سورة الجاثية: 36 - 37].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 119
الخميس 29 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

سبب نزول { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ ...

سبب نزول
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا }

قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2 - 3].

قال ابن كثير في تفسيره: "أي: ومن يتق الله فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه، يجعل له من أمره مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي: من جهة لا تخطر بباله... وقال محمد بن إسحاق: جاء مالك الأشجعي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له: أُسِر ابني عوف. فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أرسل إليه أن رسول الله يأمرك أن تكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله)، وكانوا قد شدوه بالقد فسقط القد عنه، فخرج، فإذا هو بناقة لهم فركبها، وأقبل فإذا بسرح القوم الذين كانوا قد شدوه فصاح بهم، فاتبع أولها آخرها، فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب، فقال أبوه: عوف ورب الكعبة. فقالت أمه: واسوأتاه، وعوف كيف يقدم لما هو فيه من القد؟ فاستبقا الباب والخادم، فإذا عوف قد ملأ الفناء إبلا، فقصَّ على أبيه أمره وأمر الإبل، فقال أبوه: قِفا حتى آتِيَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسأله عنها، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بخبر عوف وخبر الإبل، فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (اصنع بها ما أحببت، وما كنت صانعا بمالك)، ونزل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}" [تفسير القرآن العظيم].

نسأل الله أن يجعلنا من المتقين، ويفرِّج عنا ما نحن فيه، ويرزقنا من لدنه رزقا طيبا مباركا فيه.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 119
الخميس 29 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

جيش السيسي والحملة الإعلامية الكبرى سبَّبَ التنازع بين عدد كبير من الأطراف على النصر الموهوم ضد ...

جيش السيسي والحملة الإعلامية الكبرى

سبَّبَ التنازع بين عدد كبير من الأطراف على النصر الموهوم ضد الدولة الإسلامية شعورا جديدا بالنقص عند طاغوت مصر (عبد الفتاح السيسي)، فأراد أن يقدم طلب انتساب إلى نادي "المنتصرين"، فيلقي بقلمه بين أقلامهم، ويزاود عليهم من خلال الزعم أنه هو صاحب "الانتصار الحقيقي" على الدولة الإسلامية، خاصة بعد انتشار الأساطير الكثيرة عن انتقال جنودها من العراق والشام إلى سيناء خلال الأشهر الماضية.

وقد أطلق الطاغوت على حملته الأخيرة مسمى غريبا هو (سيناء 2018)، الذي يشبه إلى حد كبير أسماء المعارض والمهرجانات والمنافسات الرياضية أكثر من الأسماء الشائعة للحملات العسكرية، ربما ليمحو من الذاكرة الحملات العديدة التي أطلق على كثير منها مسمَّى (حق الشهيد)، والتي لم يحصد منها حقا ولا باطلا، وصدق على حال جيشه بعدها المثل القائل: "ذهب يطلب ثأر أبيه، فأورث أبناءه عار الهزيمة".

أسماء أخرى أطلقها إعلام الطاغوت وحلفائه على هذه الحملة، من قبيل "العملية الشاملة" أو "الحملة الكبرى" أو "حرب أكتوبر الثانية" وغير ذلك من التسميات التي لا يخفى الجانب الدعائي من ورائها، والتي يقصد منها -ولا شك- تضخيم نتائج هذه الحملة مسبقا، واستباق أحداثها بالحديث عن منجزات هائلة متوقعة منها، ليس أقلها "حسم قضية الإرهاب في سيناء"، و"استعادة الجيش المصري لهيبته"، وذلك في اعتراف مخز بأن هذا الجيش أصبح محط سخرية أهل مصر قبل سواهم من سكان هذا العالم، وذلك بعد الهزائم المتلاحقة التي تلقاها على أيدي الثلة المجاهدة من جنود الخلافة في ولاية سيناء.

وكل هذا في ظل تحوُّل هذا الجيش العملاق إلى كيان معقد من المؤسسات التي تقوم بوظائف إنتاجية وخدمية كبيرة، تؤمن مصالح طبقة الضباط الطفيلية التي تحولت منذ انقلاب "الضباط الأحرار" إلى طبقة اجتماعية اقتصادية منفصلة عن بقية طبقات المجتمع المصري، ربما في استمرار لحالة دارجة في هذا البلد منذ عهد المماليك، مع الفارق أن العسكريين المماليك كانوا على الإسلام، عبيدا مملوكين رغم إرادتهم، أما المماليك الجدد من ضباط الجيش المصري فهم مرتدون يختارون العبودية للطواغيت بأنفسهم، طمعا في الحصول على المكاسب التي تدرها هذه العبودية عليهم.

ومِثل إخوانه من طواغيت العراق والشام وإيران وروسيا وأمريكا، سيخرج السيسي قريبا ليعلن "النصر الكبير" على الدولة الإسلامية، ويعلن سيناء "منطقة محررة من الإرهاب" ثم يدس رأسه في التراب بعد أول عملية لجنود الخلافة تنسف كل أكاذيبه، وتفتح الباب أمام الجيش المصري المرتد ليعلن عن حملة جديدة أكبر من "الكبرى" للقضاء على المجاهدين في ولاية سيناء.

وكما أن قيادة الحرب على المجاهدين في العراق قد شهدت ثلاثة رؤساء أمريكيِّين، وعددا أكبر من رؤساء الحكومات في العراق، ولا زالت دولتهم باقية وجهادهم مستمرا، فكذلك المجاهدون في سيناء تناوب على حربهم 5 من الطواغيت الحاكمين لأرض مصر، ولن تنكسر شوكتهم، ولن يتوقف جهادهم في عصر السيسي مهما طال بإذن الله، بل نسأل الله أن تكون نهاية حكمه على أيدي جنود الخلافة وهم يغزونه في عقر داره، ويجعلون من قاهِرَتَيه القديمة والجديدة أرض إسلام، يقام فيها الدين كاملا غير منقوص، وتُحكَّم فيها شريعة الرحمن لا مصدر غيرها للتشريع والحكم.

ومما يجدر التذكير به هذه الأيام، أن يسعى المجاهدون في كل مناطق مصر لتصعيد هجماتهم على المرتدين والنصارى المحاربين وعموم المشركين من السياح وغيرهم، وذلك أن الهدف الأكبر للطاغوت السيسي من حملته على جنود الخلافة في سيناء أن يُظهِر قضاءه على الجهاد في الأرض التي يحكمها، وإن أي هجوم في داخل مصر من شأنه أن يفضح عجزه، ويبين لحلفاء السيسي أنه غير قادر على ضبط الأمن في مناطق سيطرته الأساسية فضلا عن المناطق الطرفية، كسيناء والصحراء الغربية ومناطق أسوان والصعيد، ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 119
الخميس 29 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

أخي المجاهد / إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ الحمد لله رب العالمين، وعده حقٌّ وأخباره صدقٌ ...

أخي المجاهد / إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ


الحمد لله رب العالمين، وعده حقٌّ وأخباره صدقٌ وأحكامه عدلٌ، والصلاة والسلام على أعلم الخلق بالله وأخشاهم وأتقاهم له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد...

فقد أثنى الله -تعالى- على عباده المؤمنين الذين يصدِّقون كلامه ويوقنون بتحقق موعوده، لا يزولون عن هذا اليقين في السراء ولا في الضراء، بل لا تزيدهم المحن إلا إيماناً بالله وآياته ووعوده، وتسليماً لأمره وحكمته، ورضاً بقضائه وقدره.
كثيراً ما ترجو نفوسنا أن يأتي الفرج والنصر من الله بطريقة معينة وبأحداث محددة، ولكن {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29]، فلله -تعالى- حِكم عظيمة قد يخفى علينا كثير منها.

لقد رجا المؤمنون من المهاجرين والأنصار أن يلقوا قافلة كفار قريش فيأخذوها سهلة بغير قتال، ويكون فيما يغتنمونه منها قوة لهم وبلاغ إلى حين، ولكن الله -تعالى- شاء وهو العليم الحكيم أن تنجو القافلة وتخرج قريش عازمة على قتال المسلمين بجيش يزيد على ثلاثة أضعاف عدد المجاهدين، طامعة في القضاء على الموحدين الذين بدأوا يُسقطون هيبة قريش ويجترئون عليها وعلى تجارتها، فكانت غزوة بدر الكبرى، التي قال الله عنها: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: 7 - 8]، وقبل الغزوة قلَّل الله -تعالى- عدد الكفار في أعين المؤمنين ليتشجعوا على قتال الكفار ولا ترهبهم أعدادهم، وقلل عدد المؤمنين في أعين الكفار ليغريهم بقتال المؤمنين، قال تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ في أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [الأنفال: 44]، فلما التحم الفريقان رأى الكفارُ المسلمين وكأنهم ضعف عدد الكفار، فتزلزل جيشهم وسقطت معنوياته، ووهنت قوته، ويئس من النصر، وأيَّد الله المؤمنين بنصره، قال تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران: 13].

وفي غزوة الأحزاب ابتلى الله -تعالى- المؤمنين ابتلاء شديداً لا يتوقعونه، فازدادوا إيماناً بتحقق وعد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بنصر المؤمنين واندحار الكافرين.

قال ابن إسحاق: "حدثني يزيد بن رومان في قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9]، والجنود: قريش وغطفان وبنو قريظة، وكانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح: الملائكة، وعن مجاهد: {إذْ جاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ} قال: عيينة بن بدر في أهل نجد، {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ}، قال أبو سفيان: وواجهتهم قريظة، وعن قتادة: {وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ} شخصت، وعن عكرمة: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ}، قال: من الفزع، وعن الحسن: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}، قال: ظنوناً مختلفة: ظنَّ المنافقون أن محمداً وأصحابه يُسْتَأْصَلُون، وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله حق، وأن الله سيُظهر دين الإسلام على الأديان كلها ولو كره المشركون" انتهى كلامه بتصرف يسير.

لقد جاء نصر الله -تعالى- بكيفية عجيبة ظهرت فيها قدرة الله وقوته وعزته وحكمته ولطفه بالمؤمنين، قال تعالى: {وَرَدَّ الله الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى الله الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ الله قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25]، وأيَّد الله –تعالى- المؤمنين بالنصر على يهود بني قريظة والإثخان فيهم، ومنَّ على المؤمنين بالغنائم الكبيرة التي أورثهم إياها من بني قريظة، قال تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًاً * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} [الأحزاب: 26 - 27].

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 119
الخميس 29 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

إن اللَّه معنا الحمد لله الذي له نعوت الكمال وأوصاف الجلال، والصلاة والسلام على عبده ورسوله ...

إن اللَّه معنا


الحمد لله الذي له نعوت الكمال وأوصاف الجلال، والصلاة والسلام على عبده ورسوله المعظم لربه حق التعظيم، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان في طلب رضا ربهم المنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد...

فإن أكثر الناس يحكمون على ظواهر الأمور ويغفلون عن الحقائق التي أخبرنا الله بها، فيرون الأعداء يفوقوننا في العدد والعتاد، ولا يستشعرون أن الله العظيم هو معنا، الذي إن أراد نصر أحد فلن يغلبه أحد، وإن خذل أحداً فلا ناصر له من بعد الله، يغفل الناس عن الحقيقة الكبرى أن الكفار شواذ عن باقي الخليقة في الإيمان بالله وتنزيهه عن العيوب والنقائص، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18]، فهذه المخلوقات العظيمة والكثيرة والمتنوعة كلها تُعظِّم الله وتخشع له وتسجد له وتُقِر له بالربوبية وبالألوهية وبأنه خالقها القيوم عليها، الذي لا قيام لها ولا بقاء إلا به، فنرى الكون وما فيه كله متناسقاً متشابهاً في عبادة الله، إلا هذه المخلوقات المهانة الخبيثة التي أبت عبادة الله والخضوع لأوامره، وظنَّت أنها تستطيع على ضعفها وذلتها إطفاء نور الله، فأي قوة لها أمام قوة الله؟ الذي أعطاها الحول والقوة، ويجري قضاؤه عليها رضيت أم كرهت.


• كل شيء يسبح الله ويحمده

لله -تعالى- المحامد كلها، فكل أسمائه محمودة وكل صفاته محمودة، وكل أفعاله وأحكامه محمودة، ولذلك حمد الله -تعالى- نفسه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1].

ويحمده المطيعون من خلقه وينزهونه عن كل عيب ويقرون له بالكمال والجلال والجمال، ولهذا يجمعون بين تسبيح الله وحمده، كما قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44]، كلهم على طاعته إلا كفار الإنس والجن، ومع ذلك فمن يأبى السجود لله طوعاً فهو يسجد له كرهاً، فتمضي عليه أحكام الله القدرية والجزائية شاء أم أبى، قال تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15].


• أساس الدين تعظيم الله

وعلى أساس تعظيم الله قام دين الإسلام وبعث الله رسله مبشرين ومنذرين، ومن أجل تعظيم الله -تعالى- قام الجهاد في سبيل الله لمحاربة من لم يقدروا الله حق قدره من الكفار والمشركين والمنافقين، الذين كفروا بالله وجحدوا نعمه أو نسبوها لغيره أو نسبوا لله الصاحبة والولد وادعوا أن لله شركاء في العبادة وأن هناك من يشفع عند الله بلا إذنه، وقام الجهاد لمحاربة الطواغيت الذين اعتدوا على أعظم حقوق الله، ونازعوا الله في حق التشريع والتحليل والتحريم الذي هو من خصائص الربوبية، ونتج عنها منازعة الله في حق الطاعة المطلقة وهي من خصائص الربوبية والألوهية، ولذلك فمعية الله وتأييده وتوفيقه إنما هي للمعظمين لله الذين أخلصوا له الدين، الذين يحبهم ويحبونه، الذين يوالون في الله ويعادون فيه، ويجاهدون لإرضائه غير مبالين بلوم اللائمين، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.


• لا تحزن إن الله معنا:

حفظ لنا القرآن العظيم مواقف عظيمة كثيرة، وكان منها هذا الموقف الخالد من عبد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أثناء هجرته إلى الله عز وجل، هاربا بدينه ودعوته، مطاردا من أهل مكة المشركين، فيلجأ إلى غار ثور ومكانه ليس على طريق المدينة، ولكنهم تتبعوا الآثار حتى وقفوا فوق باب الغار، حتى قال الصديق وهو خائف مهموم "لو أن أحداً من المشركين نظر إلى قدميه لأبصرنا"، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أنزل الله عليه السكينة، وهي الطمأنينة والشعور بالأمان والعناية الإلهية: (يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين اللهُ ثالثهما؟) [رواه البخاري ومسلم].
وتذكر لنا كتب السير ومعاجم الصحابة قصة سراقة بن مالك -رضي الله عنه- الذي قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- في طريق الهجرة بعد أن كان يطارد النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- طامعاً في أن يحصل على جائزة المشركين إن هو أتى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حياً أو ميتاً: (كيف بك إِذا لَبستَ سِوارَيْ كسرى)، فلمّا أُتِيَ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بسوارَيْ كسرى ومِنْطَقَتِهِ وتاجِه، دعا سراقة بن مالك، فألبسه إياهما.وكان سراقة رجلا كثير شعر الساعدين، فقال له عمر: ارفع يديك، فقال: الله أكبر، الحمد لله الذي سلبها كسرى بن هرمز الذي كان يقول: أَنا رَبُّ الناس، وألبسهما سراقةَ بن مالك بن جُعْشُم، أعرابي من بني مُدْلِج، ورفعَ لها عمرُ صوتَه.


• رُسل الله وهم يستشعرون معية الله:

لما أرسل الله عز وجل موسى -عليه السلام- إلى فرعون قال هو وأخوه هارون، عليهما السلام: {رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 45 - 46]، فوقف موسى -عليه السلام- أمام فرعون داعياً ومذكراً ومجادلاً بالحق، يجيب على أسئلة فرعون بالأدلة والبراهين، غير آبه لتهديدات فرعون الذي {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29]، ثم واعد فرعون وقومه يوم الزينة وهو يوم عيد لهم يجتمعون فيه بزينتهم مبتهجين، وهناك وقف الوقفة العظيمة أمام السحرة الذين {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 116]، فألقى عصاه فالتقمت حبال السحرة وعصيهم، فآمنوا بالله وكفروا بفرعون، فهددهم الطاغوت بالقتل والتعذيب والتقطيع، فانتقل موسى -عليه السلام- إلى الذين آمنوا بالله يثبتهم ويُصبرهم ويدعوهم إلى التوكل على الله، {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس: 84]، ويأمرهم موسى -عليه السلام- بالصلاة التي تعينهم على جميع أمورهم، ويبشرهم بموعود الله بالنجاة من فرعون وبالجنة لمن ثبت على دين الإسلام، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 87].


• إن معي ربي سيهدين:

صبر موسى -عليه السلام- وقومه حتى جاء الفرج من الله –تعالى- لما أمرهم بالخروج من مصر ليلاً وأخبر نبيه -عليه السلام- أن فرعون سيتبعهم، وقد لحقهم بجنوده حتى ظن بنو إسرائيل أنه سيدركهم، فقد صاروا محاصرين بين البحر وبين جيش فرعون، قال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 61 - 62]، "كلا": كلمة نفي وزجر لهم أن يظنوا أن وعد الله لهم بالنجاة والنصر لا يتحقق، وأكد كلامه بـ "إن"، وأخبرهم بيقينه بأن الله معه ولن يتخلى عنه بل سيهديه للمخرج من هذا الموقف العصيب، فجاء الوحي سريعاً من الله -عز وجل- إلى عبده ورسوله المقرب إليه: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [الشعراء: 63 - 66].

لقد أحسن رُسل الله وأنبياؤه وأتباعهم العمل، وصدَّقوا بموعود الله وأحسنوا ظنهم بالله، فلم يُخيِّب ربهم رجاءهم، بل كان معهم كما وعدهم بالتوفيق والهداية والتسديد والنصر على الكافرين، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 118
الخميس 22 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

قصة حديث (من غشَّ فليس منِّي) حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الغش معلوم مشهور بين ...

قصة حديث (من غشَّ فليس منِّي)

حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الغش معلوم مشهور بين الناس وهو قوله: (من غشَّ فليس منِّي)، وفي رواية: (ومن غشَّنا فليس منَّا)، وكلا الروايتين في صحيح مسلم.

وللحديث قصة تُبيِّنها الرواية ذاتها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرَّ على صُبرة طعامٍ، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعُه بللاً، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟)، قال: أصابته السماء يا رسول الله! قال: (أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني) [رواه مسلم].

والمعنى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أدخل يده في كومة طعام فوجد أسفله مبللا، مع أن ظاهره غير ذلك، ولما سأل صاحب الطعام عن الأمر أخبر بأن المطر نزل عليه، فأنكر عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعله، وأعلمه أن عليه أن يظهر ذلك للناس ولا يخفي عيب بضاعته، وأعلمه بأن ذلك من الغش الذي مَنْ فَعَلَهُ، فليس من رسول الله، أي ليس على هدي رسول الله ونهجه.

وهذا الحديث يتحدث عن صورة من صور الغش -وما أعظم انتشارها- وللغش صور كثيرة، فهل يرضى من اتصف بهذه أن يقول له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لست مني؟ إذن ليراجع كل امرئ نفسه، ويجدد التوبة لربه.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 118
الخميس 22 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

بعد 40 شهراً من الانشغال عنها أمريكا تعود إلى خراسان من جديد لئن كان وجود أمريكا في خراسان ...

بعد 40 شهراً من الانشغال عنها
أمريكا تعود إلى خراسان من جديد


لئن كان وجود أمريكا في خراسان مصدر رعب حقيقي لكل من الصين وروسيا وإيران وباكستان، لما فيه من تهديدٍ لمصالح كلٍّ منها، التي قد تحدُّها السيطرة الأمريكية على جانب من جوانب حدودها، فإن هذه الدول كانت ولا تزال على يقين أن الوجود الأمريكي هنا ليس بدائم، وأن بالإمكان اقتلاعها منه تحت تأثير الخسائر المتزايدة والاستنزاف المستمر لاقتصادها وجيشها في هذه الحرب اللامنتهية.

ولذلك كان الخيار الاستراتيجي بالنسبة إليها، هو العمل بكل وسيلة على دفع أمريكا للخروج من أفغانستان، ولو عن طريق دعم حركة تزعم رغبتها بإقامة "إمارة إسلامية" وتحكيم الشريعة، خاصة أن هذه الحركة أكدت أن هذه "الإمارة" المأمولة بالنسبة لها، هي "إمارة وطنية" تلتزم بحدود "الوطن الأفغاني" الذي تُقرُّ الحركة بحدوده المتفق عليها مع الدول الكافرة، وكذلك فإنها تؤكد أن "تحكيمها للشريعة" سيكون تحكيما جزئيا، لا مكان فيه لأي من الأحكام التي تغضب دول الجوار الكافرة، بل ستقوم تعاملاتها معهم على "أصول الاحترام المتقابل، والمساواة، وعدم التدخل في الأمور الداخلية مع دول المنطقة والعالم المختلفة"، كما تردد حركة طالبان الوطنية في بياناتها ورسائلها إلى الدول الكافرة.

إن موقع أفغانستان المفصلي بين حدود ومناطق نفوذ أربع من الدول الكافرة التي تتنازع فيما بينها لمد هيمنتها في محيطها الإقليمي، يجعل مصلحة هذه الدول تجاهها تقوم على إخراج أمريكا منها، ثم وجود حكومة ضعيفة مرضي عنها فيها، بحيث تعود أفغانستان إلى مكانها الأصلي في النظام الدولي، كدولة حاجزة بين القوى المتصارعة، تؤدي سيطرة أي منها عليها إلى تهديد كبير للآخرين، قد يستدعي تدخلهم لإبعاد هذا الخطر، كما حدث عندما تجرأ الاتحاد السوفيتي على إدخال قواته إليها مطلع هذا القرن الهجري.

وليست أمريكا بالطبع غافلة عن جهود خصومها المبذولة لإخراجها من خراسان، كما أنها ليست غافلة عن الثروات البكر لأرضها، ولا مليارات الدولارات الممكن لشركاتها جنيها من المشروعات المستقبلية فيها، ولكنها رغم ذلك تجد نفسها مجبرة كل فترة لسحب جزء مهم من عديد جيشها وعدته في سبيل تدارك انهيار الأوضاع في مناطق أخرى لا تقل أهميتها عن خراسان، كما حدث مرتين على الأقل تجاه العراق؛ الأولى بعد معركة الفلوجة الثانية، حيث بات استمرار الاحتلال الأمريكي للعراق مهددا، بفعل تجاوز خسائر الأمريكان لعتبة التحمل الأمريكية تحت عمليات المجاهدين المتتالية، والثانية عندما أوشك المجاهدون على إسقاط حكومتي بغداد وأربيل المرتدتين بعد سيطرتهم على الموصل، وفي الحالتين أضعفَ نقلُ الثقل إلى العراق قبضةَ الصليبيين في خراسان، واستفادت من ذلك حركة طالبان الوطنية في إعادة ترتيب صفوفها، وتوسيع نفوذها.

واليوم يخطط الجيش الأمريكي لإعادة تقوية جيشه في خراسان، حماية لوجوده في هذه المنطقة بالغة الأهمية من حيث الموقع والثروات، ووقاية للحكومة التي صنعها بيده كواجهة للحكم في كابل من الانهيار الذي ليست الضربات الكبرى التي وجهها لها جنود الخلافة خلال الأشهر الأخيرة بالدليل الوحيد على هشاشته.

ويأتي هذا بعد أن انشغلت القيادة الأمريكية الوسطى المخصصة لإدارة الحرب في بُلدان المسلمين لأكثر من 40 شهرا في قتال الدولة الإسلامية في ولايات العراق والشام وليبيا، الذي استنزف قسما كبيرا من إمكانيات الجيش الأمريكي في الحرب الجوية، والاستخبارات، والدعم للقوات المتحالفة معه.

وإن جنود الخلافة في ولاية خراسان يدركون -بفضل الله تعالى- العبء الملقى على عاتقهم، وحجم قوى الكفر التي ينبغي عليهم محاربتها والتصدي لها، وهم مستعدون -بإذن الله- لدفع الثمن المطلوب لإقامة الدين وتحكيم شريعة رب العالمين.

وهم مستمرون -بحول الله- في قتال الجيوش الصليبية حتى هزيمتها، واستهداف حكومة كابل المرتدة، وأي حكومة طاغوتية ينالها بأسهم، حتى إسقاطها، ثم منع قيام أي حكومة تحكم بغير شريعة الله تعالى، أو تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض، مع محاربة الطوائف الممتنعة عن تحكيم الشريعة، وعلى رأسها حركة طالبان المرتدة، وهم عازمون على مدِّ سلطان الشريعة إلى أي أرض يمكِّنهم الله من فتحها، غير عابئين بالحدود المصطنعة، ساعين إلى نصرة المسلمين المستضعفين، لإخراجهم من حكم الطواغيت، حتى لا تكون طاعتهم إلا لله، ولا يكون ولاؤهم لغير دين الإسلام، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 118
الخميس 22 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً