طرق التسبيح الصحيحة
فضل التسبيح في القرآن والسنة
التسبيح في الإسلام تنزيه الحق عن نقائض الإمكان والحدوث. وَهُوَ تَنْزِيهُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ. وَالتَّنْزِيهُ: التَّبْعِيدُ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: سُبْحَانَ مِنْ كَذَا، أَيْ مَا أَبْعَدَهُ. وهو ضرب من الذكر.
فضل التسبيح
إن التسبيح له شأن عظيم ومكانة رفيعة؛ إذ هو أحد الكلمات الأربع التي وصفها رسول الله ﷺ بأنها خير الكلام وأحبه إلى الله، وذلك في قوله ﷺ: “أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر” (صحيح مسلم).
التسبيح في القرآن الكريم
وكلمة: سبحان الله، التي هي إحدى هؤلاء الكلمات لها شأن عظيم، فهي من أجل الأذكار المقربة إلى الله، ومن أفضل العبادات الموصلة إليه، وقد جاء في بيان فضلها وشرفها وعظم قدرها نصوص كثيرة في الكتاب والسنة، بل إن ما ورد في ذلك لا يمكن حصره لكثرته وتعدده.
وقد ورد ذكر التسبيح في القرآن الكريم أكثر من ثمانين مرة، بصيغ مختلفة وأساليب متنوعة.
فورد تارة بلفظ الأمر كما في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا} (سورة الأحزاب: 41 – 42)
وتارة بلفظ الماضي كما في قوله تعالى: {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم} (سورة الحشر :1)
وتارة بلفظ المضارع كما في قوله تعالى: {يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم} (سورة الجمعة: 1)
وتارة بلفظ المصدر كما في قوله تعالى: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين} (سورة الصافات: 180 – 182).
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى التسبيح في مفتتح ثماني سور من القرآن الكريم، فقال تعالى في أول سورة الإسراء: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} (سورة الإسراء: 2)
وقال تعالى في أول سورة النحل: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون} (سورة النحل: 1)
وقال تعالى في أول سورة الحديد: {سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم} (سورة الحديد: 1)
وقال تعالى في أول سورة الحشر: {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم} (سورة الحشر: 1)
وقال تعالى في أول سورة الصف: {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم} (سورة الصف: 1)
وقال تعالى في أول سورة الجمعة: {يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم} (سورة الجمعة: 1)
وقال تعالى في أول سورة التغابن: {يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير} (سورة التغابن: 1)
وقال تعالى في أول سورة الأعلى: {سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى} (سورة الأعلى: 1 – 5).
قال بعض أهل العلم (1): والتسبيح ورد في القرآن على نحو من ثلاثين وجها، ستة منها للملائكة، وتسعة لنبينا محمد ﷺ، وأربعة لغيره من الأنبياء، وثلاثة للحيوانات والجمادات، وثلاثة للمؤمنين خاصة، وستة لجميع الموجودات.
أما التي للملائكة فمنها قوله تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا}، (سورة غافر: 7)
وقوله: {فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له باليل والنهار وهم لا يسأمون} (سورة فصلت: 38)
وقوله: {وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون اليل والنهار لا يفترون} (سورة الأنبياء: 19 – 20)
وقوله: {وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون} (سورة الصافات: 165 – 166) .
وأما التي لنبينا ﷺ فمنها قوله تعالى: {فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} سورة الحجر، الآية: (98 – 99)
وقوله: {ومن اليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا} (سورة الإنسان: 26) وقوله تعالى: {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} (سورة النصر: 3).
وأما التي للأنبياء فقول الله تعالى لزكريا عليه السلام: {وسبح بالعشي والإبكار} (سورة آل عمران: 41)
وقوله تعالى عن زكريا عليه السلام في وصيته لقومه بالمحافظة على التسبيح: {فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا} (سورة مريم: 11)،
وقوله تعالى عن يونس عليه السلام في إنجائه من ظلمات البحر وبطن الحوت لملازمته للتسبيح: {فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} (سورة الصافات: 143 – 144) .
وأما التي للمؤمنين فقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا} (سورة الأحزاب: 41 – 42)
وقوله تعالى: {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون} (سورة السجدة: 15)
وقوله تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة} (سورة النور: 36 -37).
وأما التي في الحيوانات والجمادات فمنها قوله تعالى: {تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا} (سورة الإسراء: 44)
وقوله تعالى: {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب} (سورة ص: 18 – 19)
وقوله تعالى: {ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون} (سورة النور:41).
وأما التي لعموم المخلوقات فمنها قوله تعالى: {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم} (سورة الحشر: 1)
وقوله تعالى: {يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير} (سورة التغابن: 1)
وقد ذكر الله – تعالى – لفظة {سبحان} في القرآن في خمسة وعشرين موضعا، في ضمن كل واحد منها إثبات صفة من صفات المدح، أو نفي صفة من صفات الذم (2).
منها قوله تعالى: {سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون} (سورة البقرة: 116)
وقوله تعالى: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين} (سورة الصافات: 180 – 182)
وقوله تعالى: {سبحان الله عما يشركون} (سورة الطور: 43) ، وقوله تعالى: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون} (سورة الروم: 17 – 18)
وقوله تعالى: {سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون} (سورة الزخرف: 82 )
وقوله تعالى: {دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام} (سورة يونس:10) .
فهذه النصوص القرآنية الكريمة وما جاء في معناها في كتاب الله تدل أوضح دلالة على جلالة قدر التسبيح، وعظيم شأنه من الدين، وأنه من أجل الأذكار المشروعة، ومن أنفع العبادات المقربة إلى الله عز وجل.
التسبيح في السنة النوية
وقد دلت السنة النبوية على فضل التسبيح وعظيم مكانته عند الله من وجوه كثيرة، بل إن السنة مليئة بالنصوص الدالة على عظيم شأن التسبيح، وشريف قدره، وجزيل ثواب أهله، وبيان ما أعد الله لهم من أجور كريمة، وأفضال عظيمة، وعطايا جمة. وقد تضمنت تلك النصوص الدلالة على ذلك من وجوه كثيرة:
ومن ذلك أن النبي ﷺ أخبر أن التسبيح أفضل الكلام وأحبه إلى الله، وقد سبق أن مر معنا قول النبي ﷺ: “أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر”. (صحيح مسلم).
وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي ذر أن رسول الله ﷺ سئل: أي الكلام أفضل؟ قال: “ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده” (صحيح مسلم).
وفي لفظ آخر للحديث أن أبا ذر قال: قال رسول الله ﷺ: “ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟ قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله. قال: إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده” (صحيح مسلم). فدل هذا الحديث على عظيم مكانة هذه الكلمة عند الله عز وجل.
ومن فضائل التسبيح ما أخبر به النبي ﷺ أن من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه ذنوبه ولو كثرت. ففي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر” (صحيح البخاري وصحيح مسلم).
وثبت عنه ﷺ أن من قالها في الصباح مائة مرة وفي المساء مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا من قال مثل ذلك وزاد عليه. فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه” (صحيح مسلم).
وثبت عنه ﷺ أن من قالها في يوم مائة مرة كتبت له ألف حسنة أو حطت عنه ألف خطيئة، والحسنة بعشر أمثالها. روى مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله ﷺ فقال: “أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة” (صحيح مسلم).
ومما ورد في فضل التسبيح إخبار النبي ﷺ عن ثقل التسبيح في الميزان يوم القيامة مع خفة ويسر العمل به في الدنيا. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم” (صحيح البخاري وصحيح مسلم).
وقوله ﷺ في الحديث: “كلمتان” هي خبر مقدم مبتدؤه “سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم”، قال بعض أهل العلم: “والنكتة في تقديم الخبر تشويق السامع إلى المبتدأ، وكلما طال الكلام في وصف الخبر حسن تقديمه؛ لأن كثرة الأوصاف الجميلة تزيد السامع شوقا” (3).
وقد وصفت الكلمتان في الحديث بثلاثة أوصاف جميلة عظيمة، وهي: أنهما حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان.
وقد خص لفظ الرحمن بالذكر هنا؛ لأن المقصود من الحديث بيان سعة رحمة الله – تعالى – على عباده حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل، والأجر العظيم، فما أيسر النطق بهاتين الكلمتين على اللسان، وما أعظم أجر ذلك وثوابه عند الكريم الرحمن، وقد وصفت الكلمتان في الحديث بالخفة والثقل، الخفة على اللسان والثقل في الميزان، لبيان قلة العمل وكثرة الثواب. فما أوسع فضل الله! وما أعظم عطاءه!
ومن فضائل هذه الكلمة العظيمة، ما رواه الترمذي، وابن حبان، والحاكم، وغيرهم، من طريق أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: “من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة” (4)، وله شاهدان:
أحدهما: من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما موقوفا، خرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (5).
والآخر: من حديث معاذ بن سهل مرفوعا، خرجه الإمام أحمد في مسنده (6).
ومن فضائل هذه الكلمة ما رواه الطبراني، والحاكم، من حديث نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: قال رسول الله ﷺ: “من قال سبحان الله وبحمده، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، فقالها في مجلس ذكر كانت كالطابع يطبع عليه، ومن قالها في مجلس لغو كانت كفارة له”.
قال الحاكم: “هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه”، ووافقه الذهبي، وصححه العلامة الألباني (7)
وروى الترمذي وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: “من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك” (8).
فهذه جملة من الأحاديث الواردة في التسبيح والدالة على عظيم فضله وثوابه عند الله، وفي أكثر هذه الأحاديث قرن مع التسبيح حمد الله – تعالى -؛ وذلك لأن التسبيح هو تنزيه الله عن النقائص والعيوب، والتحميد فيه إثبات المحامد كلها لله عز وجل، والإثبات أكمل من السلب، ولهذا لم يرد التسبيح مجردا، لكن ورد مقرونا بما يدل على إثبات الكمال، فتارة يقرن بالحمد كما في هذه النصوص، وتارة يقرن باسم من الأسماء الدالة على العظمة والجلال، كقول: سبحان الله العظيم، وقول: سبحان ربي الأعلى، ونحو ذلك (9).
والتنزيه لا يكون مدحا إلا إذا تضمن معنى ثبوتيا، ولهذا عندما نزه الله – تبارك وتعالى – نفسه عما لا يليق به مما وصفه به أعداء الرسل سلم على المرسلين الذين يثبتون لله صفات كماله ونعوت جلاله على الوجه اللائق به، وذلك في قوله تعالى: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين} (سورة الصافات: 180 – 182) ، وفي هذه الآية – أيضا – حمد الله نفسه بعد أن نزهها؛ وذلك لأن الحمد فيه إثبات كمال الصفات، والتسبيح فيه تنزيه الله عن النقائص والعيوب، فجمع في الآية بين التنزيه عن العيوب بالتسبيح وإثبات لكمال بالحمد، وهذا المعنى يرد في القرآن والسنة كثيرا، فالتسبيح والحمد أصلان عظيمان وأساسان متينان يقوم عليهما المنهج الحق في توحيد الأسماء والصفات، وبالله وحده التوفيق.
ما الطريقة الصحيحة للتسبيح، ولاسيما إذا كان في السبحة؟
التسبيح من أفضل القربات، وهو من الذكر الذي حث عليه النبي عليه الصلاة والسلام ودل عليه كتاب الله، يقول جل وعلا في كتابه العظيم: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ [الروم:17]
ويقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41-42]
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ويقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم
ويقول عليه الصلاة والسلام: أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر،
ويقول أيضًا عليه الصلاة والسلام: الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله والأحاديث في هذا كثيرة تدل على فضل التسبيح والذكر.
وقد أمر الرسول ﷺ وقد أمر الفقراء الذين اشتكوا إليه، قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور يعني: الأموال- بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضول أموال، يتصدقون منها، ونحن لا نتصدق ما عندنا مال- ويعتقون ولا نعتق، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ألا أدلكم على شيء تدركون به من سبقكم، وتسبقون من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من فعل مثلما فعلتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: تسبحون، وتحمدون، وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين هذا فضل عظيم، فيستحب للمؤمن والمؤمنة عقب الصلاة أن يسبح الله، ويحمده، ويكبره ثلاثًا وثلاثين مرة.
وفي صحيح مسلم عن النبي ﷺ أنه قال: من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبر الله ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسع وتسعون، ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؛ غفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر وهذا فضل عظيم.
فينبغي للمؤمن والمؤمنة العناية بهذا الأمر بعد كل صلاة، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والفجر، أولًا إذا سلم يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، ثلاث مرات، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، يقول هذا بعد كل صلاة، الرجل والمرأة، الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، إذا سلم يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، الإمام والمنفرد، والمأموم، والإمام إذا فرغ منها، ينصرف إلى الناس، يعطيهم وجهه، بعدما يقول: اللهم أنت السلام... إلى آخره.
ثم يقول الجميع بعد هذا: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
النبي ﷺ يقول هذا بعد كل صلاة من الصلوات الخمس، فالسنة أن يقول المؤمن هكذا، والمؤمنة كذلك، ثم يأتي بالتسبيح، والتحميد، والتكبير ثلاثًا وثلاثين مرة، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثًا وثلاثين مرة، يعقدها بأصابعه؛ حتى يضبطها، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثًا وثلاثين مرة، ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
فأنا أوصي كل مسلم ومسلمة بالمحافظة على هذا، على هذا الذكر عقب كل صلاة.
ويعقدها بالأصابع لا بالسبحة، بالأصابع، وهذا هو الأفضل، الذي فعله النبي ﷺ والصحابة بالأصابع، والسبحة لا بأس بها في البيت، وفي بعض الأحيان، لكن كونه يعقدها بالأصابع أفضل.
وهكذا الرجل في المساجد يعقدها بالأصابع، لا بالسبحة، هذا هو الأفضل، تأسيًا بالنبي ﷺ وبالصحابة.
ويستحب بعد هذا أن يقرأ آية الكرسي بعد كل صلاة: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.. إلى آخرها، آخرها وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] هذا آخرها، هذا آخر الآية.
ويستحب أيضًا أن يقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين بعد كل صلاة قل هو الله أحد قل أعوذ برب الفلق قل أعوذ برب الناس يقرأ هذه السور الثلاث بعد كل صلاة، ويكررها ثلاث مرات بعد المغرب، والفجر، وعند النوم، هذه السور الثلاث يكررها ثلاثًا بعد الفجر، وبعد المغرب، وعند النوم.
ولا بأس في استعمال السبحة، تستعملها المرأة، أو الرجل في بيته، يستعملها بحصى، أو بالسبحة المعروفة، أو بالنوى، لا حرج، أو بعقد خيط يعقد لا بأس، لكن استعمال الأصابع أفضل، وأولى ولا سيما في المساجد، فالسنة أن تكون الأصابع هي المستعملة، نعم.
الذين يستعملون السبحة إنما هو كما يقولون للضبط، لا أكثر، ولا أقل، فما هو توجيهكم؟
الشيخ: يمكن الضبط بالأصابع، يضبطها بالأصابع، هذا هو الأفضل.
التسبيح فضله وكيفيته
ما هو التسبيح وقواعده وأركانه.
التسبيح من الأذكار التي ثبت الترغيب فيها، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:
1- ثبت في الصحيحين واللفظ للبخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر.
2-جاء في الصحيحين أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
3- في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت.
4- كما ثبت في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: وسبحان الله والحمد الله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض. وعليه فالتسبيح فضله عظيم وهو ذكر خفيف على اللسان ثقيل في الميزان إضافة على كونه عبادة تقوم بها جميع الكائنات بمختلف أنواعها.
قال الإمام ابن كثير في تفسيره: وقوله: وإن من شيء إلا يسبح بحمده، أي وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله ولكن لا تفقهون تزسبيحهم، أي لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس لأنها بخلاف لغاتكم وهذا عام في الحيوانات والجمادات والنباتات وهذا أشهر القولين. انتهى.
والذكر له مراتب أعلاها أن يكون بالقلب واللسان وقد سبقت هذه المراتب
لا تشترط الطهارة للذكر والدعاء
بخصوص الدعاء والاستغفار وذكر الله.. هل إذا لم يكن الإنسان على وضوء واستغفر ودعا وذكر الله هل ينال أجرا كأجر من كان على وضوء أم لا يصله الأجر أبدا؟
ذكر الله تعالى من دعاء واستغفار ونحو ذلك لا تشترط له الطهارة، بل إذا صدر من الشخص المحدث كتب له ثواب ذلك إن شاء الله تعالى.
ففي الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه. لكن إذا كان المسلم متوضئا فثواب الذكر في حقه أعظم من ثوابه في حالة الحدث، لكون الذكر حالة الوضوء أفضل منه في غيرها.
يدل على أفضلية الذكر في حال الطهارة كراهته صلى الله عليه وسلم لذكر الله في غير حال الطهارة.
ففي مسند الإمام أحمد عن المهاجر بن قنفذ أنه سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى توضأ فرد عليه، وقال إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة والخلاصة أن المحدث يحصل على ثواب ذكر الله تعالى إلا أن الثواب يعظم في حالة كون الشخص على طهارة.
هل يثاب فاعل الأذكار من دون استحضار نية التقرب إلى الله؟
هل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، والحوقلة، والحسبلة، والتوكل، والاستغفار، عبادات تستوجب النية قبل الشروع فيها؟
العبادة التي لا يتعبد بها لغير الله تعالى، والمتميزة لجناب الله تعالى بصورتها، لا يتوقف حصول الثواب فيها إلى نية التقرب بها إلى الله تعالى؛ بل يثاب عليها فاعلها، ولو لم ينو بها التقرب إلى الله تعالى.
قال الإمام القرافي في الذخيرة: القربات التي لا لبس فيها، لا تحتاج إلى نية -كالإيمان بالله تعالى، وتعظيمه، وإجلاله، والخوف من نقمه، والرجاء لنعمه، والتوكل على كرمه، والحياء من جلاله، والمحبة لجماله، والمهابة من سلطانه-، وكذلك التسبيح، والتهليل، وقراءة القرآن، وسائر الأذكار؛ فإنها متميزة لجنابه سبحانه وتعالى، وكذلك النية منصرفة إلى الله تعالى بصورتها، فلا جرم لم تفتقر إلى نية أخرى. اهـ.
وقال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: ما تميز لله بصورته، فهذا يثاب عليه مهما قصد إليه، وإن لم ينو به القربة -كالمعرفة، والإيمان، والأذان، والتسبيح، والتقديس، وقراءة القرآن. اهـ.
ما حكم الدعاء بقول "يا سريع الغوث"؟
وهل يجوز دعاء الله بغير أسمائه وصفاته الواردة في النصوص الشرعية إذا كان الوصف صحيحًا؟
فما لم يثبت بلفظه في أسماء الله -عزَّ وجلَّ-، فإن دعاء الله تعالى به موضع خلاف بين أهل العلم، والراجح هو جواز الدعاء بما يصح وصف الله تعالى به، أو الإخبار به عنه، مما يتضمن ثناء على الله تعالى. ومن جملة ذلك: "يا سريع الغوث". وقد سبق لنا بيان هذا الحكم في ألفاظ من هذا النحو، مثل: يا فرد، يا دليل الحيارى، يا معين، يا مسهل، يا ميسر. ومع ذلك؛ فالأفضل هو الثناء على الله تعالى، ودعاؤه، بما ورد في الكتاب والسنة ...المزيد
مساعدة
الإبلاغ عن المادة
تعديل تدوينة
طرق التسبيح الصحيحة فضل التسبيح في القرآن والسنة التسبيح في الإسلام تنزيه الحق عن نقائض الإمكان ...
طرق التسبيح الصحيحة
فضل التسبيح في القرآن والسنة
التسبيح في الإسلام تنزيه الحق عن نقائض الإمكان والحدوث. وَهُوَ تَنْزِيهُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ. وَالتَّنْزِيهُ: التَّبْعِيدُ. ...المزيد
فضل التسبيح في القرآن والسنة
التسبيح في الإسلام تنزيه الحق عن نقائض الإمكان والحدوث. وَهُوَ تَنْزِيهُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ. وَالتَّنْزِيهُ: التَّبْعِيدُ. ...المزيد
قواعد في أدبيات التعامل مع العلماء إن الأدب مع العلماء من شريعة رب الأرض والسماء، وهو مفتاح ...
قواعد في أدبيات التعامل مع العلماء
إن الأدب مع العلماء من شريعة رب الأرض والسماء، وهو مفتاح إلى الخير والعلياء.
وقد أحسن من قال: فاقنع بجهلك إن حضرت معلماً **** واقنع بدائك إن حضرت طبيباً
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويعرف لعالمنا حقه).
وقد أمسك ابن عباس رضي الله عنه بركاب دابة زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال له زيد رضي الله عنه: (دع عنك هذا يا ابن عم رسول الله، فقال ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا).
ويستفاد الأدب مع المعلم من قصة نبي الله موسى مع الخضر عندما التقى به فقال له: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) [الكهف:66] طلب في رفق وتلطف وأدب، ورد عليه: (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) [الكهف:67] وقد يكون في المعلم قسوة أو شدة لكن نيل العلم في زفراته، فرد عليه نبي الله موسى بقوله: (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) [الكهف:69] صبر على العلم والمعلم.
وقد ضرب السلف الأبرار أروع الأمثلة، فقال الشافعي رحمه الله: ما كنت أستطيع أنا أقلب الورق خشية أن أزعج الإمام مالك رحمة الله عليه فعوض الله الشافعي بالربيع الذي كان يقول (والله ما كنت أستطيع أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي) وكان طلابه يعاملونه معاملة الأمير.
آداب التعامل مع العلماء
1- الدعاء لهم في حياتهم وبعد وفاتهم كما كان الإمام أحمد يفعل مع الشافعي، حتى سألته ابنته وقالت من هذا الذي أراك تدعو له دائماً.
2- عدم رفع الصوت أو الكلام في حضرتهم.
3- الكف عن ذكرهم بالسوء في غيبتهم (لأن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله فيمن ينالون منهم معلومة)
4- تخصيصهم بسلام خاص ومناداتهم بالألفاظ المناسبة.
5- عدم الإكثار عليهم عند الملل.
6- ستر ما ظهر من عيوبهم.
7- عدم مقارنتهم مع غيرهم.
8- البعد عن إحراجهم أو اختبارهم بالأسئلة.
قواعد في التعامل مع العلماء
أبدأ بالله مستعينًا بتلخيص كتاب مهم، يحتاجه الناس عامة، ويحتاجه طالب العلم خاصة، وهو بعنوان: "قواعد في التعامل مع العلماء"؛ لمؤلفه فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن معلا اللويحق، وقدَّم له سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله نشرَتْه دار الوراق عام 1415هـ، ويقع الكتاب في 193 صفحة، في مقدمة وفصلين، يحتوي الفصل الأول على أربعة مباحث، والفصل الثاني على خمسة عشر مبحثًا، حاولت تلخيصه؛ ليستفيد منه من يقرؤه، ويحيط علمًا بأفانينه ورياحينه، فأسأل الله التوفيق والإعانة.
قواعد في التعامل مع العلماء د. شادي محمد راضي
من هم العلماء؟
العلماء هم ورثة الأنبياء، وفقهاء الإسلام، أئمة الدِّين، العارفون بشرع رب العالمين، هداة الناس لاتباع الهدْي القويم، والمنهج السليم، وهم رأس الجماعة التي أُمِرْنا بلزومها، وحُذِّرْنا من مفارقتها، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "العلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة".
كيف يُعرف العلماء؟
ما هي أوصاف هؤلاء العلماء الأَجِلاَّء، فالعلماء يُعرَفون بخشيتهم وتنَسُّكهم، ودعوتهم وجهادهم؛ ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِه الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]، ويُعرَفون بالعلم والرسوخ فيه.
قال ابن القيم رحمه الله: "إن الراسخ في العلم لو وَرَدَت عليه من الشُّبَه بعدد أمواج البحر، ما أزالتْ يقينَه، ولا قدحت فيه شكًّا؛ لأنه قد رسخ في العلم، فلا تستفزُّه الشبهات، بل إذا وردت عليه رَدَّهَا حرسُ العلم وجيشُه مغلولةً مغلوبةً"
(مفتاح دار السعادة 1/140)
ويُعرفَون بشهادة مشايخهم بالعلم، وبدروسهم وفتاواهم ومؤلفاتهم، ويُعرَفون باستعلائهم على حطام الدنيا الزائل،
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ومن له في الأمة لسانُ صِدْق؛ بحيث يُثنَى عليه، ويُحمَد في جماهير أجناس الأمة، فهؤلاء أئمة الهدى، ومصابيح الدجى".
(الفتاوى 11/ 43).
التفريق بين العلماء وبين من قد يشتبه بهم
اعلم أن هناك فرقًا جوهريًّا واضحًا بين طبقة العلماء، وبين غيرهم من القراء من يجيد القراءة والكتابة والمثقفين، والمفكرين، والوُعاظ، والخطباء.
فالعالم الفقيه ذو فَهْم شُمولي للإسلام، واطِّلاع على مجمل الأحكام الشرعية، صاحب مَلَكة في فهم النص، صاحب معرفة بمقاصد الشريعة وأهدافها،
قال الإمام مالك رحمه الله: "الحكمة والعلم نور يهدي به الله من يشاء، وليس بكثرةِ المسائل".
فلا بد أن يُفَرَّق بين هذا العالم الرباني، وبين من قرأ نُتَفًا من العلم هنا وهناك، ويفرَّق بين من مازج بين ثقافة إسلامية عامة، وأخرى غربية كلامية جدلية، ويفرق بين قَصَّاص واعظ.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إنكم في زمانٍ كثير علماؤه، قليل خطباؤه، وسيأتي من بَعدِكُم زمان كثيرٌ خطباؤه، والعلماء فيه قليلٌ" (رواه البخاري في الأدب المفرد، ص 346)
وقال مجاهد رحمه الله: "ذهب العلماء فلم يبق إلا المتكلمون، وما المجتهد فيكم إلا كاللاعب فيمن كان قبلكم".
مكانة العلماء ومنزلتهم
لقد اعتبرت الشريعة الإسلامية للعلماء منزلتهم، وجُعِل ذلك اعتبارًا شرعيًّا واجبًا من جهة أن طاعتهم طاعة لله ولرسوله، فلا تُقَدَّسُ ذواتُهم وأشخاصهم، ويُتعلَّم منهم العلم الشرعي، والسمت، والهدي التربوي، والتطبيق العملي، يصل توافق أقوالهم فتقوى إلى الإجماع، فيكون القول حجة، وأصلاً شرعيًّا معتبرًا أيضًا، وعلى ذلك أدلة، منها:
• ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59]
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يعني أهل الفقه والدين، وأهل طاعة الله، الذين يُعلِّمون الناس معاني دينهم، ويأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، فأوجب الله سبحانه طاعتهم على عباده".
• ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، قال السعدي في تفسيره: "وعموم هذه الآية فيها مَدْح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلمُ بكتاب الله المنزَّل؛ فإن الله أمَرَ من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث، وفي ضمنه تعديلٌ لأهل العلم، وتزكيةٌ لهم؛ حيث أمر بسؤالهم، وأن بذلك يَخْرُج الجاهل من التَّبِعة".
• ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: 18]، قال القرطبي في تفسيره: "في هذه الآية دليل على فضل العلم، وشرف العلماء وفضلهم؛ فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء، لقَرَنَهُم الله باسمه واسم ملائكته، كما قرن اسم العلماء".
• ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9]، قال الطبري في تفسيره: "ويرفع الله الذين أوتوا العلم من أهل الإيمان، على المؤمنين الذين لم يؤتَوا العلم، بفضل علمهم درجاتٍ، إذا عملوا بما أُمِرُوا به".
• ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 43]، قال ابن كثير في تفسيره: "وما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون في العلم، المتضلعون منه".
• ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِه الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]، قال السعدي في تفسيره: "فكل مَنْ كان بالله أعلم، كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية الله الانكفافَ عن المعاصي، والاستعداد للقاء مَنْ يخشاه، وهذا دليل على فضيلة العلم؛ فإنه داعٍ إلى خشية الله".
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (... وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثُوا العلم؛ فمن أخذه، أخذ بحظ وافر).
وعن جُبَير بن مطعِم رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نضَّرَ الله عبدًا، سمع مقالتي، فحفظها ووعاها، وبلَّغها مَنْ لم يسمعْها، فَرُبَّ حاملِ فقهٍ لا فِقْهَ له، ورُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هُوَ أفقَهُ منه)
قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات: "إنَّ المُفْتِيَ شَارِعٌ من وجه؛ لأن ما يبلِّغه من الشريعة إما منقول عن صاحبها، وإما مستنبَط من المنقول؛ فالأول: يكون فيه مُبلِّغًا، والثاني: يكون فيه قائمًا مقامه في إنشاء الأحكام، وإنشاء الأحكام إنما هو للشارع، فإذا كان للمجتهد إنشاء الأحكام بحسَب نظره واجتهاده، فهو من هذا الوجه شارع، واجِبٌ اتباعُه، والعمل على وَفْق ما قاله، وهذه هي الخلافة على التحقيق".
التصحيح من الموافقات (5/ 255).
فالحذَر ممن يهدر مكانة العلماء، ويُردِّد مستخفًّا بقول: "الإسلام ليس دينًا كهنوتيًّا"، و"ليس في الإسلام قداسة لأحد"، حينها ستُشَابِه الخوارج؛ كونهم لم يرفعوا لصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسًا، والحَذَر ممن يجعل لهم قداسة؛ بحيث لا يُسأَلون عما يفعلون، فتُشَابِه الرافضة، وليكن موقفك وسَطًا تحفظ للعالِم قدْرَه، وتعْلَم أنهم غير معصومين، فالسلف يعرفون الرجال بالحق، وغيرهم يعرف الحق بالرجال، والله المستعان.
قواعد في التعامل مع العلماء
1- موالاة العلماء ومحبتهم:
قال الإمام الطحاوي رحمه الله في العقيدة الطحاوية: "وعلماء السلف من السابقين، ومَنْ بعدَهم من التابعين، أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يُذكَرون إلا بالجميل، ومَنْ ذَكَرَهُم بسوءٍ، فَهُمْ على غير السبيلِ"، ويقول شيخ الإسلام: "وليس لأحد أن ينتسب إلى شيخ يوالي على متابعته ويعادي على ذلك، بل عليه أن يوالي كل من كان من أهل الإيمان، ومن عُرِف منه التقوى مِنْ جميع الشيوخ وغيرهم، ولا يَخُص أحدًا بمزيد موالاة، إلا إذا ظهر له مزيد إيمانه وتقواه، فيقَدِّم من قدَّم الله تعالى ورسوله عليه، ويُفضِّل من فضَّله الله ورسوله".
2- احترام العلماء وتقديرهم:
قال طاووس بن كيسان رحمه الله: "مِنَ السُّنة أن يوقَّر أربعة: العالم، وذو الشَّيْبة، والسُّلطان، والوالد"، ولقد أخذ ابن عباس رضي الله عنهما مع جلالته وعلو مرتبته، بِرِكَاب زيد بن ثابت الأنصاري، وقال: "هكذا أُمِرْنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا"؛ (رواه الحاكم، ووافقه الذهبي)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "مكثت سنتين أريد أن أسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن حديث، ما منعني منه إلا هيبَتُه".
3- الأخذ عن العلماء والسعي إليهم:
قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: "لا يزال الناس بخير، ما بقي الأول حتى يتعلَّم، أو يُعلِّم الآخِرَ، فإن هلك الأول قبل أن يُعَلِّم أو يتعلم الآخِر، هلك الناس"، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهَّالَكُم لا يتعلمون، فتعلَّموا قبل أن يُرفَع العلم؛ فإنَّ رَفْعَ العلم ذَهَابُ العلماء"، وقال ميمون بن مِهران رحمه الله: "العلماء هم ضالتي في كل بلد، وهم بُغيتي، إذا لم أجدهم، وجدت صلاح قلبي في مجالسة العلماء".
4- رعاية مراتب العلماء:
إن العلم درجات، والعلماء مراتب، ومنه مراعاة التخصص، ومراعاة السن، قال الإمام الذهبي رحمه الله في سيره: "أقْرَأُ هذه الأمةِ أُبَيُّ بن كعب، وأقضاهم علِيٌّ، وأفرَضُهُم زيدٌ، وأعلمهم بالتأويل ابنُ عباس"، وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كباركم، فإذا كان العلم في صغاركم، سفَّه الصغيرُ الكبير".
5- الحذر من القدح في العلماء:
قال عبدالله بن المبارك رحمه الله: "حقٌّ على العاقل ألا يستخف بثلاثة: العلماء، والسلطان، والإخوان؛ فإنه من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالسلطان ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته"،
وقال الحافظ ابن عساكر: "واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتَّقيه حق تقاته أن لحوم العلماء رحمة الله عليهم مسمومة، وعادة الله في هتك أستار مُنْتَقِصِيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براءٌ أمره عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره الله منهم لِنَشْرِ العلم خُلُق ذميم".
6- الحذر من تخطئة العلماء بغير علم:
قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: "الواجب على المسلم أن يحفظ لسانه عما لا ينبغي، وألا يتكلم إلا عن بصيرة، فالقول بأن فلانًا لم يفقه الواقع، هذا يحتاج إلى علم، ولا يقوله إلا مَنْ عنده علم؛ حتى يستطيع الحكم بأن فلانًا لم يفقه الواقع، أما من يقول هذا جُزافًا، ويحكُمُ برأيه على غير دليل، فهذا منكر عظيم لا يجوز، والعلم بأن صاحب الفتوى لم يفقه الواقع يحتاج إلى دليل، ولا يتسنى ذلك إلا للعلماء".
ومما يجب الحذر منه رَمْي العالم بجهله بحال المنافقين والعلمانيين، ومما يجب الحذر منه رمي العالم بالبدعة، من غير دليل ولا برهان، وللاستزادة من هذا، فليراجع رسالة الشيخ العلاَّمة بكر أبو زيد رحمه الله وعنوانها: "كشف الجلة، عن الغلط على الأئمة".
7- التماس العذر للعلماء:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظُنَّ بكلمة خرجت من أخيك المسلم سوءًا، وأنت تجد لها في الخير محملاً"، ويقول السبُّكي رحمه الله: "فإذا كان الرجل ثقة مشهودًا له بالإيمان والاستقامة، فلا ينبغي أن يُحمل كلامه وألفاظ كتاباته على غير ما تُعُوِّدَ منه ومن أمثاله، بل ينبغي التأويل الصالح، وحسن الظن الواجب به وبأمثاله".
8- الرجوع إلى العلماء والصدور عن رأيهم، خصوصًا في الفتن:
يقول الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله: "فالواجب علينا التثبُّت، وعدم التسرع، والله - سبحانه وتعالى - أمرَنا بالتثبت فيما يختص بالعامة من الأمة، وجعل أمور السلم والحرب، والأمور العامة، جعل المرجع فيها إلى ولاة الأمور، وإلى العلماء خاصة، ولا يجوز لأفراد الناس أن يتدخلوا فيها؛ لأن هذا يشتت الأمر، ويفرِّق الوَحدة، ويتيح الفرصة لأصحاب الأغراض، الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر".
ليس أحدٌ إلا وتُكُلِّمَ فيه؛ فَتَثَبَّتْ؛ قال الإمام الشافعي رحمه الله: "ليس إلى السلامة من الناس سبيل؛ فانظر الذي فيه صلاحك فالْزمْه"، فالموقف الرشيد من هذا هو التثبت، وهو دليل تَقْوَى الرجل وخوفه من الله عز وجل.
9- الاعتبار في الحكم بكثرة الفضائل:
قال سعيد بن المسيب رحمه الله: "ليس من عالِم، ولا شريف، ولا ذي فضل، إلا وفيه عيب، ولكن من كان فضله أكثر من نقصه، ذهب نقصُه لفضله، كما أنَّ مَنْ غلب عليه نقصانه، ذهب فضله"،
ويقول الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: "لا يسلم العالم من الخطأ، فمن أخطأ قليلاً وأصاب كثيرًا، فهو عالم، ومن أصاب قليلاً وأخطأ كثيرًا، فهو جاهل"، ويقول ابن رجب رحمه الله: "والمنصِفُ مَنِ اغتفر قليلَ خطأِ المرءِ في كثيرِ صَوَابِهِ".
10- الحذر من زلات العلماء:
فكما هو متقرر أن العلماء غير معصومين، فمن وقع في زلة، فلا تعتمد هذه الزلة، ولا تأخذ بها؛ لأنها جاءت خلاف الشريعة؛
ولهذا قال الشاطبي رحمه الله: "إن زلة العالم لا يصح اعتمادها، من جهة، ولا الأخذ بها تقليدًا؛ وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع؛ ولذلك عُدَّت زلة، وإلا فلو كانت مُعتَدًّا بها، لم يُجعل لها هذه الرتبة، ولا نَنْسُب إلى صاحبها الزللَ فيها"؛
ولهذا قال الأوزاعي رحمه الله: "من أخذ بنوادر العلماء، خرج من الإسلام".
ثم إذا علمت هذه الزلة، فلا بد من العدل والإنصاف في التعامل معها، وفي هذا قال الإمام الشاطبي رحمه الله: "لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يُشَنَّع عليه بها، ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه المخالفة بحتًا؛ فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين"، ولهذا لا بد من المناصحة، وتبيين الزلة بأسلوب علمي، وأدب رفيع، تعريضًا لا تصريحًا.
11- كلام الأقران في بعض يُطوى ولا يُروى:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "استمعوا علم العلماء، ولا تُصدِّقوا بعضهم على بعض"، وقال الإمام الذهبي: "كلام الأقران بعضهم في بعض لا يؤبَهُ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة، أو لمذهب، أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عَصَمَهُ اللهُ، وما علمْتُ أن عصرًا من الأعصار سَلِمَ أهله من ذلك سوى الأنبياء والصِّدِّيقين، ولو شئتُ لسردْتُ من ذلك كراريس"، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "كلام الأقران غير معتبَر في حق بعضهم بعضًا، إذا كان غير مفسَّر".
ومن أسباب هذا الكلام وجود المنافسة في البلد، أو التخصص العلمي، الغضب الشديد، الاختلاف المذهبي، وجود بعض الإحَن والمخاصمات، ومع هذا فَصُوَر العلماء مشرقة، واضحة في العدل والإنصاف، ومنه قول الإمام أحمد في إسحاق بن راهويه؛ حيث قال: "لم يَعبُرِ الجسرَ إلى خراسان مثلُ إسحاقَ، وإن كان يخالفنا في أشياءَ، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضًا".
12- العدل في الحكم على المجتهدين:
اعلم أن المجتهد مأجور، غير مأزور في اجتهاده؛ فعن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب، فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ، فله أجر)
وقال ابن تيمية رحمه الله: "ومذهب أهل السنة أنه لا إثم على من اجتهد، وإن أخطأ، واعلم أيضًا أن الاختلاف بين العلماء أمر مقدور، لا يمكن تجاوزه، كما أن اختلافهم في الأحكام له أسباب معتبرة، ولم يكن عن تعمُّد، ولا اعتباطًا، أو لِهَوًى، أو غير ذلك".
ولقد ألف شيخ الإسلام رسالة ثمينة في هذا الباب، فلتُراجَع، وهي بعنوان: "رفع الملام عن الأئمة الأعلام".
ومما يجب علمه أيضًا: ليس كلُّ اختلاف بين العلماء يُعَدُّ اختلافا حقيقيًّا، بل قد يكون من باب اختلاف التنوع لا التضاد، ولا بد أن يُرجَع كل خلاف إلى القرآن والسنة للفصل فيه، ولا بُدَّ أن تدرك أن العصمة لا تكون لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم فكُلٌّ يؤخذ من قوله ويُرَدُّ إلا محمدًا صلى الله عليه وسلم.
13- ترك المبادرة إلى الاعتراض على العلماء:
ومثال ذلك الإرشاد النبوي في واقعة الحديبية، بعد كتابة وثيقة الصلح مع قريش، واعترض الصحابة رضي الله عنهم على بنودها، ومن أشدهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم تبين بعد ذلك أن هذا الصلح كان خيرًا وفتحًا مُبِينًا للمسلمين، وتاب الصحابة رضي الله عنهم عن اعتراضهم، وما زال عمر رضي الله عنه يصوم، ويتصدق، ويعتق؛ كفارة عن ذلك اليوم.
وخذ بوصية الحسن بن علي رضي الله عنهما حيث أوصى ابنه قائلاً له: "يا بُنَي، إذا جالسْتَ العلماء، فكن على أن تسمع أحرصَ منك على أن تقول، وتعلَّم حسن الاستماع، كما تتعلم حسن الصمت".
14- وضع الثقة في العلماء:
إن من الناس من يطالب العلماء الربانين ببيان كل شيء، يتعلق بأمور العامة، وهذه المطالبة مخالِفَة للشرع والعقل؛ فليس كل أمر يصلح إخبار الناس به، وهم أعلم بما يَصْلُح للمتعلم من العِلْم،
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "حدِّثوا الناس بما يعرفون؛ أتُحِبُّون أن يُكَذَّب اللهُ ورسوله؟!"،
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما أنت بمحدِّث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة".
توقير العلماء واحترامهم سنة ماضية، حض عليها النبي صلى الله عليه وسلم ودَرَج عليها سلف الأمة.
البستان ما زال يحوي أزهارًا، لم أقطفها لك؛ حتى تذهب بنفسك لقطفها، وشَمِّ رياحينها، وما زال في البحر درر كامنة، تبحث عمن يفتش عنها ليخرجها. ...المزيد
إن الأدب مع العلماء من شريعة رب الأرض والسماء، وهو مفتاح إلى الخير والعلياء.
وقد أحسن من قال: فاقنع بجهلك إن حضرت معلماً **** واقنع بدائك إن حضرت طبيباً
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويعرف لعالمنا حقه).
وقد أمسك ابن عباس رضي الله عنه بركاب دابة زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال له زيد رضي الله عنه: (دع عنك هذا يا ابن عم رسول الله، فقال ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا).
ويستفاد الأدب مع المعلم من قصة نبي الله موسى مع الخضر عندما التقى به فقال له: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) [الكهف:66] طلب في رفق وتلطف وأدب، ورد عليه: (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) [الكهف:67] وقد يكون في المعلم قسوة أو شدة لكن نيل العلم في زفراته، فرد عليه نبي الله موسى بقوله: (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) [الكهف:69] صبر على العلم والمعلم.
وقد ضرب السلف الأبرار أروع الأمثلة، فقال الشافعي رحمه الله: ما كنت أستطيع أنا أقلب الورق خشية أن أزعج الإمام مالك رحمة الله عليه فعوض الله الشافعي بالربيع الذي كان يقول (والله ما كنت أستطيع أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي) وكان طلابه يعاملونه معاملة الأمير.
آداب التعامل مع العلماء
1- الدعاء لهم في حياتهم وبعد وفاتهم كما كان الإمام أحمد يفعل مع الشافعي، حتى سألته ابنته وقالت من هذا الذي أراك تدعو له دائماً.
2- عدم رفع الصوت أو الكلام في حضرتهم.
3- الكف عن ذكرهم بالسوء في غيبتهم (لأن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله فيمن ينالون منهم معلومة)
4- تخصيصهم بسلام خاص ومناداتهم بالألفاظ المناسبة.
5- عدم الإكثار عليهم عند الملل.
6- ستر ما ظهر من عيوبهم.
7- عدم مقارنتهم مع غيرهم.
8- البعد عن إحراجهم أو اختبارهم بالأسئلة.
قواعد في التعامل مع العلماء
أبدأ بالله مستعينًا بتلخيص كتاب مهم، يحتاجه الناس عامة، ويحتاجه طالب العلم خاصة، وهو بعنوان: "قواعد في التعامل مع العلماء"؛ لمؤلفه فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن معلا اللويحق، وقدَّم له سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله نشرَتْه دار الوراق عام 1415هـ، ويقع الكتاب في 193 صفحة، في مقدمة وفصلين، يحتوي الفصل الأول على أربعة مباحث، والفصل الثاني على خمسة عشر مبحثًا، حاولت تلخيصه؛ ليستفيد منه من يقرؤه، ويحيط علمًا بأفانينه ورياحينه، فأسأل الله التوفيق والإعانة.
قواعد في التعامل مع العلماء د. شادي محمد راضي
من هم العلماء؟
العلماء هم ورثة الأنبياء، وفقهاء الإسلام، أئمة الدِّين، العارفون بشرع رب العالمين، هداة الناس لاتباع الهدْي القويم، والمنهج السليم، وهم رأس الجماعة التي أُمِرْنا بلزومها، وحُذِّرْنا من مفارقتها، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "العلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة".
كيف يُعرف العلماء؟
ما هي أوصاف هؤلاء العلماء الأَجِلاَّء، فالعلماء يُعرَفون بخشيتهم وتنَسُّكهم، ودعوتهم وجهادهم؛ ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِه الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]، ويُعرَفون بالعلم والرسوخ فيه.
قال ابن القيم رحمه الله: "إن الراسخ في العلم لو وَرَدَت عليه من الشُّبَه بعدد أمواج البحر، ما أزالتْ يقينَه، ولا قدحت فيه شكًّا؛ لأنه قد رسخ في العلم، فلا تستفزُّه الشبهات، بل إذا وردت عليه رَدَّهَا حرسُ العلم وجيشُه مغلولةً مغلوبةً"
(مفتاح دار السعادة 1/140)
ويُعرفَون بشهادة مشايخهم بالعلم، وبدروسهم وفتاواهم ومؤلفاتهم، ويُعرَفون باستعلائهم على حطام الدنيا الزائل،
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ومن له في الأمة لسانُ صِدْق؛ بحيث يُثنَى عليه، ويُحمَد في جماهير أجناس الأمة، فهؤلاء أئمة الهدى، ومصابيح الدجى".
(الفتاوى 11/ 43).
التفريق بين العلماء وبين من قد يشتبه بهم
اعلم أن هناك فرقًا جوهريًّا واضحًا بين طبقة العلماء، وبين غيرهم من القراء من يجيد القراءة والكتابة والمثقفين، والمفكرين، والوُعاظ، والخطباء.
فالعالم الفقيه ذو فَهْم شُمولي للإسلام، واطِّلاع على مجمل الأحكام الشرعية، صاحب مَلَكة في فهم النص، صاحب معرفة بمقاصد الشريعة وأهدافها،
قال الإمام مالك رحمه الله: "الحكمة والعلم نور يهدي به الله من يشاء، وليس بكثرةِ المسائل".
فلا بد أن يُفَرَّق بين هذا العالم الرباني، وبين من قرأ نُتَفًا من العلم هنا وهناك، ويفرَّق بين من مازج بين ثقافة إسلامية عامة، وأخرى غربية كلامية جدلية، ويفرق بين قَصَّاص واعظ.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إنكم في زمانٍ كثير علماؤه، قليل خطباؤه، وسيأتي من بَعدِكُم زمان كثيرٌ خطباؤه، والعلماء فيه قليلٌ" (رواه البخاري في الأدب المفرد، ص 346)
وقال مجاهد رحمه الله: "ذهب العلماء فلم يبق إلا المتكلمون، وما المجتهد فيكم إلا كاللاعب فيمن كان قبلكم".
مكانة العلماء ومنزلتهم
لقد اعتبرت الشريعة الإسلامية للعلماء منزلتهم، وجُعِل ذلك اعتبارًا شرعيًّا واجبًا من جهة أن طاعتهم طاعة لله ولرسوله، فلا تُقَدَّسُ ذواتُهم وأشخاصهم، ويُتعلَّم منهم العلم الشرعي، والسمت، والهدي التربوي، والتطبيق العملي، يصل توافق أقوالهم فتقوى إلى الإجماع، فيكون القول حجة، وأصلاً شرعيًّا معتبرًا أيضًا، وعلى ذلك أدلة، منها:
• ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59]
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يعني أهل الفقه والدين، وأهل طاعة الله، الذين يُعلِّمون الناس معاني دينهم، ويأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، فأوجب الله سبحانه طاعتهم على عباده".
• ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، قال السعدي في تفسيره: "وعموم هذه الآية فيها مَدْح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلمُ بكتاب الله المنزَّل؛ فإن الله أمَرَ من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث، وفي ضمنه تعديلٌ لأهل العلم، وتزكيةٌ لهم؛ حيث أمر بسؤالهم، وأن بذلك يَخْرُج الجاهل من التَّبِعة".
• ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: 18]، قال القرطبي في تفسيره: "في هذه الآية دليل على فضل العلم، وشرف العلماء وفضلهم؛ فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء، لقَرَنَهُم الله باسمه واسم ملائكته، كما قرن اسم العلماء".
• ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9]، قال الطبري في تفسيره: "ويرفع الله الذين أوتوا العلم من أهل الإيمان، على المؤمنين الذين لم يؤتَوا العلم، بفضل علمهم درجاتٍ، إذا عملوا بما أُمِرُوا به".
• ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 43]، قال ابن كثير في تفسيره: "وما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون في العلم، المتضلعون منه".
• ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِه الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]، قال السعدي في تفسيره: "فكل مَنْ كان بالله أعلم، كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية الله الانكفافَ عن المعاصي، والاستعداد للقاء مَنْ يخشاه، وهذا دليل على فضيلة العلم؛ فإنه داعٍ إلى خشية الله".
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (... وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثُوا العلم؛ فمن أخذه، أخذ بحظ وافر).
وعن جُبَير بن مطعِم رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نضَّرَ الله عبدًا، سمع مقالتي، فحفظها ووعاها، وبلَّغها مَنْ لم يسمعْها، فَرُبَّ حاملِ فقهٍ لا فِقْهَ له، ورُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هُوَ أفقَهُ منه)
قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات: "إنَّ المُفْتِيَ شَارِعٌ من وجه؛ لأن ما يبلِّغه من الشريعة إما منقول عن صاحبها، وإما مستنبَط من المنقول؛ فالأول: يكون فيه مُبلِّغًا، والثاني: يكون فيه قائمًا مقامه في إنشاء الأحكام، وإنشاء الأحكام إنما هو للشارع، فإذا كان للمجتهد إنشاء الأحكام بحسَب نظره واجتهاده، فهو من هذا الوجه شارع، واجِبٌ اتباعُه، والعمل على وَفْق ما قاله، وهذه هي الخلافة على التحقيق".
التصحيح من الموافقات (5/ 255).
فالحذَر ممن يهدر مكانة العلماء، ويُردِّد مستخفًّا بقول: "الإسلام ليس دينًا كهنوتيًّا"، و"ليس في الإسلام قداسة لأحد"، حينها ستُشَابِه الخوارج؛ كونهم لم يرفعوا لصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسًا، والحَذَر ممن يجعل لهم قداسة؛ بحيث لا يُسأَلون عما يفعلون، فتُشَابِه الرافضة، وليكن موقفك وسَطًا تحفظ للعالِم قدْرَه، وتعْلَم أنهم غير معصومين، فالسلف يعرفون الرجال بالحق، وغيرهم يعرف الحق بالرجال، والله المستعان.
قواعد في التعامل مع العلماء
1- موالاة العلماء ومحبتهم:
قال الإمام الطحاوي رحمه الله في العقيدة الطحاوية: "وعلماء السلف من السابقين، ومَنْ بعدَهم من التابعين، أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يُذكَرون إلا بالجميل، ومَنْ ذَكَرَهُم بسوءٍ، فَهُمْ على غير السبيلِ"، ويقول شيخ الإسلام: "وليس لأحد أن ينتسب إلى شيخ يوالي على متابعته ويعادي على ذلك، بل عليه أن يوالي كل من كان من أهل الإيمان، ومن عُرِف منه التقوى مِنْ جميع الشيوخ وغيرهم، ولا يَخُص أحدًا بمزيد موالاة، إلا إذا ظهر له مزيد إيمانه وتقواه، فيقَدِّم من قدَّم الله تعالى ورسوله عليه، ويُفضِّل من فضَّله الله ورسوله".
2- احترام العلماء وتقديرهم:
قال طاووس بن كيسان رحمه الله: "مِنَ السُّنة أن يوقَّر أربعة: العالم، وذو الشَّيْبة، والسُّلطان، والوالد"، ولقد أخذ ابن عباس رضي الله عنهما مع جلالته وعلو مرتبته، بِرِكَاب زيد بن ثابت الأنصاري، وقال: "هكذا أُمِرْنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا"؛ (رواه الحاكم، ووافقه الذهبي)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "مكثت سنتين أريد أن أسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن حديث، ما منعني منه إلا هيبَتُه".
3- الأخذ عن العلماء والسعي إليهم:
قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: "لا يزال الناس بخير، ما بقي الأول حتى يتعلَّم، أو يُعلِّم الآخِرَ، فإن هلك الأول قبل أن يُعَلِّم أو يتعلم الآخِر، هلك الناس"، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهَّالَكُم لا يتعلمون، فتعلَّموا قبل أن يُرفَع العلم؛ فإنَّ رَفْعَ العلم ذَهَابُ العلماء"، وقال ميمون بن مِهران رحمه الله: "العلماء هم ضالتي في كل بلد، وهم بُغيتي، إذا لم أجدهم، وجدت صلاح قلبي في مجالسة العلماء".
4- رعاية مراتب العلماء:
إن العلم درجات، والعلماء مراتب، ومنه مراعاة التخصص، ومراعاة السن، قال الإمام الذهبي رحمه الله في سيره: "أقْرَأُ هذه الأمةِ أُبَيُّ بن كعب، وأقضاهم علِيٌّ، وأفرَضُهُم زيدٌ، وأعلمهم بالتأويل ابنُ عباس"، وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كباركم، فإذا كان العلم في صغاركم، سفَّه الصغيرُ الكبير".
5- الحذر من القدح في العلماء:
قال عبدالله بن المبارك رحمه الله: "حقٌّ على العاقل ألا يستخف بثلاثة: العلماء، والسلطان، والإخوان؛ فإنه من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالسلطان ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته"،
وقال الحافظ ابن عساكر: "واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتَّقيه حق تقاته أن لحوم العلماء رحمة الله عليهم مسمومة، وعادة الله في هتك أستار مُنْتَقِصِيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براءٌ أمره عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره الله منهم لِنَشْرِ العلم خُلُق ذميم".
6- الحذر من تخطئة العلماء بغير علم:
قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: "الواجب على المسلم أن يحفظ لسانه عما لا ينبغي، وألا يتكلم إلا عن بصيرة، فالقول بأن فلانًا لم يفقه الواقع، هذا يحتاج إلى علم، ولا يقوله إلا مَنْ عنده علم؛ حتى يستطيع الحكم بأن فلانًا لم يفقه الواقع، أما من يقول هذا جُزافًا، ويحكُمُ برأيه على غير دليل، فهذا منكر عظيم لا يجوز، والعلم بأن صاحب الفتوى لم يفقه الواقع يحتاج إلى دليل، ولا يتسنى ذلك إلا للعلماء".
ومما يجب الحذر منه رَمْي العالم بجهله بحال المنافقين والعلمانيين، ومما يجب الحذر منه رمي العالم بالبدعة، من غير دليل ولا برهان، وللاستزادة من هذا، فليراجع رسالة الشيخ العلاَّمة بكر أبو زيد رحمه الله وعنوانها: "كشف الجلة، عن الغلط على الأئمة".
7- التماس العذر للعلماء:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظُنَّ بكلمة خرجت من أخيك المسلم سوءًا، وأنت تجد لها في الخير محملاً"، ويقول السبُّكي رحمه الله: "فإذا كان الرجل ثقة مشهودًا له بالإيمان والاستقامة، فلا ينبغي أن يُحمل كلامه وألفاظ كتاباته على غير ما تُعُوِّدَ منه ومن أمثاله، بل ينبغي التأويل الصالح، وحسن الظن الواجب به وبأمثاله".
8- الرجوع إلى العلماء والصدور عن رأيهم، خصوصًا في الفتن:
يقول الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله: "فالواجب علينا التثبُّت، وعدم التسرع، والله - سبحانه وتعالى - أمرَنا بالتثبت فيما يختص بالعامة من الأمة، وجعل أمور السلم والحرب، والأمور العامة، جعل المرجع فيها إلى ولاة الأمور، وإلى العلماء خاصة، ولا يجوز لأفراد الناس أن يتدخلوا فيها؛ لأن هذا يشتت الأمر، ويفرِّق الوَحدة، ويتيح الفرصة لأصحاب الأغراض، الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر".
ليس أحدٌ إلا وتُكُلِّمَ فيه؛ فَتَثَبَّتْ؛ قال الإمام الشافعي رحمه الله: "ليس إلى السلامة من الناس سبيل؛ فانظر الذي فيه صلاحك فالْزمْه"، فالموقف الرشيد من هذا هو التثبت، وهو دليل تَقْوَى الرجل وخوفه من الله عز وجل.
9- الاعتبار في الحكم بكثرة الفضائل:
قال سعيد بن المسيب رحمه الله: "ليس من عالِم، ولا شريف، ولا ذي فضل، إلا وفيه عيب، ولكن من كان فضله أكثر من نقصه، ذهب نقصُه لفضله، كما أنَّ مَنْ غلب عليه نقصانه، ذهب فضله"،
ويقول الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: "لا يسلم العالم من الخطأ، فمن أخطأ قليلاً وأصاب كثيرًا، فهو عالم، ومن أصاب قليلاً وأخطأ كثيرًا، فهو جاهل"، ويقول ابن رجب رحمه الله: "والمنصِفُ مَنِ اغتفر قليلَ خطأِ المرءِ في كثيرِ صَوَابِهِ".
10- الحذر من زلات العلماء:
فكما هو متقرر أن العلماء غير معصومين، فمن وقع في زلة، فلا تعتمد هذه الزلة، ولا تأخذ بها؛ لأنها جاءت خلاف الشريعة؛
ولهذا قال الشاطبي رحمه الله: "إن زلة العالم لا يصح اعتمادها، من جهة، ولا الأخذ بها تقليدًا؛ وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع؛ ولذلك عُدَّت زلة، وإلا فلو كانت مُعتَدًّا بها، لم يُجعل لها هذه الرتبة، ولا نَنْسُب إلى صاحبها الزللَ فيها"؛
ولهذا قال الأوزاعي رحمه الله: "من أخذ بنوادر العلماء، خرج من الإسلام".
ثم إذا علمت هذه الزلة، فلا بد من العدل والإنصاف في التعامل معها، وفي هذا قال الإمام الشاطبي رحمه الله: "لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يُشَنَّع عليه بها، ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه المخالفة بحتًا؛ فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين"، ولهذا لا بد من المناصحة، وتبيين الزلة بأسلوب علمي، وأدب رفيع، تعريضًا لا تصريحًا.
11- كلام الأقران في بعض يُطوى ولا يُروى:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "استمعوا علم العلماء، ولا تُصدِّقوا بعضهم على بعض"، وقال الإمام الذهبي: "كلام الأقران بعضهم في بعض لا يؤبَهُ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة، أو لمذهب، أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عَصَمَهُ اللهُ، وما علمْتُ أن عصرًا من الأعصار سَلِمَ أهله من ذلك سوى الأنبياء والصِّدِّيقين، ولو شئتُ لسردْتُ من ذلك كراريس"، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "كلام الأقران غير معتبَر في حق بعضهم بعضًا، إذا كان غير مفسَّر".
ومن أسباب هذا الكلام وجود المنافسة في البلد، أو التخصص العلمي، الغضب الشديد، الاختلاف المذهبي، وجود بعض الإحَن والمخاصمات، ومع هذا فَصُوَر العلماء مشرقة، واضحة في العدل والإنصاف، ومنه قول الإمام أحمد في إسحاق بن راهويه؛ حيث قال: "لم يَعبُرِ الجسرَ إلى خراسان مثلُ إسحاقَ، وإن كان يخالفنا في أشياءَ، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضًا".
12- العدل في الحكم على المجتهدين:
اعلم أن المجتهد مأجور، غير مأزور في اجتهاده؛ فعن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب، فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ، فله أجر)
وقال ابن تيمية رحمه الله: "ومذهب أهل السنة أنه لا إثم على من اجتهد، وإن أخطأ، واعلم أيضًا أن الاختلاف بين العلماء أمر مقدور، لا يمكن تجاوزه، كما أن اختلافهم في الأحكام له أسباب معتبرة، ولم يكن عن تعمُّد، ولا اعتباطًا، أو لِهَوًى، أو غير ذلك".
ولقد ألف شيخ الإسلام رسالة ثمينة في هذا الباب، فلتُراجَع، وهي بعنوان: "رفع الملام عن الأئمة الأعلام".
ومما يجب علمه أيضًا: ليس كلُّ اختلاف بين العلماء يُعَدُّ اختلافا حقيقيًّا، بل قد يكون من باب اختلاف التنوع لا التضاد، ولا بد أن يُرجَع كل خلاف إلى القرآن والسنة للفصل فيه، ولا بُدَّ أن تدرك أن العصمة لا تكون لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم فكُلٌّ يؤخذ من قوله ويُرَدُّ إلا محمدًا صلى الله عليه وسلم.
13- ترك المبادرة إلى الاعتراض على العلماء:
ومثال ذلك الإرشاد النبوي في واقعة الحديبية، بعد كتابة وثيقة الصلح مع قريش، واعترض الصحابة رضي الله عنهم على بنودها، ومن أشدهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم تبين بعد ذلك أن هذا الصلح كان خيرًا وفتحًا مُبِينًا للمسلمين، وتاب الصحابة رضي الله عنهم عن اعتراضهم، وما زال عمر رضي الله عنه يصوم، ويتصدق، ويعتق؛ كفارة عن ذلك اليوم.
وخذ بوصية الحسن بن علي رضي الله عنهما حيث أوصى ابنه قائلاً له: "يا بُنَي، إذا جالسْتَ العلماء، فكن على أن تسمع أحرصَ منك على أن تقول، وتعلَّم حسن الاستماع، كما تتعلم حسن الصمت".
14- وضع الثقة في العلماء:
إن من الناس من يطالب العلماء الربانين ببيان كل شيء، يتعلق بأمور العامة، وهذه المطالبة مخالِفَة للشرع والعقل؛ فليس كل أمر يصلح إخبار الناس به، وهم أعلم بما يَصْلُح للمتعلم من العِلْم،
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "حدِّثوا الناس بما يعرفون؛ أتُحِبُّون أن يُكَذَّب اللهُ ورسوله؟!"،
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما أنت بمحدِّث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة".
توقير العلماء واحترامهم سنة ماضية، حض عليها النبي صلى الله عليه وسلم ودَرَج عليها سلف الأمة.
البستان ما زال يحوي أزهارًا، لم أقطفها لك؛ حتى تذهب بنفسك لقطفها، وشَمِّ رياحينها، وما زال في البحر درر كامنة، تبحث عمن يفتش عنها ليخرجها. ...المزيد
فضائل أيام العشر من ذي الحجة فضائل أيام العشر من ذي الحجة كثيرة وهي من أفضل الأيام التي أقسم الله ...
فضائل أيام العشر من ذي الحجة
فضائل أيام العشر من ذي الحجة كثيرة وهي من أفضل الأيام التي أقسم الله تعالى بها حين قال جلَّ وعلا (والفجر وليالٍ عشر) ولهذا فإن الاجتهاد في الطاعات خلالها من أعظم القربات لله تعالى، وفيما يلي بعض الفضائل لهذه الأيام:
1- أقسم الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل بالعشر الأوائل من ذي الحجة، والله لا يُقسم إلا بشيء عظيم.
2- العمل الصالح في الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة له ثواب أكبر منه في بقية الأيام.
3- في يوم عرفة تُرفع الأعمال إلى الله.
4- يعتق الله رقاب عباده من النيران في يوم عرفة.
5- يوم عرفة هو يوم الحج الأكبر الذي يتم فيه غفران الذنوب والمعاصي للعبد سنة مضت وسنة آتية.
6- أعظم الأيام عند الله يوم النحر ويوم القر.
7- يتم تأدية فريضة الحج المبارك في الأيام العشر، وهي من أعظم الفرائض في الإسلام.
ماذا نفعل في أيام العشر من ذي الحجة؟
السؤال الأكثر تداولاً في بداية موسم الخير، ماذا تفعل في أيام العشر من ذي الحجة؟
ربما تكون أهم نقطة أن تستقبل هذا الموسم بالتوبة والبعد عن المعاصي والذنوب، لأنه ما حُرِم أحدٌ خيراً إلا بذنوبه، وقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإكثار من صالح الأعمال ولكنه لم يحدد نوعها، وهذه بعض الأعمال التي يجب ألا تغيب عن أصحاب الطاعات في عشر ذي الحجة:
1- الإكثار من الأعمال الصالحة
2- الصلاة
3- الصيام
4- أداء الحج والعمرة
5- التكبير والتهليل والتحميد
6- الإكثار من قراءة القرآن
7- الصدقة
8- صيام يوم عرفة
9- غض البصر عن الحرام
10- أداء الصلاة مع الجماعة
11- برّ الوالدين وصلة الرحم
12- قيام الليل ولو بركعات قليلة
13- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
14- حفظ الجوارح ومن أهمها اللسان
أعمال ترتبط برؤية هلال ذو الحجة
عند الحديث عما ورد في السنة من أعمال ترتبط برؤية هلال ذي الحجة، فإنَّ النَّبيَّ ﷺ كان إذا رأى الهلال قال:” اللَّهمَّ أهلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسَّلامة والإسلام، ربِّي وربُّك اللَّه، هلال رشدٍ وخَيْرٍ” رواه الترمذي
بمجرّد رؤية الهلال تبدأ الأيام العشر الفضيلة، وحريٌّ بنا أن نستقبلها استقبالًا خاصًا، ونباشر بأفضل الأعمال لاستثمارها والفوز بما وعد الله به من مغفرة ورفع درجات.
أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة
تتضاعف أجور الأعمال الصالحة في موسم ذي الحجة لذا نحرص على استثمارها بشكل كبير، وقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإكثار من صالح الأعمال دون تحديد نوعها، وربما تكون أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة:
– صيام التسع الأوائل من ذي الحجة.
– الإكثار من صالح الأعمال.
– الإكثار من قراءة القرآن والدعاء.
– التهليل والتكبير والتحميد.
أعمال مستحبة في عشر ذي الحجة
كل الأعمال الصالحة أعمال مستحبة في عشر ذي الحجة، وفيها الخير العظيم، ولكن أوكد هذه الأعمال الصيام، لما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يصومها، ففي سنن أبي داود وغيره عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل: أرأيت صيام عرفة؟ قال: (احتسب عند الله أن يكفر السنة الماضية والباقية).
صيام العشر من ذي الحجة
يُعد صيام العشر من ذي الحجة أحد أفضل الأعمال قربةً لله عزَّ وجلَّ لأنها أحب الأيام إليه تبارك وتعالى، وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصومها، فقد قالت أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيامٍ من كل شهر” صحيح سنن أبي داود.
أسباب صيام العشر الأوائل من ذي الحجة
يستحبُّ صيام هذه الأيام العشر بقدر الاستطاعة، وقد تتعدد أسباب صيام العشر الأوائل من ذي الحجة، ولكن أهمها أن أجر الصيام عظيم عند الله تعالى، كما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به)، فإن اجتمع الصيام مع فضل الأيام العشر صار أجره مضاعفاً بإذن الله، ففيها:
1- تقربٌ إلى الله تعالى، وزيادة الإيمان والتقوى.
2- مغفرة للذنوب، ومحو الخطايا
3- تجديد القرب من الشعائر والعبادات
4- الحصول على الثواب العظيم.
دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة
لقد وردت العديد من الأدعية في السنة النبوية، منها دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة، وهو متعدد، نذكر منه:
1- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خيرُ الدُّعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ، وخيرُ ما قلتُ أَنا والنَّبيُّونَ من قبلي: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ ولَهُ الحمدُ وَهوَ على كلِّ شَيءٍ قديرٌ).
2- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مِن أيَّامٍ أَعظَمَ عِندَ اللهِ، ولا أَحَبَّ إلَيهِ مِنَ العملِ فيهِنَّ مِن هذِه الأَيَّامِ العَشرِ؛ فأَكثِرُوا فيهِنَّ مِنَ التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحميدِ).
3- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ مِن الخيرِ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علِمْتُ منه وما لَمْ أعلَمْ وأعوذُ بكَ مِن الشَّرِّ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علِمْتُ منه وما لَمْ أعلَمْ، اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ مِن الخيرِ ما سأَلكَ عبدُك ونَبيُّكَ وأعوذُ بكَ مِن الشَّرِّ ما عاذ به عبدُك ونَبيُّكَ وأسأَلُكَ الجنَّةَ وما قرَّب إليها مِن قولٍ وعمَلٍ وأعوذُ بكَ مِن النَّارِ وما قرَّب إليها مِن قولٍ وعمَلٍ وأسأَلُكَ أنْ تجعَلَ كلَّ قضاءٍ قضَيْتَه لي خيرًا).
عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا
إنّ من فضل الله تعالى على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات، يستكثرون فيها من العمل الصالح، ويتنافسون فيها فيما يقربهم إلى ربهم، والسعيد من اغتنم تلك المواسم، ولم يجعلها تمر عليه مروراً عابراً، مشيراً إلى أن من هذه المواسم الفاضلة عشر ذي الحجة، والتي شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا، وحث على العمل الصالح فيها.
ويكفي هذه الأيام شرفاً وفضلاً، أن المولى عز وجل قد أقسم بها والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، لافتاً إلى أن هذا يستدعي من العبد أن يجتهد فيها، ويكثر من الأعمال الصالحة، وأن يحسن استقبالها واغتنامها.
كيفية الاستقبال
وفيما يتعلق بكيفية استقبال الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة فحري بالمسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامة، ومنها الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة بأمور منها: التوبة الصادقة: فعلى المسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامة بالتوبة الصادقة والعزم الأكيد على الرجوع إلى الله، ففي التوبة فلاح للعبد في الدنيا والآخرة.
كذلك العزم الجاد على اغتنام هذه الأيام: فينبغي على المسلم أن يحرص حرصاً شديداً على عمارة هذه الأيام بالأعمال والأقوال الصالحة، ومن عزم على شيء أعانه الله وهيأ له الأسباب التي تعينه على إكمال العمل، ومن صدق الله صدقه الله، و البعد عن المعاصي من وسائل الاستعداد لاستقبال هذه الأيام، فكما أن الطاعات أسباب للقرب من الله تعالى، فالمعاصي أسباب للبعد عن الله والطرد من رحمته، وقد يحرم الإنسان رحمة الله بسبب ذنب يرتكبه، فإن كنت تطمع في مغفرة الذنوب والعتق من النار فأحذر الوقوع في المعاصي في هذه الأيام وفي غيرها؟ ومن عرف ما يطلب هان عليه كل ما يبذل.
فضائل الأيام العشر
الله تعالى أقسم بها وإذا أقسم الله بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم، قال تعالى وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ. والليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين والخلف.
وهذه الأيام هي الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره: قال تعالى: «وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ» وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس.
رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد لهذه الأيام بأنها أفضل أيام الدنيا: فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فضل أيام الدنيا أيام العشر يعني عشر ذي الحجة قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب».
يوم عرفة
من فضائل هذه الأيام أن فيها يوم عرفة: ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً. كما أن هذه الأيام فيها يوم النحر: وهو أفضل أيام السنة عند بعض العلماء، قال صلى الله عليه وسلم «أعظم الأيام عند الله يوم النحر».
ومن فضلها أنه قد اجتمعت أمهات العبادة فيها: قال الحافظ ابن حجر في الفتح: «والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره».
الأعمال المستحبة
من الأعمال المستحبة في عشر ذي الحجة: أداء مناسك الحج والعمرة: وهما أفضل ما يعمل في عشر ذي الحجة، ومن يسر الله له حج بيته أو أداء العمرة على الوجه المطلوب فجزاؤه الجنة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».
كذلك الصيام: وهو يدخل في جنس الأعمال الصالحة، بل هو من أفضلها، وقد أضافه الله إلى نفسه لعظم شأنه وعلو قدره، فقال سبحانه في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» وأضاف: لقد خصّ النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبين فضل صيامه فقال: «صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده» وعليه فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح فيها. وقد ذهب إلى استحباب صيام العشر الإمام النووي وقال: «صيامها مستحب استحباباً شديداً».
الصلاة أجرها عظيم
من الأعمال الصالحة المستحبة في هذه الأيام الصلاة وهي من أجل الأعمال وأعظمها وأكثرها فضلاً، ولهذا يجب على المسلم المحافظة عليها في أوقاتها مع الجماعة، وعليه أن يكثر من النوافل في هذه الأيام، فإنها من أفضل القربات، وتابع: من الأعمال الصالحة أيضاً: التكبير والتحميد والتهليل والذكر: فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد».
كذلك من الأعمال الصالحة: الصدقة والإمساك عن الأخذ من الشعر والأظفار لمن نوى أن يضحي وتشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق، وهي سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين فدى الله ولده بذبح عظيم.
أعمال مستحبة عديدة
هناك أعمال أخرى يستحب الإكثار منها في هذه الأيام منها: قراءة القرآن وتعلمه، الاستغفار، وبر الوالدين، صلة الأرحام والأقارب، إفشاء السلام وإطعام الطعام، الإصلاح بين الناس، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حفظ اللسان والفرج، الإحسان إلى الجيران، إكرام الضيف، الإنفاق في سبيل الله، إماطة الأذى عن الطريق، النفقة على الزوجة والعيال، كفالة الأيتام، زيارة المرضى، قضاء حوائج الإخوان، الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. ...المزيد
فضائل أيام العشر من ذي الحجة كثيرة وهي من أفضل الأيام التي أقسم الله تعالى بها حين قال جلَّ وعلا (والفجر وليالٍ عشر) ولهذا فإن الاجتهاد في الطاعات خلالها من أعظم القربات لله تعالى، وفيما يلي بعض الفضائل لهذه الأيام:
1- أقسم الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل بالعشر الأوائل من ذي الحجة، والله لا يُقسم إلا بشيء عظيم.
2- العمل الصالح في الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة له ثواب أكبر منه في بقية الأيام.
3- في يوم عرفة تُرفع الأعمال إلى الله.
4- يعتق الله رقاب عباده من النيران في يوم عرفة.
5- يوم عرفة هو يوم الحج الأكبر الذي يتم فيه غفران الذنوب والمعاصي للعبد سنة مضت وسنة آتية.
6- أعظم الأيام عند الله يوم النحر ويوم القر.
7- يتم تأدية فريضة الحج المبارك في الأيام العشر، وهي من أعظم الفرائض في الإسلام.
ماذا نفعل في أيام العشر من ذي الحجة؟
السؤال الأكثر تداولاً في بداية موسم الخير، ماذا تفعل في أيام العشر من ذي الحجة؟
ربما تكون أهم نقطة أن تستقبل هذا الموسم بالتوبة والبعد عن المعاصي والذنوب، لأنه ما حُرِم أحدٌ خيراً إلا بذنوبه، وقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإكثار من صالح الأعمال ولكنه لم يحدد نوعها، وهذه بعض الأعمال التي يجب ألا تغيب عن أصحاب الطاعات في عشر ذي الحجة:
1- الإكثار من الأعمال الصالحة
2- الصلاة
3- الصيام
4- أداء الحج والعمرة
5- التكبير والتهليل والتحميد
6- الإكثار من قراءة القرآن
7- الصدقة
8- صيام يوم عرفة
9- غض البصر عن الحرام
10- أداء الصلاة مع الجماعة
11- برّ الوالدين وصلة الرحم
12- قيام الليل ولو بركعات قليلة
13- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
14- حفظ الجوارح ومن أهمها اللسان
أعمال ترتبط برؤية هلال ذو الحجة
عند الحديث عما ورد في السنة من أعمال ترتبط برؤية هلال ذي الحجة، فإنَّ النَّبيَّ ﷺ كان إذا رأى الهلال قال:” اللَّهمَّ أهلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسَّلامة والإسلام، ربِّي وربُّك اللَّه، هلال رشدٍ وخَيْرٍ” رواه الترمذي
بمجرّد رؤية الهلال تبدأ الأيام العشر الفضيلة، وحريٌّ بنا أن نستقبلها استقبالًا خاصًا، ونباشر بأفضل الأعمال لاستثمارها والفوز بما وعد الله به من مغفرة ورفع درجات.
أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة
تتضاعف أجور الأعمال الصالحة في موسم ذي الحجة لذا نحرص على استثمارها بشكل كبير، وقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإكثار من صالح الأعمال دون تحديد نوعها، وربما تكون أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة:
– صيام التسع الأوائل من ذي الحجة.
– الإكثار من صالح الأعمال.
– الإكثار من قراءة القرآن والدعاء.
– التهليل والتكبير والتحميد.
أعمال مستحبة في عشر ذي الحجة
كل الأعمال الصالحة أعمال مستحبة في عشر ذي الحجة، وفيها الخير العظيم، ولكن أوكد هذه الأعمال الصيام، لما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يصومها، ففي سنن أبي داود وغيره عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل: أرأيت صيام عرفة؟ قال: (احتسب عند الله أن يكفر السنة الماضية والباقية).
صيام العشر من ذي الحجة
يُعد صيام العشر من ذي الحجة أحد أفضل الأعمال قربةً لله عزَّ وجلَّ لأنها أحب الأيام إليه تبارك وتعالى، وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصومها، فقد قالت أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيامٍ من كل شهر” صحيح سنن أبي داود.
أسباب صيام العشر الأوائل من ذي الحجة
يستحبُّ صيام هذه الأيام العشر بقدر الاستطاعة، وقد تتعدد أسباب صيام العشر الأوائل من ذي الحجة، ولكن أهمها أن أجر الصيام عظيم عند الله تعالى، كما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به)، فإن اجتمع الصيام مع فضل الأيام العشر صار أجره مضاعفاً بإذن الله، ففيها:
1- تقربٌ إلى الله تعالى، وزيادة الإيمان والتقوى.
2- مغفرة للذنوب، ومحو الخطايا
3- تجديد القرب من الشعائر والعبادات
4- الحصول على الثواب العظيم.
دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة
لقد وردت العديد من الأدعية في السنة النبوية، منها دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة، وهو متعدد، نذكر منه:
1- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خيرُ الدُّعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ، وخيرُ ما قلتُ أَنا والنَّبيُّونَ من قبلي: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ ولَهُ الحمدُ وَهوَ على كلِّ شَيءٍ قديرٌ).
2- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مِن أيَّامٍ أَعظَمَ عِندَ اللهِ، ولا أَحَبَّ إلَيهِ مِنَ العملِ فيهِنَّ مِن هذِه الأَيَّامِ العَشرِ؛ فأَكثِرُوا فيهِنَّ مِنَ التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحميدِ).
3- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ مِن الخيرِ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علِمْتُ منه وما لَمْ أعلَمْ وأعوذُ بكَ مِن الشَّرِّ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علِمْتُ منه وما لَمْ أعلَمْ، اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ مِن الخيرِ ما سأَلكَ عبدُك ونَبيُّكَ وأعوذُ بكَ مِن الشَّرِّ ما عاذ به عبدُك ونَبيُّكَ وأسأَلُكَ الجنَّةَ وما قرَّب إليها مِن قولٍ وعمَلٍ وأعوذُ بكَ مِن النَّارِ وما قرَّب إليها مِن قولٍ وعمَلٍ وأسأَلُكَ أنْ تجعَلَ كلَّ قضاءٍ قضَيْتَه لي خيرًا).
عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا
إنّ من فضل الله تعالى على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات، يستكثرون فيها من العمل الصالح، ويتنافسون فيها فيما يقربهم إلى ربهم، والسعيد من اغتنم تلك المواسم، ولم يجعلها تمر عليه مروراً عابراً، مشيراً إلى أن من هذه المواسم الفاضلة عشر ذي الحجة، والتي شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا، وحث على العمل الصالح فيها.
ويكفي هذه الأيام شرفاً وفضلاً، أن المولى عز وجل قد أقسم بها والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، لافتاً إلى أن هذا يستدعي من العبد أن يجتهد فيها، ويكثر من الأعمال الصالحة، وأن يحسن استقبالها واغتنامها.
كيفية الاستقبال
وفيما يتعلق بكيفية استقبال الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة فحري بالمسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامة، ومنها الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة بأمور منها: التوبة الصادقة: فعلى المسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامة بالتوبة الصادقة والعزم الأكيد على الرجوع إلى الله، ففي التوبة فلاح للعبد في الدنيا والآخرة.
كذلك العزم الجاد على اغتنام هذه الأيام: فينبغي على المسلم أن يحرص حرصاً شديداً على عمارة هذه الأيام بالأعمال والأقوال الصالحة، ومن عزم على شيء أعانه الله وهيأ له الأسباب التي تعينه على إكمال العمل، ومن صدق الله صدقه الله، و البعد عن المعاصي من وسائل الاستعداد لاستقبال هذه الأيام، فكما أن الطاعات أسباب للقرب من الله تعالى، فالمعاصي أسباب للبعد عن الله والطرد من رحمته، وقد يحرم الإنسان رحمة الله بسبب ذنب يرتكبه، فإن كنت تطمع في مغفرة الذنوب والعتق من النار فأحذر الوقوع في المعاصي في هذه الأيام وفي غيرها؟ ومن عرف ما يطلب هان عليه كل ما يبذل.
فضائل الأيام العشر
الله تعالى أقسم بها وإذا أقسم الله بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم، قال تعالى وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ. والليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين والخلف.
وهذه الأيام هي الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره: قال تعالى: «وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ» وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس.
رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد لهذه الأيام بأنها أفضل أيام الدنيا: فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فضل أيام الدنيا أيام العشر يعني عشر ذي الحجة قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب».
يوم عرفة
من فضائل هذه الأيام أن فيها يوم عرفة: ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً. كما أن هذه الأيام فيها يوم النحر: وهو أفضل أيام السنة عند بعض العلماء، قال صلى الله عليه وسلم «أعظم الأيام عند الله يوم النحر».
ومن فضلها أنه قد اجتمعت أمهات العبادة فيها: قال الحافظ ابن حجر في الفتح: «والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره».
الأعمال المستحبة
من الأعمال المستحبة في عشر ذي الحجة: أداء مناسك الحج والعمرة: وهما أفضل ما يعمل في عشر ذي الحجة، ومن يسر الله له حج بيته أو أداء العمرة على الوجه المطلوب فجزاؤه الجنة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».
كذلك الصيام: وهو يدخل في جنس الأعمال الصالحة، بل هو من أفضلها، وقد أضافه الله إلى نفسه لعظم شأنه وعلو قدره، فقال سبحانه في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» وأضاف: لقد خصّ النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبين فضل صيامه فقال: «صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده» وعليه فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح فيها. وقد ذهب إلى استحباب صيام العشر الإمام النووي وقال: «صيامها مستحب استحباباً شديداً».
الصلاة أجرها عظيم
من الأعمال الصالحة المستحبة في هذه الأيام الصلاة وهي من أجل الأعمال وأعظمها وأكثرها فضلاً، ولهذا يجب على المسلم المحافظة عليها في أوقاتها مع الجماعة، وعليه أن يكثر من النوافل في هذه الأيام، فإنها من أفضل القربات، وتابع: من الأعمال الصالحة أيضاً: التكبير والتحميد والتهليل والذكر: فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد».
كذلك من الأعمال الصالحة: الصدقة والإمساك عن الأخذ من الشعر والأظفار لمن نوى أن يضحي وتشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق، وهي سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين فدى الله ولده بذبح عظيم.
أعمال مستحبة عديدة
هناك أعمال أخرى يستحب الإكثار منها في هذه الأيام منها: قراءة القرآن وتعلمه، الاستغفار، وبر الوالدين، صلة الأرحام والأقارب، إفشاء السلام وإطعام الطعام، الإصلاح بين الناس، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حفظ اللسان والفرج، الإحسان إلى الجيران، إكرام الضيف، الإنفاق في سبيل الله، إماطة الأذى عن الطريق، النفقة على الزوجة والعيال، كفالة الأيتام، زيارة المرضى، قضاء حوائج الإخوان، الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. ...المزيد
وقفة مع اختلاف حال الصائمين فيما يصومون عنه (صوم العوام وصوم الخواص وصوم خواص الخواص) تختلف ...
وقفة مع اختلاف حال الصائمين فيما يصومون عنه
(صوم العوام وصوم الخواص وصوم خواص الخواص)
تختلف حالات الصائمين من جهة تعاطيهم مع الطعام والشراب ما بين الإفطار والإمساك، ومن جهة ما يصومون عنه، ومن جهة القصد من الصيام وحقيقة النية فيه، وينبغي أن نتأمل في هذه الحالات جميعاً ليتضح كيف ينبغي أن يكون صومنا، وكيف ينبغي أن نتصرف لنحفظ الأساس في الضيافة الإلهية ونحافظ على آثاره ونتائجه.
وهذه وقفة مع اختلاف حال الصائمين فيما يصومون عنه.
مراتب الصوم ثلاثة:
"صوم العوام وهو بترك الطعام والشراب على ما قرَّره الفقهاء من واجباته ومحرماته".
" وصوم الخواص وهو ترك ذلك أي ترك المفطرات حسب ما قرَّره الفقهاء مع كفّ الجوارح عن مخالفات الله جل جلاله".
" وصوم خواص الخواص" وهو ترك كل ما هو شاغل عن الله تعالى من حلال أو حرام"
ولكل واحد من المرتبتين الأخيرتين أصناف كثيرة، لاسيّما الأولى – أي صوم الخواص فإنها الأولى من الأخيرتين- فإن أصنافها كثيرة لا تحصى بعدد مراتب أصحاب اليمين من المؤمنين، بل كل نفس منهم له حدٌّ خاص لا يشبه حدَّ صاحبه، ومن أهل المراتب أيضاً من يقرب عمله من عمل من هو فوقه، وإن لم يكن من مرتبته".
والمراد بكلمة العوام في مصطلح صوم العوام، الذين هم أهل المعاصي، وليس المراد المتعارف بيننا من أننا نحن معاشر المشايخ أو معاشر المثقفين النخبة والباقي عوام، إن هذه الطبقية البغيضة مرفوضة في الإسلام.
فالنخبة بحق والخواص هم أهل الطاعات، أهل الاستقامة على الحق وطاعة الله تعالى، والعوام هم أصحاب المعاصي.
وبناء على ذلك فإذا كان شخص من الناس بحسب الظاهر من العلماء، ولكنه يرتكب المعاصي فهو من العوام، وصومه صوم العوام، لأن هذا الصوم يجتمع مع المعاصي التي يجتنبها الخواص الذين يهتمون بدرجة من الصوم غير اعتيادية هي بالإضافة إلى اجتناب المفطرات كف الجوارح عن مخالفة الله تعالى.
والفائدة العملية التي ينبغي أن يستخلصها القلب من ذلك: هي إدراك خطورة معصية الله تعالى في ضيافته، وأنها تُسقط صاحبها من إمكانية الوصول إلى الدرجات العالية وتجعله في عداد العوام العاصين.
هكذا ينبغي أن نكون في ضيافة الله عز وجل، طيلة الشهر الكريم، فإما أن أعتقد بأني في ضيافة الرحمن، وأنسجم مع هذا الاعتقاد، ويكون أدبي بمستواه، وإما أن أكون صريحاً مع نفسي، فأقول إني لا أعتقد بضيافة الرحمن والعياذ بالله، وهذا يعني وجود خلل عقائدي يجب التصدي لعلاجه.
وفي شهر الصيام أمام واجب رفع مستوى اهتمامنا بالحكم الشرعي، ورفع وتيرة اهتمامنا بمراقبة النفس، بالالتفات إلى أننا في محضر الله عز وجل، صحيح أننا دائماً في محضر الله سبحانه وتعالى إلا أننا في هذه الضيافة في محضر خاص ومميز.
فلنخرج من صوم العوام إلى صوم الخواص: الذي هو ترك المفطرات مع حفظ الجوارح من مخالفات الله جل جلاله، وهو يستدعي مزيد مراقبة لهذه الجوارح وخصوصاً اللسان والعين والأذن.
وأما القسم الثالث وهو صوم خواص الخواص:
فهو ترك كل ما هو شاغل عن الله من حلال أو حرام، أي أنه بالإضافة إلى ترك المفطرات وحفظ الجوارح يستدعي حضور القلب دائماً، واليقظة الدائمة فالمحضر محضر الله عز وجل ولا يصح للقلب أن يشغله عن الله تعالى شاغل سواءً كان هذا الشاغل حلالاً أو حراماً، بل يبقى مع الله عز وجل، منقطعاً إليه، مقيماً على طاعته، عامراً بحبه والحنين إلى رضاه.
صحيح أن هذه المرتبة عالية جداً إلا أنه من الصحيح أن معرفة هذه المرتبة يجعلنا ندرك الذرى التي ينبغي أن نحرص على الوصول إليها، وبدلاً من أن يضع المؤمن سقفاً معيَّناً للصوم، ويتصور أن مجرد امتناعه عن الطعام يجعله في عداد الصائمين الذين يغدون في يوم العيد إلى جوائزهم السَنيّة والعظيمة.
بدلاً من ذلك يدرك المؤمن عندما يسمع الحديث عن صوم خواص الخواص أن عليه أن يشمّر عن ساعد الجِد فالطريق طويل والسقف مرتفع جداً، وهو بعدُ سهل ممتنع، أو ليس من أوضح الواضحات أن على الصائم الضيف أن يتنبه إلى هذه الضيافة على الدوام؟
ثم أليس من أوضح الواضحات أن من هم كذلك في غاية الندرة؟
ولا حل إلا باليقظة والتضرع لمن يجيب دعوة الداع إذا دعاه.
وإذا كنت لا أستطيع ترك كل شاغل عن الله من حلال أو حرام، أي لا أستطيع أن أصوم صوم خواص الخواص فما الذي يمنعني عن صوم الخواص، أي حفظ الجوارح من مخالفات الله عز وجل؟
ما معنى أن يثبت في صحيفة أعمال الصائم أنه صائم مغتاب؟ أو صائم يؤذي المؤمنين، أو صائم سيء الخُلُق؟
لماذا لا نقرر أن يكون شهر الصوم شهراً مميزاً في محاسبة النفس، في الحرص على حُسن الخُلُق، في التفكير بكل كلمة قبل أن نقولها وبكل عمل قبل أن نُقدِم عليه؟
لماذا لا نحرص أن نكون سبباً لنشر المحبة في الأجواء التي نكون فيها في شهر رمضان المبارك؟
لماذا لا يقرر كلٌ منا ألا يؤذي أحداً طيلة هذا الشهر على الأقل، لعلّه بذلك يوفَّق لئلا يؤذي أحداً بعد انقضائه؟
إن لشهر الله عز وجل حرمته الخاصة، فكيف أسمح لنفسي وأنا أدَّعي الصيام أن أتصرف كما لو أني لم أسمع بضيافة الله عز وجل؟ لا بد من وقفة مع النفس في هذا المجال.
مَراتِبِ الصِّيامِ
قسّم علماء الأخلاق وأرباب السَير والسلوك، الصيام إلى صوم العوام، وصوم الخواص، وصوم خواصّ الخواصّ، على ما سنتحدث عنه ملخّصاً:
أولاً: صوم العوامّ: يتمثّل صوم العوامّ باجتناب مفطرات الصيام والإمساك عنها، على التفصيل المذكور في الكتب الفقهية. وهذه المرتبة من الصوم تعدّ أيسر مراتبه وأدناها.
ثانياً: صوم الخواص: في صوم الخواصّ لا يقتصر الصائم في صومه على الإمساك عن مفطرات الصيام، إنّما يتجنّب كلّ المحرّمات الإلهية ويمتنع عنها أيضاً. وبذلك يصبح الإمساك عن المفطرات هو شرط صحّة الصيام، أمّا اجتناب المحرّمات فهو شرط قبوله.
ثالثاً: صوم خواصّ الخواصّ: يتمثّل هذا النوع من الصيام بكفّ القلب وتحصينه عن كلّ ما يشغله سوى اللّه سبحانه، حلالاً كان الشاغل أم حراماً.
يقول أبو حامد الغزالي (توفي 505 ه) في وصف هذه الدرجة من الصوم: « وأمّا صوم خصوص الخصوص فصوم القَلب عَن الهمم الدنيّة والأفكار الدنيويّة وكفّه عمّا سوى اللّه بالكلّية ؛ ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفِكر فيما سوى اللّه واليوم الآخر ، وبالفكر في الدّنيا إلاّ دنيا تراد للدِّين فإنَّ ذلك زاد الآخرة وليس من الدّنيا حتّى قال أرباب القلوب : مَن تحرّكت همّته بالتصرّف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه ، كتبت عليه خطيئة فإنَّ ذلك من قلّة الوثوق بفضل اللّه وقلّة اليقين برزقه الموعود ، وهذه رتبة الأنبياء والصدّيقين والمقرّبين، ولا يطوَّل النظر في تفصيلها قولاً ولكن في تحقيقها عملاً ، فإنّه إقبال بكنه الهمّة على اللّه وانصراف عن غير اللّه وتلبّس بمعنى قوله تعالى : « قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ في خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ » الأنعام: 91. ينظر: كتاب إحياء علوم الدين للغزالي: 1 / 350.
صَومُ القَلبِ خَيرٌ مِن صِيامِ اللِّسانِ وصِيامُ اللِّسانِ خَيرٌ مِن صِيامِ البَطنِ.
على أنَّ لكلّ واحدة من المرتبتين الأخيرتين مراتب كثيرة بحسب مجاهدات الصائمين واستعدادهم، كما يختلف الصوم أيضا من زاوية دوافع الصائم، حيث يأتي في ذروة هذه المراتب حال الصائم حين لا يكون الباعث إلى صيامه الخوف من العقاب أو الطمع في الثواب، وإنّما امتثال الأمر الإلهي والرغبة في قربه والطمع برضاه ولقائه سبحانه.
معنى صيام الخواص وصيام خواص الخواص
صَومُ الجَسَدِ الإِمساكُ عَنِ الأَغذِيَةِ بِإِرادَةٍ وَاختِيارٍ؛ خَوفا مِنَ العِقابِ ورَغبَةً فِي الثَّوابِ وَالأَجرِ.
صَومُ النَّفسِ إمساكُ الحَواسِّ الخَمسِ عَن سائِرِ المَآثِمِ، وخُلُوُّ القَلبِ عَن جَميعِ أسبابِ الشَّرِّ.
صَومُ النَّفسِ عَن لَذّاتِ الدُّنيا أنفَعُ الصِّيامِ.
صِيامُ القَلبِ عَنِ الفِكرِ فِي الآثامِ أفضَلُ مِن صِيامِ البَطنِ عَنِ الطَّعامِ.
صَومُ القَلبِ خَيرٌ مِن صِيامِ اللِّسانِ، وصِيامُ اللِّسانِ خَيرٌ مِن صِيامِ البَطنِ.
فهل للصوم درجات؟
الصيام على ثلاث درجات: صوم العوام، وصوم الخواص، وصوم خواص الخواص.
أما صوم العوام فهو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج، مع إرسال الجوارح في الزلات، وإهمال القلب في الغفلات، وصاحب هذا الصوم ليس له منه إلا الجوع.
وأما صوم الخواص: فهو إمساك الجوارح كلها عن الفضول، وهو كل ما يشغل العبد، وحاصله: حفظ الجوارح الظاهرة والباطنة عن الاشتغال بما لا يعني.
وأما صوم خواص الخواص: فهو حفظ القلب عن الالتفات لغير الرب.
للصيام ثلاث درجات: صيام العوام - صيام الخواص - صيام خواص الخواص، فما الفرق بينهما؟
1- صوم العوام: هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وغيرها من المفطرات.
2- بينما صوم الخواص: فهو يزيد على ذلك الإمساك صوم الأعضاء والجوارح والحواس الظاهرة عن المنهيات الشرعية، فتصوم العين عن المحرمات ويغض النظر إلى ما حرم الله عليه في القرآن والسنة، ويصوم السمع عن استماع الغيبة والنميمة والبهتان، ويصوم اللسان عن الغيبة والافتراء والفحش وسوء الكلام وأمثالها، وتصوم اليد عن البطش بغير حق، والرجل عن السعي إلى مجالس اللهو واللعب وغيرها من المحافل غير المشروعة.
3- وصوم خواص الخواص: يزيد على ما ذكر من صوم العوام والخواص، صوم القلب عن غير ذكر الله تعالى وعن الرذائل الأخلاقية من البخل والجبن، والغل والحقد والحسد والبغضاء والشحناء.
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: "اعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ صَوْمُ الْعُمُومِ وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص فأما صَوْمُ الْعُمُومِ: فَهُوَ كَفُّ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ عَنْ قضاء الشهوة، كما سبق تفصيله.
وَأَمَّا صَوْمُ الْخُصُوصِ: فَهُوَ كَفُّ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ، وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ، عَنِ الْآثَامِ.
وأما صوم خصوص الخصوص: فصوم القلب عن الهمم الدَّنِيَّةِ، وَالْأَفْكَارِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَكَفُّهُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ عز وجل بالكلية".
"إحياء علوم الدين" (1/ 234).
وهذه معان صحيحة، فإن المؤمنين يتفاوتون في الصوم، فمنهم من صومه مجرد الامتناع عن الطعام والشراب وشهوة الفرج، ولكن قد يطلق لسانه بالغيبة والنميمة والكذب، ويطلق عينه للنظر المحرم، وسمعه للخنا والموسيقى ونحوها، وجوارحه للأذى والفساد، فهذا صوم ناقص ضعيف.
قال عمر رضي الله عنه: ليس الصيام من الطعام والشراب وحده، ولكنه من الكذب، والباطل، واللغو، والحلف.
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (8882).
وقال ميمون بن مهران: "إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب".
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (8882).
المرتبة الأولى من الصوم: الصوم الناقص، الذي لا يحجز صاحبه عن محرمات اللسان والجوارح.
قال ابن رجب رحمه الله: " قال بعض السلف: أهون الصيام: ترك الشراب والطعام.
من "لطائف المعارف"، ص 155
وقال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء...
فمن حفظ جوارحه عن المحرمات، فقد أتى بحقيقة الصوم، وهي المرتبة الثانية التي سماها الغزالي: صوم الخصوص.
وأما المرتبة الثالثة، وهي صوم القلب عن الهمم الدنية، والأفكار الدنيوية، وجمعه بالكلية على الله وحده
فلا شك أنها مرتبة عظيمة لا يصل إليها إلا الموفقون، فإن القلب هو ملك الأعضاء، ومحل التقوى، ومحل نظر الرب سبحانه، وكمال العبادة يكون بجمعه على الله، وإقباله عليه، وقطع الشواغل عنه، فمن حقق الصوم بقلبه وجوارحه، فقد حاز الكمال.
والحاصل: أن هذه المراتب موجودة، وأن صيام الناس متفاوت، وأن على المؤمن أن يحقق الصوم بكل معانيه.
وليس المقصود من ذلك: أن العوام لهم صوم، والخواص لهم صوم، بل الجميع مأمورون بتحقيق أعلى الصوم وأكمله، لكن اقتضت سنة الله تعالى في عباده أنهم متفاوتون في ذلك، كما أنهم متفاوتون في إقامة الصلاة وتحقيق الخشوع فيها.
ينظر: صحة قول الغزالي في مراتب الصوم: صوم العموم والخصوص وخصوص الخصوص، موقع الإسلام سؤال وجواب.
أما صوم العوام: فهو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج مع إرسال الجوارح في الزلات، وإهمال القلب في الغفلات، وصاحب هذا الصوم ليس له من صومه إلا الجوع؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لله حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رواه البخاري.
وأما صوم الخواص: فهو إمساك الجوارح كلها عن الفضول، وهو كل ما يشغل العبد عن الوصول، وحاصله: حفظ الجوارح الظاهرة والباطنة عن الاشتغال بما لا يعنى.
وأما صوم خواص الخواص: فهو حفظ القلب عن الالتفات لغير الرب.
قال الغزالي في "الإحياء": اعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ صَوْمُ الْعُمُومِ وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص. وأما صَوْمُ الْعُمُومِ فَهُوَ كَفُّ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ عَنْ قضاء الشهوة كما سبق تفصيله. وَأَمَّا صَوْمُ الْخُصُوصِ فَهُوَ كَفُّ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ عَنِ الْآثَامِ. وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهضم الدَّنِيَّةِ وَالْأَفْكَارِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكَفُّهُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ عز وجل بالكلية. أ. ه
وللصوم درجات، فمن الناس من يصوم عن الطعام والشراب فحسب وهذه أقل درجات الصوم، ومن الناس من يصوم عن الطعام والشراب والأعمال السيئة والأقوال الرديئة، وتلك هي أعلى من السابقة.
وهناك صفوة يصومون عن الطعام والشراب وسوء الأعمال ومنكرات الأقوال.
وتصوم قلوبهم عن الأهواء وخواطرهم عما سوى ربهم، وتلك نهاية عليا في الصوم.
المصدر: دار الإفتاء المصرية.
ونجد أن الإمام الغزالي قد جعل الصوم ثلاث درجات:
- صوم العموم: وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة.
- صوم الخصوص: وهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام.
- صوم خصوص الخصوص: وهو صوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية.
وأما صوم الخاصة
فهو كف الجوارح عن الآثام، كغض البصر عما حرم الله، وحفظ اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة، وكف السمع عن الإصغاء إلى الحرام، وكف باقي الجوارح عن ارتكاب الآثام، وهذا الصنف ينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث ولا يَصْخَب، فإن سابَّه أحد أو قاتله أحد فَلْيَقُلْ إني صائم) متفق عليه.
ثم إن من صفات هذا الصنف أنك تجد قلبه معلقاً بين الخوف والرجاء، مستحضراً قوله تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} (المؤمنون:60)، إذ ليس يدري أيُقبل صومه، فيكون من أصحاب اليمين المقربين، أم يرد فيكون من أصحاب الشمال المبعدين المحرومين.
أما صوم خاصة الخاصة: فهو صوم القلب عن الأفعال الدنيئة، والأفكار الدنيوية، وكفه عما سوى الله سبحانه بالكلية، وقد وصف الغزالي صاحب هذه الرتبة بأنه مقبل بكامل الهمة على الله، منصرف عما سواه، متمثلاً في كل ذلك قوله تعالى: {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} (الأنعام:91)، وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين من عباده المخلَصين.
فحقيق بالمسلم أن يربأ بنفسه عن صوم العوام وهو صوم البطن والفرج وأن يأخذ بنفسه إلى مراتب صوم الخواص، ليكون من المقربين عند رب العالمين، وَلِيَصْدُقَ عليه قوله تعالى: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون} (الأحقاف:16)
ينظر: أصناف الناس في رمضان، قطوف رمضانية.
ذكر الإمام الغزالي رحمه الله: أن الصوم ليس على درجة واحدة، وإنما هو على درجات، فليس كل من امتنع عن المفطرات المادية يكون قد أتى بمعنى الصوم؛ إذ إن حقيقة الصوم فوق هذا، وهي الامتناع عن المفطرات المعنوية.
إن الصيام على ثلاث درجات: صوم العوام، وصوم الخواص، وصوم خواص الخواص.
صوم العوام: هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج مع إرسال الجوارح في الزلات، وإهمال القلب في الغفلات
صوم الخواص: فهو إمساك الجوارح كلها عن الفضول، وهو كل ما يشغل العبد عن الوصول، وحاصله: حفظ الجوارح الظاهرة والباطنة عن الاشتغال بما لا يعني.
صوم خواص الخواص: فهو حفظ القلب عن الالتفات لغير الرب.
وقد ذكر أن صوم الخصوص وهو صوم الصالحين إنما يحصل بستة أمور:
الأمر الأول: غض البصر، وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يُذّم ويُكْره وإلى كل ما يُشغل القلب، ويلهي عن ذكر الله عز وجل
قال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم} (النور: 30)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تتبع النظر النظر، فإن الأولى لك، وليست لك الآخرة) رواه أحمد وهو حسن بالشواهد.
الأمر الثاني: حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمِراء، وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن، فهذا صوم اللسان
وقد قال سفيان: الغيبة تفسد الصوم، وروي عن مجاهد قوله: خصلتان تفسدان الصيام: الغيبة والكذب، وقال صلى الله عليه وسلم: (الصيام جُنَّةٌ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابَّه أحد، أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم) متفق عليه.
ينظر: قطوف رمضانية، مراتب الصوم، موسوعة مقالات: إسلام ويب.
الأمر الثالث: كفُّ السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه
لأن كل ما حَرُمَ قوله حَرُم الإصغاء إليه؛ ولذلك قرن الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت، فقال تعالى: {سماعون للكذب أكالون للسحت} (المائدة:42)، وقال عز وجل: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت} (المائدة:63)، فالسكوت على الغيبة وعدم الإنكار على قائلها حرام، وقال تعالى: {إنكم إذاً مثلهم} (النساء:140). فالمستمع شريك المغتاب ما لم ينهه عن هذا المنكر..
الأمر الرابع: كفُّ بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره، وكفُّ البطن عن الشبهات وقت الإفطار
فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال، ثم الإفطار على الحرام، فمثال هذا الصائم مثال من يبني قصراً، ويهدم مِصْراً، فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته لا بنوعه، فالصوم لتقليله، وتارك الاستكثار من الدواء خوفاً من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيهاً، والحرام سم مهلك للدِّين، والحلال دواء ينفع قليله، ويضر كثيره، وقَصْدُ الصوم تقليله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش) رواه أحمد، قيل: هو الذي يفطر على الحرام، وقيل: هو الذي يمسك عن الطعام الحلال، ويفطر على لحوم الناس بالغيبة، وقيل: هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام.
الأمر الخامس: ألا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار، بحيث يمتلئ جوفه
فقد أخرج النسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما وعاء شر من بطن، حسب المسلم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة؛ فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسه).
وكيف يستفاد من الصوم قَهْرُ عدو الله، وكسر الشهوة، إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره، وربما يزيد عليه في ألوان الطعام؟ حتى استمرت العادات بأن تُدَّخَرَ جميع الأطعمة لرمضان، فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في غيره، ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء، وكسر الهوى؛ لتقوى النفس على التقوى، وإذا مُنِعَت المعدة من وسط النهار إلى العشاء حتى هاجت شهوتها، وقويت رغبتها، ثم أُطعِمَت من اللذات وأُشبعت، زادت لذتها، وتضاعفت قوتها، وانبعث من الشهوات ما كانت راكدة، فروح الصوم وسره إضعاف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلى الشرور، ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل، وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم، فأما إذا جمع ما كان يأكل نهاراً إلى ما كان يأكل ليلاً، فلا ينتفع بصومه.
ومن الآداب: ألا يُكْثِر النوم بالنهار حتى يَحُسَّ بالجوع والعطش، ويستشعر ضعف القوى، فيصفو عند ذلك قلبه، ويستديم في كل ليلة قدراً من الضعف، حتى يخف عليه تهجده وأوراده، فعسى الشيطان ألا يحوم على قلبه، فينظر إلى ملكوت السماء.
الأمر السادس: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً مضطرباً بين الخوف والرجاء؛ إذ ليس يدري أيُقبل صومه، فهو من المقربين، أو يُرَدُّ عليه فهو من الممقوتين؟
وقد روي عن الحسن البصري أنه مرَّ بقوم وهم يضحكون، فقال: "إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون، وخاب فيه المبطلون، أما والله لو كُشِفَ الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، أي: كان سرور المقبول يشغله عن اللعب، وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك".
بنظر: إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين مرتضى الزبيدي.
ثم أثار الغزالي هنا سؤالاً، فقال: "فإن قلتَ: فمن اقتصر على كف شهوة البطن والفرج، وتَرْكِ هذه المعاني، فقد قال الفقهاء: صومه صحيح، فما معناه؟".
وقد أجاب الغزالي عن هذا السؤال بقوله: "اعلم أن فقهاء الظاهر يُثْبِتون شروط الظاهر بأدلة هي أضعف من هذه الأدلة التي أوردناها في هذه الشروط الباطنة، لاسيما الغيبة وأمثالها، وليس إلى فقهاء الظاهر من التكليفات إلا ما يتيسر على عموم المُكَلَفين المقبلين على الدنيا الدخول تحته، فأما علماء الآخرة فيعنون بالصحة القبول، وبالقبول الوصول إلى المقصود، ويفهمون أن المقصود من الصوم التخلق بأخلاق الله عز وجل، والاقتداء بالملائكة في الكف عن الشهوات - بحسب الإمكان - فإنهم منزهون عن الشهوات، والإنسان رتبته فوق رتبة البهائم؛ لقدرته بنور العقل على كسر شهوته، ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه، وكونه مبتلى بمجاهدتها، فكلما انهمك في الشهوات انحط إلى أسفل سافلين، والتحق بغمار البهائم، وكلما قمع الشهوات، ارتفع إلى أعلى عليين، والتحق بأفق الملائكة.
والملائكة مقربون من الله عز وجل، والذي يقتدي بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب من الله عز وجل كقربهم، فإن الشبيه من القريب قريب، وليس القرب ثَمَّ بالمكان، بل بالصفات، وإذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب، فأي جدوى لتأخير أكلة، وجمع أكلتين عند العشاء مع الانهماك في الشهوات الأُخر طول النهار؟ ولو كان لمثله جدوى، فأي معنى لقوله صلى الله عليه وسلم: (كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش)
ومن فهم معنى الصوم وسره، عَلِمَ أن مثل من كفَّ عن الأكل والجماع وأفطر بمخالطة الآثام كمن مسح على عضو من أعضائه في الوضوء ثلاث مرات، فقد وافق في الظاهر العدد، إلا أنه ترك المهم، وهو الغُسْلُ، فصلاته مردودة عليه بجهله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الصوم أمانة، فليحفظ أحدكم أمانته) أخرجه الخرائطي وإسناده حسن
ينظر: قطوف رمضانية، مراتب الصوم، موسوعة مقالات: إسلام ويب.
ولما تلا قوله عز وجل: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} (النساء:58)، وضع يده على سمعه وبصره. أخرجه أبو داود، ولولا أن السمع والبصر - وكذلك سائر الجوارح - من أمانات الصوم، لما قال صلى الله عليه وسلم: (فليقل: إني صائم)، أي: إني أودعت لساني وبصري وجوارحي كافة لأحفظها، فكيف أُطلقها فيما لا يُرضي الله سبحانه؟".
وبهذا تعلم، أن الصوم ليس في مرتبة واحدة، بل هو في مراتب متفاوتة، أعلاها صوم القلوب والجوارح عن كل ما لا يُرضي الله سبحانه من الأفعال والأقوال، وأدناها الصوم عن الطعام والشراب والنكاح، وشتان ما بينهما، وقد تبين لك الفرق بينهما.
نسأل الله أن يرزقنا حقيقة الصوم، وأن يجعلنا من المقبولين. ونسأله سبحانه أن يوفّقنا لكي نبذل ما يزيد حظّنا من طاعته، وأن يتفضّل علينا بأعلى درجات الصيام وأسماها. ...المزيد
(صوم العوام وصوم الخواص وصوم خواص الخواص)
تختلف حالات الصائمين من جهة تعاطيهم مع الطعام والشراب ما بين الإفطار والإمساك، ومن جهة ما يصومون عنه، ومن جهة القصد من الصيام وحقيقة النية فيه، وينبغي أن نتأمل في هذه الحالات جميعاً ليتضح كيف ينبغي أن يكون صومنا، وكيف ينبغي أن نتصرف لنحفظ الأساس في الضيافة الإلهية ونحافظ على آثاره ونتائجه.
وهذه وقفة مع اختلاف حال الصائمين فيما يصومون عنه.
مراتب الصوم ثلاثة:
"صوم العوام وهو بترك الطعام والشراب على ما قرَّره الفقهاء من واجباته ومحرماته".
" وصوم الخواص وهو ترك ذلك أي ترك المفطرات حسب ما قرَّره الفقهاء مع كفّ الجوارح عن مخالفات الله جل جلاله".
" وصوم خواص الخواص" وهو ترك كل ما هو شاغل عن الله تعالى من حلال أو حرام"
ولكل واحد من المرتبتين الأخيرتين أصناف كثيرة، لاسيّما الأولى – أي صوم الخواص فإنها الأولى من الأخيرتين- فإن أصنافها كثيرة لا تحصى بعدد مراتب أصحاب اليمين من المؤمنين، بل كل نفس منهم له حدٌّ خاص لا يشبه حدَّ صاحبه، ومن أهل المراتب أيضاً من يقرب عمله من عمل من هو فوقه، وإن لم يكن من مرتبته".
والمراد بكلمة العوام في مصطلح صوم العوام، الذين هم أهل المعاصي، وليس المراد المتعارف بيننا من أننا نحن معاشر المشايخ أو معاشر المثقفين النخبة والباقي عوام، إن هذه الطبقية البغيضة مرفوضة في الإسلام.
فالنخبة بحق والخواص هم أهل الطاعات، أهل الاستقامة على الحق وطاعة الله تعالى، والعوام هم أصحاب المعاصي.
وبناء على ذلك فإذا كان شخص من الناس بحسب الظاهر من العلماء، ولكنه يرتكب المعاصي فهو من العوام، وصومه صوم العوام، لأن هذا الصوم يجتمع مع المعاصي التي يجتنبها الخواص الذين يهتمون بدرجة من الصوم غير اعتيادية هي بالإضافة إلى اجتناب المفطرات كف الجوارح عن مخالفة الله تعالى.
والفائدة العملية التي ينبغي أن يستخلصها القلب من ذلك: هي إدراك خطورة معصية الله تعالى في ضيافته، وأنها تُسقط صاحبها من إمكانية الوصول إلى الدرجات العالية وتجعله في عداد العوام العاصين.
هكذا ينبغي أن نكون في ضيافة الله عز وجل، طيلة الشهر الكريم، فإما أن أعتقد بأني في ضيافة الرحمن، وأنسجم مع هذا الاعتقاد، ويكون أدبي بمستواه، وإما أن أكون صريحاً مع نفسي، فأقول إني لا أعتقد بضيافة الرحمن والعياذ بالله، وهذا يعني وجود خلل عقائدي يجب التصدي لعلاجه.
وفي شهر الصيام أمام واجب رفع مستوى اهتمامنا بالحكم الشرعي، ورفع وتيرة اهتمامنا بمراقبة النفس، بالالتفات إلى أننا في محضر الله عز وجل، صحيح أننا دائماً في محضر الله سبحانه وتعالى إلا أننا في هذه الضيافة في محضر خاص ومميز.
فلنخرج من صوم العوام إلى صوم الخواص: الذي هو ترك المفطرات مع حفظ الجوارح من مخالفات الله جل جلاله، وهو يستدعي مزيد مراقبة لهذه الجوارح وخصوصاً اللسان والعين والأذن.
وأما القسم الثالث وهو صوم خواص الخواص:
فهو ترك كل ما هو شاغل عن الله من حلال أو حرام، أي أنه بالإضافة إلى ترك المفطرات وحفظ الجوارح يستدعي حضور القلب دائماً، واليقظة الدائمة فالمحضر محضر الله عز وجل ولا يصح للقلب أن يشغله عن الله تعالى شاغل سواءً كان هذا الشاغل حلالاً أو حراماً، بل يبقى مع الله عز وجل، منقطعاً إليه، مقيماً على طاعته، عامراً بحبه والحنين إلى رضاه.
صحيح أن هذه المرتبة عالية جداً إلا أنه من الصحيح أن معرفة هذه المرتبة يجعلنا ندرك الذرى التي ينبغي أن نحرص على الوصول إليها، وبدلاً من أن يضع المؤمن سقفاً معيَّناً للصوم، ويتصور أن مجرد امتناعه عن الطعام يجعله في عداد الصائمين الذين يغدون في يوم العيد إلى جوائزهم السَنيّة والعظيمة.
بدلاً من ذلك يدرك المؤمن عندما يسمع الحديث عن صوم خواص الخواص أن عليه أن يشمّر عن ساعد الجِد فالطريق طويل والسقف مرتفع جداً، وهو بعدُ سهل ممتنع، أو ليس من أوضح الواضحات أن على الصائم الضيف أن يتنبه إلى هذه الضيافة على الدوام؟
ثم أليس من أوضح الواضحات أن من هم كذلك في غاية الندرة؟
ولا حل إلا باليقظة والتضرع لمن يجيب دعوة الداع إذا دعاه.
وإذا كنت لا أستطيع ترك كل شاغل عن الله من حلال أو حرام، أي لا أستطيع أن أصوم صوم خواص الخواص فما الذي يمنعني عن صوم الخواص، أي حفظ الجوارح من مخالفات الله عز وجل؟
ما معنى أن يثبت في صحيفة أعمال الصائم أنه صائم مغتاب؟ أو صائم يؤذي المؤمنين، أو صائم سيء الخُلُق؟
لماذا لا نقرر أن يكون شهر الصوم شهراً مميزاً في محاسبة النفس، في الحرص على حُسن الخُلُق، في التفكير بكل كلمة قبل أن نقولها وبكل عمل قبل أن نُقدِم عليه؟
لماذا لا نحرص أن نكون سبباً لنشر المحبة في الأجواء التي نكون فيها في شهر رمضان المبارك؟
لماذا لا يقرر كلٌ منا ألا يؤذي أحداً طيلة هذا الشهر على الأقل، لعلّه بذلك يوفَّق لئلا يؤذي أحداً بعد انقضائه؟
إن لشهر الله عز وجل حرمته الخاصة، فكيف أسمح لنفسي وأنا أدَّعي الصيام أن أتصرف كما لو أني لم أسمع بضيافة الله عز وجل؟ لا بد من وقفة مع النفس في هذا المجال.
مَراتِبِ الصِّيامِ
قسّم علماء الأخلاق وأرباب السَير والسلوك، الصيام إلى صوم العوام، وصوم الخواص، وصوم خواصّ الخواصّ، على ما سنتحدث عنه ملخّصاً:
أولاً: صوم العوامّ: يتمثّل صوم العوامّ باجتناب مفطرات الصيام والإمساك عنها، على التفصيل المذكور في الكتب الفقهية. وهذه المرتبة من الصوم تعدّ أيسر مراتبه وأدناها.
ثانياً: صوم الخواص: في صوم الخواصّ لا يقتصر الصائم في صومه على الإمساك عن مفطرات الصيام، إنّما يتجنّب كلّ المحرّمات الإلهية ويمتنع عنها أيضاً. وبذلك يصبح الإمساك عن المفطرات هو شرط صحّة الصيام، أمّا اجتناب المحرّمات فهو شرط قبوله.
ثالثاً: صوم خواصّ الخواصّ: يتمثّل هذا النوع من الصيام بكفّ القلب وتحصينه عن كلّ ما يشغله سوى اللّه سبحانه، حلالاً كان الشاغل أم حراماً.
يقول أبو حامد الغزالي (توفي 505 ه) في وصف هذه الدرجة من الصوم: « وأمّا صوم خصوص الخصوص فصوم القَلب عَن الهمم الدنيّة والأفكار الدنيويّة وكفّه عمّا سوى اللّه بالكلّية ؛ ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفِكر فيما سوى اللّه واليوم الآخر ، وبالفكر في الدّنيا إلاّ دنيا تراد للدِّين فإنَّ ذلك زاد الآخرة وليس من الدّنيا حتّى قال أرباب القلوب : مَن تحرّكت همّته بالتصرّف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه ، كتبت عليه خطيئة فإنَّ ذلك من قلّة الوثوق بفضل اللّه وقلّة اليقين برزقه الموعود ، وهذه رتبة الأنبياء والصدّيقين والمقرّبين، ولا يطوَّل النظر في تفصيلها قولاً ولكن في تحقيقها عملاً ، فإنّه إقبال بكنه الهمّة على اللّه وانصراف عن غير اللّه وتلبّس بمعنى قوله تعالى : « قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ في خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ » الأنعام: 91. ينظر: كتاب إحياء علوم الدين للغزالي: 1 / 350.
صَومُ القَلبِ خَيرٌ مِن صِيامِ اللِّسانِ وصِيامُ اللِّسانِ خَيرٌ مِن صِيامِ البَطنِ.
على أنَّ لكلّ واحدة من المرتبتين الأخيرتين مراتب كثيرة بحسب مجاهدات الصائمين واستعدادهم، كما يختلف الصوم أيضا من زاوية دوافع الصائم، حيث يأتي في ذروة هذه المراتب حال الصائم حين لا يكون الباعث إلى صيامه الخوف من العقاب أو الطمع في الثواب، وإنّما امتثال الأمر الإلهي والرغبة في قربه والطمع برضاه ولقائه سبحانه.
معنى صيام الخواص وصيام خواص الخواص
صَومُ الجَسَدِ الإِمساكُ عَنِ الأَغذِيَةِ بِإِرادَةٍ وَاختِيارٍ؛ خَوفا مِنَ العِقابِ ورَغبَةً فِي الثَّوابِ وَالأَجرِ.
صَومُ النَّفسِ إمساكُ الحَواسِّ الخَمسِ عَن سائِرِ المَآثِمِ، وخُلُوُّ القَلبِ عَن جَميعِ أسبابِ الشَّرِّ.
صَومُ النَّفسِ عَن لَذّاتِ الدُّنيا أنفَعُ الصِّيامِ.
صِيامُ القَلبِ عَنِ الفِكرِ فِي الآثامِ أفضَلُ مِن صِيامِ البَطنِ عَنِ الطَّعامِ.
صَومُ القَلبِ خَيرٌ مِن صِيامِ اللِّسانِ، وصِيامُ اللِّسانِ خَيرٌ مِن صِيامِ البَطنِ.
فهل للصوم درجات؟
الصيام على ثلاث درجات: صوم العوام، وصوم الخواص، وصوم خواص الخواص.
أما صوم العوام فهو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج، مع إرسال الجوارح في الزلات، وإهمال القلب في الغفلات، وصاحب هذا الصوم ليس له منه إلا الجوع.
وأما صوم الخواص: فهو إمساك الجوارح كلها عن الفضول، وهو كل ما يشغل العبد، وحاصله: حفظ الجوارح الظاهرة والباطنة عن الاشتغال بما لا يعني.
وأما صوم خواص الخواص: فهو حفظ القلب عن الالتفات لغير الرب.
للصيام ثلاث درجات: صيام العوام - صيام الخواص - صيام خواص الخواص، فما الفرق بينهما؟
1- صوم العوام: هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وغيرها من المفطرات.
2- بينما صوم الخواص: فهو يزيد على ذلك الإمساك صوم الأعضاء والجوارح والحواس الظاهرة عن المنهيات الشرعية، فتصوم العين عن المحرمات ويغض النظر إلى ما حرم الله عليه في القرآن والسنة، ويصوم السمع عن استماع الغيبة والنميمة والبهتان، ويصوم اللسان عن الغيبة والافتراء والفحش وسوء الكلام وأمثالها، وتصوم اليد عن البطش بغير حق، والرجل عن السعي إلى مجالس اللهو واللعب وغيرها من المحافل غير المشروعة.
3- وصوم خواص الخواص: يزيد على ما ذكر من صوم العوام والخواص، صوم القلب عن غير ذكر الله تعالى وعن الرذائل الأخلاقية من البخل والجبن، والغل والحقد والحسد والبغضاء والشحناء.
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: "اعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ صَوْمُ الْعُمُومِ وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص فأما صَوْمُ الْعُمُومِ: فَهُوَ كَفُّ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ عَنْ قضاء الشهوة، كما سبق تفصيله.
وَأَمَّا صَوْمُ الْخُصُوصِ: فَهُوَ كَفُّ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ، وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ، عَنِ الْآثَامِ.
وأما صوم خصوص الخصوص: فصوم القلب عن الهمم الدَّنِيَّةِ، وَالْأَفْكَارِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَكَفُّهُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ عز وجل بالكلية".
"إحياء علوم الدين" (1/ 234).
وهذه معان صحيحة، فإن المؤمنين يتفاوتون في الصوم، فمنهم من صومه مجرد الامتناع عن الطعام والشراب وشهوة الفرج، ولكن قد يطلق لسانه بالغيبة والنميمة والكذب، ويطلق عينه للنظر المحرم، وسمعه للخنا والموسيقى ونحوها، وجوارحه للأذى والفساد، فهذا صوم ناقص ضعيف.
قال عمر رضي الله عنه: ليس الصيام من الطعام والشراب وحده، ولكنه من الكذب، والباطل، واللغو، والحلف.
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (8882).
وقال ميمون بن مهران: "إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب".
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (8882).
المرتبة الأولى من الصوم: الصوم الناقص، الذي لا يحجز صاحبه عن محرمات اللسان والجوارح.
قال ابن رجب رحمه الله: " قال بعض السلف: أهون الصيام: ترك الشراب والطعام.
من "لطائف المعارف"، ص 155
وقال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء...
فمن حفظ جوارحه عن المحرمات، فقد أتى بحقيقة الصوم، وهي المرتبة الثانية التي سماها الغزالي: صوم الخصوص.
وأما المرتبة الثالثة، وهي صوم القلب عن الهمم الدنية، والأفكار الدنيوية، وجمعه بالكلية على الله وحده
فلا شك أنها مرتبة عظيمة لا يصل إليها إلا الموفقون، فإن القلب هو ملك الأعضاء، ومحل التقوى، ومحل نظر الرب سبحانه، وكمال العبادة يكون بجمعه على الله، وإقباله عليه، وقطع الشواغل عنه، فمن حقق الصوم بقلبه وجوارحه، فقد حاز الكمال.
والحاصل: أن هذه المراتب موجودة، وأن صيام الناس متفاوت، وأن على المؤمن أن يحقق الصوم بكل معانيه.
وليس المقصود من ذلك: أن العوام لهم صوم، والخواص لهم صوم، بل الجميع مأمورون بتحقيق أعلى الصوم وأكمله، لكن اقتضت سنة الله تعالى في عباده أنهم متفاوتون في ذلك، كما أنهم متفاوتون في إقامة الصلاة وتحقيق الخشوع فيها.
ينظر: صحة قول الغزالي في مراتب الصوم: صوم العموم والخصوص وخصوص الخصوص، موقع الإسلام سؤال وجواب.
أما صوم العوام: فهو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج مع إرسال الجوارح في الزلات، وإهمال القلب في الغفلات، وصاحب هذا الصوم ليس له من صومه إلا الجوع؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لله حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رواه البخاري.
وأما صوم الخواص: فهو إمساك الجوارح كلها عن الفضول، وهو كل ما يشغل العبد عن الوصول، وحاصله: حفظ الجوارح الظاهرة والباطنة عن الاشتغال بما لا يعنى.
وأما صوم خواص الخواص: فهو حفظ القلب عن الالتفات لغير الرب.
قال الغزالي في "الإحياء": اعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ صَوْمُ الْعُمُومِ وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص. وأما صَوْمُ الْعُمُومِ فَهُوَ كَفُّ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ عَنْ قضاء الشهوة كما سبق تفصيله. وَأَمَّا صَوْمُ الْخُصُوصِ فَهُوَ كَفُّ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ عَنِ الْآثَامِ. وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهضم الدَّنِيَّةِ وَالْأَفْكَارِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكَفُّهُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ عز وجل بالكلية. أ. ه
وللصوم درجات، فمن الناس من يصوم عن الطعام والشراب فحسب وهذه أقل درجات الصوم، ومن الناس من يصوم عن الطعام والشراب والأعمال السيئة والأقوال الرديئة، وتلك هي أعلى من السابقة.
وهناك صفوة يصومون عن الطعام والشراب وسوء الأعمال ومنكرات الأقوال.
وتصوم قلوبهم عن الأهواء وخواطرهم عما سوى ربهم، وتلك نهاية عليا في الصوم.
المصدر: دار الإفتاء المصرية.
ونجد أن الإمام الغزالي قد جعل الصوم ثلاث درجات:
- صوم العموم: وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة.
- صوم الخصوص: وهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام.
- صوم خصوص الخصوص: وهو صوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية.
وأما صوم الخاصة
فهو كف الجوارح عن الآثام، كغض البصر عما حرم الله، وحفظ اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة، وكف السمع عن الإصغاء إلى الحرام، وكف باقي الجوارح عن ارتكاب الآثام، وهذا الصنف ينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث ولا يَصْخَب، فإن سابَّه أحد أو قاتله أحد فَلْيَقُلْ إني صائم) متفق عليه.
ثم إن من صفات هذا الصنف أنك تجد قلبه معلقاً بين الخوف والرجاء، مستحضراً قوله تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} (المؤمنون:60)، إذ ليس يدري أيُقبل صومه، فيكون من أصحاب اليمين المقربين، أم يرد فيكون من أصحاب الشمال المبعدين المحرومين.
أما صوم خاصة الخاصة: فهو صوم القلب عن الأفعال الدنيئة، والأفكار الدنيوية، وكفه عما سوى الله سبحانه بالكلية، وقد وصف الغزالي صاحب هذه الرتبة بأنه مقبل بكامل الهمة على الله، منصرف عما سواه، متمثلاً في كل ذلك قوله تعالى: {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} (الأنعام:91)، وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين من عباده المخلَصين.
فحقيق بالمسلم أن يربأ بنفسه عن صوم العوام وهو صوم البطن والفرج وأن يأخذ بنفسه إلى مراتب صوم الخواص، ليكون من المقربين عند رب العالمين، وَلِيَصْدُقَ عليه قوله تعالى: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون} (الأحقاف:16)
ينظر: أصناف الناس في رمضان، قطوف رمضانية.
ذكر الإمام الغزالي رحمه الله: أن الصوم ليس على درجة واحدة، وإنما هو على درجات، فليس كل من امتنع عن المفطرات المادية يكون قد أتى بمعنى الصوم؛ إذ إن حقيقة الصوم فوق هذا، وهي الامتناع عن المفطرات المعنوية.
إن الصيام على ثلاث درجات: صوم العوام، وصوم الخواص، وصوم خواص الخواص.
صوم العوام: هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج مع إرسال الجوارح في الزلات، وإهمال القلب في الغفلات
صوم الخواص: فهو إمساك الجوارح كلها عن الفضول، وهو كل ما يشغل العبد عن الوصول، وحاصله: حفظ الجوارح الظاهرة والباطنة عن الاشتغال بما لا يعني.
صوم خواص الخواص: فهو حفظ القلب عن الالتفات لغير الرب.
وقد ذكر أن صوم الخصوص وهو صوم الصالحين إنما يحصل بستة أمور:
الأمر الأول: غض البصر، وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يُذّم ويُكْره وإلى كل ما يُشغل القلب، ويلهي عن ذكر الله عز وجل
قال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم} (النور: 30)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تتبع النظر النظر، فإن الأولى لك، وليست لك الآخرة) رواه أحمد وهو حسن بالشواهد.
الأمر الثاني: حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمِراء، وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن، فهذا صوم اللسان
وقد قال سفيان: الغيبة تفسد الصوم، وروي عن مجاهد قوله: خصلتان تفسدان الصيام: الغيبة والكذب، وقال صلى الله عليه وسلم: (الصيام جُنَّةٌ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابَّه أحد، أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم) متفق عليه.
ينظر: قطوف رمضانية، مراتب الصوم، موسوعة مقالات: إسلام ويب.
الأمر الثالث: كفُّ السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه
لأن كل ما حَرُمَ قوله حَرُم الإصغاء إليه؛ ولذلك قرن الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت، فقال تعالى: {سماعون للكذب أكالون للسحت} (المائدة:42)، وقال عز وجل: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت} (المائدة:63)، فالسكوت على الغيبة وعدم الإنكار على قائلها حرام، وقال تعالى: {إنكم إذاً مثلهم} (النساء:140). فالمستمع شريك المغتاب ما لم ينهه عن هذا المنكر..
الأمر الرابع: كفُّ بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره، وكفُّ البطن عن الشبهات وقت الإفطار
فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال، ثم الإفطار على الحرام، فمثال هذا الصائم مثال من يبني قصراً، ويهدم مِصْراً، فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته لا بنوعه، فالصوم لتقليله، وتارك الاستكثار من الدواء خوفاً من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيهاً، والحرام سم مهلك للدِّين، والحلال دواء ينفع قليله، ويضر كثيره، وقَصْدُ الصوم تقليله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش) رواه أحمد، قيل: هو الذي يفطر على الحرام، وقيل: هو الذي يمسك عن الطعام الحلال، ويفطر على لحوم الناس بالغيبة، وقيل: هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام.
الأمر الخامس: ألا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار، بحيث يمتلئ جوفه
فقد أخرج النسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما وعاء شر من بطن، حسب المسلم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة؛ فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسه).
وكيف يستفاد من الصوم قَهْرُ عدو الله، وكسر الشهوة، إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره، وربما يزيد عليه في ألوان الطعام؟ حتى استمرت العادات بأن تُدَّخَرَ جميع الأطعمة لرمضان، فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في غيره، ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء، وكسر الهوى؛ لتقوى النفس على التقوى، وإذا مُنِعَت المعدة من وسط النهار إلى العشاء حتى هاجت شهوتها، وقويت رغبتها، ثم أُطعِمَت من اللذات وأُشبعت، زادت لذتها، وتضاعفت قوتها، وانبعث من الشهوات ما كانت راكدة، فروح الصوم وسره إضعاف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلى الشرور، ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل، وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم، فأما إذا جمع ما كان يأكل نهاراً إلى ما كان يأكل ليلاً، فلا ينتفع بصومه.
ومن الآداب: ألا يُكْثِر النوم بالنهار حتى يَحُسَّ بالجوع والعطش، ويستشعر ضعف القوى، فيصفو عند ذلك قلبه، ويستديم في كل ليلة قدراً من الضعف، حتى يخف عليه تهجده وأوراده، فعسى الشيطان ألا يحوم على قلبه، فينظر إلى ملكوت السماء.
الأمر السادس: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً مضطرباً بين الخوف والرجاء؛ إذ ليس يدري أيُقبل صومه، فهو من المقربين، أو يُرَدُّ عليه فهو من الممقوتين؟
وقد روي عن الحسن البصري أنه مرَّ بقوم وهم يضحكون، فقال: "إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون، وخاب فيه المبطلون، أما والله لو كُشِفَ الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، أي: كان سرور المقبول يشغله عن اللعب، وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك".
بنظر: إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين مرتضى الزبيدي.
ثم أثار الغزالي هنا سؤالاً، فقال: "فإن قلتَ: فمن اقتصر على كف شهوة البطن والفرج، وتَرْكِ هذه المعاني، فقد قال الفقهاء: صومه صحيح، فما معناه؟".
وقد أجاب الغزالي عن هذا السؤال بقوله: "اعلم أن فقهاء الظاهر يُثْبِتون شروط الظاهر بأدلة هي أضعف من هذه الأدلة التي أوردناها في هذه الشروط الباطنة، لاسيما الغيبة وأمثالها، وليس إلى فقهاء الظاهر من التكليفات إلا ما يتيسر على عموم المُكَلَفين المقبلين على الدنيا الدخول تحته، فأما علماء الآخرة فيعنون بالصحة القبول، وبالقبول الوصول إلى المقصود، ويفهمون أن المقصود من الصوم التخلق بأخلاق الله عز وجل، والاقتداء بالملائكة في الكف عن الشهوات - بحسب الإمكان - فإنهم منزهون عن الشهوات، والإنسان رتبته فوق رتبة البهائم؛ لقدرته بنور العقل على كسر شهوته، ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه، وكونه مبتلى بمجاهدتها، فكلما انهمك في الشهوات انحط إلى أسفل سافلين، والتحق بغمار البهائم، وكلما قمع الشهوات، ارتفع إلى أعلى عليين، والتحق بأفق الملائكة.
والملائكة مقربون من الله عز وجل، والذي يقتدي بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب من الله عز وجل كقربهم، فإن الشبيه من القريب قريب، وليس القرب ثَمَّ بالمكان، بل بالصفات، وإذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب، فأي جدوى لتأخير أكلة، وجمع أكلتين عند العشاء مع الانهماك في الشهوات الأُخر طول النهار؟ ولو كان لمثله جدوى، فأي معنى لقوله صلى الله عليه وسلم: (كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش)
ومن فهم معنى الصوم وسره، عَلِمَ أن مثل من كفَّ عن الأكل والجماع وأفطر بمخالطة الآثام كمن مسح على عضو من أعضائه في الوضوء ثلاث مرات، فقد وافق في الظاهر العدد، إلا أنه ترك المهم، وهو الغُسْلُ، فصلاته مردودة عليه بجهله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الصوم أمانة، فليحفظ أحدكم أمانته) أخرجه الخرائطي وإسناده حسن
ينظر: قطوف رمضانية، مراتب الصوم، موسوعة مقالات: إسلام ويب.
ولما تلا قوله عز وجل: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} (النساء:58)، وضع يده على سمعه وبصره. أخرجه أبو داود، ولولا أن السمع والبصر - وكذلك سائر الجوارح - من أمانات الصوم، لما قال صلى الله عليه وسلم: (فليقل: إني صائم)، أي: إني أودعت لساني وبصري وجوارحي كافة لأحفظها، فكيف أُطلقها فيما لا يُرضي الله سبحانه؟".
وبهذا تعلم، أن الصوم ليس في مرتبة واحدة، بل هو في مراتب متفاوتة، أعلاها صوم القلوب والجوارح عن كل ما لا يُرضي الله سبحانه من الأفعال والأقوال، وأدناها الصوم عن الطعام والشراب والنكاح، وشتان ما بينهما، وقد تبين لك الفرق بينهما.
نسأل الله أن يرزقنا حقيقة الصوم، وأن يجعلنا من المقبولين. ونسأله سبحانه أن يوفّقنا لكي نبذل ما يزيد حظّنا من طاعته، وأن يتفضّل علينا بأعلى درجات الصيام وأسماها. ...المزيد
وسائل الثبات على طاعة الله والاستقامة أولاً: كيف الثبات على الطاعة الله تعالى للثبات على ...
وسائل الثبات على طاعة الله والاستقامة
أولاً: كيف الثبات على الطاعة الله تعالى
للثبات على الاستقامة وسائل من أهمها:
1- مجاهدة النفس، وإلزامها فعل الطاعات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك) وحفظ الله للعبد إذا حفظه يشمل حفظه في دنياه مما يحذره ويخشاه، ويشمل حفظه في دينه بأن يثبته على هداه، ويعينه على تقواه.
2- دعاء الله تعالى، والالتجاء إليه، فإن القلوب بين إصبعين من أصابعه سبحانه يقلبها كيف يشاء.
3- الاجتهاد في تعلم العلم الشرعي.
4- حضور مجالس الذِكر وحِلق العِلم.
5- صحبة الصالحين الأخيار الذين يعينون على الطاعة ويحملون عليها.
6- الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، واللجوء إليه بالدعاء الكثير في كلّ وقت وخصوصاً في السجود، فقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من هذا الدعاء: (يا مُقَلِّبَ القلُوبِ ثَبِّتْ قلبي على دينِكَ).
7- الإكثار من الاستغفار، قال الله سبحانه وتعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي قالَ اللَّهُ تعالى: (يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ، ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً).
8- المحافظة على أداء الصلاة في المسجد؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفذِّ بسبعٍ وعشرينَ درجةً).
9- مرافقة الصحبة الصالحة والحذر من رفقاء السوء؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ).
10- الابتعاد عما يُذكّر بالمعاصي مثل الصور والفيديوهات وغيرها.
11- الحرص على سماع القرآن، والمواعظ والدروس الدينية، التي تحث وتساعد على الثبات على طاعة الله.
12- الابتعاد عن سماع الأغاني، وكل ما حرّم الله ونهى عنه.
13- قراءة القرآن الكريم والمداومة عليه؛ فهو خيرُ الكلام، وأجره عظيم عند الله تعالى؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللَّهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ).
ثانياً: موانع الثبات على طاعة الله تعالى
يوجد العديد من الموانع التي تحول بين المسلم والثبات على الطاعة منها:
1- طول الأمل لدى الشخص مما يتولّد عنه الكسل عن القيام بالطاعة، والتسويف بالتوبة، ونسيان الآخرة والرغبة في الدنيا وما فيها، وقسوة القلب، وقد حذّر الله سبحانه وتعالى عباده من طول الأمل فقال في كتابه العزيز: (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)
2- التوسع في المباحات من الطعام والشراب واللباس والمراكب ونحوها تعد من أسباب التفريط في القيام بعض الطاعات، وعدم الثبات والمداومة عليها؛ فالتوسّع في المباحات يورث الركون، والنوم، والراحة، بل قد يوصل الشخص إلى الوقوع في المكروهات، قال الله سبحانه وتعالى: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ) فالله سبحانه وتعالى أمر بالأكل ونهى عن الطغيان فيه؛ حتى لا تميل النفس البشرية إلى الركون والكسل، والتقاعس عن العمل.
3- الابتعاد عن الأجواء الإيمانيّة؛ فالنفس البشريّة إذا لم يُشغلها صاحبها بالطاعة والحقّ، شَغَلته هي بالمعصيَة.
ثالثاً: فضل الثبات على الطاعة والمداومة عليها
للمداومة على الطاعات والثبات عليها فضائل عظيمة منها:
1- تعتبر المداومة على الطاعات من صفات المؤمنين؛ فقد قال الله سبحانه وتعالى في وصف عباده المؤمنين: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) أي الذين يداومون عليها في أوقاتها المحدّدة، ويؤدونها بشروطها وأركانها ومكمّلاتها.
2- المداومة على الطاعات والثبات عليها وصية الله سبحانه وتعالى لأنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام.
تعتبر المداومة على الطاعات أحبّ الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى؛ فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (يا أيُّها الناسُ، خُذوا مِن الأعمالِ ما تُطِيقُون، فإنّ اللهَ لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا، وإنَّ أحبَّ الأعمالِ إلى اللهِ ما دامَ وإن قلَّ).
3- في المداومة على الطاعة زيادة لإيمان المسلم، فكلّ عمل صالح يقوم به العبد يزيد في إيمانه وكلّ طاعة تجرّ إلى غيرها.
4- المداومة على الطاعة تبعد العبد عن الغفلة.
5- المداومة على الطاعة سببٌ للوصول إلى محبة الله سبحانه وتعالى؛ فقد جاء في الحديث القدسي: (وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بمثلِ أداءِ ما افتَرضتُه عليْهِ، ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أحبَّهُ)
6 - مداومة العبد على الطاعات سبب في نجاته من المصائب والشدائد.
7- مداومة العبد على الطاعات سبب في محوِ ذنوبه وتكفيرها. ...المزيد
أولاً: كيف الثبات على الطاعة الله تعالى
للثبات على الاستقامة وسائل من أهمها:
1- مجاهدة النفس، وإلزامها فعل الطاعات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك) وحفظ الله للعبد إذا حفظه يشمل حفظه في دنياه مما يحذره ويخشاه، ويشمل حفظه في دينه بأن يثبته على هداه، ويعينه على تقواه.
2- دعاء الله تعالى، والالتجاء إليه، فإن القلوب بين إصبعين من أصابعه سبحانه يقلبها كيف يشاء.
3- الاجتهاد في تعلم العلم الشرعي.
4- حضور مجالس الذِكر وحِلق العِلم.
5- صحبة الصالحين الأخيار الذين يعينون على الطاعة ويحملون عليها.
6- الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، واللجوء إليه بالدعاء الكثير في كلّ وقت وخصوصاً في السجود، فقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من هذا الدعاء: (يا مُقَلِّبَ القلُوبِ ثَبِّتْ قلبي على دينِكَ).
7- الإكثار من الاستغفار، قال الله سبحانه وتعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي قالَ اللَّهُ تعالى: (يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ، ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً).
8- المحافظة على أداء الصلاة في المسجد؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفذِّ بسبعٍ وعشرينَ درجةً).
9- مرافقة الصحبة الصالحة والحذر من رفقاء السوء؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ).
10- الابتعاد عما يُذكّر بالمعاصي مثل الصور والفيديوهات وغيرها.
11- الحرص على سماع القرآن، والمواعظ والدروس الدينية، التي تحث وتساعد على الثبات على طاعة الله.
12- الابتعاد عن سماع الأغاني، وكل ما حرّم الله ونهى عنه.
13- قراءة القرآن الكريم والمداومة عليه؛ فهو خيرُ الكلام، وأجره عظيم عند الله تعالى؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللَّهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ).
ثانياً: موانع الثبات على طاعة الله تعالى
يوجد العديد من الموانع التي تحول بين المسلم والثبات على الطاعة منها:
1- طول الأمل لدى الشخص مما يتولّد عنه الكسل عن القيام بالطاعة، والتسويف بالتوبة، ونسيان الآخرة والرغبة في الدنيا وما فيها، وقسوة القلب، وقد حذّر الله سبحانه وتعالى عباده من طول الأمل فقال في كتابه العزيز: (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)
2- التوسع في المباحات من الطعام والشراب واللباس والمراكب ونحوها تعد من أسباب التفريط في القيام بعض الطاعات، وعدم الثبات والمداومة عليها؛ فالتوسّع في المباحات يورث الركون، والنوم، والراحة، بل قد يوصل الشخص إلى الوقوع في المكروهات، قال الله سبحانه وتعالى: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ) فالله سبحانه وتعالى أمر بالأكل ونهى عن الطغيان فيه؛ حتى لا تميل النفس البشرية إلى الركون والكسل، والتقاعس عن العمل.
3- الابتعاد عن الأجواء الإيمانيّة؛ فالنفس البشريّة إذا لم يُشغلها صاحبها بالطاعة والحقّ، شَغَلته هي بالمعصيَة.
ثالثاً: فضل الثبات على الطاعة والمداومة عليها
للمداومة على الطاعات والثبات عليها فضائل عظيمة منها:
1- تعتبر المداومة على الطاعات من صفات المؤمنين؛ فقد قال الله سبحانه وتعالى في وصف عباده المؤمنين: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) أي الذين يداومون عليها في أوقاتها المحدّدة، ويؤدونها بشروطها وأركانها ومكمّلاتها.
2- المداومة على الطاعات والثبات عليها وصية الله سبحانه وتعالى لأنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام.
تعتبر المداومة على الطاعات أحبّ الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى؛ فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (يا أيُّها الناسُ، خُذوا مِن الأعمالِ ما تُطِيقُون، فإنّ اللهَ لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا، وإنَّ أحبَّ الأعمالِ إلى اللهِ ما دامَ وإن قلَّ).
3- في المداومة على الطاعة زيادة لإيمان المسلم، فكلّ عمل صالح يقوم به العبد يزيد في إيمانه وكلّ طاعة تجرّ إلى غيرها.
4- المداومة على الطاعة تبعد العبد عن الغفلة.
5- المداومة على الطاعة سببٌ للوصول إلى محبة الله سبحانه وتعالى؛ فقد جاء في الحديث القدسي: (وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بمثلِ أداءِ ما افتَرضتُه عليْهِ، ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أحبَّهُ)
6 - مداومة العبد على الطاعات سبب في نجاته من المصائب والشدائد.
7- مداومة العبد على الطاعات سبب في محوِ ذنوبه وتكفيرها. ...المزيد
حديث أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يمنعنَّ رجلًا هيبةُ الناسِ أن يقولَ ...
حديث أبي سعيد الخدري
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يمنعنَّ رجلًا هيبةُ الناسِ أن يقولَ بحقٍّ إذا رآه أو شهِدَه فإنه لا يقرِّبُ من أجلٍ ولا يباعِدُ من رزقٍ أو يقولَ بحقٍّ أو يُذكِّرَ بعظيمٍ
صححه الألباني في السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم : 1/324 | خلاصة حكم المحدث : صحيح الإسناد
أخرجه الترمذي (2191) مطولاً باختلاف يسير دون قوله: "أو يذكر بعظيم ..."، وابن ماجه (4007) باختلاف يسير دون قوله: "أو يذكر بعظيم ..."، وأحمد (11474) ...المزيد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يمنعنَّ رجلًا هيبةُ الناسِ أن يقولَ بحقٍّ إذا رآه أو شهِدَه فإنه لا يقرِّبُ من أجلٍ ولا يباعِدُ من رزقٍ أو يقولَ بحقٍّ أو يُذكِّرَ بعظيمٍ
صححه الألباني في السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم : 1/324 | خلاصة حكم المحدث : صحيح الإسناد
أخرجه الترمذي (2191) مطولاً باختلاف يسير دون قوله: "أو يذكر بعظيم ..."، وابن ماجه (4007) باختلاف يسير دون قوله: "أو يذكر بعظيم ..."، وأحمد (11474) ...المزيد
قول أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه (فبم يقتلوني)؟!!! عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف وعبد ...
قول أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه (فبم يقتلوني)؟!!!
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف وعبد الله بن عامر قالا:
كنّا مع عثمان رضي الله عنه في الدار وهو محصور،
فخرج يوماً متغيراً لونه فقال: إنهم ليواعدوني القتل؟
فقلنا: يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين.
قال: بم يقتلوني؟ وقد سمعت رسول الله ﷺ يقول:
(لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفساً بغير حق»،
فوالله ما زنيت بجاهلية ولا إسلام، ولا قتلت نفساً بغير نفس، ولا تمنيت بديني بدلاً مذ هداني الله عز وجل ، فبم يقتلوني؟)
أخرجه أحمد (437)، وأبو داود (4502)، والترمذي (2158)، وابن ماجه (2533)، والنسائي (4019). ...المزيد
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف وعبد الله بن عامر قالا:
كنّا مع عثمان رضي الله عنه في الدار وهو محصور،
فخرج يوماً متغيراً لونه فقال: إنهم ليواعدوني القتل؟
فقلنا: يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين.
قال: بم يقتلوني؟ وقد سمعت رسول الله ﷺ يقول:
(لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفساً بغير حق»،
فوالله ما زنيت بجاهلية ولا إسلام، ولا قتلت نفساً بغير نفس، ولا تمنيت بديني بدلاً مذ هداني الله عز وجل ، فبم يقتلوني؟)
أخرجه أحمد (437)، وأبو داود (4502)، والترمذي (2158)، وابن ماجه (2533)، والنسائي (4019). ...المزيد
ﺗﻤﻨﻴﺖ ﺍﻟﺮﺣﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ ﻟﺸﺪﺓ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻔﻮﺭ ﻧﺴﺎﺀٌ ﻗﺪ ﻛَﺸَﻔْﻦَ ﻭﺟﻮﻫﻬﻦ ...
ﺗﻤﻨﻴﺖ ﺍﻟﺮﺣﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ
ﻟﺸﺪﺓ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻔﻮﺭ
ﻧﺴﺎﺀٌ ﻗﺪ ﻛَﺸَﻔْﻦَ ﻭﺟﻮﻫﻬﻦ
ﻭَﺃﻋﻨﺎﻗًﺎ ﻭﻣﺎ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺼﺪﻭﺭ
ﻟَﺒِﺴْﻦَ ﻣﻼﺑﺴًﺎ ﻻ ﺧﻴﺮَ ﻓﻴﻬﺎ
ﻣُﺰَﺧْﺮَﻓﺔً ﺗَﺴﻮﻕُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺮﻭﺭ
ﻗﻤﻴﺼًﺎ ﺛﻢ بِنْطالًا ﻗﺼﻴﺮًﺍ
ﻭﻣﻨﻪ ﺗَﻔﻮﺡُ ﺭﺍﺋﺤﺔُ ﺍﻟﻌﻄﻮﺭ
ﺇﺫﺍ ﺧَﺮَﺟَﺖْ ﻓﺘﺎﺓُ ﺍﻟﻌﺼﺮِ ﻓﻴﻨﺎ
ﻭَﻣَﺮَّﺕْ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﺀِ ﺃﻭﺍﻟﺒُﻜﻮﺭ
ﺭﺃﻳْﺖَ ﻟﻬﺎ ﻓﻨﻮﻧًﺎ ﻣﻦ ﺳُﻔﻮﺭ
ﻣﺎ ﺷَﻬِﺪَﺕْ ﺑِﻪِ ﻣﺎﺽِ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻔﺘﻴﻦ ﻗﺪ ﻭﺿﻌﺖ ﺳﻤﻮﻣًﺎ
وﺃﻟﻘﺖ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﺧﻠﻒ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ
ﻭَكُحْلًا ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻴﻮﻥ ﻳﻜﺎﺩ ﻳَﺴْﺒِﻲ
ﻋﻘﻮﻝَ ﺍﻟﻨﺎﻇﺮﻳﻦ ﺑﻼ ﺧﻤﻮﺭ
ﻭﻗﺪ ﻧَﺴِﻴَﺖْ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕَ ﻳﺄﺗﻲ
ﻭَﺗُﻤْﺴﻲ ﻋﻦ ﻗﺮﻳﺐٍ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ
ﻭَﺗَﻔْﻨَﻰ ﻛﻞُّ ﻟَﺬّﺍﺕِ ﻭَﺗُﺠْﺰَﻯ
ﺑﻤﺎ ﻋَﻤِﻠَﺘْﻪُ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻨﺸﻮﺭ
ﻓﻴﺎ ﺃَﻣَﺔَ ﺍﻹﻟﻪِ ﻫَﻠُﻢَّ ﺗﻮﺑﻲ
ﻭَﻋُﻮﺩِﻱ ﺍﻵﻥَ ﻟﻠﺮﺏِّ ﺍﻟﻐﻔﻮﺭ ...المزيد
ﻟﺸﺪﺓ ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻔﻮﺭ
ﻧﺴﺎﺀٌ ﻗﺪ ﻛَﺸَﻔْﻦَ ﻭﺟﻮﻫﻬﻦ
ﻭَﺃﻋﻨﺎﻗًﺎ ﻭﻣﺎ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺼﺪﻭﺭ
ﻟَﺒِﺴْﻦَ ﻣﻼﺑﺴًﺎ ﻻ ﺧﻴﺮَ ﻓﻴﻬﺎ
ﻣُﺰَﺧْﺮَﻓﺔً ﺗَﺴﻮﻕُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺮﻭﺭ
ﻗﻤﻴﺼًﺎ ﺛﻢ بِنْطالًا ﻗﺼﻴﺮًﺍ
ﻭﻣﻨﻪ ﺗَﻔﻮﺡُ ﺭﺍﺋﺤﺔُ ﺍﻟﻌﻄﻮﺭ
ﺇﺫﺍ ﺧَﺮَﺟَﺖْ ﻓﺘﺎﺓُ ﺍﻟﻌﺼﺮِ ﻓﻴﻨﺎ
ﻭَﻣَﺮَّﺕْ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﺀِ ﺃﻭﺍﻟﺒُﻜﻮﺭ
ﺭﺃﻳْﺖَ ﻟﻬﺎ ﻓﻨﻮﻧًﺎ ﻣﻦ ﺳُﻔﻮﺭ
ﻣﺎ ﺷَﻬِﺪَﺕْ ﺑِﻪِ ﻣﺎﺽِ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻔﺘﻴﻦ ﻗﺪ ﻭﺿﻌﺖ ﺳﻤﻮﻣًﺎ
وﺃﻟﻘﺖ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﺧﻠﻒ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ
ﻭَكُحْلًا ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻴﻮﻥ ﻳﻜﺎﺩ ﻳَﺴْﺒِﻲ
ﻋﻘﻮﻝَ ﺍﻟﻨﺎﻇﺮﻳﻦ ﺑﻼ ﺧﻤﻮﺭ
ﻭﻗﺪ ﻧَﺴِﻴَﺖْ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕَ ﻳﺄﺗﻲ
ﻭَﺗُﻤْﺴﻲ ﻋﻦ ﻗﺮﻳﺐٍ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ
ﻭَﺗَﻔْﻨَﻰ ﻛﻞُّ ﻟَﺬّﺍﺕِ ﻭَﺗُﺠْﺰَﻯ
ﺑﻤﺎ ﻋَﻤِﻠَﺘْﻪُ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻨﺸﻮﺭ
ﻓﻴﺎ ﺃَﻣَﺔَ ﺍﻹﻟﻪِ ﻫَﻠُﻢَّ ﺗﻮﺑﻲ
ﻭَﻋُﻮﺩِﻱ ﺍﻵﻥَ ﻟﻠﺮﺏِّ ﺍﻟﻐﻔﻮﺭ ...المزيد
قال ابن القيم رحمه الله: شهدت شيخ الإسلام قدس الله روحه إذا أعيته المسائل واستصعبت عليه فر منها ...
قال ابن القيم رحمه الله:
شهدت شيخ الإسلام قدس الله روحه إذا أعيته المسائل واستصعبت عليه فر منها إلى التوبة والاستغفار والاستغاثة بالله واللجأ إليه، واستنزال الصواب من عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته!!
فقلما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدًا، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه بأيتهن يبدأ، ولا ريب أن من وفق هذا الافتقار علمًا وحالًا، وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد، فقد أعطى حظه من التوفيق، ومن حرمه، فقد منع الطريق والرفيق.
فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق، فقد سلك به الصراط المستقيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
إعلام الموقعين، 4/172. ...المزيد
شهدت شيخ الإسلام قدس الله روحه إذا أعيته المسائل واستصعبت عليه فر منها إلى التوبة والاستغفار والاستغاثة بالله واللجأ إليه، واستنزال الصواب من عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته!!
فقلما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدًا، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه بأيتهن يبدأ، ولا ريب أن من وفق هذا الافتقار علمًا وحالًا، وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد، فقد أعطى حظه من التوفيق، ومن حرمه، فقد منع الطريق والرفيق.
فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق، فقد سلك به الصراط المستقيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
إعلام الموقعين، 4/172. ...المزيد
الفتور في العبادة إذا مررت بحالة ” فتور العبادة ” فاعلم أن ما تشكو منه ليس مشكلة خاصة بك وحدك، بل ...
الفتور في العبادة
إذا مررت بحالة ” فتور العبادة ” فاعلم أن ما تشكو منه ليس مشكلة خاصة بك وحدك، بل هو من الحالات التي لا ينفك أن يمر بها الجميع، ليس فقط في أيامنا، بل إن أول من عاناه وطلب الدواء منه هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن قبل أن نفكر معا في علاج الفتور دعنا ننظر إلى تعريفه وأسبابه وآثاره :
الفتور في اللغة بمعنى : سكن بعد حدة، ولانَ بعد شدّة.
وفى الاصطلاح : هو داءٌ يمكن أن يصيب بعض الناس أدناه الكسل والتراخي والتباطؤ، وأعلاه الانقطاع أو السكون بعد النشاط الدائم والحركة المستمرة..
قال تعالى: { وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون } (الأنبياء :19-20) ، أي أنهم في عبادةٍ دائمةٍ ينزهّون الله عما لا يليق به، ويصلون ويذكرون الله ليل نهار لا يضعفون ولا يسأمون.
ووضح من التعريف السابق أنّ للفتور مظاهر مثل ترك الشيء بعد المداومة عليه ، أو عدم فعله بالكيفية المطلوبة، أو فعل الشيء مع عدم الرغبة في عمله، وبالتالي يكون إجبارا أكثر منه اختيارا.
أما عن الأسباب التي تؤدّي إلى الفتور فهي كثيرة، وأهم هذه الأسباب:
1- الوقوع في المعاصي، وخاصة صغائر الذنوب..
قال تعالى: { وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } (الشورى :30) ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه” رواه أحمد.
فقد يفرح الإنسان أنه لا يقع في كبائر الذنوب وله أن يفرح بذلك، ولكن لا يأخذ حذره من صغائر الذنوب ولا يبالى بها، وتؤدي به بعد ذلك إلى الفتور والتقصير في الطاعات، بل يمكن أن تؤدي به إلى فعل الكبائر.
2- الغلو والتشدُّد في الدين؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين” رواه أحمد
والغلو يكون بالانهماك في الطاعات وعدم إعطاء البدن الراحة الكافية للقيام بهذه الطاعات، فتؤثِّر الطاعات على الإنسان تأثيرًا عكسيًّا ولا تؤدي الغرض الذي من أجله تم فعلها، فتصيب النفس بحالةٍ من الكسل والدعة، وهو ما نطلق عليه الفتور.
3- الإسراف في المباحات؛ وهو عكس السبب السابق، ولكنه يؤدي إلى نفس النتيجة لأن الإسراف في المباحات يعوِّد النفس الراحة والكسل والخمول، وبالتالي ترك الطاعات أو عدم فعلها بالشكل والكيفية المطلوبة فينشأ في النفس حبٌّ لهذه المباحات واستثقالٌ للطاعات وعدم صبرٍ على أدائها، يقول المولى عز وجل: { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحب المسرفين } الأعراف : 31 ).
4- صحبة أصحاب المعاصي أو المسرفين في تعاطي المباحات
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ” رواه الترمذي، فإنك إن صاحبت صاحب المعصية فإما أن تقع معه فيها، وإما أن تراه يفعلها ولا تنكرها عليه؛ وكلاهما منكرٌ ويؤدي إلى الفتور.
5- قلّة تذكُّر الموت وأمور الآخرة
وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإن فيها عبرة) رواه أحمد، وفى رواية: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروا القبور فإنها تزهّد في الدنيا وتذكّر الآخرة) رواه الترمذي، فتذكّر الموت والآخرة يجعل الإنسان دائمًا في شعورٍ حيٍ واتصالٍ وثيقٍ بالله لأنه يستقر في وجدانه أنه مهما طال عليه العمر فإنه ملاقى الله عز وجل وعدم تذكّر الموت والآخرة يؤدّي إلى نسيان الهدف من الحياة، وبالتالي إلى الفتور والكسل والدعة.
وأما عن آثار الفتور في العبادة
فهو يجعل الإنسان ينتقل من حالٍ إلى حال، ومن حركةٍ ودأبٍ إلى خمولٍ وكسل، ومن صلةٍ طيِّبةٍ وقويَّةٍ بالله إلى صلةٍ ضعيفةٍ به؛ وبالتالي ينقلب الميزان الذي يقيس به الإنسان أعماله وتصبح الأعمال السيئة أكثر من الأعمال الحسنة.
أما عن العلاج من الفتور في العبادة
فالعلاج ابتداءً هو مخالفة الأسباب، فكل سببٍ ذكرناه سابقًا من أسباب الفتور في العبادة يكون فعل عكسه هو خطوة في طريق العلاج، ومع هذا لا بأس من ذكر بعض الوسائل العملية للعلاج بجانب ما سبق:
1- عليك أن تبدأ كل عملٍ من الأعمال التعبديّة بشحن النفس تجاه هذا العمل، ولنأخذ مثالاً على ذلك بالصلاة.. فإذا قمت إلى الصلاة عليك أن تستحضر في ذهنك أو تكتبها في ورقةٍ وتقرأها كل الآيات والأحاديث الواردة في الصلاة، وفضلها، وثوابها، ووقتها، وفضل الخشوع فيها… ومن الأمثلة على ذلك:
- { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} البقرة :43
-{واستعينوا بالصبر والصلاة وَإِنَّهَا لكبيرة إِلَّا عَلَى الخاشعين} البقرة :45.
- {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} (البقرة : 238)
- { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا } (النساء : 103).
- {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون} (العنكبوت : 45)
وهكذا بالنسبة لآيات الصلاة أو معظمها، أما الأحاديث:
- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟) قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: “فذلك مثل الصلوات الخمس ، يمحو الله بهن الخطايا” رواه مسلم.
- وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر” رواه مسلم.
- وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة” متفق عليه.
وهكذا بالنسبة لباقي الأحاديث أو معظمها؛ فإنك إن جمعت الآيات والأحاديث الواردة في الموضوع وكتبتها في ورقة وقرأتها قبل كل صلاة، فبذلك ستجدد بداخلك معاني الطاعات والعبادات كي لا تتحول العبادة إلى عادة، ولكن لتؤدي هذه الوسيلة ثمارها، فعليك بالمداومة عليها ومثل ذلك في باقي العبادات مثل الصوم والذكر… إلخ.
2- عليك قبل أن تبدأ في الأعمال التعبدية أن تسأل نفسك: لماذا أفعلها؟ وتحضر ورقةً وقلمًا وتدوّن كل نواياك في هذا العمل، وفكر في نوايا كثيرة وسجّلها، وستحصل على كميّةٍ كبيرةٍ من النوايا كنت غافلاً عنها وأنت تقوم بهذا العمل، فيساعدك هذا على استشعار قيمة هذا العمل وحجم الثواب الذي ستحصل عليه من ورائه، وسيزيد ذلك من إيمانك ومن إقبالك عليه.
3- القراءة في كتب الرقائق والآخرة مثل كتاب “الإيمان أولا فكيف نبدأ به” للدكتور مجدي الهلالي، فإنه يعطيك صورةً جيِّدةً عن الإيمان، وكيفية تزويده، والوسائل العملية لذلك، ولا تنس أن تكون القراءة مع التطبيق لتتحقق الفائدة المرجوة.
4- كثرة الاستغفار والتسبيح والذكر، فإن هذه من أعمال اللسان التي لا تتطلّب وقتًا مخصصًا لها، ولكنها تفيد في صفاء القلب وخلوه من المعاصي والذنوب، فيمكن الإكثار منها في المواصلات وقبل النوم وفي كل حال. ...المزيد
إذا مررت بحالة ” فتور العبادة ” فاعلم أن ما تشكو منه ليس مشكلة خاصة بك وحدك، بل هو من الحالات التي لا ينفك أن يمر بها الجميع، ليس فقط في أيامنا، بل إن أول من عاناه وطلب الدواء منه هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن قبل أن نفكر معا في علاج الفتور دعنا ننظر إلى تعريفه وأسبابه وآثاره :
الفتور في اللغة بمعنى : سكن بعد حدة، ولانَ بعد شدّة.
وفى الاصطلاح : هو داءٌ يمكن أن يصيب بعض الناس أدناه الكسل والتراخي والتباطؤ، وأعلاه الانقطاع أو السكون بعد النشاط الدائم والحركة المستمرة..
قال تعالى: { وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون } (الأنبياء :19-20) ، أي أنهم في عبادةٍ دائمةٍ ينزهّون الله عما لا يليق به، ويصلون ويذكرون الله ليل نهار لا يضعفون ولا يسأمون.
ووضح من التعريف السابق أنّ للفتور مظاهر مثل ترك الشيء بعد المداومة عليه ، أو عدم فعله بالكيفية المطلوبة، أو فعل الشيء مع عدم الرغبة في عمله، وبالتالي يكون إجبارا أكثر منه اختيارا.
أما عن الأسباب التي تؤدّي إلى الفتور فهي كثيرة، وأهم هذه الأسباب:
1- الوقوع في المعاصي، وخاصة صغائر الذنوب..
قال تعالى: { وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } (الشورى :30) ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه” رواه أحمد.
فقد يفرح الإنسان أنه لا يقع في كبائر الذنوب وله أن يفرح بذلك، ولكن لا يأخذ حذره من صغائر الذنوب ولا يبالى بها، وتؤدي به بعد ذلك إلى الفتور والتقصير في الطاعات، بل يمكن أن تؤدي به إلى فعل الكبائر.
2- الغلو والتشدُّد في الدين؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين” رواه أحمد
والغلو يكون بالانهماك في الطاعات وعدم إعطاء البدن الراحة الكافية للقيام بهذه الطاعات، فتؤثِّر الطاعات على الإنسان تأثيرًا عكسيًّا ولا تؤدي الغرض الذي من أجله تم فعلها، فتصيب النفس بحالةٍ من الكسل والدعة، وهو ما نطلق عليه الفتور.
3- الإسراف في المباحات؛ وهو عكس السبب السابق، ولكنه يؤدي إلى نفس النتيجة لأن الإسراف في المباحات يعوِّد النفس الراحة والكسل والخمول، وبالتالي ترك الطاعات أو عدم فعلها بالشكل والكيفية المطلوبة فينشأ في النفس حبٌّ لهذه المباحات واستثقالٌ للطاعات وعدم صبرٍ على أدائها، يقول المولى عز وجل: { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحب المسرفين } الأعراف : 31 ).
4- صحبة أصحاب المعاصي أو المسرفين في تعاطي المباحات
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ” رواه الترمذي، فإنك إن صاحبت صاحب المعصية فإما أن تقع معه فيها، وإما أن تراه يفعلها ولا تنكرها عليه؛ وكلاهما منكرٌ ويؤدي إلى الفتور.
5- قلّة تذكُّر الموت وأمور الآخرة
وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإن فيها عبرة) رواه أحمد، وفى رواية: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروا القبور فإنها تزهّد في الدنيا وتذكّر الآخرة) رواه الترمذي، فتذكّر الموت والآخرة يجعل الإنسان دائمًا في شعورٍ حيٍ واتصالٍ وثيقٍ بالله لأنه يستقر في وجدانه أنه مهما طال عليه العمر فإنه ملاقى الله عز وجل وعدم تذكّر الموت والآخرة يؤدّي إلى نسيان الهدف من الحياة، وبالتالي إلى الفتور والكسل والدعة.
وأما عن آثار الفتور في العبادة
فهو يجعل الإنسان ينتقل من حالٍ إلى حال، ومن حركةٍ ودأبٍ إلى خمولٍ وكسل، ومن صلةٍ طيِّبةٍ وقويَّةٍ بالله إلى صلةٍ ضعيفةٍ به؛ وبالتالي ينقلب الميزان الذي يقيس به الإنسان أعماله وتصبح الأعمال السيئة أكثر من الأعمال الحسنة.
أما عن العلاج من الفتور في العبادة
فالعلاج ابتداءً هو مخالفة الأسباب، فكل سببٍ ذكرناه سابقًا من أسباب الفتور في العبادة يكون فعل عكسه هو خطوة في طريق العلاج، ومع هذا لا بأس من ذكر بعض الوسائل العملية للعلاج بجانب ما سبق:
1- عليك أن تبدأ كل عملٍ من الأعمال التعبديّة بشحن النفس تجاه هذا العمل، ولنأخذ مثالاً على ذلك بالصلاة.. فإذا قمت إلى الصلاة عليك أن تستحضر في ذهنك أو تكتبها في ورقةٍ وتقرأها كل الآيات والأحاديث الواردة في الصلاة، وفضلها، وثوابها، ووقتها، وفضل الخشوع فيها… ومن الأمثلة على ذلك:
- { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} البقرة :43
-{واستعينوا بالصبر والصلاة وَإِنَّهَا لكبيرة إِلَّا عَلَى الخاشعين} البقرة :45.
- {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} (البقرة : 238)
- { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا } (النساء : 103).
- {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون} (العنكبوت : 45)
وهكذا بالنسبة لآيات الصلاة أو معظمها، أما الأحاديث:
- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟) قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: “فذلك مثل الصلوات الخمس ، يمحو الله بهن الخطايا” رواه مسلم.
- وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر” رواه مسلم.
- وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة” متفق عليه.
وهكذا بالنسبة لباقي الأحاديث أو معظمها؛ فإنك إن جمعت الآيات والأحاديث الواردة في الموضوع وكتبتها في ورقة وقرأتها قبل كل صلاة، فبذلك ستجدد بداخلك معاني الطاعات والعبادات كي لا تتحول العبادة إلى عادة، ولكن لتؤدي هذه الوسيلة ثمارها، فعليك بالمداومة عليها ومثل ذلك في باقي العبادات مثل الصوم والذكر… إلخ.
2- عليك قبل أن تبدأ في الأعمال التعبدية أن تسأل نفسك: لماذا أفعلها؟ وتحضر ورقةً وقلمًا وتدوّن كل نواياك في هذا العمل، وفكر في نوايا كثيرة وسجّلها، وستحصل على كميّةٍ كبيرةٍ من النوايا كنت غافلاً عنها وأنت تقوم بهذا العمل، فيساعدك هذا على استشعار قيمة هذا العمل وحجم الثواب الذي ستحصل عليه من ورائه، وسيزيد ذلك من إيمانك ومن إقبالك عليه.
3- القراءة في كتب الرقائق والآخرة مثل كتاب “الإيمان أولا فكيف نبدأ به” للدكتور مجدي الهلالي، فإنه يعطيك صورةً جيِّدةً عن الإيمان، وكيفية تزويده، والوسائل العملية لذلك، ولا تنس أن تكون القراءة مع التطبيق لتتحقق الفائدة المرجوة.
4- كثرة الاستغفار والتسبيح والذكر، فإن هذه من أعمال اللسان التي لا تتطلّب وقتًا مخصصًا لها، ولكنها تفيد في صفاء القلب وخلوه من المعاصي والذنوب، فيمكن الإكثار منها في المواصلات وقبل النوم وفي كل حال. ...المزيد
الفتور وضعف الهمة أسبابه ومظاهره وعلاجه إن مِن أخطر الأمراض التي تصيب العاملين في حقل الدعوة إلى ...
الفتور وضعف الهمة أسبابه ومظاهره وعلاجه
إن مِن أخطر الأمراض التي تصيب العاملين في حقل الدعوة إلى الله: "الفتور"، وعندما يُذكر الفتور يتبادر إلى الذهن عند الكثيرين الفتور عن بعض العبادات الشخصية: كالصيام، والقيام، والذكر، وقراءة القرآن، ولكن في الحقيقة الأمر أعم من ذلك، ومفهوم الفتور أوسع من ذلك، فيشمل: الفتور في طلب العلم، وفيما يتعلق بالسلوك والتربية، وفيما يتعلق بالدعوة إلى الله، وفي كل جوانب الدين.
تعريف الفتور:
فتر: أي سكن بعد حدة، ولان بعد شدة، فالفتور: انكسار وضعف بعد صلابة وقوة، فالفتور مرض يصيب الأقوياء، ويفت في عضد كل من يتطلع إلى الكمال في الدين، وعلى هذا فإن الأمر يزداد خطورة؛ لأنه مرض يستهدف شريعة أهل الإيمان والعاملين المنتجين والمجتهدين في العمل والدعوة الذين تنهض بهم الأمة.
فضل علو الهمة
قد مدح الله المؤمنين بأنهم: (يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) (آل عمران:191)، ووصفهم بأنهم: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) (السجدة:16).
حَث السُنة على المداومة وعدم الانقطاع عن الطاعات
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ) (متفق عليه)
- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي؛ فَقَدِ اهْتَدَى، وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَقَدْ هَلَكَ) (رواه أحمد والبيهقي، وصححه الألباني)
- وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنْ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ) (متفق عليه).
قال القائل: لكل إلى شأو العلا حركات، ولكن عزيز في الرجال ثبات
ومِن ثّمَّ قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: (لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ) (متفق عليه)
وفي "صحيح مسلم" عن حنظلة الأسيدي قال: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ. قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا تَقُولُ؟! قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَا ذَاكَ؟!) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ؛ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ فنَسِينَا كَثِيرًا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أنكم تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ؛ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً) ثَلاثَ مَرَّاتٍ. (رواه مسلم).
- ومِن صفات الملائكة العظيمة التي ذكرها الله في سياق مدحهم أنهم: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) (الأنبياء:20)، أي أنهم في طاعة وعبادة دائمة.
خطورة الفتور وضعف الهمة في الدنيا والآخرة
1- والفتور الدائم من صفات المنافقين،
كما قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً) (النساء:142).
وقال الله عز وجل: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً، وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) (التوبة:42). ثبطهم: يعني أخرهم عن الخروج، وذلك بسبب فتورهم وضعف همتهم، والركون إلى الكسل بدلاً من الاجتهاد والنشاط في ساعة الشدة.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أَثْقَلُ الصَّلاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ: الْعِشَاءُ وَالْفَجْرُ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) (رواه البخاري).
2- الفتور يؤخر عن الوصول إلى درجة المحبوبية؛ لأن الوصول إلى ذلك لا يكون إلا بمواصلة الطاعة والجد والاجتهاد فيها، والنشاط الدائم بمواصلة الفرائض بالنوافل.
لقول الله تعالى في الحديث القدسي: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ؛ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي؛ لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي؛ لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) (رواه البخاري).
فيترتب على ذلك معية الله ونصرته وتأييده؛ لذلك قال الله عز وجل في معرض الإعداد لموسى وهارون عليهما السلام في مواجهة فرعون: (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي) (طه:41)، أي: لا تفترا عن ذكر الله، ولا تضعفا عنه.
3- الفتور يؤخر صاحبه في الدنيا؛ فيحرم الدرجات العالية في الجنة، فالفتور قصور، ومدة العمر قصيرة، فالتقصير في مدة قصيرة خسران بعيد.
قال معاذ بن جبل: "لا يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله تعالى فيها".
مظاهر الفتور عن العبادة وضعف الهمة
1. الاستهتار بالأمانة وعدم استشعار المسئولية، وأهم الأمانات وأعظم المسئوليات: الدعوة إلى الله.
2. التكاسل عن العبادات والطاعات، والإحساس بالثقل إذا أداها لا سيما الصلاة.
3. ترك الشيء بعد المداومة عليه، أو عدم فعله بالكيفية المطلوبة، أو فعله مع عدم الرغبة فيه.
4. ضياع الوقت، وعدم الاستفادة منه.
5. التسويف والتأجيل، فما يمكن أداؤه في يوم يُفعل في أسبوع، بل في شهر.
6. ضعف المشاعر الدينية تجاه ما يحدث للمسلمين ومقدساتهم وما يفعله الكفار في بلاد المسلمين.
7. الفوضوية في العمل، وكثرة النقد للأعمال الإيجابية؛ تنصلاً من العمل.
8. احتقار الطاعات والقربات التي يقوم بها الآخرون.
9. كثرة الاعتذار والتهرب من العمل.
10. استصغار الذنوب، وعدم المبالاة بفعل المنكرات.
11. ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
12. عدم الغضب عندما تنتهك حرمات الله.
13. ترك طلب العلم وترك دروس العلماء، والقناعة بتحصيل القليل من العلم.
أسباب الفتور وضعف الهمة
1- الوهن: وهو ما فسره رسول صلى الله عليه وسلم: (حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
أما حب الدنيا: فرأس كل خطيئة كما في الحكمة المشهورة، وهو أصل التثاقل إلى الأرض، وسبب الاستئسار للشهوات، والانغماس في الترف.
وأما كراهية الموت: فثمرة حب الدنيا والحرص على متاعها مع تخريب الآخرة، فيكره أن ينتقل من العمران إلى الخراب، قال الطغرائي مبينًا حب السلامة في الانحطاط بالهمة والفتور: حبُّ السلامة يثني عزمَ صاحبه عن المعالي ويغري المرءَ بالكسل إن حب الدنيا وكراهية الموت صنوان لا يفترقان، وإن الهمة العالية لا تسكن القلب الجبان، فأين مَن هذا حاله ممن قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طُوبَى لِعَبْدٍ أخَذَ بِعِنانِ فَرَسِهِ في سَبِيلِ الله، أشْعَثَ رَأسُهُ، مُغْبَرَّةٌ قَدَماهُ، إنْ كانَ في الحِراسَةِ؛ كانَ في الحِراسَةِ، وإنْ كانَ في السَّاقَةِ؛ كانَ في السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ؛ لَمْ يُؤذَنْ لَهُ، وإنْ شَفَعَ؛ لَمْ يُشفَّعْ)؟ (رواه البخاري).
2- إهدار الوقت الثمين في الزيارات والسمر وفضول المباحات: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) (رواه البخاري).
والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع
3- العجز والكسل: وهما العائقان اللذان أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم التعوذ منهما بالله سبحانه وتعالى، وقد يعذر العاجز؛ لعدم قدرته، بخلاف الكسول الذي يتثاقل ويتراخى عما ينبغي مع القدرة، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً، وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) (التوبة:42).
وقد ترى الرجل موهوبًا ونابغًا فيأتي الكسل فيُخذل همته، ويمحق موهبته، ويطفئ نور بصيرته، ويشل طاقته، قال الفراء رحمه الله: "لا أرحم أحدًا كرحمتي لرجلين: رجل يطلب العلم ولا فهم له، ورجل يفهم ولا يطلبه، وإني لأعجب ممن وسعه أن يطلب العلم ولا يتعلم".
قال المتنبي: ولم أرَ في عيوب الناس عيبًا كنقص القادرين على التمام
4- الغفلة: وشجرة الغفلة تُسقى بماء الجهل الذي هو عدو الفضائل كلها، قال عمر رضي الله عنه: "الراحة للرجال غفلة"، وقال شعبة بن الحجاج: "لا تقعدوا فراغًا فإن الموت يطلبكم". وسئل ابن الجوزي: "أيجوز أن أفسح لنفسي في مباح الملاهي؟!"، فقال: "عند نفسك من الغفلة ما يكفيها". قال الله تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) (الأنبياء:1)، وقال الله تعالى: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (ق:22)، (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (مريم:39).
5- التسويف والتمني:
وهما صفة بليد الحس، عديم المبالاة الذي كلما همت نفسه بخير إما يعيقها بـ"سوف" حتى يفجأه الموت، فيقول: (رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ) (المنافقون:10)، وإما يركب بها بحر التمني، وهو بحر لا ساحل له، يدمن ركوبه مفاليس العالم. قال رجل لابن سيرين: "إني رأيت في منامي أني أسبح في غير ماء وأطير بغير جناح! فما تفسير هذه الرؤيا؟" فقال له: "أنت رجل كثير الأماني والأحلام". قال الناظم: وانتبه من رقدة الغفلة فـــالــعــمـر قــــلـيـــل واطـرح سوف وحـتى فــهــمـا داءٌ دخــــيــل وقال آخر: مـن كـان مـرعـى عـزمه وهـمـومـه روض الأمـانـي لـم يـزل مـهـزولاً
6- مصاحبة من تغشاه الفتور ورقدت به همته:
الذي كلما هممت بالنهوض؛ جذبك إليه، وغرَّك قائلاً: "أمامك ليل طويل فارقد"، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) (رواه مسلم).
ومن المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة، فما الظن بالنفوس البشرية؟! ولا تجلس إلى أهل الدنايا فإن خلائق السفهاء تعدي
7- العشق: لأن صاحبه يحصر همته في حصول معشوقه فيلهيه عن حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (الكهف:50). فالعشق يمنع القرار، ويسلب المنام، ويحدث الجنون، وكم من عاشق أتلف في معشوقه ماله وعرضه ونفسه، وأتلف دينه ودنياه، والعشق بذلك يترك الملِك مملوكًا، والسلطان عبدًا، ترى الداخل فيه يتمنى الخلاص، ولات حين مناص!
8- الانحراف في فهم العقيدة: لا سيما مسألة "القضاء والقدر"، وعدم تحقيق التوكل على الله سبحانه وتعالى.
9- الفناء في ملاحظة حقوق الأهل والأولاد واستغراق الجهد في التوسع في تحقيق مطالبهم: نظرًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) (رواه البخاري).
وقد عدَّ "القرآن الكريم" الأهل والأولاد أعداء للمؤمن إذا حالا بينه وبين طاعة الله عز وجل، روى ابن جرير عن عطاء بن يسار في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) (التغابن:14)، قال: نزلت في عوف بن مالك الأشجعي كان ذا أهل وولد، وكان إذا أراد الغزو؛ بكوا إليه ورققوه، فقالوا: "إلى من تدعُنا" فيرق ويقيم، فنزلت هذه الآية.
10- المناهج التربوية والتعليمية الهدامة: التي تثبط الهمم، وتخنق المواهب، وتكبت الطاقات، وتخرب العقول، وتنشئ الخنوع، وتزرع في الأجيال ازدراء النفس، وتعمق فيها احتقار الذات والشعور بالدونية، مثل: المناهج الصوفية التي تُعرِض عن علوم القرآن والسنة، وتُرهِّب مريديهم من طلب العلم الشرعي حتى سقط من كم أحدهم يومًا قلم كان يخفيه؛ خشية أن يفتضح بينهم بطلب العلم! فقال له شيخه: "استر عورتك!".
وكذلك المناهج التعليمية والتربوية التي ارتضت العالمانية دينًا، فراحت تسمم آبار المعرفة التي يستقي منها شباب المسلمين؛ لتخرج أجيالاً مقطوعة الصلة بالله، تبتغي العزة في التمسح على أعتاب الغرب، وتأنف من الانتساب إلى الإسلام!
11- توالي الضربات، وازدياد اضطهاد العاملين للإسلام: مما ينتج الشعور بالإحباط في نفوس الذين لا يفقهون حقيقة البلاء وسنن الله في خلقه، كما ينتج عنه: استطالة الطريق؛ فيضعف السير إلى الله عز وجل، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعزي أصحابه المضطهدين في "مكة" بتبشيرهم بأن المستقبل للإسلام، وبأن العاقبة للمتقين، كما في حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه أنه قال: "شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: (قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) (رواه البخاري).
أخي ستبيد جيوش الظلام ويشرق في الكون فجر جديد فأطـلـق لـروحك إشراقـها تـرى الفـجـر يرمقنا من بعيد
12- الغلو والتشدد وتحميل النفس ما لا تطيق: فيخالف بذلك الهدي النبوي، ثم يفتر ويمل، دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ؛ فَقَالَ: (مَا هذَا الْحَبْلُ؟!) قَالُوا: هذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، فَإِذَا فَتَرَتْ؛ تَعَلَّقَت. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ، حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ) (متفق عليه).
وكذلك حديث الثلاثة الذي تقالوا عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي؛ فَلَيْسَ مِنِّي) (متفق عليه).
13- الذنوب والمعاصي: قال الله تعالى: (كَلاَّ، بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين:14)، قال أنس: "هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب". وقيل لعبد الله بن مسعود: "لا نستطيع قيام الليل". فقال: "أبعدتكم الذنوب والمعاصي".
وقال أحد السلف: "حرمتُ قيام الليل أربعين ليلة بذنب أصبته". وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ) (رواه أحمد، وقال الألباني: صحيح لغيره).
علاج الفتور وضعف الهمة
1- العلم والبصيرة: فالعلم يصعد بالهمة، ويورث صاحبه الفقه بمراتب الأعمال، فيتقي فضول المباحات التي تشغله عن التعبد: كفضول الأكل، والنوم، والكلام، ويراعي التوازن والوسطية بين الحقوق والواجبات؛ امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ)، ويبصره بحيل إبليس وتلبيسه عليه؛ كي يحول بينه وبين ما هو أعظم ثوابًا.
2- إرادة الآخرة، وجعل الهموم همًّا واحدًا: قال الله تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (الإسراء:19)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهَ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
3- كثرة ذكر الموت: لأنه يدفع إلى العمل للآخرة، ومحاسبة النفس، وتجديد التوبة، وإيقاظ العزم على الاستقامة، والتجافي عن دار الغرور.
4- الدعاء: لأنه سنة الأنبياء، وجالب كل خير، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ الدُّعَاءِ) (رواه البيهقي، وصححه الألباني)، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم عقب الصلاة: (اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ) (متفق عليه).
5- الاجتهاد في شغل النفس بالحق والطاعة والخير: قال الحسن: "نفسك إن لم تشغلها بالحق؛ شغلتك بالباطل".
6- التحول عن البيئة المثبطة الداعية إلى الفتور: فإن للبيئة المحيطة بالإنسان أثرًا جسيمًا لا يخفى، فإذا كانت بيئة مثبطة داعية إلى الكسل والخمول وإيثار الدون؛ فإنه على المرء أن يهجرها إلى حي تعلو همته؛ كي يتحرر من سلطان تأثيرها، وينعم بفرصة الترقي إلى المطالب العالية.
7- صحبة أولي الهمم العالية ومطالعة أخبارهم: فالطيور على أشكالها تقع، وكل قرين بالمقارن يقتدي، وعن أنس ـ رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ مِنَ النّاسِ ناسًا مَفاتِيح لِلْخَيْرِ مَغالِيق لِلشّرِّ، وإنّ مِنَ النّاسِ ناسًا مَفاتِيح لِلشَّرِّ مَغالِيقَ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني). وقالت العرب: "لولا الوئام؛ لهلك الأنام"، وقال أحد السلف: "إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه". قال الناظم: أنت في الناس تقاس بالذي اخترت خليلاً فاصحب الأخيار تعلو وتـنـل ذكـرًا جـميلاً
8- نصيحة المخلص: فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ) قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) (رواه مسلم، وأحمد واللفظ له).
9- المبادرة والمداومة والمثابرة في كل الظروف: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران:200)، وقال الله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) (الحج:78)، وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69). فكبير الهمة لا يستسلم للأمر الواقع، بل يبادر ويبادئ في أقسى الظروف حماية لهمته من أن همد ووقاية لها من الفتور.
10- تعاهد الإيمان ومراقبة القلب دائمًا: كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إِنّ الإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ، فاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ) (رواه الطبراني والحاكم، وصححه الألباني).
ونسأل الله أن يجدد الإيمان في قلوبنا، وأن يحفظنا بحفظه، ويعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله رب العالمين.
منقول بتصرف يسير ...المزيد
إن مِن أخطر الأمراض التي تصيب العاملين في حقل الدعوة إلى الله: "الفتور"، وعندما يُذكر الفتور يتبادر إلى الذهن عند الكثيرين الفتور عن بعض العبادات الشخصية: كالصيام، والقيام، والذكر، وقراءة القرآن، ولكن في الحقيقة الأمر أعم من ذلك، ومفهوم الفتور أوسع من ذلك، فيشمل: الفتور في طلب العلم، وفيما يتعلق بالسلوك والتربية، وفيما يتعلق بالدعوة إلى الله، وفي كل جوانب الدين.
تعريف الفتور:
فتر: أي سكن بعد حدة، ولان بعد شدة، فالفتور: انكسار وضعف بعد صلابة وقوة، فالفتور مرض يصيب الأقوياء، ويفت في عضد كل من يتطلع إلى الكمال في الدين، وعلى هذا فإن الأمر يزداد خطورة؛ لأنه مرض يستهدف شريعة أهل الإيمان والعاملين المنتجين والمجتهدين في العمل والدعوة الذين تنهض بهم الأمة.
فضل علو الهمة
قد مدح الله المؤمنين بأنهم: (يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) (آل عمران:191)، ووصفهم بأنهم: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) (السجدة:16).
حَث السُنة على المداومة وعدم الانقطاع عن الطاعات
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ) (متفق عليه)
- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي؛ فَقَدِ اهْتَدَى، وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَقَدْ هَلَكَ) (رواه أحمد والبيهقي، وصححه الألباني)
- وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنْ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ) (متفق عليه).
قال القائل: لكل إلى شأو العلا حركات، ولكن عزيز في الرجال ثبات
ومِن ثّمَّ قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: (لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ) (متفق عليه)
وفي "صحيح مسلم" عن حنظلة الأسيدي قال: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ. قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا تَقُولُ؟! قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَا ذَاكَ؟!) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ؛ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ فنَسِينَا كَثِيرًا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أنكم تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ؛ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً) ثَلاثَ مَرَّاتٍ. (رواه مسلم).
- ومِن صفات الملائكة العظيمة التي ذكرها الله في سياق مدحهم أنهم: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) (الأنبياء:20)، أي أنهم في طاعة وعبادة دائمة.
خطورة الفتور وضعف الهمة في الدنيا والآخرة
1- والفتور الدائم من صفات المنافقين،
كما قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً) (النساء:142).
وقال الله عز وجل: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً، وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) (التوبة:42). ثبطهم: يعني أخرهم عن الخروج، وذلك بسبب فتورهم وضعف همتهم، والركون إلى الكسل بدلاً من الاجتهاد والنشاط في ساعة الشدة.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أَثْقَلُ الصَّلاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ: الْعِشَاءُ وَالْفَجْرُ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) (رواه البخاري).
2- الفتور يؤخر عن الوصول إلى درجة المحبوبية؛ لأن الوصول إلى ذلك لا يكون إلا بمواصلة الطاعة والجد والاجتهاد فيها، والنشاط الدائم بمواصلة الفرائض بالنوافل.
لقول الله تعالى في الحديث القدسي: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ؛ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي؛ لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي؛ لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) (رواه البخاري).
فيترتب على ذلك معية الله ونصرته وتأييده؛ لذلك قال الله عز وجل في معرض الإعداد لموسى وهارون عليهما السلام في مواجهة فرعون: (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي) (طه:41)، أي: لا تفترا عن ذكر الله، ولا تضعفا عنه.
3- الفتور يؤخر صاحبه في الدنيا؛ فيحرم الدرجات العالية في الجنة، فالفتور قصور، ومدة العمر قصيرة، فالتقصير في مدة قصيرة خسران بعيد.
قال معاذ بن جبل: "لا يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله تعالى فيها".
مظاهر الفتور عن العبادة وضعف الهمة
1. الاستهتار بالأمانة وعدم استشعار المسئولية، وأهم الأمانات وأعظم المسئوليات: الدعوة إلى الله.
2. التكاسل عن العبادات والطاعات، والإحساس بالثقل إذا أداها لا سيما الصلاة.
3. ترك الشيء بعد المداومة عليه، أو عدم فعله بالكيفية المطلوبة، أو فعله مع عدم الرغبة فيه.
4. ضياع الوقت، وعدم الاستفادة منه.
5. التسويف والتأجيل، فما يمكن أداؤه في يوم يُفعل في أسبوع، بل في شهر.
6. ضعف المشاعر الدينية تجاه ما يحدث للمسلمين ومقدساتهم وما يفعله الكفار في بلاد المسلمين.
7. الفوضوية في العمل، وكثرة النقد للأعمال الإيجابية؛ تنصلاً من العمل.
8. احتقار الطاعات والقربات التي يقوم بها الآخرون.
9. كثرة الاعتذار والتهرب من العمل.
10. استصغار الذنوب، وعدم المبالاة بفعل المنكرات.
11. ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
12. عدم الغضب عندما تنتهك حرمات الله.
13. ترك طلب العلم وترك دروس العلماء، والقناعة بتحصيل القليل من العلم.
أسباب الفتور وضعف الهمة
1- الوهن: وهو ما فسره رسول صلى الله عليه وسلم: (حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
أما حب الدنيا: فرأس كل خطيئة كما في الحكمة المشهورة، وهو أصل التثاقل إلى الأرض، وسبب الاستئسار للشهوات، والانغماس في الترف.
وأما كراهية الموت: فثمرة حب الدنيا والحرص على متاعها مع تخريب الآخرة، فيكره أن ينتقل من العمران إلى الخراب، قال الطغرائي مبينًا حب السلامة في الانحطاط بالهمة والفتور: حبُّ السلامة يثني عزمَ صاحبه عن المعالي ويغري المرءَ بالكسل إن حب الدنيا وكراهية الموت صنوان لا يفترقان، وإن الهمة العالية لا تسكن القلب الجبان، فأين مَن هذا حاله ممن قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طُوبَى لِعَبْدٍ أخَذَ بِعِنانِ فَرَسِهِ في سَبِيلِ الله، أشْعَثَ رَأسُهُ، مُغْبَرَّةٌ قَدَماهُ، إنْ كانَ في الحِراسَةِ؛ كانَ في الحِراسَةِ، وإنْ كانَ في السَّاقَةِ؛ كانَ في السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ؛ لَمْ يُؤذَنْ لَهُ، وإنْ شَفَعَ؛ لَمْ يُشفَّعْ)؟ (رواه البخاري).
2- إهدار الوقت الثمين في الزيارات والسمر وفضول المباحات: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) (رواه البخاري).
والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع
3- العجز والكسل: وهما العائقان اللذان أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم التعوذ منهما بالله سبحانه وتعالى، وقد يعذر العاجز؛ لعدم قدرته، بخلاف الكسول الذي يتثاقل ويتراخى عما ينبغي مع القدرة، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً، وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) (التوبة:42).
وقد ترى الرجل موهوبًا ونابغًا فيأتي الكسل فيُخذل همته، ويمحق موهبته، ويطفئ نور بصيرته، ويشل طاقته، قال الفراء رحمه الله: "لا أرحم أحدًا كرحمتي لرجلين: رجل يطلب العلم ولا فهم له، ورجل يفهم ولا يطلبه، وإني لأعجب ممن وسعه أن يطلب العلم ولا يتعلم".
قال المتنبي: ولم أرَ في عيوب الناس عيبًا كنقص القادرين على التمام
4- الغفلة: وشجرة الغفلة تُسقى بماء الجهل الذي هو عدو الفضائل كلها، قال عمر رضي الله عنه: "الراحة للرجال غفلة"، وقال شعبة بن الحجاج: "لا تقعدوا فراغًا فإن الموت يطلبكم". وسئل ابن الجوزي: "أيجوز أن أفسح لنفسي في مباح الملاهي؟!"، فقال: "عند نفسك من الغفلة ما يكفيها". قال الله تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) (الأنبياء:1)، وقال الله تعالى: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (ق:22)، (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (مريم:39).
5- التسويف والتمني:
وهما صفة بليد الحس، عديم المبالاة الذي كلما همت نفسه بخير إما يعيقها بـ"سوف" حتى يفجأه الموت، فيقول: (رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ) (المنافقون:10)، وإما يركب بها بحر التمني، وهو بحر لا ساحل له، يدمن ركوبه مفاليس العالم. قال رجل لابن سيرين: "إني رأيت في منامي أني أسبح في غير ماء وأطير بغير جناح! فما تفسير هذه الرؤيا؟" فقال له: "أنت رجل كثير الأماني والأحلام". قال الناظم: وانتبه من رقدة الغفلة فـــالــعــمـر قــــلـيـــل واطـرح سوف وحـتى فــهــمـا داءٌ دخــــيــل وقال آخر: مـن كـان مـرعـى عـزمه وهـمـومـه روض الأمـانـي لـم يـزل مـهـزولاً
6- مصاحبة من تغشاه الفتور ورقدت به همته:
الذي كلما هممت بالنهوض؛ جذبك إليه، وغرَّك قائلاً: "أمامك ليل طويل فارقد"، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) (رواه مسلم).
ومن المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة، فما الظن بالنفوس البشرية؟! ولا تجلس إلى أهل الدنايا فإن خلائق السفهاء تعدي
7- العشق: لأن صاحبه يحصر همته في حصول معشوقه فيلهيه عن حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (الكهف:50). فالعشق يمنع القرار، ويسلب المنام، ويحدث الجنون، وكم من عاشق أتلف في معشوقه ماله وعرضه ونفسه، وأتلف دينه ودنياه، والعشق بذلك يترك الملِك مملوكًا، والسلطان عبدًا، ترى الداخل فيه يتمنى الخلاص، ولات حين مناص!
8- الانحراف في فهم العقيدة: لا سيما مسألة "القضاء والقدر"، وعدم تحقيق التوكل على الله سبحانه وتعالى.
9- الفناء في ملاحظة حقوق الأهل والأولاد واستغراق الجهد في التوسع في تحقيق مطالبهم: نظرًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) (رواه البخاري).
وقد عدَّ "القرآن الكريم" الأهل والأولاد أعداء للمؤمن إذا حالا بينه وبين طاعة الله عز وجل، روى ابن جرير عن عطاء بن يسار في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) (التغابن:14)، قال: نزلت في عوف بن مالك الأشجعي كان ذا أهل وولد، وكان إذا أراد الغزو؛ بكوا إليه ورققوه، فقالوا: "إلى من تدعُنا" فيرق ويقيم، فنزلت هذه الآية.
10- المناهج التربوية والتعليمية الهدامة: التي تثبط الهمم، وتخنق المواهب، وتكبت الطاقات، وتخرب العقول، وتنشئ الخنوع، وتزرع في الأجيال ازدراء النفس، وتعمق فيها احتقار الذات والشعور بالدونية، مثل: المناهج الصوفية التي تُعرِض عن علوم القرآن والسنة، وتُرهِّب مريديهم من طلب العلم الشرعي حتى سقط من كم أحدهم يومًا قلم كان يخفيه؛ خشية أن يفتضح بينهم بطلب العلم! فقال له شيخه: "استر عورتك!".
وكذلك المناهج التعليمية والتربوية التي ارتضت العالمانية دينًا، فراحت تسمم آبار المعرفة التي يستقي منها شباب المسلمين؛ لتخرج أجيالاً مقطوعة الصلة بالله، تبتغي العزة في التمسح على أعتاب الغرب، وتأنف من الانتساب إلى الإسلام!
11- توالي الضربات، وازدياد اضطهاد العاملين للإسلام: مما ينتج الشعور بالإحباط في نفوس الذين لا يفقهون حقيقة البلاء وسنن الله في خلقه، كما ينتج عنه: استطالة الطريق؛ فيضعف السير إلى الله عز وجل، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعزي أصحابه المضطهدين في "مكة" بتبشيرهم بأن المستقبل للإسلام، وبأن العاقبة للمتقين، كما في حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه أنه قال: "شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: (قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) (رواه البخاري).
أخي ستبيد جيوش الظلام ويشرق في الكون فجر جديد فأطـلـق لـروحك إشراقـها تـرى الفـجـر يرمقنا من بعيد
12- الغلو والتشدد وتحميل النفس ما لا تطيق: فيخالف بذلك الهدي النبوي، ثم يفتر ويمل، دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ؛ فَقَالَ: (مَا هذَا الْحَبْلُ؟!) قَالُوا: هذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، فَإِذَا فَتَرَتْ؛ تَعَلَّقَت. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ، حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ) (متفق عليه).
وكذلك حديث الثلاثة الذي تقالوا عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي؛ فَلَيْسَ مِنِّي) (متفق عليه).
13- الذنوب والمعاصي: قال الله تعالى: (كَلاَّ، بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين:14)، قال أنس: "هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب". وقيل لعبد الله بن مسعود: "لا نستطيع قيام الليل". فقال: "أبعدتكم الذنوب والمعاصي".
وقال أحد السلف: "حرمتُ قيام الليل أربعين ليلة بذنب أصبته". وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ) (رواه أحمد، وقال الألباني: صحيح لغيره).
علاج الفتور وضعف الهمة
1- العلم والبصيرة: فالعلم يصعد بالهمة، ويورث صاحبه الفقه بمراتب الأعمال، فيتقي فضول المباحات التي تشغله عن التعبد: كفضول الأكل، والنوم، والكلام، ويراعي التوازن والوسطية بين الحقوق والواجبات؛ امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ)، ويبصره بحيل إبليس وتلبيسه عليه؛ كي يحول بينه وبين ما هو أعظم ثوابًا.
2- إرادة الآخرة، وجعل الهموم همًّا واحدًا: قال الله تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (الإسراء:19)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهَ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
3- كثرة ذكر الموت: لأنه يدفع إلى العمل للآخرة، ومحاسبة النفس، وتجديد التوبة، وإيقاظ العزم على الاستقامة، والتجافي عن دار الغرور.
4- الدعاء: لأنه سنة الأنبياء، وجالب كل خير، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ الدُّعَاءِ) (رواه البيهقي، وصححه الألباني)، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم عقب الصلاة: (اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ) (متفق عليه).
5- الاجتهاد في شغل النفس بالحق والطاعة والخير: قال الحسن: "نفسك إن لم تشغلها بالحق؛ شغلتك بالباطل".
6- التحول عن البيئة المثبطة الداعية إلى الفتور: فإن للبيئة المحيطة بالإنسان أثرًا جسيمًا لا يخفى، فإذا كانت بيئة مثبطة داعية إلى الكسل والخمول وإيثار الدون؛ فإنه على المرء أن يهجرها إلى حي تعلو همته؛ كي يتحرر من سلطان تأثيرها، وينعم بفرصة الترقي إلى المطالب العالية.
7- صحبة أولي الهمم العالية ومطالعة أخبارهم: فالطيور على أشكالها تقع، وكل قرين بالمقارن يقتدي، وعن أنس ـ رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ مِنَ النّاسِ ناسًا مَفاتِيح لِلْخَيْرِ مَغالِيق لِلشّرِّ، وإنّ مِنَ النّاسِ ناسًا مَفاتِيح لِلشَّرِّ مَغالِيقَ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني). وقالت العرب: "لولا الوئام؛ لهلك الأنام"، وقال أحد السلف: "إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه". قال الناظم: أنت في الناس تقاس بالذي اخترت خليلاً فاصحب الأخيار تعلو وتـنـل ذكـرًا جـميلاً
8- نصيحة المخلص: فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ) قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) (رواه مسلم، وأحمد واللفظ له).
9- المبادرة والمداومة والمثابرة في كل الظروف: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران:200)، وقال الله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) (الحج:78)، وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69). فكبير الهمة لا يستسلم للأمر الواقع، بل يبادر ويبادئ في أقسى الظروف حماية لهمته من أن همد ووقاية لها من الفتور.
10- تعاهد الإيمان ومراقبة القلب دائمًا: كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إِنّ الإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ، فاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ) (رواه الطبراني والحاكم، وصححه الألباني).
ونسأل الله أن يجدد الإيمان في قلوبنا، وأن يحفظنا بحفظه، ويعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله رب العالمين.
منقول بتصرف يسير ...المزيد
كيف تحافظ على شحنة الإيمان بعد رمضان؟ تُرى كيف يكون الإنسان مقبلا على الطاعة في شهر رمضان بشكل ...
كيف تحافظ على شحنة الإيمان بعد رمضان؟
تُرى كيف يكون الإنسان مقبلا على الطاعة في شهر رمضان بشكل كبير وهو في غاية السعادة بذلك، ويريد بعد انقضاء الشهر الكريم أن يحافظ على شحنة الإيمان بعد رمضان ويستمر على نفس الأسلوب حتى يستطيع القيام بواجباته ليحافظ على ما كان عليه خلال ثلاثين يوما كاملة من شهر رمضان وحتى لا يشعر بتقصير كبير.
الأكيد أن لشهر رمضان الكريم روح خاصة.. نعم، وهذه الروح هي السبب الذي يجعل المسلمين على اختلاف طباعهم وأحوالهم يكون لهم تعامل خاص مع الله في هذا الشهر، والمؤمن الكيس هو الذي يجعل رمضان محطة زاد وإعداد يعيش على روحه حتى يلقاه بعد عام، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً) ولذلك روي عن أصحاب الحبيب صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أنهم كانوا يتهيؤون لرمضان ويستقبلونه من قبله بستة أشهر، ويظلون في وداعه ستة أشهر، فهم يعيشون العام كله في رحاب رمضان.
وليعلم من يريد أن يحافظ على شحنة الإيمان بعد رمضان، أنه من بركة الطاعة أن ييسر الله لطاعة بعدها، فإذا رأى الله عز وجل من قلبك إقبالا صادقا عليه، وتقربا مخلصا منه فإن الله عز وجل أكرم، فهو الذي قال: (من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا…)..
ويبقى دور الإنسان في الحفاظ على هذا الخير الذي تحصل عليه في رمضان، وفي ما يلي هذه بعض النصائح التي نسأل الله أن ينتفع بها الإنسان الذي يسعى للتقرب من ربه:
1- اجتهد في الحفاظ على البيئة والروح.. فالبيئة التي كنت تعيشين فيها الطاعة والخير خلال شهر رمضان من صحبة الصالحين وزيارة المراكز الإسلامية والتواصل مع أنشطة الخير، هذه البيئة هي التي تعينك على الاستمرار والمواصلة.
2- اعلم أن للنفس إقبالاً وإدبارًا، وأنه من غير الطبيعي أن يظل الإنسان على نفس المستوى الإيماني والروحي أبدا، لكنه يعلو وينخفض ويزيد وينقص.. المهم ألا يجعل الشيطان هذا النقصان بابا لإدخال اليأس والإحساس القاتل بالتقصير إلى نفسك، فتقارن بين حالك في رمضان وحالك بعده، فترى الفرق بين الحالين، فتحس بأنك أصبحت من المفرطين، فتترك ما أنت عليه من خير.. عافاك الله من مزالق الشيطان وتلبيسه.
3- اجعل لنفسك وردًا يوميا من الأعمال التي كنت تداوم عليها في رمضان، خاصة الأعمال التي وجدت لها في قلبك أثرا، وأحسست بحلاوتها، فإذا كان القرآن في رمضان هو الأقرب إلى قلبك والأحب، فاجعل لنفسك منه قسطا يوميا، وحبذا لو كان بنفس الطريقة التي اعتدت قراءته بها في رمضان.. من حيث الوقت والمكان والكيفية.. قدر استطاعتك… وهكذا.
4- اتفق مع أحد إخوانك أو أصدقائك المقربين، ممن كانوا عوناً لك في رمضان على أن تأخذ بأيدي بعضكم البعض بعده، وأن تتواصوا بالطاعة والخير.
5- اجتهد في صيام الست من شوال، والعشر الأوائل من ذي الحجة، وعاشوراء، وتلمس مواسم الخير والطاعة، وتعرض لنفحات الله، فإن كل ذلك يحافظ على قربك، ويري الله الصدق منك.
6- أكثر من الصدقة، فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة).
7- ليكن لك ورد ولو بسيط في نصح من حولك ودعوتهم إلى ما تحس به من فضل الله وخير الطاعة ونورها، فإن نصيحتك ودعوتك من حولك عامل مساعد لك في التزام ما تدعوهم إليه.
8- وقبل كل ذلك وأثناءه وبعده.. استعن بالدعاء والتزم باب الله الكريم، واسأله أن يأخذ بيدك إليه، وأن يحفظ عليك نعمة الطاعة والقربى منه، وأن يجعل أيامك كلها رمضان. ...المزيد
تُرى كيف يكون الإنسان مقبلا على الطاعة في شهر رمضان بشكل كبير وهو في غاية السعادة بذلك، ويريد بعد انقضاء الشهر الكريم أن يحافظ على شحنة الإيمان بعد رمضان ويستمر على نفس الأسلوب حتى يستطيع القيام بواجباته ليحافظ على ما كان عليه خلال ثلاثين يوما كاملة من شهر رمضان وحتى لا يشعر بتقصير كبير.
الأكيد أن لشهر رمضان الكريم روح خاصة.. نعم، وهذه الروح هي السبب الذي يجعل المسلمين على اختلاف طباعهم وأحوالهم يكون لهم تعامل خاص مع الله في هذا الشهر، والمؤمن الكيس هو الذي يجعل رمضان محطة زاد وإعداد يعيش على روحه حتى يلقاه بعد عام، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً) ولذلك روي عن أصحاب الحبيب صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أنهم كانوا يتهيؤون لرمضان ويستقبلونه من قبله بستة أشهر، ويظلون في وداعه ستة أشهر، فهم يعيشون العام كله في رحاب رمضان.
وليعلم من يريد أن يحافظ على شحنة الإيمان بعد رمضان، أنه من بركة الطاعة أن ييسر الله لطاعة بعدها، فإذا رأى الله عز وجل من قلبك إقبالا صادقا عليه، وتقربا مخلصا منه فإن الله عز وجل أكرم، فهو الذي قال: (من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا…)..
ويبقى دور الإنسان في الحفاظ على هذا الخير الذي تحصل عليه في رمضان، وفي ما يلي هذه بعض النصائح التي نسأل الله أن ينتفع بها الإنسان الذي يسعى للتقرب من ربه:
1- اجتهد في الحفاظ على البيئة والروح.. فالبيئة التي كنت تعيشين فيها الطاعة والخير خلال شهر رمضان من صحبة الصالحين وزيارة المراكز الإسلامية والتواصل مع أنشطة الخير، هذه البيئة هي التي تعينك على الاستمرار والمواصلة.
2- اعلم أن للنفس إقبالاً وإدبارًا، وأنه من غير الطبيعي أن يظل الإنسان على نفس المستوى الإيماني والروحي أبدا، لكنه يعلو وينخفض ويزيد وينقص.. المهم ألا يجعل الشيطان هذا النقصان بابا لإدخال اليأس والإحساس القاتل بالتقصير إلى نفسك، فتقارن بين حالك في رمضان وحالك بعده، فترى الفرق بين الحالين، فتحس بأنك أصبحت من المفرطين، فتترك ما أنت عليه من خير.. عافاك الله من مزالق الشيطان وتلبيسه.
3- اجعل لنفسك وردًا يوميا من الأعمال التي كنت تداوم عليها في رمضان، خاصة الأعمال التي وجدت لها في قلبك أثرا، وأحسست بحلاوتها، فإذا كان القرآن في رمضان هو الأقرب إلى قلبك والأحب، فاجعل لنفسك منه قسطا يوميا، وحبذا لو كان بنفس الطريقة التي اعتدت قراءته بها في رمضان.. من حيث الوقت والمكان والكيفية.. قدر استطاعتك… وهكذا.
4- اتفق مع أحد إخوانك أو أصدقائك المقربين، ممن كانوا عوناً لك في رمضان على أن تأخذ بأيدي بعضكم البعض بعده، وأن تتواصوا بالطاعة والخير.
5- اجتهد في صيام الست من شوال، والعشر الأوائل من ذي الحجة، وعاشوراء، وتلمس مواسم الخير والطاعة، وتعرض لنفحات الله، فإن كل ذلك يحافظ على قربك، ويري الله الصدق منك.
6- أكثر من الصدقة، فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة).
7- ليكن لك ورد ولو بسيط في نصح من حولك ودعوتهم إلى ما تحس به من فضل الله وخير الطاعة ونورها، فإن نصيحتك ودعوتك من حولك عامل مساعد لك في التزام ما تدعوهم إليه.
8- وقبل كل ذلك وأثناءه وبعده.. استعن بالدعاء والتزم باب الله الكريم، واسأله أن يأخذ بيدك إليه، وأن يحفظ عليك نعمة الطاعة والقربى منه، وأن يجعل أيامك كلها رمضان. ...المزيد
معلومات
أ.د. محمود عبد العزيز يوسف أبو المعاطي حجاب أستاذ الفقه المقارن. مصري مقيم في الخليج العربي أستاذ التشريع الجنائي بمعهد الدراسات الجنائية. خبير شرعي بالقضاء مستشار أسري. أستاذ الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية بولاية مينيسوتا الأمريكية. أستاذ الفقه وأصوله بالمعهد العالي للائمة والخطباء بأمريكا سابقا أستاذ الفقه وأصوله بجامعة أم القرى فرع محافظة القنفذة بالسعودية سابقاً. أستاذ الفقه وأصوله المشارك بمعهد الدعوة والعلوم الاسلامية بقطر سابقاً. عضو مكتب الإفتاء بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقطر سابقاً.
أكمل القراءة