قال الزمخشري واصفاً تلذذ العلماء بإيقاظ ليلهم من طول سهرهم:
سهري لتنقيح العلوم أَلَذُّ لي من وصل غانية وطيب عناق
وتمايلي طرباً لحل عويصة أشهى وأحلى من مدامة ساق
وصرير أقلامي على ...المزيد
مساعدة
الإبلاغ عن المادة
تعديل تدوينة
الأحكام الفقهية المتعلقة بالدفاع عن أرض فلسطين تأليف أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف ...
الأحكام الفقهية المتعلقة بالدفاع عن أرض فلسطين
تأليف أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي
المقدمة
الحمد لله الذي أمر بالجهاد في سبيله، ووعد عليه الأجر العظيم والنصر المبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه الكريم: ( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) [الروم:47] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله أفضل المجاهدين وأصدق المناضلين وأنصح العباد أجمعين ﷺ وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الكرام الذين باعوا أنفسهم لله وجاهدوا في سبيله حتى أظهر الله بهم الدين وأعز بهم المؤمنين، وأذل بهم الكافرين رضي الله عنهم وأكرم مثواهم وجعلنا من أتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الجهاد في سبيل الله من أفضل القربات، ومن أعظم الطاعات، بل هو أفضل ما تقرب به المتقربون وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين وإعلاء كلمة الدين، وقمع الكافرين والمنافقين وتسهيل انتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج العباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، وقد ورد في فضله وفضل المجاهدين من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما يحفز الهمم العالية، ويحرك كوامن النفوس إلى المشاركة في هذا السبيل، والصدق في جهاد أعداء رب العالمين، وهو فرض كفاية على المسلمين إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وقد يكون في بعض الأحيان من الفرائض العينية التي لا يجوز للمسلم التخلف عنها إلا بعذر شرعي، كما لو استنفره الإمام أو حصر بلده العدو أو كان حاضرا بين الصفين.
- (موقف اليهود في الإسلام وفضل الجهاد والمجاهدين (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 2/ 430) . نشر هذا الموضوع في رسالة طبعها الحرس الوطني عام ١٣٩٣ ه فضل الجهاد والمجاهدين).
تُعد فلسطين قضية محورية في العالم الإسلامي، وقد حكم الفقهاء المسلمون على الدفاع عن فلسطين بأنه واجب شرعي على المسلمين.
ويُعد الدفاع عن فلسطين واجب ديني على كل مسلم، وهو حق مشروع للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وتستند هذه الأحكام الفقهية إلى مجموعة من المبادئ الأساسية في الفقه الإسلامي، منها مبدأ الدفاع عن النفس ومبدأ حق المقاومة المسلحة. والدفاع عن فلسطين واجب ديني على كل مسلم، وأن المقاومة المسلحة هي حق مشروع للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. والدفاع عن فلسطين فرض عين على كل مسلم قادر على القتال. فقد ورد في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات دون أرضه فهو شهيد".
ويُعد الدفاع عن فلسطين واجبًا شرعيًا وإنسانيًا، وواجب على المسلمين العمل على تحقيق هذا الواجب بكل الوسائل المشروعة. الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض هو واجب شرعي على كل مسلم قادر على القتال، وذلك لتحرير الأرض من الاحتلال وإعادة الحقوق الشرعية لأصحابها.
مشكلة البحث :
الأسئلة التي يجيب عنها البحث:
1. مفهوم الجهاد: هل هو قتال فقط، أم أنه يشمل أيضًا الدعوة والتربية والتعليم؟
2. شروط الجهاد: ما هي الشروط التي يجب توافرها ليكون الجهاد واجبًا؟
3. أنواع الجهاد: ما هي أنواع الجهاد؟
4. أحكام الجهاد: ما هي الأحكام المتعلقة بالجهاد، مثل: أحكام القتال، وأحكام الأسرى، وأحكام الصلح؟
وقد قسم العلماء الجهاد إلى قسمين:
الجهاد الأكبر: وهو جهاد النفس والشيطان، وهو أعظم أنواع الجهاد.
الجهاد الأصغر: وهو جهاد الكفار ، وهو جهاد بالسلاح والدعوة.
أسباب الجهاد:
هناك عدة أسباب للجهاد، منها:
نشر دين الله: وذلك بإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
الدفاع عن النفس والأهل والمال والعرض: وذلك من خلال رد العدوان وحماية المقدسات.
نصرة المظلوم: وذلك من خلال مساعدة المظلومين على إزالة الظلم عنهم.
فقه الجهاد:
هو أحد فروع الفقه الإسلامي، ويتناول مسائل الحرب والسلم في الإسلام.
وتشمل هذه المسائل أحكام الجهاد الدفاعي والجهاد الهجومي، وأحكام القتال، وأحكام الأسرى، وأحكام المقاتلين، وأحكام السلم.
وقد تناول الفقه الإسلامي موضوع الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض في العديد من المواضع،
ومن أهم الأحكام الفقهية المتعلقة بهذا الموضوع ما يلي:
فرضية الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض:
يرى الفقهاء أن الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض فرض عين على كل مسلم قادر على القتال من أهل هذا البلد، وذلك لأن العدو قد قام بظلم المسلمين وحرمهم من حقوقهم المشروعة، وقد ورد في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رأى منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
مشروعية الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض:
أيًّا كان حكم الجهاد في الإسلام: فرض كفاية، أم فرض عين، أم تطوُّعا، فلا ريب أن منزلة الجهاد في دين الله لا تعدلها منزلة، لأن الجهاد هو الذي يحمي الأمَّة في دينها ودنياها، ويحرسها من أعدائها المتربِّصين بها: يحمي دينها وعقيدتها، ويحمي أرضها وحرمتها، ويحمي استقلالها وسيادتها، فهو حصن الأمة الحصين، وهو ركنها الركين، وهو الذي يصنع الأبطال، ويعدُّ الرجال، الذين يبذلون النفس والنفيس في سبيل الله. فلا غرو أن يعدَّ فهو ذروة سنام الإسلام، كما جاء في حديث أبي هريرة: "الجهاد سنام العمل" ، وفي حديث معاذ: "ألا أنبئكم برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله".
- فقه الجهاد: دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة، د. يوسف القرضاوي رحمه الله .
والجهاد هو ذروة سنام الإسلام ، بمعنى أنه سنة حفظ الدين، الذي يحفظ الدين للأمة ويحفظ كيانها ، فإذا كان العدو قد غزا أرضًا إسلامية واحتلها، فإن الجهاد ضده يصبح واجبًا على المسلمين كافة، في سائر أقطارهم، وليس على أهل البلاد المغتصبة فقط.
وذلك لأن الغزو والعدوان ظلمٌ وبغيٌ، وواجب المسلمين الدفاع عن أنفسهم وأراضيهم وأعراضهم. وهناك عدة أدلة من القرآن والسنة على مشروعية الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض، منها:
قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة: 190].
وقوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: 251].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد". رواه الترمذي والنسائي.
وبناءً على هذه الأدلة، فإن الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض هو واجب شرعي على المسلمين كافة، وذلك للدفاع عن أنفسهم وأراضيهم وأعراضهم، وحماية دينهم وشريعتهم.
وسائل الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض:
هناك عدة وسائل للجهاد ضد العدو المغتصب للأرض، منها: الجهاد بالسلاح، فيجوز للمجاهد ضد العدو المغتصب للأرض استخدام جميع الوسائل المشروعة، بما في ذلك السلاح. وهو القتال ضد العدو في ساحة المعركة. والجهاد بالكلمة، وهو دعم قضيتهم ونشر الوعي بين المسلمين. والجهاد بالمال، وهو تقديم المساعدة للمجاهدين. وواجب المسلمين أن يبذلوا كل ما في وسعهم للجهاد ضد العدو المغتصب للأرض، وذلك لتحقيق النصر وتحرير الأرض من الاحتلال.
إن الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض هو واجب ، وذلك لرد العدوان واسترداد الأرض المغتصبة، وحماية المسلمين من الظلم والاضطهاد، ونشر الدين الإسلامي وإقامة عدله في الأرض.
وهناك عدة أهداف للجهاد ضد العدو المغتصب للأرض، منها:
1. رد العدوان واسترداد الأرض المغتصبة.
2. حماية المسلمين من الظلم والاضطهاد.
3. نشر الدين الإسلامي وإقامة عدله في الأرض.
مشروعية الجهاد في الإسلام
ثبتت مشروعية القتال في سبيل الله بالكتاب، والسنة، والإجماع، والمعقول.
من الكتاب:
1- قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[البقرة: 216].
2- وقوله تعالى:(وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)[البقرة: 190].
3- وقوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[الأنفال: 39].
4- وقوله تعالى:(قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[التوبة: 29].
5- وقوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[التوبة: 41].
ومن السنة النبوية:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ؛ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ). رواه الشيخان.
2- عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا وَلا تَغْدِرُوا وَلا تَمْثُلُوا وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ). رواه مسلم
والإجماع:
قد انعقد على فرضية الجهاد استناداً للآيات والأحاديث السابقة وغيرها. قال ابن عطية رحمه الله: "واستمر الإجماع على أن الجهاد على أمة محمد فرض كفاية، فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين، إلا أن ينزل العدو بساحة للإسلام، فهو حينئذ فرض عين".
وقال علي القاري: "ولا شك أن إجماع الأمة أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة لم ينسخ".
- مشروعية الجهاد وحكمه وشروطه، موقع على بصيرة - 28 صفر 1438 هـ
ومن المعقول:
فإن من المعلوم عند جميع العقلاء، وفي كل الأمم والحضارات أن استخدام القوة العسكرية ضرورة إذا لم تنجح غيرها من الوسائل لمنع الشر والظلم، ونصرة المظلومين والمستضعفين، وإحلال السلم، والسلام، والأمن، والأمان.
كما أن الحقّ لا بد له من مؤيد يدعمه ويحميه ويظهره، وإلا خبت جذوته، وكاد له الأعداء.
والكفار لن يرضيهم إلا ردّة المسلمين عن الإسلام، قال تعالى: (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120]، وسيقاتلون المسلمين حتى تتحقق لهم هذه الغاية، قال تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)[البقرة: 217]. فلا مناص من مقاتلتهم دفاعاً عن الدين والأنفس.
حكم الجهاد في سبيل الله
الجهاد نوعان: جهاد طلب وجهاد دفع، ولكل منهما حكم خاص به.
النوع الأول: جهاد الطلب:
أجمع العلماء على أن جهاد الكفار وطلبهم في عقر دارهم، وقتالهم إذا لم يقبلوا الإسلام فريضة مُحكمة غير منسوخة. وحكمه عند جمهورهم: فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، واستدلوا بالأدلة السابقة في الأمر بالجهاد في سبيل الله.
قال ابن حزم رحمه الله: "والجهاد فرض على المسلمين، فإذا قام به من يدفع العدو ويغزوهم في عقر دارهم ويحمي ثغور المسلمين سقط فرضُهُ عن الباقين، وإلا فلا، قال الله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ)[التوبة: 41]".
وقال ابن تيمية رحمه الله: "فإذا كان ابتداءً فهو فرض على الكفاية، إذا قام به البعض سقط الفرض عن الباقين، وكان الفضل لمن قام به، كما قال الله تعالى: (لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ)الآية".
لكن رُويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما، وسفيان الثوري رحمه الله، وغيرهما، أن جهاد الكفار ابتداءً تطوّع، والظاهر أن المراد بكلامهم أن الجهاد من فضائل الأعمال المستحبة، وأنه ليس فرضًا عينيًا على كل مسلم. قال الكمال بن الهمام، بعد ذكره الأدلة على فرضية الجهاد: "وبهذه ينتفي ما نُقِل عن الثوري وغيره أنَّه ليس بفرضٍ وأنَّ الأَمر به للنَّدْبِ ... ونُقِلَ عن ابن عمر، ويجب حمْلهُ إن صحَّ على أنَّه ليس بفرض عين"
وقال ابن عطية رحمه الله: "وذكر المهدوي وغيره عن الثوري أنه قال: الجهاد تطوع، وهذه العبارة عندي إنما هي على سؤال سائل، وقد قِيمَ بالجهاد".
- مشروعية الجهاد وحكمه وشروطه، موقع على بصيرة ، 28 صفر 1438 هـ
النوع الثاني: جهاد الدفع:
وهو فرض عين على القادرين من أهل البلد حتى يتحقق الاكتفاء بإخراج العدو من بلاد المسلمين، أو صدّه عنها.
قال ابن القيم رحمه الله: "فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعم وجوباً، ولهذا يتعين على كل أحد ... وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق".
وقال الخطيب الشربيني رحمه الله: "والحال الثاني من حال الكفار: أن يدخلوا بلدة لنا مثلاً؛ فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم. ويكون الجهاد حينئذ فرض عين، سواء أمكن تأهبهم لقتال أم لم يمكن ... ومن هو دون مسافة القصر من البلدة التي دخلها الكفار حكمُه كأهلها وإن كان في أهلها كفاية؛ لأنه كالحاضر معهم ... ويلزم الذين على مسافة القصر المضي إليهم عند الحاجة بقدر الكفاية دفعاً لهم وإنقاذاً من الهلكة، فيصير فرض عين في حق من قَرُبَ، وفرض كفاية في حق من بَعُدَ".
فإن لم يكن في أهل البلد كفاية فيجب على من يليهم من المسلمين القتال معهم حتى تتحقق الكفاية.
قال الجصّاص رحمه الله: "ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو ولم تكن فيهم مقاومة لهم؛ فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم أن الفرض على كافّة الأمة أن ينفر إليهم من يكفّ عاديتهم عن المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة، إذا ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حين يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم".
وقال ابن تيمية رحمه الله: "وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب؛ إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة".
الحالات التي يصبح فيها القتال فرضاً عينياً:
يكون القتال فرض عين في الحالات الآتية:
1. إذا حضر المسلمُ القتالَ وكان في عداد المجاهدين في المعركة، فيجبُ عليه وجوباً عينيًّا أن يستمرَّ في القتال؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الأنفال: 45]، ولقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأْدْبَارَ)[الأنفال: 15].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ). رواه الشيخان.
2. إذا هاجم الكفَّارُ بلداً من بلاد المسلمين فيجب على أهلها دفعُهم وقتالهم، كما تقدّم. وهذه الحالة يسميها العلماء: النفير العام، قال الكاساني رحمه الله: "فأما إذا عمّ النفير بأن هجم العدو على بلد، فهو فرض عين يفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه؛ لقوله سبحانه وتعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا)[التوبة: 41] قيل: نزلت في النَّفير".
3. إذا استنفر الإمام رجلاً بعينه أو جماعة بعينها صار الجهاد في حقِّهم فرضَ عين. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التوبة :38-39].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإذا استُنفِرتُم فانفِرُوا)[ 15 ]. قال الحافظ ابن حجر: "وفيه وجوب تعيين الخروج في الغزو على من عيّنه الإمام".
ويلحق بهذه الحالة: إذا دعت حاجة المجاهدين إلى شخص بذاته؛ لخبرته أو مهارته، كَرَامٍ، أو طبيب، أو طيّار، ونحوهم؛ فيجب عليه حتى تنتهي الحاجة إليه أو تتحقق الكفاية بغيره، قال القرطبي رحمه الله: "وكذلك كلُّ من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنّه يُدركُهم ويُمكنهُ غِياثُهم: لَزِمهُ أيضاً الخروج إليهم".
مشروعية الجهاد وحكمه وشروطه، موقع على بصيرة - 28 صفر 1438 هـ
ضوابط الجهاد الشرعي
الجهاد الشرعي هو القتال في سبيل الله تعالى، وقد اشترط الفقهاء لصحة الجهاد الشرعي توافر سبعة شروط، وهي:
1- التكليف .
2- الحرية .
3- القدرة .
4- الذكورية .
5- إذن الوالدين .
6- إذن ولي الأمر .
1- التكليف :
فالواجبات الشرعية تجب على البالغ العاقل ، وقد جاء دليل خاص بالجهاد على شرط التكليف ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ردَّ ابن عمر حينما عُرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد وهو ابن أربع عشرة فلم يجزه ، وعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه .
وقال ابن القيم : (إن النبي صلى الله عليه وسلم رده لما استصغره عن القتال ، وأجازه لمَّا وصل إلى السن التي رآه فيها مطيقًا).
2- الحرية :
فالعبد ليس من أهل القتال ، قال تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ) [التوبة: 91] ، قال محمد بن عيسى بن أصبغ : (فأما العبد فالجمهور على أنه ليس من أهل الفرض في الجهاد ، وأنه لم يخاطب بذلك إلا الأحرار ؛ لأن فعل الجهاد تصاب فيه النفس والمال بالإتلاف ، وهو مقصور على ذلك بالشرع).
3- القدرة على النصر:
يشترط لاعتبار الجهاد شرعياً أن يكون لدى المسلمين القدرة على النصر على العدو، أو على الأقل أن يكون لديهم أمل قوي في النصر. وهذا الشرط ضروري لمنع المسلمين من الإقدام على جهاد خاسر، يؤدي إلى الإضرار بهم وبث اليأس في نفوسهم. والقدرة شرط معتبر ، قال تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) [التوبة: 91] .
والقصد الصحيح:
القصد الصحيح هو الدافع الأساسي للجهاد، وهو ما يميز الجهاد الشرعي عن الجهاد البدعي. فالجهاد الشرعي لا يكون إلا لله تعالى، ونصرة دينه، وإعلاء راية التوحيد. أما الجهاد البدعي فهو جهاد يهدف إلى تحقيق أهداف دنيوية، مثل تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.
القدرة على النصر:
يشترط لاعتبار الجهاد شرعياً أن يكون لدى المسلمين القدرة على النصر على العدو، أو على الأقل أن يكون لديهم أمل قوي في النصر. وهذا الشرط ضروري لمنع المسلمين من الإقدام على جهاد خاسر، يؤدي إلى الإضرار بهم وبث اليأس في نفوسهم.
وعدم وجود مفسدة أكبر: يشترط لاعتبار الجهاد شرعياً أن لا يترتب عليه مفسدة أكبر من مفسدة تركه. فمثلاً، إذا كان الجهاد سيؤدي إلى قتل الكثير من المسلمين، أو إلى تدمير أموالهم أو بيوتهم، فإن تركه يكون أولى من إجرائه.
وجود راية معلومة وهدف واضح: يشترط لاعتبار الجهاد شرعياً أن يكون له راية معلومة، وهدف واضح. فالجهاد لا يكون إلا لهدف محدد، مثل نصرة الإسلام، أو الدفاع عن حدود الدولة، أو حماية الحرمات.
واتفق الفقهاء على أن الجهاد لا يجب إلا على المسلم البالغ العاقل الذكر، القادر على القتال. والقدرة على القتال تعني أن يكون الشخص قادرًا على حمل السلاح والدفاع عن نفسه وعن المسلمين الآخرين.
وتشمل القدرة على القتال عدة أمور، منها
1. أن يكون الشخص سليمًا من العيوب الجسدية التي تحول دون القتال، مثل العمى أو الشلل أو المرض المقعد.
2. أن يكون الشخص قادرًا على حمل السلاح واستخدامه.
3. أن يكون الشخص قادرًا على تحمل مشاق السفر والقتال.
4. وأما المرأة فليست من أهل القتال، لضعفها وخورها، ولذلك لا يجب عليها الجهاد.
يُستثنى من شرط القدرة على القتال بعض الأشخاص، وهم:
1. المريض الذي لا يستطيع القتال بسبب مرضه.
2. الكبير في السن الذي لا يستطيع القتال بسبب كبر سنه. والمرأة الحامل أو المرضعة.
3. ومن يقوم برعاية أسرة أو غيرها من الأعمال التي تقتضي وجوده في مكانه.
4. وإذا كان الشخص غير قادر على القتال بنفسه، فإنه يمكنه أن يسهم في الجهاد بطرق أخرى، مثل:
5. الجهاد بالمال والمساعدات. والتبرع بالدم أو بالأعضاء. والعمل الإعلامي أو الدعوي.
وخلاصة القول أن القدرة على القتال شرط أساسي للجهاد، وأن من لا يمتلك هذه القدرة يمكنه أن يسهم في الجهاد بطرق أخرى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
(ومن كان عاجزًا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه من النصيحة بقلبه ، والدعاء للأمة ، ومحبة الخير ، وفعل ما يقدر عليه من الخير ، لم يكلف ما عجز عنه).
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن الجهاد : (ولا بد فيه من شرط وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال ، فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة .. إلى أن قال : وعلى هذا ، فلا بد من هذا الشرط وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات).
4- الذكورية :
من شروط وجوب الجهاد الذكورية ، قال تعالى : ( وَإِذَا أُنْـزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ) [التوبة: 86، 87] .
قال الحافظ محمد الكرجي رحمه الله (ت : 360 هـ) في فوائد الآية : (فيه دليل على أن النساء لا جهاد عليهن وإن أطقنه ؛ لأنه جل جلاله قد ذكر الخوالف مرتين في الآية الأولى ، والثانية ، ولم يخرجهن ، إنما أخرج من تشبه في التخلف عنه بمن لا جهاد عليه ).
وبناءً على ذلك، فإن المرأة لا تُفرض عليها الجهاد، وذلك لضعفها ، وعدم قدرتها على تحمل المشاق والصبر على الحرب. وقد وردت أحاديث نبوية شريفة تؤكد على شرط القدرة على القتال في الجهاد، منها: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: "جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة".
5- إذن الوالدين :
عن عبد الله بن عمرو قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد ، فقال : ( أحي والداك ؟ قال : نعم ، قال : ففيهما فجاهد ). أي خصصهما بجهاد النفس في رضاهما.
وقد بيَّن الحافظ ابن حجر رحمه الله : (أن هذا الرجل استفصل عن الأفضل في أعمال الطاعات ؛ ليعمل به ؛ لأنه سمع فضل الجهاد فبادر إليه ، ثم لم يقنع حتى استأذن فيه ، فَدُلَّ على ما هو أفضل منه في حقِّه) فقوله صلى الله عليه وسلم : ( ففيهما فجاهد ) ، قال الحافظ ابن حجر أيضًا : (أي إن كان لك أبوان فبالغ جهدك في برهما ، والإحسان إليهما ؛ فإن ذلك يقوم مقام الجهاد).
6- إذن ولي الأمر :
إذا هجم العدو على المسلمين فيكون الجهاد فرض عين ، ففي هذه الحال يجب قتالهم على كل مسلم ، ولا يشترط إذن الإمام حينئذٍ .
أما الجهاد الذي يقصد منه الفتح ، ودعوة الكفار إلى الإسلام ، وقتال من أبى الخضوع لحكم الله ، فهذا لا بد فيه من إذن الإمام ، وبذلك تنضبط الأمور .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده ، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك " .المغني ( 10 / 368 ) .
وإذن الإمام مانع من الفوضى التي يمكن أن تنشأ من إعلان بعض المسلمين الحرب على أعداء الله دون تقدير لظروفهم وقوتهم وقوة عدوهم .
يشترط لاعتبار الجهاد شرعياً أن يأذن به ولي الأمر، ويوافق عليه. فولي الأمر هو المسؤول عن حماية المسلمين، وعليه أن يقرر ما إذا كان الجهاد ضرورياً أم لا. لأن الجهاد عمل جماعي، ولذلك اشترط العلماء أن يكون الجهاد بقيادة ولي الأمر المسلم، أو من ينوب عنه. وقد قال الله تعالى: "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ".
واجتماع الناس من قبَل الإمام يزيدهم قوة ، فضلاً عن التزامهم بالواجب الشرعي في طاعته فيما لم يخالف فيه شرع الله ، وبذلك يكون المسلمون المجاهدون صفّاً واحداً يجتمعون على نصرة الدين وحماية شرع الله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها ، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع ، لحاجة بعضهم إلى بعض ، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ) رواه أبو داود من حديث أبى سعيد وأبى هريرة ، وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم ) فأوجب تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع ؛ ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة ، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود ، لا تتم إلا بالقوة والإمارة ، ولهذا روي " أن السلطان ظل الله في الأرض " ، ويقال : " ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان " والتجربة تبين ذلك ".
- مجموع الفتاوى شيخ الإسلام ( 28 / 390 ، 391 ) .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : " لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر ؛ لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور وليس أفراد الناس، فأفراد الناس تبع لأهل الحل والعقد، فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع ، إذا فاجأهم عدو يخافون شره وأذاه فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم، لتعين القتال إذًا . وإنما لم يجز ذلك لأن الأمر منوط بالإمام ، فالغزو بلا إذنه افتيات عليه ، وتعد على حدوده ، ولأنه لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى ، كل من شاء ركب فرسه وغزا ، ولأنه لو مكن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة ، فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو وهم يريدون الخروج على الإمام ، أو يريدون البغي على طائفة من الناس ، كما قال الله تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) [ الحجرات:9 ]، فلهذه الأمور الثلاثة ولغيرها أيضاً لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام ".
- الشرح الممتع لابن عثيمين ( 8 / 22 ) .
" الجهاد لإعلاء كلمة الله وحماية دين الإسلام والتمكين من إبلاغه ونشره وحفظ حرماته فريضة على من تمكن من ذلك وقدر عليه ، ولكنه لا بد له من بعث الجيوش وتنظيمها خوفاً من الفوضى وحدوث ما لا تحمد عقباه ؛ ولذلك كان بدؤه والدخول فيه من شأن ولي أمر المسلمين ، فعلى العلماء أن يستنهضوه لذلك ، فإذا ما بدأ واستنفر المسلمين فعلى من قدر عليه أن يستجيب للداعي إليه مخلصاً وجهه لله ، راجياً نصرة الحق ، وحماية الإسلام ، ومن تخلف عن ذلك مع وجود الداعي وعدم العذر : فهو آثم ".
- فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء ( 12 / 12 ) .
وقد سئل بعض أهل العلم عن حكم القتال بدون إذن الإمام ، فقال : ( لا يجوز ما دام أنه ليس للمجاهدين إمام شرعي ؛ لأن هذا يجر على المسلمين شرًا وضررًا أكثر مما يتوقع من المصلحة ، فلا جهاد في الإسلام إلا بإمام ، هذه هي القاعدة ، وهذا مما يدل على ضرورة نصب الأئمة).
مجلة البحوث الإسلامية العدد السابع والتسعون الإصدار من رجب إلى شوال 1433 هـ البحوث الفرق بين الجهاد والإرهاب ، شروط الجهاد ، فتاوى الشيخ صالح الفوزان.
الحكم لو خلا الزّمانُ عن السّلطان
إن كان للمسلمين إمام يمكن استئذانه فيجب؛ لأن أمر القتال موكول إليه، فإن لم يمكن استئذانه كما لو فاجأهم العدو فلا يجب استئذانه. قال الإمام أحمد رحمه الله: "إن كانوا يخافون على أنفسهم وذراريهم فلا بأس أن يقاتلوا من قبل أن يأذن الأمير، لكن لا يقاتلوا إذا لم يخافوا على أنفسهم وذراريهم إلا أن يأذن الإمام".
- مسائل الإمام أحمد بن حنبل، رواية ابنه عبد الله، رقم (959) ص (259).
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"ولأنَّهم إذا جاء العدو: صار الجهاد عليهم فرض عين، فوجب على الجميع، فلم يَجُز لأحدٍ التخلف عنه، فإذا ثبت هذا فإنهم لا يخرجون إلا بإذن الأمير، لأنَّ أمر الحرب موكولٌ إليه، وهو أعلم بكثرة العدو وقلتهم، ومكامن العدو وكيدهم، فينبغي أن يُرجع إلى رأيه؛ لأنه أحوط للمسلمين، إلا أن يتعذر استئذانه؛ لمفاجـأة عدوّهم لهم، فلا يجب استئذانه؛ لأن المصلحة تتعين في قتالهم، والخروج إليهم، لتعين الفساد في تركهم، ولذلك لما أغار الكفار على لِقَاحِ النبي صلى الله عليه وسلم.
- اللقاح جمع لقحة، وهي الناقة اللبون التي ترضع صغيرها
فصادفهم سلمة بن الأكوع خارجًا من المدينة، تبعهم فقاتلهم من غير إذن، فمدحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (خير رجالتنا سلمة بن الأكوع). وأعطاه سهم فارس وراجل".
- المغني (9/ 213-214)
كذلك لا يجب استئذان الإمام في دفع الصائل، وهو المعتدي على النفس والمال والعرض، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ).
- رواه مسلم، رقم (140)
فإن لم يكن للمسلمين إمام:
فيجب على المسلمين أن يتخذوا أميراً أو قائداً لينتظم لهم أمر القتال، ويوحّد كلمتهم.
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "إذا عُدِم السلطان لزم أهل الشوكة الذين هم أهل الحل والعقد ثم أن ينصبوا قاضياً، فتنفذ حينئذ أحكامُه للضرورة الملجِئَةِ لذلك".
- تحفة المحتاج في شرح المنهاج (7/261)
وقال أبو المعالي الجويني رحمه الله: "لو خلا الزّمانُ عن السّلطان فحقٌّ على قُطّان كلّ بلدةٍ، وسكّان كلِّ قريةٍ، أنْ يقدّموا مِن ذوي الأحلام والنُّهى، وذوي العقول والحِجا مَن يلتزمون امتثالَ إشاراته وأوامره، وينتهون عن مناهيه ومزاجره؛ فإنّهم لو لم يفعلوا ذلك، تردّدوا عند إلمام المهمّات، وتبلّدوا عند إظلال الواقعات".
- غياث الأمم في التياث الظلم (1/386-387)
- مشروعية الجهاد وحكمه وشروطه، موقع على بصيرة - 28 صفر 1438 هـ
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولهذا قال العلماء يجب القتال ويكون فرض عين في أمور أربعة :
الأول : إذا حضر الصف : لقوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ
وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الأنفال 15- 16]
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم التولي يوم الزحف من كبائر الذنوب من الموبقات ، إلا أن الله تعالى خفف عن عباده ، وأذن للمسلمين إذا كان العدو أكثر من مثيلهم أن يفروا لقول الله تعالى : ﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال 66] ولهذا أجاز العلماء الفرار من العدو إذا كان أكثر من الضعف .
الثاني : إذا استنفره الإمام ، يعنى إذا قال الإمام : " اخرج وقاتل " ، فإنه يجب على المسلمين أن يخرجوا ويقاتلوا لقول الله تبارك وتعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ﴾[التوبة 38] يعنى ملتم إليها بثقل ، ومعلوم أن الذى يختار الأرض على السماء أنه ضائع ﴿ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [ التوبة: 38 ].
الثالث : إذا حاصر العدو بلده فقد أصبح الجهاد واجباً ، لأنه جهاد دفاع ، لأن العدو إذا حاصر البلد معناه أن أهلها يكونون عرضة للهلاك ، لاسيما في مثل وقتنا الحاضر إذا حصر العدو البلد ، و قطع الكهرباء و المياه ، وقطع مصادر الغاز ، وما أشبه ذلك ، معناه أن الأمة سوف تهلك ، فيجب الدفاع ما دام عندهم ما يمكن أن يدافعوا به يجب أن يدفعوا .
الرابع : إذا كان محتاجاً إليه : يعنى إذا احتيج إلى هذا الرجل بعينه وجب أن يقاتل .
فهذه أربعة مواضع ذكر العلماء رحمهم الله أن الجهاد فيها يكون فرض عين ، وما عدا ذلك يكون فرض كفاية لأمر الله تعالى به في آيات كثيرة من القرآن ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن : ( الجهاد ذروة سنام الإسلام ) ، يعنى أن المجاهدين يعلون على أعدائهم ، ولهذا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بذروة السنام ،لأنه أعلى ما في البعير ، فالجهاد فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقي ، وان لم يقم به من يكفي تعين عليه .
ولكن كل واجب لا بد فيه من شرط القدرة ، والدليل على ذلك النصوص من القرآن والسنة ومن الواقع ايضا ، أما القرآن فقد قال تعالى : ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ ﴾ [ البقرة 286 ] وقال تعالى : ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ ﴾ [التغابن 16]
وقال تعالى : ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ ﴾ [ الحج: 78]
يعني، حتى لو امرتم بالجهاد ما فيه حرج إن قدرتم عليه فهو سهل ، وان لم تقدروا عليه فهو حرج مرفوع ، اذالا بد من القدرة و الاستطاعة ،هذا من القرآن . ومن السنة قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) وهذا عام في كل أمر لأن قوله : ( بأمر) نكرة في سياق الشرط فيكون للعموم ، سواء أمر العبادات أو الجهاد أو غيره .
وأما الواقع فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة يدعو الناس إلى توحيد الله ، وبقى على هذا ثلاثة عشرة سنة لم يؤمر بالجهاد مع شدة الايذاء له ولمتبعيه عليه الصلاة والسلام ،وقلة التكاليف ؛ فاكثر أركان الإسلام ما وجبت إلا في المدينة ، ولكن هل أمروا بالقتال ؟ الجواب : لا . لماذا ؟ لانهم لا يستطيعون ، وهم خائفون على أنفسهم .
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج من مكة خائفا على نفسه ولذلك لم يوجب الله عز وجل القتال الا بعد أن صار للأمة الإسلامية دولة وقوة قال تعالى ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [ الحج 39].
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن شرط القدرة في الجهاد : لا بد فيه من شرط وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال ، فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاءً بأنفسهم إلى التهلكة ، ولهذا لم يوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين القتال وهم في مكة ، لأنهم عاجزون ضعفاء ، فلما هاجروا إلى المدينة وكونوا الدولة الإسلامية ، وصار لهم شوكة أُمروا بالقتال ، وعلى هذا فلا بد من هذا الشرط ، وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات ، لأن جميع الواجبات يشترط فيها القدرة ، لقوله تعالى : ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ ﴾ [ التغابن: 16] وقوله تعالى ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ ﴾ [ البقرة: 286]
المصدر : فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة.
من شروط وجوب الجهاد: القدرة على مؤنته ونفقة من تلزم المجاهد نفقته مدة غيابه
من شروط وجوب الجهاد: القدرة على مؤنة الجهاد، ومنها نفقة من يلزمه نفقته مدة غيابه.
قال الإمام الشافعي في (الأم): إن كان سالم البدن، قويه، لا يجد أهبة الخروج، ونفقة من تلزمه نفقته إلى قدر ما يرى لمدته في غزوه، فهو ممن لا يجد ما ينفق، فليس له أن يتطوع بالخروج ويدع الفرض. اهـ.
وقال النووي في (الروضة): وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ جَمِيعِ ذَلِكَ فَاضِلاً عَنْ نَفَقَةِ مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. اهـ.
وقال ابن قدامة في (المغني): أَمَّا وُجُودُ النَّفَقَة، فَيُشْتَرَطُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ) ، وَلأَنَّ الْجِهَادَ لا يُمْكِنُ إلا بِآلَةٍ، فَيُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا. فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ عَلَى مَسَافَةٍ لا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلاةُ، اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ وَاجِدًا لِلزَّادِ، وَنَفَقَةِ عَائِلَتِهِ فِي مُدَّةِ غِيبَتِهِ، وَسِلاحٍ يُقَاتِلُ بِهِ... اهـ.
وجاء في (الموسوعة الفقهية): لا يجب على الفقير الذي لا يجد ما ينفق في طريقه، فاضلاً عن نفقة عياله؛ لقوله عز وجل: ( وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ) ، وإن بذل له الإمام ما يحتاج إليه من وسيلة نقل، وجب عليه أن يقبل ويجاهد، لأن ما يعطيه الإمام حق له، وإن بذل له غير الإمام لم يلزمه قبوله. اهـ.
حديث ابن عباس مرفوعا: «خير الناس منزلة: رجل آخذ برأس فرسه في سبيل الله عز وجل حتى يموت أو يقتل» (رواه مالك وأحمد والترمذي والنسائي واللفظ له). ليس معناه أن المجاهد يبقى أبدا في غزوه، لا يرجع منه البتة، ويبقى دائما في سفر جهاده! وإنما معناه أن ذلك هو الغالب على حاله، وأنه يكثر الخروج للغزو والجهاد يلتمس الشهادة.
قال السندي في حاشيته على النسائي: كناية عن مداومة الجهاد. اهـ.
وقال الباجي في شرح الموطأ: قوله صلى الله عليه وسلم: «رجل آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله»، يريد والله أعلم أنه مواظب على ذلك، ووصفه بأنه آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله، بمعنى أنه لا يخلو في الأغلب من ذلك راكبا له، أو قائدا، هذا معظم أمره، ومقصوده من تصرفه، فوصف بذلك جميع أحواله، وإن لم يكن آخذا بعنان فرسه في كثير منها. اهـ.
ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة مرفوعا: «من خير معاش الناس لهم: رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعة، أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانه» (رواه مسلم).
قال السندي في حاشيته على ابن ماجه: « مُمْسِك بِعِنَانِ فَرَسه » أَيْ مُلَازِم لَهُ، كَثِير الرُّكُوب عَلَيْهِ لِلْحَرْبِ وَالْجِهَاد، وَلَيْسَ الْمُرَاد الدَّوَام عَلَى ظَهْر الْفَرَس إِذْ لَا بُدّ مِنْ النُّزُول. اهـ.
- فتاوى الشبكة الإسلامية.
أهداف الجهاد الشرعي
حثت الشريعة الإسلامية على الجهاد في سبيل الله تعالى، وأكدت على فضله وأجره العظيم. قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) [البقرة: 190]. ولكن يجب أن يكون الجهاد في سبيل الله تعالى خالصًا لله تعالى. كما يجب أن يكون الجهاد بالطرق المشروعة.
وأن يكون القصد هو إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى. وأن يكون ذلك على وفق شرع الله، فإن هذا القتال لا يكون في سبيل الله إلا إذا كان على ما شرَّعه وبينه ووضحه وهدى إليه، أما إذا كان ذلك على سبيل الحمية، أو العصبية الجاهلية، أو نحو ذلك مما يخالف هذا المقصود، أو كان ذلك على طريقة منحرفة كالذي يستحل قتال المسلمين ودماءهم وأموالهم ويعد ذلك قتالاً في سبيل الله، فهذا ليس في سبيل الله، وكذلك من يقتل بالظنون الكاذبة الفاسدة، ويتساهل في شأن الدماء، فإن عمل هذا ليس صالحًا وليس في سبيل الله وإن اعتقد أو زعم صاحبه أن عمله في سبيل الله، فإن الله تعالى قد بين شرائعه ووضحها غاية الإيضاح، وهدي النبي ﷺ يشرح القرآن، ويبينه بهديه وقوله، وسنته القولية، وكذلك العملية.
والمقصود من القتال هو إعزاز الدين، وإعلاء كلمة رب العالمين، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فينتج عن ذلك الصلاح والإصلاح، وأما إذا كان هذا القتال ينتج الفتن والفساد في الأرض فإن ذلك لا يكون مشروعًا.
ولقد حددت الشريعة الإسلامية أهداف الجهاد الشرعي، وهي:
1. حماية الدين: وذلك من خلال مقاومة الكفار الذين يحاربون الإسلام، ويحاولون نشر الفساد في الأرض.
2. حماية النفس: وذلك من خلال الدفاع عن النفس والأهل والوطن من العدوان.
3. حماية العرض: وذلك من خلال حماية النساء والأطفال من الاعتداء عليهم.
4. حماية المال: وذلك من خلال حماية الأموال من النهب والسلب.
فضل شهيد المعركة في القرآن والسُنة
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [ آل عمران: 169]
وروى الامام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنَّ لِلشَّهِيدِ عِندَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سِتَّ خِصَالٍ: أَن يُغفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفعَةٍ مِن دَمِهِ، وَيَرَى مَقعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيمَانِ، وَيُزَوَّجَ مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُجَارَ مِن عَذَابِ القَبرِ، وَيَأمَنَ مِنَ الفَزَعِ الأَكبَرِ، وَيُوضَعَ عَلَى رَأسِهِ تَاجُ الوَقَارِ اليَاقُوتَةُ مِنهُ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجَ اثنَتَينِ وَسَبعِينَ زَوجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعَ فِي سَبعِينَ إِنسَانًا مِن أَقَارِبِهِ ».
رواه أحمد (17182) والترمذي (1663) والنسائي (1938) وابن ماجة (2799).
وفضل من يجرح للجهاد ولو لم ينل الشهادة: فعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « والذي نفسي بيده لا يُكْلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يُكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة، واللون لون الدم، والريح ريح المسك ». رواه البخاري برقم (2803).
بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالجهاد ضد العدو المغتصب للأرض
شروط الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض
يشترط لصحة الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض توافر عدة شروط، منها:
1. أن يكون القتال ضروريًا لتحرير الأرض من الاحتلال.
2. أن يكون القتال مشروعًا وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
3. أن يكون العدو قد قام بظلم المسلمين وحرمهم من حقوقهم المشروعة.
أحكام القتال في الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض
لقد كتب الله الجهاد والقتال لأنه عاصم للفتن وساد لباب الاعتداء وهو أخذ بيد الظالمين المعتدين أنى كان مذهبهم وأنى كانت وجهتهم ، فيجوز في الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض استخدام جميع الوسائل المشروعة، بما في ذلك السلاح. وقد حدد الفقهاء بعض الأحكام الخاصة بالقتال في الجهاد، ومنها: وجوب أن يكون القتال في إطار الأحكام الشرعية.
وإذا حصر بلده العدو فيجب عليه القتال دفاعاً عن البلد ، وهذا يشبه من حضر الصف في القتال ؛ لأن العدو إذا حصر البلد فلا بد من الدفاع ؛ إذ إن العدو سيمنع الخروج من هذا البلد ، والدخول إليه ، وما يأتي لهم من الأرزاق ، وغير ذلك مما هو معروف ، ففي هذا الحال يجب أن يقاتل أهل البلد دفاعاً عن بلدهم .
وإذا كان المقصود من الجهاد دفع عدوان العدو الذي تمكن من اغتصاب أرض المسلمين، كما هو الحال في الأرض المباركة "فلسطين" فإن الواجب على جميع المسلمين في هذا البلد، أن يتحدوا ويخططوا للقيام بمقاومة العدو الممكنة، وهي تتمثل في العصيان المدني، كالإضراب الشامل أو الجزئي، وحرب الكمائن التي تقوم بها الوحدات المنفصلة.
- حكم عقد الهدنة مع العدو للحاجة.
ما حكم تعطيل الجهاد؟
ورد في الأمر بالجهاد في سبيل الله ، والترهيب من تركه الكثير من الآيات والأحاديث .
وإذا ترك المسلمون الجهاد في سبيل الله ، وآثروا حياة الدعة والراحة ، وركنوا إلى الدنيا ، أصابهم الذل والهوان ، وفسدت أمورهم ، وعرضوا أنفسهم لمقت الله تعالى وغضبه . وتعرض الإسلام للضياع ، وطغيان الكفر عليه . ولذلك كان ترك الجهاد من كبائر الذنوب .
وترك الجهاد من كبائر الذنوب . قال ابن حجر في "الزواجر" : (الكبيرة التسعون والحادية والثانية والتسعون بعد الثلاثمائة ترك الجهاد عند تعينه ، بأن دخل الحربيون دار الإسلام أو أخذوا مسلماً وأمكن تخليصه منهم . وترك الناس الجهاد من أصله . وترك أهل الإقليم تحصين ثغورهم بحيث يخاف عليها من استيلاء الكفار بسبب ترك ذلك التحصين) اهـ .
ولذلك صار معلوما ومقررا عند الصحابة أنه لا يقعد عن الجهاد إذا كان فرض عين إلا ضعيف معذور أو منافق ، وهذا ما يحكيه كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن تبوك : (فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطُفْتُ فِيهِمْ أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ) . رواه البخاري (4066) ومسلم (4973) .
- المصدر: الإسلام سؤال وجواب.
فضل الشهيد في الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض
يُعد الشهيد في الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض من أعظم الشهداء، وذلك لأنه دافع عن دينه وعرضه.
" ولقد دل الكتاب والسنة الصحيحة، على أن الرباط في الثغور من الجهاد في سبيل الله، لمن أصلح الله نيته؛ لقول الله جل وعلا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [آل عمران:200]، وقول النبي ﷺ: ( رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه، وأمن الفتان ) رواه مسلم في صحيحه. وفي الصحيحين، عن النبي ﷺ أنه قال: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها. وفي صحيح البخاري رحمه الله عن النبي ﷺ أنه قال: ( من اغبرت قدماه في سبيل الله، حرمه الله على النار). ولاشك أن الدفاع عن الدين والنفس والأهل والمال والبلاد وأهلها، من الجهاد المشروع، ومن يقتل في ذلك وهو مسلم يعتبر شهيدًا؛ لقول النبي ﷺ: ( من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد)".
(مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 18/ 92) بعنوان : دفاع المسلمين عن بلادهم من الجهاد نشر في كتاب (فتاوى إسلامية)، من جمع الشيخ محمد المسند 2 / 259.
الأحكام الفقهية المتعلقة بالدفاع عن فلسطين
1. الدفاع عن النفس والأرض: يُعد الدفاع عن النفس والأرض من أهم الأحكام الشرعية.
2. الدفاع عن المقدسات: يُعد الدفاع عن المقدسات الإسلامية من الواجبات الشرعية، وقد نص القرآن الكريم على ذلك في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [ الحج: 40]
3. الدفاع عن الحق: يُعد الدفاع عن الحق من الواجبات الشرعية.
الأحكام الفقهية المتعلقة بوسائل الدفاع عن فلسطين
1. وسائل الدفاع الشرعية: يُجوز استخدام وسائل الدفاع الشرعية في الدفاع عن فلسطين، ومن هذه الوسائل:
2. الجهاد بالسلاح: وهو استخدام السلاح المشروع للدفاع عن النفس والأرض.
3. الجهاد باللسان: وهو الدعوة إلى الحق والجهاد ضد الباطل.
4. الجهاد بالمال: وهو الإنفاق في سبيل الله، بما في ذلك دعم المقاومة الفلسطينية.
وسائل الدفاع المحرمة:
يُحرم استخدام وسائل الدفاع المحرمة في الدفاع عن فلسطين، ومن هذه الوسائل:
1. الاعتداء على المدنيين: وهو من كبائر الذنوب.
2. استخدام الأسلحة المحرمة: مثل الأسلحة الكيميائية أو النووية.
3. الاستعانة بالكفار في محاربة المسلمين: وهو من المحظورات الشرعية.
أهمية الدفاع عن فلسطين
تُعد فلسطين قضية إسلامية وإنسانية، وواجب على المسلمين الدفاع عنها بكل الوسائل المشروعة. ويتمثل أهمية الدفاع عن فلسطين في الآتي:
حماية المقدسات الإسلامية: تضم فلسطين العديد من المقدسات الإسلامية، مثل المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي، وواجب على المسلمين الدفاع عنها من الاحتلال الإسرائيلي.
حماية الشعب الفلسطيني: يعاني الشعب الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 70 عامًا، وواجب على المسلمين الدفاع عن حقوقه المشروعة.
تعزيز الحق والعدل: يُعد الدفاع عن فلسطين دفاعًا عن الحق والعدل، وواجب على المسلمين العمل على تحقيق العدالة في العالم.
مكانة المسجد الأقصى في الإسلام
المسجد الأقصى: هو مَسرى رسولِ اللهِ في ليلة الإسراء والمعراج ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [ الإسراء: 1]
المسجد الأقصى: أحد المساجد الثلاث التي تشد إليها الرحال للعبادة فيها.
المسجد الأقصى: الصلاة فيه تعادل خمسمئة صلاة في غيره من المساجد.
المسجد الأقصى: أول قبلة للمسلمين في أول الإسلام.
مدينة القدس: فتحها عمر بن الخطاب وحررها صلاح الدين الأيوبي.
- الجهاد في الإسلام لم يشرع محبة في إراقة الدماء، أو للاستيلاء على الأموال، بل شرع لدرء الفتنة والدعوة إلى الحق، ولتكون كلمة الله هي العليا، ولذلك التزم المسلمون في حروبهم بأخلاقيات عالية وسلوكيات رفيعة.
حكم الجهاد في فلسطين
الجهاد في فلسطين من آكد أنواع الجهاد الواجب في هذا الزمان، والواجب فيه يختلف باختلاف أحوال الناس وقُدراتهم لكن من الواجب أن يبحث المؤمن المجاهد عن أنقى الرايات المرفوعة وينضم إليها، ولا أرى أنه يجوز الانضمام تحت رايات تُنابِذ الشريعة وترتضي غير الإسلام منهجاً وطريقاً لا سيما وأن هناك رايات عديدة إسلامية يمكن الجهاد تحت لوائها.
هل الجهاد في فلسطين فرض؟
قضية تحرير القدس الشريف مَسرى رسول الله وكامل فلسطين، هي واجب شرعي في ذمة جميع أبناء الأمة الإسلامية في كامل أصقاع العالم، وبذلك فإنه لا يجوز شرعاً أن يتغاضى عنها ويلقى بها إلى المجتمع الدولي الذي دأب على الدعم الأساسي للكيان الصهيوني الغاصب وحضانته.
حكم الجهاد في فلسطين لمن كان قادرا؟
يقول الكاساني الحنفي: فأما إذا عم النفير بأن هجم العدو على بلدٍ فهو فرض عين يفترض على كل واحد من آحادٍ المسلمين ممن هو قادر عليه، فيباح للولد أن يخرج بغير إذن والديه؛ لأن حق الوالدين لا يظهر في فروض الأعيان كالصوم والصلاة.
قال تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [ التوبة: 111]
وقال تعالى ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۚ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [ سورة النساء: 74]
وقال تعالى ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [ النساء: 76]
قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
وقوله سبحانه: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
وقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).
أنواع الجهاد في سبيل الله
- الجهاد بالمال
نصَّ القرآنُ الكريمُ، والسنةُ النبويةُ على أنواعٍ للجهادِ في الإسلام، مِنْ أهمِّها الجهادُ بالمال، وفي عِدّةِ مواضعَ قُدِّم الجهادَ بالمالِ على الجهادِ بالنفس، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات:15] .
ولا يعني تقديمُ الجهادِ بالمالِ على الجهادِ بالنفسِ أنَّ الجهادَ بالمالِ أعظمُ، فالجهادُ بالنفس مُقدَّمٌ، إلا أنَّ المالَ مُحبَّبٌ للنفوسِ، يحرِصُ الكثيرونَ على جمعِه، فكان لابُدَّ من الجهادِ به.
وقد ذهب الآلوسيُّ رحمه الله إلى القول بأنَّ تقديمَ الأموالِ على الأنفُسِ؛ لأنه مِنْ بابِ الترقِّي من الأدْنى إلى الأعلى، أو لأن الكثير من الناس يحرِص على الأموالِ وجمعِها، حتى إنهم يُهْلِكون أنفُسَهم بسببِها (انظر: روح المعاني 26/169)، إضافةً إلى ذلك فإنّ الجهادَ بالمالِ يُخاطَب به الرجالُ والنّساءُ، والشيوخُ والشُّبَّانُ، والصِّغارُ والكبارُ، بِخِلافِ الجهادِ بالنفسِ فإنّما يُخاطَبُ به أهلُ القُدْرةِ، قال تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التوبة:41].
وليس شرطًا أن يكونَ الجهادُ بالمالِ بِحَدٍّ مُخصّصٍ، أو بنِصَابٍ محدّدٍ، فكلُّ مسلِم مطالَبٌ بأن يجاهدَ بمالِه قدْرَ استطاعتِه، ومهما كان حجمُ المالِ الذي يُجَاهَد به في جميع وجوه الخير، فإنَّ اللهَ جلّ وعلا يُجْزِلُ العَطاءَ، ففي حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» (رواه البخاري رقم1355).
فالجهادُ بالمالِ بابٌ واسعٌ مِنْ أبوابِ الخيرِ تسابقَ السابقون للدخولِ منه؛ حتى ينالوا رحماتِ اللهِ تعالى، وهو نوعٌ مِنْ أنواعِ الجهادِ في كثيرٍ مِنَ المواطنِ خاصّةً تلك المواطنُ التي تتعلّقُ بالإعدادِ والتجهيز، كإعدادِ العُدّةِ العسكريةِ سواءٌ أكان ذلك ببذْلِ المالِ في بناءِ مَصانعِ السلاحِ، وما هو في حُكمِها، أو في تجهيزِ الجيوشِ استعدادًا لقتالِ أعداءِ الإسلامِ، قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [الأنفال:60].
- الجهاد بالنفس
الجهاد باليد للكفار : فرض على الكفاية :
قال ابن قدامة رحمه الله : ( والجهاد فرض على الكفاية ، إذا قام به قوم ، سقط عن الباقين ) :
معنى فرض الكفاية ، الذي إن لم يقم به من يكفي ، أثم الناس كلهم ، وإن قام به من يكفي ، سقط عن سائر الناس . فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع ، كفرض الأعيان ، ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له ، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره والجهاد من فروض الكفايات ، في قول عامة أهل العلم". المغني ( 9 / 163 ) .
ولأنهم مظلومون فالواجب على إخوانهم المسلمين نصرهم على من ظلمهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه» وقوله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما».
- الجهاد بالكلمة
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» رواه أبو داود.
حكم الجهاد وأنواعه
الجهاد مراتب ، منها ما هو واجب على كل مكلف ، ومنها هو واجب على الكفاية ، إذا قام به بعض المكلفين سقط التكليف عن الباقين ، ومنها ما هو مستحب .
فجهاد النفس وجهاد الشيطان واجبان على كلِّ مكلف ، وجهاد المنافقين والكفار وأرباب الظلم والبدع والمنكرات واجب على الكفاية ، وقد يتعين جهاد الكفار باليد على كل قادر في حالات معينة يأتي ذكرها
قال ابن القيم رحمه الله : "إذا عرف هذا فالجهاد أربع مراتب : جهاد النفس ، وجهاد الشيطان ، وجهاد الكفار ، وجهاد المنافقين .
فجهاد النفس أربع مراتب :
إحداها : أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها عمله شقيت في الدارين .
الثانية : أن يجاهدها على العمل به بعد علمه ، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها .
الثالثة : أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله .
الرابعة : أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله .
فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين ، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلّمه فمن علِم وعمل وعلّم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات .
وأما جهاد الشيطان فمرتبتان :
إحداهما : جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان .
الثانية : جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات .
فالجهاد الأول يكون بعده اليقين ، والثاني يكون بعده الصبر ، قال تعالى : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) [ السجدة: 24 ] ، فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين ، فالصبر يدفع الشهوات ، والإرادات الفاسدة ، واليقين يدفع الشكوك والشبهات .
وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب : بالقلب، واللسان، والمال، والنفس .
وجهاد الكفار أخص باليد ، وجهاد المنافقين أخص باللسان .
وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب :
الأولى : باليد إذا قدر ، فإن عجز انتقل إلى اللسان ، فإن عجز جاهد بقبله .
فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد ، و " من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق " رواه مسلم ( 1910) زاد المعاد ( 3 / 9 – 11 ) .
والجهاد أقسام : بالنفس ، والمال ، والدعاء ، والتوجيه والإرشاد ، والإعانة على الخير من أي طريق ، وأعظم الجهاد : الجهاد بالنفس ، ثم الجهاد بالمال والجهاد بالرأي والتوجيه ، والدعوة كذلك من الجهاد ، فالجهاد بالنفس أعلاها.
فتاوى الشيخ ابن باز ( 7 / 334 ، 335 ) .
أهل الحرب أو الحربيّون:
هم غير المسلمين الّذين لم يدخلوا في عقد الذّمّة، ولا يتمتّعون بأمان المسلمين ولا عهدهم.
- أهل الذّمّة: أهل الذّمّة هم الكفّار الّذين أقرّوا في دار الإسلام على كفرهم بالتزام الجزية ونفوذ أحكام الإسلام فيهم.
- أهل العهد: هم الّذين صالحهم إمام المسلمين على إنهاء الحرب مدّةً معلومةً لمصلحةٍ يراها، والمعاهد: من العهد: وهو الصّلح المؤقّت، ويسمّى الهدنة والمهادنة والمعاهدة والمسالمة والموادعة.
- المستأمنون: المستأمن في الأصل: الطّالب للأمان، وهو الكافر يدخل دار الإسلام بأمانٍ، أو المسلم إذا دخل دار الكفّار بأمانٍ.
انقلاب الذّمّيّ أو المعاهد أو المستأمن حربيّاً
- يصبح الذّمّيّ والمعاهد والمستأمن في حكم الحربيّ باللّحاق باختياره بدار الحرب مقيماً فيها، أو إذا نقض عهد ذمّته فيحلّ دمه وماله، ويحاربه الإمام بعد بلوغه مأمنه وجوباً عند الجمهور، وجوازاً عند الشّافعيّة.
ولا خلاف في محاربته إذا حارب المسلمين أو أعان أهل الحرب، وللإمام أن يبدئه بالحرب، قال اللّه تعالى: (وإن نَكَثُوا أيمانَهم من بعد عهدهم ، وطَعَنُوا في دينكم فقاتلوا أَئِمَّةَ الكفرِ إِنّهم لا أَيْمَانَ لهم لعلّهم ينتهون)، وحينما نقضت قريش صلح الحديبية، سار إليهم الرّسول صلى الله عليه وسلم عام الفتح سنة ثمانٍ من الهجرة، حتّى فتح مكّة.
وعندما «نقض بنو قريظة العهد سنة خمسٍ، قتل النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجالهم، وسبى ذراريّهم، وأخذ أموالهم، وكذلك بنو النّضير لمّا نقضوا العهد، حاصرهم الرّسول صلى الله عليه وسلم سنة أربعٍ، وأجلاهم».
وهناك اتّجاهان في أسباب نقض الذّمّة:
الأوّل، مذهب الحنفيّة: وهو أنّه لا ينتقض عهد الذّمّيّين، إلاّ أن يكون لهم منعة يحاربون بها المسلمين، ثمّ يلحقون بدار الحرب، أو يغلبون على موضعٍ، فيحاربوننا.
الثّاني، مذهب الجمهور: تنتقض الذّمّة بمخالفة مقتضى العهد.
انقلاب الحربيّ ذمّيّاً
- يصبح الحربيّ ذمّيّاً إمّا بالتّراضي، أو بالإقامة لمدّة سنةٍ في دار الإسلام، أو بالزّواج، أو بالغلبة والفتح.
انقلاب المستأمن إلى حربيٍّ
- المستأمن: هو الحربيّ المقيم إقامةً مؤقّتةً في ديار الإسلام، فيعود حربيّاً لأصله بانتهاء مدّة إقامته المقرّرة له في بلادنا، لكن يبلغ مأمنه لقوله تعالى: (إلاّ الّذين عاهدتم من المشركين، ثمّ لم يَنْقُصُوكم شيئاً، ولم يُظَاهِروا عليكم أحداً، فأَتِمُّوا إليهم عَهْدَهم إلى مُدَّتِهم)، أو بنبذ العهد، أي نقضه من جانب المسلمين، لوجود دلالةٍ على الخيانة، لقوله تعالى: (وإمّا تَخَافَنَّ من قومٍ خيانةً، فانْبِذْ إليهم على سواءٍ، إنّ اللّه لا يُحِبُّ الخائنين)، وهي في أهل الهدنة أو الأمان، لا في أهل جزيةٍ، فلا ينبذ عقد الذّمّة، لأنّه مؤبّد، وعقد معاوضةٍ فهو آكد من عقد الهدنة.
وقد يصبح المستأمن حربيّاً بنقض الأمان من جانبه هو، أو بعودته لدار الحرب بنيّة الإقامة، لا التّجارة أو التّنزّه أو لحاجةٍ يقضيها، ثمّ يعود إلى دار الإسلام، فإذا رجع إليهم ولو لغير داره، انتهى أمانه.
هذا، وكلّ ما ينتقض به عهد الذّمّيّ، ينتقض به أمان المستأمن، على حسب الاتّجاهين السّابقين، لأنّ عقد الذّمّة أمان مؤبّد، وآكد من الأمان المؤقّت، ولأنّ المستأمن كالذّمّيّ يلتزم بتطبيق أحكام الإسلام.
ومن نقض أمانه بنقض العهد ينبذ إليه ويبلغ المأمن عند الجمهور، ويخيّر الإمام في شأنه كالأسير الحربيّ، من قتلٍ ومنٍّ وفداءٍ وغيره عند الحنابلة.
انقلاب الحربيّ إلى مستأمنٍ
- يصير الحربيّ مستأمناً بالحصول على أمانٍ من كلّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ عند الجمهور، أو حتّى من مميّزٍ عند آخرين.
دخول الحربيّ بلاد المسلمين بغير أمانٍ
- ليس لأهل الحرب دخول دار الإسلام بغير أمانٍ، لأنّه لا يؤمن أن يدخل جاسوساً، أو متلصّصاً، أو لشراء سلاحٍ، فيضرّ بالمسلمين.
فإن قال: دخلت لسماع كلام اللّه تعالى، أو دخلت رسولاً، سواء أكان معه كتاب أم لم يكن، أو دخلت بأمان مسلمٍ، صدّق ولا يتعرّض له، لاحتمال ما يدّعيه، وقصد ذلك يؤمّنه من غير احتياجٍ إلى تأمينٍ، لقوله تعالى: (وإِنْ أحدٌ من المشركين استَجَارَك فَأَجِرْهُ حتّى يسمعَ كلامَ اللّهِ، ثمّ أبلِغْه مَأْمَنَهُ)، وهذا قول الشّافعيّة.
وقال الحنفيّة: إن ادّعى الأمان لا يصدّق فيه، بل يطالب ببيّنةٍ، لإمكانها غالباً، ولأنّ الثّابت بالبيّنة كالثّابت بالمعاينة.
وقريب من هذا قول الحنابلة: إنّ من دخل من الحربيّين دار الإسلام بغير أمانٍ، وادّعى أنّه رسول، أو تاجر ومعه متاع يبيعه، قبل منه، ويحقن دمه، إن صدّقته عادة، كدخول تجّارهم إلينا ونحوه، لأنّ ما ادّعاه ممكن، فيكون شبهةً في درء القتل، ولأنّه يتعذّر إقامة البيّنة على ذلك، فلا يتعرّض له، ولجريان العادة مجرى الشّرط.
فيصدق إن كان معه تجارة يتّجر بها، لأنّ التّجارة لا تحصل بغير مالٍ، ويصدّق مدّعي الرّسالة إن كان معه رسالة يؤدّيها. وإن قال: أمّنني مسلم، ففيه وجهان:
أحدهما: يقبل تغليباً لحقن دمه، كما يقبل من الرّسول والتّاجر.
والثّاني: لا يقبل، لأنّ إقامة البيّنة عليه ممكنة. فإن قال مسلم: أنا أمّنته، قبل قوله، لأنّه يملك أن يؤمّنه، فقبل قوله فيه، كالحاكم إذا قال: حكمت لفلانٍ على فلانٍ بحقٍّ.
وقال المالكيّة: إن أخذ الحربيّ بأرض الحربيّين حال كونه مقبلاً إلينا، أو قال: جئت أطلب الأمان منكم، أو أخذ بأرضنا ومعه تجارة، وقال لنا: إنّما دخلت أرضكم بلا أمانٍ، لأنّي ظننت أنّكم لا تتعرّضون لتاجرٍ، أو أخذ على الحدود بين أرضنا وأرضهم، وقال ما ذكر، فيردّ لمأمنه في هذه الحالات.
فإن وجدت قرينة كذبٍ، لم يردّ لمأمنه.
أمّا إن دخل الحربيّ بلاد المسلمين بغير أمانٍ، ولم تتحقّق حالة من الحالات السّابقة، فعند الجمهور يعتبر كالأسير أو الجاسوس، فيخيّر فيه الإمام بين القتل والاسترقاق والمنّ والفداء بحسب المصلحة. وفي قول أبي حنيفة يكون فيئاً لجماعة المسلمين.
(الموسوعة الفقهية الكويتية).
الفرق بين الذمي والحربي في كتاب الجهاد
أهل الذمة هم المعاهدون من اليهود والنصارى وغيرهم ممن يقيم بديار الإسلام. والمستأمن: هو الحربي إذا دخل دار الإسلام بأمان، مِن ولي الأمر أو مَن يملك ذلك من نوَّابه، فإنه حينئذٍ لا يجوز أن يُتعرَّض له.
أنواع التعامل مع أهل الكتاب في الحروب
- أهل الذمة: مصطلح يقصد به أهل الكتاب من النصارى واليهود الذين يعيشون في البلاد ذات الأغلبية المسلمة. وهو من يدفع الجزية لولي أمر المسلمين كل عام .
- المعاهدين : المعاهد ، وهو من كان بين المسلمين وبينه عهد لمدة معينة أو مطلقة.
- المحاربين : الكافر الحربي هو الذي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة.
- ومما ينبغي التنبيه عليه أن المسلم إذا دخل دار الحرب بأمان أو بأسر، وائتمنوه على نفس أو مال لم يحل له خيانتهم في شيء، لأنهم أعطوه الأمان مشروطا بتركه خيانتهم، وأمنه إياهم من نفسه، وإن لم يكن ذلك في اللفظ، فهو معلوم في المعنى فلم يحل له خيانتهم، لأنه غدر، ولا يصلح الغدر في الإسلام. اهـ من الموسوعة الفقهية.
معنى الكافر الحربي
الحربي غير المعاهد مهدر الدم والمال، فيجوز قتل المقاتلين، لأن كل من يقاتل فإنه يجوز قتله وتصبح الأموال من عقارات ومنقولات غنيمة للمسلمين، وتصير بلاد العدو بالغلبة أو الفتح ملكا للمسلمين... ولا تتحقق هذه الأحكام إلا بمشروعية الجهاد، كما ذكر في الفتاوى الهندية، ففيها: يشترط لإباحة الجهاد شرطان:
أحدهما: امتناع العدو عن قبول ما دعي إليه من الدين الحق، وعدم الأمان والعهد بيننا وبينهم.
والثاني: أن يرجو الإمام الشوكة والقوة لأهل الإسلام، باجتهاده أو باجتهاد من يعتد باجتهاده ورأيه، وإن كان لا يرجو القوة والشوكة للمسلمين في القتال، فإنه لا يحل له القتال، لما فيه من إلقاء النفس في التهلكة. اهـ.
أما معنى الكافر الحربي: فهو الذي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما نصه: أهل الحرب أو الحربيون: هم غير المسلمين الذين لم يدخلوا في عقد الذمة، ولا يتمتعون بأمان المسلمين ولا عهدهم. هـ .
كيف نتعامل مع أهل الكتاب؟
الشريعة الإسلامية السمحة تحض على حسن معاملة الناس عمومًا، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى خصوصًا، خاصة إذا كانوا مسالمين لنا، ولا يبارزون المسلمين العداء والحرب، وبينت الشريعة أن معاملتهم إنما تكون بالعدل، والإحسان إليهم، وعدم الإساءة لهم، فقد قال الله عز وجل: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أبو داود برقم (3052) وحسنه ابن حجر.
الجهاد باليد للكفار : فرض على الكفاية :
قال ابن قدامة رحمه الله : " ( والجهاد فرض على الكفاية ، إذا قام به قوم ، سقط عن الباقين ) :
معنى فرض الكفاية ، الذي إن لم يقم به من يكفي ، أثم الناس كلهم ، وإن قام به من يكفي ، سقط عن سائر الناس . فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع ، كفرض الأعيان ، ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له ، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره والجهاد من فروض الكفايات ، في قول عامة أهل العلم". المغني ( 9 / 163 ) .
حكم الجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو
التجسس جريمة خطيرة، وعقوبته في الإسلام شديدة، حتى لو كان الجاسوس مسلمًا. فالجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو يُعد خائنًا لدينه ، وقد يتسبب في إلحاق أضرار كبيرة بالمسلمين.
وقد وردت العديد من الآيات والأحاديث التي تحرم التجسس وتؤكد على خطورته.
قال الله تعالى: (وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) [الحجرات: 12].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، صُبّ في أذنيه الرصاص يوم القيامة".
التجسس لغة: هو اللمس باليد، وجس الخبر: أي بحث عنه، وتجسس الأمر: أي تفحصه وتطلبه وبحث عنه. والتجسس: هو التفتيش في بواطن الأمور.
والجاسوسية اصطلاحاً: البحث والتنقيب عما يتعلق بالعدو، من معلومات سرية باستخدام الوسائل السرية والفنية، ونقل ذات المعلومات بذات الوسائل، أو بواسطة العملاء والجواسيس، والاستفادة منها في إعداد الخطط.
والجاسوسية قانوناً: العمل سراً وبادعاء وهمي للاستيلاء أو محاولة الاستيلاء على معلومات سرية بقصد إبلاغها إلى جهة معادية.
حكم الإسلام في العملاء والجواسيس، الأستاذ الدكتور صالح حسين الرقب.
والتجسس من حيث دوافعه نوعان:
1- نوع خاص يكون الدافع عليه الفضول وحب الاطلاع على عورات الآخرين، ليتلذذ الجاسوس في مجالسه الخاصة والعامة بالخوض في الحديث عن أعراض الناس وعوراتهم، ويتباهى بأنّه يملك الدليل والبينة على صدق دعواه وقوله.. لذا جاء عقب النهي عن التجسس النهي عن الغيبة؛ لأنّ الغيبة نتيجة حتمية للتجسس، فكل من تجسّس لا بد له من أن يقع في غيبة الآخرين.
2- ونوع عام يكون دافعه نقل المعلومات ورفع التقارير إلى الطواغيت الظالمين، وغيرهم من الكفرة والمشركين.. وهذا من الموالاة.. وهو أشد أنواع التجسس جرماً، وهو من الكفر الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة ولا بد.
والنهي عن التجسس الوارد في الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [ الحجرات:12]
يشمل النوعين السابقين، والعام أولى بالنهي من الخاص.
وللجاسوسية صور وأشكال متعددة منها:
1- جواسيس مهمتهم بيع الأراضي الفلسطينية أو سمسرتها للعدو الصهيوني.
2- منهم من يكلفون بالإسقاط الخلقي والأمني، ونشر المخدرات، وإشاعة الفواحش في المجتمع.
3- منهم من يساعدون العدو ويشتركون معه في قتل وتصفية واغتيال المناضلين والمجاهدين من أبناء الشعب الفلسطيني بالدلالة عليهم، ولو كان الأمر بسيطا جدا كأن يخبر أين المناضل أو أين بيته، أو أي مساعدة كانت، ويدخل في هذا النوع من الجاسوسية ما يسمى بالتعاون الأمني القائم-ومنه إحباط أعمال المجاهدين الفلسطينيين- بين دولة العدو الصهيوني وبين الأطراف العربية بفعل الاتفاقيات الظالمة وغير المعتبرة شرعاً، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله".
وما كان العدو لينجح في قتل واغتيال واعتقال المئات من المناضلين لولا هذا التعاون الأمني، ومساعدة الجواسيس وتسهيل مهمة الأعداء.
4- ومنهم الأجراء: وهم الذين باعوا أنفسهم لأعداء دينهم وأمتهم وأوطانهم مقابل ثمن بخس دراهم معدودة، أو مناصب موعودة، أو شهوات مبذولة ومتع مرذولة، وهؤلاء الأجراء يستخدمهم الاستعمار لتحقيق مصالحه وأهدافه، وهؤلاء يرتدون ثياب الوطنية أثناء حملتهم المسعورة ضد الإسلام عقيدة ونظاماً وثقافة، وأثناء استيرادهم للمبادئ والأفكار والمذاهب المعادية للإسلام ومن هؤلاء الأجراء: زمرة السياسيين الذين ينفذون سياسة الأعداء في الحكم والسياسة، وزمرة الماليين الذي ينفذون سياسة الأعداء في مجال المال والاقتصاد، وزمرة العسكريين الذين يجرون شعوبهم لعار الهزيمة والذل في ميادين القتال، وزمرة الصحفيين والمثقفين والأدباء الذين ينشرون فكر الأعداء وثقافتهم ورذائلهم الاجتماعية.
- حكم الإسلام في العملاء والجواسيس، الأستاذ الدكتور صالح حسين الرقب.
وقد اختلف العلماء في حكم الجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو.
التجسس حرام شرعاً، وهو من أقبح أنواع الخيانة، لما فيه من إتلاف الأمة الإسلامية والإضرار بها. والجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو، فهو مرتكب لجريمة كبيرة، وعاقبته في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) [النساء: 107].
وفي سنن البيهقي من حديث عبد الرحمن بن عوف: أنه حرس مع عمر ليلة بالمدينة، فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه حتى إذا دنوا منه إذ باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر رضي الله عنه، وأخذ بيد عبد الرحمن فقال: أتدري بيت من هذا؟ قلت: لا، قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن بشرب، فما ترى؟ قال عبد الرحمن: أرى قد أتينا ما نهى الله عنه". ولا تجسسوا" فقد تجسسنا، فانصرف عنهم عمر رضي الله عنه وتركهم. وفي المصنف لابن أبي شيبة عن زيد بن وهب قال: أتى ابن مسعود فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمراً، فقال عبد الله: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا منه شيء نأخذه به.
وإذا كان الشرع قد نهى عن التجسس على أهل المعاصي ما لم يظهروا ذلك ويصروا عليه.. فالتجسس على أهل الإيمان والصلاح من المسلمين ومتابعة تحركاتهم وسكناتهم، والسعي في الوقيعة بهم أكثر إثماً وأشد قبحاً. ولذا فلا يجوز العمل في التجسس إلا إذا كان على الكفار ودولهم، ومعرفة مكائدهم وكيدهم للإسلام وأهله فيجوز ذلك، بل قد يكون من القربات والطاعات، لكن العمل بذلك لا يبيح الانتحار بحال، بل فعل ذلك من أعظم الجرائم وأكبر الذنوب.
وعن مالك بن قيس المازني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مَن ضارَّ أضرَّ اللهُ بهِ ومَن شاقَّ شاقَّ اللهُ علَيهِ ) أخرجه أبو داود (3635)، وابن ماجه (2342)، وأحمد (15755) واللفظ لهم، والترمذي (1940) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود برقم: 3635.
في هذا الحديثِ يقول النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( مَن ضارَّ ) أي: أضرَّ غَيرَه بقصدٍ وتَسبُّبٍ لَه بما يَسوءُه دونَ وَجهِ حقٍّ، ( أضرَّ اللهُ بهِ )، أي: جعَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ جزاءَه مِن جِنسِ عملِه فيضرُّ بهِ بمثلِ ما أضرَّ بِغَيرِه، ( ومن شاقَّ )، أي: مَن قصدَ إلحاقَ المشقَّةِ بغَيرِه وجعَلَ عليهِ مِن التَّعبِ والجهدِ دُونَ وَجهِ حقٍّ ( شاقَّ اللهُ علَيهِ )، أي: جعَلَ اللهُ علَيهِ من المشقَّةِ والتعَبِ بمِثلِ ما فعلَ بِغَيرِه، ويَحتَمِلُ أن يكونَ وَعِيدُ اللهِ في الدُّنيا والآخرةِ؛ لأنَّه الوعيدَ لم يُقيَّد في الحديثِ.
حكم أموال الجاسوس
أموال الجاسوس الذي يعمل لصالح المحتل ومنه المال الذي يستخدمه للتجسس على المجاهدين: أموال الجاسوس وغيره ممن يتعاون مع العدو ضد المجاهدين مستباحة لا حرمة لها، تؤخذ وتصرف في مصارف الجهاد، ومن يستولي عليها يسلمها إلى بيت مال المجاهدين، يتصرف بها أمير الجهاد لصالح الجهاد والمجاهدين.
حكم الإسلام في العملاء والجواسيس، الأستاذ الدكتور صالح حسين الرقب الفلسطيني.
أقوال الفقهاء في حكم الجاسوس:
تحدث الفقهاء عن عقوبة الجاسوس، فقالت المالكية والحنابلة وغيرهم يقتل الجاسوس المسلم إذا تجسس للعدو على المسلمين.
وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى عدم قتله، إنما يعاقب تعزيراً، إلا أن تظاهر على الإسلام فيقتل، أو ترتب على جاسوسيته قتل ومثله الذمي.
وإن كان كافراً يقتل في حال الحرب، وكذلك في حال السلم إن كان هناك عهد لأنّه نقض للعهد.
وقد ورد في السنة ما يدل على قتل الجاسوس مطلقاً.
عن سلمة بن الأكوع قال: " أُتي النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه، ثم انسل، فقال صلى الله عليه وسلم:" اطلبوه فاقتلوه" قال: فسبقتهم إليه فقتلته، وأخذت سلبه، فنفلني إياه". (رواه البخاري3/1110، وأبو داود 3/48).
وقوله:" أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عين" في رواية لمسلم أن ذلك كان في غزوة هوازن، وسمّي الجاسوس عيناً لأنّ عمله بعينه أو لشدة اهتمامه بالرؤية واستغراقه فيها كأن جميع بدنه صار عينا.
وفي الحديث دليل على أنه يجوز قتل الجاسوس. قال النووي فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق.
وأما المعاهد والذمي
فقال مالك والأوزاعي: ينتقض عهده بذلك، وعند الشافعية خلاف ذلك.
أما لو شرط عليه ذلك في عهده فينتقض اتفاقا. وحديث فرات المذكور في الباب يدل على جواز قتل الجاسوس الذمي.
وذهبت الهادوية إلى أنه يقتل جاسوس الكفار والبغاة إذا كان قد قتل أو حصل القتل بسببه وكانت الحرب قائمة، وإذا اختل شيء من ذلك حبس فقط.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المرأة التي حملت كتاب حاطب إلى كفار قريش عام الفتح، ومن دون أن تُستتاب.
كما في الحديث عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم فتح مكة، أمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر، وامرأتين. من هاتين المرأتين هذه المرأة التي حملت رسالة حاطب إلى كفار قريش، واسمها سارة.
وقد أفتى كثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين بأنّ الجاسوس مرتد عن الإسلام كافر يجب قتله، إن ترتب على جاسوسيته قتل المجاهدين، أو مساعدة العدو في الاحتلال، أي يختلف حكم الجاسوس بحكم حالة جاسوسيته، فقد روي عن الإمام مالك بن أنس قوله: "الجاسوس المسلم الحكم الشرعي فيه القتل مطلقا لإضراره بالمسلمين، وسعيه بالفساد في الأرض، وهو حد الحرابة ".
(تفسير القرطبي 18/50- 53).
ووافقه بعض أصحاب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه".
وذلك في كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم الجوزي.
وابن الماجشون من المالكية فقال: "إذا كانت تلك عادته قُتل لأنه جاسوس".
يقول ابن تيمية: "وأما مالك وغيره فحكى عنه أن من الجرائم ما يبلغ به القتل ووافقه بعض أصحاب أحمد في مثل الجاسوس المسلم إذا تجسس للعدو على المسلمين.. فإن أحمد يتوقف في قتله وجوز مالك وبعض الحنابلة كابن عقيل قتله ومنعه أبو حنيفة والشافعي وبعض الحنابلة كالقاضي أبي يعلى".
( السياسة الشرعية، ص115-114، مجموع الفتاوى 35/405،345).
قال سحنون من المالكية: إذا كاتب المسلم أهل الحرب قتل ولم يستتب، ولا دية لورثته كالمحارب.(أي لم تطلب منه التوبة كما تطلب من المرتد). وقال ابن القاسم: يقتل، ولا يعرف لهذا توبة، وهو كالزنديق.
- تبصرة الحكام لابن فرحون 2/ 143 ، أقضية الرسول صلى الله عليه وسلم، لمحمد بن فرَج، ص191.
وقال غيرهما من أصحاب مالك: يجلد جلداً وجيعاً، ويطال حبسه، وينفي من موضع يقرب من الكفار.
وقال ابن القيم : " فيه جواز قتل الجاسوس، وإن كان مسلما، والعفو عن حاطب لأنّ اللّه قد غفر لأهل بدر وهو منهم، فمن لم يكن كذلك جاز قتله، وهو مذهب مالك وأحد الوجهين في مذهب أحمد، وقال الشافعي وأبو حنيفة لا يقتل، وهو ظاهر مذهب أحمد، والفريقان يحتجان بقصة حاطب. والصحيح أنّ قتله راجع إلى رأى الإمام فإنّ رأى في قتله مصلحة للمسلمين قتله، وإن كان بقاؤه أصلح استبقاه. وهو رأى معقول يرجع فيه لتقدير المسئولين ومصلحة الأمة، وقتله إما حداً وإما تعزيراً، وآية المحاربة والإفساد في الأرض فيها متسع للآراء".
(زاد المعاد في هدي خير العباد 2/170).
وقال: "يجوز قتل الجاسوس المسلم إذا اقتضت المصلحة قتله وهذا قول مالك وبعض أصحاب أحمد واختاره ابن عقيل"
(الطرق الحكمية ص 156).
وقال في الجاسوس الذمي: " الجاسوس عين المشركين وأعداء المسلمين وقد شرط على أهل الذمة ألا يؤوه في كنائسهم ومنازلهم، فإن فعلوا انتقض عهدهم، وحلت دماؤهم وأموالهم، وهل يحتاج ثبوت ذلك إلى اشتراط إمام العصر له على أهل الذمة أو يكفي شرط عمر رضي الله عنه على قولين معروفين للفقهاء".
(أحكام أهل الذمة ص1233) حكم الإسلام في العملاء والجواسيس، الأستاذ الدكتور صالح حسين الرقب.
والجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو ارتكب جريمة من أعظم الجرائم وهي الخيانة العظمى.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يُعتبر فاسقًا، وعقوبته القتل أو التعزير.
ويرى الفقهاء المعاصرون أن الجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو يُعتبر مرتكبًا لجريمة الخيانة العظمى، وعقوبته القتل أو التعزير، حسب الظروف والملابسات. وفيما يلي بعض العقوبات التي يمكن أن يُعاقب بها الجاسوس المسلم:
القتل: إذا كان التجسس قد أدى إلى وقوع ضرر كبير بالمسلمين، مثل إزهاق أرواحهم أو إفساد دينهم أو أموالهم.
التعزير: إذا كان التجسس لم يُفض إلى وقوع ضرر كبير بالمسلمين، ولكن كان يُشكل خطرًا على أمنهم واستقرارهم.
ويكون جهاد الكفار باليد واجباً متعيناً في أربع حالات هي :
1- إذا حضر المسلم الجهاد.
2- إذا حضر العدو وحاصر البلد .
3- إذا استنفر الإمام الرعية يجب عليها أن تنفر .
4- إذا احتيج إلى ذلك الشخص ولا يسد أحد مسدَّه إلا هو .
أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي ...المزيد
تأليف أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي
المقدمة
الحمد لله الذي أمر بالجهاد في سبيله، ووعد عليه الأجر العظيم والنصر المبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه الكريم: ( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) [الروم:47] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله أفضل المجاهدين وأصدق المناضلين وأنصح العباد أجمعين ﷺ وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الكرام الذين باعوا أنفسهم لله وجاهدوا في سبيله حتى أظهر الله بهم الدين وأعز بهم المؤمنين، وأذل بهم الكافرين رضي الله عنهم وأكرم مثواهم وجعلنا من أتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الجهاد في سبيل الله من أفضل القربات، ومن أعظم الطاعات، بل هو أفضل ما تقرب به المتقربون وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين وإعلاء كلمة الدين، وقمع الكافرين والمنافقين وتسهيل انتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج العباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، وقد ورد في فضله وفضل المجاهدين من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما يحفز الهمم العالية، ويحرك كوامن النفوس إلى المشاركة في هذا السبيل، والصدق في جهاد أعداء رب العالمين، وهو فرض كفاية على المسلمين إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وقد يكون في بعض الأحيان من الفرائض العينية التي لا يجوز للمسلم التخلف عنها إلا بعذر شرعي، كما لو استنفره الإمام أو حصر بلده العدو أو كان حاضرا بين الصفين.
- (موقف اليهود في الإسلام وفضل الجهاد والمجاهدين (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 2/ 430) . نشر هذا الموضوع في رسالة طبعها الحرس الوطني عام ١٣٩٣ ه فضل الجهاد والمجاهدين).
تُعد فلسطين قضية محورية في العالم الإسلامي، وقد حكم الفقهاء المسلمون على الدفاع عن فلسطين بأنه واجب شرعي على المسلمين.
ويُعد الدفاع عن فلسطين واجب ديني على كل مسلم، وهو حق مشروع للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وتستند هذه الأحكام الفقهية إلى مجموعة من المبادئ الأساسية في الفقه الإسلامي، منها مبدأ الدفاع عن النفس ومبدأ حق المقاومة المسلحة. والدفاع عن فلسطين واجب ديني على كل مسلم، وأن المقاومة المسلحة هي حق مشروع للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. والدفاع عن فلسطين فرض عين على كل مسلم قادر على القتال. فقد ورد في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات دون أرضه فهو شهيد".
ويُعد الدفاع عن فلسطين واجبًا شرعيًا وإنسانيًا، وواجب على المسلمين العمل على تحقيق هذا الواجب بكل الوسائل المشروعة. الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض هو واجب شرعي على كل مسلم قادر على القتال، وذلك لتحرير الأرض من الاحتلال وإعادة الحقوق الشرعية لأصحابها.
مشكلة البحث :
الأسئلة التي يجيب عنها البحث:
1. مفهوم الجهاد: هل هو قتال فقط، أم أنه يشمل أيضًا الدعوة والتربية والتعليم؟
2. شروط الجهاد: ما هي الشروط التي يجب توافرها ليكون الجهاد واجبًا؟
3. أنواع الجهاد: ما هي أنواع الجهاد؟
4. أحكام الجهاد: ما هي الأحكام المتعلقة بالجهاد، مثل: أحكام القتال، وأحكام الأسرى، وأحكام الصلح؟
وقد قسم العلماء الجهاد إلى قسمين:
الجهاد الأكبر: وهو جهاد النفس والشيطان، وهو أعظم أنواع الجهاد.
الجهاد الأصغر: وهو جهاد الكفار ، وهو جهاد بالسلاح والدعوة.
أسباب الجهاد:
هناك عدة أسباب للجهاد، منها:
نشر دين الله: وذلك بإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
الدفاع عن النفس والأهل والمال والعرض: وذلك من خلال رد العدوان وحماية المقدسات.
نصرة المظلوم: وذلك من خلال مساعدة المظلومين على إزالة الظلم عنهم.
فقه الجهاد:
هو أحد فروع الفقه الإسلامي، ويتناول مسائل الحرب والسلم في الإسلام.
وتشمل هذه المسائل أحكام الجهاد الدفاعي والجهاد الهجومي، وأحكام القتال، وأحكام الأسرى، وأحكام المقاتلين، وأحكام السلم.
وقد تناول الفقه الإسلامي موضوع الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض في العديد من المواضع،
ومن أهم الأحكام الفقهية المتعلقة بهذا الموضوع ما يلي:
فرضية الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض:
يرى الفقهاء أن الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض فرض عين على كل مسلم قادر على القتال من أهل هذا البلد، وذلك لأن العدو قد قام بظلم المسلمين وحرمهم من حقوقهم المشروعة، وقد ورد في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رأى منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
مشروعية الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض:
أيًّا كان حكم الجهاد في الإسلام: فرض كفاية، أم فرض عين، أم تطوُّعا، فلا ريب أن منزلة الجهاد في دين الله لا تعدلها منزلة، لأن الجهاد هو الذي يحمي الأمَّة في دينها ودنياها، ويحرسها من أعدائها المتربِّصين بها: يحمي دينها وعقيدتها، ويحمي أرضها وحرمتها، ويحمي استقلالها وسيادتها، فهو حصن الأمة الحصين، وهو ركنها الركين، وهو الذي يصنع الأبطال، ويعدُّ الرجال، الذين يبذلون النفس والنفيس في سبيل الله. فلا غرو أن يعدَّ فهو ذروة سنام الإسلام، كما جاء في حديث أبي هريرة: "الجهاد سنام العمل" ، وفي حديث معاذ: "ألا أنبئكم برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله".
- فقه الجهاد: دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة، د. يوسف القرضاوي رحمه الله .
والجهاد هو ذروة سنام الإسلام ، بمعنى أنه سنة حفظ الدين، الذي يحفظ الدين للأمة ويحفظ كيانها ، فإذا كان العدو قد غزا أرضًا إسلامية واحتلها، فإن الجهاد ضده يصبح واجبًا على المسلمين كافة، في سائر أقطارهم، وليس على أهل البلاد المغتصبة فقط.
وذلك لأن الغزو والعدوان ظلمٌ وبغيٌ، وواجب المسلمين الدفاع عن أنفسهم وأراضيهم وأعراضهم. وهناك عدة أدلة من القرآن والسنة على مشروعية الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض، منها:
قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة: 190].
وقوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: 251].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد". رواه الترمذي والنسائي.
وبناءً على هذه الأدلة، فإن الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض هو واجب شرعي على المسلمين كافة، وذلك للدفاع عن أنفسهم وأراضيهم وأعراضهم، وحماية دينهم وشريعتهم.
وسائل الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض:
هناك عدة وسائل للجهاد ضد العدو المغتصب للأرض، منها: الجهاد بالسلاح، فيجوز للمجاهد ضد العدو المغتصب للأرض استخدام جميع الوسائل المشروعة، بما في ذلك السلاح. وهو القتال ضد العدو في ساحة المعركة. والجهاد بالكلمة، وهو دعم قضيتهم ونشر الوعي بين المسلمين. والجهاد بالمال، وهو تقديم المساعدة للمجاهدين. وواجب المسلمين أن يبذلوا كل ما في وسعهم للجهاد ضد العدو المغتصب للأرض، وذلك لتحقيق النصر وتحرير الأرض من الاحتلال.
إن الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض هو واجب ، وذلك لرد العدوان واسترداد الأرض المغتصبة، وحماية المسلمين من الظلم والاضطهاد، ونشر الدين الإسلامي وإقامة عدله في الأرض.
وهناك عدة أهداف للجهاد ضد العدو المغتصب للأرض، منها:
1. رد العدوان واسترداد الأرض المغتصبة.
2. حماية المسلمين من الظلم والاضطهاد.
3. نشر الدين الإسلامي وإقامة عدله في الأرض.
مشروعية الجهاد في الإسلام
ثبتت مشروعية القتال في سبيل الله بالكتاب، والسنة، والإجماع، والمعقول.
من الكتاب:
1- قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[البقرة: 216].
2- وقوله تعالى:(وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)[البقرة: 190].
3- وقوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[الأنفال: 39].
4- وقوله تعالى:(قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[التوبة: 29].
5- وقوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[التوبة: 41].
ومن السنة النبوية:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ؛ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ). رواه الشيخان.
2- عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا وَلا تَغْدِرُوا وَلا تَمْثُلُوا وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ). رواه مسلم
والإجماع:
قد انعقد على فرضية الجهاد استناداً للآيات والأحاديث السابقة وغيرها. قال ابن عطية رحمه الله: "واستمر الإجماع على أن الجهاد على أمة محمد فرض كفاية، فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين، إلا أن ينزل العدو بساحة للإسلام، فهو حينئذ فرض عين".
وقال علي القاري: "ولا شك أن إجماع الأمة أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة لم ينسخ".
- مشروعية الجهاد وحكمه وشروطه، موقع على بصيرة - 28 صفر 1438 هـ
ومن المعقول:
فإن من المعلوم عند جميع العقلاء، وفي كل الأمم والحضارات أن استخدام القوة العسكرية ضرورة إذا لم تنجح غيرها من الوسائل لمنع الشر والظلم، ونصرة المظلومين والمستضعفين، وإحلال السلم، والسلام، والأمن، والأمان.
كما أن الحقّ لا بد له من مؤيد يدعمه ويحميه ويظهره، وإلا خبت جذوته، وكاد له الأعداء.
والكفار لن يرضيهم إلا ردّة المسلمين عن الإسلام، قال تعالى: (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120]، وسيقاتلون المسلمين حتى تتحقق لهم هذه الغاية، قال تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)[البقرة: 217]. فلا مناص من مقاتلتهم دفاعاً عن الدين والأنفس.
حكم الجهاد في سبيل الله
الجهاد نوعان: جهاد طلب وجهاد دفع، ولكل منهما حكم خاص به.
النوع الأول: جهاد الطلب:
أجمع العلماء على أن جهاد الكفار وطلبهم في عقر دارهم، وقتالهم إذا لم يقبلوا الإسلام فريضة مُحكمة غير منسوخة. وحكمه عند جمهورهم: فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، واستدلوا بالأدلة السابقة في الأمر بالجهاد في سبيل الله.
قال ابن حزم رحمه الله: "والجهاد فرض على المسلمين، فإذا قام به من يدفع العدو ويغزوهم في عقر دارهم ويحمي ثغور المسلمين سقط فرضُهُ عن الباقين، وإلا فلا، قال الله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ)[التوبة: 41]".
وقال ابن تيمية رحمه الله: "فإذا كان ابتداءً فهو فرض على الكفاية، إذا قام به البعض سقط الفرض عن الباقين، وكان الفضل لمن قام به، كما قال الله تعالى: (لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ)الآية".
لكن رُويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما، وسفيان الثوري رحمه الله، وغيرهما، أن جهاد الكفار ابتداءً تطوّع، والظاهر أن المراد بكلامهم أن الجهاد من فضائل الأعمال المستحبة، وأنه ليس فرضًا عينيًا على كل مسلم. قال الكمال بن الهمام، بعد ذكره الأدلة على فرضية الجهاد: "وبهذه ينتفي ما نُقِل عن الثوري وغيره أنَّه ليس بفرضٍ وأنَّ الأَمر به للنَّدْبِ ... ونُقِلَ عن ابن عمر، ويجب حمْلهُ إن صحَّ على أنَّه ليس بفرض عين"
وقال ابن عطية رحمه الله: "وذكر المهدوي وغيره عن الثوري أنه قال: الجهاد تطوع، وهذه العبارة عندي إنما هي على سؤال سائل، وقد قِيمَ بالجهاد".
- مشروعية الجهاد وحكمه وشروطه، موقع على بصيرة ، 28 صفر 1438 هـ
النوع الثاني: جهاد الدفع:
وهو فرض عين على القادرين من أهل البلد حتى يتحقق الاكتفاء بإخراج العدو من بلاد المسلمين، أو صدّه عنها.
قال ابن القيم رحمه الله: "فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعم وجوباً، ولهذا يتعين على كل أحد ... وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق".
وقال الخطيب الشربيني رحمه الله: "والحال الثاني من حال الكفار: أن يدخلوا بلدة لنا مثلاً؛ فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم. ويكون الجهاد حينئذ فرض عين، سواء أمكن تأهبهم لقتال أم لم يمكن ... ومن هو دون مسافة القصر من البلدة التي دخلها الكفار حكمُه كأهلها وإن كان في أهلها كفاية؛ لأنه كالحاضر معهم ... ويلزم الذين على مسافة القصر المضي إليهم عند الحاجة بقدر الكفاية دفعاً لهم وإنقاذاً من الهلكة، فيصير فرض عين في حق من قَرُبَ، وفرض كفاية في حق من بَعُدَ".
فإن لم يكن في أهل البلد كفاية فيجب على من يليهم من المسلمين القتال معهم حتى تتحقق الكفاية.
قال الجصّاص رحمه الله: "ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو ولم تكن فيهم مقاومة لهم؛ فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم أن الفرض على كافّة الأمة أن ينفر إليهم من يكفّ عاديتهم عن المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة، إذا ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حين يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم".
وقال ابن تيمية رحمه الله: "وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب؛ إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة".
الحالات التي يصبح فيها القتال فرضاً عينياً:
يكون القتال فرض عين في الحالات الآتية:
1. إذا حضر المسلمُ القتالَ وكان في عداد المجاهدين في المعركة، فيجبُ عليه وجوباً عينيًّا أن يستمرَّ في القتال؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الأنفال: 45]، ولقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأْدْبَارَ)[الأنفال: 15].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ). رواه الشيخان.
2. إذا هاجم الكفَّارُ بلداً من بلاد المسلمين فيجب على أهلها دفعُهم وقتالهم، كما تقدّم. وهذه الحالة يسميها العلماء: النفير العام، قال الكاساني رحمه الله: "فأما إذا عمّ النفير بأن هجم العدو على بلد، فهو فرض عين يفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه؛ لقوله سبحانه وتعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا)[التوبة: 41] قيل: نزلت في النَّفير".
3. إذا استنفر الإمام رجلاً بعينه أو جماعة بعينها صار الجهاد في حقِّهم فرضَ عين. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التوبة :38-39].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإذا استُنفِرتُم فانفِرُوا)[ 15 ]. قال الحافظ ابن حجر: "وفيه وجوب تعيين الخروج في الغزو على من عيّنه الإمام".
ويلحق بهذه الحالة: إذا دعت حاجة المجاهدين إلى شخص بذاته؛ لخبرته أو مهارته، كَرَامٍ، أو طبيب، أو طيّار، ونحوهم؛ فيجب عليه حتى تنتهي الحاجة إليه أو تتحقق الكفاية بغيره، قال القرطبي رحمه الله: "وكذلك كلُّ من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنّه يُدركُهم ويُمكنهُ غِياثُهم: لَزِمهُ أيضاً الخروج إليهم".
مشروعية الجهاد وحكمه وشروطه، موقع على بصيرة - 28 صفر 1438 هـ
ضوابط الجهاد الشرعي
الجهاد الشرعي هو القتال في سبيل الله تعالى، وقد اشترط الفقهاء لصحة الجهاد الشرعي توافر سبعة شروط، وهي:
1- التكليف .
2- الحرية .
3- القدرة .
4- الذكورية .
5- إذن الوالدين .
6- إذن ولي الأمر .
1- التكليف :
فالواجبات الشرعية تجب على البالغ العاقل ، وقد جاء دليل خاص بالجهاد على شرط التكليف ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ردَّ ابن عمر حينما عُرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد وهو ابن أربع عشرة فلم يجزه ، وعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه .
وقال ابن القيم : (إن النبي صلى الله عليه وسلم رده لما استصغره عن القتال ، وأجازه لمَّا وصل إلى السن التي رآه فيها مطيقًا).
2- الحرية :
فالعبد ليس من أهل القتال ، قال تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ) [التوبة: 91] ، قال محمد بن عيسى بن أصبغ : (فأما العبد فالجمهور على أنه ليس من أهل الفرض في الجهاد ، وأنه لم يخاطب بذلك إلا الأحرار ؛ لأن فعل الجهاد تصاب فيه النفس والمال بالإتلاف ، وهو مقصور على ذلك بالشرع).
3- القدرة على النصر:
يشترط لاعتبار الجهاد شرعياً أن يكون لدى المسلمين القدرة على النصر على العدو، أو على الأقل أن يكون لديهم أمل قوي في النصر. وهذا الشرط ضروري لمنع المسلمين من الإقدام على جهاد خاسر، يؤدي إلى الإضرار بهم وبث اليأس في نفوسهم. والقدرة شرط معتبر ، قال تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) [التوبة: 91] .
والقصد الصحيح:
القصد الصحيح هو الدافع الأساسي للجهاد، وهو ما يميز الجهاد الشرعي عن الجهاد البدعي. فالجهاد الشرعي لا يكون إلا لله تعالى، ونصرة دينه، وإعلاء راية التوحيد. أما الجهاد البدعي فهو جهاد يهدف إلى تحقيق أهداف دنيوية، مثل تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.
القدرة على النصر:
يشترط لاعتبار الجهاد شرعياً أن يكون لدى المسلمين القدرة على النصر على العدو، أو على الأقل أن يكون لديهم أمل قوي في النصر. وهذا الشرط ضروري لمنع المسلمين من الإقدام على جهاد خاسر، يؤدي إلى الإضرار بهم وبث اليأس في نفوسهم.
وعدم وجود مفسدة أكبر: يشترط لاعتبار الجهاد شرعياً أن لا يترتب عليه مفسدة أكبر من مفسدة تركه. فمثلاً، إذا كان الجهاد سيؤدي إلى قتل الكثير من المسلمين، أو إلى تدمير أموالهم أو بيوتهم، فإن تركه يكون أولى من إجرائه.
وجود راية معلومة وهدف واضح: يشترط لاعتبار الجهاد شرعياً أن يكون له راية معلومة، وهدف واضح. فالجهاد لا يكون إلا لهدف محدد، مثل نصرة الإسلام، أو الدفاع عن حدود الدولة، أو حماية الحرمات.
واتفق الفقهاء على أن الجهاد لا يجب إلا على المسلم البالغ العاقل الذكر، القادر على القتال. والقدرة على القتال تعني أن يكون الشخص قادرًا على حمل السلاح والدفاع عن نفسه وعن المسلمين الآخرين.
وتشمل القدرة على القتال عدة أمور، منها
1. أن يكون الشخص سليمًا من العيوب الجسدية التي تحول دون القتال، مثل العمى أو الشلل أو المرض المقعد.
2. أن يكون الشخص قادرًا على حمل السلاح واستخدامه.
3. أن يكون الشخص قادرًا على تحمل مشاق السفر والقتال.
4. وأما المرأة فليست من أهل القتال، لضعفها وخورها، ولذلك لا يجب عليها الجهاد.
يُستثنى من شرط القدرة على القتال بعض الأشخاص، وهم:
1. المريض الذي لا يستطيع القتال بسبب مرضه.
2. الكبير في السن الذي لا يستطيع القتال بسبب كبر سنه. والمرأة الحامل أو المرضعة.
3. ومن يقوم برعاية أسرة أو غيرها من الأعمال التي تقتضي وجوده في مكانه.
4. وإذا كان الشخص غير قادر على القتال بنفسه، فإنه يمكنه أن يسهم في الجهاد بطرق أخرى، مثل:
5. الجهاد بالمال والمساعدات. والتبرع بالدم أو بالأعضاء. والعمل الإعلامي أو الدعوي.
وخلاصة القول أن القدرة على القتال شرط أساسي للجهاد، وأن من لا يمتلك هذه القدرة يمكنه أن يسهم في الجهاد بطرق أخرى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
(ومن كان عاجزًا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه من النصيحة بقلبه ، والدعاء للأمة ، ومحبة الخير ، وفعل ما يقدر عليه من الخير ، لم يكلف ما عجز عنه).
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن الجهاد : (ولا بد فيه من شرط وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال ، فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة .. إلى أن قال : وعلى هذا ، فلا بد من هذا الشرط وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات).
4- الذكورية :
من شروط وجوب الجهاد الذكورية ، قال تعالى : ( وَإِذَا أُنْـزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ) [التوبة: 86، 87] .
قال الحافظ محمد الكرجي رحمه الله (ت : 360 هـ) في فوائد الآية : (فيه دليل على أن النساء لا جهاد عليهن وإن أطقنه ؛ لأنه جل جلاله قد ذكر الخوالف مرتين في الآية الأولى ، والثانية ، ولم يخرجهن ، إنما أخرج من تشبه في التخلف عنه بمن لا جهاد عليه ).
وبناءً على ذلك، فإن المرأة لا تُفرض عليها الجهاد، وذلك لضعفها ، وعدم قدرتها على تحمل المشاق والصبر على الحرب. وقد وردت أحاديث نبوية شريفة تؤكد على شرط القدرة على القتال في الجهاد، منها: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: "جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة".
5- إذن الوالدين :
عن عبد الله بن عمرو قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد ، فقال : ( أحي والداك ؟ قال : نعم ، قال : ففيهما فجاهد ). أي خصصهما بجهاد النفس في رضاهما.
وقد بيَّن الحافظ ابن حجر رحمه الله : (أن هذا الرجل استفصل عن الأفضل في أعمال الطاعات ؛ ليعمل به ؛ لأنه سمع فضل الجهاد فبادر إليه ، ثم لم يقنع حتى استأذن فيه ، فَدُلَّ على ما هو أفضل منه في حقِّه) فقوله صلى الله عليه وسلم : ( ففيهما فجاهد ) ، قال الحافظ ابن حجر أيضًا : (أي إن كان لك أبوان فبالغ جهدك في برهما ، والإحسان إليهما ؛ فإن ذلك يقوم مقام الجهاد).
6- إذن ولي الأمر :
إذا هجم العدو على المسلمين فيكون الجهاد فرض عين ، ففي هذه الحال يجب قتالهم على كل مسلم ، ولا يشترط إذن الإمام حينئذٍ .
أما الجهاد الذي يقصد منه الفتح ، ودعوة الكفار إلى الإسلام ، وقتال من أبى الخضوع لحكم الله ، فهذا لا بد فيه من إذن الإمام ، وبذلك تنضبط الأمور .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده ، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك " .المغني ( 10 / 368 ) .
وإذن الإمام مانع من الفوضى التي يمكن أن تنشأ من إعلان بعض المسلمين الحرب على أعداء الله دون تقدير لظروفهم وقوتهم وقوة عدوهم .
يشترط لاعتبار الجهاد شرعياً أن يأذن به ولي الأمر، ويوافق عليه. فولي الأمر هو المسؤول عن حماية المسلمين، وعليه أن يقرر ما إذا كان الجهاد ضرورياً أم لا. لأن الجهاد عمل جماعي، ولذلك اشترط العلماء أن يكون الجهاد بقيادة ولي الأمر المسلم، أو من ينوب عنه. وقد قال الله تعالى: "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ".
واجتماع الناس من قبَل الإمام يزيدهم قوة ، فضلاً عن التزامهم بالواجب الشرعي في طاعته فيما لم يخالف فيه شرع الله ، وبذلك يكون المسلمون المجاهدون صفّاً واحداً يجتمعون على نصرة الدين وحماية شرع الله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها ، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع ، لحاجة بعضهم إلى بعض ، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ) رواه أبو داود من حديث أبى سعيد وأبى هريرة ، وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم ) فأوجب تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع ؛ ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة ، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود ، لا تتم إلا بالقوة والإمارة ، ولهذا روي " أن السلطان ظل الله في الأرض " ، ويقال : " ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان " والتجربة تبين ذلك ".
- مجموع الفتاوى شيخ الإسلام ( 28 / 390 ، 391 ) .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : " لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر ؛ لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور وليس أفراد الناس، فأفراد الناس تبع لأهل الحل والعقد، فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع ، إذا فاجأهم عدو يخافون شره وأذاه فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم، لتعين القتال إذًا . وإنما لم يجز ذلك لأن الأمر منوط بالإمام ، فالغزو بلا إذنه افتيات عليه ، وتعد على حدوده ، ولأنه لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى ، كل من شاء ركب فرسه وغزا ، ولأنه لو مكن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة ، فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو وهم يريدون الخروج على الإمام ، أو يريدون البغي على طائفة من الناس ، كما قال الله تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) [ الحجرات:9 ]، فلهذه الأمور الثلاثة ولغيرها أيضاً لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام ".
- الشرح الممتع لابن عثيمين ( 8 / 22 ) .
" الجهاد لإعلاء كلمة الله وحماية دين الإسلام والتمكين من إبلاغه ونشره وحفظ حرماته فريضة على من تمكن من ذلك وقدر عليه ، ولكنه لا بد له من بعث الجيوش وتنظيمها خوفاً من الفوضى وحدوث ما لا تحمد عقباه ؛ ولذلك كان بدؤه والدخول فيه من شأن ولي أمر المسلمين ، فعلى العلماء أن يستنهضوه لذلك ، فإذا ما بدأ واستنفر المسلمين فعلى من قدر عليه أن يستجيب للداعي إليه مخلصاً وجهه لله ، راجياً نصرة الحق ، وحماية الإسلام ، ومن تخلف عن ذلك مع وجود الداعي وعدم العذر : فهو آثم ".
- فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء ( 12 / 12 ) .
وقد سئل بعض أهل العلم عن حكم القتال بدون إذن الإمام ، فقال : ( لا يجوز ما دام أنه ليس للمجاهدين إمام شرعي ؛ لأن هذا يجر على المسلمين شرًا وضررًا أكثر مما يتوقع من المصلحة ، فلا جهاد في الإسلام إلا بإمام ، هذه هي القاعدة ، وهذا مما يدل على ضرورة نصب الأئمة).
مجلة البحوث الإسلامية العدد السابع والتسعون الإصدار من رجب إلى شوال 1433 هـ البحوث الفرق بين الجهاد والإرهاب ، شروط الجهاد ، فتاوى الشيخ صالح الفوزان.
الحكم لو خلا الزّمانُ عن السّلطان
إن كان للمسلمين إمام يمكن استئذانه فيجب؛ لأن أمر القتال موكول إليه، فإن لم يمكن استئذانه كما لو فاجأهم العدو فلا يجب استئذانه. قال الإمام أحمد رحمه الله: "إن كانوا يخافون على أنفسهم وذراريهم فلا بأس أن يقاتلوا من قبل أن يأذن الأمير، لكن لا يقاتلوا إذا لم يخافوا على أنفسهم وذراريهم إلا أن يأذن الإمام".
- مسائل الإمام أحمد بن حنبل، رواية ابنه عبد الله، رقم (959) ص (259).
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"ولأنَّهم إذا جاء العدو: صار الجهاد عليهم فرض عين، فوجب على الجميع، فلم يَجُز لأحدٍ التخلف عنه، فإذا ثبت هذا فإنهم لا يخرجون إلا بإذن الأمير، لأنَّ أمر الحرب موكولٌ إليه، وهو أعلم بكثرة العدو وقلتهم، ومكامن العدو وكيدهم، فينبغي أن يُرجع إلى رأيه؛ لأنه أحوط للمسلمين، إلا أن يتعذر استئذانه؛ لمفاجـأة عدوّهم لهم، فلا يجب استئذانه؛ لأن المصلحة تتعين في قتالهم، والخروج إليهم، لتعين الفساد في تركهم، ولذلك لما أغار الكفار على لِقَاحِ النبي صلى الله عليه وسلم.
- اللقاح جمع لقحة، وهي الناقة اللبون التي ترضع صغيرها
فصادفهم سلمة بن الأكوع خارجًا من المدينة، تبعهم فقاتلهم من غير إذن، فمدحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (خير رجالتنا سلمة بن الأكوع). وأعطاه سهم فارس وراجل".
- المغني (9/ 213-214)
كذلك لا يجب استئذان الإمام في دفع الصائل، وهو المعتدي على النفس والمال والعرض، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ).
- رواه مسلم، رقم (140)
فإن لم يكن للمسلمين إمام:
فيجب على المسلمين أن يتخذوا أميراً أو قائداً لينتظم لهم أمر القتال، ويوحّد كلمتهم.
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "إذا عُدِم السلطان لزم أهل الشوكة الذين هم أهل الحل والعقد ثم أن ينصبوا قاضياً، فتنفذ حينئذ أحكامُه للضرورة الملجِئَةِ لذلك".
- تحفة المحتاج في شرح المنهاج (7/261)
وقال أبو المعالي الجويني رحمه الله: "لو خلا الزّمانُ عن السّلطان فحقٌّ على قُطّان كلّ بلدةٍ، وسكّان كلِّ قريةٍ، أنْ يقدّموا مِن ذوي الأحلام والنُّهى، وذوي العقول والحِجا مَن يلتزمون امتثالَ إشاراته وأوامره، وينتهون عن مناهيه ومزاجره؛ فإنّهم لو لم يفعلوا ذلك، تردّدوا عند إلمام المهمّات، وتبلّدوا عند إظلال الواقعات".
- غياث الأمم في التياث الظلم (1/386-387)
- مشروعية الجهاد وحكمه وشروطه، موقع على بصيرة - 28 صفر 1438 هـ
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولهذا قال العلماء يجب القتال ويكون فرض عين في أمور أربعة :
الأول : إذا حضر الصف : لقوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ
وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الأنفال 15- 16]
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم التولي يوم الزحف من كبائر الذنوب من الموبقات ، إلا أن الله تعالى خفف عن عباده ، وأذن للمسلمين إذا كان العدو أكثر من مثيلهم أن يفروا لقول الله تعالى : ﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال 66] ولهذا أجاز العلماء الفرار من العدو إذا كان أكثر من الضعف .
الثاني : إذا استنفره الإمام ، يعنى إذا قال الإمام : " اخرج وقاتل " ، فإنه يجب على المسلمين أن يخرجوا ويقاتلوا لقول الله تبارك وتعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ﴾[التوبة 38] يعنى ملتم إليها بثقل ، ومعلوم أن الذى يختار الأرض على السماء أنه ضائع ﴿ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [ التوبة: 38 ].
الثالث : إذا حاصر العدو بلده فقد أصبح الجهاد واجباً ، لأنه جهاد دفاع ، لأن العدو إذا حاصر البلد معناه أن أهلها يكونون عرضة للهلاك ، لاسيما في مثل وقتنا الحاضر إذا حصر العدو البلد ، و قطع الكهرباء و المياه ، وقطع مصادر الغاز ، وما أشبه ذلك ، معناه أن الأمة سوف تهلك ، فيجب الدفاع ما دام عندهم ما يمكن أن يدافعوا به يجب أن يدفعوا .
الرابع : إذا كان محتاجاً إليه : يعنى إذا احتيج إلى هذا الرجل بعينه وجب أن يقاتل .
فهذه أربعة مواضع ذكر العلماء رحمهم الله أن الجهاد فيها يكون فرض عين ، وما عدا ذلك يكون فرض كفاية لأمر الله تعالى به في آيات كثيرة من القرآن ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن : ( الجهاد ذروة سنام الإسلام ) ، يعنى أن المجاهدين يعلون على أعدائهم ، ولهذا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بذروة السنام ،لأنه أعلى ما في البعير ، فالجهاد فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقي ، وان لم يقم به من يكفي تعين عليه .
ولكن كل واجب لا بد فيه من شرط القدرة ، والدليل على ذلك النصوص من القرآن والسنة ومن الواقع ايضا ، أما القرآن فقد قال تعالى : ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ ﴾ [ البقرة 286 ] وقال تعالى : ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ ﴾ [التغابن 16]
وقال تعالى : ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ ﴾ [ الحج: 78]
يعني، حتى لو امرتم بالجهاد ما فيه حرج إن قدرتم عليه فهو سهل ، وان لم تقدروا عليه فهو حرج مرفوع ، اذالا بد من القدرة و الاستطاعة ،هذا من القرآن . ومن السنة قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) وهذا عام في كل أمر لأن قوله : ( بأمر) نكرة في سياق الشرط فيكون للعموم ، سواء أمر العبادات أو الجهاد أو غيره .
وأما الواقع فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة يدعو الناس إلى توحيد الله ، وبقى على هذا ثلاثة عشرة سنة لم يؤمر بالجهاد مع شدة الايذاء له ولمتبعيه عليه الصلاة والسلام ،وقلة التكاليف ؛ فاكثر أركان الإسلام ما وجبت إلا في المدينة ، ولكن هل أمروا بالقتال ؟ الجواب : لا . لماذا ؟ لانهم لا يستطيعون ، وهم خائفون على أنفسهم .
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج من مكة خائفا على نفسه ولذلك لم يوجب الله عز وجل القتال الا بعد أن صار للأمة الإسلامية دولة وقوة قال تعالى ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [ الحج 39].
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن شرط القدرة في الجهاد : لا بد فيه من شرط وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال ، فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاءً بأنفسهم إلى التهلكة ، ولهذا لم يوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين القتال وهم في مكة ، لأنهم عاجزون ضعفاء ، فلما هاجروا إلى المدينة وكونوا الدولة الإسلامية ، وصار لهم شوكة أُمروا بالقتال ، وعلى هذا فلا بد من هذا الشرط ، وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات ، لأن جميع الواجبات يشترط فيها القدرة ، لقوله تعالى : ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ ﴾ [ التغابن: 16] وقوله تعالى ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ ﴾ [ البقرة: 286]
المصدر : فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة.
من شروط وجوب الجهاد: القدرة على مؤنته ونفقة من تلزم المجاهد نفقته مدة غيابه
من شروط وجوب الجهاد: القدرة على مؤنة الجهاد، ومنها نفقة من يلزمه نفقته مدة غيابه.
قال الإمام الشافعي في (الأم): إن كان سالم البدن، قويه، لا يجد أهبة الخروج، ونفقة من تلزمه نفقته إلى قدر ما يرى لمدته في غزوه، فهو ممن لا يجد ما ينفق، فليس له أن يتطوع بالخروج ويدع الفرض. اهـ.
وقال النووي في (الروضة): وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ جَمِيعِ ذَلِكَ فَاضِلاً عَنْ نَفَقَةِ مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. اهـ.
وقال ابن قدامة في (المغني): أَمَّا وُجُودُ النَّفَقَة، فَيُشْتَرَطُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ) ، وَلأَنَّ الْجِهَادَ لا يُمْكِنُ إلا بِآلَةٍ، فَيُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا. فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ عَلَى مَسَافَةٍ لا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلاةُ، اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ وَاجِدًا لِلزَّادِ، وَنَفَقَةِ عَائِلَتِهِ فِي مُدَّةِ غِيبَتِهِ، وَسِلاحٍ يُقَاتِلُ بِهِ... اهـ.
وجاء في (الموسوعة الفقهية): لا يجب على الفقير الذي لا يجد ما ينفق في طريقه، فاضلاً عن نفقة عياله؛ لقوله عز وجل: ( وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ) ، وإن بذل له الإمام ما يحتاج إليه من وسيلة نقل، وجب عليه أن يقبل ويجاهد، لأن ما يعطيه الإمام حق له، وإن بذل له غير الإمام لم يلزمه قبوله. اهـ.
حديث ابن عباس مرفوعا: «خير الناس منزلة: رجل آخذ برأس فرسه في سبيل الله عز وجل حتى يموت أو يقتل» (رواه مالك وأحمد والترمذي والنسائي واللفظ له). ليس معناه أن المجاهد يبقى أبدا في غزوه، لا يرجع منه البتة، ويبقى دائما في سفر جهاده! وإنما معناه أن ذلك هو الغالب على حاله، وأنه يكثر الخروج للغزو والجهاد يلتمس الشهادة.
قال السندي في حاشيته على النسائي: كناية عن مداومة الجهاد. اهـ.
وقال الباجي في شرح الموطأ: قوله صلى الله عليه وسلم: «رجل آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله»، يريد والله أعلم أنه مواظب على ذلك، ووصفه بأنه آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله، بمعنى أنه لا يخلو في الأغلب من ذلك راكبا له، أو قائدا، هذا معظم أمره، ومقصوده من تصرفه، فوصف بذلك جميع أحواله، وإن لم يكن آخذا بعنان فرسه في كثير منها. اهـ.
ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة مرفوعا: «من خير معاش الناس لهم: رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعة، أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانه» (رواه مسلم).
قال السندي في حاشيته على ابن ماجه: « مُمْسِك بِعِنَانِ فَرَسه » أَيْ مُلَازِم لَهُ، كَثِير الرُّكُوب عَلَيْهِ لِلْحَرْبِ وَالْجِهَاد، وَلَيْسَ الْمُرَاد الدَّوَام عَلَى ظَهْر الْفَرَس إِذْ لَا بُدّ مِنْ النُّزُول. اهـ.
- فتاوى الشبكة الإسلامية.
أهداف الجهاد الشرعي
حثت الشريعة الإسلامية على الجهاد في سبيل الله تعالى، وأكدت على فضله وأجره العظيم. قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) [البقرة: 190]. ولكن يجب أن يكون الجهاد في سبيل الله تعالى خالصًا لله تعالى. كما يجب أن يكون الجهاد بالطرق المشروعة.
وأن يكون القصد هو إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى. وأن يكون ذلك على وفق شرع الله، فإن هذا القتال لا يكون في سبيل الله إلا إذا كان على ما شرَّعه وبينه ووضحه وهدى إليه، أما إذا كان ذلك على سبيل الحمية، أو العصبية الجاهلية، أو نحو ذلك مما يخالف هذا المقصود، أو كان ذلك على طريقة منحرفة كالذي يستحل قتال المسلمين ودماءهم وأموالهم ويعد ذلك قتالاً في سبيل الله، فهذا ليس في سبيل الله، وكذلك من يقتل بالظنون الكاذبة الفاسدة، ويتساهل في شأن الدماء، فإن عمل هذا ليس صالحًا وليس في سبيل الله وإن اعتقد أو زعم صاحبه أن عمله في سبيل الله، فإن الله تعالى قد بين شرائعه ووضحها غاية الإيضاح، وهدي النبي ﷺ يشرح القرآن، ويبينه بهديه وقوله، وسنته القولية، وكذلك العملية.
والمقصود من القتال هو إعزاز الدين، وإعلاء كلمة رب العالمين، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فينتج عن ذلك الصلاح والإصلاح، وأما إذا كان هذا القتال ينتج الفتن والفساد في الأرض فإن ذلك لا يكون مشروعًا.
ولقد حددت الشريعة الإسلامية أهداف الجهاد الشرعي، وهي:
1. حماية الدين: وذلك من خلال مقاومة الكفار الذين يحاربون الإسلام، ويحاولون نشر الفساد في الأرض.
2. حماية النفس: وذلك من خلال الدفاع عن النفس والأهل والوطن من العدوان.
3. حماية العرض: وذلك من خلال حماية النساء والأطفال من الاعتداء عليهم.
4. حماية المال: وذلك من خلال حماية الأموال من النهب والسلب.
فضل شهيد المعركة في القرآن والسُنة
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [ آل عمران: 169]
وروى الامام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنَّ لِلشَّهِيدِ عِندَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سِتَّ خِصَالٍ: أَن يُغفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفعَةٍ مِن دَمِهِ، وَيَرَى مَقعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيمَانِ، وَيُزَوَّجَ مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُجَارَ مِن عَذَابِ القَبرِ، وَيَأمَنَ مِنَ الفَزَعِ الأَكبَرِ، وَيُوضَعَ عَلَى رَأسِهِ تَاجُ الوَقَارِ اليَاقُوتَةُ مِنهُ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجَ اثنَتَينِ وَسَبعِينَ زَوجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعَ فِي سَبعِينَ إِنسَانًا مِن أَقَارِبِهِ ».
رواه أحمد (17182) والترمذي (1663) والنسائي (1938) وابن ماجة (2799).
وفضل من يجرح للجهاد ولو لم ينل الشهادة: فعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « والذي نفسي بيده لا يُكْلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يُكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة، واللون لون الدم، والريح ريح المسك ». رواه البخاري برقم (2803).
بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالجهاد ضد العدو المغتصب للأرض
شروط الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض
يشترط لصحة الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض توافر عدة شروط، منها:
1. أن يكون القتال ضروريًا لتحرير الأرض من الاحتلال.
2. أن يكون القتال مشروعًا وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
3. أن يكون العدو قد قام بظلم المسلمين وحرمهم من حقوقهم المشروعة.
أحكام القتال في الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض
لقد كتب الله الجهاد والقتال لأنه عاصم للفتن وساد لباب الاعتداء وهو أخذ بيد الظالمين المعتدين أنى كان مذهبهم وأنى كانت وجهتهم ، فيجوز في الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض استخدام جميع الوسائل المشروعة، بما في ذلك السلاح. وقد حدد الفقهاء بعض الأحكام الخاصة بالقتال في الجهاد، ومنها: وجوب أن يكون القتال في إطار الأحكام الشرعية.
وإذا حصر بلده العدو فيجب عليه القتال دفاعاً عن البلد ، وهذا يشبه من حضر الصف في القتال ؛ لأن العدو إذا حصر البلد فلا بد من الدفاع ؛ إذ إن العدو سيمنع الخروج من هذا البلد ، والدخول إليه ، وما يأتي لهم من الأرزاق ، وغير ذلك مما هو معروف ، ففي هذا الحال يجب أن يقاتل أهل البلد دفاعاً عن بلدهم .
وإذا كان المقصود من الجهاد دفع عدوان العدو الذي تمكن من اغتصاب أرض المسلمين، كما هو الحال في الأرض المباركة "فلسطين" فإن الواجب على جميع المسلمين في هذا البلد، أن يتحدوا ويخططوا للقيام بمقاومة العدو الممكنة، وهي تتمثل في العصيان المدني، كالإضراب الشامل أو الجزئي، وحرب الكمائن التي تقوم بها الوحدات المنفصلة.
- حكم عقد الهدنة مع العدو للحاجة.
ما حكم تعطيل الجهاد؟
ورد في الأمر بالجهاد في سبيل الله ، والترهيب من تركه الكثير من الآيات والأحاديث .
وإذا ترك المسلمون الجهاد في سبيل الله ، وآثروا حياة الدعة والراحة ، وركنوا إلى الدنيا ، أصابهم الذل والهوان ، وفسدت أمورهم ، وعرضوا أنفسهم لمقت الله تعالى وغضبه . وتعرض الإسلام للضياع ، وطغيان الكفر عليه . ولذلك كان ترك الجهاد من كبائر الذنوب .
وترك الجهاد من كبائر الذنوب . قال ابن حجر في "الزواجر" : (الكبيرة التسعون والحادية والثانية والتسعون بعد الثلاثمائة ترك الجهاد عند تعينه ، بأن دخل الحربيون دار الإسلام أو أخذوا مسلماً وأمكن تخليصه منهم . وترك الناس الجهاد من أصله . وترك أهل الإقليم تحصين ثغورهم بحيث يخاف عليها من استيلاء الكفار بسبب ترك ذلك التحصين) اهـ .
ولذلك صار معلوما ومقررا عند الصحابة أنه لا يقعد عن الجهاد إذا كان فرض عين إلا ضعيف معذور أو منافق ، وهذا ما يحكيه كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن تبوك : (فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطُفْتُ فِيهِمْ أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ) . رواه البخاري (4066) ومسلم (4973) .
- المصدر: الإسلام سؤال وجواب.
فضل الشهيد في الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض
يُعد الشهيد في الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض من أعظم الشهداء، وذلك لأنه دافع عن دينه وعرضه.
" ولقد دل الكتاب والسنة الصحيحة، على أن الرباط في الثغور من الجهاد في سبيل الله، لمن أصلح الله نيته؛ لقول الله جل وعلا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [آل عمران:200]، وقول النبي ﷺ: ( رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه، وأمن الفتان ) رواه مسلم في صحيحه. وفي الصحيحين، عن النبي ﷺ أنه قال: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها. وفي صحيح البخاري رحمه الله عن النبي ﷺ أنه قال: ( من اغبرت قدماه في سبيل الله، حرمه الله على النار). ولاشك أن الدفاع عن الدين والنفس والأهل والمال والبلاد وأهلها، من الجهاد المشروع، ومن يقتل في ذلك وهو مسلم يعتبر شهيدًا؛ لقول النبي ﷺ: ( من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد)".
(مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 18/ 92) بعنوان : دفاع المسلمين عن بلادهم من الجهاد نشر في كتاب (فتاوى إسلامية)، من جمع الشيخ محمد المسند 2 / 259.
الأحكام الفقهية المتعلقة بالدفاع عن فلسطين
1. الدفاع عن النفس والأرض: يُعد الدفاع عن النفس والأرض من أهم الأحكام الشرعية.
2. الدفاع عن المقدسات: يُعد الدفاع عن المقدسات الإسلامية من الواجبات الشرعية، وقد نص القرآن الكريم على ذلك في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [ الحج: 40]
3. الدفاع عن الحق: يُعد الدفاع عن الحق من الواجبات الشرعية.
الأحكام الفقهية المتعلقة بوسائل الدفاع عن فلسطين
1. وسائل الدفاع الشرعية: يُجوز استخدام وسائل الدفاع الشرعية في الدفاع عن فلسطين، ومن هذه الوسائل:
2. الجهاد بالسلاح: وهو استخدام السلاح المشروع للدفاع عن النفس والأرض.
3. الجهاد باللسان: وهو الدعوة إلى الحق والجهاد ضد الباطل.
4. الجهاد بالمال: وهو الإنفاق في سبيل الله، بما في ذلك دعم المقاومة الفلسطينية.
وسائل الدفاع المحرمة:
يُحرم استخدام وسائل الدفاع المحرمة في الدفاع عن فلسطين، ومن هذه الوسائل:
1. الاعتداء على المدنيين: وهو من كبائر الذنوب.
2. استخدام الأسلحة المحرمة: مثل الأسلحة الكيميائية أو النووية.
3. الاستعانة بالكفار في محاربة المسلمين: وهو من المحظورات الشرعية.
أهمية الدفاع عن فلسطين
تُعد فلسطين قضية إسلامية وإنسانية، وواجب على المسلمين الدفاع عنها بكل الوسائل المشروعة. ويتمثل أهمية الدفاع عن فلسطين في الآتي:
حماية المقدسات الإسلامية: تضم فلسطين العديد من المقدسات الإسلامية، مثل المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي، وواجب على المسلمين الدفاع عنها من الاحتلال الإسرائيلي.
حماية الشعب الفلسطيني: يعاني الشعب الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 70 عامًا، وواجب على المسلمين الدفاع عن حقوقه المشروعة.
تعزيز الحق والعدل: يُعد الدفاع عن فلسطين دفاعًا عن الحق والعدل، وواجب على المسلمين العمل على تحقيق العدالة في العالم.
مكانة المسجد الأقصى في الإسلام
المسجد الأقصى: هو مَسرى رسولِ اللهِ في ليلة الإسراء والمعراج ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [ الإسراء: 1]
المسجد الأقصى: أحد المساجد الثلاث التي تشد إليها الرحال للعبادة فيها.
المسجد الأقصى: الصلاة فيه تعادل خمسمئة صلاة في غيره من المساجد.
المسجد الأقصى: أول قبلة للمسلمين في أول الإسلام.
مدينة القدس: فتحها عمر بن الخطاب وحررها صلاح الدين الأيوبي.
- الجهاد في الإسلام لم يشرع محبة في إراقة الدماء، أو للاستيلاء على الأموال، بل شرع لدرء الفتنة والدعوة إلى الحق، ولتكون كلمة الله هي العليا، ولذلك التزم المسلمون في حروبهم بأخلاقيات عالية وسلوكيات رفيعة.
حكم الجهاد في فلسطين
الجهاد في فلسطين من آكد أنواع الجهاد الواجب في هذا الزمان، والواجب فيه يختلف باختلاف أحوال الناس وقُدراتهم لكن من الواجب أن يبحث المؤمن المجاهد عن أنقى الرايات المرفوعة وينضم إليها، ولا أرى أنه يجوز الانضمام تحت رايات تُنابِذ الشريعة وترتضي غير الإسلام منهجاً وطريقاً لا سيما وأن هناك رايات عديدة إسلامية يمكن الجهاد تحت لوائها.
هل الجهاد في فلسطين فرض؟
قضية تحرير القدس الشريف مَسرى رسول الله وكامل فلسطين، هي واجب شرعي في ذمة جميع أبناء الأمة الإسلامية في كامل أصقاع العالم، وبذلك فإنه لا يجوز شرعاً أن يتغاضى عنها ويلقى بها إلى المجتمع الدولي الذي دأب على الدعم الأساسي للكيان الصهيوني الغاصب وحضانته.
حكم الجهاد في فلسطين لمن كان قادرا؟
يقول الكاساني الحنفي: فأما إذا عم النفير بأن هجم العدو على بلدٍ فهو فرض عين يفترض على كل واحد من آحادٍ المسلمين ممن هو قادر عليه، فيباح للولد أن يخرج بغير إذن والديه؛ لأن حق الوالدين لا يظهر في فروض الأعيان كالصوم والصلاة.
قال تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [ التوبة: 111]
وقال تعالى ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۚ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [ سورة النساء: 74]
وقال تعالى ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [ النساء: 76]
قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
وقوله سبحانه: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
وقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).
أنواع الجهاد في سبيل الله
- الجهاد بالمال
نصَّ القرآنُ الكريمُ، والسنةُ النبويةُ على أنواعٍ للجهادِ في الإسلام، مِنْ أهمِّها الجهادُ بالمال، وفي عِدّةِ مواضعَ قُدِّم الجهادَ بالمالِ على الجهادِ بالنفس، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات:15] .
ولا يعني تقديمُ الجهادِ بالمالِ على الجهادِ بالنفسِ أنَّ الجهادَ بالمالِ أعظمُ، فالجهادُ بالنفس مُقدَّمٌ، إلا أنَّ المالَ مُحبَّبٌ للنفوسِ، يحرِصُ الكثيرونَ على جمعِه، فكان لابُدَّ من الجهادِ به.
وقد ذهب الآلوسيُّ رحمه الله إلى القول بأنَّ تقديمَ الأموالِ على الأنفُسِ؛ لأنه مِنْ بابِ الترقِّي من الأدْنى إلى الأعلى، أو لأن الكثير من الناس يحرِص على الأموالِ وجمعِها، حتى إنهم يُهْلِكون أنفُسَهم بسببِها (انظر: روح المعاني 26/169)، إضافةً إلى ذلك فإنّ الجهادَ بالمالِ يُخاطَب به الرجالُ والنّساءُ، والشيوخُ والشُّبَّانُ، والصِّغارُ والكبارُ، بِخِلافِ الجهادِ بالنفسِ فإنّما يُخاطَبُ به أهلُ القُدْرةِ، قال تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التوبة:41].
وليس شرطًا أن يكونَ الجهادُ بالمالِ بِحَدٍّ مُخصّصٍ، أو بنِصَابٍ محدّدٍ، فكلُّ مسلِم مطالَبٌ بأن يجاهدَ بمالِه قدْرَ استطاعتِه، ومهما كان حجمُ المالِ الذي يُجَاهَد به في جميع وجوه الخير، فإنَّ اللهَ جلّ وعلا يُجْزِلُ العَطاءَ، ففي حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» (رواه البخاري رقم1355).
فالجهادُ بالمالِ بابٌ واسعٌ مِنْ أبوابِ الخيرِ تسابقَ السابقون للدخولِ منه؛ حتى ينالوا رحماتِ اللهِ تعالى، وهو نوعٌ مِنْ أنواعِ الجهادِ في كثيرٍ مِنَ المواطنِ خاصّةً تلك المواطنُ التي تتعلّقُ بالإعدادِ والتجهيز، كإعدادِ العُدّةِ العسكريةِ سواءٌ أكان ذلك ببذْلِ المالِ في بناءِ مَصانعِ السلاحِ، وما هو في حُكمِها، أو في تجهيزِ الجيوشِ استعدادًا لقتالِ أعداءِ الإسلامِ، قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [الأنفال:60].
- الجهاد بالنفس
الجهاد باليد للكفار : فرض على الكفاية :
قال ابن قدامة رحمه الله : ( والجهاد فرض على الكفاية ، إذا قام به قوم ، سقط عن الباقين ) :
معنى فرض الكفاية ، الذي إن لم يقم به من يكفي ، أثم الناس كلهم ، وإن قام به من يكفي ، سقط عن سائر الناس . فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع ، كفرض الأعيان ، ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له ، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره والجهاد من فروض الكفايات ، في قول عامة أهل العلم". المغني ( 9 / 163 ) .
ولأنهم مظلومون فالواجب على إخوانهم المسلمين نصرهم على من ظلمهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه» وقوله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما».
- الجهاد بالكلمة
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» رواه أبو داود.
حكم الجهاد وأنواعه
الجهاد مراتب ، منها ما هو واجب على كل مكلف ، ومنها هو واجب على الكفاية ، إذا قام به بعض المكلفين سقط التكليف عن الباقين ، ومنها ما هو مستحب .
فجهاد النفس وجهاد الشيطان واجبان على كلِّ مكلف ، وجهاد المنافقين والكفار وأرباب الظلم والبدع والمنكرات واجب على الكفاية ، وقد يتعين جهاد الكفار باليد على كل قادر في حالات معينة يأتي ذكرها
قال ابن القيم رحمه الله : "إذا عرف هذا فالجهاد أربع مراتب : جهاد النفس ، وجهاد الشيطان ، وجهاد الكفار ، وجهاد المنافقين .
فجهاد النفس أربع مراتب :
إحداها : أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها عمله شقيت في الدارين .
الثانية : أن يجاهدها على العمل به بعد علمه ، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها .
الثالثة : أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله .
الرابعة : أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله .
فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين ، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلّمه فمن علِم وعمل وعلّم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات .
وأما جهاد الشيطان فمرتبتان :
إحداهما : جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان .
الثانية : جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات .
فالجهاد الأول يكون بعده اليقين ، والثاني يكون بعده الصبر ، قال تعالى : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) [ السجدة: 24 ] ، فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين ، فالصبر يدفع الشهوات ، والإرادات الفاسدة ، واليقين يدفع الشكوك والشبهات .
وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب : بالقلب، واللسان، والمال، والنفس .
وجهاد الكفار أخص باليد ، وجهاد المنافقين أخص باللسان .
وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب :
الأولى : باليد إذا قدر ، فإن عجز انتقل إلى اللسان ، فإن عجز جاهد بقبله .
فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد ، و " من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق " رواه مسلم ( 1910) زاد المعاد ( 3 / 9 – 11 ) .
والجهاد أقسام : بالنفس ، والمال ، والدعاء ، والتوجيه والإرشاد ، والإعانة على الخير من أي طريق ، وأعظم الجهاد : الجهاد بالنفس ، ثم الجهاد بالمال والجهاد بالرأي والتوجيه ، والدعوة كذلك من الجهاد ، فالجهاد بالنفس أعلاها.
فتاوى الشيخ ابن باز ( 7 / 334 ، 335 ) .
أهل الحرب أو الحربيّون:
هم غير المسلمين الّذين لم يدخلوا في عقد الذّمّة، ولا يتمتّعون بأمان المسلمين ولا عهدهم.
- أهل الذّمّة: أهل الذّمّة هم الكفّار الّذين أقرّوا في دار الإسلام على كفرهم بالتزام الجزية ونفوذ أحكام الإسلام فيهم.
- أهل العهد: هم الّذين صالحهم إمام المسلمين على إنهاء الحرب مدّةً معلومةً لمصلحةٍ يراها، والمعاهد: من العهد: وهو الصّلح المؤقّت، ويسمّى الهدنة والمهادنة والمعاهدة والمسالمة والموادعة.
- المستأمنون: المستأمن في الأصل: الطّالب للأمان، وهو الكافر يدخل دار الإسلام بأمانٍ، أو المسلم إذا دخل دار الكفّار بأمانٍ.
انقلاب الذّمّيّ أو المعاهد أو المستأمن حربيّاً
- يصبح الذّمّيّ والمعاهد والمستأمن في حكم الحربيّ باللّحاق باختياره بدار الحرب مقيماً فيها، أو إذا نقض عهد ذمّته فيحلّ دمه وماله، ويحاربه الإمام بعد بلوغه مأمنه وجوباً عند الجمهور، وجوازاً عند الشّافعيّة.
ولا خلاف في محاربته إذا حارب المسلمين أو أعان أهل الحرب، وللإمام أن يبدئه بالحرب، قال اللّه تعالى: (وإن نَكَثُوا أيمانَهم من بعد عهدهم ، وطَعَنُوا في دينكم فقاتلوا أَئِمَّةَ الكفرِ إِنّهم لا أَيْمَانَ لهم لعلّهم ينتهون)، وحينما نقضت قريش صلح الحديبية، سار إليهم الرّسول صلى الله عليه وسلم عام الفتح سنة ثمانٍ من الهجرة، حتّى فتح مكّة.
وعندما «نقض بنو قريظة العهد سنة خمسٍ، قتل النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجالهم، وسبى ذراريّهم، وأخذ أموالهم، وكذلك بنو النّضير لمّا نقضوا العهد، حاصرهم الرّسول صلى الله عليه وسلم سنة أربعٍ، وأجلاهم».
وهناك اتّجاهان في أسباب نقض الذّمّة:
الأوّل، مذهب الحنفيّة: وهو أنّه لا ينتقض عهد الذّمّيّين، إلاّ أن يكون لهم منعة يحاربون بها المسلمين، ثمّ يلحقون بدار الحرب، أو يغلبون على موضعٍ، فيحاربوننا.
الثّاني، مذهب الجمهور: تنتقض الذّمّة بمخالفة مقتضى العهد.
انقلاب الحربيّ ذمّيّاً
- يصبح الحربيّ ذمّيّاً إمّا بالتّراضي، أو بالإقامة لمدّة سنةٍ في دار الإسلام، أو بالزّواج، أو بالغلبة والفتح.
انقلاب المستأمن إلى حربيٍّ
- المستأمن: هو الحربيّ المقيم إقامةً مؤقّتةً في ديار الإسلام، فيعود حربيّاً لأصله بانتهاء مدّة إقامته المقرّرة له في بلادنا، لكن يبلغ مأمنه لقوله تعالى: (إلاّ الّذين عاهدتم من المشركين، ثمّ لم يَنْقُصُوكم شيئاً، ولم يُظَاهِروا عليكم أحداً، فأَتِمُّوا إليهم عَهْدَهم إلى مُدَّتِهم)، أو بنبذ العهد، أي نقضه من جانب المسلمين، لوجود دلالةٍ على الخيانة، لقوله تعالى: (وإمّا تَخَافَنَّ من قومٍ خيانةً، فانْبِذْ إليهم على سواءٍ، إنّ اللّه لا يُحِبُّ الخائنين)، وهي في أهل الهدنة أو الأمان، لا في أهل جزيةٍ، فلا ينبذ عقد الذّمّة، لأنّه مؤبّد، وعقد معاوضةٍ فهو آكد من عقد الهدنة.
وقد يصبح المستأمن حربيّاً بنقض الأمان من جانبه هو، أو بعودته لدار الحرب بنيّة الإقامة، لا التّجارة أو التّنزّه أو لحاجةٍ يقضيها، ثمّ يعود إلى دار الإسلام، فإذا رجع إليهم ولو لغير داره، انتهى أمانه.
هذا، وكلّ ما ينتقض به عهد الذّمّيّ، ينتقض به أمان المستأمن، على حسب الاتّجاهين السّابقين، لأنّ عقد الذّمّة أمان مؤبّد، وآكد من الأمان المؤقّت، ولأنّ المستأمن كالذّمّيّ يلتزم بتطبيق أحكام الإسلام.
ومن نقض أمانه بنقض العهد ينبذ إليه ويبلغ المأمن عند الجمهور، ويخيّر الإمام في شأنه كالأسير الحربيّ، من قتلٍ ومنٍّ وفداءٍ وغيره عند الحنابلة.
انقلاب الحربيّ إلى مستأمنٍ
- يصير الحربيّ مستأمناً بالحصول على أمانٍ من كلّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ عند الجمهور، أو حتّى من مميّزٍ عند آخرين.
دخول الحربيّ بلاد المسلمين بغير أمانٍ
- ليس لأهل الحرب دخول دار الإسلام بغير أمانٍ، لأنّه لا يؤمن أن يدخل جاسوساً، أو متلصّصاً، أو لشراء سلاحٍ، فيضرّ بالمسلمين.
فإن قال: دخلت لسماع كلام اللّه تعالى، أو دخلت رسولاً، سواء أكان معه كتاب أم لم يكن، أو دخلت بأمان مسلمٍ، صدّق ولا يتعرّض له، لاحتمال ما يدّعيه، وقصد ذلك يؤمّنه من غير احتياجٍ إلى تأمينٍ، لقوله تعالى: (وإِنْ أحدٌ من المشركين استَجَارَك فَأَجِرْهُ حتّى يسمعَ كلامَ اللّهِ، ثمّ أبلِغْه مَأْمَنَهُ)، وهذا قول الشّافعيّة.
وقال الحنفيّة: إن ادّعى الأمان لا يصدّق فيه، بل يطالب ببيّنةٍ، لإمكانها غالباً، ولأنّ الثّابت بالبيّنة كالثّابت بالمعاينة.
وقريب من هذا قول الحنابلة: إنّ من دخل من الحربيّين دار الإسلام بغير أمانٍ، وادّعى أنّه رسول، أو تاجر ومعه متاع يبيعه، قبل منه، ويحقن دمه، إن صدّقته عادة، كدخول تجّارهم إلينا ونحوه، لأنّ ما ادّعاه ممكن، فيكون شبهةً في درء القتل، ولأنّه يتعذّر إقامة البيّنة على ذلك، فلا يتعرّض له، ولجريان العادة مجرى الشّرط.
فيصدق إن كان معه تجارة يتّجر بها، لأنّ التّجارة لا تحصل بغير مالٍ، ويصدّق مدّعي الرّسالة إن كان معه رسالة يؤدّيها. وإن قال: أمّنني مسلم، ففيه وجهان:
أحدهما: يقبل تغليباً لحقن دمه، كما يقبل من الرّسول والتّاجر.
والثّاني: لا يقبل، لأنّ إقامة البيّنة عليه ممكنة. فإن قال مسلم: أنا أمّنته، قبل قوله، لأنّه يملك أن يؤمّنه، فقبل قوله فيه، كالحاكم إذا قال: حكمت لفلانٍ على فلانٍ بحقٍّ.
وقال المالكيّة: إن أخذ الحربيّ بأرض الحربيّين حال كونه مقبلاً إلينا، أو قال: جئت أطلب الأمان منكم، أو أخذ بأرضنا ومعه تجارة، وقال لنا: إنّما دخلت أرضكم بلا أمانٍ، لأنّي ظننت أنّكم لا تتعرّضون لتاجرٍ، أو أخذ على الحدود بين أرضنا وأرضهم، وقال ما ذكر، فيردّ لمأمنه في هذه الحالات.
فإن وجدت قرينة كذبٍ، لم يردّ لمأمنه.
أمّا إن دخل الحربيّ بلاد المسلمين بغير أمانٍ، ولم تتحقّق حالة من الحالات السّابقة، فعند الجمهور يعتبر كالأسير أو الجاسوس، فيخيّر فيه الإمام بين القتل والاسترقاق والمنّ والفداء بحسب المصلحة. وفي قول أبي حنيفة يكون فيئاً لجماعة المسلمين.
(الموسوعة الفقهية الكويتية).
الفرق بين الذمي والحربي في كتاب الجهاد
أهل الذمة هم المعاهدون من اليهود والنصارى وغيرهم ممن يقيم بديار الإسلام. والمستأمن: هو الحربي إذا دخل دار الإسلام بأمان، مِن ولي الأمر أو مَن يملك ذلك من نوَّابه، فإنه حينئذٍ لا يجوز أن يُتعرَّض له.
أنواع التعامل مع أهل الكتاب في الحروب
- أهل الذمة: مصطلح يقصد به أهل الكتاب من النصارى واليهود الذين يعيشون في البلاد ذات الأغلبية المسلمة. وهو من يدفع الجزية لولي أمر المسلمين كل عام .
- المعاهدين : المعاهد ، وهو من كان بين المسلمين وبينه عهد لمدة معينة أو مطلقة.
- المحاربين : الكافر الحربي هو الذي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة.
- ومما ينبغي التنبيه عليه أن المسلم إذا دخل دار الحرب بأمان أو بأسر، وائتمنوه على نفس أو مال لم يحل له خيانتهم في شيء، لأنهم أعطوه الأمان مشروطا بتركه خيانتهم، وأمنه إياهم من نفسه، وإن لم يكن ذلك في اللفظ، فهو معلوم في المعنى فلم يحل له خيانتهم، لأنه غدر، ولا يصلح الغدر في الإسلام. اهـ من الموسوعة الفقهية.
معنى الكافر الحربي
الحربي غير المعاهد مهدر الدم والمال، فيجوز قتل المقاتلين، لأن كل من يقاتل فإنه يجوز قتله وتصبح الأموال من عقارات ومنقولات غنيمة للمسلمين، وتصير بلاد العدو بالغلبة أو الفتح ملكا للمسلمين... ولا تتحقق هذه الأحكام إلا بمشروعية الجهاد، كما ذكر في الفتاوى الهندية، ففيها: يشترط لإباحة الجهاد شرطان:
أحدهما: امتناع العدو عن قبول ما دعي إليه من الدين الحق، وعدم الأمان والعهد بيننا وبينهم.
والثاني: أن يرجو الإمام الشوكة والقوة لأهل الإسلام، باجتهاده أو باجتهاد من يعتد باجتهاده ورأيه، وإن كان لا يرجو القوة والشوكة للمسلمين في القتال، فإنه لا يحل له القتال، لما فيه من إلقاء النفس في التهلكة. اهـ.
أما معنى الكافر الحربي: فهو الذي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما نصه: أهل الحرب أو الحربيون: هم غير المسلمين الذين لم يدخلوا في عقد الذمة، ولا يتمتعون بأمان المسلمين ولا عهدهم. هـ .
كيف نتعامل مع أهل الكتاب؟
الشريعة الإسلامية السمحة تحض على حسن معاملة الناس عمومًا، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى خصوصًا، خاصة إذا كانوا مسالمين لنا، ولا يبارزون المسلمين العداء والحرب، وبينت الشريعة أن معاملتهم إنما تكون بالعدل، والإحسان إليهم، وعدم الإساءة لهم، فقد قال الله عز وجل: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أبو داود برقم (3052) وحسنه ابن حجر.
الجهاد باليد للكفار : فرض على الكفاية :
قال ابن قدامة رحمه الله : " ( والجهاد فرض على الكفاية ، إذا قام به قوم ، سقط عن الباقين ) :
معنى فرض الكفاية ، الذي إن لم يقم به من يكفي ، أثم الناس كلهم ، وإن قام به من يكفي ، سقط عن سائر الناس . فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع ، كفرض الأعيان ، ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له ، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره والجهاد من فروض الكفايات ، في قول عامة أهل العلم". المغني ( 9 / 163 ) .
حكم الجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو
التجسس جريمة خطيرة، وعقوبته في الإسلام شديدة، حتى لو كان الجاسوس مسلمًا. فالجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو يُعد خائنًا لدينه ، وقد يتسبب في إلحاق أضرار كبيرة بالمسلمين.
وقد وردت العديد من الآيات والأحاديث التي تحرم التجسس وتؤكد على خطورته.
قال الله تعالى: (وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) [الحجرات: 12].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، صُبّ في أذنيه الرصاص يوم القيامة".
التجسس لغة: هو اللمس باليد، وجس الخبر: أي بحث عنه، وتجسس الأمر: أي تفحصه وتطلبه وبحث عنه. والتجسس: هو التفتيش في بواطن الأمور.
والجاسوسية اصطلاحاً: البحث والتنقيب عما يتعلق بالعدو، من معلومات سرية باستخدام الوسائل السرية والفنية، ونقل ذات المعلومات بذات الوسائل، أو بواسطة العملاء والجواسيس، والاستفادة منها في إعداد الخطط.
والجاسوسية قانوناً: العمل سراً وبادعاء وهمي للاستيلاء أو محاولة الاستيلاء على معلومات سرية بقصد إبلاغها إلى جهة معادية.
حكم الإسلام في العملاء والجواسيس، الأستاذ الدكتور صالح حسين الرقب.
والتجسس من حيث دوافعه نوعان:
1- نوع خاص يكون الدافع عليه الفضول وحب الاطلاع على عورات الآخرين، ليتلذذ الجاسوس في مجالسه الخاصة والعامة بالخوض في الحديث عن أعراض الناس وعوراتهم، ويتباهى بأنّه يملك الدليل والبينة على صدق دعواه وقوله.. لذا جاء عقب النهي عن التجسس النهي عن الغيبة؛ لأنّ الغيبة نتيجة حتمية للتجسس، فكل من تجسّس لا بد له من أن يقع في غيبة الآخرين.
2- ونوع عام يكون دافعه نقل المعلومات ورفع التقارير إلى الطواغيت الظالمين، وغيرهم من الكفرة والمشركين.. وهذا من الموالاة.. وهو أشد أنواع التجسس جرماً، وهو من الكفر الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة ولا بد.
والنهي عن التجسس الوارد في الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [ الحجرات:12]
يشمل النوعين السابقين، والعام أولى بالنهي من الخاص.
وللجاسوسية صور وأشكال متعددة منها:
1- جواسيس مهمتهم بيع الأراضي الفلسطينية أو سمسرتها للعدو الصهيوني.
2- منهم من يكلفون بالإسقاط الخلقي والأمني، ونشر المخدرات، وإشاعة الفواحش في المجتمع.
3- منهم من يساعدون العدو ويشتركون معه في قتل وتصفية واغتيال المناضلين والمجاهدين من أبناء الشعب الفلسطيني بالدلالة عليهم، ولو كان الأمر بسيطا جدا كأن يخبر أين المناضل أو أين بيته، أو أي مساعدة كانت، ويدخل في هذا النوع من الجاسوسية ما يسمى بالتعاون الأمني القائم-ومنه إحباط أعمال المجاهدين الفلسطينيين- بين دولة العدو الصهيوني وبين الأطراف العربية بفعل الاتفاقيات الظالمة وغير المعتبرة شرعاً، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله".
وما كان العدو لينجح في قتل واغتيال واعتقال المئات من المناضلين لولا هذا التعاون الأمني، ومساعدة الجواسيس وتسهيل مهمة الأعداء.
4- ومنهم الأجراء: وهم الذين باعوا أنفسهم لأعداء دينهم وأمتهم وأوطانهم مقابل ثمن بخس دراهم معدودة، أو مناصب موعودة، أو شهوات مبذولة ومتع مرذولة، وهؤلاء الأجراء يستخدمهم الاستعمار لتحقيق مصالحه وأهدافه، وهؤلاء يرتدون ثياب الوطنية أثناء حملتهم المسعورة ضد الإسلام عقيدة ونظاماً وثقافة، وأثناء استيرادهم للمبادئ والأفكار والمذاهب المعادية للإسلام ومن هؤلاء الأجراء: زمرة السياسيين الذين ينفذون سياسة الأعداء في الحكم والسياسة، وزمرة الماليين الذي ينفذون سياسة الأعداء في مجال المال والاقتصاد، وزمرة العسكريين الذين يجرون شعوبهم لعار الهزيمة والذل في ميادين القتال، وزمرة الصحفيين والمثقفين والأدباء الذين ينشرون فكر الأعداء وثقافتهم ورذائلهم الاجتماعية.
- حكم الإسلام في العملاء والجواسيس، الأستاذ الدكتور صالح حسين الرقب.
وقد اختلف العلماء في حكم الجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو.
التجسس حرام شرعاً، وهو من أقبح أنواع الخيانة، لما فيه من إتلاف الأمة الإسلامية والإضرار بها. والجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو، فهو مرتكب لجريمة كبيرة، وعاقبته في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) [النساء: 107].
وفي سنن البيهقي من حديث عبد الرحمن بن عوف: أنه حرس مع عمر ليلة بالمدينة، فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه حتى إذا دنوا منه إذ باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر رضي الله عنه، وأخذ بيد عبد الرحمن فقال: أتدري بيت من هذا؟ قلت: لا، قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن بشرب، فما ترى؟ قال عبد الرحمن: أرى قد أتينا ما نهى الله عنه". ولا تجسسوا" فقد تجسسنا، فانصرف عنهم عمر رضي الله عنه وتركهم. وفي المصنف لابن أبي شيبة عن زيد بن وهب قال: أتى ابن مسعود فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمراً، فقال عبد الله: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا منه شيء نأخذه به.
وإذا كان الشرع قد نهى عن التجسس على أهل المعاصي ما لم يظهروا ذلك ويصروا عليه.. فالتجسس على أهل الإيمان والصلاح من المسلمين ومتابعة تحركاتهم وسكناتهم، والسعي في الوقيعة بهم أكثر إثماً وأشد قبحاً. ولذا فلا يجوز العمل في التجسس إلا إذا كان على الكفار ودولهم، ومعرفة مكائدهم وكيدهم للإسلام وأهله فيجوز ذلك، بل قد يكون من القربات والطاعات، لكن العمل بذلك لا يبيح الانتحار بحال، بل فعل ذلك من أعظم الجرائم وأكبر الذنوب.
وعن مالك بن قيس المازني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مَن ضارَّ أضرَّ اللهُ بهِ ومَن شاقَّ شاقَّ اللهُ علَيهِ ) أخرجه أبو داود (3635)، وابن ماجه (2342)، وأحمد (15755) واللفظ لهم، والترمذي (1940) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود برقم: 3635.
في هذا الحديثِ يقول النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( مَن ضارَّ ) أي: أضرَّ غَيرَه بقصدٍ وتَسبُّبٍ لَه بما يَسوءُه دونَ وَجهِ حقٍّ، ( أضرَّ اللهُ بهِ )، أي: جعَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ جزاءَه مِن جِنسِ عملِه فيضرُّ بهِ بمثلِ ما أضرَّ بِغَيرِه، ( ومن شاقَّ )، أي: مَن قصدَ إلحاقَ المشقَّةِ بغَيرِه وجعَلَ عليهِ مِن التَّعبِ والجهدِ دُونَ وَجهِ حقٍّ ( شاقَّ اللهُ علَيهِ )، أي: جعَلَ اللهُ علَيهِ من المشقَّةِ والتعَبِ بمِثلِ ما فعلَ بِغَيرِه، ويَحتَمِلُ أن يكونَ وَعِيدُ اللهِ في الدُّنيا والآخرةِ؛ لأنَّه الوعيدَ لم يُقيَّد في الحديثِ.
حكم أموال الجاسوس
أموال الجاسوس الذي يعمل لصالح المحتل ومنه المال الذي يستخدمه للتجسس على المجاهدين: أموال الجاسوس وغيره ممن يتعاون مع العدو ضد المجاهدين مستباحة لا حرمة لها، تؤخذ وتصرف في مصارف الجهاد، ومن يستولي عليها يسلمها إلى بيت مال المجاهدين، يتصرف بها أمير الجهاد لصالح الجهاد والمجاهدين.
حكم الإسلام في العملاء والجواسيس، الأستاذ الدكتور صالح حسين الرقب الفلسطيني.
أقوال الفقهاء في حكم الجاسوس:
تحدث الفقهاء عن عقوبة الجاسوس، فقالت المالكية والحنابلة وغيرهم يقتل الجاسوس المسلم إذا تجسس للعدو على المسلمين.
وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى عدم قتله، إنما يعاقب تعزيراً، إلا أن تظاهر على الإسلام فيقتل، أو ترتب على جاسوسيته قتل ومثله الذمي.
وإن كان كافراً يقتل في حال الحرب، وكذلك في حال السلم إن كان هناك عهد لأنّه نقض للعهد.
وقد ورد في السنة ما يدل على قتل الجاسوس مطلقاً.
عن سلمة بن الأكوع قال: " أُتي النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه، ثم انسل، فقال صلى الله عليه وسلم:" اطلبوه فاقتلوه" قال: فسبقتهم إليه فقتلته، وأخذت سلبه، فنفلني إياه". (رواه البخاري3/1110، وأبو داود 3/48).
وقوله:" أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عين" في رواية لمسلم أن ذلك كان في غزوة هوازن، وسمّي الجاسوس عيناً لأنّ عمله بعينه أو لشدة اهتمامه بالرؤية واستغراقه فيها كأن جميع بدنه صار عينا.
وفي الحديث دليل على أنه يجوز قتل الجاسوس. قال النووي فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق.
وأما المعاهد والذمي
فقال مالك والأوزاعي: ينتقض عهده بذلك، وعند الشافعية خلاف ذلك.
أما لو شرط عليه ذلك في عهده فينتقض اتفاقا. وحديث فرات المذكور في الباب يدل على جواز قتل الجاسوس الذمي.
وذهبت الهادوية إلى أنه يقتل جاسوس الكفار والبغاة إذا كان قد قتل أو حصل القتل بسببه وكانت الحرب قائمة، وإذا اختل شيء من ذلك حبس فقط.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المرأة التي حملت كتاب حاطب إلى كفار قريش عام الفتح، ومن دون أن تُستتاب.
كما في الحديث عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم فتح مكة، أمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر، وامرأتين. من هاتين المرأتين هذه المرأة التي حملت رسالة حاطب إلى كفار قريش، واسمها سارة.
وقد أفتى كثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين بأنّ الجاسوس مرتد عن الإسلام كافر يجب قتله، إن ترتب على جاسوسيته قتل المجاهدين، أو مساعدة العدو في الاحتلال، أي يختلف حكم الجاسوس بحكم حالة جاسوسيته، فقد روي عن الإمام مالك بن أنس قوله: "الجاسوس المسلم الحكم الشرعي فيه القتل مطلقا لإضراره بالمسلمين، وسعيه بالفساد في الأرض، وهو حد الحرابة ".
(تفسير القرطبي 18/50- 53).
ووافقه بعض أصحاب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه".
وذلك في كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم الجوزي.
وابن الماجشون من المالكية فقال: "إذا كانت تلك عادته قُتل لأنه جاسوس".
يقول ابن تيمية: "وأما مالك وغيره فحكى عنه أن من الجرائم ما يبلغ به القتل ووافقه بعض أصحاب أحمد في مثل الجاسوس المسلم إذا تجسس للعدو على المسلمين.. فإن أحمد يتوقف في قتله وجوز مالك وبعض الحنابلة كابن عقيل قتله ومنعه أبو حنيفة والشافعي وبعض الحنابلة كالقاضي أبي يعلى".
( السياسة الشرعية، ص115-114، مجموع الفتاوى 35/405،345).
قال سحنون من المالكية: إذا كاتب المسلم أهل الحرب قتل ولم يستتب، ولا دية لورثته كالمحارب.(أي لم تطلب منه التوبة كما تطلب من المرتد). وقال ابن القاسم: يقتل، ولا يعرف لهذا توبة، وهو كالزنديق.
- تبصرة الحكام لابن فرحون 2/ 143 ، أقضية الرسول صلى الله عليه وسلم، لمحمد بن فرَج، ص191.
وقال غيرهما من أصحاب مالك: يجلد جلداً وجيعاً، ويطال حبسه، وينفي من موضع يقرب من الكفار.
وقال ابن القيم : " فيه جواز قتل الجاسوس، وإن كان مسلما، والعفو عن حاطب لأنّ اللّه قد غفر لأهل بدر وهو منهم، فمن لم يكن كذلك جاز قتله، وهو مذهب مالك وأحد الوجهين في مذهب أحمد، وقال الشافعي وأبو حنيفة لا يقتل، وهو ظاهر مذهب أحمد، والفريقان يحتجان بقصة حاطب. والصحيح أنّ قتله راجع إلى رأى الإمام فإنّ رأى في قتله مصلحة للمسلمين قتله، وإن كان بقاؤه أصلح استبقاه. وهو رأى معقول يرجع فيه لتقدير المسئولين ومصلحة الأمة، وقتله إما حداً وإما تعزيراً، وآية المحاربة والإفساد في الأرض فيها متسع للآراء".
(زاد المعاد في هدي خير العباد 2/170).
وقال: "يجوز قتل الجاسوس المسلم إذا اقتضت المصلحة قتله وهذا قول مالك وبعض أصحاب أحمد واختاره ابن عقيل"
(الطرق الحكمية ص 156).
وقال في الجاسوس الذمي: " الجاسوس عين المشركين وأعداء المسلمين وقد شرط على أهل الذمة ألا يؤوه في كنائسهم ومنازلهم، فإن فعلوا انتقض عهدهم، وحلت دماؤهم وأموالهم، وهل يحتاج ثبوت ذلك إلى اشتراط إمام العصر له على أهل الذمة أو يكفي شرط عمر رضي الله عنه على قولين معروفين للفقهاء".
(أحكام أهل الذمة ص1233) حكم الإسلام في العملاء والجواسيس، الأستاذ الدكتور صالح حسين الرقب.
والجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو ارتكب جريمة من أعظم الجرائم وهي الخيانة العظمى.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يُعتبر فاسقًا، وعقوبته القتل أو التعزير.
ويرى الفقهاء المعاصرون أن الجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو يُعتبر مرتكبًا لجريمة الخيانة العظمى، وعقوبته القتل أو التعزير، حسب الظروف والملابسات. وفيما يلي بعض العقوبات التي يمكن أن يُعاقب بها الجاسوس المسلم:
القتل: إذا كان التجسس قد أدى إلى وقوع ضرر كبير بالمسلمين، مثل إزهاق أرواحهم أو إفساد دينهم أو أموالهم.
التعزير: إذا كان التجسس لم يُفض إلى وقوع ضرر كبير بالمسلمين، ولكن كان يُشكل خطرًا على أمنهم واستقرارهم.
ويكون جهاد الكفار باليد واجباً متعيناً في أربع حالات هي :
1- إذا حضر المسلم الجهاد.
2- إذا حضر العدو وحاصر البلد .
3- إذا استنفر الإمام الرعية يجب عليها أن تنفر .
4- إذا احتيج إلى ذلك الشخص ولا يسد أحد مسدَّه إلا هو .
أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي ...المزيد
يا أهل غزة نحن أمة واحدة بقلم أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي الواجب أن يلتزم المؤمنون أمر ...
يا أهل غزة نحن أمة واحدة
بقلم أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي
الواجب أن يلتزم المؤمنون أمر الله فيكونون جميعًا من الأمة الواحدة التي أرادها الله، الأمة المؤمنة الآخذة بالكتاب والسنة، الموفَّقة للسير على نهج الصحابة والقادة الفاتحين، وما كان عليه الأئمة، وأن يتركوا سبل الأمم الأخرى، ولا سيما في هذا الزمن الذي تداعت فيه الأمم على أمة الإسلام، كما تداعى الأَكَلَةُ على قصعتها. قال سبحانه: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92]، قال ابن عباس: دينكم دين واحد، أي هذه شريعتكم التي بينت لكم ووضحت لكم.
فضل الشهادة
قال تعالى ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۞ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۞ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [ آل عمران:170- 169]
- للشهيد في الإسلام منزلة عظيمة؛ وكيف لا وقد تمنى النبي صلى الله عليه وسلم أن يموت شهيدا في سبيل الله، روى الشيخان أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَل».
- روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه).
- روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم (من قُتِلَ في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد)
- أخرج الترمذي في سننه عن المقدام بن معدي كرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (للشَّهيدِ عِندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ : يُغفَرُ لَه في أوَّلِ دَفعةٍ ، ويَرى مقعدَه منَ الجنَّةِ ، ويُجارُ مِن عذابِ القبرِ ، ويأمنُ منَ الفَزعِ الأكبرِ ، ويُوضعُ علَى رأسِه تاجُ الوقارِ الياقوتةُ مِنها خيرٌ منَ الدُّنيا وما فِيها، ويزوَّجُ اثنتَينِ وسبعينَ زَوجةً منَ الحورِ العينِ ، ويُشفَّعُ في سبعينَ مِن أقاربِه). أخرجه الترمذي واللفظ له، وابن ماجه ، وأحمد وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
اليوم زُف إلى الحوراء عاشقها *** وبات في خدرها المأنوس ريانا
وغنت الحور لحن الحب مطربة *** اهنأ بعيشك محبوراً وجذلانا
فعاد يهتز في عطفيه مؤتنقاً *** يميد بين بنات الحسن نشوانا
هذا الذي كان يرجوه وينشده *** فناله وحباه الله رضوانا
مكانة الشهيد
هل المسلم المقتول ظلماً أو غدراً أو هدم عليه بيته يكون شهيداً؟ ولم يكن قد منح الوقت ليأخذ قرار الدفاع عن النفس فهل يعدُّ هذا شهيداً ؟ وما حال من سقطت المتفجرات على بيوتهم مثل الناس في غزة دون توقع منهم ، ولم يعطوا الفرصة للدفاع عن أنفسهم ، فهل هم في عداد الشهداء ؟ .
كل مسلم يقتل ظلماً فله أجر الشهيد في الآخرة ، وأما في الدنيا : فإنه يغسَّل ، ويصلَّى عليه.
ذهب الفقهاء إلى أن للظلم أثراً في الحكم على المقتول بأنه شهيد ، ومِن صوَر القتل ظلماً : مَن قُتل مدافعاً عن نفسه ، أو ماله ، أو دمه ، أو دِينه ، أو أهله ، أو المسلمين ، أو مَن قتل دون مظلمة ، أو مات في السجن وقد حبس ظلماً.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن مَن قُتل ظلماً : يُعتبر شهيد الآخرة فقط ، له حكم شهيد المعركة مع الكفار في الآخرة من الثواب.
ولا يشترط لتحصيل ثواب الشهداء أن يواجه المظلوم أولئك المعتدين ، فإن قتلوه على حين غِرَّة : كان مستحقّاً لثواب الشهداء إن شاء الله .
ومما يدل على ذلك : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وهي يصلي الفجر بالمسلمين ، وعثمان بن عفان رضي الله عنه ، قتله الخارجون عليه ظلماً ، وقد وصفهما النبي صلى الله عليه وسلم بأنهما شهداء .
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى " أُحُدٍ " وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ ، قَالَ : (اثْبُتْ أُحُدُ ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ ، أَوْ صِدِّيقٌ ، أَوْ شَهِيدَانِ) رواه البخاري.
قال الشيخ ابن عثيمين: " قوله فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ ، فالنبي هو عليه الصلاة والسلام ، والصدِّيق : أبو بكر، والشهيدان : عمر ، وعثمان ، وكلاهما رضي الله عنهما قُتل شهيداً ، أما عمر : فقُتل وهو متقدم لصلاة الفجر بالمسلمين ، قُتل في المحراب ، وأما عثمان : فقُتل في بيته ، فرضي الله عنهما ، وألحقنا وصالح المسلمين بهما في دار النعيم المقيم".
" شرح رياض الصالحين " (4 / 129 ، 130) .
المقتول دفاعا عن الوطن المحتل شهيد
عن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد. رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وصححه الشيخ الألباني.
قتلوا مظلومين.
إخواننا في غزة الذين تهدمت عليهم بيوتهم ، فإننا نرجو أن يكونوا شهداء ، وذلك لأمور:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (صَاحِبُ الْهَدْمِ شَّهِيدُ) رواه البخاري ومسلم.
أنهم قتلوا على أيدي الكفار المحاربين لهم .
"ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية ، والحنابلة ، والصحيح من مذهب المالكية ، وقول عند الشافعية: إلى أن مقتول الحربي بغير معركة : شهيد على الإطلاق ، بأي صورة كان ذلك القتل ، سواء كان غافلاً ، أو نائماً ، ناصبه القتال ، أو لم يناصبه . (أحكام الشهيد في الفقه الإسلامي ، عبد الرحمن بن غرمان بن عبد الله).
من صبر على فقد صفيه من أهل الدنيا
وفي الحديث القدسي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن رب العزة يقولُ اللَّهُ تَعالَى: ( ما لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِندِي جَزاءٌ، إذا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِن أهْلِ الدُّنْيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إلَّا الجَنَّةُ).
الصبر الجميل على شدائد الدنيا وعلى فقد الأحباب والأصفياء؛ من أخلاق المسلم الحق، وقد جعل الله جزاء هذا الصبر عظيما. وفي هذا الحديث القدسي يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه ليس للعبد المؤمن عند الله سبحانه جزاء وثواب وأجر، إذا قبض ونزع روح صفيه، وهو الحبيب المصافي؛ كالولد والأخ وكل من أحبه الإنسان، «من أهل الدنيا ثم احتسبه»، أي: صبر على ذلك راجيا الثواب من الله سبحانه؛ «إلا الجنة».
وفي الحديث: عظم أجر المصيبة في كل ما يحبه الإنسان من أهل الدنيا.
فإن من قتل في سبيل الله تعالى من المجاهدين وهو صابر محتسب يرجى له أن يكون من الشهداء، لما في حديث أبي قتادة الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله ( أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر). رواه مسلم.
قال النووي: فِيهِ أَنَّ الْأَعْمَال لَا تَنْفَع إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْإِخْلَاص لِلَّهِ تَعَالَى... وَالْمُحْتَسِب هُوَ الْمُخْلِص لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ قَاتَلَ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ لِغَنِيمَةٍ أَوْ لِصِيتٍ أَوْ نَحْو ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ هَذَا الثَّوَاب وَلَا غَيْره. اهـ.
وقال الشيخ العثيمين في شرح رياض الصالحين: فيه دليلٌ على أن الشهادة إذا قاتل الإنسان في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، فإن ذلك يكفر عنه خطيئاته وسيئاته إلا الدّين، إذا كان عليه دين، فإنه لا يسقط بالشهادة، لأنه حق آدمي، وحق الآدمي لا بد من وفائه. اهـ.
من أنواع الصبر: الصبر على أقدار الله المؤلمة
جعل الله ابتلاء العباد بالمصائب والبلايا كفارات للذنوب ومحوا للسيئات؛ وذلك أن الله إذا أحب عبدا ابتلاه ليغفر له ذنوبه، حتى إذا لقيه لم يكن عليه خطيئة.
فضل من مات صفيه واحتسب
فضل من احتسب أولادًا ولم يسخط على القدر
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يموت لمسلم ثلاثةٌ من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم).
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يتوفى له ثلاث لم يبلغوا الحلم إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم).
روى الإمام أحمد بسند حسن عن عُقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أثكل ثلاثة من صُلبه فاحتسبهم على الله عز وجل، في سبيل الله وجبت له الجنة).
روى ابن ماجة وحسنه الألباني عن عُتبة بن عبد السُّلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل.
عن أبي موسى الأشعري ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد) .
عن أبي أمامة ( عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله سبحانه وتعالى: ابن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثوابا دون الجنة). أخرجه ابن ماجه (1597) واللفظ له، وأحمد (22228).
عن شرحبيل ابن شفعة عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يقال للولدان يوم القيامة: ادخلوا الجنة) قال: (فيقولون: يا رب حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا) قال: (فيأتون) قال: فيقول الله عز وجل: (ما لي أراهم - مغضبين- ادخلوا الجنة) قال: (فيقولون: يا رب آباؤنا وأمهاتنا) قال: (فيقول: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم).
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أيما امرأة مات لها ثلاثةٌ من الولد لم يبلغوا الحلم كانوا حجابًا من النار قالت امرأة: واثنان قال: واثنان).
الصبر على البلاء
قال تعالى ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۞ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۞ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [ البقرة: 155-157]
أشد الناس بلاء
- عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أشد بلاءً؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمْثَلُ فالأمثل، يُبتلَى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زِيدَ صلابةً، وإن كان في دينه رقَّةٌ خُفِّف عنه، ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض ما له خطيئة).
- عن سعد بن أبي وقاص يا رسولَ اللهِ ! أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً ؟ قال : الأنبياءُ ، ثم الصالحون ، ثم الأمثلُ فالأمثلُ ، يُبتلى الرجلُ على حسبِ دِينِه ، فإن كان في دِينِه صلابةٌ ، زِيدَ في بلائِه ، وإن كان في دِينِه رِقَّةٌ ، خُفِّفَ عنه ولا يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ حتى يمشي على الأرضِ وليس عليه خطيئةٌ ). أخرجه الدارمي (2783)، كتاب الرقاق، وأحمد (1494)، والترمذي (3289) دون السؤال، وقال عقبه: هذا حديث حسن صحيح،
- وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)؛ حسن صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (1/142).
قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار
روى الشيخان عن سهل بن حنيف قال كُنَّا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ، ولو نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا علَى الحَقِّ وهُمْ علَى البَاطِلِ؟ فَقالَ: بَلَى. فَقالَ: أَليسَ قَتْلَانَا في الجَنَّةِ وقَتْلَاهُمْ في النَّارِ؟ قالَ: بَلَى، قالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا، أَنَرْجِعُ ولَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بيْنَنَا وبيْنَهُمْ؟ فَقالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ، إنِّي رَسولُ اللَّهِ، ولَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الفَتْحِ فَقَرَأَهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى عُمَرَ إلى آخِرِهَا، فَقالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَوَفَتْحٌ هُوَ؟ قالَ: نَعَمْ). رواه البخاري.
المستوطنون لا ينطبق عليهم تصنيف المدنيين
أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى أن جميع المستوطنين في فلسطين لا ينطبق عليهم تصنيف المدنيين، وجمعيهم جنود سابقون أو لاحقون، حيث يخدمون في الجيش لمدة لا تقل عن 3 سنوات بعد سن الـ 18.
وقال الأزهر عبر صفحته على "فيسبوك" إن " تصنيف المدنيين لا ينطبق على المستوطنين الصهاينة للأرض المحتلة، بل هم محتلون للأرض، مغتصبون للحقوق، منحرفون عن الصراط المستقيم الذي يتجسد به الأنبياء، معتدون على مدينة القدس التاريخية بما فيها من التراث الإسلامي والمسيحي".
وأوضح أن " عمليات المقاومة الحالية حلقة جديدة من سلسلة نضال شعب فلسطين إرهاب الكيان الصهيوني المحتل الغاصب، وجزء صغير من رد عدوانه التاريخي البشع على المقدسات والأرض والشعب الفلسطيني، بلغة القوة التي لا يفهم الصهاينة غيرها ".
فالمستوطنون في الأراضي المحتلة مغتصبون للأرض فهم حربيون وليسوا مدنيين.
الأزهر يطالب الشعب الفلسطيني بالتشبث بأرضه
دعا الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب الدول العربية والإسلامية إلى أن تستشعرَ واجبها ومسئولياتها الدينية والتاريخية، وتسارع إلى تقديم المساعدات الإنسانيَّة والإغاثية على وجه السرعةِ، وضمان عبورها إلى الشعبِ الفلسطينيِّ في قطاع غزة، ويبيِّنُ الأزهر أن دعم الفلسطينيين المدنيين الأبرياء من خلال القنوات الرسميَّة هو واجبٌ دينيٌّ وشرعيٌّ، والتزامٌ أخلاقيٌّ وإنسانيٌّ، وأن التاريخ لن يرحم المتقاعسين المتخاذلين عن هذا الواجب.
وأن استهداف المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ العزل وقصف المستشفيات والأسواق وسيارات الإسعاف والمساجد والمدارس التي يأوي إليها المدنيونَ، والحصارَ الخانق لقطاع غزة بهذا الشكل اللاإنساني، واستخدامَ الأسلحة الثقيلة والمحرمة دوليًّا وأخلاقيًّا، وقطعَ الكهرباء والمياه، ومنعَ وصول إمداداتِ الطعام والغذاء والمساعدات الإنسانية والإغاثية عن قطاع غزة، وبخاصة المستشفيات والمراكز الصحية.. كلُّ ذلك هو إبادةٌ جماعيةٌ، وجرائمُ حربٍ مكتملةُ الأركان، ووصمةُ عار يسطِّرُها التاريخ بعبارات الخزي والعار على جبين الصهاينة وداعميهم ومَن يقف خلفَهم.
حكم قتل المدنيين العزل من السلاح من أهل غزة هم أصحاب الأرض وقضيتهم عادلة
قتل المدنيين العزل من السلاح أصحاب الأرض هو جريمة حرب، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي الإنساني. تنص المادة 51 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه "لا يجوز إطلاق النار على السكان المدنيين أو توجيه الضربات إليهم، سواء كانوا أفراداً أو جماعات، أو على الممتلكات المدنية، سواء كانت منازل، أو مصانع، أو مزارع، أو مزارع، أو أي مبنى آخر.
قتل المدنيين العزل من السلاح أصحاب الأرض هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. وهو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان والقانون الدولي. لا يوجد أي تبرير لقتل المدنيين العزل، بغض النظر عن السياق.
وفقًا لقانون الحرب، يُحظر قتل المدنيين العزل بشكل مطلق. ويشمل ذلك قتل المدنيين أثناء القتال أو أثناء الاحتلال أو أثناء أي نزاع آخر.
وفقًا لقانون حقوق الإنسان، يحق لجميع الأشخاص الحق في الحياة. ولا يجوز لأي دولة أن تنسحب من هذا الحق. يُعد قتل المدنيين العزل انتهاكًا صارخًا لهذا الحق.
يُعتبر قتل المدنيين العزل جريمة ضد الإنسانية.
وتُعرَّف جرائم ضد الإنسانية بأنها أعمال عنف فادحة ترتكب ضد السكان المدنيين على نطاق واسع أو منهجي. ويشمل ذلك القتل العمد والاضطهاد على أساس العرق، أو الدين، أو الجنس، أو الجنسية، أو الانتماء السياسي ،أو أي معايير أخرى محمية بموجب القانون الدولي. لا توجد أي ظروف تبرر قتل المدنيين العزل. وهو جريمة خطيرة يجب أن يُعاقب عليها.
بعض الأمثلة على قتل المدنيين العزل أصحاب الأرض:
مذبحة دير ياسين في عام 1948، حيث قتلت القوات الاحتلال الإسرائيلية أكثر من 350 مدني فلسطيني عزل.
كان معظم ضحايا المجزرة من المدنيين ومنهم أطفال ونساء وعجزة.
مذبحة صبرا وشاتيلا في عام 1982، حيث قتلت القوات اللبنانية المسيحية المدعومة من إسرائيل أكثر من 3000 مدني فلسطيني عزل.
القصف الإسرائيلي على غزة في عام 2014، حيث قتل أكثر من 2200 فلسطيني، بينهم أكثر من 500 طفل.
هذه مجرد أمثلة قليلة من العديد من الحالات التي تم فيها قتل المدنيين العزل أصحاب الأرض. هذه الجرائم هي مأساة إنسانية يجب أن نتذكرها ونسعى إلى منعها من الحدوث مرة أخرى.
وصية النبي بالنساء والأطفال في الحروب
النبي المصطفى في الحروب كان يوصيهم بعدم قتل النساء والأطفال والجرحى والرهبان والعباد والصناع والزراع فلا يقتل إلا المقاتل فقط.
أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عندما أرسله في شعبان سنة 6 هـ إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل؛ فقال له: "اغزوا جميعًا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِرُوا، ولا تُمَثِّلُوا، ولا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، فهذا عَهْدُ اللهِ وسيرة نبيّه فيكم".
وعَنِ ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ: "اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا تَغْدِرُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ".
قَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة: 190]
وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُدَ: «لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلَا عَسِيفًا»، وَالْعَسِيفُ: هُوَ الأَجِيرُ.
نَهْيُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ عَنِ التَّمْثِيلِ بِالْجُثَثِ: وَلَا يَجُوزُ التَّمْثِيلُ بِجُثَثِ القَتْلَى.
فَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً يَقُولُ لَهُمْ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ، فِي سَبِيلِ اللهِ، تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، لَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا».
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا».
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ،
- وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي «صَحِيحِهِ»: «اغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا».
حكم التحريق والمثلةِ بالكفارِ المعتدين
جاءت نصوصٌ تتعلقُ بالمُثلةِ والتمثيلِ بالجثثِ، ومن خلالِ هذه النصوصِ اختلف أهلُ العلمِ في حكمِ المُثلةِ على ثلاثةِ أقوالٍ:
القولُ الأولُ: أن المُثلةَ حرامٌ بعد القدرةِ عليهم سواءٌ بالحي أو الميتِ، أما قبل القدرةِ فلا بأس به، بل ذهب بعضهم إلى أنهُ لا خلاف في تحريمهِ كالزمخشري في تفسيره (2/503) فقال: " لا خلاف في تحريمِ المُثلةِ "، وحكى الصنعاني الإجماعَ في " سبل السلامِ " (4/200) فقال: " ثُمَّ يُخبِرُهُ بِتَحرِيمِ الغُلُولِ مِن الغَنِيمَةِ وَتَحرِيمِ الغَدرِ وَتَحرِيمِ المُثلَةِ وَتَحرِيمِ قَتلِ صِبيَانِ المُشرِكِينَ وَهَذِهِ مُحَرَّمَاتٌ بِالإِجمَاعِ ". ا. هـ.
ولا يُسلمُ للإمامِ الصنعاني بالإجماعِ لأن المسألةَ خلافيةٌ كما سيأتي.
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1 - عَن سُلَيمَانَ بنِ بُرَيدَةَ عَن أَبِيهِ عَن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيشٍ، أَو سَرِيَّةٍ، أَوصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقوَى اللَّهِ، وَبِمَن مَعَهُ مِن المُسلِمِينَ خَيرًا. ثُمَّ قَالَ: اُغزُوا عَلَى اسمِ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَن كَفَرَ بِاَللَّهِ، اُغزُوا، وَلَا تَغُلٌّوا وَلَا تَغدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقتُلُوا وَلِيدًا... الحديث "رواه مسلم (1731)
قال الإمام الترمذي: وَكَرِهَ أَهلُ العِلمِ المُثلَةَ.
وعلق المباركفوري على عبارةِ الترمذي فقال: " أَي حَرَّمُوهَا فَالمُرَادُ بِالكَرَاهَةِ التَّحرِيمُ وَقَد عَرَفت فِي المُقَدِّمَةِ أَنَّ السَّلَفَ رحمهم الله يُطلِقُونَ الكَرَاهَةَ وَيُرِيدُونَ بِهَا الحُرمَةَ ". ا. هـ.
قال الإمامُ الشوكاني في " نيل الأوطار " (8/263): قَولُهُ: " وَلَا تُمَثِّلُوا " فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحرِيمِ المُثلَةِ. ا. هـ.
2 - عَن عَبدَ اللَّهِ بنَ يَزِيدَ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَن النٌّهبَةِ، وَالمُثلَةِ. رواهُ البخاري (2474).
النٌّهبَى: أَي أَخذ مَال المُسلِم قَهرًا جَهرًا.
القولُ الثاني: أن المُثلةَ مكروهةٌ.
واستدل أصحابُ بما استدل به أصحابُ القولِ الأولِ
ولكنهم حملوا حديثَ بُرَيدَةَ عَن عَائِشَةَ الآنف على الكراهةِ وليس على التحريمِ.
قال النووي في " شرح مسلم " (7/177): " قال بعضُهم: النهي عن المثلةِ نهي تنزيهٍ، وليس بحرامٍ ".
وقال ابنُ قدامةَ في " المغني " (10/565): " يُكرَهُ نَقل رُءُوسِ المُشرِكِينَ مِن بَلَدٍ، إلَى بَلَدٍ، وَالمُثلَةُ بِقَتلَاهُم وَتَعذِيبُهُم ".
القولُ الثالثُ: يمثلُ بالكفارِ إذا مثلوا بالمسلمين معاملةً بالمثلِ.
واستدلوا
بقوله تعالى: " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ " [النحل: 126].
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في " الفتاوى " (28/314): " فَأَمَّا التَّمثِيلُ فِي القَتلِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجهِ القِصَاصِ وَقَد قَالَ عِمرَانُ بنُ حُصَينٍ، رضي الله عنهما: " مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُطبَةً إلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَن المُثلَةِ حَتَّى الكُفَّارُ إذَا قَتَلنَاهُم فَإِنَّا لَا نُمَثِّلُ بِهِم بَعدَ القَتلِ وَلَا نَجدَعُ آذَانَهُم وَأُنُوفَهُم وَلَا نَبقُرُ بُطُونَهُم إلَّا إن يَكُونُوا فَعَلُوا ذَلِكَ بِنَا فَنَفعَلُ بِهِم مِثلَ مَا فَعَلُوا ". وَالتَّركُ أَفضَلُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى: " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصبِر وَمَا صَبرُكَ إلَّا بِاللَّهِ ".
وقال ابنُ مفلح في " الفروعِ " (6/218): " وَيُكرَهُ نَقلُ رَأسٍ، وَرَميُهُ بِمَنجَنِيقٍ، بِلَا مَصلَحَةٍ، وَنَقَلَ ابنُ هَانِئٍ، فِي رَميِهِ: لَا يَفعَلُ وَلَا يُحَرِّقُهُ. قَالَ أَحمَدُ: وَلَا يَنبَغِي أَن يُعَذِّبُوهُ، وَعَنهُ إن مَثَّلُوا مُثِّلَ بِهِم، ذَكَرَهُ أَبُو بَكرٍ، قَالَ شَيخُنَا " يعني ابنَ تيميةَ ": المُثلَةُ حَقُّ لَهُم، فَلَهُم فِعلُهَا لِلِاستِيفَاءِ وَأَخذِ الثَّأرِ، وَلَهُم تَركُهَا وَالصَّبرُ أَفضَلُ، وَهَذَا حَيثُ لَا يَكُونُ فِي التَّمثِيلِ بِهِم زِيَادَةٌ فِي الجِهَادِ، وَلَا يَكُونُ نَكَالًا لَهُم عَن نَظِيرِهَا، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي التَّمثِيلِ الشَّائِعِ دُعَاءٌ لَهُم إلَى الإِيمَانِ، أَو زَجرٌ لَهُم عَن العُدوَانِ، فَإِنَّهُ هُنَا مِن إقَامَةِ الحُدُودِ، وَالجِهَادِ المَشرُوعِ، وَلَم تَكُن القِصَّةُ فِي أُحُدٍ، كَذَلِكَ، فَلِهَذَا كَانَ الصَّبرُ أَفضَلَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ المُغَلَّبُ حَقَّ اللَّهِ - تعالى - فَالصَّبرُ هُنَاكَ وَاجِبٌ، كَمَا يَجِبُ حَيثُ لَا يُمكِنُ الِانتِصَارُ، وَيَحرُمُ الجَزَعُ، هَذَا كَلَامُهُ وَكَذَا قَالَ الخَطَّابِيٌّ: إن مَثَّلَ الكَافِرُ بِالمَقتُولِ جَازَ أَن يُمَثَّلَ بِهِ. وَقَالَ ابنُ حَزمٍ، فِي الإِجمَاعِ قَبلَ السَّبقِ وَالرَّميِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ خِصَاءَ النَّاسِ مِن أَهلِ الحَربِ وَالعَبِيدِ وَغَيرِهِم فِي غَيرِ القِصَاصِ وَالتَّمثِيلَ بِهِم حَرَامٌ ".
وقال الإمامُ ابنُ القيمِ في حاشيته على سنن أبي داود (12/278): وَقَد أَبَاحَ اللَّه تعالى لِلمُسلِمِينَ أَن يُمَثِّلُوا بِالكَفَّارِ إِذَا مَثَّلُوا بِهِم، وَإِن كَانَت المُثلَة مَنهِيًّا عَنهَا. فَقَالَ - تعالى -: " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ " [النحل: 126] وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ العُقُوبَة بِجَدعِ الأَنف وَقَطع الأُذُن، وَبَقر البَطن وَنَحو ذَلِكَ هِيَ عُقُوبَة بِالمِثلِ لَيسَت بِعُدوَانٍ، وَالمِثل هُوَ العَدل ". ا. هـ.
قال الشيخ أبو عمر محمد السيف حفظه الله في (هداية الحيارى في قتل الأسارى): "وقد وصلنا عندما كنا في أفغانستان فتوى لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله مفادها، عندما سئل عن التمثيل بجثث العدو، فقال إذا كانوا يمثلون بقتلاكم فمثلوا بقتلاهم لا سيما إذا كان ذلك يوقع الرعب في قلوبهم ويردعهم والله تعالى يقول: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ". اهـ
وقد جاء في سببِ نزولِ قولهِ تعالى : " عَن أُبَيٌّ بنُ كَعبٍ، قَالَ: " لَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ، أُصِيبَ مِن الأَنصَارِ أَربَعَةٌ وَسِتٌّونَ رَجُلًا، وَمِن المُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ فِيهِم : حَمزَةُ فَمَثَّلُوا بِهِم فَقَالَت الأَنصَارُ: " لَئِن أَصَبنَا مِنهُم يَومًا مِثلَ هَذَا لَنُربِيَنَّ عَلَيهِم، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَومُ فَتحِ مَكَّةَ فَأَنزَلَ اللَّهُ تعالى : " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ " فَقَالَ رَجُلٌ: " لَا قُرَيشَ بَعدَ اليَومِ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " كُفٌّوا عَن القَومِ إِلَّا أَربَعَةً ".
رواه الترمذي (3129) وقال: " حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِن حَدِيثِ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ، "، وأحمد (5/135) من زوائدِ عبد الله.
الترجيح:
وبعد عرضِ الأقوالِ في المسألةِ، الذي تميلُ إليهِ النفس واللهُ أعلم ما قررهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ، وتلميذهُ ابنُ القيم، والشيخُ ابنُ عثيمين رحمهم الله.
- ينظر : القول المبين في حكم التحريق والمثلةِ بالكفارِ المعتدين ، عبدالله بن محمد زقيل (8-11-2007 ).
ببيتِ المقدسِ وأَكْنافِ بيتِ المقدسِ
وفي مسند الامام أحمد قال عبد الله بن الإمام أحمد: وجدت بخط أبي، ثم روى بسنده إلى أبي أمامة قال: قال صلى الله عليه وسلم: لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي على الدِّينِ ظاهرينَ ، لعدوِّهم قاهرينَ ، لا يضرُّهم مَن خالفَهُم ؛ إلَّا ما أصابَهُم مِن لأواءَ حتَّى يأتيَهُم أمرُ اللَّهِ وَهُم كذلِكَ . قالوا : يا رسولَ اللَّهِ ، وأينَ هُم ؟ قالَ : ببيتِ المقدسِ وأَكْنافِ بيتِ المقدسِ) أخرجه الطبراني. وقال الهيثمي في المجمع ورجاله ثقات.
وأصل الحديث في الصحيحين من حديث الْمُغِيرَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ". رواه البخاري ، ومسلم.
وأخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة، رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ".
بقلم
أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي ...المزيد
بقلم أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي
الواجب أن يلتزم المؤمنون أمر الله فيكونون جميعًا من الأمة الواحدة التي أرادها الله، الأمة المؤمنة الآخذة بالكتاب والسنة، الموفَّقة للسير على نهج الصحابة والقادة الفاتحين، وما كان عليه الأئمة، وأن يتركوا سبل الأمم الأخرى، ولا سيما في هذا الزمن الذي تداعت فيه الأمم على أمة الإسلام، كما تداعى الأَكَلَةُ على قصعتها. قال سبحانه: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92]، قال ابن عباس: دينكم دين واحد، أي هذه شريعتكم التي بينت لكم ووضحت لكم.
فضل الشهادة
قال تعالى ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۞ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۞ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [ آل عمران:170- 169]
- للشهيد في الإسلام منزلة عظيمة؛ وكيف لا وقد تمنى النبي صلى الله عليه وسلم أن يموت شهيدا في سبيل الله، روى الشيخان أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَل».
- روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه).
- روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم (من قُتِلَ في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد)
- أخرج الترمذي في سننه عن المقدام بن معدي كرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (للشَّهيدِ عِندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ : يُغفَرُ لَه في أوَّلِ دَفعةٍ ، ويَرى مقعدَه منَ الجنَّةِ ، ويُجارُ مِن عذابِ القبرِ ، ويأمنُ منَ الفَزعِ الأكبرِ ، ويُوضعُ علَى رأسِه تاجُ الوقارِ الياقوتةُ مِنها خيرٌ منَ الدُّنيا وما فِيها، ويزوَّجُ اثنتَينِ وسبعينَ زَوجةً منَ الحورِ العينِ ، ويُشفَّعُ في سبعينَ مِن أقاربِه). أخرجه الترمذي واللفظ له، وابن ماجه ، وأحمد وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
اليوم زُف إلى الحوراء عاشقها *** وبات في خدرها المأنوس ريانا
وغنت الحور لحن الحب مطربة *** اهنأ بعيشك محبوراً وجذلانا
فعاد يهتز في عطفيه مؤتنقاً *** يميد بين بنات الحسن نشوانا
هذا الذي كان يرجوه وينشده *** فناله وحباه الله رضوانا
مكانة الشهيد
هل المسلم المقتول ظلماً أو غدراً أو هدم عليه بيته يكون شهيداً؟ ولم يكن قد منح الوقت ليأخذ قرار الدفاع عن النفس فهل يعدُّ هذا شهيداً ؟ وما حال من سقطت المتفجرات على بيوتهم مثل الناس في غزة دون توقع منهم ، ولم يعطوا الفرصة للدفاع عن أنفسهم ، فهل هم في عداد الشهداء ؟ .
كل مسلم يقتل ظلماً فله أجر الشهيد في الآخرة ، وأما في الدنيا : فإنه يغسَّل ، ويصلَّى عليه.
ذهب الفقهاء إلى أن للظلم أثراً في الحكم على المقتول بأنه شهيد ، ومِن صوَر القتل ظلماً : مَن قُتل مدافعاً عن نفسه ، أو ماله ، أو دمه ، أو دِينه ، أو أهله ، أو المسلمين ، أو مَن قتل دون مظلمة ، أو مات في السجن وقد حبس ظلماً.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن مَن قُتل ظلماً : يُعتبر شهيد الآخرة فقط ، له حكم شهيد المعركة مع الكفار في الآخرة من الثواب.
ولا يشترط لتحصيل ثواب الشهداء أن يواجه المظلوم أولئك المعتدين ، فإن قتلوه على حين غِرَّة : كان مستحقّاً لثواب الشهداء إن شاء الله .
ومما يدل على ذلك : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وهي يصلي الفجر بالمسلمين ، وعثمان بن عفان رضي الله عنه ، قتله الخارجون عليه ظلماً ، وقد وصفهما النبي صلى الله عليه وسلم بأنهما شهداء .
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى " أُحُدٍ " وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ ، قَالَ : (اثْبُتْ أُحُدُ ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ ، أَوْ صِدِّيقٌ ، أَوْ شَهِيدَانِ) رواه البخاري.
قال الشيخ ابن عثيمين: " قوله فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ ، فالنبي هو عليه الصلاة والسلام ، والصدِّيق : أبو بكر، والشهيدان : عمر ، وعثمان ، وكلاهما رضي الله عنهما قُتل شهيداً ، أما عمر : فقُتل وهو متقدم لصلاة الفجر بالمسلمين ، قُتل في المحراب ، وأما عثمان : فقُتل في بيته ، فرضي الله عنهما ، وألحقنا وصالح المسلمين بهما في دار النعيم المقيم".
" شرح رياض الصالحين " (4 / 129 ، 130) .
المقتول دفاعا عن الوطن المحتل شهيد
عن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد. رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وصححه الشيخ الألباني.
قتلوا مظلومين.
إخواننا في غزة الذين تهدمت عليهم بيوتهم ، فإننا نرجو أن يكونوا شهداء ، وذلك لأمور:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (صَاحِبُ الْهَدْمِ شَّهِيدُ) رواه البخاري ومسلم.
أنهم قتلوا على أيدي الكفار المحاربين لهم .
"ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية ، والحنابلة ، والصحيح من مذهب المالكية ، وقول عند الشافعية: إلى أن مقتول الحربي بغير معركة : شهيد على الإطلاق ، بأي صورة كان ذلك القتل ، سواء كان غافلاً ، أو نائماً ، ناصبه القتال ، أو لم يناصبه . (أحكام الشهيد في الفقه الإسلامي ، عبد الرحمن بن غرمان بن عبد الله).
من صبر على فقد صفيه من أهل الدنيا
وفي الحديث القدسي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن رب العزة يقولُ اللَّهُ تَعالَى: ( ما لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِندِي جَزاءٌ، إذا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِن أهْلِ الدُّنْيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إلَّا الجَنَّةُ).
الصبر الجميل على شدائد الدنيا وعلى فقد الأحباب والأصفياء؛ من أخلاق المسلم الحق، وقد جعل الله جزاء هذا الصبر عظيما. وفي هذا الحديث القدسي يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه ليس للعبد المؤمن عند الله سبحانه جزاء وثواب وأجر، إذا قبض ونزع روح صفيه، وهو الحبيب المصافي؛ كالولد والأخ وكل من أحبه الإنسان، «من أهل الدنيا ثم احتسبه»، أي: صبر على ذلك راجيا الثواب من الله سبحانه؛ «إلا الجنة».
وفي الحديث: عظم أجر المصيبة في كل ما يحبه الإنسان من أهل الدنيا.
فإن من قتل في سبيل الله تعالى من المجاهدين وهو صابر محتسب يرجى له أن يكون من الشهداء، لما في حديث أبي قتادة الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله ( أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر). رواه مسلم.
قال النووي: فِيهِ أَنَّ الْأَعْمَال لَا تَنْفَع إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْإِخْلَاص لِلَّهِ تَعَالَى... وَالْمُحْتَسِب هُوَ الْمُخْلِص لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ قَاتَلَ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ لِغَنِيمَةٍ أَوْ لِصِيتٍ أَوْ نَحْو ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ هَذَا الثَّوَاب وَلَا غَيْره. اهـ.
وقال الشيخ العثيمين في شرح رياض الصالحين: فيه دليلٌ على أن الشهادة إذا قاتل الإنسان في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، فإن ذلك يكفر عنه خطيئاته وسيئاته إلا الدّين، إذا كان عليه دين، فإنه لا يسقط بالشهادة، لأنه حق آدمي، وحق الآدمي لا بد من وفائه. اهـ.
من أنواع الصبر: الصبر على أقدار الله المؤلمة
جعل الله ابتلاء العباد بالمصائب والبلايا كفارات للذنوب ومحوا للسيئات؛ وذلك أن الله إذا أحب عبدا ابتلاه ليغفر له ذنوبه، حتى إذا لقيه لم يكن عليه خطيئة.
فضل من مات صفيه واحتسب
فضل من احتسب أولادًا ولم يسخط على القدر
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يموت لمسلم ثلاثةٌ من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم).
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يتوفى له ثلاث لم يبلغوا الحلم إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم).
روى الإمام أحمد بسند حسن عن عُقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أثكل ثلاثة من صُلبه فاحتسبهم على الله عز وجل، في سبيل الله وجبت له الجنة).
روى ابن ماجة وحسنه الألباني عن عُتبة بن عبد السُّلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل.
عن أبي موسى الأشعري ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد) .
عن أبي أمامة ( عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله سبحانه وتعالى: ابن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثوابا دون الجنة). أخرجه ابن ماجه (1597) واللفظ له، وأحمد (22228).
عن شرحبيل ابن شفعة عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يقال للولدان يوم القيامة: ادخلوا الجنة) قال: (فيقولون: يا رب حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا) قال: (فيأتون) قال: فيقول الله عز وجل: (ما لي أراهم - مغضبين- ادخلوا الجنة) قال: (فيقولون: يا رب آباؤنا وأمهاتنا) قال: (فيقول: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم).
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أيما امرأة مات لها ثلاثةٌ من الولد لم يبلغوا الحلم كانوا حجابًا من النار قالت امرأة: واثنان قال: واثنان).
الصبر على البلاء
قال تعالى ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۞ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۞ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [ البقرة: 155-157]
أشد الناس بلاء
- عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أشد بلاءً؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمْثَلُ فالأمثل، يُبتلَى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زِيدَ صلابةً، وإن كان في دينه رقَّةٌ خُفِّف عنه، ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض ما له خطيئة).
- عن سعد بن أبي وقاص يا رسولَ اللهِ ! أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً ؟ قال : الأنبياءُ ، ثم الصالحون ، ثم الأمثلُ فالأمثلُ ، يُبتلى الرجلُ على حسبِ دِينِه ، فإن كان في دِينِه صلابةٌ ، زِيدَ في بلائِه ، وإن كان في دِينِه رِقَّةٌ ، خُفِّفَ عنه ولا يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ حتى يمشي على الأرضِ وليس عليه خطيئةٌ ). أخرجه الدارمي (2783)، كتاب الرقاق، وأحمد (1494)، والترمذي (3289) دون السؤال، وقال عقبه: هذا حديث حسن صحيح،
- وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)؛ حسن صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (1/142).
قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار
روى الشيخان عن سهل بن حنيف قال كُنَّا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ، ولو نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا علَى الحَقِّ وهُمْ علَى البَاطِلِ؟ فَقالَ: بَلَى. فَقالَ: أَليسَ قَتْلَانَا في الجَنَّةِ وقَتْلَاهُمْ في النَّارِ؟ قالَ: بَلَى، قالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا، أَنَرْجِعُ ولَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بيْنَنَا وبيْنَهُمْ؟ فَقالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ، إنِّي رَسولُ اللَّهِ، ولَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الفَتْحِ فَقَرَأَهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى عُمَرَ إلى آخِرِهَا، فَقالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَوَفَتْحٌ هُوَ؟ قالَ: نَعَمْ). رواه البخاري.
المستوطنون لا ينطبق عليهم تصنيف المدنيين
أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى أن جميع المستوطنين في فلسطين لا ينطبق عليهم تصنيف المدنيين، وجمعيهم جنود سابقون أو لاحقون، حيث يخدمون في الجيش لمدة لا تقل عن 3 سنوات بعد سن الـ 18.
وقال الأزهر عبر صفحته على "فيسبوك" إن " تصنيف المدنيين لا ينطبق على المستوطنين الصهاينة للأرض المحتلة، بل هم محتلون للأرض، مغتصبون للحقوق، منحرفون عن الصراط المستقيم الذي يتجسد به الأنبياء، معتدون على مدينة القدس التاريخية بما فيها من التراث الإسلامي والمسيحي".
وأوضح أن " عمليات المقاومة الحالية حلقة جديدة من سلسلة نضال شعب فلسطين إرهاب الكيان الصهيوني المحتل الغاصب، وجزء صغير من رد عدوانه التاريخي البشع على المقدسات والأرض والشعب الفلسطيني، بلغة القوة التي لا يفهم الصهاينة غيرها ".
فالمستوطنون في الأراضي المحتلة مغتصبون للأرض فهم حربيون وليسوا مدنيين.
الأزهر يطالب الشعب الفلسطيني بالتشبث بأرضه
دعا الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب الدول العربية والإسلامية إلى أن تستشعرَ واجبها ومسئولياتها الدينية والتاريخية، وتسارع إلى تقديم المساعدات الإنسانيَّة والإغاثية على وجه السرعةِ، وضمان عبورها إلى الشعبِ الفلسطينيِّ في قطاع غزة، ويبيِّنُ الأزهر أن دعم الفلسطينيين المدنيين الأبرياء من خلال القنوات الرسميَّة هو واجبٌ دينيٌّ وشرعيٌّ، والتزامٌ أخلاقيٌّ وإنسانيٌّ، وأن التاريخ لن يرحم المتقاعسين المتخاذلين عن هذا الواجب.
وأن استهداف المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ العزل وقصف المستشفيات والأسواق وسيارات الإسعاف والمساجد والمدارس التي يأوي إليها المدنيونَ، والحصارَ الخانق لقطاع غزة بهذا الشكل اللاإنساني، واستخدامَ الأسلحة الثقيلة والمحرمة دوليًّا وأخلاقيًّا، وقطعَ الكهرباء والمياه، ومنعَ وصول إمداداتِ الطعام والغذاء والمساعدات الإنسانية والإغاثية عن قطاع غزة، وبخاصة المستشفيات والمراكز الصحية.. كلُّ ذلك هو إبادةٌ جماعيةٌ، وجرائمُ حربٍ مكتملةُ الأركان، ووصمةُ عار يسطِّرُها التاريخ بعبارات الخزي والعار على جبين الصهاينة وداعميهم ومَن يقف خلفَهم.
حكم قتل المدنيين العزل من السلاح من أهل غزة هم أصحاب الأرض وقضيتهم عادلة
قتل المدنيين العزل من السلاح أصحاب الأرض هو جريمة حرب، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي الإنساني. تنص المادة 51 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه "لا يجوز إطلاق النار على السكان المدنيين أو توجيه الضربات إليهم، سواء كانوا أفراداً أو جماعات، أو على الممتلكات المدنية، سواء كانت منازل، أو مصانع، أو مزارع، أو مزارع، أو أي مبنى آخر.
قتل المدنيين العزل من السلاح أصحاب الأرض هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. وهو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان والقانون الدولي. لا يوجد أي تبرير لقتل المدنيين العزل، بغض النظر عن السياق.
وفقًا لقانون الحرب، يُحظر قتل المدنيين العزل بشكل مطلق. ويشمل ذلك قتل المدنيين أثناء القتال أو أثناء الاحتلال أو أثناء أي نزاع آخر.
وفقًا لقانون حقوق الإنسان، يحق لجميع الأشخاص الحق في الحياة. ولا يجوز لأي دولة أن تنسحب من هذا الحق. يُعد قتل المدنيين العزل انتهاكًا صارخًا لهذا الحق.
يُعتبر قتل المدنيين العزل جريمة ضد الإنسانية.
وتُعرَّف جرائم ضد الإنسانية بأنها أعمال عنف فادحة ترتكب ضد السكان المدنيين على نطاق واسع أو منهجي. ويشمل ذلك القتل العمد والاضطهاد على أساس العرق، أو الدين، أو الجنس، أو الجنسية، أو الانتماء السياسي ،أو أي معايير أخرى محمية بموجب القانون الدولي. لا توجد أي ظروف تبرر قتل المدنيين العزل. وهو جريمة خطيرة يجب أن يُعاقب عليها.
بعض الأمثلة على قتل المدنيين العزل أصحاب الأرض:
مذبحة دير ياسين في عام 1948، حيث قتلت القوات الاحتلال الإسرائيلية أكثر من 350 مدني فلسطيني عزل.
كان معظم ضحايا المجزرة من المدنيين ومنهم أطفال ونساء وعجزة.
مذبحة صبرا وشاتيلا في عام 1982، حيث قتلت القوات اللبنانية المسيحية المدعومة من إسرائيل أكثر من 3000 مدني فلسطيني عزل.
القصف الإسرائيلي على غزة في عام 2014، حيث قتل أكثر من 2200 فلسطيني، بينهم أكثر من 500 طفل.
هذه مجرد أمثلة قليلة من العديد من الحالات التي تم فيها قتل المدنيين العزل أصحاب الأرض. هذه الجرائم هي مأساة إنسانية يجب أن نتذكرها ونسعى إلى منعها من الحدوث مرة أخرى.
وصية النبي بالنساء والأطفال في الحروب
النبي المصطفى في الحروب كان يوصيهم بعدم قتل النساء والأطفال والجرحى والرهبان والعباد والصناع والزراع فلا يقتل إلا المقاتل فقط.
أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عندما أرسله في شعبان سنة 6 هـ إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل؛ فقال له: "اغزوا جميعًا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِرُوا، ولا تُمَثِّلُوا، ولا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، فهذا عَهْدُ اللهِ وسيرة نبيّه فيكم".
وعَنِ ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ: "اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا تَغْدِرُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ".
قَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة: 190]
وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُدَ: «لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلَا عَسِيفًا»، وَالْعَسِيفُ: هُوَ الأَجِيرُ.
نَهْيُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ عَنِ التَّمْثِيلِ بِالْجُثَثِ: وَلَا يَجُوزُ التَّمْثِيلُ بِجُثَثِ القَتْلَى.
فَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً يَقُولُ لَهُمْ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ، فِي سَبِيلِ اللهِ، تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، لَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا».
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا».
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ،
- وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي «صَحِيحِهِ»: «اغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا».
حكم التحريق والمثلةِ بالكفارِ المعتدين
جاءت نصوصٌ تتعلقُ بالمُثلةِ والتمثيلِ بالجثثِ، ومن خلالِ هذه النصوصِ اختلف أهلُ العلمِ في حكمِ المُثلةِ على ثلاثةِ أقوالٍ:
القولُ الأولُ: أن المُثلةَ حرامٌ بعد القدرةِ عليهم سواءٌ بالحي أو الميتِ، أما قبل القدرةِ فلا بأس به، بل ذهب بعضهم إلى أنهُ لا خلاف في تحريمهِ كالزمخشري في تفسيره (2/503) فقال: " لا خلاف في تحريمِ المُثلةِ "، وحكى الصنعاني الإجماعَ في " سبل السلامِ " (4/200) فقال: " ثُمَّ يُخبِرُهُ بِتَحرِيمِ الغُلُولِ مِن الغَنِيمَةِ وَتَحرِيمِ الغَدرِ وَتَحرِيمِ المُثلَةِ وَتَحرِيمِ قَتلِ صِبيَانِ المُشرِكِينَ وَهَذِهِ مُحَرَّمَاتٌ بِالإِجمَاعِ ". ا. هـ.
ولا يُسلمُ للإمامِ الصنعاني بالإجماعِ لأن المسألةَ خلافيةٌ كما سيأتي.
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1 - عَن سُلَيمَانَ بنِ بُرَيدَةَ عَن أَبِيهِ عَن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيشٍ، أَو سَرِيَّةٍ، أَوصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقوَى اللَّهِ، وَبِمَن مَعَهُ مِن المُسلِمِينَ خَيرًا. ثُمَّ قَالَ: اُغزُوا عَلَى اسمِ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَن كَفَرَ بِاَللَّهِ، اُغزُوا، وَلَا تَغُلٌّوا وَلَا تَغدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقتُلُوا وَلِيدًا... الحديث "رواه مسلم (1731)
قال الإمام الترمذي: وَكَرِهَ أَهلُ العِلمِ المُثلَةَ.
وعلق المباركفوري على عبارةِ الترمذي فقال: " أَي حَرَّمُوهَا فَالمُرَادُ بِالكَرَاهَةِ التَّحرِيمُ وَقَد عَرَفت فِي المُقَدِّمَةِ أَنَّ السَّلَفَ رحمهم الله يُطلِقُونَ الكَرَاهَةَ وَيُرِيدُونَ بِهَا الحُرمَةَ ". ا. هـ.
قال الإمامُ الشوكاني في " نيل الأوطار " (8/263): قَولُهُ: " وَلَا تُمَثِّلُوا " فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحرِيمِ المُثلَةِ. ا. هـ.
2 - عَن عَبدَ اللَّهِ بنَ يَزِيدَ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَن النٌّهبَةِ، وَالمُثلَةِ. رواهُ البخاري (2474).
النٌّهبَى: أَي أَخذ مَال المُسلِم قَهرًا جَهرًا.
القولُ الثاني: أن المُثلةَ مكروهةٌ.
واستدل أصحابُ بما استدل به أصحابُ القولِ الأولِ
ولكنهم حملوا حديثَ بُرَيدَةَ عَن عَائِشَةَ الآنف على الكراهةِ وليس على التحريمِ.
قال النووي في " شرح مسلم " (7/177): " قال بعضُهم: النهي عن المثلةِ نهي تنزيهٍ، وليس بحرامٍ ".
وقال ابنُ قدامةَ في " المغني " (10/565): " يُكرَهُ نَقل رُءُوسِ المُشرِكِينَ مِن بَلَدٍ، إلَى بَلَدٍ، وَالمُثلَةُ بِقَتلَاهُم وَتَعذِيبُهُم ".
القولُ الثالثُ: يمثلُ بالكفارِ إذا مثلوا بالمسلمين معاملةً بالمثلِ.
واستدلوا
بقوله تعالى: " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ " [النحل: 126].
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في " الفتاوى " (28/314): " فَأَمَّا التَّمثِيلُ فِي القَتلِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجهِ القِصَاصِ وَقَد قَالَ عِمرَانُ بنُ حُصَينٍ، رضي الله عنهما: " مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُطبَةً إلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَن المُثلَةِ حَتَّى الكُفَّارُ إذَا قَتَلنَاهُم فَإِنَّا لَا نُمَثِّلُ بِهِم بَعدَ القَتلِ وَلَا نَجدَعُ آذَانَهُم وَأُنُوفَهُم وَلَا نَبقُرُ بُطُونَهُم إلَّا إن يَكُونُوا فَعَلُوا ذَلِكَ بِنَا فَنَفعَلُ بِهِم مِثلَ مَا فَعَلُوا ". وَالتَّركُ أَفضَلُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى: " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصبِر وَمَا صَبرُكَ إلَّا بِاللَّهِ ".
وقال ابنُ مفلح في " الفروعِ " (6/218): " وَيُكرَهُ نَقلُ رَأسٍ، وَرَميُهُ بِمَنجَنِيقٍ، بِلَا مَصلَحَةٍ، وَنَقَلَ ابنُ هَانِئٍ، فِي رَميِهِ: لَا يَفعَلُ وَلَا يُحَرِّقُهُ. قَالَ أَحمَدُ: وَلَا يَنبَغِي أَن يُعَذِّبُوهُ، وَعَنهُ إن مَثَّلُوا مُثِّلَ بِهِم، ذَكَرَهُ أَبُو بَكرٍ، قَالَ شَيخُنَا " يعني ابنَ تيميةَ ": المُثلَةُ حَقُّ لَهُم، فَلَهُم فِعلُهَا لِلِاستِيفَاءِ وَأَخذِ الثَّأرِ، وَلَهُم تَركُهَا وَالصَّبرُ أَفضَلُ، وَهَذَا حَيثُ لَا يَكُونُ فِي التَّمثِيلِ بِهِم زِيَادَةٌ فِي الجِهَادِ، وَلَا يَكُونُ نَكَالًا لَهُم عَن نَظِيرِهَا، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي التَّمثِيلِ الشَّائِعِ دُعَاءٌ لَهُم إلَى الإِيمَانِ، أَو زَجرٌ لَهُم عَن العُدوَانِ، فَإِنَّهُ هُنَا مِن إقَامَةِ الحُدُودِ، وَالجِهَادِ المَشرُوعِ، وَلَم تَكُن القِصَّةُ فِي أُحُدٍ، كَذَلِكَ، فَلِهَذَا كَانَ الصَّبرُ أَفضَلَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ المُغَلَّبُ حَقَّ اللَّهِ - تعالى - فَالصَّبرُ هُنَاكَ وَاجِبٌ، كَمَا يَجِبُ حَيثُ لَا يُمكِنُ الِانتِصَارُ، وَيَحرُمُ الجَزَعُ، هَذَا كَلَامُهُ وَكَذَا قَالَ الخَطَّابِيٌّ: إن مَثَّلَ الكَافِرُ بِالمَقتُولِ جَازَ أَن يُمَثَّلَ بِهِ. وَقَالَ ابنُ حَزمٍ، فِي الإِجمَاعِ قَبلَ السَّبقِ وَالرَّميِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ خِصَاءَ النَّاسِ مِن أَهلِ الحَربِ وَالعَبِيدِ وَغَيرِهِم فِي غَيرِ القِصَاصِ وَالتَّمثِيلَ بِهِم حَرَامٌ ".
وقال الإمامُ ابنُ القيمِ في حاشيته على سنن أبي داود (12/278): وَقَد أَبَاحَ اللَّه تعالى لِلمُسلِمِينَ أَن يُمَثِّلُوا بِالكَفَّارِ إِذَا مَثَّلُوا بِهِم، وَإِن كَانَت المُثلَة مَنهِيًّا عَنهَا. فَقَالَ - تعالى -: " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ " [النحل: 126] وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ العُقُوبَة بِجَدعِ الأَنف وَقَطع الأُذُن، وَبَقر البَطن وَنَحو ذَلِكَ هِيَ عُقُوبَة بِالمِثلِ لَيسَت بِعُدوَانٍ، وَالمِثل هُوَ العَدل ". ا. هـ.
قال الشيخ أبو عمر محمد السيف حفظه الله في (هداية الحيارى في قتل الأسارى): "وقد وصلنا عندما كنا في أفغانستان فتوى لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله مفادها، عندما سئل عن التمثيل بجثث العدو، فقال إذا كانوا يمثلون بقتلاكم فمثلوا بقتلاهم لا سيما إذا كان ذلك يوقع الرعب في قلوبهم ويردعهم والله تعالى يقول: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ". اهـ
وقد جاء في سببِ نزولِ قولهِ تعالى : " عَن أُبَيٌّ بنُ كَعبٍ، قَالَ: " لَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ، أُصِيبَ مِن الأَنصَارِ أَربَعَةٌ وَسِتٌّونَ رَجُلًا، وَمِن المُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ فِيهِم : حَمزَةُ فَمَثَّلُوا بِهِم فَقَالَت الأَنصَارُ: " لَئِن أَصَبنَا مِنهُم يَومًا مِثلَ هَذَا لَنُربِيَنَّ عَلَيهِم، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَومُ فَتحِ مَكَّةَ فَأَنزَلَ اللَّهُ تعالى : " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ " فَقَالَ رَجُلٌ: " لَا قُرَيشَ بَعدَ اليَومِ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " كُفٌّوا عَن القَومِ إِلَّا أَربَعَةً ".
رواه الترمذي (3129) وقال: " حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِن حَدِيثِ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ، "، وأحمد (5/135) من زوائدِ عبد الله.
الترجيح:
وبعد عرضِ الأقوالِ في المسألةِ، الذي تميلُ إليهِ النفس واللهُ أعلم ما قررهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ، وتلميذهُ ابنُ القيم، والشيخُ ابنُ عثيمين رحمهم الله.
- ينظر : القول المبين في حكم التحريق والمثلةِ بالكفارِ المعتدين ، عبدالله بن محمد زقيل (8-11-2007 ).
ببيتِ المقدسِ وأَكْنافِ بيتِ المقدسِ
وفي مسند الامام أحمد قال عبد الله بن الإمام أحمد: وجدت بخط أبي، ثم روى بسنده إلى أبي أمامة قال: قال صلى الله عليه وسلم: لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي على الدِّينِ ظاهرينَ ، لعدوِّهم قاهرينَ ، لا يضرُّهم مَن خالفَهُم ؛ إلَّا ما أصابَهُم مِن لأواءَ حتَّى يأتيَهُم أمرُ اللَّهِ وَهُم كذلِكَ . قالوا : يا رسولَ اللَّهِ ، وأينَ هُم ؟ قالَ : ببيتِ المقدسِ وأَكْنافِ بيتِ المقدسِ) أخرجه الطبراني. وقال الهيثمي في المجمع ورجاله ثقات.
وأصل الحديث في الصحيحين من حديث الْمُغِيرَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ". رواه البخاري ، ومسلم.
وأخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة، رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ".
بقلم
أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي ...المزيد
عشرة أسباب للوقاية من الحسد ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه بدائع الفوائد : السبب ...
عشرة أسباب للوقاية من الحسد
ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه بدائع الفوائد :
السبب الأول: التعوذ بالله واللجوء إليه، والتحصن به، وما تعوذ المسلم بأفضل من المعوذتين: قل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس.
السبب الثاني: تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه، فمن اتقى الله تولى الله حفظه، ولم يكله إلى غيره، قال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: احفظ الله يحفظك. رواه الترمذي.
السبب الثالث: الصبر على الحاسد، فما نصر على حاسد بمثل الصبر عليه.
السبب الرابع: التوكل على الله، والتوكل أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد مالا يطيق من أذى الخلق.
السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به، والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له، فلا يلتفت إليه ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه، وهذا من أقوى الأدوية.
السبب السادس: الإقبال على الله، والإخلاص له، وجعل محبته ورضاه محل خواطر نفسه وأمانيها.
السبب السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30].
السبب الثامن: الصدقة والإحسان فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد.
السبب التاسع: إطفاء شر الحاسد بالإحسان إليه، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34].
السبب العاشر: والجامع لذلك كله، وعليه مدار هذه الأسباب هو تجريد التوحيد، والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب الله العزيز الحكيم.
والعلم أن كل ذلك بيد الله يحركه كيف شاء، ولا ينفع إلا بإذنه، قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُو [الأنعام:17].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رواه الترمذي.
فإذا جرد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه، وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله؛ بل يفرد الله بالمخافة، وقد أمنه منه وخرج من قلبه اهتمامه به واشتغاله به وفكره فيه....... انتهى من بدائع الفوائد بتصرف يسير. ...المزيد
ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه بدائع الفوائد :
السبب الأول: التعوذ بالله واللجوء إليه، والتحصن به، وما تعوذ المسلم بأفضل من المعوذتين: قل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس.
السبب الثاني: تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه، فمن اتقى الله تولى الله حفظه، ولم يكله إلى غيره، قال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: احفظ الله يحفظك. رواه الترمذي.
السبب الثالث: الصبر على الحاسد، فما نصر على حاسد بمثل الصبر عليه.
السبب الرابع: التوكل على الله، والتوكل أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد مالا يطيق من أذى الخلق.
السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به، والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له، فلا يلتفت إليه ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه، وهذا من أقوى الأدوية.
السبب السادس: الإقبال على الله، والإخلاص له، وجعل محبته ورضاه محل خواطر نفسه وأمانيها.
السبب السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30].
السبب الثامن: الصدقة والإحسان فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد.
السبب التاسع: إطفاء شر الحاسد بالإحسان إليه، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34].
السبب العاشر: والجامع لذلك كله، وعليه مدار هذه الأسباب هو تجريد التوحيد، والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب الله العزيز الحكيم.
والعلم أن كل ذلك بيد الله يحركه كيف شاء، ولا ينفع إلا بإذنه، قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُو [الأنعام:17].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رواه الترمذي.
فإذا جرد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه، وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله؛ بل يفرد الله بالمخافة، وقد أمنه منه وخرج من قلبه اهتمامه به واشتغاله به وفكره فيه....... انتهى من بدائع الفوائد بتصرف يسير. ...المزيد
فضل الصلاة والسلام على المصطفى عن أبي بن كعب قال رَجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، أرَأيْتَ إنْ جعَلْتُ ...
فضل الصلاة والسلام على المصطفى
عن أبي بن كعب قال رَجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، أرَأيْتَ إنْ جعَلْتُ صَلاتي كلَّها عليكَ؟
قال: إذنْ يَكفيَكَ اللهُ ما أهَمَّكَ من دُنْياكَ وآخِرتِكَ.
المحدث : شعيب الأرناؤوط
المصدر : تخريج المسند لشعيب الرقم : 21242 |
خلاصة حكم المحدث : حديث حَسنٌ
أخرجه أحمد (21242) واللفظ له، وابن أبي شيبة (8798)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (10577)
وقال شيخ الإسلام :
" مقصود السائل : يا رسول الله إن لي دعاء أدعو به ، وأستجلب به الخير ، وأستدفع به الشر فكم أجعل لك من الدعاء ؟ قال : ما شئت . فلما انتهى إلى قوله : ( أجعل لك صلاتي كلها ) قال : إذا تكفى همك ويغفر ذنبك .
وفي الرواية الأخرى : إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك .
وهذا غاية ما يدعو به الإنسان لنفسه من جلب الخيرات ودفع المضرات " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (1/349-350) .
وهذا كله بتقدير صحة الحديث ، وقد أشرنا إلى من صححه من أهل العلم ؛ وإلا فإن راوي الحديث عبد الله بن محمد بن عقيل : أكثر كلام أئمة الحديث على تضعيفه ، وعدم الاحتجاج بحديثه ، حتى قال عنه الإمام أحمد ـ في رواية حنبل ـ : " منكر الحديث " ، وقال يعقوب الجوزجاني : " عامة ما يرويه غريب " .
ينطر : "تهذيب الكمال" (16/80) وما بعدها . ...المزيد
عن أبي بن كعب قال رَجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، أرَأيْتَ إنْ جعَلْتُ صَلاتي كلَّها عليكَ؟
قال: إذنْ يَكفيَكَ اللهُ ما أهَمَّكَ من دُنْياكَ وآخِرتِكَ.
المحدث : شعيب الأرناؤوط
المصدر : تخريج المسند لشعيب الرقم : 21242 |
خلاصة حكم المحدث : حديث حَسنٌ
أخرجه أحمد (21242) واللفظ له، وابن أبي شيبة (8798)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (10577)
وقال شيخ الإسلام :
" مقصود السائل : يا رسول الله إن لي دعاء أدعو به ، وأستجلب به الخير ، وأستدفع به الشر فكم أجعل لك من الدعاء ؟ قال : ما شئت . فلما انتهى إلى قوله : ( أجعل لك صلاتي كلها ) قال : إذا تكفى همك ويغفر ذنبك .
وفي الرواية الأخرى : إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك .
وهذا غاية ما يدعو به الإنسان لنفسه من جلب الخيرات ودفع المضرات " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (1/349-350) .
وهذا كله بتقدير صحة الحديث ، وقد أشرنا إلى من صححه من أهل العلم ؛ وإلا فإن راوي الحديث عبد الله بن محمد بن عقيل : أكثر كلام أئمة الحديث على تضعيفه ، وعدم الاحتجاج بحديثه ، حتى قال عنه الإمام أحمد ـ في رواية حنبل ـ : " منكر الحديث " ، وقال يعقوب الجوزجاني : " عامة ما يرويه غريب " .
ينطر : "تهذيب الكمال" (16/80) وما بعدها . ...المزيد
فضل الصلاة والسلام على المصطفى جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله! إني أكثر ...
فضل الصلاة والسلام على المصطفى
جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله! إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت قال: الربع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: النصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: الثلثين؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: يا رسول الله! فأجعل صلاتي كلها لك؟ قال: إذًا تكفى همك، ويغفر ذنبك.
هذا الحديث صحيح، ومعنى الصلاة هنا: الدعاء، فإذا جعل الإنسان وقتًا يصلي فيه على النبي ﷺ كثيرًا، فالله جل وعلا يأجره على ذلك، والحسنة بعشر أمثالها، إلى ما لا يحصى من الفضل، يقول النبي ﷺ: إذًا تكفى همك، ويغفر ذنبك إذا أكثر من الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام قال بعض أهل العلم: هذا السائل له وقت خصه للدعاء، فإذا صرف ذلك الوقت كله في الصلاة على النبي ﷺ؛ حصل له هذا الفضل: إذًا تكفى همك يعني: يكفيك الله همك ويغفر ذنبك.
فينبغي الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ، وإذا صلى على النبي ﷺ في السجود قبل الدعاء، أثنى على الله، وصلى على النبي ﷺ فهذا من أسباب الإجابة، كما أن الصلاة عليه في آخر التحيات، ثم الدعاء بعد ذلك من أسباب الإجابة. ...المزيد
جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله! إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت قال: الربع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: النصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: الثلثين؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: يا رسول الله! فأجعل صلاتي كلها لك؟ قال: إذًا تكفى همك، ويغفر ذنبك.
هذا الحديث صحيح، ومعنى الصلاة هنا: الدعاء، فإذا جعل الإنسان وقتًا يصلي فيه على النبي ﷺ كثيرًا، فالله جل وعلا يأجره على ذلك، والحسنة بعشر أمثالها، إلى ما لا يحصى من الفضل، يقول النبي ﷺ: إذًا تكفى همك، ويغفر ذنبك إذا أكثر من الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام قال بعض أهل العلم: هذا السائل له وقت خصه للدعاء، فإذا صرف ذلك الوقت كله في الصلاة على النبي ﷺ؛ حصل له هذا الفضل: إذًا تكفى همك يعني: يكفيك الله همك ويغفر ذنبك.
فينبغي الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ، وإذا صلى على النبي ﷺ في السجود قبل الدعاء، أثنى على الله، وصلى على النبي ﷺ فهذا من أسباب الإجابة، كما أن الصلاة عليه في آخر التحيات، ثم الدعاء بعد ذلك من أسباب الإجابة. ...المزيد
القول البديع في خصائص الحبيب الشفيع خصائص الرسول على أمته ما خص الله تعالى نبيه محمداً بخصائص ...
القول البديع في خصائص الحبيب الشفيع
خصائص الرسول على أمته
ما خص الله تعالى نبيه محمداً بخصائص عن أُمَّته
مئة خصلة انفرد بها الرسول ﷺ عن بقية الأنبياء
أولاً : ما أكرمه الله تعالى به لذاته في الدنيا :
ثانياً: ما أكرمه الله تعالى به في أمته في الآخرة :
هذه مئة خصلة انفرد بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن سائر الأنبياء السابقين عليهم السلام.
أولاً : ما أكرمه الله تعالى به لذاته في الدنيا :
1- أخذ الله له العهد على جميع الأنبياء، صلى الله عليه وسلم.
2- كان عند أهل الكتاب علم تام به صلى الله عليه وسلم.
3- كان نبيا وآدم منجدل في طينته صلى الله عليه وسلم.
4- هو أول المسلمين صلى الله عليه وسلم.
5- هو خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.
6- هو نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم
7- هو أولى بالأنبياء من أممهم صلى الله عليه وسلم
8- هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم صلى الله عليه وسلم
9- كون بعثته منة يمتن الله بها على عباده صلى الله عليه وسلم.
10- كونه خيرة الخلق، وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم
11- طاعته ومبايعته هي عين طاعة الله ومبايعته صلى الله عليه وسلم
12- الإيمان به صلى الله عليه وسلم مقرون بالإيمان بالله تعالى.
13- هو رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم
14- هو أمنة لأمته صلى الله عليه وسلم
15- عموم رسالته صلى الله عليه وسلم.
16 – تكفل المولى بحفظه وعصمته صلى الله عليه وسلم
17- التكفل بحفظ دينه صلى الله عليه وسلم
18- القسم بحياته صلى الله عليه وسلم
19- القسم ببلده صلى الله عليه وسلم
20- القسم له صلى الله عليه وسلم
21- لم يناده باسمه صلى الله عليه وسلم
22- ذكر صلى الله عليه وسلم في أول من ذكر من الأنبياء
23- النهى عن مناداته صلى الله عليه وسلم باسمه
24- لا يرفع صوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم
25- تقديم الصدقة بين يدى مناجاتهم له صلى الله عليه وسلم (ثم نسخ ذلك)
26- جعله الله نورا صلى الله عليه وسلم
27- فرض بعض شرعه في السماء صلى الله عليه وسلم. (الصلاة)
28- تولى الإجابة عنه صلى الله عليه وسلم
29- استمرار الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
30- الإسراء والمعراج به صلى الله عليه وسلم.
31- معجزاته صلى الله عليه وسلم
32- غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر صلى الله عليه وسلم
33- تأخير دعوته المستجابة فعلا ليوم القيامة صلى الله عليه وسلم.
34- أعطى جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم
35- أعطى مفاتيح خزائن الأرض صلى الله عليه وسلم.
36- إسلام قرينه من الجن صلى الله عليه وسلم.
37- نصره بالرعب مسيرة شهر صلى الله عليه وسلم
38- شهادة الله وملائكته له صلى الله عليه وسلم.
39- إمامته بالأنبياء في بيت المقدس صلى الله عليه وسلم
40- قرنه خير قرون بنى آدم صلى الله عليه وسلم
41- ما بين بيته ومنبره روضة من رياض الجنة صلى الله عليه وسلم
42- أعطي انشقاق القمر صلى الله عليه وسلم
43- يرى من وراء ظهره صلى الله عليه وسلم
44- رؤيته في المنام حق صلى الله عليه وسلم
45- عرض الأنبياء مع أممهم عليه صلى الله عليه وسلم
46- جعل خاتم النبوة بين كتفيه صلى الله عليه وسلم
47- اطلاعه على المغيبات صلى الله عليه وسلم
ثانياً : ما أكرمه الله تعالى به في الآخرة.
48- وصفه بالشهادة صلى الله عليه وسلم
49- ما أعطى من الشفاعات صلى الله عليه وسلم
50 – هو أول من يبعث صلى الله عليه وسلم
51- هو إمام الأنبياء وخطيبهم صلى الله عليه وسلم.
52- كل الأنبياء تحت لوائه صلى الله عليه وسلم
53- هو أول من يجوز على الصراط صلى الله عليه وسلم
54- هو أول من يقرع باب الجنة صلى الله عليه وسلم.
55 – هو أول من يدخل الجنة صلى الله عليه وسلم
56- إعطاؤه الوسيلة والفضيلة صلى الله عليه وسلم. (الوسيلة: أعلى منزلة في الجنة)
57- إعطاؤه المقام المحمود صلى الله عليه وسلم. (وهى الشفاعة العظمى)
58- إعطاؤه الكوثر صلى الله عليه وسلم. (وهو نهر في الجنة)
59- إعطاؤه لواء الحمد صلى الله عليه وسلم.
61- هو أكثر الأنبياء تبعا صلى الله عليه وسلم
62- هو سيد الأولين والآخرين يوم القيامة صلى الله عليه وسلم
63- هو أول شافع ومشفع صلى الله عليه وسلم.
64- هو مبشر الناس يوم يفزع إليه الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
65- ما يوحى إليه في سجوده تحت العرش مما لم يفتح على غيره من قبل ومن بعد صلى الله عليه وسلم
66- منبره على حوضه صلى الله عليه وسلم.
[ما أكرمه الله به في أمته في الدنيا]
67- جعلت خير الأمم.
68- سماهم الله تعالى المسلمين، وخصهم بالإسلام.
69- أكمل الله لها الدين، وأتم عليها النعمة.
70- ما حطه الله لها عنها من الإصر والأغلال.
71- صلاة المسيح خلف إمام المسلمين.
72- أحلت لها الغنائم.
73- جعلت صفوفها كصفوف الملائكة
74- التيمم والصلاة على الأرض.
75- خصهم بيوم الجمعة
76- خصهم بساعة الإجابة يوم الجمعة
77- خصهم بليلة القدر
78- هذه الأمة هي شهداء الله في الأرض.
79- مثلها في الكتب السابقة (ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل)
80- لن تهلك بجوع، ولا يسلط عليها عدو من غيرها فيستأصلها
81- خصت بصلاة العشاء.
82- تؤمن بجميع الأنبياء
83- حفظها من التنقص في حق ربها عز وجل
84- لا تزال طائفة منها على الحق منصورة.
ثانياً: ما أكرمه الله تعالى به في أمته في الآخرة.
85- هي شاهدة للأنبياء على أممهم
86- هي أول من يجتاز الصراط.
87- هي أول من يدخل الجنة، وهى محرمة على الناس حتى تدخلها
88- انفرادها بدخول الباب الأيمن من الجنة
89- سيفديها بغيرها من الأمم
90- تأتي غرا محجلين من آثار الوضوء
91- هي أكثر أهل الجنة.
92 – سيرضى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فيها
93- زيادة الثواب مع قلة العمل.
94- كلها تدخل الجنة إلا من أبى بمعصيته لله ورسوله، للحديث الذي رواه البخاري .
95- كثرة الشفاعات في أمته.
96- تمنى الكفار لو كانوا مسلمين.
97- هم الآخرون في الدنيا السابقون يوم القيامة .
98- دخول العدد الكثير منها الجنة بغير حساب .
99- لها علامة تعرف بها ربها عز وجل وهو الساق.
100- فيها سادات أهل الجنة.
تلكم كانت مئة خصلة انفرد بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن سائر الأنبياء السابقين عليهم السلام.
- إسلام أون لاين. ...المزيد
خصائص الرسول على أمته
ما خص الله تعالى نبيه محمداً بخصائص عن أُمَّته
مئة خصلة انفرد بها الرسول ﷺ عن بقية الأنبياء
أولاً : ما أكرمه الله تعالى به لذاته في الدنيا :
ثانياً: ما أكرمه الله تعالى به في أمته في الآخرة :
هذه مئة خصلة انفرد بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن سائر الأنبياء السابقين عليهم السلام.
أولاً : ما أكرمه الله تعالى به لذاته في الدنيا :
1- أخذ الله له العهد على جميع الأنبياء، صلى الله عليه وسلم.
2- كان عند أهل الكتاب علم تام به صلى الله عليه وسلم.
3- كان نبيا وآدم منجدل في طينته صلى الله عليه وسلم.
4- هو أول المسلمين صلى الله عليه وسلم.
5- هو خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.
6- هو نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم
7- هو أولى بالأنبياء من أممهم صلى الله عليه وسلم
8- هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم صلى الله عليه وسلم
9- كون بعثته منة يمتن الله بها على عباده صلى الله عليه وسلم.
10- كونه خيرة الخلق، وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم
11- طاعته ومبايعته هي عين طاعة الله ومبايعته صلى الله عليه وسلم
12- الإيمان به صلى الله عليه وسلم مقرون بالإيمان بالله تعالى.
13- هو رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم
14- هو أمنة لأمته صلى الله عليه وسلم
15- عموم رسالته صلى الله عليه وسلم.
16 – تكفل المولى بحفظه وعصمته صلى الله عليه وسلم
17- التكفل بحفظ دينه صلى الله عليه وسلم
18- القسم بحياته صلى الله عليه وسلم
19- القسم ببلده صلى الله عليه وسلم
20- القسم له صلى الله عليه وسلم
21- لم يناده باسمه صلى الله عليه وسلم
22- ذكر صلى الله عليه وسلم في أول من ذكر من الأنبياء
23- النهى عن مناداته صلى الله عليه وسلم باسمه
24- لا يرفع صوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم
25- تقديم الصدقة بين يدى مناجاتهم له صلى الله عليه وسلم (ثم نسخ ذلك)
26- جعله الله نورا صلى الله عليه وسلم
27- فرض بعض شرعه في السماء صلى الله عليه وسلم. (الصلاة)
28- تولى الإجابة عنه صلى الله عليه وسلم
29- استمرار الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
30- الإسراء والمعراج به صلى الله عليه وسلم.
31- معجزاته صلى الله عليه وسلم
32- غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر صلى الله عليه وسلم
33- تأخير دعوته المستجابة فعلا ليوم القيامة صلى الله عليه وسلم.
34- أعطى جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم
35- أعطى مفاتيح خزائن الأرض صلى الله عليه وسلم.
36- إسلام قرينه من الجن صلى الله عليه وسلم.
37- نصره بالرعب مسيرة شهر صلى الله عليه وسلم
38- شهادة الله وملائكته له صلى الله عليه وسلم.
39- إمامته بالأنبياء في بيت المقدس صلى الله عليه وسلم
40- قرنه خير قرون بنى آدم صلى الله عليه وسلم
41- ما بين بيته ومنبره روضة من رياض الجنة صلى الله عليه وسلم
42- أعطي انشقاق القمر صلى الله عليه وسلم
43- يرى من وراء ظهره صلى الله عليه وسلم
44- رؤيته في المنام حق صلى الله عليه وسلم
45- عرض الأنبياء مع أممهم عليه صلى الله عليه وسلم
46- جعل خاتم النبوة بين كتفيه صلى الله عليه وسلم
47- اطلاعه على المغيبات صلى الله عليه وسلم
ثانياً : ما أكرمه الله تعالى به في الآخرة.
48- وصفه بالشهادة صلى الله عليه وسلم
49- ما أعطى من الشفاعات صلى الله عليه وسلم
50 – هو أول من يبعث صلى الله عليه وسلم
51- هو إمام الأنبياء وخطيبهم صلى الله عليه وسلم.
52- كل الأنبياء تحت لوائه صلى الله عليه وسلم
53- هو أول من يجوز على الصراط صلى الله عليه وسلم
54- هو أول من يقرع باب الجنة صلى الله عليه وسلم.
55 – هو أول من يدخل الجنة صلى الله عليه وسلم
56- إعطاؤه الوسيلة والفضيلة صلى الله عليه وسلم. (الوسيلة: أعلى منزلة في الجنة)
57- إعطاؤه المقام المحمود صلى الله عليه وسلم. (وهى الشفاعة العظمى)
58- إعطاؤه الكوثر صلى الله عليه وسلم. (وهو نهر في الجنة)
59- إعطاؤه لواء الحمد صلى الله عليه وسلم.
61- هو أكثر الأنبياء تبعا صلى الله عليه وسلم
62- هو سيد الأولين والآخرين يوم القيامة صلى الله عليه وسلم
63- هو أول شافع ومشفع صلى الله عليه وسلم.
64- هو مبشر الناس يوم يفزع إليه الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
65- ما يوحى إليه في سجوده تحت العرش مما لم يفتح على غيره من قبل ومن بعد صلى الله عليه وسلم
66- منبره على حوضه صلى الله عليه وسلم.
[ما أكرمه الله به في أمته في الدنيا]
67- جعلت خير الأمم.
68- سماهم الله تعالى المسلمين، وخصهم بالإسلام.
69- أكمل الله لها الدين، وأتم عليها النعمة.
70- ما حطه الله لها عنها من الإصر والأغلال.
71- صلاة المسيح خلف إمام المسلمين.
72- أحلت لها الغنائم.
73- جعلت صفوفها كصفوف الملائكة
74- التيمم والصلاة على الأرض.
75- خصهم بيوم الجمعة
76- خصهم بساعة الإجابة يوم الجمعة
77- خصهم بليلة القدر
78- هذه الأمة هي شهداء الله في الأرض.
79- مثلها في الكتب السابقة (ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل)
80- لن تهلك بجوع، ولا يسلط عليها عدو من غيرها فيستأصلها
81- خصت بصلاة العشاء.
82- تؤمن بجميع الأنبياء
83- حفظها من التنقص في حق ربها عز وجل
84- لا تزال طائفة منها على الحق منصورة.
ثانياً: ما أكرمه الله تعالى به في أمته في الآخرة.
85- هي شاهدة للأنبياء على أممهم
86- هي أول من يجتاز الصراط.
87- هي أول من يدخل الجنة، وهى محرمة على الناس حتى تدخلها
88- انفرادها بدخول الباب الأيمن من الجنة
89- سيفديها بغيرها من الأمم
90- تأتي غرا محجلين من آثار الوضوء
91- هي أكثر أهل الجنة.
92 – سيرضى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فيها
93- زيادة الثواب مع قلة العمل.
94- كلها تدخل الجنة إلا من أبى بمعصيته لله ورسوله، للحديث الذي رواه البخاري .
95- كثرة الشفاعات في أمته.
96- تمنى الكفار لو كانوا مسلمين.
97- هم الآخرون في الدنيا السابقون يوم القيامة .
98- دخول العدد الكثير منها الجنة بغير حساب .
99- لها علامة تعرف بها ربها عز وجل وهو الساق.
100- فيها سادات أهل الجنة.
تلكم كانت مئة خصلة انفرد بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن سائر الأنبياء السابقين عليهم السلام.
- إسلام أون لاين. ...المزيد
ما خص الله تعالى نبيه محمداً بخصائص عن أُمَّته اختصَّ رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بكثيرٍ ...
ما خص الله تعالى نبيه محمداً بخصائص عن أُمَّته
اختصَّ رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بكثيرٍ من الخصائصِ والأحكامِ دُونَ أمتِهِ؛ تكريماً له وتبجيلاً، وقد شاركه في بعضِها الأنبياءُ عليهم الصلاةُ والسلامُ، وإننا في هذا السياقِ سنذكرُ جُملةً من خصائصِهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ التي اختصَّ بها دُونَ سائرِ أُمَّتِهِ، فمنها:
1- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بجوازِ الوِصالِ في الصَّومِ:
فعن أنس رَضيَ اللهُ عنهُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال:" لا تواصلوا. قالوا: إنّك تُواصل. قال: لستُ كأحدٍ منكم، إني أُطعم وأُسقى. أو إني أبيت أُطعم وأُسقى".
رواه البُخاريّ، الفتح (4/238) رقم (1961) كتاب الصوم باب الوصال.
قال الحافظ ابن حجر رَحِمهُ اللهُ: "واستُدل بمجموع هذه الأحاديث على أن الوصال من خصائصه صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ وعلى أن غيره ممنوعٌ منه إلا ما وقع فيه الترخيص من الأذن فيه إلى السَحر".
فتح الباري (4/240).
2- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بالجمعِ بين أكثرِ من أربعِ نِسوةٍ:
فعن أنس بن مالك قال: كان النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يَدورُ على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهُنَّ إحدى عشرة. قال: قلت لأنس: أو كان يُطيقه؟ قال: كنّا نتحدث أنه أُعطي قوة ثلاثين. وقال سعيدٌ عن قتادة إنّ أنساً حدّثهم: تسعُ نسوة).
رواه البُخاريّ الفتح (1/449) رقم (268) كتاب الغسل باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحدٍ.
قال الشافعي رَحِمهُ اللهُ: "وقد دلَّت سنةُ رسولِ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-المبينة عن الله أنَّه لا يجوزُ لأحدٍ غير رسولِ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أن يجمعَ بين أكثر من أربع نسوة".
قال ابن كثير رَحِمهُ اللهُ: "وهذا الذي قاله الشافعيُّ مجمعٌ عليه بين العلماءِ".
تفسير ابن كثير (1/460).
3- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ عينَهُ تنامُ ولا ينامُ قَلبُهُ:
عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشةَ-رَضيَ اللهُ عنهُا-: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يُصلِّي أربعَ ركعات فلا تسألْ عن حُسنهن وطولهن. ثم يُصلِّي ثلاثاً. فقلتُ: يا رسولَ الله تنامُ قبل أن تُوتر؟ قال:" تنامُ عيني ولا ينام قلبي".
رواه البُخاريّ ، الفتح (6/670) رقم (3569) كتاب المناقب. باب كان النَّبيّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ تنام عينه ولا ينام قلبه.
وفي رواية أنس بن مالك: (والنَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ نائمةٌ عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياءُ تنام أعينُهم ولا تنام قلوبُهم)
رواه البُخاريّ، الفتح (6/670) رقم (3570) كتاب الغسل باب إذا جامع ثم عاد، ومَن دار على نسائه في غسلٍ واحدٍ.
4- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ الكذبَ عليه ليسَ كالكذبِ على غيرِهِ:
عن أنس رَضيَ اللهُ عنهُ قال: (إنه ليمنعني أن أُحدِّثكم حديثاً كثيراً أن النَّبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قال: "مَن تعمَّد عليَّ كذباً فليتبوأ مقعده من النار".
رواه البُخاريُّ، الفتح (1/243) رقم (108) كتاب العلم، باب إثم من كذب على النَّبيّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
وعن عليٍّ، قال: قال النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ :(لا تكذبُوا عليَّ، فإنّه مَنْ كَذَبَ عَليَّ فليلجِ النَّارَ)
رواه البُخاريُّ، الفتح (1/241) برقم (106) كتاب العلم ،باب إثم مَنْ كَذَبَ على النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
وقال صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: "إنَّ كَذِباً عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمَنْ كَذَبَ عليَّ مُتعمِّداً فليتبوأ مقعدَهُ من النَّارِ".
رواه البُخاريُّ الفتح ( 3/ 191) رقم ( 1291. كتاب الجنائز باب ما يُكره من النِّياحةِ على الميِّتِ.
5- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بوجوبِ محبتِهِ:
قالَ اللهُ تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(24) سورة التوبة.
قال القرطبي رَحِمهُ اللهُ :( وفي الآية دليل على وجوب حبِّ الله ورسوله، ولا خلافَ في ذلك بين الأمة وأنَّ ذلك مقدَّمٌ على كل محبوب)
الجامع لأحكام القرآن (8/95).
وعن أبي هُرَيْرة رَضيَ اللهُ عنهُ: أن رسولَ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قال: (فوالذي نفسي بيده لا يُؤمنُ أحدُكم حَتَّى أكونَ أحبَّ إليه من والدِهِ وولدِهِ)
رواه البُخاريُّ ، الفتح (1/74-75) رقم (14) كتاب الإيمان باب: حُبُّ الرَّسُول صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ من الإيمان.
وعن أنسٍ رَضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: قالَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:" لا يُؤمنُ أحدُكم حَتَّى أكونَ أحبَّ إليه من والدِهِ وولدِهِ والنَّاسِ أجمعينَ".
المصدر السابق رقم (15).
6- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بإسلامِ قرينِهِ:
عن عبد الله بن مسعود رَضيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (ما منكم من أحدٍ إلا وقد وُكِّلَ به قرينُهُ من الجِنِّ) قالوا: وإيَّاكَ يا رسولَ اللهِ؟، قال:( وإيَّاي إلا أنَّ الله قد أعانني عليه فأسلمَ، فلا يأمرني إلا بخيرٍ)
رواه مسلم (4/2168) رقم الحديث (2814).
7- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ الشَّيطانَ لا يتمثَّلُ به، وأنَّ مَنْ رآهُ في المنامِ فقدْ رآهُ حَقَّاً:
عن أنسٍ رَضيَ اللهُ عنهُ، قال: قال النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (مَنْ رآني في المنامِ فقد رآني، فإنَّ الشَّيطانَ لا يتمثَّلُ بي، ورُؤيا المؤمنِ جُزءٌ من ستةٍ وأربعينَ جُزءاً من النُّبوَّةِ).
رواه البُخاريُّ الفتح (12/399-400) رقم (6994) كتاب التعبير باب مَنْ رَأَى النَّبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في المنامِ.
8- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ يَرَى مِنْ وراءِ ظَهْرِهِ كما يَرَى مِنْ أَمَامِهِ:
عن أنسٍ رَضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: (أُقيمتِ الصَّلاةُ، فأقبلَ علينا رسولُ اللهِ بوجهِهِ، فقالَ: "أقيمُوا صفوفَكم وتراصوا، فإنِّي أراكُمْ مِنْ وراءِ ظهري".
رواه البُخاريُّ الفتح (2/243) رقم الحديث (719) كتاب الأذان باب إقبال الإمام على النَّاس.
وعن أبي هُرَيْرة رَضيَ اللهُ عنهُ ،قال: (صلى بنا رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يوماً ثمّ انصرفَ، فقالَ: "يا فلانُ، ألا تُحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلِّي إذا صلى كيفَ يُصلِّي، فإنما يُصلِّي لنفسه، إني والله لأبصرُ مِن ورائي، كما أبصر من بين يديَّ".
رواه مسلم (1/319)، رقم الحديث (423)، كتاب الصلاة باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها.
وعن أبي هُرَيْرة رَضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ، قالَ: "هل ترون قبلتي هاهنا؟ فو الله! ما يخفى عليَّ رُكوعُكم ولا سجودُكم؛ إني لأراكم مِنْ وراءِ ظهري".
المصدر السابق رقم (424).
9- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ يسمعُ ما لا يسمعُهُ النَّاسُ:
عن أبي ذرٍّ-رَضيَ اللهُ عنهُ-،قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: "إني أرى ما لا ترون ،وأسمعُ ما لا تسمعون. إنَّ السَّماءَ أطَّت وحقَّ لها أنْ تئطَّ؛ ما فيها موضعُ أربع أصابع إلا ومَلَكٌ واضعٌ جبهتَهُ ساجِداً لله. والله لو تعلمون ما أعلمُ لضحكتُمْ قليلاً، ولبكيتُم كثيراً. وما تلذذتم بالنِّساءِ على الفُرُشات، ولخرجتُم إلى الصعدات تجأرون إلى اللهِ".
رواه أحمد في مسنده، والتِّرمذيُّ، وابن ماجه واللفظُ له. وقال الشيخُ الألبانيُّ رَحِمهُ اللهُ في" صحيح ابن ماجه" : الحديث حسن. راجع: (صحيح ابن ماجه) (2/407-408) (3387).
10- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بتخييرِهِ قبلَ قبضِهِ بينَ الدُّنيا والآخرةِ:
عن عائشة رَضيَ اللهُ عنهُا قالت: (سمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ، يقولُ: " ما من نبيٍّ يمرضُ إلا خُيِّر بين الدُّنيا والآخرة"، وكان في شكواه الذي قُبض فيه أخذته بُحَّةٌ شديدةٌ، فسمعتُهُ يقول: "مع الذين أنعم الله عليهم؛ من النَّبيّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين"، فعلمتُ أنه خُيِّر)
رواه البُخاريُّ ، الفتح (8/103) رقم الحديث (4586). كتاب التفسير باب (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النَّبيِّين).
11- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ الأرضَ لا تأكلُ جسدَهُ الشَّريفَ، وعرضُ صلاةِ أمتِهِ عليه في قبرِهِ:
عن أوس بن أوس عن النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، قالَ: "إنّ أفضلَ أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خُلِقَ آدمُ عليه السلام، وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفخةُ، وفيه الصَّعقةُ، فأكثِروا عليَّ من الصَّلاةِ، فإنَّ صلاتَكُم معروضةٌ عليَّ". قالوا :يا رسولَ الله! وكيف تُعرَضُ صلاتُنا عليكَ، وقد أَرِمتَ؟ أي يقولون قد بَلِيتَ. قال: "إنَّ الله عَزَّ وجَلَّ قد حرَّم على الأرضِ أنْ تأكلَ أجسادَ الأنبياءِ عليهم السلام".
رواه النَّسائيُّ :باب: إكثار الصَّلاةِ على الرَّسُولِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يوم الجمعة (3/75)، وقالَ الإمامُ ابنُ كثير رَحِمهُ اللهُ :"وقد صححه بعضُ الأئمةِ"( الفصول في سيرة الرَّسُول) ( ص315).
12- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بطيبِ عَرَقِهِ، ولِيْنِ مَسِّهِ:
عن أنس بن مالك-رَضيَ اللهُ عنهُ-،قالَ: (دخل علينا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالَ(أي: نام القيلولة) عندنا، فعرقَ، وجاءت أُمِّي بقارورةٍ، فجعلتْ تسلتُ العَرَقَ فيها، فاستيقظَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقالَ: "يا أُمَّ سُليم، ما هذا الذي تصنعينَ؟!" قالت: هذا عَرقُك نجعلُهُ في طيبنا، وهو أطيبُ الطِّيبِ)
رواه مسلم (4/1814) رقم الحديث (2331) كتاب الفضائل- باب طيب عرق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وعن أنسٍ، قال: "كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أزهرَ اللَّونِ، كأنَّ عَرَقَهُ اللؤلؤ، إذا مشى تكفَّأَ ولا مسستُ ديباجةً ولا حريرةً ألينَ مِن كفِّ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا شممتُ مِسْكةً ولا عَنْبرةً أطيبَ من رائحةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ).
رواه مسلم (4/1814)، رقم (2330) كتاب الفضائل باب طيب رائحة الرَّسُول صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
13- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ يُدْفنُ في المكانِ الذي قُبِضَ فيهِ:
عن عائشةَ رَضيَ اللهُ عنهُا، قالت: (لمَّا قُبِضَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اختلفُوا في دفنِهِ، فقال أبو بكر: سمعتُ من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شيئاً ما نَسيتُهُ، قال: "ما قَبَضَ اللهُ نبيَّاً إلا في الموضعِ الذي يُحِبُّ أنْ يُدفَنَ فيه" فدفنُوه في موضعِ فراشِهِ).
صحيح التِّرمذيِّ للألباني (1/298)، وانظر:" أحكام الجنائز" للألباني (ص137 -138).
14- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ الله تعالى عَصَمَهُ من النَّاسِ:
قالَ اللهُ تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} (67) سورة المائدة.
قال القرطبيُّ رَحِمهُ اللهُ: "معناه ما أظهِر التبليغ، لأنه كان في أوَّلِ الإسلام يخفيه خوفاً من المشركين، ثم أُمر بإظهاره في هذه الآية، وأعلمه الله أنه يعصمه من النَّاس".
الجامع لأحكام القرآن (6/242).
وعن جابرِ بن عبدِ اللهِ-رَضيَ اللهُ عنهُما-،قال: (غزونا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غزوةً قبل نجد، فأدركنا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في وادٍ كثيرِ العِضاة، فنزل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تحتَ شجرةٍ، فعلَّق سيفَهُ بغُصنٍ من أغصانِها، وتفرَّقَ النَّاسُ في الوادي يستظلون بالشَّجرِ، قال: فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ رجلاً أتاني-وأنا نائم- فأخذَ السَّيفَ، فاستيقظتُ وهو قائمٌ على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتاً في يده، فقال لي: مَنْ يمنعُكَ منِّي؟ قلتُ: الله. قال: فشام السَّيفَ، فها هو ذا جالسٌ،" ثم لم يعرضْ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم).
رواه مسلم (4/1786) رقم (843) كتاب الفضائل: باب توكله على الله تعالى، وعصمة الله له من النَّاس.
قال ابنُ حجر في "الفتح": (ويُؤخَذُ من مُراجعةِ الأعرابيِّ له في الكلام أنَّ الله سبحانه وتعالى مَنَعَ نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم منه، وإلا فما أحوجه إلى مراجعتِهِ مع احتياجِهِ إلى الحظوة عند قومِهِ بقتلِهِ، وفي قول النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في جوابِهِ (الله)،أي يمنعني منك، إشارةٌ إلى ذلك)
فتح الباري (7/492).
15- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بالزَّواجِ مِنْ غيرِ وليٍّ ولا شُهُودٍ:
عن عائشةَ رَضيَ اللهُ عنهُا، قالتْ: قالَ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (لا نِكاحَ إلا بوليٍّ وشاهدينِ).
قال الألباني: صحيح (إرواء الغليل) (6/258).
وقد انفرد رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عن أمتِهِ في هذينِ الحُكمينِ، فأباح اللهُ تعالى له الزَّواجَ بغيرِ وليٍّ، ولا شهودٍ تشريفاً وتكريماً له، لعدمِ الحاجةِ إلى ذلكَ في حقِّه صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
قال العلماءُ: ( إنما اعتُبِرَ الوليُّ في نكاحِ الأُمَّةِ للمحافظةِ على الكفاءةِ، وهو صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فوقَ الأَكْفَاءِ، وإنّما اعتُبِرَ الشُّهودُ لأمنِ الجُحُودِ، وهو صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لا يجحدُ).
نضرة النعيم (1/508).
وبُرهانُ هذا الحكمِ في حَقِّهِ في حديثِ زينب بنت جحش رَضيَ اللهُ عنهُا أنها كانت تفخرُ على أزواجِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ وتقولُ:(زوجكن أهليكن، وزوَّجني اللهُ تعالى مِن فوق سبع سماوات)
رواه البُخاريُّ مع الفتح، رقم (7420) ( 13/ 415)،كتاب التوحيد باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم .
16- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ مَنِ استهانَ بهِ كَفَرَ:
تضافرتِ الأدلةُ من الكتابِ والسُّنَّةِ وإجماع الأمة مُوضِّحة، ومجلية ما يجبُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الحقوقِ وما يتعيَّنُ له مِنْ برٍّ وتوقيرٍ وإكرامٍ وتعظيمٍ، ومن أجلِ هذا حَرَّم اللهُ-تبارك وتعالى- أذاه في كتابِهِ وأجمعتِ الأُمَّةُ على قتلِ منتقصِهِ وسابِّه. قالَ اللهُ-تعالى-:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}(57) سورة الأحزاب.
وقال تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (61) سورة التوبة.
فكلُّ مَنِ استهانَ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أو سبَّهُ أو عابَهُ أو ألحق به نقصاً في نفسه، أو نسبه، أو دينه، أو خصلة من خصاله أو عرَّضَ به أو شبَّهه بشيءٍ على طريق السَّبِّ له، أو الإزراءِ عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغضِّ منه والعيب له، فإنه يُقتلُ كُفراً(1)، والدَّليلُ على ذلك:
ما روى أبو داود والنَّسائيّ عن ابن عَبَّاسٍ-رَضيَ اللهُ عنهُما- أنَّ أعْمَى كانت له أمُّ ولدٍ، تشتم النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر. قال: فلمَّا كانتْ ذات ليلةٍ جعلت تقعُ في النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وتشتمُهُ، فأخذ المِغْوَلَ (وهو السَّيفُ القصير) فوضعه في بطنِها، واتَّكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طِفلٌ، فلطخت ما هنالك بالدَّمِ، فلمَّا أصبح ذُكِرَ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فجمع النَّاسَ، فقال: "أنشدُ الله رجلاً فعلَ ما فعلَ، لي عليه حقٌّ، إلا قام فقام" الأعمى يتخطَّى النَّاسَ،- وهو يتزلزلُ- حَتَّى قعدَ بين يديِّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، أنا صاحبُها، كانت تشتمك وتقعُ فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنانِ مثلُ اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقةً، فلمَّا كانت البارحة جعلت تشتمك وتقعُ فيك، فأخذتُ المِغْوَلَ فوضعتُهُ في بطنِها، واتكأت عليها حَتَّى قتلتها، فقال النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (ألا اشهدوا أنَّ دَمَهَا هَدَرٌ).
رواه أبو داود في سننه (4361) والنَّسائيُّ (7/107-108)، وصححه الألبانيُّ في" صحيح أبي داود" رقم (3666).
وقد وردَ عن أبي برزة الأسلميِّ، قال: أغلظَ رجلٌ لأبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، قالَ: فقال: أبُو بَرَزة: ألا أضربُ عُنقَهُ؟ قال: فانتهرَهُ أبو بكر، وقال: ما هي لأحدٍ بعدَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
رواه أحمد، وصححه أحمد شاكر، المسند (1/55).
وراجع تفاصيل ذلك في الكتابِ القيِّمِ "الصارم المسلول على شاتم الرسول" لشيخِ الإسلامِ ابن تيميَّة رحمه الله.
17- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ لا يُوْرَثُ، وما تركَهُ صدقةٌ:
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام سفراءُ الله إلى عبادِهِ، وحَمَلةُ وحيه، مهمتهم إبلاغُ رسالاتِ اللهِ إلى عبادِهِ، والدَّعوة إلى اللهِ وإصلاحِ النفوس وتزكيتها، وتقويم الفكر المنحرفِ والعقائد الزائفة، وإقامة الحجة وسياسة الأمَّة ،فلم تكن وظيفتُهم اختزانَ الأموالِ ولا توريث التُّراثِ، وإنما ورَّثوا عِلْماً وشرعاً، وبلاغاً للنَّاسِ، فذلك ميراثُهم، وهو خيرُ ميراثٍ(2).ودليل ذلك قولُ الرَّسُول صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (لا نُورثُ ، ما تركناه صدقة)
رواه البُخاريُّ مع الفتح، برقم (6730) ( 12/ 8 ) كتاب الفرائض باب قول النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لا نورث ،ما تركنا صدقة.
وهذا مهم من خصائصه صلوات الله وسلامه عليه، وكذلك الأنبياء عليهم السلام ، وهذا اختصَّ به دُونَ أمتِهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ من أنه لا يُورث، وأنَّ ما تركه صدقةٌ.
نضرة النعيم (1/516).
18- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بإخراجِ حظِّ الشَّيطانِ منه:
عن أنس بن مالك" أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أتاه جبريلُ صلى الله عليه وسلم وهو يلعبُ مع الغِلمان، فأخذه فصرعه فشقَّ عن قلبِهِ، فاستخرج القلبَ فاستخرج منه علقةً. فقال: هذا حظُّ الشَّيطانِ منك. ثم غسله في طستٍ من ذهب بماءِ زمزم، ثم لأَمَهُ (أي جمع وضمَّ بعضَه إلى بعضٍ) ثم أعاده في مكانِهِ، وجاء الغلمانُ يسعون إلى أمِّهِ (يعني ظئره) وهي المرضعة، فقالوا: إنَّ مُحمَّداً قد قُتِلَ. فاستقبلوه وهو مُنتقع اللون – قال أنس: وقد كنتُ أرى أثرَ ذلك المخيطِ في صدرِهِ".
رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، رقم الحديث (162) ( 1/ 145) .
19- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنه لا ينبغي أنْ تكون له خائنةُ أعينٍ:
وعن أنس بن مالك في حديث طويل قال: يا أبا حمزة، غزوت مع رسول الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ؟ قال: نعم، غزوت معه حنيناً، فخرج المشركون فحملوا علينا حَتَّى رأينا خيلنا وراء ظهورها وفي القوم رجلٌ يحمل علينا فيدقمنا ويحطمنا، فهزمهم الله، وجعل يجاء بهم فيُبايعونه على الإسلام، فقال رجل من أصحاب النَّبيّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (إن عليَّ نذراً إن جاء الله بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربن عنقه، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيء بالرجل، فلما رأى رسول الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، قال: يا رسول الله، تبت إلى الله، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُبايعه ليفي الآخر بنذره قال: فجعل الرجل يتصدَّى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمره بقتله، وجعل يهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتله، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يصنع شيئاً بايعه، فقال الرجل: يا رسول الله نذري، فقال: "إني لم أُمسك عنه منذ اليوم إلا لتُوفي بنذرك" فقال: يا رسول الله ألا أومضتَ إليَّ؟ فقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم : "إنه ليس لنبي أن يُومض" – أي الرمز بالعين والإيماء بها-. رواه أبو داود في سننه كتاب الجنائز. باب أن يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه. رقم (3194) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/301).
20- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ مَنْ سَبَّهُ رسولُ اللهِ؛ فإنَّ ذلكَ يكونُ قُربةً له:
فعن أبي هُرَيْرة رَضيَ اللهُ عنهُ أنه سمع النَّبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، يقولُ: "اللهم فأيما مؤمن سببته، فاجعلْ ذلك له قُربةً إليكَ يومَ القيامةِ"
رواه البُخاريُّ، الفتح (11/175) رقم (6361) كتاب الدعوات باب قول النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ من آذيته، فاجعله له زكاةً ورحمةً .
21- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ الصَّدقةَ مُحرَّمةٌ عليهِ وعلى آلِهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
عن أبي هُرَيْرة رَضيَ اللهُ عنهُ، قال: (أخذ الحسنُ بن علي رَضيَ اللهُ عنهُما تمرةً من تمرِ الصَّدَقةِ فجعلها في فيهِ، فقالَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: "كِخْ، كخ"، ليَطرحها، ثم قال:" أَمَا شَعرتَ أنّا لا نأكلُ الصَّدقةَ؟"
رواه البُخاريُّ مع الفتح (3/414)، رقم الحديث (1491)، كتاب الزكاة، باب ما يُذكر في الصَّدقةِ.
22- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنه لا يأكلُ البصلَ أو الثَّومَ أو البُقُولَ التي تُثيرُ رائحةً مكروهة:
قال البُخاريّ حدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب زعم عطاءُ أن جابر بن عبد الله زعم أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ( "من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا." أو قال: "فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته"، وأن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أتي بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحاً، فسأل فأخبر بما فيها من البقول، فقال: قرِّبوها – إلى بعض أصحابه كان معه- فلما رآه كره أكلها قال: "كل، فإني أُناجي من لا تناجي". رواه البُخاريّ- الفتح (2/395) رقم (855) كتاب الأذان. باب ما جاء في الثوم والبصل..
23- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ لا يجوزُ التزوجُ بنسائِهِ بعدَ موتِهِ.
قالَ اللهُ تعالى:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً، إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} سورة الأحزاب (53). ولقوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }سورة الأحزاب (6). فلا يجوزُ لرجلٍ أنْ ينكحَ أُمَّهُ، والعلم عند الله.
راجع: كتاب "كشف الغمة ببيان خصائص رسول الله والأمة": تأليف/ أبي الحسن المأربي، ص318..
24- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بجوازِ التبركِ بشعرِهِ وريقِهِ الشَّريفِ.
فعن أنس رَضيَ اللهُ عنهُ قال: لما رمى رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ الجمرةَ، ونَحَرَ نُسكَهُ، وحَلَقَ، ناول الحالق شقَّهُ الأيمن فحلقه، ثم دعى أبا طلحة الأنصاري، فأعطاه إيَّاهُ، ثم ناوله الشقَّ الأيسرَ، فقالَ: (احلقْ) فحلقَهُ، فأعطاه أبا طلحة، فقالَ: "اقسمْهُ بين النَّاسِ".
رواه البُخاريُّ ( 1/ 328) كتاب الوضوء باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان . (170-171)، ومسلم (1305) ( 2/ 947 ) كتاب الحج باب بيان أنَّ السنة يوم النحر أن يرمي، ثم ينحر، ثم يحلق ولا يبدأ في الحلق بالجانب الأيمن من رأس المحلوق.
1 - راجع: نضرة النعيم (1/512).
2 - راجع : نضرة النعيم (1/516) . ...المزيد
اختصَّ رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بكثيرٍ من الخصائصِ والأحكامِ دُونَ أمتِهِ؛ تكريماً له وتبجيلاً، وقد شاركه في بعضِها الأنبياءُ عليهم الصلاةُ والسلامُ، وإننا في هذا السياقِ سنذكرُ جُملةً من خصائصِهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ التي اختصَّ بها دُونَ سائرِ أُمَّتِهِ، فمنها:
1- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بجوازِ الوِصالِ في الصَّومِ:
فعن أنس رَضيَ اللهُ عنهُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال:" لا تواصلوا. قالوا: إنّك تُواصل. قال: لستُ كأحدٍ منكم، إني أُطعم وأُسقى. أو إني أبيت أُطعم وأُسقى".
رواه البُخاريّ، الفتح (4/238) رقم (1961) كتاب الصوم باب الوصال.
قال الحافظ ابن حجر رَحِمهُ اللهُ: "واستُدل بمجموع هذه الأحاديث على أن الوصال من خصائصه صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ وعلى أن غيره ممنوعٌ منه إلا ما وقع فيه الترخيص من الأذن فيه إلى السَحر".
فتح الباري (4/240).
2- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بالجمعِ بين أكثرِ من أربعِ نِسوةٍ:
فعن أنس بن مالك قال: كان النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يَدورُ على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهُنَّ إحدى عشرة. قال: قلت لأنس: أو كان يُطيقه؟ قال: كنّا نتحدث أنه أُعطي قوة ثلاثين. وقال سعيدٌ عن قتادة إنّ أنساً حدّثهم: تسعُ نسوة).
رواه البُخاريّ الفتح (1/449) رقم (268) كتاب الغسل باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحدٍ.
قال الشافعي رَحِمهُ اللهُ: "وقد دلَّت سنةُ رسولِ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-المبينة عن الله أنَّه لا يجوزُ لأحدٍ غير رسولِ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أن يجمعَ بين أكثر من أربع نسوة".
قال ابن كثير رَحِمهُ اللهُ: "وهذا الذي قاله الشافعيُّ مجمعٌ عليه بين العلماءِ".
تفسير ابن كثير (1/460).
3- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ عينَهُ تنامُ ولا ينامُ قَلبُهُ:
عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشةَ-رَضيَ اللهُ عنهُا-: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يُصلِّي أربعَ ركعات فلا تسألْ عن حُسنهن وطولهن. ثم يُصلِّي ثلاثاً. فقلتُ: يا رسولَ الله تنامُ قبل أن تُوتر؟ قال:" تنامُ عيني ولا ينام قلبي".
رواه البُخاريّ ، الفتح (6/670) رقم (3569) كتاب المناقب. باب كان النَّبيّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ تنام عينه ولا ينام قلبه.
وفي رواية أنس بن مالك: (والنَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ نائمةٌ عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياءُ تنام أعينُهم ولا تنام قلوبُهم)
رواه البُخاريّ، الفتح (6/670) رقم (3570) كتاب الغسل باب إذا جامع ثم عاد، ومَن دار على نسائه في غسلٍ واحدٍ.
4- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ الكذبَ عليه ليسَ كالكذبِ على غيرِهِ:
عن أنس رَضيَ اللهُ عنهُ قال: (إنه ليمنعني أن أُحدِّثكم حديثاً كثيراً أن النَّبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قال: "مَن تعمَّد عليَّ كذباً فليتبوأ مقعده من النار".
رواه البُخاريُّ، الفتح (1/243) رقم (108) كتاب العلم، باب إثم من كذب على النَّبيّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
وعن عليٍّ، قال: قال النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ :(لا تكذبُوا عليَّ، فإنّه مَنْ كَذَبَ عَليَّ فليلجِ النَّارَ)
رواه البُخاريُّ، الفتح (1/241) برقم (106) كتاب العلم ،باب إثم مَنْ كَذَبَ على النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
وقال صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: "إنَّ كَذِباً عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمَنْ كَذَبَ عليَّ مُتعمِّداً فليتبوأ مقعدَهُ من النَّارِ".
رواه البُخاريُّ الفتح ( 3/ 191) رقم ( 1291. كتاب الجنائز باب ما يُكره من النِّياحةِ على الميِّتِ.
5- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بوجوبِ محبتِهِ:
قالَ اللهُ تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(24) سورة التوبة.
قال القرطبي رَحِمهُ اللهُ :( وفي الآية دليل على وجوب حبِّ الله ورسوله، ولا خلافَ في ذلك بين الأمة وأنَّ ذلك مقدَّمٌ على كل محبوب)
الجامع لأحكام القرآن (8/95).
وعن أبي هُرَيْرة رَضيَ اللهُ عنهُ: أن رسولَ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قال: (فوالذي نفسي بيده لا يُؤمنُ أحدُكم حَتَّى أكونَ أحبَّ إليه من والدِهِ وولدِهِ)
رواه البُخاريُّ ، الفتح (1/74-75) رقم (14) كتاب الإيمان باب: حُبُّ الرَّسُول صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ من الإيمان.
وعن أنسٍ رَضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: قالَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:" لا يُؤمنُ أحدُكم حَتَّى أكونَ أحبَّ إليه من والدِهِ وولدِهِ والنَّاسِ أجمعينَ".
المصدر السابق رقم (15).
6- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بإسلامِ قرينِهِ:
عن عبد الله بن مسعود رَضيَ اللهُ عنهُ قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (ما منكم من أحدٍ إلا وقد وُكِّلَ به قرينُهُ من الجِنِّ) قالوا: وإيَّاكَ يا رسولَ اللهِ؟، قال:( وإيَّاي إلا أنَّ الله قد أعانني عليه فأسلمَ، فلا يأمرني إلا بخيرٍ)
رواه مسلم (4/2168) رقم الحديث (2814).
7- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ الشَّيطانَ لا يتمثَّلُ به، وأنَّ مَنْ رآهُ في المنامِ فقدْ رآهُ حَقَّاً:
عن أنسٍ رَضيَ اللهُ عنهُ، قال: قال النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (مَنْ رآني في المنامِ فقد رآني، فإنَّ الشَّيطانَ لا يتمثَّلُ بي، ورُؤيا المؤمنِ جُزءٌ من ستةٍ وأربعينَ جُزءاً من النُّبوَّةِ).
رواه البُخاريُّ الفتح (12/399-400) رقم (6994) كتاب التعبير باب مَنْ رَأَى النَّبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في المنامِ.
8- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ يَرَى مِنْ وراءِ ظَهْرِهِ كما يَرَى مِنْ أَمَامِهِ:
عن أنسٍ رَضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: (أُقيمتِ الصَّلاةُ، فأقبلَ علينا رسولُ اللهِ بوجهِهِ، فقالَ: "أقيمُوا صفوفَكم وتراصوا، فإنِّي أراكُمْ مِنْ وراءِ ظهري".
رواه البُخاريُّ الفتح (2/243) رقم الحديث (719) كتاب الأذان باب إقبال الإمام على النَّاس.
وعن أبي هُرَيْرة رَضيَ اللهُ عنهُ ،قال: (صلى بنا رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يوماً ثمّ انصرفَ، فقالَ: "يا فلانُ، ألا تُحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلِّي إذا صلى كيفَ يُصلِّي، فإنما يُصلِّي لنفسه، إني والله لأبصرُ مِن ورائي، كما أبصر من بين يديَّ".
رواه مسلم (1/319)، رقم الحديث (423)، كتاب الصلاة باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها.
وعن أبي هُرَيْرة رَضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ، قالَ: "هل ترون قبلتي هاهنا؟ فو الله! ما يخفى عليَّ رُكوعُكم ولا سجودُكم؛ إني لأراكم مِنْ وراءِ ظهري".
المصدر السابق رقم (424).
9- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ يسمعُ ما لا يسمعُهُ النَّاسُ:
عن أبي ذرٍّ-رَضيَ اللهُ عنهُ-،قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: "إني أرى ما لا ترون ،وأسمعُ ما لا تسمعون. إنَّ السَّماءَ أطَّت وحقَّ لها أنْ تئطَّ؛ ما فيها موضعُ أربع أصابع إلا ومَلَكٌ واضعٌ جبهتَهُ ساجِداً لله. والله لو تعلمون ما أعلمُ لضحكتُمْ قليلاً، ولبكيتُم كثيراً. وما تلذذتم بالنِّساءِ على الفُرُشات، ولخرجتُم إلى الصعدات تجأرون إلى اللهِ".
رواه أحمد في مسنده، والتِّرمذيُّ، وابن ماجه واللفظُ له. وقال الشيخُ الألبانيُّ رَحِمهُ اللهُ في" صحيح ابن ماجه" : الحديث حسن. راجع: (صحيح ابن ماجه) (2/407-408) (3387).
10- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بتخييرِهِ قبلَ قبضِهِ بينَ الدُّنيا والآخرةِ:
عن عائشة رَضيَ اللهُ عنهُا قالت: (سمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ، يقولُ: " ما من نبيٍّ يمرضُ إلا خُيِّر بين الدُّنيا والآخرة"، وكان في شكواه الذي قُبض فيه أخذته بُحَّةٌ شديدةٌ، فسمعتُهُ يقول: "مع الذين أنعم الله عليهم؛ من النَّبيّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين"، فعلمتُ أنه خُيِّر)
رواه البُخاريُّ ، الفتح (8/103) رقم الحديث (4586). كتاب التفسير باب (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النَّبيِّين).
11- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ الأرضَ لا تأكلُ جسدَهُ الشَّريفَ، وعرضُ صلاةِ أمتِهِ عليه في قبرِهِ:
عن أوس بن أوس عن النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، قالَ: "إنّ أفضلَ أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خُلِقَ آدمُ عليه السلام، وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفخةُ، وفيه الصَّعقةُ، فأكثِروا عليَّ من الصَّلاةِ، فإنَّ صلاتَكُم معروضةٌ عليَّ". قالوا :يا رسولَ الله! وكيف تُعرَضُ صلاتُنا عليكَ، وقد أَرِمتَ؟ أي يقولون قد بَلِيتَ. قال: "إنَّ الله عَزَّ وجَلَّ قد حرَّم على الأرضِ أنْ تأكلَ أجسادَ الأنبياءِ عليهم السلام".
رواه النَّسائيُّ :باب: إكثار الصَّلاةِ على الرَّسُولِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يوم الجمعة (3/75)، وقالَ الإمامُ ابنُ كثير رَحِمهُ اللهُ :"وقد صححه بعضُ الأئمةِ"( الفصول في سيرة الرَّسُول) ( ص315).
12- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بطيبِ عَرَقِهِ، ولِيْنِ مَسِّهِ:
عن أنس بن مالك-رَضيَ اللهُ عنهُ-،قالَ: (دخل علينا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالَ(أي: نام القيلولة) عندنا، فعرقَ، وجاءت أُمِّي بقارورةٍ، فجعلتْ تسلتُ العَرَقَ فيها، فاستيقظَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقالَ: "يا أُمَّ سُليم، ما هذا الذي تصنعينَ؟!" قالت: هذا عَرقُك نجعلُهُ في طيبنا، وهو أطيبُ الطِّيبِ)
رواه مسلم (4/1814) رقم الحديث (2331) كتاب الفضائل- باب طيب عرق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وعن أنسٍ، قال: "كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أزهرَ اللَّونِ، كأنَّ عَرَقَهُ اللؤلؤ، إذا مشى تكفَّأَ ولا مسستُ ديباجةً ولا حريرةً ألينَ مِن كفِّ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا شممتُ مِسْكةً ولا عَنْبرةً أطيبَ من رائحةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ).
رواه مسلم (4/1814)، رقم (2330) كتاب الفضائل باب طيب رائحة الرَّسُول صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
13- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ يُدْفنُ في المكانِ الذي قُبِضَ فيهِ:
عن عائشةَ رَضيَ اللهُ عنهُا، قالت: (لمَّا قُبِضَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اختلفُوا في دفنِهِ، فقال أبو بكر: سمعتُ من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شيئاً ما نَسيتُهُ، قال: "ما قَبَضَ اللهُ نبيَّاً إلا في الموضعِ الذي يُحِبُّ أنْ يُدفَنَ فيه" فدفنُوه في موضعِ فراشِهِ).
صحيح التِّرمذيِّ للألباني (1/298)، وانظر:" أحكام الجنائز" للألباني (ص137 -138).
14- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ الله تعالى عَصَمَهُ من النَّاسِ:
قالَ اللهُ تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} (67) سورة المائدة.
قال القرطبيُّ رَحِمهُ اللهُ: "معناه ما أظهِر التبليغ، لأنه كان في أوَّلِ الإسلام يخفيه خوفاً من المشركين، ثم أُمر بإظهاره في هذه الآية، وأعلمه الله أنه يعصمه من النَّاس".
الجامع لأحكام القرآن (6/242).
وعن جابرِ بن عبدِ اللهِ-رَضيَ اللهُ عنهُما-،قال: (غزونا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غزوةً قبل نجد، فأدركنا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في وادٍ كثيرِ العِضاة، فنزل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تحتَ شجرةٍ، فعلَّق سيفَهُ بغُصنٍ من أغصانِها، وتفرَّقَ النَّاسُ في الوادي يستظلون بالشَّجرِ، قال: فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ رجلاً أتاني-وأنا نائم- فأخذَ السَّيفَ، فاستيقظتُ وهو قائمٌ على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتاً في يده، فقال لي: مَنْ يمنعُكَ منِّي؟ قلتُ: الله. قال: فشام السَّيفَ، فها هو ذا جالسٌ،" ثم لم يعرضْ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم).
رواه مسلم (4/1786) رقم (843) كتاب الفضائل: باب توكله على الله تعالى، وعصمة الله له من النَّاس.
قال ابنُ حجر في "الفتح": (ويُؤخَذُ من مُراجعةِ الأعرابيِّ له في الكلام أنَّ الله سبحانه وتعالى مَنَعَ نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم منه، وإلا فما أحوجه إلى مراجعتِهِ مع احتياجِهِ إلى الحظوة عند قومِهِ بقتلِهِ، وفي قول النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في جوابِهِ (الله)،أي يمنعني منك، إشارةٌ إلى ذلك)
فتح الباري (7/492).
15- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بالزَّواجِ مِنْ غيرِ وليٍّ ولا شُهُودٍ:
عن عائشةَ رَضيَ اللهُ عنهُا، قالتْ: قالَ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (لا نِكاحَ إلا بوليٍّ وشاهدينِ).
قال الألباني: صحيح (إرواء الغليل) (6/258).
وقد انفرد رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عن أمتِهِ في هذينِ الحُكمينِ، فأباح اللهُ تعالى له الزَّواجَ بغيرِ وليٍّ، ولا شهودٍ تشريفاً وتكريماً له، لعدمِ الحاجةِ إلى ذلكَ في حقِّه صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
قال العلماءُ: ( إنما اعتُبِرَ الوليُّ في نكاحِ الأُمَّةِ للمحافظةِ على الكفاءةِ، وهو صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فوقَ الأَكْفَاءِ، وإنّما اعتُبِرَ الشُّهودُ لأمنِ الجُحُودِ، وهو صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لا يجحدُ).
نضرة النعيم (1/508).
وبُرهانُ هذا الحكمِ في حَقِّهِ في حديثِ زينب بنت جحش رَضيَ اللهُ عنهُا أنها كانت تفخرُ على أزواجِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ وتقولُ:(زوجكن أهليكن، وزوَّجني اللهُ تعالى مِن فوق سبع سماوات)
رواه البُخاريُّ مع الفتح، رقم (7420) ( 13/ 415)،كتاب التوحيد باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم .
16- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ مَنِ استهانَ بهِ كَفَرَ:
تضافرتِ الأدلةُ من الكتابِ والسُّنَّةِ وإجماع الأمة مُوضِّحة، ومجلية ما يجبُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الحقوقِ وما يتعيَّنُ له مِنْ برٍّ وتوقيرٍ وإكرامٍ وتعظيمٍ، ومن أجلِ هذا حَرَّم اللهُ-تبارك وتعالى- أذاه في كتابِهِ وأجمعتِ الأُمَّةُ على قتلِ منتقصِهِ وسابِّه. قالَ اللهُ-تعالى-:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}(57) سورة الأحزاب.
وقال تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (61) سورة التوبة.
فكلُّ مَنِ استهانَ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أو سبَّهُ أو عابَهُ أو ألحق به نقصاً في نفسه، أو نسبه، أو دينه، أو خصلة من خصاله أو عرَّضَ به أو شبَّهه بشيءٍ على طريق السَّبِّ له، أو الإزراءِ عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغضِّ منه والعيب له، فإنه يُقتلُ كُفراً(1)، والدَّليلُ على ذلك:
ما روى أبو داود والنَّسائيّ عن ابن عَبَّاسٍ-رَضيَ اللهُ عنهُما- أنَّ أعْمَى كانت له أمُّ ولدٍ، تشتم النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر. قال: فلمَّا كانتْ ذات ليلةٍ جعلت تقعُ في النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وتشتمُهُ، فأخذ المِغْوَلَ (وهو السَّيفُ القصير) فوضعه في بطنِها، واتَّكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طِفلٌ، فلطخت ما هنالك بالدَّمِ، فلمَّا أصبح ذُكِرَ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فجمع النَّاسَ، فقال: "أنشدُ الله رجلاً فعلَ ما فعلَ، لي عليه حقٌّ، إلا قام فقام" الأعمى يتخطَّى النَّاسَ،- وهو يتزلزلُ- حَتَّى قعدَ بين يديِّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، أنا صاحبُها، كانت تشتمك وتقعُ فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنانِ مثلُ اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقةً، فلمَّا كانت البارحة جعلت تشتمك وتقعُ فيك، فأخذتُ المِغْوَلَ فوضعتُهُ في بطنِها، واتكأت عليها حَتَّى قتلتها، فقال النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (ألا اشهدوا أنَّ دَمَهَا هَدَرٌ).
رواه أبو داود في سننه (4361) والنَّسائيُّ (7/107-108)، وصححه الألبانيُّ في" صحيح أبي داود" رقم (3666).
وقد وردَ عن أبي برزة الأسلميِّ، قال: أغلظَ رجلٌ لأبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، قالَ: فقال: أبُو بَرَزة: ألا أضربُ عُنقَهُ؟ قال: فانتهرَهُ أبو بكر، وقال: ما هي لأحدٍ بعدَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
رواه أحمد، وصححه أحمد شاكر، المسند (1/55).
وراجع تفاصيل ذلك في الكتابِ القيِّمِ "الصارم المسلول على شاتم الرسول" لشيخِ الإسلامِ ابن تيميَّة رحمه الله.
17- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ لا يُوْرَثُ، وما تركَهُ صدقةٌ:
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام سفراءُ الله إلى عبادِهِ، وحَمَلةُ وحيه، مهمتهم إبلاغُ رسالاتِ اللهِ إلى عبادِهِ، والدَّعوة إلى اللهِ وإصلاحِ النفوس وتزكيتها، وتقويم الفكر المنحرفِ والعقائد الزائفة، وإقامة الحجة وسياسة الأمَّة ،فلم تكن وظيفتُهم اختزانَ الأموالِ ولا توريث التُّراثِ، وإنما ورَّثوا عِلْماً وشرعاً، وبلاغاً للنَّاسِ، فذلك ميراثُهم، وهو خيرُ ميراثٍ(2).ودليل ذلك قولُ الرَّسُول صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (لا نُورثُ ، ما تركناه صدقة)
رواه البُخاريُّ مع الفتح، برقم (6730) ( 12/ 8 ) كتاب الفرائض باب قول النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لا نورث ،ما تركنا صدقة.
وهذا مهم من خصائصه صلوات الله وسلامه عليه، وكذلك الأنبياء عليهم السلام ، وهذا اختصَّ به دُونَ أمتِهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ من أنه لا يُورث، وأنَّ ما تركه صدقةٌ.
نضرة النعيم (1/516).
18- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بإخراجِ حظِّ الشَّيطانِ منه:
عن أنس بن مالك" أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أتاه جبريلُ صلى الله عليه وسلم وهو يلعبُ مع الغِلمان، فأخذه فصرعه فشقَّ عن قلبِهِ، فاستخرج القلبَ فاستخرج منه علقةً. فقال: هذا حظُّ الشَّيطانِ منك. ثم غسله في طستٍ من ذهب بماءِ زمزم، ثم لأَمَهُ (أي جمع وضمَّ بعضَه إلى بعضٍ) ثم أعاده في مكانِهِ، وجاء الغلمانُ يسعون إلى أمِّهِ (يعني ظئره) وهي المرضعة، فقالوا: إنَّ مُحمَّداً قد قُتِلَ. فاستقبلوه وهو مُنتقع اللون – قال أنس: وقد كنتُ أرى أثرَ ذلك المخيطِ في صدرِهِ".
رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، رقم الحديث (162) ( 1/ 145) .
19- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنه لا ينبغي أنْ تكون له خائنةُ أعينٍ:
وعن أنس بن مالك في حديث طويل قال: يا أبا حمزة، غزوت مع رسول الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ؟ قال: نعم، غزوت معه حنيناً، فخرج المشركون فحملوا علينا حَتَّى رأينا خيلنا وراء ظهورها وفي القوم رجلٌ يحمل علينا فيدقمنا ويحطمنا، فهزمهم الله، وجعل يجاء بهم فيُبايعونه على الإسلام، فقال رجل من أصحاب النَّبيّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (إن عليَّ نذراً إن جاء الله بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربن عنقه، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيء بالرجل، فلما رأى رسول الله صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، قال: يا رسول الله، تبت إلى الله، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُبايعه ليفي الآخر بنذره قال: فجعل الرجل يتصدَّى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمره بقتله، وجعل يهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتله، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يصنع شيئاً بايعه، فقال الرجل: يا رسول الله نذري، فقال: "إني لم أُمسك عنه منذ اليوم إلا لتُوفي بنذرك" فقال: يا رسول الله ألا أومضتَ إليَّ؟ فقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم : "إنه ليس لنبي أن يُومض" – أي الرمز بالعين والإيماء بها-. رواه أبو داود في سننه كتاب الجنائز. باب أن يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه. رقم (3194) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/301).
20- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ مَنْ سَبَّهُ رسولُ اللهِ؛ فإنَّ ذلكَ يكونُ قُربةً له:
فعن أبي هُرَيْرة رَضيَ اللهُ عنهُ أنه سمع النَّبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، يقولُ: "اللهم فأيما مؤمن سببته، فاجعلْ ذلك له قُربةً إليكَ يومَ القيامةِ"
رواه البُخاريُّ، الفتح (11/175) رقم (6361) كتاب الدعوات باب قول النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ من آذيته، فاجعله له زكاةً ورحمةً .
21- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّ الصَّدقةَ مُحرَّمةٌ عليهِ وعلى آلِهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
عن أبي هُرَيْرة رَضيَ اللهُ عنهُ، قال: (أخذ الحسنُ بن علي رَضيَ اللهُ عنهُما تمرةً من تمرِ الصَّدَقةِ فجعلها في فيهِ، فقالَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: "كِخْ، كخ"، ليَطرحها، ثم قال:" أَمَا شَعرتَ أنّا لا نأكلُ الصَّدقةَ؟"
رواه البُخاريُّ مع الفتح (3/414)، رقم الحديث (1491)، كتاب الزكاة، باب ما يُذكر في الصَّدقةِ.
22- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنه لا يأكلُ البصلَ أو الثَّومَ أو البُقُولَ التي تُثيرُ رائحةً مكروهة:
قال البُخاريّ حدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب زعم عطاءُ أن جابر بن عبد الله زعم أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ( "من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا." أو قال: "فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته"، وأن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أتي بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحاً، فسأل فأخبر بما فيها من البقول، فقال: قرِّبوها – إلى بعض أصحابه كان معه- فلما رآه كره أكلها قال: "كل، فإني أُناجي من لا تناجي". رواه البُخاريّ- الفتح (2/395) رقم (855) كتاب الأذان. باب ما جاء في الثوم والبصل..
23- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بأنَّهُ لا يجوزُ التزوجُ بنسائِهِ بعدَ موتِهِ.
قالَ اللهُ تعالى:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً، إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} سورة الأحزاب (53). ولقوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }سورة الأحزاب (6). فلا يجوزُ لرجلٍ أنْ ينكحَ أُمَّهُ، والعلم عند الله.
راجع: كتاب "كشف الغمة ببيان خصائص رسول الله والأمة": تأليف/ أبي الحسن المأربي، ص318..
24- اختصاصُهُ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بجوازِ التبركِ بشعرِهِ وريقِهِ الشَّريفِ.
فعن أنس رَضيَ اللهُ عنهُ قال: لما رمى رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ الجمرةَ، ونَحَرَ نُسكَهُ، وحَلَقَ، ناول الحالق شقَّهُ الأيمن فحلقه، ثم دعى أبا طلحة الأنصاري، فأعطاه إيَّاهُ، ثم ناوله الشقَّ الأيسرَ، فقالَ: (احلقْ) فحلقَهُ، فأعطاه أبا طلحة، فقالَ: "اقسمْهُ بين النَّاسِ".
رواه البُخاريُّ ( 1/ 328) كتاب الوضوء باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان . (170-171)، ومسلم (1305) ( 2/ 947 ) كتاب الحج باب بيان أنَّ السنة يوم النحر أن يرمي، ثم ينحر، ثم يحلق ولا يبدأ في الحلق بالجانب الأيمن من رأس المحلوق.
1 - راجع: نضرة النعيم (1/512).
2 - راجع : نضرة النعيم (1/516) . ...المزيد
معنى قوله: إنِّي فَرَطٌ لَكُمْ على الحوض يعني: أمامكم، سابق لكم، أمامهم في الجنة، وأمامهم في ...
معنى قوله: إنِّي فَرَطٌ لَكُمْ على الحوض
يعني: أمامكم، سابق لكم، أمامهم في الجنة، وأمامهم في الحوض عليه الصلاة والسلام، الفرط: السابق قبل القوم، الذي يسبقهم حتى يهيّئ لهم المنزل والماء ونحو ذلك، يعني: أنا أمامكم وأنا قُدّامكم، وسوف يَرِدون عليه الحوض عليه الصلاة والسلام .
لا يسبقهم بالموت؟ لا، بل يعني أمامهم يوم البعث والنشور.
وقال النووي في شرح مسلم: هذا مما اختلف العلماء في المراد منه على أقوال:
أحدها أن المراد به المنافقون والمرتدون فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم للسيما التي عليهم فيقال ليس هؤلاء ممن وعدت بهم، إن هؤلاء بدلوا بعدك أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم.
والثاني: أن المراد من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد بعده فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء لما كان يعرفه صلى الله عليه وسلم في حياته من إسلامهم فيقال ارتدوا بعدك.
والثالث: أن المراد أصحاب المعاصي الكبائر الذين ماتوا على التوحيد وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وعلى هذا القول لا يقطع لهؤلاء الذين يذادون بالنار، بل يجوز أن يذادوا عقوبة لهم ثم يرحمهم الله سبحانه وتعالى فيدخلهم الجنة بغير عذاب.
قال أصحاب هذا القول ولا يمتنع أن يكون لهم غرة وتحجيل ويحتمل أن يكون كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده لكن عرفهم بالسيما، وقال الحافظ ابن عبد البر، كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض كالخوارج والروافض وسائر أصحاب الهوى. قال: وكذلك الظلمة المترفون في الجور وطمس الحق المعلنون بالكبائر. قال: وكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر.
انتهى. كلام النووي رحمه الله. ...المزيد
يعني: أمامكم، سابق لكم، أمامهم في الجنة، وأمامهم في الحوض عليه الصلاة والسلام، الفرط: السابق قبل القوم، الذي يسبقهم حتى يهيّئ لهم المنزل والماء ونحو ذلك، يعني: أنا أمامكم وأنا قُدّامكم، وسوف يَرِدون عليه الحوض عليه الصلاة والسلام .
لا يسبقهم بالموت؟ لا، بل يعني أمامهم يوم البعث والنشور.
وقال النووي في شرح مسلم: هذا مما اختلف العلماء في المراد منه على أقوال:
أحدها أن المراد به المنافقون والمرتدون فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم للسيما التي عليهم فيقال ليس هؤلاء ممن وعدت بهم، إن هؤلاء بدلوا بعدك أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم.
والثاني: أن المراد من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد بعده فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء لما كان يعرفه صلى الله عليه وسلم في حياته من إسلامهم فيقال ارتدوا بعدك.
والثالث: أن المراد أصحاب المعاصي الكبائر الذين ماتوا على التوحيد وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وعلى هذا القول لا يقطع لهؤلاء الذين يذادون بالنار، بل يجوز أن يذادوا عقوبة لهم ثم يرحمهم الله سبحانه وتعالى فيدخلهم الجنة بغير عذاب.
قال أصحاب هذا القول ولا يمتنع أن يكون لهم غرة وتحجيل ويحتمل أن يكون كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده لكن عرفهم بالسيما، وقال الحافظ ابن عبد البر، كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض كالخوارج والروافض وسائر أصحاب الهوى. قال: وكذلك الظلمة المترفون في الجور وطمس الحق المعلنون بالكبائر. قال: وكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر.
انتهى. كلام النووي رحمه الله. ...المزيد
لماذا يطرد بعض الناس عن الحوض؟ قال القرطبي : قال علماؤنا كل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا ...
لماذا يطرد بعض الناس عن الحوض؟
قال القرطبي : قال علماؤنا كل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ولم يؤذن به ، فهو من المطرودين عن الحوض ، وأشدهم طرداً من خالف جماعة المسلمين كالخوارج والروافض والمعتزلة على اختلاف فرقهم ، فهؤلاء كلهم مبدلون ، وكذا الظلمة المسرفون في الجور والظلم وطمس الحق وإذلال أهله ، والمعلنون بكبائر الذنوب ، والمستخفون بالمعاصي ، وجماعة أهل الزيغ والبدع .
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني. ...المزيد
قال القرطبي : قال علماؤنا كل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ولم يؤذن به ، فهو من المطرودين عن الحوض ، وأشدهم طرداً من خالف جماعة المسلمين كالخوارج والروافض والمعتزلة على اختلاف فرقهم ، فهؤلاء كلهم مبدلون ، وكذا الظلمة المسرفون في الجور والظلم وطمس الحق وإذلال أهله ، والمعلنون بكبائر الذنوب ، والمستخفون بالمعاصي ، وجماعة أهل الزيغ والبدع .
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني. ...المزيد
مرافقة النبي في الجنة أعمال تجعلك رفيق المصطفى في الآخرة أرشدت السنة النبوية والآيات القرآنية إلى ...
مرافقة النبي في الجنة
أعمال تجعلك رفيق المصطفى في الآخرة
أرشدت السنة النبوية والآيات القرآنية إلى أعمال إذا حرص عليها المسلم كان له شرف مرافقة النبي في الجنة، ومحبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم واجبة على كل مسلم، والأدلة على ثبوت وجوبها كثيرة، فقال تعالى: «قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ» (التوبة: 24).
قال القاضي عياض رحمه الله: «فكفى بهذا حضًّا وتنبيهًا ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم؛ إذ قرّع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله تعالى: «فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ»، ثم فسّقهم بتمام الآية فقال: «وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ»، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله -عز وجل- فهذه آية عظيمة تبين أهمية ووجوب هذه المحبة.
مرافقة النبي في الجنة تفوز بها إذا حرصت على هذه الأمور التسعة ستكون رفيقًا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة، وهي:
أولًا: محبة النبي تجعلك رفيقه في الجنة:
أخرج البخاري (6169)، ومسلم (2640) عن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ».
وروى البخاري (3688)، ومسلم (2639) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ ؟، قَالَ: (وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا)؟ قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ). قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)!! قَالَ أَنَسٌ: "فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ».
ثانيًا: كثرة الصلاة والسجود لله تعالى
عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: «سَلْ» فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟» قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» رواه مسلم وأبو داود والنسائي.
ثالثًا: مَن يُطِعِ الرسول ينال رفقته:
عنِ ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما أنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، حَتَّى إِنِّي لأَذْكُرُكَ، فَلَوْلا أَنِّي أَجِيءُ فَأَنْظُرُ إِلَيْكَ ظَنَنْتُ أَنَّ نَفْسِي تَخْرُجُ، فَأَذْكُرُ أَنِّي إِنْ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ صِرْتُ دُونَكَ فِي الْمَنْزِلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ، وَأُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِي الدَّرَجَةِ. فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» [النساء/ 69]، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلاهَا عَلَيْهِ.
رابعًا: حُسْن الخلق يجعلك رفيق النبي في الجنة:
في سنن الترمذي، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ، وَالْمُتَشَدِّقُونَ، وَالْمُتَفَيْهِقُونَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: «الْمُتَكَبِّرُون»، ومعني: «أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة»، أي: "في الجنة، فإنها دار الراحة والجلوس، أما الموقف فالناس فيه قيام لرب العالمين".
خامسًا: كفالة اليتيم تجعلك رفيق النبي في الجنة:
الإحسان إلى الأيتام من أسباب الفوز بأعلى الجنان، ففي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» وأشار بالسبَّابة والوسطى وفرَّجَ بينهما.
سادسًا: إحسان تربية البنات يجعلك رفيق النبي في الجنة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن كان له أُختانِ أو ابنتانِ، فأحسنَ إليهما ما صحبتاهُ، كنتُ أنا وهو في الجنةِ كهاتينِ، وقرنَ بين إصبعيه».
سابعًا: من آمن بالرسول ولم يره سيكون رفيق النبي في الجنة
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبَرَة، فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أني قد رأيت إخواننا»، فقالوا: يا رسول الله، ألسنا بإخوانك؟ قال: «بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فَرَطهم على الحوض»، فقالوا: يا رسول الله، كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: «أرأيتَ لو كان لرجل خيل غر محجَّلة في خيل دهْم بهم ألا يعرف خيله؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليُذادنَّ رجال عن حوضي كما يُذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلمَّ، ألا هلمَّ، ألا هلمَّ، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا».
وروى الإمام أحمد من حديث أبي جمعة رضي الله عنه قال: تغدَّينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فقال: يا رسول الله، أحدٌ خيرٌ مِنا؟ أسلمنا وجاهدنا معك! قال: «نعم؛ قوم يكونون من بعدكم، يؤمنون بي ولم يروني».
ثامنًا: كثرة الصلاة على النبي تجعلك رفيق النبي في الجنة:
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ القِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاَةً» رواه الترمذي. قال المناوي رحمه الله: «إن أولى الناس بي يوم القيامة»: أقربهم مني يوم القيامة، وأولاهم بشفاعتي، وأحقهم بالإفاضة من أنواع الخيرات ودفع المكروهات.
تاسعًا: الدعاء يجعلك رفيق النبي في الجنة
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِذَا ابْنُ مَسْعُودٍ يُصَلِّي، وَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ النِّسَاءَ، فَانْتَهَى إِلَى رَأْسِ الْمِائَةِ، فَجَعَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَدْعُو وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْأَلْ تُعْطَهْ، اسْأَلْ تُعْطَهْ». ثُمَّ قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ». فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ لِيُبَشِّرَهُ، وَقَالَ لَهُ: مَا سَأَلْتَ اللَّهَ الْبَارِحَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا لَا يَرْتَدُّ، وَنَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ مُحَمَّدٍ فِي أَعْلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ. ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ سَبَقَكَ، قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، مَا سَبَقْتُهُ إِلَى خَيْرٍ قَطُّ إِلَّا سَبَقَنِي إِلَيْهِ. ...المزيد
أعمال تجعلك رفيق المصطفى في الآخرة
أرشدت السنة النبوية والآيات القرآنية إلى أعمال إذا حرص عليها المسلم كان له شرف مرافقة النبي في الجنة، ومحبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم واجبة على كل مسلم، والأدلة على ثبوت وجوبها كثيرة، فقال تعالى: «قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ» (التوبة: 24).
قال القاضي عياض رحمه الله: «فكفى بهذا حضًّا وتنبيهًا ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم؛ إذ قرّع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله تعالى: «فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ»، ثم فسّقهم بتمام الآية فقال: «وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ»، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله -عز وجل- فهذه آية عظيمة تبين أهمية ووجوب هذه المحبة.
مرافقة النبي في الجنة تفوز بها إذا حرصت على هذه الأمور التسعة ستكون رفيقًا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة، وهي:
أولًا: محبة النبي تجعلك رفيقه في الجنة:
أخرج البخاري (6169)، ومسلم (2640) عن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ».
وروى البخاري (3688)، ومسلم (2639) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ ؟، قَالَ: (وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا)؟ قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ). قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)!! قَالَ أَنَسٌ: "فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ».
ثانيًا: كثرة الصلاة والسجود لله تعالى
عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: «سَلْ» فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟» قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» رواه مسلم وأبو داود والنسائي.
ثالثًا: مَن يُطِعِ الرسول ينال رفقته:
عنِ ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما أنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، حَتَّى إِنِّي لأَذْكُرُكَ، فَلَوْلا أَنِّي أَجِيءُ فَأَنْظُرُ إِلَيْكَ ظَنَنْتُ أَنَّ نَفْسِي تَخْرُجُ، فَأَذْكُرُ أَنِّي إِنْ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ صِرْتُ دُونَكَ فِي الْمَنْزِلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ، وَأُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِي الدَّرَجَةِ. فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» [النساء/ 69]، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلاهَا عَلَيْهِ.
رابعًا: حُسْن الخلق يجعلك رفيق النبي في الجنة:
في سنن الترمذي، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ، وَالْمُتَشَدِّقُونَ، وَالْمُتَفَيْهِقُونَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: «الْمُتَكَبِّرُون»، ومعني: «أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة»، أي: "في الجنة، فإنها دار الراحة والجلوس، أما الموقف فالناس فيه قيام لرب العالمين".
خامسًا: كفالة اليتيم تجعلك رفيق النبي في الجنة:
الإحسان إلى الأيتام من أسباب الفوز بأعلى الجنان، ففي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» وأشار بالسبَّابة والوسطى وفرَّجَ بينهما.
سادسًا: إحسان تربية البنات يجعلك رفيق النبي في الجنة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن كان له أُختانِ أو ابنتانِ، فأحسنَ إليهما ما صحبتاهُ، كنتُ أنا وهو في الجنةِ كهاتينِ، وقرنَ بين إصبعيه».
سابعًا: من آمن بالرسول ولم يره سيكون رفيق النبي في الجنة
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبَرَة، فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أني قد رأيت إخواننا»، فقالوا: يا رسول الله، ألسنا بإخوانك؟ قال: «بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فَرَطهم على الحوض»، فقالوا: يا رسول الله، كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: «أرأيتَ لو كان لرجل خيل غر محجَّلة في خيل دهْم بهم ألا يعرف خيله؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليُذادنَّ رجال عن حوضي كما يُذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلمَّ، ألا هلمَّ، ألا هلمَّ، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا».
وروى الإمام أحمد من حديث أبي جمعة رضي الله عنه قال: تغدَّينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فقال: يا رسول الله، أحدٌ خيرٌ مِنا؟ أسلمنا وجاهدنا معك! قال: «نعم؛ قوم يكونون من بعدكم، يؤمنون بي ولم يروني».
ثامنًا: كثرة الصلاة على النبي تجعلك رفيق النبي في الجنة:
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ القِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاَةً» رواه الترمذي. قال المناوي رحمه الله: «إن أولى الناس بي يوم القيامة»: أقربهم مني يوم القيامة، وأولاهم بشفاعتي، وأحقهم بالإفاضة من أنواع الخيرات ودفع المكروهات.
تاسعًا: الدعاء يجعلك رفيق النبي في الجنة
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِذَا ابْنُ مَسْعُودٍ يُصَلِّي، وَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ النِّسَاءَ، فَانْتَهَى إِلَى رَأْسِ الْمِائَةِ، فَجَعَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَدْعُو وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْأَلْ تُعْطَهْ، اسْأَلْ تُعْطَهْ». ثُمَّ قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ». فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ لِيُبَشِّرَهُ، وَقَالَ لَهُ: مَا سَأَلْتَ اللَّهَ الْبَارِحَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا لَا يَرْتَدُّ، وَنَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ مُحَمَّدٍ فِي أَعْلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ. ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ سَبَقَكَ، قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، مَا سَبَقْتُهُ إِلَى خَيْرٍ قَطُّ إِلَّا سَبَقَنِي إِلَيْهِ. ...المزيد
حكمة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رغم فارق السن إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة ...
حكمة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رغم فارق السن
إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها بعد زواجه من سودة بنت زمعة رضي الله عنها ، وهي أي عائشة البكر الوحيدة التي تزوجها صلى الله عليه وسلم . وقد دخل بها وهي بنت تسع سنين .
وكان من فضائلها رضي الله عنها أنه ما نزل الوحي في لحاف امرأة غيرها ، وكانت من أحب الخلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ونزلت براءتها من فوق سبع سماوات ، وكانت من أفقه نسائه وأعلمهن ، بل أفقه نساء الأمة وأعلمهن على الإطلاق ، وكان الأكابر من أصحاب النبي يرجعون إلى قولها ويستفتونها .
أما قصة زواجها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حزن على وفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، إذ كانت تؤويه وتنصره ، وتعينه وتقف إلى جنبه ، حتى سمي ذلك العام الذي توفيت فيه بعام الحزن ، ثم تزوج صلى الله عليه وسلم بعدها سودة ، وكانت مسنة ، ولم تكن ذات جمال ، وإنما تزوجها مواساة لها ، حيث توفي زوجها ، وبقيت بين قوم مشركين ، وبعد أربع سنوات تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها ، وكان عمره صلى الله عليه وسلم فوق الخمسين ، ولعل من الحكم في زواجه ما يلي :
أولا : أنه رأى رؤيا في زواجه صلى الله عليه وسلم منها ، فقد ثبت في البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ( أُريتك في المنام مرتين أرى أنك في سرقة من حرير ويقال : هذه امرأتك ، فاكشف عنها فإذا هي أنت فأقول إن يك هذا من عند الله يمضه ) رواه البخاري برقم 3682 ، وهل هي رؤيا نبوة على ظاهرها ، أم لها تأويل ، فيه خلاف بين العلماء
ذكره الحافظ في فتح الباري ( 9/181 )
ثانيا : ما رآه صلى الله عليه وسلم في عائشة رضي الله عنها من أمارات ومقدمات الذكاء والفطنة في صغرها ، فأحب الزواج بها لتكون أقدر من غيرها على نقل أحواله صلى الله عليه وسلم وأقواله ، وبالفعل فقد كانت رضي الله عنها كما سبق مرجعا للصحابة رضي الله عنهم في شؤونهم وأحكامهم .
ثالثا : محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأبيها أبي بكر رضي الله عنه ، وما ناله رضي الله عنه في سبيل دعوة الحق من الأذى الذي صبر عليه ، فكان أقوى الناس إيمانا ، وأصدقهم يقينا على الإطلاق بعد الأنبياء .
ويلاحظ في مجموع زواجه صلى الله عليه وسلم أن من بين زوجاته الصغيرة ، والمسنة ، وابنة عدو لدود ، وابنة صديق حميم ، ومنهن من كانت تشغل نفسها بتربية الأيتام ، ومنهن من تميزت على غيرها بكثيرة الصيام والقيام .... إنهن نماذج لأفراد الإنسانية ، ومن خلالهن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين تشريعا فريدا في كيفية التعامل السليم مع كل نموذج من هذه النماذج البشرية .
- انظر: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص711.
أما مسألة صغر سنها رضي الله عنها ، واستشكالك لهذا ، فاعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نشأ في بلاد حارة وهي أرض الجزيرة ، وغالب البلاد الحارة يكون فيها البلوغ مبكرا ، ويكون الزواج المبكر ، وهكذا كان الناس في أرض الجزيرة إلى عهد قريب ، كما أن النساء يختلفن من حيث البنية والاستعداد الجسمي لهذا الأمر وبينهن تفاوت كبير في ذلك .
وإذا تأمّلت في أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يتزوّج بكراً غير عائشة رضي الله عنها ، وكلّ زوجاته سبق لهنّ الزواج قبله زال عنك ما يشيعه أكثر الطاعنين من أن زواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبعثه الأساسي هو الشهوة والتنعّم بالنساء ، إذ من كان هذا مقصده فإنّه لا يتخيّر في كلّ زوجاته أو معظمهن من توفرت فيها صفات الجمال والترغيب من كونها بكراً فائقة الجمال ، ونحو ذلك من المعايير الحسية الزائلة .
ومثل هذه المطاعن في نبي الرحمة صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الكفّار ونحوهم تدلّ على تمام عجزهم من أن يطعنوا في الشرع والدين الذي جاء به من عند الله تعالى ، فحاولوا أن يبحثوا عن مطاعن لهم في أمور خارجة ، ولكن يأبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون .
- انظر ( زاد المعاد 1 / 106 ). ...المزيد
إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها بعد زواجه من سودة بنت زمعة رضي الله عنها ، وهي أي عائشة البكر الوحيدة التي تزوجها صلى الله عليه وسلم . وقد دخل بها وهي بنت تسع سنين .
وكان من فضائلها رضي الله عنها أنه ما نزل الوحي في لحاف امرأة غيرها ، وكانت من أحب الخلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ونزلت براءتها من فوق سبع سماوات ، وكانت من أفقه نسائه وأعلمهن ، بل أفقه نساء الأمة وأعلمهن على الإطلاق ، وكان الأكابر من أصحاب النبي يرجعون إلى قولها ويستفتونها .
أما قصة زواجها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حزن على وفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، إذ كانت تؤويه وتنصره ، وتعينه وتقف إلى جنبه ، حتى سمي ذلك العام الذي توفيت فيه بعام الحزن ، ثم تزوج صلى الله عليه وسلم بعدها سودة ، وكانت مسنة ، ولم تكن ذات جمال ، وإنما تزوجها مواساة لها ، حيث توفي زوجها ، وبقيت بين قوم مشركين ، وبعد أربع سنوات تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها ، وكان عمره صلى الله عليه وسلم فوق الخمسين ، ولعل من الحكم في زواجه ما يلي :
أولا : أنه رأى رؤيا في زواجه صلى الله عليه وسلم منها ، فقد ثبت في البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ( أُريتك في المنام مرتين أرى أنك في سرقة من حرير ويقال : هذه امرأتك ، فاكشف عنها فإذا هي أنت فأقول إن يك هذا من عند الله يمضه ) رواه البخاري برقم 3682 ، وهل هي رؤيا نبوة على ظاهرها ، أم لها تأويل ، فيه خلاف بين العلماء
ذكره الحافظ في فتح الباري ( 9/181 )
ثانيا : ما رآه صلى الله عليه وسلم في عائشة رضي الله عنها من أمارات ومقدمات الذكاء والفطنة في صغرها ، فأحب الزواج بها لتكون أقدر من غيرها على نقل أحواله صلى الله عليه وسلم وأقواله ، وبالفعل فقد كانت رضي الله عنها كما سبق مرجعا للصحابة رضي الله عنهم في شؤونهم وأحكامهم .
ثالثا : محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأبيها أبي بكر رضي الله عنه ، وما ناله رضي الله عنه في سبيل دعوة الحق من الأذى الذي صبر عليه ، فكان أقوى الناس إيمانا ، وأصدقهم يقينا على الإطلاق بعد الأنبياء .
ويلاحظ في مجموع زواجه صلى الله عليه وسلم أن من بين زوجاته الصغيرة ، والمسنة ، وابنة عدو لدود ، وابنة صديق حميم ، ومنهن من كانت تشغل نفسها بتربية الأيتام ، ومنهن من تميزت على غيرها بكثيرة الصيام والقيام .... إنهن نماذج لأفراد الإنسانية ، ومن خلالهن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين تشريعا فريدا في كيفية التعامل السليم مع كل نموذج من هذه النماذج البشرية .
- انظر: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص711.
أما مسألة صغر سنها رضي الله عنها ، واستشكالك لهذا ، فاعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نشأ في بلاد حارة وهي أرض الجزيرة ، وغالب البلاد الحارة يكون فيها البلوغ مبكرا ، ويكون الزواج المبكر ، وهكذا كان الناس في أرض الجزيرة إلى عهد قريب ، كما أن النساء يختلفن من حيث البنية والاستعداد الجسمي لهذا الأمر وبينهن تفاوت كبير في ذلك .
وإذا تأمّلت في أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يتزوّج بكراً غير عائشة رضي الله عنها ، وكلّ زوجاته سبق لهنّ الزواج قبله زال عنك ما يشيعه أكثر الطاعنين من أن زواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبعثه الأساسي هو الشهوة والتنعّم بالنساء ، إذ من كان هذا مقصده فإنّه لا يتخيّر في كلّ زوجاته أو معظمهن من توفرت فيها صفات الجمال والترغيب من كونها بكراً فائقة الجمال ، ونحو ذلك من المعايير الحسية الزائلة .
ومثل هذه المطاعن في نبي الرحمة صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الكفّار ونحوهم تدلّ على تمام عجزهم من أن يطعنوا في الشرع والدين الذي جاء به من عند الله تعالى ، فحاولوا أن يبحثوا عن مطاعن لهم في أمور خارجة ، ولكن يأبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون .
- انظر ( زاد المعاد 1 / 106 ). ...المزيد
معلومات
أ.د. محمود عبد العزيز يوسف أبو المعاطي حجاب أستاذ الفقه المقارن. مصري مقيم في الخليج العربي أستاذ التشريع الجنائي بمعهد الدراسات الجنائية. خبير شرعي بالقضاء مستشار أسري. أستاذ الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية بولاية مينيسوتا الأمريكية. أستاذ الفقه وأصوله بالمعهد العالي للائمة والخطباء بأمريكا سابقا أستاذ الفقه وأصوله بجامعة أم القرى فرع محافظة القنفذة بالسعودية سابقاً. أستاذ الفقه وأصوله المشارك بمعهد الدعوة والعلوم الاسلامية بقطر سابقاً. عضو مكتب الإفتاء بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقطر سابقاً.
أكمل القراءة