بين المورسكيين و الإيغور....تاريخ أم واقع؟ هل التاريخ فعلا يعيد نفسه ؟و هل تستفيد الدول الكبرى من ...

بين المورسكيين و الإيغور....تاريخ أم واقع؟
هل التاريخ فعلا يعيد نفسه ؟و هل تستفيد الدول الكبرى من التاريخ حتى تقمع الشعوب المستضعفة؟
بقلم : الأستاذ بلال بوساحة
يقول ابن خلدون : "أن التاريخ في باطنه نظر و تحقيق " ، يعلق هنا د حسين مؤنس على هذا قائلا :" فهو تفكير في طبائع البشر و تكوين مجتمعاتهم و بحث عن أسباب الحوادث و تحليل لنتائجها ، فالتاريخ ينفع في العظة و العبرة ، ندرس تجارب الأمم و نرى ما وقعت فيه من الأخطاء لننجو بأنفسنا عن المزلات و مواطن الضرر و هذه هي أعظم الفوائد ( ).
و من أهم مواطن الاتعاظ بتاريخ الأمة الإسلامية ، ما حدث للموريسكيين في الأندلس ، و الموريسكو ، لفظ أطلقه الإسبان في بدايات ق 16 على العرب المسلمين الذين بقوا في الأندلس،مرغمين على اعتناق النصرانية بعد سقوط غرناطة آخر قلاع الأندلس سنة 1492 م ( ).
" أجل ، كان مصير مسلمي الأندلس ، بعد فقد دولتهم و زوال مملكتهم ، من أفضع ما عرفت الأمم الكريمة المغلوبة ، و كانت مأساة من أبلغ مآسي التاريخ " يقول محمد عبد الله عنان( ).
نعم ، لا يستطيع القلم أن يكتب ما قد رواه الأشهاد ، و حتى و إن أراد فإن حبره يأبى ذلك كمدا و غما على ما قد حدث ، و ما ارتكبته هيئة معينة من طرف ملوك الإسبان ، تسمى بمحاكم التفتيش ،ليس إلا عملا بربريا وحشيا نفذ باسم الصليب لم يتصوره أصحاب الروايات .
تقول المستشرقة الألمانية سيجريد هونكة " [لقد] باشرت –اسبانيا-عملية القضاء على المسلمين و حضارتهم و ثقافتهم ...لقد حُرّم الإسلام على المسلمين ، و فرض عليهم تركه ، كما حرّم عليهم استخدام اللغة العربية ، و الأسماء العربية ، و ارتداء اللباس العربي ! ، و من يخالف ذلك كان يحرق حيّا بعد أن يعذب أشد العذاب "( ).
و كانت هذه المحاكم اللعينة ، تتحرى في البحث عن المسلمين الذين أخفوا إسلامهم، و تتفنن فيما بعد في تعذيبهم و قتلهم ، و قد وصف أحد الضباط الفرنسيين ، أثناء حملة بونبرتعلى اسبانيا ، إحدى مراكز التعذيب التي اكتشفها في أقبية إحدى الكنائس ، بالمنظر الرهيب الذي جعله يشفق على هؤلاء المسلمين المعذبين ، فقد ذكر آلات تحطيم و تكسير العظام و سحقها ، و آلات تمزيق اللحم و تشديقه ...و سياط الحديد الشائك التي تكسر العظم و تفتت اللحم ( ).
و لم تمس هذه الحملة البربرية المسلمين فقط ، بل لحقت كتبهم و جميع ما ألفوا في شتى الفنون ، فقد أمر الكردينال خمنيس–مطرانطليطلة- بجمع جميع المصاحف المزخرفة البديعة والكتب العربية في جميع الفنون و العلوم المتواجدة في غرناطة و ضواحيها،و حرقها في ساحة باب الرملة ، حتى رثى تلك الكتب عدد ليس بالقليل من المستشرقين الغربيين ، فضلا عن العلماء العرب ، لما ضاع فيه من كتب علم و حكمة و أدب و أرب وحضارة( ).
و قد دلت على مظاهر الإكراه التي مارسته محاكم التفتيش ، فتوى أرسلها مفتي وهران آنذاك ، المسمى أحمد بن بوجمعة المغراوي ، إلى الموريسكيين يرشدهم فيها إلى كيفية تجسيد شعائر الإسلام خفية على أعدائهم ،و ذلك خلال نوفمبر سنة 1504، يصفهم فيها بالغرباء ، ينصحهم بالمسح على الحيطان تيمما بدل الوضوء إن خافوا ، و بتزويج بناتهم للنصارى إن أكرهوا ، منكرين ذلك بقلوبهم،و الاغتسال ولو عوما في البحار و الأنهار إن استطاعوا ، و أكل لحم الخنزير إن أكرهوا معتقدين تحريمه منكرين ذلك بقلوبهم( ).
و أحسن عزاء فيما حصل ، ما ذكره المقري التلمساني بعدما وصف ما قام به هؤلاء من طمس للدين و قتل لأهله و نفيهم و إغراقهم و تعميدهم بالقسر، حتى أنهم من شدة الخوف منهم قدمنعوهم من حمل أي حديدة صغيرة فضلا عن السكين و السيف ، حيث قال : " و انطفأ من الأندلس الإسلام و الإيمان ، و على هذا فليبك الباكون و لينتحب المنتحبون ، فإنا لله و إنا إليه راجعون ، كان ذلك في الكتاب مسطورا ، و كان أمر الله قدرا مقدورا "( )
لقد كان النصارى الإسبان يعتبرون المورسكيين كفارا بالرغم من تعميدهم ، ذلك لاتصالهم بإخوانهم المسلمين من المفتين و ترجيهم للأتراك بالنصر ، بل اتهموهم بالشعوذة و السحر و أحرقوهم أمام أبنائهم و آبائهم ، فإن سلموا من هاتين التهمتين اصطنعوا لهم تهمة معاداة الحكم و الملوك الكاثوليك( ) ، لأنهم يعلمون أن الإسلام و الإيمان إذا ولج إلى قلوب المستضعفين، لا يمكن نزعه منهم و ان استلزم الأمر نزع قلوبهم .
كذلك الحال مع الإيغور المسلمين ، فقد عانق الإسلام قلوبهم ، منذ أن دخلت أراضيهم إلى ربوع الإسلام على يد القائد المسلم قتيبة بن مسلم الباهلي –رحمه الله- سنة 93 هـ و قد تزامن هذا الفتح مع فتح الأندلس-92هـ-( )في بضع سنين فلله الأمر من قبل و من بعد، فالتاريخ واحد و المصير مشترك .
وصل قتيبة إلى كاشغر عام 96 هـ - 714 م و في نفس السنة دخل جميع إقليم سينكيانغ في الإسلام ، و أرسل القائد البطل إلى إمبراطور الصين رسالة مع القائد هبيرة بن الشمرج الكلابي يتوعده فيها ، فدفع الملك الجزية عن يد و هو صاغر كالح الوجه ( ).
قام العرب المسلمون بتعمير هذا الإقليم و بثوا فيه دعائم الحضارة و الرقي ، و بنيت المساجد ووضعت مراكز العلوم و الفنون ، و برز الفن الإسلامي متوشحا باللون الفيروزي ، يعلو و يعانق السماء ، فعم العدل و خيم الأمن ، و عاش السكان في رخاء و سؤدد ( ).
و استمرت عزة الإسلام أمة من الدهر ، فعانق الإيمان قلوب الصينيين الذين تعاملوا مع التجار المسلمين القادمين إليهم من هذه المناطق ، و أصبحت عزة المسلم لها مكانة خاصة حتى عند الملوك ، خاصة في منطقة يونان ، و بعد الاجتياح المغولي للصين ، استخدم جنكيز خان كثيرا من الأويغور المسلمين كمستشارين لهو قضاة في تلك المناطق( ) ، خاصة لما عرفوا عنهم من نزاهة و إجلال من قبل السكان ، فدخل باقي الأويغور في الإسلام خلال القرن 8 هـ، بعدما تأكدوا أن الإسلام دين الفطرة التي فطرالله الناس عليها( ).
تعرف قضية الأويغور اليوم بما يسمى بقضية "تركستان الشرقية" ، و تجلت عندما تعرض هؤلاء
للاضطهادمن قبل الصينيين ابتداءا من تولي الأسرة المنشورية زمام الملك في الصين ، التي دست لهم الدسائس و المكائد و أقامت بينهم النعرات و الفتن ، و امتد اضطهادهم إلى غاية سنة 1911 ، تخللت هذه المدة العديد من الثورات التي قام بها الأويغور و إخوانهم المسلمون حتى انتصرت ثورة يعقوب بك سنة 1855و أعلن سلطانا لها ، ثم قوض سلطانه بعد 13 سنة ، ثم تلتها ثورات أخرى ، أهمها تلك التي كانت سنة 1932و التي سمحت بتغلغل الاستعمار الروسي الشيوعي بعدما احتل تركستان الغربية لعقود ، و مثلما فعل مع تركستان الغربية من فعل ، كان الأمر ذاته مع الشرقية ( ).
في سنة 1949 استولت الصين على تركستان الشرقية و أطلقت عليها اسم سينكيانغ و التي تعني بها الحدود الجديدة ، عندها أظهر الحقد الصيني الشيوعي تفننه في التنكيل و التقتيل ، ففي الفترة ما بين 1949-1953 استطاعت السلطات الشيوعية أن تقتل أكثر من 100 ألف مسلم من أشراف تركستان الشرقية ، و كردة فعل قامت العديد من الثورات و الانتفاضات و لكنها كلها انتهت بالقضاء عليها و بإعدام أصحابها و أتباعهم ( ).
بعدها عمل النظام الشيوعي الصيني منذ ذلك ، على وأد أي شيء له صلة بالإسلام ، حيث قامت بما يلي :
1. مصادرة جميع الأوقاف الإسلامية و الأملاك الفردية للمسلمين التركستانيين .
2. إحراق المصاحف و كل ما له علاقة بالإسلام .
3. إغلاق المساجد و تحويلها إلى متاحف و نوادي و مخازن و حتى مخمرات .
4. منع التعليم الإسلامي في المدارس ( ).
5. تغيير أسماء المدن و الأشخاص من العربي الإسلامي إلى الصيني( ).
6. تحريم ممارسة جميع الشعائر الإسلامية من حج و صوم و صلاة و زكاة ...الخ .
7. إعدام و نفي و تعذيب العلماءو الدعاة .
8. استبدال الحروف العربية بالصينية في اللغة التركستانية .
9. إنشاء مدارس إلحادية بين المسلمين و حرمانهم من حقوق التوظيف و الامتلاك ( ).
10. إنشاء مراكز سرية لغسل الأدمغة ، تسميها الصين "مراكز إعادة التثقيف " ، يسجن فيهاالمسلمدون محاكمة (و سيأتي بيان ذلك إن شاء الله ).
قامت السلطات الشيوعية الصينية بممارسة شتى أنواع التعذيب و التنكيل لمن خالف القوانين الشيوعية المجحفة ، من دق المسامير الطوال في رؤوس و ايادي مسلمي الإقليم ، و جعلهم كأهداف في مرمى جنود الجيش الأحمر عند التدريب ، التعذيب بالكهرباء العالي الضغط و اقتلاع الأعين ، و أخفها أن يخضع المدان في المزارع و المقالع إلى الأعمال الشاقة لمدة 18 ساعة في اليوم تحت مناخقاس ، و أصبحت في الوقت الحاضر تقوم بتعقيم النساء في عمليات جراحية سرية، حتى لا يلدن أنفاس مسلمة فتخيل( ).
في عام 2018 ،أجرى الصحافي بالبي بي سي جون سادوورث تحقيقا معمقا حول معاناة الأويغور و بين فيه الكثير من الحقائق التي تخفيها الصين عن المجتمع الدولي بخصوص الأويغور في إقليم سينكيانغ، فقد بينت صور الأقمار الصناعية حجم مراكز الاعتقال السرية التي شيدتها الصين الشيوعية في صحراء الإقليم .و في محاولة منه لتصوير المنشأة عن قرب لاحظ شدة الرقابة المسلطة عليه و التي أمرته بالتوقف عن التصوير و مغادرة المكان .(اليك بعض صور التقرير)

و بين في حوار له مع أويغوريين مقيمين في الخارج ، أن هؤلاء المسجونين ، كانت سبب اعتقالهم في الغالب هو تأدية طقوس و شعائر دينية عادية ، و قال أحد النزلاء السابقين بذلك المركز أنهم كانوا ملزمين بحفظ القوانين و من يخطأ فيها يوسع ضربا ، وأضاف أنهم كانوا يرددون غالبا نشيد عنوانه : " لا يمكن أن تكون هناك صين جديدة دون الحزب الشيوعي " ، لم يكن في ذلك المركز فقط الشباب ، بل كان فيه حتى المسنين حسب هذا التقرير ، فقد ذكر أحد المعتقلين السابقين أنه كانت معه امرأة عجوز أدخلت السجن بسبب أداءها مناسك الحج ( ).
خاتمة :
عندما نتأمل ، تركستان الشرقية بعين الحقيقة ، نرى دولة تبلغ مساحتها مليون و ثمانمائة ألف كيلومترا مربعا ، أي تعادلمساحتها100 مرة مساحة دولة الكويت، و عدد سكانها 11مليون نسمة ، أي تقريبا ثلاثة أضعاف دولة الكويت الشقيقة ، نسبة المسلمين فيها وصلت 80 بالمائة من السكان ، فكأننا نرى دول مسلمة بمختلف أعراقها تباد بطرق أشد همجية من طرق القرون الوسطى التي طبقت على المسلمين ، فهذه الصين التي تدعي العولمة و التحضر و التقدم ، تظهر تخلف يستحي أمامه تخلف أوروبا الجاهلة في القرن الخامس و السادس عشر ، نعم ، التاريخ يعيد نفسه و إذا لم نتدارك ما يحصل اليوم ، سنفقد حضارة إسلامية أخرى كانت في تركستان الشرقية ، ونرى أخيرا أن التاريخ يعيد نفسه ، و الدول الكبرى تستفيد من أسلافها في استيراد طرق قمع المسلمين و إذابتهم في شعوب و ملل و نحل أخرى .
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً