د. محمود عبد العزيز أبو المعاطي حجاب 

فوائد المقاطعة الاقتصادية لمنتجات العدو تأليف أ.د . محمود عبدالعزيز يوسف أبو المعاطي حديثي ...

فوائد المقاطعة الاقتصادية لمنتجات العدو
تأليف
أ.د . محمود عبدالعزيز يوسف أبو المعاطي
حديثي إليكم يدور حول فوائد المقاطعة الاقتصادية لمنتجات العدو، الآن قد وضح للأمة الإسلامية من شرقها إلى غربها أن لهم عدو، لأن بعض الأفراد، يصلح أن يكون كالنعامة، يضع رأسه في الرمال ، والمسلم الحق عزيز، لأنه عبد لله العزيز سبحانه وتعالى جل في علاه، من أسماء الله الحسنى العزيز، والعزة صفة من صفات المؤمن، قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8].
قد تبين للعالم وغير العالم، للكبير والصغير أن الأمة لها عدو متربص بها، وهو جيش الاحتلال، الذي احتل أرض فلسطين، من أكثر من سبعين سنة، هذه الأجيال الجديدة لم تكن تعلم عن هذا الأمر شيئًا، لأن بعض مناهج التعليم لا تؤكد على هذه القضية، بينما نحن جيل كانت الكتب الدراسية أول قضية فيها هي قضية القدس، وقضية فلسطين، في مناهج تعليم دول الوطن العربي ، كان في كتاب القراءة درس عن قضية فلسطين وقضية القدس.
ونحن جيل والجيل السابق تربينا على هذا، لكن الآن هناك ضغوط تمارس ضغوط من قوى غربية على الشرق الأوسط لتخلو المناهج من قضية القدس، لماذا؟
لأن الصهيونية العالمية تضغط، نحن الآن لا نضغط، نحن مساكين، نحن لا نضغط، نحن مسالمين، نحن لا نضغط على أحد، وليس لنا لوبي كالصهيونية العالمية لها لوبي في أمريكا يضغط، وهناك جماعات يعلمها المتخصصون في السياسة، اسمها جماعات الضغط، تضغط في اتجاه معين حتى تتحقق الأهداف، والصهاينة يقولون: أن مناهج الدول العربية مناهج إرهابية تخرج إرهابيين، فتبحث في كتاب القراءة كتاب اللغة العربية أين الإرهاب؟ قضية القدس، يقولون : احذفوا قضية القدس من منهج اللغة العربية، احذفوها من كتاب القراءة.
وماذا نضع مكانها؟ ضع مكانها الفنان الكوميدي، وكيف أثره في المجتمع، فنان كوميدي؟ وفي بعض البلاد وضعوا حياة ومسيرة ممثلة عربية في المناهج الدراسية لطلاب التعليم الأساسي.
كان عندنا كتاب في اللغة العربية يتحدث عن جهاد القائد سيف الدين قطز رحمه الله يدرس فيه قصة بعنوان ( وإسلاماه ) الجيل الذي أدركته والذي قبلي درس ( وإسلاماه ) قصة في اللغة العربية يدرسها مدرس اللغة العربية عبارة عن القائد سيف الدين قطز رحمه الله جاهد وحارب التتار ونصر الله به الإسلام وأهله، فبالتالي الشباب عرفوا أن في الإسلام شيء اسمه مقاومة، ودفاع عن الوطن، وعزة المؤمن، فكان شيئاً طيباً أن يتربى عليه الأجيال، لكن الآن حذف كتاب ( وإسلاماه ) واستبدلنا به شخصيات فنية عربية مؤثرة في مجال الفن والتمثيل، والكوميديا، والتراجيديا، والدراما.
والتمثيل هذا قبل ثمانين سنة صدرت فتاوى من الأزهر أن الممثل المشخصاتي ، مهنة تافهة ، فكانوا لا يقبلون شهادته أمام القاضي الشرعي الذي تخرج من كلية الشريعة، لا يقبل شهادة المطرب ولا الموسيقي ولا الطبال ولا الرقاص ولا الممثل، في العشرينات والثلاثينيات والأربعينيات، من القرن الماضي ، إلى أن جاءت الخمسينيات كانت هذه البداية أن المشخصاتي رصيده في البنك مئة ألف، والموظف الشريف راتبه عشرة جنيهات ، سبعة جنيه، والمطرب رصيده مائة ألف، وكان الفدان بخمسين جنيهاً، فدان حوالي أربعة آلاف متر بخمسين جنيهاً ، ومطرب ومؤلف أغاني رصيده مائة ألف جنيه في الخمسينيات.
تغيرت الموازين، ضغوط غربية، أين الفن؟ أين الفن؟ أين الفن؟ خذوا فن ضاع القضاء الشرعي، وضاعت أرض الأوقاف ، وأشياء معها كثيرة .
العدو متربص بأهل فلسطين ، وانتهت الهدنة بينه وبين أهل فلسطين ، وهو يستعد الآن لقصف البيوت مرة أخرى والمستشفيات والمدنيين والأطفال، ويشرد أهل الشمال لأهل الجنوب، وأهل الجنوب يشردهم لأهل الشمال، والطفل يبتعد عن والديه، والأم تبتعد عن أطفالها ومأساة، فلذلك كان لا بد من الحديث عن المقاطعة الاقتصادية.
وفي تفعيل المقاطعة الاقتصادية لا تكلف إلا نفسك وأهلك ، قال تعالى ( لا يكلف الله نفسًا إلى وسعها ) أنا أتكلم على المستوى الشخصي، إذا ذهبت تشتري منتج طعام أو شراب انظر هل هذا منتج العدو أو يدعم العدو أو لا يدعم العدو.
وهذا حق شخصي، البيع والشراء هذا حرية شخصية، وهذا الذي يؤكد عليها الغرب، فنحن نستخدمها كحرية، تستطيع أن تشتري طعام عربي، أنا رجل موحد لله، سبحانه وتعالى، طعام العرب أولى من طعام العدو ومن يدعم العدو. قطع غيار السيارات لو بأيادي إسلامية هي أفضل من أيادي العدو ومن يدعم العدو.
هل حدثت مقاطعة عبر التاريخ؟
مقاطعة الأمريكيون السود للمواصلات:
في أمريكا تعرض السود للتعامل بعنصرية، فكان إذا ركب أبيض الاتوبيسات العامة الحافلات العامة يقف الأسود خوفًا منه عنصرية، فيضربون الأسود ويهينونه وينزلونه من الحافلة، أو يقف، لأن الرجل الأبيض موجود، يقف الأسود ويجلس الأبيض، وهذا الذي حدث ليس من الإسلام في شيء، الإسلام سوى بين بلال بن رباح الحبشي وبين القرشي، الذي هو من أكبر القبائل، لأن الإسلام دين لا يعرف التفرقة.
نعم أُمرنا أن ننزل الناس منازلهم ، هذا في الإسلام، أنزلوا الناس منازلهم، كل ذا قدر له احترامه وتقديره في الإسلام، لكن في النهاية نحن في الصلاة نقف بين يدي الله تعالى وفي الحديث ( الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح).
لذلك يقف جميع الجنسيات العرب والعجم في صف واحد أمام الله، فنحن في شعيرة الحج سواسية أمام الله، ونحن في الصلاة سواء أمام الله، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، مهما كانت مكانته، أما هؤلاء الذين ذكرتهم كانوا يتعاملون بعنصرية بغيضة على أساس اللون.
فماذا حدث من أصحاب البشرة السمراء؟
قاطعوا ركوب الحافلات، وبدأوا في استخدام الدرجات الهوائية، فخسرت شركات الحافلات، تخيل فكرة جاءت لشخص من الأشخاص، ولكن هي فكرة فيها كرامة لمن يبحث عن كرامة الإنسان، والله تعالى يقول: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70]
لذلك لما قاطع ذوي البشرة السوداء ، وكلهم من آدم، كل البشر الأسود والأحمر والأصفر كلنا من أب واحد ، وأم واحدة.
الناسُ في أصل التكوين اَكفاءُ
أَبوهُمُ آدَمُ وَالأُمُ حَوّاءُ
فَإِن يَكُن لَهُمُ نسب
يُفاخِرونَ بِهِ فَالطينُ وَالماءُ

نحن جميعًا أبيض وأسود وأحمر وأصفر كلنا من أب واحد، وأم واحدة.
فلما قاطعوهم ماذا حدث؟ خسرت شركات الحافلات فاضطروا أن يسووا بين الجميع، وصارت بعد ذلك قوانين، هذا الكلام كان في بداية العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات وصدرت قوانين تجرم العنصرية على أساس اللون.
وجيش الاحتلال تصدر منهم الإهانة لنا ولا يعتبرون بنا، ويقتلون نسائنا وأطفالنا في فلسطين، وهذا مستشار الأمن القومي في حكومة أوباما يتبجح ويقول: قتلنا أربعة آلاف طفل من فلسطين، والله العظيم يتبجح ويقول: قتلنا أربعة آلاف طفل فلسطيني، يفتخر.
فإذا كان الأمر بهذه الخطورة وهم لا يشعرون بقيمة لأهلنا في فلسطين، وهم تربطنا بهم صلات العروبة والإسلام ، وتربطنا بهم ملايين الصلات، والغرب لا يعتد لنا بأي كرامة.
وحتى تكون هناك مقارنة بين ردة الفعل العالم على هجوم الصحيفة الفرنسية وحرب غزة
الهجوم على صحيفة شارلي إبدو
تصدر في فرنسا صحيفة أسبوعية يسارية ساخرة اسمها ( شارلي إبدو ) موضوعاتها الرسوم والمهاترات والنكات.
وفي عام 2011 غطّت الصحيفة قضية نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لنبي الإسلام ، ما أدّى إلى إطلاق النار على مكاتب الصحيفة في باريس، كما تعرّض موقعها الإلكتروني للاختراق. وفي السّنة التالية، قامت الصحيفة بإعادة نشر سلسلة من الرسوم الكارتونية الساخرة من نبي الإسلام.
وفي عام 2015 أدى هذا الهجوم على الصحيفة إلى مقتل عشرة أشخاص.
والعالم الغربي انقلب رأسًا على عقب، لماذا؟ بسبب الخوف على الحرية، والثقافة، والتنوير، وحرية القلم، وحرية الكلمة.
قامت في فرنسا مسيرات، وهذه المسيرات أصبحت الأكبر في تاريخ فرنسا حوالي مليوني مشارك في باريس وحدها ، والمسيرة المقامة في باريس شارك فيها حوالي خمسين من قادة العالم.
في حادث صحيفة ( شارلي إبدو) يجتمع أكثر من خمسين زعيم دولة وكان بينهم مسلمون، وقالوا: نرفض العنف، ونرفض قتل الصحافيين.
والذي يحدث لأهل غزة من قتل أربعة آلاف طفل، وهم عشرون ألف شهيد ومنهم أربعة آلاف طفل، ومن شارك من زعماء العالم في مسيرة حادث صحيفة ( شارلي إبدو ) لم يشعروا بالقتلى الشهداء في فلسطين.
فكان في خلال أيام قليلة أكثر من خمسين زعيم دولة غربية كانوا موجودين لتشييع الجنازة، كلهم متواجدين، لماذا؟ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [الأنفال: 73]
فقد قررت هذه الآية الكريمة، أن المسلمين إذا لم يعاون بعضهم بعضاً، ويؤازر بعضهم بعضاً، فإن الفتنة تحل بينهم، وتجر معها فساداً كبيراً، يعم البلاد والعباد، وبالتالي يكون تجازوها والقضاء عليها ليس بالأمر اليسير. قال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ ﴾ [الأنفال: 73]
تحذير من الله تعالى ، إن لم تفعلوا هذا الولاء يا مؤمنون، وتكونوا قوة متعاونة. لأن الله تعالى قال: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103] ولأن الله تعالى قال: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا ﴾ [الأنفال: 46].
الإسلام دين وحدة الكلمة، نحن دول عربية كثيرة ، لكن لغتنا واحدة، وديننا واحد، وقبلتنا واحدة، وديننا واحد، وإلهنا واحد، ونبينا واحد، ومعتقداتنا واحدة، فينبغي أن نتوحد كما توحدوا هم، الولايات تتجمع فتكون دولة في الغرب، ونحن اعتبرونا ولايات مع بعض وحدة، الوحدة عربية، الولايات العربية الإسلامية، نكون يد واحدة.
لذلك لا تستهينوا بمقاطعة منتجات التي يدعمها العدو، ومن ناصر العدو، وأسأل وأبحث واجعل الرسالة تصل، لأن كل حاجة تصل، كل صغيرة وكبيرة عندهم جواسيس في كل مكان.
الهواتف التي نحملها تتجسس لصالح العدو، تجسس ماذا نحب وماذا نكره، أحيانًا أتكلم بكلام فأجد مقترحات محرك البحث تأتي فيما له علاقة بهذا الكلام، وهذا الكلام اكتشفته قبل أربع سنوات وأغلقتها، يعرفون عنا كل شيء، الهواتف التي في أيدينا هذه تجسس علينا أربعة وعشرين ساعة، فالمطلوب أن يكون عندنا وعي، والذين يأكلون شيبسي ويشربون بيبسي ، أسأل هل هذه منتجات عربية بأيدي إسلامية وتضخ في أموال اقتصاد دول عربية داعمة للقضية، لأن هذه قضيتنا، بلا خلاف هذه قضية العرب الأولى. فإذا فزنا فيها فنحن إن شاء الله نفوز فيما بعدها، العالم كله الآن من بنجلادش وباكستان وأفغانستان وماليزيا واندونيسيا كله اليوم لا يوجد حديث الا عن قضية فلسطين، لأنه بفضل الله المصائب توحد كلمة المسلمين ، ونحن أمة الإسلام حين تنزل المصائب تجمعنا فنكون يد واحدة، كل نسي كل الخلافات، نتكلم فقط في قضية فلسطين، وقضية غزة، وحق الشعب الفلسطيني أن يقرر مصيره، وحق العودة للفلسطينيين، وحق قيام دولة لفلسطين، لأن فلسطين فيها المسجد الأقصى، والمسجد الأقصى مذكور في القرآن، والله تعالى يقول: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ﴾ [الإسراء: 1].
فالمسجد الحرام والمسجد الأقصى كأنهما مسجد واحد، تجمعهما قداسة الأماكن، وبيت المقدس فتحها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 16 هجرية، وحررها القائد صلاح الدين بجيوش بأجدادنا أجدادنا جميعًا ذهبوا مع صلاح الدين يحرروا، صلاح الدين كردي لم يكن يفرق بين عربي وغير عربي، كل مع جيش صلاح الدين يحرر المسجد الأقصى وحرره ونجح.
فوائد المقاطعة الاقتصادية للعدو:
من فوائد المقاطعة أن أولادنا يستردون صحتهم، حين نقاطع المأكولات التي هي وجبات سريعة و fast food ، هذه الوجبات أصابت أطفالنا بالكوليسترول، وأصابت أولادنا بالسمنة، وأصابت أولادنا بالسكري، الآن الأطفال عندهم جهاز السكري يضرب فيعرف المؤشر هذا سكره مرتفع سكره نازل، ثم يشرب بيبسي، فلما يقاطع منتجات من يدعم العدو سيرتاح فيأكل شيئاً مفيداً، يشرب حليب، يأكل أجبان طيبة يأكل خبز طيب بعيدا عن خبزهم وطعامهم.
الأمر الثاني: توفير أموال المسلمين
لأن هؤلاء يستدرجوننا، يستدرجوننا يطيبون طعامهم، مع أننا نعلم أنه غير صحي، المشروبات الغازية غير صحية، وفيها كمية سكر هائلة، والسكر هذا سم أبيض، ومع ذلك نصر عليه، فلذلك فكر، وحاول، وأنت يوم القيامة لن تسأل عن الحاكم أنت تسأل عن نفسك وعن زوجتك وعيالك، فانت حاول قدر المستطاع مع الدعاء لإخوانك بالصر والتمكين وهزيمة العدو ومع المقاطعة الاقتصادية ومع التوعية بقضية هؤلاء، فو الله إنك على ثغر عظيم.
مقاطعة المشركين لبني هاشم
حدثت المقاطعة في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، حدث أن قريش وصناديد الشرك بمكة لم يستطيعوا التغلب على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاطبوا عبد المطلب جد الرسول، طبعًا عبد المطلب كان توفى جد الرسول عليه الصلاة والسلام، خاطبوا أبو طالب عم الرسول، وقال: يا ابن أخي إن كنت تريد، وإن كنت تريد، القصة معروفة، لو وضعوا الشمس في يمين والقمر في يساري على أن أترك هذا الدين ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه.
فلما ثبت النبي على الدين قاطعوا بني هاشم وهم آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام، قاطعوهم مقاطعة اقتصادية، ومقاطعة اجتماعية، فقالوا: لا نتزوج منهم، طالما يحمون الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، طالما سيحمونه لا نتزوج منهم، ولا نزوجهم، ولا نشتري منهم ولا نبيع لهم، وحاصروا النبي عليه الصلاة والسلام وآل بيت النبي عليه الصلاة والسلام من بني هاشم في شعب يسمى شعب بني أبي طالب، منطقة حاصروهم حتى المكان، وهذا ما حدث لأهل غزة، حصار مفروض، الحصار اليوم وصل عشرين سنة، حصار على أهل غزة.
أهل غزة لا يستطيعون أن يخرجوا من غزة إلا بدفع رشاوى لكي يخرج من غزة للتعليم للدراسة للحصول على الدكتوراه الماجستير، امرأة للزواج مثلًا رجل ابن عمها أرسل لها لكي يتزوجها لا تستطيع أن تخرج إلا بدفع رشاوى، غزة سجن كبير.
فماذا حدث؟
قاطعوا النبي عليه الصلاة والسلام وآل بيته الكرام في شعب أبي طالب ثلاث سنوات حتى جف الضرع وماتت الطيور والماشية والغنم، والناس ضعفوا ومنهم من مات من المجاعات حدثت، لا يبيعون لهم لاو يشترون منهم، وكتبوا بذلك عهد وعلقوه في الكعبة، وكان عهدًا ظالمًا حتى سلط الله جَلَّ وَعَلَا حشرة اسمها الأرضة واكلت الوثيقة، فقالوا: نرجع إلى الوثيقة، المشركين قالوا: نرجع للوثيقة، فرجعوا للوثيقة فوجدوا أن الله قد سلط عليها الأرضة حتى أكلتها، فعلموا أنها كانت وثيقة ظلم فتركوهم، وأفرجوا ورفعوا الحصار عنهم.
إذا كان هذا ما يفعله أعداء الإسلام بنا، فلماذا نحن المسلمون لا نقاطع من يقتل أربعة آلاف طفل، لماذا لا نقاطع من يخوفون الشعوب، ويرعبونهم.
إن ما يحدث في غزة هو من باب الكلام لكِ واسمعي يا جارة، يعني من أراد أن يخالف العدو الصهيوني سيفعل به مثل غزة ، وبعض الناس يخاف، وفي الحقيقة إن هي إلا إحدى الحسنيين: إما النصر على الأعداء، وإما الشهادة ولنا الجنة.
الدنيا هذه نبكي عليها، كل واحد فينا الدنيا بالنسبة له هم وغم، وعداوات في العمل، عداوات مع الجيران، عداوات مع الأقارب، عداوات في كل مكان.
أنت تبكي على الدنيا، واللذة في الدنيا مكدرة، أي لذة في الدنيا مُكدرة ، ومسؤوليات، تريد أن تتزوج تحمل المسؤوليات، تريد أن تطلق تحمل المسؤوليات، تريد أن ترفع دعوى قضائية على جارك تحمل مسؤوليات، تريد ان تشتري سيارة تحمل ديون وأقساط وحسد، فأي دنيا هذه التي نبكي عليها، والله الدنيا ما تستحق كل هذا الكدح والعناء وفي الحديث ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح ذبابة أو جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء)
هذه الدنيا هينة لا قيمة لها، لكننا ننتظر ( جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين)، ننتظر لذة النظر إلى وجه رب الجنة، ( يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت).
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: « أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين ».
يعني المسألة بسيطة، قبل ذلك نوح عليه السلام استمر في الدعوة ألف سنة إلا خمسين عامًا، تخيل لو أحد يأتيك في الربع الخالي يقول لك: فلان هذا عمره صار له مائة سنة، تأتي الكاميرات والصحفيين والدنيا تنقلب عاش مائة وعشرين سنة، وإذا كان سيدنا نوح عاش ألف سنة إلا خمسين عامًا فقط في الدعوة، يقول للناس: قولوا لا إله إلا الله، ما رأيك، فصرنا أمة أعمارها قليلة جدًا، حتى قيل في بعض الإسرائيليات: ستأتي أمة في آخر الزمان أعمارهم ستين سنة، سيدنا نوح عاش ألف سنة، عاش ألف سنة فقط في الدعوة إلا خمسين عامًا، فقيل: لو أدركتهم لجلستها ساجدًا بين يد الله، فنحن أعمارنا قليلة.
فإذا كانت أعمارنا قليلة نعيش حياة بعزة أو نستشهد ونقابل رب كريم في جنة عرضها السماوات والأرض.
قال تعالى ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169]،
نسأل الله جَل في عُلاه أن ينصر المستضعفين في غزة ، اللهم انصرهم بنصرك وأيدهم بتأييدك، اللهم اربط على قلوبهم يا رب العالمين، اللهم أمن الخائفين من أهل فلسطين.
اللهم إنهم خائفون فأمنهم، اللهم إنهم متفرقون فجمعهم، اللهم إنهم مختلفون فوحدهم، اللهم إنهم مرضى فأشفهم، اللهم اشفهم بشفائك، وداوهم بدوائك، اللهم أنصرهم نصرًا عزيزًا مؤزرًا يا رب العالمين.
اللهم أنصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وارفع راية القرآن وراية الدين.
اللهم يا منزل الكتاب ويا مجري السحاب ويا هازم الأحزاب اهزم هؤلاء الصهاينة وانصرنا عليهم
اللهم اجعلهم وأموالهم وديارهم غنيمة للمسلمين يا رب العالمين.
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
...المزيد

علمني رسول الله : سبحانه يدبر الأمر فكن لربك عابدٌ وثق به سبحانه الحمد لله الذي أضحك وأبكى، ...

علمني رسول الله :
سبحانه يدبر الأمر فكن لربك عابدٌ وثق به سبحانه
الحمد لله الذي
أضحك وأبكى،
وأمات وأحيا،
وأسعد وأشقى،
وأوجد وأبلى،
ورفع وخفض،
وأعز وأذل،
وأعطى ومنع.
سبحانه
هدى نوحاً وأضل ابنه،
واختار إبراهيم وأبعد أباه،
وأنقذ لوطاً وأهلك امرأته،
ولعن فرعون وهدى زوجته،
واصطفى محمد ومقت عمه
وجعل من أنصار دعوته أبناء ألد خصومه،
كخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل،
فسبحانه عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
أزال الكرب عن أيوب
وألان الحديد لداود
وسخر الريح لسليمان،
وفلق البحر لموسى،
ورفع إليه عيسى،
ونجّا هوداً وأهلك قومه،
ونجّا صالحاً من الظالمين فأصبح قومه في دارهم جاثمين،
وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم،
وفداء إسماعيل بذبح عظيم،
وجعل عيسى وأمه آية للعالمين.
الله الذي أغرق فرعون وقومه ونجّاه ببدنه ليكون لمن خلقه آية،
وخسف بقارون وداره الأرض،
ونجّا يوسف من غيابات الجب وجعله على خزائن الأرض،
ونصر نوحاً على القوم الكافرين ونجّاه وأهله من الكرب العظيم.
واشهد أن سيدنا محمد عبدالله ورسوله
فهو النبي العربي القرشي الأمي الذي لم تنجب مثله القبائل
رفع الله له ذكره وشرح الله صدره ووضع الله عنه وزره
وزكاه ربه على جميع خلقه ومع ذلك خاطبه بقوله (إنك ميت وإنهم ميتون) [الزمر: الآية ]
بأبي وأمي يا رسول الله
يا رافعًا للدين خير لواء فلقد بعثت إلى الخلائق رحمة برسالة من أحكم الحكماء
يا صاحب الخلق العظيم كما حكى رب الوجود بذكره الوضاء
فأحسنوا نياتكم فعليها ترزقون....
واعلموا لماذا خلقنا في هذه الدنيا ، قال سبحانه (وَمَا خَلَقْت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )
ولتعلموا أنه لم يٌكتب على إنسان الشقاء.. إلا اذا تخلى يوما عن المنهج الوضاء

أيها الأحبة :

لإيقاظ النائمين من أهل المعاصي ، و الغافلين من أصحاب الذنوب من أمثالي أقول والله المستعان استمعوا معي إلى قول الكريم المنان
وهو يقول محذرا جميع الأنام : قال تعالى ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) [ الفجر: 6- 14]

يقول الحسن البصرى رحمه الله ربيب بيت النبوة يومك .... يومك إذا أصبحت فلا تنتظر المساء ،
اليوم فحسب ستعيش ، فلا أمس الذي ذهب بخيره وشره ، ولا الغد الذي لم يأت إلى الآن .
اليوم الذي أظلتك شمسه ، وأدركك نهاره هو يومك فحسب ، فالأمس عشناه ولن يعود واليوم نحياه ولن يدوم وغدا لا ندري أين نكون عمرك يوم واحد ، فاجعل في خلدك العيش لهذا اليوم وكأنك ولدت فيه وتموت فيه ،
ولذا يقول الامام زين العابدينَ بْنِ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ "مسكين ابن آدم، يصاب باليوم و الليلة بثلاث مصائب، فلا يتعظ بمصيبة واحدة منها".
المصيبة الأولى عمره كل يومٍ يتناقص، واليوم الذي ينقص من عمره، لا يهتم له
وإذا نقص من امواله شيء، اهتم له؛ و المال يعوض .. والعمر لا يعوض
المصيبة الثانية في كل يومٍ يأكل من رزق الله؛ إن كان حلالاً، سئِل عليه ...
إن كان حراماً عوقب عليه ... ولا يدرى عاقبة الحساب
المصيبة الثالثة في كل يومٍ يدنوا من الآخرة قدراً، ويبتعد من الدنيا قدراً، ورغم ذلك لا يهتم بالأخرة الباقية: قدر اهتمامه بالدنيا الفانية!!! ولا يدري هل مصيره إلى الجنة عالية، أم إلى نار هاوية
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا ، واجعل جنة الفردوس هِيَ دارَنا، بلا حساب، ولا سابق عذاب، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّاب
يقول الله تعالى في سورة الرعد ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ 2)
فلنعلم جميعا أن الله المدبر لهذا الكون المصرف له العليم به ، العليم بحالنا وأحوالنا العليم بما يفعل الظالمون المفسدون الباغون .
انه الله فلا تحزن على شيء حدث ولا شيء سيحدث
لأنه من تدبيره وتصريفه
فأنت تعمل لكي تؤجر
فهل أنت مطمئن بعدل الله ؟
فهل أنت مطمئن بقدر الله ؟
فإذا كنت مطمئن بعدله وقدرته وقدره فلا يضيرك ولا يخذلك أي شيء فاهدأ واستقر واطمئن
فأنت إلهك المدبر المصرف لهذا الكون وهو خير الماكرين .
علمني رسول الله أن يد الله تعمل في الخفاء فلا تستعجلوها
ولا تستعجلوا نصرا قبل استكمال أسبابه الواقعية والربانية معا
ولا تطمحوا إلى نيل المكاسب قبل أن تتكامل الأدوات والأسباب ، ولذا قال الكريم سبحانه لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم (و اصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا)
كيف تعمل يد الله سبحانه وتعالى

وهنا وقفات سريعة يوسف عليه السلام أجمل القصص (قصة يوسف )

لأنها بدأت بحلم وانتهت بحقيقة.
من يقول أن الأحلام مستحيلة قال تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كُن فيكُون )

الوقفة الثانية لا تخف أبدا من كيد الكائد

يوسف رموه في الجب طفلا أعزلاً
ثم سجدوا له ملكاً
من أعاجيب الحياة أن الكيد
غالباً ينقلب لمصلحتك

الوقفة الثالثة أراد الله خروج يوسف من السجن

لم يرسل صاعقة تخلع باب السجن بل رؤيا تتسلل ليلاً لخيال الملك وهو نائم
ثق بربك وأحسن الظن به
الوقفة الرابعة عندما يقال لك قميص يوسف، هل ستذكر أنها ثلاثة؟
قميص المؤامرة والدم المزيف
قميص الشهوة الذي مزقته امرأة
وقميص النصر الذي أعاد البصر ليعقوب
الوقفة الخامسة فأسرّها يوسف في نفسه ولم يُبْدِها لهم"
نفوس كبيرة تتغافل لبقاء الود نفوس معلقة بالسماء
فالتغافل ليس عجزا والتسامح ليس ضعفاً
والصمت ليس انطواءً، بل سمو لا يعرفه الوضيع
لا تواجه أخاك بكل ما في قلبك اترك ما استطعت إرضاء لله وحفاظا على أخيك
الوقفة السادسة
قال تعالى ﴿إني لأجد ريح يوسف﴾ محسنوا الظن بالله يشمون رائحة الفرج رغم بعد المسافات تعلقت حبالهم بربهم فقويت عزائمهم وحسنت ظنونهم.
كيف تعمل يد الله سبحانه وتعالى
قصة سيدنا نوح
1- إله قادر عالم يأمر عبدا مؤمنا مطيعا ليصنع فلكا في صحراء لا زرع فيها ولا ماء
قال تعالى " وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ " (هود : 37 )
2- يعمل علمانيو عصره عقولهم في موضع لا يعمل فيه العقل فهو امر الله فيستهزؤوا بما يفعل .. كيف يصنع الفلك في صحراء لا زرع فيها ولا ماء " وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ " (هود : 38 )
3- كونٌ عابدٌ يسخره الله سبحانه وتعالي لعباده المؤمنين
قال تعالى " فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ(11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ( 12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ( 13 ) تجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ ). ( القمر: 14 )
4- كُفر الكافرين رغم الآيات والاعتصام بغير الله
قال تعالى " وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ( 42 ) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ) ( هود : 43 )
5- ثم عودة للكون الطائع العابد
قال تعالى " وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( هود : 44 )
6- ثم ينجى الله المؤمنين
قال تعالى " قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ " ( هود : 48 )
وتبقي يد الله ممدودة تنتظر من يتشبث بها لتنتشله من وحل الباطل الي سمو الإيمان .. فهل من مجيب ؟
ومن اعظم الدروس النبوية التي يطمئن بها قلب المؤمن وتعطية جرعات من الامل
صلح الحديبة
صلح الحديبية عهد واتفاق، تم بين المسلمين وقريش في ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة قرب موضع يقال له الحديبية قبيل مكة.
ففي ذلك العام رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه
أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وأنهم يطوفون بالبيت،
فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، ففرحوا فرحا شديدا، فرؤيا الأنبياء حق،
وقد اشتد بهم الحنين إلى تأدية النسك والطواف بالكعبة ودخول مكة، موطنهم الأول ومسقط رأسهم .
خرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه زوجه أم سلمة في ألف وأربعمائة مسلم، متجهين إلى مكة لقضاء أول عمرة لهم بعد الهجرة، وحملوا معهم السلاح توقعا لشر قريش، فلما وصل إلى ذي الحليفة أهل مُحْرما هو ومن معه، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم بُسر بن سفيان إلى مكة ليأتيه بأخبار قريش وردود أفعالهم.
وحين وصل المسلمون إلى عسفان(مكان بين مكة والمدينة)، جاءهم بسر بأخبار استعدادات قريش لصد ومنع المسلمين من دخول مكة..
فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، فأشار أبو بكر رضي الله عنه بالتوجه إلى مكة لأداء العمرة والطواف بالبيت، وقال: ( فمن صدنا عنه قاتلناه، فقال صلى الله عليه وسلم : امضوا على اسم الله ) ( البخاري ).
وصلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه في عسفان صلاة الخوف، ثم سلك بهم طريقا وعرة، متجنبا الاصطدام بخالد بن الوليد وكان لا زال على الشرك حيث خرج من مكة بجنود ليمنع النبي صلى الله عليه وسلم من دخولها..
فمضى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه باتجاه مكة حتى إذا اقتربوا من الحديبية بركت ناقته، فقالوا: خلأت القصواء (امتنعت عن المشي)؟، فقال صلى الله عليه وسلم : ( ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل ) ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ) ( البخاري )
فلما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم بالحديبية أرسل عثمان رضي الله عنه إلى قريش وقال له: أخبرهم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عماراً، وادعهم إلى الإسلام، وأَمره أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات، فيبشرهم بالفتح، وأن الله عز وجل مظهر دينه بمكة..
فانطلق عثمان فمر على قريش، فقالوا: إلى أين؟، فقال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، ويخبركم : أنه لم يأت لقتال ، وإنما جئنا عماراً..
ولكن عثمان احتبسته قريش فتأخر في الرجوع إلى المسلمين ، فخاف الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، وخاصة بعد أن شاع أنه قد قتل، فدعا إلى البيعة، فتبادروا إليه، وهو تحت الشجرة ، فبايعوه على أن لا يفروا، وهذه هي بيعة الرضوان التي نزل فيها قول الله تعالى: ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) (الفتح:18).
وأرسلت قريش عروة بن مسعود للتفاوض مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم أرسلت سهيل بن عمرو لعقد الصلح ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : قد سهل لكم أمركم، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل.
فتكلم سهيل طويلاً ثم اتفقا على قواعد الصلح.
وقد روى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ يُمْلي شروط الصلح، و علي بن أبي طالب رضي الله عنه يكتب، فأملاه النبي صلى الله عليه وسلم : ( بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل : أما الرحمن فوالله لا ندري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا فكتبها كذلك، ثم أملى صلى الله عليه وسلم : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، فقال سهيل : لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: والله ، إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله ).
وأسفرت المفاوضات عن اتفاق سُمِّيَ في التاريخ والسيرة صلحا، يقضي بأن تكون هناك هدنة بين الطرفين لمدة عشر سنوات، وأن يرجع المسلمون إلى المدينة هذا العام فلا يقضوا العمرة إلا العام القادم، وأن يرد محمد صلى الله عليه وسلم من يأتي إليه من قريش مسلما دون علم أهله، وألا ترد قريش من يأتيها مرتدا، وأن من أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه، ومن أراد أن يدخل في عهد محمد صلى الله عليه وسلم من غير قريش دخل فيه..
وبينما هم كذلك إذ دخل عليهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو في قيوده وألقى بنفسه بين المسلمين،
فقال سهيل : هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي، فأعاده النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين،
فقال أبو جندل : يا معشر المسلمين أَأُرَد إلى المشركين يفتنونني في ديني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :
( إنا عقدنا بيننا وبين القوم عهدا، وإنا لا نغدر بهم )، ثم طمأنه النبي صلى الله عليه وسلم قائلا:
( يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجا ومخرجا ) ( أحمد ).
وافق الرسول صلى الله عليه وسلم على شروط المعاهدة، التي بدا للبعض أن فيها إجحافا وذلاً للمسلمين،
ومنهم عمر رضي الله عنه الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ( ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟،
قال صلى الله عليه وسلم بلى، فقال: فَلِمَ نعط الدنية في ديننا إذاً ؟ ) ( البخاري )
لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مدركا وموقنا أن هذا الصلح سيكون فاتحة خير وبركة على المسلمين بعد ذلك.
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدا المدينة..
ومن خلال صلح الحديبية وأحداثه، يمكن استخلاص العديد من الدروس والحِكَم، ومنها:
وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم والانقياد والتسليم لأمره، فعمر رضي الله عنه وبعض الصحابة كرهوا هذا الصلح، ورأوا في شروطه الظلم والإجحاف بالمسلمين، لكنهم ندموا على ذلك، وظلت تلك الحادثة درسا لهم فيما استقبلوا من حياتهم، فكان سهل بن حنيف رضي الله عنه يقول: " اتهموا رأيكم ، رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته "..
وبقي عمر رضي الله عنه زمنا طويلا متخوفا أن ينزل الله به عقابا لما قاله يوم الحديبية، وكان يقول: فما زلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت، مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ .
وهو القائل رضي الله عنه بعد ذلك وهو يقبل الحجر الأسود : ( إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ) ( البخاري ).
فتعلم الصحابة من صلح الحديبية وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم والانقياد لأمره وإن خالف ذلك العقول والنفوس، ففي طاعته صلى الله عليه وسلم الصلاح المتضمن لسعادة الدنيا والآخرة، وإن قصر العقل عن إدراك غايته وعاقبة أمره ..
وفي هذا الصلح المبارك ظهرت أهمية الشورى، ومكانة المرأة في الإسلام، وأهمية القدوة العملية في موقف واحد.
روى الإمام أحمد بسنده من طريق المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما
قصة صلح الحديبية في حديث طويل، ذكر فيه أنه لما تم الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم ومشركي قريش
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا أيها الناس انحروا واحلقوا )، قال: فما قام أحد، قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجل حتى عاد بمثلها، فما قام رجل، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على أم سلمة فقال: ( يا أم سلمة ! ما شأن الناس؟ قالت: يا رسول الله قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلمن منهم إنساناً، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره، واحلق فلو قد فعلت ذلك، فعل الناس ذلك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحره ثم جلس فحلق، فقام الناس ينحرون ويحلقون ).
فكان رأي أم سلمة رضي الله عنها رأياً موفقا ومشورة مباركة، وفي ذلك دليل على استحسان مشاورة المرأة الفاضلة مادامت ذات فكر صائب ورأي سديد، كما أنه لا فرق في الإسلام بين أن تأتي المشورة من رجل أو امرأة، طالما أنها مشورة صائبة، فالشورى سلوك ينظم الحياة والأسرة في كل شؤونها، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) (الشورى:38).
وفي قبول النبي صلى الله عليه وسلم لمشورة زوجته أم سلمة تكريم للمرأة، التي يزعم أعداء الإسلام أن الإسلام لم يعطها حقها وتجاهل وجودها، وهل هناك اعتراف واحترام لرأي المرأة أكثر من أن تشير على نبي مرسل، ويعمل النبي صلى الله عليه وسلم بمشورتها لحل مشكلة واجهته في حياته .
وفي هذا الموقف أيضا التأكيد على أهمية القدوة العملية، فقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمر وكرره، ومع ذلك لم يستجب أحد لدعوته، فلما أقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخطوة العملية التي أشارت بها أم سلمة رضي الله عنها تحقق المراد، فالقدوة العملية أجدى وأنفع، خاصة في مثل هذه المواقف ..
وظهر في صلح الحديبية مدى حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ، يعبر عن ذلك عروة في قوله لقومه: ( أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا، والله ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ) ( البخاري ).
ومن الحكم الباهرة من صلح الحديبية أنه كان بابا ومفتاحا لفتح مكة .
ولئن لم ينتبه المسلمون لهذا في حينه، فذلك لأن المستقبل غائب عنهم، فقد اختلط المسلمون بالكفار بعد عقد الصلح وهم في أمان، ودعوهم إلى الله، وأسمعوهم القرآن، ولم يُكلم أحد بالإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه،
ودخل في سنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك، بل أكثر ..
فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج عام فتح مكة بعد عامين في عشرة آلاف، وهذا ما بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أثناء رجوعه إلى المدينة بعد عقد المعاهدة والصلح، حينما قال: ( أنزلت عليَّ الليلة سورة لهي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس.
ثم قرأ: ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) (الفتح:1 ) ( البخاري ) .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : " إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية " .
إن عرض الإسلام والدعوة إليه في جو من الهدوء والأمان، وحرية الحوار بالحجة والكلمة الطيبة،
كان له أبلغ الأثر، وذلك لأن الحق له قوة يظهر بها على الباطل، فإذا أحسن العرض والدعوة إليه، واختير القول والوقت المناسب، وكان الداعية عالما بما يدعو له، حكيما في دعوته، كانت النتائج أعظم ..
لقد كان صلح الحديبية غنيا بالدروس والحِكَم، التي ينبغي الوقوف معها والاستفادة منها في واقعنا ومستقبلنا كأفراد ومجتمعات ...
وأنت، كم من مصيبة كنت تظنها ستكون القاضية، وكم من حزن ظننت أن الدنيا لن تحلو بعده، وكم من عزيز فقدته فتوهمت أنه لم يعد بعده شيء يستحق الحياة، كم وكم؟!
لكن الحياة عادت كما كانت، ولربما بطعم أحلى وأقدار أجمل، فلا تتضايق وانتظر الفرج، فثقوا بالله وتوكلوا عليه
تصلح أحوالكم وتطيب نفوسكم، وقدموا بين يدي ربكم عبادة خالصة وعملاً صالحًا وخلقًا حسنًا وسلوكًا سويًا.
إننا بحاجة إلى هذا الإيمان بالله وهذا اليقين وهذه العقيدة في زمن فسدت فيه القيم والأخلاق، وتجرّأ الناس فيه على المعاصي والسيئات، وارتكبت المحرمات وسفكت الدماء وانتهكت الأعراض، وتعدى المسلم على أخيه المسلم، إننا بحاجة إلى هذا الإيمان لنتجاوز المحن والفتن والابتلاءات وقد حفظنا ديننا وأخوتنا وأوطاننا ومجتمعاتنا، إننا بحاجة إلى تقوية هذا الإيمان في قلوبنا حتى نشعر بمعية الله وتوفيقه، وحتى لا تطول تعاستنا ويزداد شقاؤنا وتكثر همومنا ومشاكلنا.
عباد الله: إن بعد العسر يسرًا، وإن بعد الشدة فرجاً ومخرجاً، وإنها لسنة من سنن الله الذي بيده كل شيء، وأمره بين الكاف والنون، وإرادته فوق كل شيء مهما كانت قوة البشر ومهما أحكمت خططهم ومهما كثرت عدتهم وأعدادهم، ومهما بلغ كيدهم وبطشهم وجبروتهم، اللهم اجعلنا ممن يتوكلون على ربهم حق التوكل واحفظنا بالإسلام وأدم علينا نعمة الإيمان، احفظنا واحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل شر وبلاء، اللهم ألف على الخير قلوبنا، وأصلح ما فسد من أحوالنا، واهدنا صراطك المستقيم، وتولنا في عبادك الصالحين.
هذا؛ وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
...المزيد

العظات والعبر من وفاة سيِّد البَشَرِ 1- كفى بالموت عظةً وعبرةً. لقد شاء اللهُ تعالى أنْ يكونَ ...

العظات والعبر من وفاة سيِّد البَشَرِ
1- كفى بالموت عظةً وعبرةً.
لقد شاء اللهُ تعالى أنْ يكونَ الموتُ نهايةَ كُلِّ إنسانٍ مهما طال عمرُهُ، ومهما كان موقعُهُ من الحياة، وتلك سُنَّةُ الحياةِ كما عبر عنها القرآنُ الكريم في قوله تعالى :(وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون * كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) الأنبياء: 34-35
وفي قوله تعالى:(إنك ميت وإنهم ميتون) الزمر: 30، فها هو ذا محمدُ بنُ عبدِ اللهِ خيرُ البشرِ، يموتُ بعد أنْ عانى من سَكَراتِ الموتِ وآلامِ المرضِ...وإذا وعى النَّاسُ هذه الحقيقةَ استشعرُوا معنى العُبُوديةِ والتَّوحيدِ، وخضعُوا للهِ الواحدِ القَهَّارِ، واستعدُّوا للموتِ بالإكثار من العملِ الصَّالحِ، وطاعة الله، وإخلاص العبادة له في كُلِّ مجالٍ من مجالاتِ الحياةِ، لاسيما عبادة الله في تحكيمِ شرعِهِ، والجهاد في سبيل ذلك؛ لأنَّ الله يَزَعُ بالسُّلطانِ ما لا يزعُ بالقرآنِ؛ لأنَّ الله تعالى الذي خلقَ البشرَ خبيرٌ بما يُصلحهم في الدُّنيا والآخرةِ... (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك: 14(1).
2- عبر عن الوفاةِ أبي حامد الغزاليُّ: اعلم أنَّ في رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أسوةً حسنةً حياً وميتاً وفعلاً وقولاً وجميع أحواله عبرةٌ للناظرين، وتبصرةٌ للمستبصرين، إذ لم يكن أحدٌ أكرمَ على اللهِ منه إذ كانَ خليلَ اللهِ وحبيبَهُ ونجيَّهُ، وكان صفيَّهُ ورسولَهُ ونبيَّهُ، فانظر.. هل أمهله ساعةً عند انقضاءِ مُدَّتِهِ؟ وهل أخَّرَهُ لحظةً بعدَ حُضُورِ منيِّتِهِ؟ لا .. بل أرسلَ إليه الملائكةَ الكِرَامَ الموكَّلينَ بقبضِ أرواحِ الأنامِ، فجدُّوا بروحِهِ الزَّكيَّةِ الكريمةِ لينقلُوها، وعالجُوها ليُرَحِّلُوها عن جسدِهِ الطَّاهرِ إلى رحمةٍ ورضوان، وخيرات حسان، بل إلى مقعدِ صدقٍ في جوارِ الرَّحمنِ، فاشتدَّ مع ذلك في النَّزعِ كربُهُ، وظهرَ أنينُهُ، وترادف قلقُهُ وارتفع حَنينُه، وتغيَّرَ لونُهُ وعرق جبينُهُ، واضطربت في الانقباضِ والانبساطِ شمالُهُ ويمينُهُ حَتَّى بكى لمصرعِهِ مَنْ حضرَهُ، وانتحب لشدةِ حالِهِ مَن شهدَ منظرَهُ. فهل رأيتَ منصبَ النبوةِ دَافِعاً عنْهُ مقدوراً؟!وهل راقبَ الملَكُ فيه أهلاً وعشيراً ؟
وهل سَامَحَهُ إذْ كَانَ للحقِّ نَصِيْراً؟ وللخلقِ بَشِيراً ونَذِيْراً؟ هيهاتَ!! بل امتثلَ مَا كانَ بِهِ مأمُوراً، واتَّبعَ ما وجده في اللَّوحِ مَسْطُوراً، فهذا كانَ حالَهُ وهو عند الله ذُو المقامِ المحمودِ، والحوضِ المورودِ، وهو أولُ مَن تنشقُّ عنه الأرضُ، وهو صاحبُ الشَّفاعةِ يومَ العَرْضِ.
فالعجبُ أنا لا نعتبرُ به، ولسنا على ثقةٍ فيما نلقاهُ!! بل نحن أُسراء الشَّهواتِ وقُرَنَاءُ المعاصي والسيئات.
فَمَا بالُنا لا نَتعِظُ بمصرعِ مُحمَّدٍ سَيِّدِ المرسلينَ، وإمامِ المتقينَ، وحَبِيْبِ رَبِّ العالمينَ!!
لعلنا نظنُّ أننا مخلَّدون، أو نتوهَّمُ أنا مع سوءِ أفعالِنا عندَ اللهِ مُكْرَمُون.. هيهاتَ.. هيهاتَ!! بل نتيقن أنا جميعاً على النَّارِ واردون، ثم لا ينجُو منها إلا المتَّقُون، فنحن للورودِ مستيقنون، وللصُّدورِ عنها مُتوهِّمُون، لا.. بل ظلمنا أنفسَنَا إنْ كُنَّا كذلكَ لغالب الظنِّ مُنتظرينَ، فما نحنُ واللهِ من المتقين، وقد قال رَبُّ العالمينَ: (وإنْ منكم إلا واردُها كان على ربِّك حَتْماً مقضياً * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظَّالمينَ جثياً) مريم: 71-72.
فلينظرْ كُلُّ عبدٍ إلى نفسِهِ أنَّهُ إلى الظالمين أقربُ أم إلى المتقين؟ فانظرْ إلى نفسِكَ بعد أن تنظرَ إلى سيرةِ السَّلَفِ الصَّالحينَ، فلقدْ كَانُوا مَعَ مَا وفِّقُوا لَهُ مِنَ الخائفينَ، ثُمَّ انظرْ إلى سَيِّدِ المرسلينَ، فإنَّهُ كانَ مِنْ أمرِهِ عَلَى يقينٍ، إذْ كانَ سَيِّدَ النَّبيِّينَ، وقائدَ المتَّقينَ، واعتبرْ كيفَ كانَ كَرْبُهُ عِنْدَ فِرَاقِ الدُّنيا، وكيفَ اشتدَّ أمرُهُ عندَ الانقلابِ إلى جَنَّةِ المأْوى (2)
كيف تم غسله؟ وهل جرد من ثيابه أم لا؟
قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزُّبير، عن أبيه عبّاد، عن عائشة، قالت: "لما أرادوا غَسْل رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيه. فقالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله-صلى الله عليه وسلم–من ثيابه كما نُجرد موتانا، أو نغسِّله وعليه ثيابه؟ قالت: فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم، حتى ما منهم رجل إلا ذقنه في صدره، ثم كلّمهم مكلّم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أن غسلوا النبيَّ وعليه ثيابه، قالت: فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغسّلوه وعليه قميصه، يصبّون الماء فوق القميص، ويدلكونه والقميص دون أيديهم).
سنن أبي داود في الجنائز (3141) وغيره، وابن هشام (4/313).وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم(2693) (2/607).
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: "اجتمع القومُ لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في البيت إلا أهله عمه العباس بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، والفضل بن عباس، وقثم بن عباس، وأسامة بن زيد، وصالح مولاه، فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الناسِ أوس بن خولى الأنصاري، أحد بني عوف بن الخزرج، وكان بدرياً علي بن أبي طالب فقال: يا علي ننشدك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له علي بن أبي طالب: أدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلِ من غسله شيئاً، فأسنده عليٌّ إلى صدره، وعليه قميصه وكان العباسُ وفضل وقثم يقلبونه مع عليّ وكان أسامة وصالحٌ مولاه هما يصبان الماء وجعل عليٌ يغسله ولم يرَ من رسول الله-صلى الله عليه وسلم شيءُ مما يرى من الميت، وهو يقول: بأبي وأمي ما أطيبك حياً وميتاً، حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله-صلى الله عليه وسلم وكان يغسل بالماء والسدر جففوه ثم صُنع له به ما يصنع بالميت، ثم أدرج في ثلاثة أثواب ثوبين أبيضين، وبردِ حبرة، ثم دعا العباس رجلين فقال ليذهب..".
وروى البيهقي عن عبد الملك بن جُريج قال: "سمعت محمد بن علي أبا جعفر قال: غُسل النبي صلى الله عليه وسلم بالسدر ثلاثاً أو غُسل وعليه قميص وغُسل من بئرٍ، يقال لها الغرس بقباء، كانت لسعد بن خيثمة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب منها، وولى غسله علي، والفضل يحتضنه، والعباس يصبُّ الماء فجعل الفضل يقول: أرحني قطعت وتيني، إني لأجد شيئاً يترطل عليَّ أي يتلين عليّ). "ذهول العقول" (49).
وقال سيف بن عمر عن ابن عباس قال: لمّا فُرغ من القبر وصلّى الناسُ الظهر أخذ العباس في غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فضرب عليه كلةً من ثياب يمانية صفاقٍ في جوف البيت، فدخل الكلَّة ودعا علياً والفضل فكان إذا ذهب إلى الماء ليعُاطيها دعا أبا سفيان بن الحارث فأدخله، ورجالُ من بني هاشم من وراء الكلَّة ومن أدخل من الأنصار حيث ناشدوا أبي وسألوه، منهم أوس بن خولى-رضي الله عنهم أجمعين- ثم قال: سيف عن ابن عباس، فذكر ضرب الكلَّة، وأن العباسَ أدخل فيها علياً والفضل وأبا سفيان بن الحارث، وأسامة ورجال من بني هاشم من وراء الكلة في المبيت فذكر أنهم ألقى عليهم النعاس فسمعوا قائلاً يقول: لا تغسلوا رسول الله-صلى الله عليه وسلم– فإنه كان طاهراً. فقال العباس: إلا، بلى وقال أهلُ البيت: صدقَ، فلا تغسلوه، فقال العباس: لا ندع سنة لصوتٍ لا ندري ما هو وغشيهم النعاس ثانيةً فناداهم: أن غسلوه وعليه ثيابهُ، فقال أهلُ البيت: ألا لا. وقال العباس: ألا نعم، فشرعوا في غسله، وعليه قميص، ومجولٌ مفتوح – أي صدرية- فغسلوه بالماء القُراح، وطيبوه بالكافور في مواضع سجوده ومفاصله واعتَصر قميصه ومجوله، ثم أدرج في أكفانه، وجمروه عوداً ونداً ثم حملوه حتى وضعوه على سريره وسبحوه وهذا السياق فيه غرابة جداً.
( ذهول العقول:50)
وغسل صلى الله عليه وسلم ثلاث غسلات الأولى بالماء القراح أي الخالص م يخالطه كافور ولا حنوط ولا غير ذلك. والثاني: بالماء والسدر. والثالثة: بالماء والكافور.
قال صاحب كتاب ذهول العقول بوفاة الرسول:
وقد كان العباسُ حين دخل الكلة للغسل قعد متربعاً وأقعد علياً متربعاً متواجهين وأقعد النبي صلى الله عليه وسلم على حجورهما فنودوا أن أضجعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهره، ثم اغسلوا واستروا فثاروا عن الصفيح وأضجعاه، فقربا رجل الصفيح وشرقا رأسه، ثم أخذوا في غسله وعليه قميصه ومجوله مفتوحُ الشق ولم يغسلوه إلاّ بالماء القُراح وطيبوه بالكافور، ثم اعتُصر قميصه ومجوله، وحنطوا مساجده ومفاصله ووضؤوا منه وجهه وذراعيْه وكفيه، ثم أدرجوا أكفانه على قميصه، وجمّروه عوداً ونداً ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره وسبَّحوه).
راجع: "ذهول العقول" (143-144).
هل جُرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه:
روى ابن سعدٍ عن عليّ، وأبو داودَ ومسدد، وأبو نعيم وابن حبَّان والحاكم والبيهقي وصححه الذهبي عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: "لمَّا أرادوا غَسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيه، فقالوا: والله ما ندري كيف نصنع أنجردُ رسول الله-صلى الله عليه وسلم–ثيابه كما نجردُ موتانا، أم نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم، حتى ما منهم رجُل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن غسلوا رسول الله-صلى الله عليه وسلم– وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم–وعليه قميصه فغسلوه يفاض عليه الماء والسدر فوق القميص، ويدلكونه بالقميص دون أيديهم (فكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه). أخرجه الحاكم (3/59) والبيهقي في الدلائل (7/242).
وروى ابن ماجه عن بريدة-رضي الله عنه– قال: (لمّا أخذوا في غُسل سول الله-صلى الله عليه وسلم – ناداهم منادٍ من الداخل أن لا تنزعوا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم – قميصه). ابن ماجه (1466). وضعفه البوصيري في الزوائد. وقال عنه الألباني منكر "راجع ضعيف ابن ماجه للألباني (316).
وقال الصنعاني في خلاف الصحابة حول غسله-صلى الله عليه وسلم -: (وفي هذه القصة دلالة على أنه - صلى الله عليه وسلم – ليس كغيره من الموتى). راجع:" سبل السلام" (2/93) ا. هـ
وذلك؛ لأنه لم يُجرد من ثيابه كما يفعل بغيره من الموتى. قال ابن الأثير: "وفي صفته-عليه السلام-أنه كان: (أنور المتجرد) أي ما جُرد عنه الثياب من جسده وكشف." النهاية (1/256) ا. هـ.
راجع: مرض النبي - صلى الله عليه وسلم – ووفاته أثر ذلك على الأمة (خالد أبو صالح) (139).

- من تولى غسله:

قال ابن إسحاق: فلما بويع أبو بكر-رضي الله عنه-، أقبل الناس على جهاز رسول الله-صلى الله عليه وسلم – يوم الثلاثاء، فحدثني عبد الله بن أبي بكر وحسين بن عبد الله وغيرهما من أصحابنا: أن عليّ بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، وقُثَم بن العباس، وأسامة بن زيد، وشُقران مولى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، هم الذين ولوا غسله، وأنّ أوس بن خولي أحد بني عوف بن الخزرج، قال لعليّ بن أبي طالب: أنشدك الله يا عليّ وحظنا من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وكان أوس من أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم– وأهل بدر، قال: ادخل، فدخل فجلس، وحضر غسْل رسول الله-صلى الله عليه وسلم -، فأسنده عليّ بن أبي طالب إلى صدره، وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه معه، وكان أسامة بن زيد وشُقران مولاه، هما اللذان يصبان الماء عليه وعليُّ يغسله قد أسنده على صدره، وعليه قميصه يدلكه به من ورائه، لا يُفضي بيده إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم – وعلي يقول: بأبي أنت وأمي، ما أطيبك حيّاً وميتاً، ولم يُرَ من رسول الله-صلى الله عليه وسلم – شيء مما يُرى من الميت). تاريخ الطبري (3/211، 292) وطبقات ابن سعد (2/277) وله شاهد في سنن ابن ماجه في كتاب الجنائز (2467). باب ما جاء في غسل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وروى ابن سعد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصحّحه عن علي - رضي الله عنه – قال: غسلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئاً، وكان طيباً حيَّاً وميتاً، وولي دفْنه وإخباءه دون الناس أربعة علي والعباس والفضل، وصالح مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ولحد رسول الله لحداً ونُصب عليه اللبن نصباً) البيهقي في الدلائل (7/244) وابن سعد (2/214).
وروى ابن سَعْد عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال: غَسَّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – عليُّ والفضلُ، وأسامةُ بن زيد وشقران، وولي غسل سفلته عليّ والفضل محتضنُه، وكان العباس وأسامة بن زيد وشقران يصبُّون الماء. أخرجه ابن سعد في الطبقات (2/213).

كيفية غَسْله:

روى ابن سعدٍ عن عليِّ، وأبو داود ومسدّدُ، وأبو نعيم، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي وصححه الذهبي عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: لمَّا أرادُوا غَسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – اختلفوا فيه، فقالوا: والله ما ندري كيف نصنعُ أنجردُ رسول الله-صلى الله عليه وسلم– ثيابه كما نجرد موتانا، أم نُغسله وعليه ثيابُه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم، حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه قميصه فغسلوه يفاض عليه الماء والسدر فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديمهم (فكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلاّ نساؤه). رواه الحاكم (3/59) والبيهقي في الدلائل (7/242).
وعن ابن عباس-رضي الله عنه– قال: لمَّا مات رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: اختلف الذين يُغسلونه فسمعوا قائلاً يقول: لا يدرون من هو: اغسلوا نبيكم وعليه قميصُه، فغُسِّل رسول الله-صلى الله عليه وسلم – في قميصه، وقالت عائشة: لو استقبلت من أمري ما استدبرتُ ما غسَّلَ رسول الله-صلى الله عليه وسلم – إلا نساؤه). أخرجه أبو داود (2/214) (3141)، كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال عليُّ: فما تناولت عضواً إلا كأنما يقلّبه معي ثلاثون رجلاً حتى فرغتُ من غسله). البيهقي (7/244) وابن سعد (2/213).

وروى ابن سعد عن عبد الله بن الحارث: أن عليّاً غسَّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فجعل يقول: "طبت حياً وميتاً، وقال: وسطعتْ ريحٌ طيبة لم يجدوا مثلها قطّ". ابن سعد (2/214-215).
وروى البيهقي عن عبد الملك بن جُريج قال: سمعت محمدَ بن علي أبا جعفر قال: غُسِلَ النبي صلى الله عليه وسلم بالسدر ثلاثاً، أو غُسل وعليه قميص وغسل من بئرٍ، يقال لها: الغرس، بقُباء كانت لسعيد بن خيثمة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يشرب منها، وولي غسله علي والفضل يحتضنه، والعباس يصبّ الماء فجعل الفضلُ يقول: أرخي قطعت وتيني، إني لأجد شيئاً يترطَّل عليّ أي يتلين علي. ( ذهول العقول: 49).

وقال الواقدي: عن عمر بن عبد الحكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمَ البئرُ بئرُ غرس هي من عيون الجنة، وماؤها أطيب المياه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعذب له منها، وغُسل من بئر غرسٍ. المرجع السابق (50).
وروى ابن ماجه عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا أنا متُّ فاغسلوني بسبع قربٍ من بئر غرس). سنن ابن ماجه رقم (1468)، كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل النبي صلى الله عليه وسلم.

وعن عبد الواحد بن أبي عوانٍ قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم– لعلي: (اغسلني إذا متُّ) فقال: يا رسول الله، ما غسُّلتُ ميتاً قط! قال: إنك ستهيأْ أو تُيسرُ، قال علي: فغسلته مما آخذُ عضواً إلا تبعني، والفضلُ آخذٌ بحضنه يقول: أعجل يا عليٌ، انقطع ظهري). أخرجه ابن سعد في الطبقات (2/215).
وروى الإمام أحمد عن ابن عبَّاس-رضي الله عنه – قال: اجتمع القوم لغُسل رسول الله-صلى الله عليه وسلم–وليس في البيت إلا أهله عمه العباس بن عبد المطلب، وعليُّ بن أبي طالب، والفضل بن عباس، وقُتم بن عبَّاس، وأسامة بن زيد بن حارثة، وصالح مولاه فلَّما اجتمعوا لغسله نادى مناد من وراء الناس،: وهو أوس بن خولي الأنصاري أحد بني عوف بن الخزرج، وكان بدرياً على علي بن أبي طالب فقال: يا علي أنشدك الله وحظنا من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فقال له علي: ادخل، فدخل فحضر غسلَ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ولم يل من غسله شيئاً فأسنده عليّ إلى صدره، وعليه قميصه، وكان العباس، والفضل وقثم يقلبونه مع علي وكان أسامة بن زيد، وصالح مولاه يصبان الماءَ، وجعل عليَّ يغسله ولم ير من رسول الله-صلى الله عليه وسلم–شيئاً مما يرى من الميت وهو يقول: بأبي وأمي ما أطيبك حيَّاً وميتاً، حتى إذا فرغوا من رسول الله-صلى الله عليه وسلم – وكان يُغسَّل بالماء والسدر جففوه ثم صنع به ما يُصنع بالميت.

وقال ابن دحية: لم يختلف في أن الذين غسلوه-صلى الله عليه وسلم-: علي، والفضل، واختلف في العباس، وأسامة، وقثم، وشقران) نيل الأوطار (4/66).

وقال المقدسي: وغسَّله علي بن أبي طالب، وعمه العباس، والفضل بن العباس، وقثم بن العباس، وأسامة بن زيد، وشقران مولياه، وحضرهم أوس بن خولي الأنصار).

راجع: مختصر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم للمقدسي (37).

قال الشوكاني معلقاً على قول عائشة-رضي الله عنها-: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه). قيل: فيه متمسك لمذهب الجمهور–يعني بجواز غسل الزوجة لزوجها الميت- ولكنه لا يُدل على عدم جواز الجنس لجنسه، مع وجود الزوجة، ولا على أنها أولى من الرجال؛ لأنه قول صحابية ولا حجة فيه، وقد تولى غسله-صلى الله عليه وسلم – علي، والفضل بن العباس، وأسامة بن زيد يناول الماء، والعباس واقف، ولم ينقل إلينا أحداً من الصحابة أنكر ذلك فكان إجماعاً منهم) نيل الأوطار (4/66).
رثاء حسان بن ثابت لنبي صلى الله عليه وسلم

بطيبةَ(1) رسمٌ(2) للرسول ومعهــــــــــدٌ***** منيــــر وقــد تعفــــو(3) الرســـومُ وتهمـد(4)
ولا تمتــحى الآيــــات مــن دار حُرْمـــةٍ ***** بــــها منـبـــرُ الهــــادي الـذي كــان يصـعـــدُ
وواضـــــحُ آثــــارٍ وباقـــي معــــــــالــمٍ ***** وربْـــــعٌ لــــه فيــــه مصلـــى ومسـجـــــــدُ
بها حجُرات(5) كــان ينــــزلُ وسطـــــها ***** مــــــن الله نـــــورٌ يُسْتــــضاءُ ويـــوقــــــــدُ
معـارف لم تُطمــــس على العهــــدِ آيُــها ***** أتـــــاها البـلــــــــى فـــالآي منــــها تجـــــدَّدُ
عرفـــتُ بهـــا رسْـــمَ الرَّسُــول وعهــده ***** وقبـــــراً بــها واراه فـــــي التــــُرْبِ مُلحِـــدُ
ظللـتُ بها أبكـــي الرَّسُـــول فأسعـــــدت ***** عيــــــونٌ ومثـــــلاها مــــن الجفـــــن تُسعـدُ
يُذَكِّـرْنَ آلاءَ(6) الرَّسُـــــول ومـــــا أرى ***** لها مُحْصيـــاً نفســــي فنفســـــي تَبَلّــــَـــدُ(7)
مُفَجَّعَةً قــد شفَّـــــها(8) فقــــــدُ أحمـــــد ***** فظلــــــَّت لآلاءِ الـرَّسُــــــــــول تُعـــــــــــدِّدُ
وما بلغــــت من كلِّ أمــــر عَشِيــــرَهُ(9) **** ولكــن لنفســــي بَعْـــدُ ما قـــد توجَّـــــدُ(10)
أطالت وقوفا تذرفُ(11) العين جهــدها **** علـــــى طـــــللِ(12) القبر الذي فيه أحمـــــدُ
فبوركــتَ يا قبــــرَ الرَّسُـــول وبوركــتْ **** بـــلادٌ ثـــوى فيـــــها الـرشيـــــــدُ المســــدَّدُ
وبـــورك لحــدٌ منـــك ضَمّـــَنَ طيِّـــــبــاً ***** عليـــــه بنــاءٌ مــن صفيـــحٍ(13) مُنَضَّـدُ(14)
تهيلُ (15) عليه التربَ أيـــدٍ وأعيــــــنٌ ***** عليـــــــه وقــــد غـــــارت بــــذلك أسعــــــدُ
لقد غيَّبـــوا حِلمْـــاً وعلمــــاً ورحمــــــة ***** عشيـــــةَ عَلّــــــــوهُ الثـــــــرى لا يوسّـــــــَدُ
وراحوا بحــــزنٍ ليــــس فيهــــم نبيُّهــــم**** وقــــــد وهنـــــت منهــــــم ظهـــورٌ وأعضدُ
يُبكَّون من تبـــكي السمــــــاوات يومــــه ***** ومن قد بكتــْه الأرضُ فالنـــاس أكْمـــــَدُ(16)
وهل عدلـــــــت يومـــــاً رزيـــةُ هـــالكٍ ***** رزيــــة يــــــــومٍ مــــات فيـــــــه محـمـــــدُ
تقطَّــع فيــــه منــــزلُ الوحــــي عنهــــم ***** وقد كان ذا نـورٍ يغـــورُ(17) ويُنْجــــــدُ(18)
يدلّ على الرحمـــن من يقتــــــدي بــــــه ***** وينقـــــــذ من هـــــولِ الخــــزايا ويُرشــــــدُ
إمـــامٌ لهــــم يهديهــم الحــقَّ جـــــــاهـداً***** معـلّــــــــِمُ صــــدقٍ إن يُطيعـــوه يَسعــــــَدوا
عفـــوٌ عــن الـزلات يقبـــــَلُ عـــــُذْرَهـم ***** وإن يحسنـــــــوا فـــالله بالخيـــــر أجـــــــودُ
وإن ناب أمـــــرٌ لـم يقـومـــــوا بحمــــلِه **** فمــــن عنـــــــده تيسيــــــــــرُ مــا يتشــــــدَّدُ
فبينا هُـــــمُ فــــــي نعمـــــــةِ الله بينهــــم ***** دليــلٌ بــه نهــــجُ(19) الطريقــــة يُقصَـــــــدُ
عزيزٌ عليه أن يجـــوروا عن الهـــــــدى ***** حـــريـــــصٌ علــــى أن يستقيمــوا ويهتــدوا
عطوف عليهــــــــم لا يُثَنّــــِي جنـــــاحه ***** إلــــى كنـــفٍ(20) يحنـــــو عليهــم ويمهــــد
فبينا هُمُ فـــــي ذلك النـــــــــورِ إذ غـــدا ***** إلــى نــــورهـــم سهمٌ من الموت(21) مقصد
فأصبحَ محمــــوداً إلــــى الله راجـعــــــاً ***** يُبَكِّيــه حَتَّـــى المـــرســلات(22) ويحمــــــدُ
وأمست بلاد الحُرْمِ(23) وحشــاً بقاعُــها ***** لغيبــــة مـا كانــــت مـن الوحــــي تعهـــــــدُ
قفاراً سوى معمورةِ اللحدِ ضـافـــها(24) ***** فقيــــدٌ يُبَكِّينـــه بــــــــلاطٌ(25) وغــرقـــــــدُ
ومسجــــــدُه فـالمـوحشـــــاتُ لفـقــــــده ***** خـــــــــلاءٌ لـــــه فيـــــه مقــــــامٌ ومقعــــــدُ
وبالجمــــرةِ الكبــــرى لــه ثمَّ أوحشـــت ***** ديــــــــــارٌ وعَـرْصــــاتٌ وربــــع ومـــولــدُ
فَبَكِّــــى رســـــول اللهِ يا عيــــنُ عــــبرةً ***** ولا أعرفنْــــكِ الـدهـــــــرَ دمعــــُك يجمـــــدُ
وما لك لا تبكيـــــن ذا النعــــمة التــــــي ***** على النـــاس منها سابــــغٌ(26) يُتَغَمّــــَدُ(27)
فجــــــودي علــــيه بالدمــــوعِ وأعْوِلـي ***** لفقـــــدِ الــذي لا مثــــله الـدهــــــرَ يـوجَــــدُ
وما فتتقد المــاضـــــون مـــــثل محمــــد ****** ولا مثـــــله حَتـــــَّى القيـــــــامة يُفقـــــــــــدُ
أعـــــفَّ وأوفـــى ذمـــة بعـــــــد ذمــــةٍ ***** وأقـــــــربَ منــــــــه نائــــــلاً لا يُنَـكَّــــــــدُ
وأبذلَ منه للطريفِ(28) وتـــالــــــدٍ(29 ****** إذ ضنَّ(30) معطـــاءٌ بمــــا كـان يُتْــلــَدُ(31)
وأكرم صيتاً(32) في البيوت إذا انتـمـــى****** وأكـــــرم جَــــــدّاً أبطحيّـــاً(33) يسَـــــــــوَّد
وأمنــــعَ ذِروات(34) وأثبـت في العـــلا ***** دعائــــــم عِــــزٍّ شــاهقــات(35) تُشيّــــــــــَدُ
وأثبت فـــرعاً في الفـــــروع ومنبتـــــــاً ***** وعوداً غذَاه المزن(36) فالعودُ أغيَـــــــدُ(37)
ربـــــــاه وليـــــــــداً فاستتــــمَّ تمـامـــــُه ***** علـــــى أكـــــرم الخيــــرات ربٌّ ممجّـــــــَدُ
تناهـــــت وصــــاةُ المسـلمــــين بـــكفــِّه ***** فــلا العلـــم محبــوس ولا الرأي يُفْنــــدُ(38)
أقـــول ولا يُلقـــَى لقـولــــي عائــــــــبٌ ***** من النـاسِ إلا عــازبُ العقــل(39) مُبْعَـــــــدُ
ولـيــــــس هــــوايَ نـــازعاً عن ثنـــــائه***** لعلــــِّي بـــه فــي جنـــةِ الخــــلـدِ أخـلـــــــدُ
مع المصطفــى أرجـــو بـــذاك جـــواره ***** وفـــي نيـلِ ذاك اليـوم أسعى وأجهــــــد(40)
وقال حسانُ-أيضاً- يبكي رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:
مـا بــالُ عينــك لا تنـــامُ كــأنـــها ****** كُحِلتْ مآقيها(41) بكُحْلِ الأرمـَدِ(42)
جزعاً على المهديِّ أصبح ثاويــــاً ****** يا خير من وطئ الحَصَى لا تبعـــــــد
وجهي يقيك التربَ لهفي ليتنـــــي ****** غُيِّبْتُ قبلك في بقيــع الغـرقـــــدِ(43)
بأبي وأمي من شهــــدتُ وفاتــــه ****** في يوم الاثنين النَّبـــيّ المهتـــــــــدي
فظللتُ بعـــــد وفاتـــه متبــــــلـداً ****** مُتَلدَّداً(44) يا ليتنـــــي لـم أولـــــــــد
أأُقيــم بعــــــدك بالمدينــــةِ بيهـــم ****** ياليتني صُبَّحتُ(45) سَمَّ الأسـودِ(46)
أو حــلَّ أمــرُ الله فينـــا عاجــــلاً ****** في روحةٍ من يومنــــا أو مـــن غـــدِ
فتقــومُ ساعتُنــا فتلقـــــى طيِّبـــــاً ****** محضاً ضرائبه(47)كريم المَحتدِ(48)
يا بكـــــر آمنـــةَ المبــارك بكرُها ****** ولدته مُحصَنَــةً بسَعْــــدِ الأسعــــــــُدِ
نوراً أضاء علــى البريـــةِ كلّـــِها ****** من يُهْد للنــــور المبــــارك يهتـــــدي
يــا ربُّ فاجمعنــا معـــــاً ونبيّنـــا ****** في جنة تُثني عيـــــون الحُسّــــَدِ(49)
في جنةِ الفـردوسِ فاكتبـــها لنــــا ****** ياذا الجلال وذا العــــلا والسُّــــــؤددِ
والله أسمـــــع ما بقيـــت بهــــالكٍ ****** إلا بكيـتُ علــــى النَّبــــيّ محمـــــــدِ
يا ويح أنصار النَّبــــيّ ورهطــــه ******* بعد المغيــــب في ســواءِ المَلْحدِ(50)
ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحـوا *******سوداً وجوههم كلـــــونِ الإثمـــدِ(51)
ولقـد ولدنـــاه(52) وفينــــا قبــرُه ******* وفضـــولُ نعمتــــه بنـــا لم نجْحـــــدِ
والله أكـرمنـــا بـه وهــــدى بــــه ******* أنصــاره فــي كـل ســاعة مشهـــــــدِ
صلى الإله ومن يحفُّ بعــرشِــــه ******* والطيبون على المبـــــارك أحمـــــــدِ
وقال حسانُ-أيضاً-رَضِيَ اللُه عَنْهُ:
نبِّ المساكيـن أن الخير فارقهم ******مــع النَّبـيّ تولّى عنهم سَحَـــراً
كان الضيــاءَ وكان النورَ نتبَعه****** بعد الإله وكان السمعَ والبصرا
فليتنا يــــوم وارَوه بملحــــــده****** وغيَّبوه وألقَـوْا فوقـه المَــــدَرا
لم يترك الله منــا بعــده أحـــداً ****** ولم يَعِشْ بعـده أُنثـى ولا ذكـرا
ذلت رقابُ بنيِ النجَّــارِ كلِّهــمِ ****** وكان أمراً من أمر الله قد قُـدِرا

وقال حسانُ–أيضاً-:

تالله ما حملت أنثــى ولا وضــــعت ****** مثــلَ الرَّسُــــول نبــيِّ الأمــةِ الهـــادي
ولا بــرى الله خلقـــاً مــن بريتـــــه ****** أوفــى بذمـــة جــــارٍ أو بميـعــــــــــادِ
مــــن الــذي كان فينـا يُستضــاءُ بـه ****** مبـــارك الأمــر ذا عـــدلٍ وإرشـــــــادِ
أمسى نسـاؤك عطَّلـْن البيـوت فمـــا ****** يضربن فــوق قفـــــــا سِتــْرٍ بأوتـــــارِ
مثل الرواهب يَلْبَسْنَ المباذل(53) قد ****** أيقنَّ بالبؤس بعـــد النعمــةِ البـــــــــادي
يا أفضـــل الناسِ إني كنتُ في نَهـَرٍ ****** أصبحتُ منه كمثل المفرد الصادي(54)
بعض أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم في مرضه
مسارة النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: اجتمع نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنده، لم يغادر منهن امرأة، فجاءت فاطمة تمشي لا تخطئ مشيتها مشية أبيها فقال: مرحباً بابنتي، فأقعدها يمينه أو شماله، ثم سارّها بشيء فبكت، ثم سارَّها فضحكت، فقلت لها: خَصّك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالسِّرار وأنت تبكين؟! فلما أن قامت قلت: أخبريني ما سارّك؟ فقالت: ما كنت لأفشي سرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما توفي قلت لها: أسألك لما لي عليك من الحق لما أخبرتيني، قالت: أما الآن فنعم، قالت: سارّني في الأول قال لي: (إن جبريل كان يعارضني في القرآن كل سنة مرة، وقد عارضني في هذا العام مرتين، ولا أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي، فاتقي الله واصبري، فنعم السلف أنا لك) فبكيت، ثم سارّني فقال: (أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة)؟ فضحكت(1).
وفي رواية لمسلم: (وأنك أول أهلي لحوقاً بي)مسلم، كتاب الفضائل، باب فضائل فاطمة بنت النبي (4/1905) رقم (2450).

هلموا أكتب لكم كتاباً:

قال ابن عباس -رضي الله عنه-: لما حُضِر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي البيت رجال منهم عمر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (هلُمَّ أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده)، فقال عمر: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي -صلى الله عليه وسلم- كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي -صلى الله عليه وسلم- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قوموا قال عبيد الله: فكان بن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم(2).
تصدق النبي صلى الله عليه وسلم بما عنده:
روى ابن سعد في الطبقات عن سهل بن سعد قال كانت عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبعة دنانير وضعها عند عائشة فلما كان في مرضه قال: (يا عائشة ابعثي بالذهب إلى علي)، ثم أُغمي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشغل عائشة ما به حتى قال ذلك ثلاث مرات كل ذلك يغمى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويشغل عائشة ما به فبعثت يعني به إلى علي فتصدق به ثم أمسى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الإثنين في جديد(3) الموت فأرسلت عائشة إلى امرأة من النساء بمصباحها فقالت: أقطري لنا في مصباحنا من عُكَّتك(4) السَّمن فإن رسول الله أمسى في جديد الموت(5).
أثر السم الذي أكله في خيبر:
قالت عائشة -رضي الله عنها- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في مرضه الذي مات فيه: (يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوانُ وجَدْتُ انقطاع أبهَري(6) من ذلك السُّم)(7).
هل مات النبي -صلى الله عليه وسلم- شهيداً؟
قال بعض العلماء: إن الله -عز وجل- جمع لنبيه -صلى الله عليه وسلم- بين النبوة والشهادة، فقد خرَّج الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: لأن أحلف بالله تسعاً أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قُتل قتلاً أحب إليَّ من أن أحلف واحدة، وذلك بأن الله -عز وجل- اتخذه نبياً وجعله شهيداً. مسند أحمد (5/220) رقم (3617) و(5/334) رقم (3873) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/34) وفيه زيادة: (أنه لم يقتل) بعد قوله: (واحدة) وقال الهيثمي: (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح)، ورواه أيضاً الحاكم في مستدركه (3/58) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
ويقول ابن ناصر الدمشقي رحمه الله في كتابه "سلوة الكئيب بوفاة الحبيب" ص (110): ولقد حصلت للنبي -صلى الله عليه وسلم- الشهادة، وهي على ما أكرمه الله تعالى زيادة.
آخر وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم-:
لقد ازدادت شدة المرض على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بحيث كان يغمى عليه في اليوم الواحد مرات عديدة، ومع ذلك كله أحب -صلى الله عليه وسلم- أن يفارق الدنيا وهو مطمئن على أمته أن لا تضل من بعده، فأراد أن يكتب لهم كتاباً مفصلاً ليجتمعوا عليه ولا يتنازعوا، فلما اختلفوا عنده -صلى الله عليه وسلم- عدل عن كتابة ذلك الكتاب وأوصاهم بأمر ثلاث ذكر الراوي منها اثنتين:
عن بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى عند موته بثلاث: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم) ونسيت الثالثة(8).
* ومن وصاياه -صلى الله عليه وسلم- وهو يعاني سكرات الموت ما روته عائشة وابن عباس -رضي الله عنهما- قالا: لما نُزِل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذِّرُ مثل ما صنعوا(9).
* وروى الأمام مالك عن عمر بن عبد العزيز قال: كان من آخر ما تكلم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقين دينان بأرض العرب)(10).
* وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول قبل موته بثلاث: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن)(11).
* وعن أنس قال: كانت عامة وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين حضره الموت: (الصلاة وما ملكت أيمانكم)، حتى جعل يغرغر بها في صدره، ولا يفيض بها لسانه(12).
* وعن ابن عباس قال: كشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السَّتر، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- معصوبٌ في مرضه الذي مات فيه، فقال: (اللهم بلغت) ثلاث مرات؛ (إنه لم يبق من مبشرَّات النبوة إلا الرؤيا، يراها المسلم أو تُرى له ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن ركعاً أو ساجداً؛ فإما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقَمِنٌ(13) أن يستجاب لكم)(14).
الساعات الأخيرة من حياة المصطفى:
كان أبو بكر يصلي بالمسلمين، حتى إذا كان يوم الاثنين، وهم صفوف في صلاة الفجر، كشف النبي -صلى الله عليه وسلم- ستر الحجر، ينظر إلى المسلمين وهم وقوف أمام ربهم، ورأى كيف أثمر غرس دعوته وجهاده، وكيف نشأت أمة تحافظ على الصلاة، وتواظب عليها بحضرة نبيها وغيبته، وقد قرت عينه بهذا المنظر البهيج، وبهذا النجاح الذي لم يقدر لنبي أو داعٍ قبله، واطمأن أن صلة هذه الأمة بهذا الدين وعبادة الله تعالى، صلة دائمة، لا تقطعها وفاة نبيها، فملئ من السرور ما الله به عليم، واستنار وجهه وهو منير(15)، قال أنس بن مالك الأنصاري -رضي الله عنه-: إن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي توفي فيه حتى إذا كان يوم الإثنين وهم صفوف في الصلاة فكشف النبي -صلى الله عليه وسلم- ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم يضحك فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أتموا صلاتكم وأرخى الستر فتوفي من يومه (16).
ولما رأى الصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- وما به من خفة انصرف بعض الصحابة إلى أعمالهم، ودخل أبو بكر على ابنته عائشة وقال: ما أرى رسول الله إلا قد أقلع عنه الوجع، وهذا يوم بنت خارجة –إحدى زوجتيه- وكانت تسكن بالسُّنح(17)، فركب على فرسه وذهب إلى منزله(18).
في الرفيق الأعلى:
واشتدت سكرات الموت بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ودخل عليه أسامة بن زيد وقد صمت فلا يقدر على الكلام، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعها على أسامة، فعرف أنه يدعوا له(19)، وأخذت السيدة عائشة رسول الله وأوسدته إلى صدرها بين سحرها(20) ونحرها، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده سواك، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر أليه، فقالت عائشة: آخذه لك، فأشار برأسه نعم، فأخذته من أخيها ثم مضغته ولينته وناولته إياه فاستاك به كأحسن ما يكون الاستياك وكل ذلك وهو لا ينفك عن قوله: (في الرفيق الأعلى)(21).
إن للموت سكرات:
وكان بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- رَكْوَة (22) أو عُلبة(23) فيها ماء فجعل يدخل يده في الماء، فمسح بها وجهه ويقول: (لا إله إلا الله... إن للموت سكرات)، ثم نصب يده فجعل يقول: (في الرفيق الأعلى)، حتى قُبضَ ومالت يده.(24) وفي لفظ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: (اللهم أعني على سكرات الموت)(25).
وفي رواية: أن عائشة -رضي الله عنها- سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصغت إليه قبل أن يموت وهو مسند ظهره يقول: (اللهم اغفر لي، وارحمني وألحقني بالرفيق)(26).
وقد ورد أن فاطمة -رضي الله عنها- قالت: وا كرب أباه، فقال لها: (ليس على أبيك كرب بعد اليوم)، فلما مات قالت: يا أبتاه ... أجاب رباً دعاه، يا أبتاه.. جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه... إلى جبريل ننعاه، فلما دفن -صلى الله عليه وسلم- قالت لأنس كيف طابت أنفسكم أن تحثو على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التراب(27).
مدة مرضه صلى الله عليه وسلم:

قال ابن حجر: "اختُلف أيضاً في مدة مرضه عليه السلام، فالأكثر على أنها ثلاثة عشر يوماً، وقيل بزيادة يوم وقيل بنقصه... وقيل: عشرة أيام، وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه، وأخرجه البيهقي بإسناد صحيح". فتح الباري (7/736).
كيف فارق رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا؟
فارق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدنيا وهو يحكم جزيرة العرب، ويرهبه ملوك الدنيا ويفديه أصحابُه بنفوسهم وأولادهم وأموالهم، وما ترك عند موته ديناراً، ولا درهماً، ولا عبداً، ولا أمة، ولا شيئاً، إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضاً جعلها صدقة(28).
وتوفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير (29)
وكان ذلك يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 11 للهجرة بعد الزوال(30) وله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث وستون سنة(31)، وكان أشد الأيام سواداً ووحشة ومصابا على المسلمين، ومحنة كبرى للبشرية، كما كان يوم ولادته أسعد يوم طلعت فيه الشمس(32).
يقول أنس -رضي الله عنه-: كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء(33)، وبكت أم أيمن فقيل لها: ما يبكيك على النبي، قالت: إني قد علمت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيموت، ولكن إنما أبكي على الوحي الذي رفع عنا(34).
هول الفاجعة وموقف أبي بكر منها:
قال الحافظ ابن رجب: ولما توفي -صلى الله عليه وسلم- اضطرب المسلمون، فمنهم من دُهش فخولط، ومنهم من أقعد فلم يُطق القيام، ومنهم من اعتُقِل لسانه فلم يُطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية(35).

وقال القرطبي مبيناً عظم هذه المصيبة وما ترتب عليها من أمور:


من أعظم المصائب المصيبة في الدين.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي فإنها أعظم المصائب(36)، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة، انقطع الوحي، وماتت النبوة، وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب وغير ذلك، وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه (37)
لقد أذهل نبأ الوفاة عمر -رضي الله عنه- فصار يتوعد وينذر من يزعم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مات ويقول: ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم والله ليرجعن رسول الله كما رجع موسى، فيلقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنه مات(38).
ولما سمع أبو بكر الخبر أقبل على فرس من مسكنه بالسُّنح، حتى نزل، فدخل المسجد، فلم يكلّم الناس، حتى دخل على عائشة فتيمَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مُغشّى بثوب حِبَرة، فكشف عن وجهه، ثم أكبَّ عليه فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليه موتتين، أما الموتة التي عليك فقد متها(39)، وخرج أبو بكر وعمر يتكلم فقال: اجلس يا عمر، وهو ماض في كلامه، وفي ثورة غضبه، فقام أبو بكر في الناس خطيباً بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
أما بعد: فإن من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا هذه الآية: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) آل عمران: 144.
قال عمر: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها علمت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد مات(40).
قال القرطبي: هذه الآية أدل دليل على شجاعة الصديق وجراءته، فإن الشجاعة والجرأة جدُّهما ثبوت القلب عند حلول المصائب، ولا مصيبة أعظم من موت النبي -صلى الله عليه وسلم- فظهرت شجاعته وعلمه، قال الناس: لم يمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم عمر، وخرس عثمان، واستخفى علي، واضطرب الأمر، فكشفه الصديق بهذه الآية حين قدومه من مسكنه بالسُّنح(41).
فرحم الله الصدِّيق الأكبر، كم من مصيبة درأها عن الأمة، وكم من فتنة كان المخرج على يديه، وكم من مشكلة ومعضلة كشفها بشهب الأدلة من القرآن والسنة، التي خفيت على مثل عمر -رضي الله عنه-، فاعرفوا للصديق حقه، واقدروا له قدره. وأحبوا حبيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحبه إيمان وبغضه نفاق(42).
بيعة أبي بكر الصديق بالخلافة:

وبايع المسلمون أبا بكر بالخلافة، في سقيفة بني ساعدة، حتى لا يجد الشيطان سبيلاً إلى تفريق كلمتهم، وتمزيق شملهم، ولا تلعب الأهواء بقلوبهم، وليفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الدنيا وكلمة المسلمين واحدة، وشملهم منتظم، وعليهم أمير يتولى أمورهم، ومنها تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه(43).

الذين قاموا بدفنه صلى الله عليه وسلم

روى أبو يعلى وابن ماجة عن ابن عبَّاس – رضي الله تعالى عنهما – قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول - صلى الله عليه وسلم – دعا العبَّاس رجُلين فقال لأحدهما: اذهب إلى أبي عُبَيْدة بن الجَّراح وكان يضرحُ لأهل مكة، وقال لآخر: (اذهب إلى أبي طلحة، وكان هو الذي يحفر لأهل المدينة، وكان يُلحد فقالوا: اللهم خِرْ لرسولك، فوجدوا أبا طلحة فجيء به ولم يوجَدْ أبو عبيدة فلحد لرسول الله- صلى الله عليه وسلم– ثم دُفن رسول الله-صلى الله عليه وسلم – وسط اللَّيل من ليلة الأربعاء ونزل في حُفرته عليُّ بنُ أبي طالبٍ والفضل، وقُثم بن عبَّاس، وشُقران مولى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وقال أوس ابن خولي وهو أبو ليلى لعلي بن أبي طالب: أنشدك الله، وحظُّنا من رسول الله-صلى الله عليه وسلم– فقال له علي: انزلْ، وكان شُقران مولاهُ أخذ قطيفة حمراءَ كان سول الله-صلى الله عليه وسلم – يلبسُها فدفنها في القبر وقال: واللهُ، لا يلبسهاُ أحد بعدك أبداً فدُفنت مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم –". البيهقي في الدلائل( 7/252).
وروى ابن سعد عن أبي طلحة - رضي الله عنه – نحوه). ابن سعد (2/228).

وروى "الإمام الشافعي"-رضي الله عنه – قال: سُل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – من قبل رأسه). والبيهقي في السنن الكبرى (4/54).
وعن ابن عباس-رضي الله عنه– قال:( وضُع تحت رسول الله-صلى الله عليه وسلم – في قبره قطيفة حمراء). صحيح مسلم (2/665) رقم( 967)، كتاب الجنائز ، باب جعل القطيفة في القبر.

وعن جابر-رضي الله عنه– قال:(رُشَّ على قَبْرِ رسول الله-صلى الله عليه وسلم–الماءُ، قال: وكان الذي رَشَّ على قبره المَاءَ بلال بنْ رباح بقربه، بدءاً من قبل رأسه من شقه الأيمن حتى انتهى إلى رجليه، ثم ضرب الماء على الجدار، ولم يقدر على أن يدور من الجدار). ابن سعد في الطبقات (2/233)، والبيهقي في الدلائل (7/264).
وروى مسدد بسند صحيح عن علي-رضي الله عنه–وأجنانه دون الناس أربعة: علي بن أبي طالب، والعبَّاس، والفضل بن العباس، وصالح مولى رسول الله-صلى الله عليه وسلم – (ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- ألحدَ ونصب عليه اللبن نصباً) صحيح ابن حبان (14/602).
قال الشعبي وأخبرني مرحب أو ابن أبي مرحب أنهم أدخلوا معهم في القبر عبد الرحمن بن عوف. ابن سعد (2/229).

وروى ابن سعد عن ابن شهاب قال: ولي وضع رسول الله-صلى الله عليه وسلم–في قبره هؤلاء الرهطُ الذين غسَّلوه: العباس وعليَّ والفضل وصالح مولاه وخلّي أصحابُ رسول الله-صلى الله عليه وسلم– بين رسول الله-صلى الله عليه وسلم وأهلهِ ...). ابن سعد (2/230).
وعن أنس رضي الله عنه قال: (لمَّا دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة رضي الله عنها : يا أنسُ، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب).
البخاري، الفتح، رقم(7/755).رقم(4462).كتاب المغازي، باب مرض النبي ووفاته.
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن الحارث بن نوفل أن نفراً من أهل العراق، قالوا لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: (يا أبا الحسن، جئناك نسألك عن أمر، نحبُّ أن تنجزنا عنه قال: أظن المغيرة بن شعبة يحدثكم أنه كان أحدث الناسَ عهداً برسول الله-صلى الله عليه وسلم–قالوا: أجل عن ذلك جئنا لنسألك، قال: أحدث الناسِ عهداً برسول الله-صلى الله عليه وسلم–قُتمُ بن العَبَّاس". البيهقي في الدلائل (7/257).
وعن عبد الله بن عبيد الله بن عتبة قال: لمَّا وضع رسول الله-صلى الله عليه وسلم–في لحده ألقى المغيرةُ بن شعبة خاتمهُ في قبر النبي-صلى الله عليه وسلم–فقال علي: إنما ألقيته لتنزل فنزل، فأعطاه إياه أو أمر رجلاً فأعطاه). البيهقي في الدلائل (7/258) والمغازي للواقدي (3/1121).
وكان الذين نزلوا في قبر رسول الله-صلى الله عليه وسلم–عليَّ بن أبي طالب، والفضل بن العباس، وقُثم بن عباس، وشقران مولى رسول الله-صلى الله عليه وسلم –). تاريخ الطبراني 3/213، والمعارف لابن قتيبة 166، وطبقات ابن سعد (2/300)، وأنساب الأشراف (1/577)، وتاريخ الإسلام (السيرة) 581.

وقد قال أوس بن خولي لعلي بن أبي طالب: انزل، فنزل مع القوم، وقد كان مولاه شُقران حين وضع رسول الله-صلى الله عليه وسلم في حُفرته وبنى عليه قد أخذ قطيفة، وقد كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم–يلبسها ويفترشها، فدفنها في القبر، وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك أبداً. قال: فدُفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تاريخ الطبري (3/214).
ولما فُزع من دفنه يوم الثلاثاء، وكانت وفاته يوم الاثنين حين زاغت الشمس قال علي: قد سمعنا همهمة ولم نر شخصاً، سمعنا هاتفاً يقول: ادخلوا رحمكم الله فصلّوا على نبيكم.
ثم دفن من وسط الليل، ليلة الأربعاء، وكانت مدة شكواه ثلاثَ عشر ليلة. ولما دفُن-عليه الصلاة والسلام – قالت فاطمة ابنته:
اغبَّر آفـاقُ السمـاء وكــــَوَّرتْ **** شمسُ النهارِ وأظلـــمَ العصــــران
فالأرض من بعد النبي كئـيبــة **** أسـفــــاً عليـــــه كثــيرةٌ الـرجــفانِ
فليبكه شرقُ البــلاد وغربـــها **** ولتبـــكه مضـJJـــرٌ وكــل يمــــان
وليبكه الطـــودُ المعـظّم جــوُّه **** والبـيــت ذو الأستــــار والأركــان
يا خاتم الرُّسلِ المبَارك ضوؤه **** صلَّــى عليـــك مُـنــزلُ الفـرقــــان

مرض النبي صلى الله عليه وسلم

بدء الشكوى:

قال محمد بن إسحاق: رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حجة الوداع في ذي الحجة، فأقام بالمدينة بقيته والمحرم وصفراً، وبعث أسامة بن زيد، فبينا الناس على ذلك ابتدئ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شكواه الذي قبضه الله فيه إلى ما أراده الله من رحمته وكرامته في ليالٍ بقين من صفر، أو في أول شهر ربيع الأول، فكان أول ما ابتدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما ذكر لي، أنه خرج إلى بقيع الغرقد من جوف الليل فاستغفر لهم ثم رجع إلى أهله، فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك(1).

النبي في البقيع وزيارته قتلى أحد وصلاته عليهم:

عن أبي مويهبة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جوف الليل فقال: (يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي)، فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال: (السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهنئ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، الآخرة شرٌ من الأولى(2))، ثم أقبل عليَّ فقال: (يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة)، قال فقلت: بأبي أنت وأمي خذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، قال: (لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة)، ثم استغفر لأهل البقيع، ثم انصرف، فبدأ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعه الذي قبضه الله فيه(3).
ومن حديث عقبة بن عامر الجهني -رضي الله عنه- قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلَّى على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر، فقال: (إني بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه وأنا في مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها)، فقال عقبة: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم(4).

وارأساه!!

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: رجع إلي النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم من جنازة من البقيع فوجدني، وأنا أجد صداعاً وأنا أقول: وارأساه، قال: (بل أنا يا عائشة وارأساه وما ضرك لو مِت قبلي فغسلتك وكفنتك، وصليت عليك ودفنتك)، فقلت: لكأني بك -والله- لو فعلت ذلك لرجعت إلى بيتي فعرست فيه ببعض نسائك، فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم بدأ وجعه الذي مات فيه(5).
وهذا الحديث أصله في البخاري قالت عائشة: وارأساه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك)، فقالت عائشة: واثكلياه!! والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذاك لظللت آخر يومك مُعَرِّساً ببعض أزواجك، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بل أنا وارأساه)(6).

في بيت ميمونة:

عن عائشة قالت: أول ما اشتكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت ميمونة فاستأذن أزواجه أن يمرَّض في بيتها فأذِنَّ له(7)

في بيت عائشة:

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما ثقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واشتد وجعه استأذن أزواجه في أن يمرَّض في بيتي، فأذن له فخرج وهو بين رجلين، تخط رجلاه في الأرض؛ بين عباسٍ ورجل آخر، قال ابن عباس: هو عليٌّ. قالت: ولما دخل بيتي اشتد وجعُه، قال: (أهريقوا علي من سبع قرب لم تُحلل أوكيتهن(8)، لعلي أعهد إلى الناس)، فأجلسناه في مِخْضَب(9) لحفصة، ثم طَفِقْنا(10) نَصُبُّ عليه من تلك القرب، حتى طَفِقَ يشير إلينا بيده أن قد فعلتنَّ، ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم (11)
وقالت عائشة: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟) يريد يومي فإذنَ له أزواجُه أن يكون حيث شاء فكان في بيتي حتى مات في اليوم الذي كان يدور عليَّ فيه، وقبضه الله وإن رأسه لبين نحري(12) وسحري(13)، وخالط ريقه ريقي، ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يسنتنَّ به، فنظر -صلى الله عليه وسلم- إليه، فقلت: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه، فقضمتُه(14)، ثم مضغتُه، فأعطيتُه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستنّ به، وهو مستندٌ إلى صدري(15).

وصيته -صلى الله عليه وسلم- بالأنصار:

ولما اشتد الوجع برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجد العباس رضي الله عنه قوم من الأنصار يبكون، فقال لهم ما يبكيكم؟ قالوا ذكرنا مجلسنا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فدخل العباس عليه -صلى الله عليه وسلم- فأخبره فعُصِّب بعصابة دسماء(16)، أو قال: بحاشية برد(17)، وخرج وصعد المنبر ولم يصعَدْ بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي(18)، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم)(19).
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه ملحفة متعطفا بها على منكبيه وعليه عصابة دسماء حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أما بعد أيها الناس فإن الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام فمن ولي منكم أمراً يضر فيه أحداً أو ينفعه فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم) (20)
أمره صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس:
لما اشتد بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الوجع والحمى، ولم يستطع الخروج للصلاة بالناس أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، وكان ذلك منه في الأيام الأخيرة من مرضه.

عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: دخلت على عائشة فقلت ألا تحدثيني عن مرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: بلى ثقل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (أصلى الناس؟) قلنا: لا هم ينتظرونك، قال: (ضعوا لي ماء في المخضب) قالت: ففعلنا فاغتسل فذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال -صلى الله عليه وسلم-: (أصلى الناس؟) قلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: (ضعوا لي ماء في المخضب) قالت: فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: (أصلى الناس؟)، قلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: (ضعوا لي ماء في المخضب)، فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: (أصلى الناس؟)، فقلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول الله، والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي -عليه السلام لصلاة- العشاء الآخرة، فأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس، فأتاه الرسول فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر وكان رجلا رقيقاً: يا عمر صل بالناس، فقال له عمر: أنت أحق بذلك، فصلى أبو بكر تلك الأيام، ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- وجد من نفسه خفة، فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن لا يتأخر، قال أجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، قال: فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- والناس يصلون بصلاة أبي بكر، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قاعد(21).

وقالت عائشة رضي الله عنها: لما مرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن بلال، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مروا أبا بكر فليصل بالناس)، فقيل له إن أبا بكر رجل أسيف(22) إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وأعاد فأعادوا له، فأعاد الثالثة فقال: (إنكن صواحب يوسف(23) مروا أبا بكر فليصل بالناس)، فخرج أبو بكر فصلى فوجد النبي -صلى الله عليه وسلم- من نفسه خفة فخرج يهادي بين رجلين كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن مكانك ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه. قيل للأعمش وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر! فقال برأسه نعم(24).

قراءة عائشة المعوذات عليه صلى الله عليه وسلم:

عن عروة بن الزبير -رضي الله عنهما- أن عائشة -رضي الله عنها- أخبرته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات، ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه، طفِقْتُ أنفث على نفسه بالمعوَّذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه (25)

شدة الحمى التي نزلت بالنبي صلى الله عليه وسلم:

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: وضع رجل يده على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: والله ما أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حُمَّاك، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنا معشر الأنبياء يُضاعفُ لنا البلاءُ كما يُضاعف لنا الأجرُ. إن كان النبي من الأنبياء يُبتلى بالقمل حتى يَقْتُلَهُ، وان كان النبي من الأنبياء ليُبتلي بالفقر حتى يأخذ العباءة فيجوبها (26) وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما تفرحون بالرخاء) (27)
قالت عائشة: ما رأيت رجلاً أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
البخاري مع الفتح، كتاب المرضى، باب شدة المرض (5646)، مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثوب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها(4/1990) رقم (2570).

وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يوعك وعكاً شديداً فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكاً شديداً‍! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم)، فقلت: ذلك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أجل)، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها) البخاري مع الفتح، كتاب المرضى، باب وضع اليد على المريض (5660)، مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثوب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها (4/1991) رقم (2571).

عظم المصيبة بوفاته صلى الله عليه وسلم

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في أحداث سنة إحدى عشرة من الهجرة: استهلت هذه السنة وقد استقر الركابُ الشريف النبوي بالمدينة النبوية المطهرة، مرجعه من حجة الوداع.

وقد وقعت في هذه السنة أمورٌ عظام، من أعظمها حطباً وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكنه عليه السلام نقله الله -عز وجل- من هذه الدار الفانية إلى النعيم المقيم الأبدي، في محلة عالية رفيعة، ودرجة في الجنة لا أعلى منها ولا أسنى، كما قال تعالى: (وللآخرة خير لك من الأولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى)الضحى: 4-5، وذلك بعد ما أكمل أداء الرسالة التي أمره الله بإبلاغها ونصح أمته، ودلهم على خير ما يعلمه لهم، وحذرهم ونهاهم عما فيه مضرة لهم في دنياهم وآخراهم (1)
لقد كانت وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أعظم حدث مر بالمسلمين فأذهل عقولهم، وزلزل أركانهم، وأفقدهم الوعي والفكر والفهم.

قال الحافظ ابن رجب: ولما توفي -صلى الله عليه وسلم- اضطرب المسلمون، فمنهم من دُهش فخولط، ومنهم من أقعد فلم يُطق القيام، ومنهم من اعتُقِل لسانه فلم يُطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية(2).

وقال الإمام أبو بكر ابن العربي: بعد أن استأثر الله بنبيه -صلى الله عليه وسلم- وقد أكمل له ولنا دينه، وأتم عليه وعلينا نعمته، كما قال تعالى: (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)المائدة: 3. وما من شيء في الدنيا يكمُلُ إلا وجاءه النقصان ليكون الكمال الذي يراد به وجه الله خاصة، وذلك العمل الصالح والدار الآخرة فهي دار الله الكاملة.

واضطربت الحال، ثم تدارك الله الإسلام ببيعة أبي بكر، فكان موت النبي -صلى الله عليه وسلم- قاصمة الظهر ومصيبة العمر؛ فأما علي فاستخفى في بيته مع فاطمة، وأما عثمان فسكت، وأما عمر فأهجر(3) وقال: ما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واضطرب أمر الأنصار يطلبون الأمر لأنفسهم أو الشركة فيه مع المهاجرين، وانقطعت قلوب الجيش الذي كان قد برز مع أسامة بن زيد بالجرف(4).
وقد بين الحافظ ابن كثير عظم الخطب وشدة البلاء واضطراب الأمر فقال مصوراً حال المسلمين: فاشتدت الرزيةُ بموته صلى الله عليه وسلم وعظُم الخطب، وجلَّ الأمر وأصيب المسلمون بنبيهم، وأنكر عمر بن الخطاب ذلك، وماج الناس، وجاء الصديق المؤيد المنصور -رضي الله عنه- أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، فأقام الأوَد(5)، وصدع بالحق وخطب الناس(6)

قال ابن عبد البر: ولم يصدق عمر بموته، وأنكر على من قال: مات وخرج إلى المسجد، فخطب وقال في خطبته: إن المنافقين يقولون: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي، والله ما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم، والله ليرجعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما رجع موسى فليقطعن أيدي رجالٍ وأرجلهم، زعموا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مات(7).

وأخرج ابن سعد عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحزن عليه رجال من أصحابه حتى كاد بعضهم يوسوس!! فكنت ممن حزن عليه، فبينا أنا جالس في أُطم من آطام المدينة(8) -وقد بويع أبو بكر- إذ مر بي عمر فسلم علي فلم أشعر به لما بي من الحُزن(9).

وقال أبو ذؤيب الهذلي: قدمت المدينة، ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلوا جميعاً بالإحرام، فقلت: مه!! فقالوا: قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

لقد حزن عليه -صلى الله عليه وسلم- أصحابه حزناً شديداً وكانت الواقعة عليهم عظيمة، لم يطق بعضهم أن يتحمل تلك الصدمة التي تلقها عندما سمعوا بموت حبيبهم الذي كانوا يجالسونه ويسمعون كلامه، ويتلوا عليهم آيات ربهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويخرج معم للقتال ويشاركهم في شؤون حياتهم، وبفقده فقد انتهى ذلك كله. حقاً إنها لمصيبة عظيمة، وخطب جلل، عليهم وعلى الأمة جميعاً أولها وآخرها.

وكيف لا تكون كذلك وهو الرحمة المهداة، والبشير النذير، الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبودية المخلوقات إلى عبودية رب الأرض والسماوات، ولكن التسليم لقضاء الله وقدره يجعل المؤمن راضياً بما قضى ويستسلم لما نزل.
ولم يصب المؤمن بمصيبة مثل ما أصيب بموت الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مُصابه بي فإنها أعظم المصائب)(10).
وقال ابن رجب: كل المصائب تهون عند هذه المصيبة... قال أبو الجوزاء: كان الرجل من أهل المدينة إذا أصابته مصيبة جاء أخوه فصافحه ويقول: يا عبد الله اتق الله، فإن في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.

تذكــــــرتُ لمـــا فــرقَ الدهــرُ بيننـــا *** فعـزيــتُ نفســـي بالنــبي مـحمــــد
وقـلــــتُ لـــهـا إنَّ المنـــــايا سـبيلنـــا *** فمـن لم يمـتْ في يومه مات في غد
كانت الجمادات تتصدع من ألم مفارقة الرسول، فكيف بقلوب المؤمنين!!

لما فقده الجذع الذي كان يخطب إليه قبل اتخاذ المنبر حن إليه وصاح كما يصيح الصبي، فنزل إليه فاعتنقه، فجعل يُهَدَّى(11) كما يُهَدَّى الصبي الذي يُسَكَّن عند بكائه فقال: (لو لم أعتنقه لحن إلى يوم القيامة)(12).

كان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى وقال: هذه خشبة تحن إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه(13)، وروي أن بلالاً كان يؤذن بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل دفنه فإذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله ارتج المسجد بالبكاء والنحيب، فلما دفن ترك بلال الأذان.
وتُلفِتُ أم أيمن نظرنا إلى أمر آخر عظيم أصيب به المسلمون بوفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو انقطاع الوحي من السماء، قال أبو بكر لعمر -رضي الله عنهما-: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها، فلما انتهيا إليها بكت، فقال لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله، قالت: والله ما أبكي أن لا أكون أعلم ما عند الله خير لرسوله، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها(14).

وذكر موسى بن عقبة في قصة وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أن الناس رجعوا حين فرغ أبو بكر من خطبته وأم أيمن قاعدة تبكي، فقيل لها: ما يبكيك يا أم أيمن؟ قد أكرم الله -عز وجل- نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وأدخله جنته، وأراحه من نصب الدنيا، فقالت: إنما أبكي على خبر السماء، كان يأتينا غضاً جديداً كل يوم وليلة فقد انقطع ورفع وعليه أبكي... فعجب الناسُ من قولها(15).

النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث

روى الإمام أحمد عن أبي هريرة-رَضِيَ اللهُ عنهُ – قال: قال رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -:(لا يقتسم ورثتي ديناراً، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة) المسند (2/495).
وقد رواه البخاري ومسلم وأبو داود من طرق عن مالك بن أنس عن أبي الزناد عبد الله ابن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة: أن رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ– قال:(لا يقتسم ورثتي ديناراً، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة). لفظ البخاري كتاب الفرائض باب قول النَّبيِّ لا نورث ما تركنا صدقة (12/8) رقم (6729).

وعن عائشة-رَضِيَ اللهُ عنهُا –:أن أزواج النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ–حين تُوفِّيَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ –أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر ليسألنه ميراثهن، فقالت عائشة: أليس قد قال رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: (لا نورث ما تركنا صدقة) رواه البخاري كتاب الفرائص باب قول النَّبيّ ما تركنا صدقة (12/8) رقم (6730)، ومسلم كتاب الجهاد والسير باب قول النَّبيّ ما تركناه فهو صدقة (3/1379) رقم (1758).

وعن عائشة -رَضِيَ اللهُ عنهُا-:أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر-رَضِيَ اللهُ عنهُ –يلتمسان ميراثهما من رسول الله وهما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك، وسهمه من خيبر. فقال لهما أبوبكر: سمعت سول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ –يقول:(لا نُورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال). قال أبوبكر والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ –يصنعه فيه إلا صنعته.
البخاري- الفتح- كتاب الفرائض، باب قول النَّبيّ ما تركنا صدقة (12/7) رقم (6725).
وعن مالك بن أوس بن الحدثان قال: أرسل إليَّ عمر بعدما تعالى النهار، قال: فذهبت فوجدته على سرير مفضياً إلى رماله فجاء يرفأ، فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في عثمان وعبد الرحمن وسعد والزبير بن العوام؟ قال: نعم إئذن لهم. فدخلوا عليه، ثم جاء يرفأ فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في العباس وعلي، قال: نعم فأذن لهما، فدخلا عليه. ثم أقبل عمر على أولئك الرهط فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض تعلمون أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – قال: (لا نورث ما تركنا صدقة؟) قالوا: نعم. فقال عمر للعباس وعلي عليهما السلام: توفي رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ– فقال أبوبكر: أنا ولي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – فجئتما إلى أبي بكر، تطلب أنت–للعباس-ميراثك من ابن أخيك. ويطلب هذا – يعني علياً- ميراث امرأته من أبيها. فقال أبوبكر: قال رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: (إنا لا نورث ما تركنا فهو صدقة). قال عمر: إن الله خصَّ رسوله بخاصة لم يخص بها أحداً من الناس، فقال: (ما أفاء الله على رسول الله منهم فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركاب). الحشر: 6. فكان مما أفاء الله على رسوله بني النضير، فو الله ما استأثر بها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – ولا أخذها دونكم، فكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – إنما يأخذ منها نفقته سنة أو نفقته ونفقة أهله سنةً، ويجعل ما بقي أسوة المال..)


رواه مسلم كتاب الجهاد والسير باب حكم الفيء (3/1377) رقم (1757)، والبخاري نحوه البخاري ،كتاب المغازي، باب حديث بني النضير (7/389) رقم (4034).

فالذي تركه النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-بعد موته صدقة على المسلمين، وإنما يعطى أهل بيته وأهله ما يكفيهم من هذا المال. والباقي يُصرف في مصالح المسلمين، وذلك لما ورد صريحاً عنه-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.

الإرث الحقيقي الذي ورثه:

لقد خرج النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ –من هذه الحياة الدنيا، ولم يترك شيئاً من عرضها الزائل لأحدٍ بعده، وخرج منها كما دخل إليها، وقد ترك بها للناس هذا الدين القيم ومهد فيها لهذه الحضارة الإسلامية الكبرى التي تفيأ العالم ظلاها من قبل، وسيتفيأ ظلالها من بعد، وأقر فيها التوحيد، وجعل فيها كلمة الله العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، وقضي فيها على الوثنية في كل صورها ومظاهرها القضاء المبرم، ودعا الناس فيها أن يتعاونوا على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، وترك من بعده كتاب الله هدى للناس ورحمة، وكان فيها المثل الأسمى والأسوة الحسنة. وترك هذا العالم مخلفاً هذا الميراث الروحي العظيم الذي لا يزال ينتشر في العالم حتى يتم الله كلمته، وينصر دينه على الدين كله ولو كره الكافرون.

فالأنبياء لم يكن ميراثهم الدنيا؛ وإنما كان ميراثهم الذي ورَّثوه الشرع الذي أمرهم الله به، فعن أبي الدرداء - رَضِيَ اللهُ عنهُ – قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – يقول: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العالم رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات والأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر). رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي، وحسنه الألباني في" صحيح الترغيب والترهيب"(33).

وقد كان الصحابة يعلمون أن الميراث الذي تركه لهم هو الدين.

فقد مرَّ أبو هريرة بسوق المدينة فوقف عليها فقال: يا أهل السوق! ما أعجزكم قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: ذاك ميراثُ رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – يُقسَّم، ولا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه؟ قالوا: وأين هؤلاء؟ قال: في المسجد، فخرجوا سراعاً ، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم: وما لكم؟ فقالوا: يا أبا هريرة! قد أتينا المسجد فدخلنا فيه، فلم نر فيه شيئاً يُقسَّم، فقال لهم أبو هريرة: وما رأيتم في المسجد أحداً ؛ قالوا: بلى رأينا قوماً يصلون، وقوماً يقرأون القرآن، وقوماً يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عنهُ -: ذلك ميراث محمد. قال الألباني: حسن موقوف، "صحيح الترغيب والترهيب" ( 83)، فميراث النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – الحقيقي الذي ورثه هو الدين؛ هو العلم الذي أخذه عنه الصحابة، ومن بعدهم التابعون ثم الأمة من بعد، فهذا الميراث لا زالت الأمة تنهل منه حتى يأتي أمر الله.

5- شبــهة وردهــا:

ادعت الرافضة أن أبا بكر قد منع فاطمة والعباس من سهمهما من فَدَك، وخيبر، ولم يعطهما من هذا الميراث الذي تركه النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ .
قال ابن كثير: وقد تكلمت الرافضة في هذا المقام بجهل، وتكلفوا ما لا علم لهم به، وكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، ولما يأتهم تأويله، وأدخلوا أنفسهم فيما لا يعنيهم، وحاول بعضهم أن يرد خبر أبي بكر - رَضِيَ اللهُ عنهُ – فيما ذكر، وذلك بأنه مخالف للقرآن، حيث يقول الله - تعالى-: (وورث سليمان داود)النمل: 16، وحيث قال تعالى إخباراً عن زكريا أنه قال: (فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربِّ رضياً)مريم:5-6.


واستدلالاتهم بهذا باطل من وجوه :

أحدها: أن قوله (وورث سليمان داود)النمل: 16 إما يعني بذلك في الملك والنبوة، أي جعلناه قائماً بعده فيما كان عليه من الملك وتدبير الرعايا، والحكم بين بني إسرائيل، وجعلناه نبياً كريماً كأبيه، وكما جمع لأبيه الملك والنبوة كذلك جعل ولده بعده، وليس المراد بهذا وراثة المال؛ لأن داود كما ذكره كثير من المفسرين كان له أولاد كثيرون يقال مائة، فلم اقتصر على ذكر سليمان من بينهم لو كان المراد وراثة المال؟ إنما المراد وراثة القيام بعده بالنبوة والملك، ولهذا قال: (وورث سليمان داود). وقال: (يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين)النمل: 16. وما بعدها من الآيات.
وأما قصة زكريا فإنه - عليه السلام- من الأنبياء الكرام، والدنيا كانت عنده أحقر من أن يسأل الله ولداً لميراثه في ماله؟ وإنما كان نجاراً يأكل من كسب يده. رواه البخاري(1)، ولم يكن ليدخر منها فوق قوته حتى يسأل الله ولداً يرث عنه ماله – أن لو كان له ماله- وإنما سأل ولداً صالحاً يرثه في النبوة، والقيام بمصالح بني إسرائيل، وحملهم على السداد، ولهذا قال تعالى: (كهيعص ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)مريم: 1-6. القصة بتمامها
فقال: ولياً يرثني من آل يعقوب، يعني النبوة كما قررنا ذلك في التفسير ولله الحمد والمنة، وقد تقدم رواية أبي سلمة عن أبي هريرة عن أبي بكر أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – قال: (النَّبيّ لا يُورث) وهذا اسم جنس يعم كُلَّ الأنبياء، وقد حسَّنه الترمذي وفي الحديث الآخر: (نحن معشر الأنبياء لا نُورث) رواه أحمد.

والوجه الثاني: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – قد خُصَّ من بين الأنبياء بأحكام لا يشاركونه فلو ندر أن غيره من الأنبياء يورثون – وليس الأمر كذلك- لكان ما رواه من ذكرنا من الصحابة الذين منهم الأئمة الأربعة، أبوبكر وعمر وعثمان وعلي مبيناً لتخصيصه بهذا الحكم دون ما سواه.
والثالث: أنه يجب العمل بهذا الحديث والحكم بمقتضاه كما حكم به الخلفاء، واعترف بصحته العلماء، سواء كان من خصائصه أم لا. فإنه قال: (لا نورث ما تركناه صدقة) إذ يحتمل من حيث اللفظ أن يكون قوله عليه السلام: (ما تركناه صدقة) أن يكون خبراً عن حكمه أو حكم سائر الأنبياء معه، على ما تقدم وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون إنشاء وصيته كأنه يقول: لا نورث؛ لأن جميع ما تركناه صدقة، ويكون تخصيصه من حيث جواز جعله ماله كله صدقة، والاحتمال الأول أظهر، وهو الذي سلكه الجمهور، وقد يُقوَّى المعنى الثاني بما تقدم حديث مالك وغيره عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عنهُ – أن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – قال: (لا يقتسم ورثتي ديناراً ولا درهماً، ما تركت بعد نفقة نسائي ومُؤنة عاملي فهو صدقة)


البخاري كتاب الوصايا باب نفقة القيم للواقف (5/476) رقم (2776)، ومسلم كتاب الجهاد والسير باب قول النَّبيّ لا نورث ما تركنا فهو صدقة (3/1382) رقم (1760).


وهذا اللفظ مخرج في الصحيحين، وهو يرد تحريف من قال من الجهلة من طائفة الشيعة في رواية هذا الحديث ما تركناه صدقة بالنصب جعل – ما- نافية، فكيف يصنع بأول الحديث، وهو قوله: (لا نُورث؟) وبهذه الرواية (ما تركت بعد نفقة نسائي ومُؤنة عاملي فهو صدقة). وما شأن هذا إلا كما حكى بعض المعتزلة أنه قرأ على شيخ من أهل السنة، (وكلم الله موسى تكليماً)النساء: 164، بنصب الجلالة. فقال له الشيخ: ويحك كيف تصنع بقول الله تعالى: (فلما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه)الأعرف: 143 ؟
والمقصود أنه يجب العمل بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: (لا نورث ما تركنا صدقة). على كل تقدير احتمله اللفظ والمعنى فإنه مخصص لعموم آية الميراث، ومخرج له - عليه السلام- منها، إما وحده أو مع غيره من إخوانه الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام. البداية والنهاية (3/253-254). رحم الله ابن كثير رحمة واسعة.

قال حماد بن سلمة: والذي جاءت به الروايات الصحاح فيما طلبه العباس وفاطمة وعلي لها، وأزواج النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – من أبي بكر - رَضِيَ اللهُ عنهُم جميعاً – إنما هو الميراث حتى أخبرهم أبو بكر والأكابر من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – أنه قال: (لا نورث ما تركنا فهو صدقة) فقبلوا ذلك، وعلموا أنه الحق، ولو لم يقل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ذلك كان لأبي بكر وعمر فيه الحظ الوافر بميراث عائشة وحفصة-رَضِيَ اللهُ عنهُا–فآثروا أمر الله وأمر رسوله، ومنعوا عائشة وحفصة ومن سواهما ذلك. ولو كان رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ–يُورث لكان لأبي بكر وعمر أعظم الفخر به أن تكون ابنتاهما وارثتي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.

فأما ما يحكيه قوم أن فاطمة-رضي الله عنها-طلبت فدك، وذكرت أن رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ– أقطعها إياها، وشهد لها علي عليه السلام، فلم يقبل أبو بكر شهادته؛ لأنه زوجها، فهذا أمر لا أصل له، ولا تثبت به رواية أنها ادعت ذلك، وإنما هو أمر مفتعل لا ثبت فيه، وإنما طلبت وادعت الميراث هي وغيرها من الورثة، وكان النظر والدعوى في ذلك، وقد بينا ما جاءت به الروايات الصحاح فيه، وإنما طلبت هي، والعباس عليهما السلام من فدك وغيرها مما خلف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – الميراث، ولم تذكر أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – أقطعها إياها، بل كان طلبها من فدك، وغير فدك ميراثها. تركة النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – والسبل التي وجهها فيها (ص86).

ميراثُ النَّبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ)

1-أملاك النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ:

لقد كان للنَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ–في حياته من السِّلاحِ، والأثاثِ، والخيلِ، والدَّوابِّ، والكِسْوةِ، والمنائحِ واللِّقاحِ، وغير ذلك من الأشياء التي لابُدَّ له منها، وكان له أرضٌ بِفَدَك وخَيِبَر.
وقد ذَكَرَ ابنُ القَيِّمِ رحمه الله سلاحَهُ وأثاثَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ،فَقَالَ: كانَ له تسعة أسياف:
مأثور: هو أول سيف ملكه، ورثه من أبيه.
والعضب، وذو الفِقَار، بكسر الفاء، وبفتح الفاء، وكانَ لا يكادُ يُفارِقُهُ، وكانت قائمتُهُ وقبيعتُهُ وحلقتُهُ وذؤابتُهُ وبكراتُهُ، ونعلُهُ من فِضَّةٍ. والقلعي والبتَّار، والحتف، والرَّسوب، والمِخْذَم، والقضيب، وكان نَعْلُ سيفِهِ فِضَّةً، وما بين ذلك حلق فضة.
وكان سيفُهُ ذو الفقار تنفَّلَهُ يوم بدر، وهو الذي أُري فيه الرُّؤيا(1)؛ودَخَلَ يوم الفتحِ مَكَّةَ، وعلى سيفِهِ ذهبٌ وفِضَّةٌ.

وكان له سبعةُ أدرعٍ:

ذاتُ الفُضُولِ: وهي التي رهنها عندَ أبي الشَّحمِ اليهوديِّ على شعيرٍ لعيالِهِ، وكان ثلاثينَ صاعاً، وكان الدَّينُ إلى سنةٍ، وكانتِ الدِّرعُ من حديدٍ وذات الوِشَاحِ، وذات الحواشي، والسَّعدية، وفضة، والبتراء، والخِرْنِق.
وكان له سِتُ قِسِيٍّ: الزَّوراء، والرَّوحاء، والصفراء، والبيضاء، وال كتوم كُسِرَتْ يوم أحد، فأخذها قتادةُ بن النُّعمانِ، والسداد.
وكانت له جُعبةٌ تُدعى: الكافور، ومنطقة من أديم منشور فيها ثلاث حلق من فضة، والأبزيم من فِضَّة، والطرف من فضة، وكذا قالَ بعضُهم.
وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّة: لم يبلغْنا أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ– شدَّ عَلَى وَسَطِهِ منطقةً.
وكان له تُرسٌ يُقال له: الزَّلوق، وترس يُقَال له: الفُتَق، قيل: وتُرسٌ أُهديَ إليه، فيه صورةُ تمثالٍ، فوضع يدَهُ عليه، فأذهب اللهُ ذلك التَّمثالَ.
وكانتْ له خمسةُ أرماحٍ، يُقَالُ لأحدِهِم: المُثوي، والآخر: المُثْني.
وحَرْبةٌ يُقالُ لها: النبعة، وأخرى كبيرة تُدعى: البيضاء، وأُخرى صغيرة، شبه العُكَّاز يُقالُ لها: العنزة يُمشى بها بين يديه في الأعياد، تُركز أمامه، فيتخذها سترة يُصلِّي إليها، وكان يمشي بها أحياناً.
وكان له مِغْفرٌ من حديدٍ يُقَالُ له: الموشَّحُ، وُشِّحَ بشبهٍ(النحاس الأصفر)،ومِغْفَر آخر يُقال له: السَّبوغ، أو: ذو السبوغ.
وكان له ثلاث جباب يلبسُها في الحربِ: قيل فيها: جُبَّةُ سندسٍ أخضر، والمعروفُ أنَّ عُروةَ بنَ الزُّبيرِ كَانَ لَهُ يلمق(هو القباء، فارسي مُعرَّب)من ديباج، بطانته سندس أخضر، يلبسه في الحرب، والإمام أحمدُ في إحدى روايتيِهِ يُجوِّزُ لُبسَ الحريرِ في الحربِ.
وكانت له رايةٌ سوداء يُقَالُ لها: العُقَاب. وفي "سُنن أبي داودَ" عن رَجُلٍ من الصَّحَابةِ، قَالَ: رأيتُ رايةَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ صفراء، و كانت له ألويةٌ بيضاءُ، وربما جعل فيها الأسود.
وكان له فِسَطاطٌ يُسمَّى: الكن، ومحجن قدر ذراع أو أطول، يمشي به ويركب به ويعلقه بين يديه على بعيره، ومِخصَرة تُسمَّى: العُرْجُون، وقضيب من الشَّوحطِ يُسمَّى: الممشوق. قيل: وهو الذي كان يتداوله الخلفاء.
وكان له قدح يُسمَّى: الرَّيَّان، ويسمى مغنياً وقدح آخر مضبب بسلسة من فضة.
وكان له قدح من قوارير، وقدح من عيدان يوضع تحت سريره يبول فيه بالليل، وركوة تُسمَّى: الصادر، قيل وتور من حجارة يتوضأ منه، ومخضب من شبهٍ. وقعب يُسمَّى: السعة، ومغتسل من صُفْر ومدهن، وربعة يجعل فيها المرآة والمشط. قيل: وكان المشط من عاج، وهو الذَّبْلُ، ومكحلة يكتحل منها عند النوم ثلاثاً في كل عين بالإثمد، وكان في الربعة المقراضان والسواك.
وكانت قصعة تسمى: الغراء، لها أربع حلق، يحملها أربعة رجال بينهم، وصاع، ومد، وقطيفة، وسرير قوائمه من ساج، أهداه له سعد بن زُرارة، وفراش من أدم حشوه ليف.

وهذه الجملة قد رُويت متفرقة في أحاديث.

وقد روى الطبراني في (معجمه) حديثاً جامعاً في الآنية من حديث ابن عباس قال: (كان لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – سيف قائمته من فضة، وقبيعته من فضة، وكان يُسمَّى ذا الفقار، وكانت له قوس تسمى: السداد، وكانت له كنانة تسمى الجمع، وكانت له درع موشَّحة بالنحاس تُسمَّى: ذات الفضول، وكانت له حربة تسمى: النبعاء، وكان له محجن يسمى: الدقن، وكان له ترس أبيض يسمى الموجز، وكان له فرس أدهم يسمى السَّكْب، وكان له سرج يسمى: الداج، وكانت له بغلة شهباء تسمى دُلدُل، وكانت له ناقة تسمى: القصواء، وكان له حمار يسمى: يعفور، وكان له بساط يسمى: الكن، وكانت له عنزة تسمى: القمرة، وكانت له ركوة تسمى: الصادرة، وكانت له مقراض اسمه: الجامع، ومرآة، وقضيب شوحط يسمى: الموت).

أما دوابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ:

فمن الخيل: السَّكْب. والمُرْتجز، واللحيف، واللزاز، والظَّرب، وسَبْحَة، والوَرْدُ، فهذه سبعة متفق عليها، جمعها الإمام أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن جماعة الشافعي في بيت فقال:
والخيلُ سَكْبٌ لُحَيْفٌ سَبْحةٌ ظَرِبٌ لِزَازُ مرتجزٌ وَرْدٌ لَها اسْرَارُ
وكان له من البغال دُلدُل، وكانت شهباء، أهداها له المقوقِس. وبغلة أخرى يقال لها: (فضة) أهداها له فروة الجذامي، وبغلة شهباء أهداها له صاحب أيلة وأخرى أهداها له صاحب دومة الجندل، وقد قيل: إن النجاشي أهدى له بغلة فكان يركبها.
ومن الحمير: عُفَير، وكان أشهب، أهداه له المقوقِس ملك القبط، وحمار آخر أهداه له فروة الجذامي، وذُكر أن سعد بن عُبادة أعطى النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – حماراً فركبه.
ومن الإبل القصواء، قيل: وهي التي هاجر عليها والعضباء، والجدعاء، ولم يكن بها عضب ولا جدع.
وغنم-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – يوم بدر جملاً مهرياً لأبي جهل في أنفه بُرةٌ من فضة، فأهداه – ذبحه هدياً- يوم الحديبية ليغيظ به المشركين.
وكانت له خمس وأربعون لقحة، وكانت لهُ مَهْرِيَّةٌ أرسل بها إليه سعد بن عبادة من نعم بني عقيل.
وكانت له مئة شاة وكان لا يريد أن تزيد، كلما ولَّد له الراعي بهمة ذبح مكانها شاة، وكانت له سبع أعنز منائح ترعاهن أم أيمن. باختصار من "زاد المعاد" (1/130-135).
ولما فتح خيبر وقسم أرضها، وكانت ثلاثة آلاف وستمائة سهم، فكان لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – والمسلمين النصف من ذلك، وهو ألف وثمانمائة سهم لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – سهم كسهم أحد المسلمين، وعزل النصف الآخر، وهو ألف وثمانمائة سهم لنوائبه وما ينزل به من أمور المسلمين.
وأما فدك فقد كانت لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – خالصة؛ لأنه لم يُوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب.
وقال حماد بن إسحاق بن إسماعيل بعد ذكر تركته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: "ووقفت هذه الأشياء التي ذكرناها من الأموال التي أفاءها الله عليه، والكسوة والخيل والبغلة والحربة، وما ذكرنا مع ذلك بعد وفاته على أن ذلك كله صدقة بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -. (ما تركنا فهو صدقة).
وكانت غلات الضياع تقسم في سبل الخير على ما كان يقسمها - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – في حياته.
وأما ما سوى ذلك مثل البغلة، والحربة، والكسوة، والسلاح، والسرير – والخاتم- فوقف أيضاً يتجمل به الأئمة المسلمون بعده، ويتبركون به كما كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – يتجمل به، وكان ذلك في أيدي الأئمة واحداً بعد واحد. (تركة النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- :113)

2- ما تركه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بعد موته من التركة:

عن عمرو بن الحارث- رَضِيَ اللهُ عنهُ –قال:(ما ترك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – ديناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا أمة، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة). البخاري ،كتاب المغازي ،باب مرض النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -، ووفاته (7/755) رقم (4461).
وعنه قال: ما ترك رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ–عند موته درهماً ولا ديناراً، ولا عبداً ولا أمة، ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء، وسلاحه وأرضاً جعلها صدقة).
البخاري مع الفتح كتاب الوصايا باب الوصايا (5/419)- رقم (2739).
قال ابن حجر: قوله: ولا عبداً، ولا أمةً، أي في الرق، وفيه دلالة على أن من ذكر من رقيق النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – في جميع الأخبار كان إما مات و إما أُعتق، واستُدل به على عتق أم الولد بناءً على أن مارية والدة إبراهيم ابن النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ –عاشت بعد النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-،وأما على قول من قال: إنها ماتت في حياته-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ–فلا حجة فيه.
وقوله: (ولا شيئاً)،وفي رواية الكشميهني (ولا شاة)، والأول أصح وهي رواية الإسماعيلي أيضاً من طريق زهير، نعم روى مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم من طريق مسروق عن عائشة قالت: (ما ترك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – درهماً ولا ديناراً، ولا شاةً ولا بعيراً، ولا أوصى بشيء). فتح الباري (5/424).
وقال عروة عن عائشة قالت: توفي رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ–وما في رفي من شيء يأكله ذو كبد رطب إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي، فكلته ففني. البخاري كتاب فرض الخمس باب نفقة نساء النَّبيّ بعد وفاته (6/241) رقم (3097)، ومسلم كتاب الزهد والرقائق (4/2282) رقم (2973).
وقالت: تُوفي رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ –ودرعه مرهونة بثلاثين صاعاً من شعير. أخرجه البخاري كتاب الجهاد والسير باب ما قيل في درع النَّبيّ والقميص في الحرب (6/116) رقم (2916).
قال ابن كثير: (باب بيان أن النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ–لم يترك ديناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا أمة ولا شاة ولا بعيراً ولا شيئاً يُورث عنه: بل أرضاً جعلها كلها صدقة لله - عزَّ وجلَّ -). البداية والنهاية (3/247).
وقال : (تنبيه: قد وردت أحاديث كثيرة في ذكر أشياء كان يختص بها صلوات الله وسلامه عليه في حياته من دور ومساكن نسائه، وإماء وعبيد وخيول، وإبل وغنم وسلاح، وبغلة وحمار، وثياب، وأثاث، وخاتم وغير ذلك.. فلعله عليه السلام تصدق بكثير منها في حياته منجزاً، وأعتق من أعتق من إمائه وعبيده وأرصد ما أرصد من أمتعته مع ما خصه الله به من الأرضين، من بني النضير وخيبر وفدك في مصالح المسلمين).

غسل النبي صلى الله عليه وسلم وتكفينه ودفنه

غسل النبي صلى الله عليه وسلم ومن قام به:

لما تيقن المسلمون من وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- إثر ذلك الخلاف العظيم الذي دب بينهم حول حقيقة موته -صلى الله عليه وسلم-؛ واجهتهم مشكلة أخرى أطلت عليهم برأسها وهي كيفية تغسيله -صلى الله علي وسلم-، فاختلفوا في ذلك أيضاً، وأصابتهم الحيرة والقلق؛ هل يجردوه -صلى الله علي وسلم-، من ثيابه عند غسله كما يفعلون مع غيره من الموتى، أم يغسلوه وعليه ثيابه كرامة له -صلى الله عليه وسلم-.

قالت عائشة: لما أرادوا غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا: ما ندري أنجرده من ثيابه كما نجرد موتانا، أو نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره فكلمهم مكلمٌ من ناحية البيت لا يدرون من هو!!: أن اغسلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه ثيابه، فغسلوه، وعليه قميصه؛ يصبون الماء فوق القميص، ويدلكون بالقميص دون أيديهم. قالت عائشة: لو استقبلت من أمري ما استدبرتُ ما غسَّله إلا نساؤه(1)
وروى البيهقي في الدلائل عن محمد بن علي أبي جعفر قال: غُسِّل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً بالسدر، وغُسِّل وعليه قميص، وغُسِّل من بئر يقال لها الغرس بقباء، كانت لسعد بن خيثمة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشرب منها، وولي سفلته علي، والفضل محتضنه، والعباس يصبُ الماء فجعل الفضل يقول: أرحني قطعت وتيني إني لأجد شيئاً يترطلُ علي(2)
قال الألباني في الجنائز: وفي مرسل الشعبي أنه غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع علي رضي الله عنه: الفضلُ -يعني ابن العباس- وأسامة بن زيد، أخرجه أبو داود، وسنده صحيح مرسل(3).
كفن الرسول صلى الله عليه وسلم
عن عائشة قالت كفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة أثواب بيض سحولية (4) من كرسف(5) ليس فيها قميص ولا عمامة(6).
وقالت -رضي الله عنها-: أُدرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حلة يمنية كانت لعبد الله بن أبي بكر ثم نزعت عنه وكفن في ثلاثة أثواب سحول يمانية ليس فيها عمامة ولا قميص، فرفع عبد الله الحلة، فقال: أكفن فيها، ثم قال: لم يكفن فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأكفن فيها فتصدق بها(7).
وفي رواية أخرى: فأخذها عبد الله بن أبي بكر فقال: لأحبسنها حتى أكفن فيها نفسي، ثم قال: لو رضيها الله -عز وجل- لنبيه لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها(8).
وفي رواية: أنه -صلى الله عليه وسلم- حين توفي سُجِّي(9) ببرد (10)حِبَرة(11) ألا أن عائشة قالت لما ذكروا لها بردين وثوب حبرة: قد أُتي بالبرد، ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه(12).

الصلاة عليه صلى الله عليه سلم

روى الحافظ البيهقي في الدلائل عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: لما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالاً، حتى فرغوا، ثم أدخل النساء فصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه، ثم أدخل العبيد فصلوا عليه أرسالاً، لم يؤمهم على رسول الله أحد(13).
وفي المسند أن أبا عسيب شهد الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: كيف صُلي عليه؟ قال: أدخلوا أرسالاً أرسالاً، قال: فكانوا يدخلون من هذا الباب فيصلون عليه ثم يخرجون من الباب الآخر(14).
وروى ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: لما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وضع على سريره، فكان الناس يدخلون زمراً زمراً يصلون عليه ويخرجون ولم يؤمنهم أحد، وتوفي يوم الاثنين، ودفن الثلاثاء صلى الله عليه وسلم (15)
قال الحافظ ابن كثير: وهذا الصنيع، وهو صلاتهم عليه فرادى لم يرمهم أحد عليه، أمرٌ مجمع عليه لا خلاف فيه(16).
تعليل صلاتهم عليه صلى الله عليه وسلم فرادى:
قال الشافعي -رحمه الله في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بغير إمام-: وذلك لِعُظْمِ أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي، وتنافُسُهم على أن لا يتولى الإمامة في الصلاة عليه أحد.
رواه البيهقي في السنن الكبرى (4/30).

وقيل: إنه كان آخر العهد برسول الله -صلى الله علي وسلم-، فأراد كل واحد مهم أن يأخذ البركة بالصلاة عليه مُخْتصاً به دون أن يكون فيها تابعاً لغيره سلوة الكئيب بوفاة الحبيب ص 148.
وقال ابن كثير -رحمه الله- في "البداية والنهاية" (5/232) معللاً صلاتهم عليه -صلى الله عليه وسلم- فرادى: (وهذا الصنيع - وهو صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه- أمر مجمع عليه، لا خلاف فيه، وقد اختلف في تعليله... وليس لأحد أن يقول: لأنه لم يكن لهم إمام، لأنا قد قدمنا أنهم إنما شرعوا في تجهيزه -عليه السلام- بعد تمام بيعة أبي بكر -رضي الله عنه- وأرضاه. وقد قال بعض العلماء: إنما لم يؤمهم عليه أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه إليه، ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد مرة، من كل فرد من آحاد الصحابة، رجالهم ونسائهم وصبيانهم، حتى العبيد والإماء، وأما السهيلي فقال ما حاصله: إن الله قد أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، وأمر كل واحد من المؤمنين أن يباشر الصلاة عليه منه إليه، والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل، قال: وأيضاً فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة، والله أعلم).أهـ

فائـدة:

قال الحاكم أبو أحمد: فكان أولهم عليه صلاة العباس عمه، ثم بنو هاشم ،ثم المهاجرون، ثم الأنصار، ثم سائر الناس، فلما فرغ الرجال صلى الصبيان، ثم النساء(17).

دفنه صلى الله عليه وسلم

أولاً: المكان الذي دفن فيه صلى الله عليه وسلم:
اختلف المسلمون في موقع دفنه، فقال بعضهم: يدفن عند المنبر، وقال آخرون: بالبقيع، وقال قائل في مصلاه(18). فجاء أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، فحسم مادة هذا الخلاف أيضاً بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم

قالت عائشة وابن عباس: لما قُبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغسل اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر: ما نسيتُ ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما قبض اللهُ نبياً إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه، ادفنوه في موضع فراشه)(19).
قال الحافظ ابن كثير: وهذا هو المتواتر تواتراً ضرورياً معلوماً من الدفن الذي هو اليوم داخل مسجد المدينة(20).
وقال أيضاً في "البداية والنهاية": قد علم بالتواتر أنه -صلى الله عليه وسلم- دفن في حجرة عائشة التي كانت تختص بها، شرقي مسجده في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة، ثم دفن فيها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما(21). أهـ

فائـدة:

ودفنه صلى الله عليه وسلم في موضع موته من خصائص الأنبياء عليهم السلام.

قال شيخ الحديث الكاندهلوي: ولذا سأل موسى ربه عند موته أن يدنيه من الأرض المقدسة، لأنه لا يمكن نقله إليها بعد موته، بخلاف غير الأنبياء فينتقلون من بيوتهم إلى المدائن، فهذا من خصائص الأنبياء كما ذكره غير واحد(22). أهـ

وقال الشيخ الألباني: والسنة الدفن في المقبرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن الموتى في مقبرة البقيع، كما تواترت الأخبار بذلك، ولم ينقل إلينا عن أحد من السلف أنه دفن في غير المقبرة، إلا ما تواتر أيضاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دفن في حجرته، وذلك من خصوصياته عليه الصلاة والسلام(23).

ثانياً: في لحد قبره صلى الله عليه وسلم:

قال أنس بن مالك -رضي الله عنه- لما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- كان بالمدينة رجل يلحَدُ(24) وآخر يضْرَحُ (25) فقالوا: نستخيرُ ربنا ونبعث إليهما، فسبق صاحب اللحد، فلحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم(26).

وعن عائشة رضي الله عنهما قالت: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، اختلفوا في اللحدِ والشق، حتى تكلموا في ذلك وارتفعت أصواتهم، فقال عمر: لا تصخَبوا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم حياً ولا ميتاً، أو كلمة نحوها، فأرسلوا إلى الشقَّاق واللاحد جميعاً، فجاء اللاحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دفن صلى الله عليه وسلم(27)

وعن عروة مرسلاً: كان في المدينة رجلان أحدهما يلحدُ، والأخر يشقُّ، فقالوا: أيهما جاء أولاً عمل عمله، فجاء الذي يلحد فلحد له(28).

وعن ابن عباس بسند ضعيف: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثوا إلى أبي عبيدة بن الجراح، وكان يَضْرَحُ كضرح أهل مكة، وبعثوا إلى أبي طلحة –زيد بن سهل الأنصاري رضي الله عنه- وكان هو الذي يحفر لأهل المدينة، وكان يلحَدُ، فبعثوا إليهما رسولين فقالوا: اللهم خِرْ لرسولك، فوجدوا أبا طلحة فجيء به، ولم يوجد أبو عبيدة، فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم (29).
ثالثاً: من باشر دفنه صلى الله عليه وسلم:

قال محمد بن إسحاق: وكان الذين نزلوا في قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب، والفضل بن عباس، وقُثم بن عباس، وشقران مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-(30).
وزاد النووي(31) والمقدسي(32): العباس.

قال النووي -رحمه الله- ويقال: كان أسامة بن زيد، وأوس بن خَوْلى(33) معهم، ودُفن في اللحد، وبني عليه -صلى الله عليه وسلم- في لحده اللَّبن، يُقال إنها تسع لبنات، ثم أهالوا التراب(34).
قال المقدسي -رحمه الله- وفرش تحته -صلى الله عليه وسلم- قطيفة حمراء كان يتغطى بها، وقد أشار إلى ذلك ابن عباس -رضي الله عنه- كما عند مسلم وغيره(35).
والقطيفة هي كساء له خمل. النهاية (4/84).

وقد بين العلماء أن الذي وضع القطيفة هو شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون علم من الصحابة رضي الله عنهم، ولذلك ذهب الجمهور إلى كراهة وضع شيء في القبر تحت الميت، قال النووي: وقد نص الشافعي وجميع أصحابنا وغيرهم من العلماء على كراهة وضع قطيفة أو مخدة ونحو ذلك تحت الميت في القبر، وشذ عنهم البغوي من أصحابنا، والصواب كراهته لما قال الجمهور، وأجابوا عن هذا الحديث بأن شقران انفرد بفعل ذلك لم يوافقه غيره من الصحابة، ولا علموا ذلك، وإنما فعله شقران لما ذكرناه عنه من كراهته أن يلبسها أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبسها ويفترشها، فلم تطب نفس شقران أن يستبدلها أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه غيره فروى البيهقي عن ابن عباس أنه كره أن يجعل تحت الميت ثوب في قبره. والله أعلم (36). أهـ
رابعاً: متى دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
ذهب كثير من العلماء إلى أنه صلى الله عليه وسلم دفن ليلة الأربعاء قال الحافظ ابن كثير: والمشهور عن الجمهور ما أسلفناه من أنه عليه السلام توفي يوم الإثنين ودفن ليلة الأربعاء (37)
بعضُ المراثي التي قِيلتْ في وَفَاةِ سَيِّدِ المرسلينَ، وقائدِ الغُرِّ المحجَّلين (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ)
قال أبو بكر الصديق َرضِيَ اللُه عَنْهُ:
يـا عيــنُ بكِّـــي و لا تَسْـــامـي ***** وحُقَّ البـــُكاءُ علــى السَّيـــِّدِ
على ذِي الفواضلِ والمكرُمـاتِ ***** ومَحْضِ الضَّريبةِ والمَحْتــــِدِ
علـى خَيْرِ خِنْدِفَ ([1]) عِنْدَ البلاءِ***** أمْســى يُغَيّــَبُ فِــي الْمُلــْحَدِ
فصَــلَّى الـملِيـكُّ وَلــيُّ العِبَـــاد ***** وَرَبُّ البــلادِ عَلــــَى أحمـــدِ
فكيفَ الإقامـةُ بعـــدَ الحبـيــــبِ***** وزيـــنِ المحــافلِ والـمَشْهَــدِ
فليتَ الـمـمـــــات لنـــا كلِّــــنـا ***** وَكُنَّا جميـعاً مَـعَ المُهْتَـدى([2])
ومِمَّا نُسِبَ إلى أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ في رِثَاءِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ([3]):
لمَّا رأيــتُ نبيّـنــــــا متجنـــــدلاً ***** ضاقـــت علىّ بعرضهنّ الدورُ
فارتـاع قلبي عنـد ذاك لِمـوتــــه ***** والعظــمُ مني ما حييــتُ كسيـرُ
أعتيق ويْحك!! إن خِلَّك قـد ثوى ***** والصبرُ عندك ما بقيـتَ يسيــرُ
يا ليتني من قبـل مهلك صاحبـي ***** غُيِّبـتُ في لحـدٍ عليه صخـــورُ
فلتــحدُثــنَّ بـدائـــع مــن بعــــده ***** تعيــا بهـنَّ جــوانـحٌ وصـــدورُ
وقال عمرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللُه عَنْهُ:
ما زَالَتُ مُذ وضع الفِرَاشَ لِجنْبِه *****وثَــوى مَريضــاً خائـــِفاً أَتَوقَّـــعُ
شَفَقاً عَليْــهِ أن يـــزُولَ مكـــــانُه ***** عنَّــا، فَنَبْــــقَى بَعْـــدَه نَتَــوَجَّـــع
نَفْســـي فـداؤُكَ مَنْ لنا في أَمرِنا **** أَوْ مَـــنْ نُشَـــاورُهُ إذاً فَتــَرَجَّـــعُ
وإذا تَحَدَّثنَـا الحــوادٍثَ: مَـنْ لنــا ***** بالوَحي مِن رَبِّ رحيــمٍ يسمــــعُ
ليتِ السمــاءَ تفطَّـــرتْ أَكنَافُـــهَا *****وتناثرتْ فيها النجــــومُ الطُّلّــــَعُ
لمَّــا رأيــتُ النــاسَ هـدَّ جميعُهمْ ***** صوتٌ يُنـــادي بالنَّعــيِّ فيُسْمـــَعُ
وسمعتُ صــوتاً قبلَ ذلِكَ هدَّنــي***** عَبَّـــاسُ يَنْــــعاهُ بِصــوتٍ يُقْطَــعُ
فلْيَبْــكِه أهـــلُ المــدائـنِ كُلّـــــِها *****والمُسلمون بكلِّ أرضٍ تُجدع ([4])
وقالَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللُه عَنْهُ :
ألا طَرَق النّــَاعي بليـــلٍ فــَرَاعَني *** وأَرَّقنـــي لمـــا استَـــهلَّ مُنَــادِيَــــا
فقلـتُ لـهُ لمّــَا رأيــتُ الـذي أتَـى *** أَغَيْرَ رســول اللهِ أَصْبَـحتَ نَاعِيــَا
فَحُقِّـقَ مـا أَشْفَيْــتُ منـه وَلـم يُبــلْ *** وكــان خليـلي عُدَّتِـــي وَجِمَــاليــا
فوالله لا أنسـاكَ أَحمَــدُ ما مَشَـتْ *** بيَ العِيسُ في أرضٍ وجاوَزْتَ واديا
وكنـتَ متى أَهْبِطُ من الأرضَ تَلْعَةً *** أَجِــد أثــراً منــهُ جــديــداً وعافِيــا
شديــدٌ جَـرِيٌّ النَّفــسِ نهـدٌ مُصـَدَّرٌ *** يــَرَين بـــه لَيْثـــاً عليـهن ضَـارِيـــَا
من الأُسـْدِ قد أَحْمِي العَـرِينَ مهابةً*** هوَ الموتُ مَغْـدُوٌ عليــه وغَدِيــا([5])
جـوَادٌ تشَظَّــى الخيــلُ عنــه كأنـَّما *** تَفَـــادَى سِبـاعُ الأرضِ منـه تفادِيـَا
وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رَضِيَ اللُه عَنْهُ:
أرقتُ فبات لــيلي لا يــزولُ **** وليلُ أخي المصيبةِ فيه طُولُ
وأسعدني البُكاء وذاك فيـــما ***** أصيــبَ المسلمــونَ بـه قليـلُ
فقد عَظُمَــتْ مُصيبتُنا وجَلَّت ***** عشيَّة قِيْلَ: قَدْ قُبِضَ الرَّسُـول
فَظَلَّ النَّــاسُ منقطعيــن فيـها ***** كأنَّ النَّاس لَيــْس لَهُـمْ حَوِيــلُ
كأنَّ النــاس إذْ فقــدوه عُمـْيٌ ***** أضرَّ بلـــبِّ حازِمِهِـم عَليـــلُ
وحُقَّ لتـلك مَـرْزيــة علينـــا ***** وحُقَّ لها تطــير لها الُعقـــولُ
وأضحت أرضنُا ممـا عَراها ***** تكــادُ بنــا جـــوانِبُــها تميـــلُ
فقدنا الوحي والنـزيــل فيــنا ***** يروح به ويغـــدو جبــرائيــل
وذاك أحـــقُّ ما سالـتْ عليهِ ***** نُفوسُ النَّاس أو كادت تسيلُ
أُصبنا بالنَّبــيّ وقــد رُزِئنـــا ***** مُصِيْبتُنَـــا فَمحْمَــــلُها ثَقِيــــْلُ
نبيٌّ كان يجلــو الشــكَ عنّــَا ***** بمــا يُوحَـــى إليـه وما يَقـولُ
ويهدينــا فلا يخشــى ملامــاً ***** علينا والرَّسُول لنــا دليــلُ ([6])
يُخَبِّرُنا بظهــر الغيـب عـــمَّا **** يَكُونُ فلا يَخُــون ولا يَحُــولُ
فلم نَرَ مثلَهُ في النَّــاس حيــّاً **** وَلَيْسَ لهُ من المـــوت عَدِيــلُ
أفاطمُ إن جزعت فذاك عـذر ***** وإن لم تَجْزَعي فهــو السَّبِيـلُ
فَعُــوذي بالعــَزَاء فــإنَّ فيــه ***** ثـوابَ الله والفضلُ الجـزِيــلُ
وَقُـولِي في أبيك ولا تَمَلـِّــي ***** وَهَـلْ يَجــزي بفعـل أبيك قيلُ
فقبــر أيبــكِ سيــدُ كلِّ قبـــر ***** وفيـه سيــد النــاس الرَّسُــول
صــلاةُ الله مــن ربٍّ رحيــم ***** عليـه لا تحـولُ ولا تَزُولُ ([7])

بعضُ المراثي التي قِيلتْ في وَفَاةِ سَيِّدِ المرسلينَ، وقائدِ الغُرِّ المحجَّلين (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ)
قال أبو بكر الصديق رَضِيَ اللُه عَنْهُ :

يـا عيــنُ بكِّـــي و لا تَسْـــامـي ***** وحُقَّ البـــُكاءُ علــى السَّيـــِّدِ
على ذِي الفواضلِ والمكرُمـاتِ ***** ومَحْضِ الضَّريبةِ والمَحْتــــِدِ
علـى خَيْرِ خِنْدِفَ ([1]) عِنْدَ البلاءِ***** أمْســى يُغَيّــَبُ فِــي الْمُلــْحَدِ
فصَــلَّى الـملِيـكُّ وَلــيُّ العِبَـــاد ***** وَرَبُّ البــلادِ عَلــــَى أحمـــدِ
فكيفَ الإقامـةُ بعـــدَ الحبـيــــبِ***** وزيـــنِ المحــافلِ والـمَشْهَــدِ
فليتَ الـمـمـــــات لنـــا كلِّــــنـا ***** وَكُنَّا جميـعاً مَـعَ المُهْتَـدى([2])
ومِمَّا نُسِبَ إلى أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ في رِثَاءِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ([3]):
لمَّا رأيــتُ نبيّـنــــــا متجنـــــدلاً ***** ضاقـــت علىّ بعرضهنّ الدورُ
فارتـاع قلبي عنـد ذاك لِمـوتــــه ***** والعظــمُ مني ما حييــتُ كسيـرُ
أعتيق ويْحك!! إن خِلَّك قـد ثوى ***** والصبرُ عندك ما بقيـتَ يسيــرُ
يا ليتني من قبـل مهلك صاحبـي ***** غُيِّبـتُ في لحـدٍ عليه صخـــورُ
فلتــحدُثــنَّ بـدائـــع مــن بعــــده ***** تعيــا بهـنَّ جــوانـحٌ وصـــدورُ
وقال عمرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللُه عَنْهُ:
ما زَالَتُ مُذ وضع الفِرَاشَ لِجنْبِه *****وثَــوى مَريضــاً خائـــِفاً أَتَوقَّـــعُ
شَفَقاً عَليْــهِ أن يـــزُولَ مكـــــانُه ***** عنَّــا، فَنَبْــــقَى بَعْـــدَه نَتَــوَجَّـــع
نَفْســـي فـداؤُكَ مَنْ لنا في أَمرِنا **** أَوْ مَـــنْ نُشَـــاورُهُ إذاً فَتــَرَجَّـــعُ
وإذا تَحَدَّثنَـا الحــوادٍثَ: مَـنْ لنــا ***** بالوَحي مِن رَبِّ رحيــمٍ يسمــــعُ
ليتِ السمــاءَ تفطَّـــرتْ أَكنَافُـــهَا *****وتناثرتْ فيها النجــــومُ الطُّلّــــَعُ
لمَّــا رأيــتُ النــاسَ هـدَّ جميعُهمْ ***** صوتٌ يُنـــادي بالنَّعــيِّ فيُسْمـــَعُ
وسمعتُ صــوتاً قبلَ ذلِكَ هدَّنــي***** عَبَّـــاسُ يَنْــــعاهُ بِصــوتٍ يُقْطَــعُ
فلْيَبْــكِه أهـــلُ المــدائـنِ كُلّـــــِها *****والمُسلمون بكلِّ أرضٍ تُجدع([4])
وقالَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ-رَضِيَ اللُه عَنْهُ-:
ألا طَرَق النّــَاعي بليـــلٍ فــَرَاعَني *** وأَرَّقنـــي لمـــا استَـــهلَّ مُنَــادِيَــــا
فقلـتُ لـهُ لمّــَا رأيــتُ الـذي أتَـى *** أَغَيْرَ رســول اللهِ أَصْبَـحتَ نَاعِيــَا
فَحُقِّـقَ مـا أَشْفَيْــتُ منـه وَلـم يُبــلْ *** وكــان خليـلي عُدَّتِـــي وَجِمَــاليــا
فوالله لا أنسـاكَ أَحمَــدُ ما مَشَـتْ *** بيَ العِيسُ في أرضٍ وجاوَزْتَ واديا
وكنـتَ متى أَهْبِطُ من الأرضَ تَلْعَةً *** أَجِــد أثــراً منــهُ جــديــداً وعافِيــا
شديــدٌ جَـرِيٌّ النَّفــسِ نهـدٌ مُصـَدَّرٌ *** يــَرَين بـــه لَيْثـــاً عليـهن ضَـارِيـــَا
من الأُسـْدِ قد أَحْمِي العَـرِينَ مهابةً*** هوَ الموتُ مَغْـدُوٌ عليــه وغَدِيــا ([5])
جـوَادٌ تشَظَّــى الخيــلُ عنــه كأنـَّما *** تَفَـــادَى سِبـاعُ الأرضِ منـه تفادِيـَا
وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رَضِيَ اللُه عَنْهُ :
أرقتُ فبات لــيلي لا يــزولُ **** وليلُ أخي المصيبةِ فيه طُولُ
وأسعدني البُكاء وذاك فيـــما ***** أصيــبَ المسلمــونَ بـه قليـلُ
فقد عَظُمَــتْ مُصيبتُنا وجَلَّت ***** عشيَّة قِيْلَ: قَدْ قُبِضَ الرَّسُـول
فَظَلَّ النَّــاسُ منقطعيــن فيـها ***** كأنَّ النَّاس لَيــْس لَهُـمْ حَوِيــلُ
كأنَّ النــاس إذْ فقــدوه عُمـْيٌ ***** أضرَّ بلـــبِّ حازِمِهِـم عَليـــلُ
وحُقَّ لتـلك مَـرْزيــة علينـــا ***** وحُقَّ لها تطــير لها الُعقـــولُ
وأضحت أرضنُا ممـا عَراها ***** تكــادُ بنــا جـــوانِبُــها تميـــلُ
فقدنا الوحي والنـزيــل فيــنا ***** يروح به ويغـــدو جبــرائيــل
وذاك أحـــقُّ ما سالـتْ عليهِ ***** نُفوسُ النَّاس أو كادت تسيلُ
أُصبنا بالنَّبــيّ وقــد رُزِئنـــا ***** مُصِيْبتُنَـــا فَمحْمَــــلُها ثَقِيــــْلُ
نبيٌّ كان يجلــو الشــكَ عنّــَا ***** بمــا يُوحَـــى إليـه وما يَقـولُ
ويهدينــا فلا يخشــى ملامــاً ***** علينا والرَّسُول لنــا دليــلُ ([6])
يُخَبِّرُنا بظهــر الغيـب عـــمَّا **** يَكُونُ فلا يَخُــون ولا يَحُــولُ
فلم نَرَ مثلَهُ في النَّــاس حيــّاً **** وَلَيْسَ لهُ من المـــوت عَدِيــلُ
أفاطمُ إن جزعت فذاك عـذر ***** وإن لم تَجْزَعي فهــو السَّبِيـلُ
فَعُــوذي بالعــَزَاء فــإنَّ فيــه ***** ثـوابَ الله والفضلُ الجـزِيــلُ
وَقُـولِي في أبيك ولا تَمَلـِّــي ***** وَهَـلْ يَجــزي بفعـل أبيك قيلُ
فقبــر أيبــكِ سيــدُ كلِّ قبـــر ***** وفيـه سيــد النــاس الرَّسُــول
صــلاةُ الله مــن ربٍّ رحيــم ***** عليـه لا تحـولُ ولا تَزُولُ([7])
المكان الذي دفن فيه الرسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن كثير: ( الصحيح المشهور عند الجمهور أنه-صلى الله عليه وسلم– تُوفي يوم الاثنين ودُفن يوم الأربعاء). راجع: البداية والنهاية (5/237).

وروى يعقوب بن سفيان عن أبي جعفر أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم–تُوفي يوم الاثنين فلبث ذلك اليومَ وتلك الليْلة ويومَ الثلاثاء إلى آخر النهار. "قال ابن كثير: وهو قول غريب".
وروى يعقوب أيضاً عن مكحول قال: مكث رسول الله-صلى الله عليه وسلم–ثلاث أيَّام لا يُدفن قال ابن كثير: "غريبٌ، والصحيح أنه مكث بقية يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء بكامله ودُفن ليلة الأربعاء".
وروى ابن سعد وابن ماجه، وأبو يعلى عن ابن عبَّاس-رضي الله عنهما–قال: لمَّا فُرغ من جهاز رسول الله-صلى الله عليه وسلم–يوم الثلاثاء وُضع على سريره في بيته وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه، فقال قائل: ندفنه مع أصحابه بالبقيع، وقال قائل: (ادفنوه في مسجده؛ فقال أبوبكر: (سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم–يقول: (ما قُبض نبيٌّ إلا دفن حيثُ قُبض)(1) فرُفع فراش رسول الله-صلى الله عليه وسلم–الذي تُوفي عليه فحفروا له تحته.
(ابن سعد (1/223) وابن ماجه (1628) والبيهقي في الدلائل (7/260) ومسند أبي بكر (78).

وروى الإمام أحمد والترمذي بسند صحيح عن عبد العزيز بن جريج أن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم–لم يدروا أين يقبروا رسول الله-صلى الله عليه وسلم–حتى قال أبوبكر: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم–يقول: (لم يقبر نبي قط إلا حيث يَموت فأخذوا فراشه وحفروا تحته).

وروى الترمذي وأبو يعلى عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: لما قُبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم – اختلفوا في دفنه فقال أبوبكر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: (ما قَبض الله نبياً إلا في الموضع الذي يحب أن يُدفن فيه)، ادفنوه في موضع فراشه). الترمذي رقم كتاب الجنائز عن رسول الله (3/338) رقم (1018)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (5649).

وقال الطبري: (فلما فُرغ من جهاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يوم الثلاثاء، وُضع في سريره في بيته، وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه. فقال قائل: ندفنه في مسجده، وقال قائل: بل ندفنه مع أصحابه، فقال أبوبكر: إني سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم – يقول: (ما قُبض نبي إلا دُفن حيثُ يقبض)؛ فرفع فراش رسول الله-صلى الله عليه وسلم–الذي تُوفي عليه، فحُفر له تحته، ثم دخل الناس على رسول الله-صلى الله عليه وسلم–يصلّون عليه أرسالاً؛ دخل الرجال حتى إذا فرغوا أُدخل النساء حتى إذا فرغ النساء أُدخل الصبيان، ولم يؤم الناسَ على رسول الله-صلى الله عليه وسلم–أحد). تاريخ الطبري (3/213)، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز (1628)، باب ما جاء في دفن النبي-صلى الله عليه وسلم-، وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه رقم (321).
ثم دُفن رسول الله-صلى الله عليه وسلم–من وسط الليل ليلة الأربعاء. تاريخ الطبري (3/213).
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، عن امرأته فاطمة بنت عُمارة، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زُرارة، عن عائشة-رضي الله عنها- قالت: دفن رسول الله في جوف الليل من ليلة الأربعاء. ابن هشام (4/315) تحقيق عمر عبد السلام تدمري.
وروى ابن سعد والبيهقيُّ عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما علمنا بدفن رسول الله-صلى الله عليه وسلم–حتى سمعنا المساحي ليلة الثُلاثاء في السَّحر). ابن سعد (2/232-233).
وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن أنس-رضي الله عنه-قال: (تُوفي رسول الله-صلى الله عليه وسلم–وكان بالمدينة رَجُلُ يُلحِدُ والآخر يضرح فقالوا: نستخيرُ ربَّنا ونبعث إليهما فأيهما سبق تركناه، فأرسلوا إليهما فسبق صاحب اللّحد (أبو طلحة) فلَّحدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم)
أخرجه مالك في الموطأ مرسلاً (1/231) وابن ماجه- كتاب الجنائز- باب ما جاء في الشق (1/496) رقم (1557).
قال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: حدثني حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله-صلى الله عليه وسلم–كان أبو عبيدة يضرح لأهل مكة، وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة، فأرسل العباس خلفهما رجلين وقال: (اللهم خِر لرسولك أيهما جاء حفر له)، فجاء أبو طلحة فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم".
راجع: السيرة النبوية للذهبي. ص405.
وقال ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: عرضت عائشة على أبيها رؤيا وكان من أعبر الناس قالت رأيت ثلاثة أقمار وقعن في حجرتي، فقال: إن صدقت رؤياك دُفن في بيتك من خير أهل الأرض ثلاثة، فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة هذا خير أقماركِ.
السيرة النبوية للذهبي (405-406).

شبهة:
هل دُفن النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده الشريف؟

الجواب: أن هذا وإن كان هو المشاهد اليوم، فإنه لم يكن كذلك في عهد الصحابة رضي الله عنهم، فإنه لما مات-صلى الله عليه وسلم، دفنوه في حجرة عائشة التي كانت بجانب مسجده، وكان يفصل بينهما جدار فيه باب، كان-صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى المسجد، وهذا أمر معروف مقطوع به عند العلماء ولا خلاف في ذلك بينهم، والصحابة-رضي الله عنهم–حينما دفنوه-صلى الله عليه وسلم–في الحجرة، إنما فعلوا ذلك كي لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجداً، لقوله-عليه الصلاة والسلام–من حديث عائشة-رضي الله عنها– قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). قالت: فلولا ذاك أُبرز قبره غير أنه خشي أن يُتخذ مسجداً)

البخاري، الفتح،(3/156) رقم (1330) كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد قبوراً.
ولكن وقع بعدهم ما يكن في حسبانهم! ذلك أن الوليد بن عبد الملك أمر سنة ثمان وثمانين بتوسيع المسجد النبوي وإضافة حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فأدخل فيه الحجرة النبوية حجرة عائشة، فصار القبر بذلك في المسجد.
راجع: تاريخ ابن جرير (5/222-223). وتاريخ ابن كثير (9/74-75).
قال "العلامة الحافظ محمد بن عبد الهادي" في "الصارم المنكي" ص (136):
"وإنما أُدخلت الحجرة في المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة، وكان من آخرهم موتاً جابر بن عبد الله، وتُوفي في خلافة عبد الملك، فإنه تُوفي سنة ثمان وسبعين، والوليد تولىَّ سنة ست وثمانين، وتُوفي سنة ست وتسعين، فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلك.

قال "الشيخ الألباني": وإنما لم يُسمِّ الحافظُ ابن عبد الهادي السنة التي وقع فيها ذلك؛ لأنها لم ترد في رواية ثابتة على طريقة المحدثين، وما نقلناه عن ابن جرير هو من رواية الواقدي وهو متهم، ورواية ابن أبي شيبة الآتية في كلام "الحافظ ابن عبد الهادي" مدارها على مجاهيل وهم عن مجهول! كما هو ظاهر، فلا حجة في شيء من ذلك، وإنما العمدة على اتفاق المؤرخين على أن إدخال الحجرة إلى المسجد كان في ولاية الوليد. قال "محمد بن عبد الهادي"، وقد ذكر أبو زيد عمر بن شُبَّة النميري في كتاب (أخبار المدينة) مدينة رسول الله-صلى الله عليه وسلم–عن أشياخه عمن حدثوا عنه أن عمر بن عبد العزيز لما كان نائباً للوليد على المدينة في سنة إحدى وتسعين هدم المسجد وبناه بالحجارة المنقوشة وعمل سقفه بالساج، وماء الذهب، وهدم حجرات أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم– فأدخلها في المسجد أو دخل القبر فيه.

يتبين لنا مما أوردناه أن القبر الشريف إنما أُدخل المسجد النبوي حين لم يكن في المدينة أحد من الصحابة، وأن ذلك كان على خلاف غرضهم الذي رموا إليه حين دفنوه في حجرته-صلى الله عليه وسلم-، فلا يجوز لمسلم بعد أن عرف هذه الحقيقة أن يحتج بما وقع بعد الصحابة؛ لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة وما فهم الصحابة والأئمة منها كما سبق بيانه، وهو مخالف أيضاً لصنيع عمر، وعثمان حين وسعا المسجد ولم يدخلا القبر فيه، ولهذا نقطع بخطأ ما فعله الوليد بن عبد الملك عفا الله عنه، ولئن كان مضطراً إلى توسيع المسجد، فإنه كان باستطاعته أن يوسعه من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة الشريفة، وقد أشار عمر بن الخطاب إلى هذا النوع من الخطأ حين قام هو-رضي الله عنه–بتوسيع المسجد من الجهات الأخرى، ولم يتعرض للحجرة، بل قال: (إنه لا سبيل عليها).
انظر طبقات ابن سعد (4/21) وغيره
فأشار رضي الله عنه إلى المحذور الذي يترتب من جراء هدمها وضمها إلى المسجد.
ومع هذه المخالفة الصريحة للأحاديث المتقدمة وسنة الخلفاء الراشدين، فإن المخالفين لما أدخلوا القبر النبوي في المسجد الشريف احتاطوا للأمر شيئاً ما، فحاولوا تقليل المخالفة ما أمكنهم. قال النووي في (شرح مسلم) (5/14): (ولما احتاجت الصحابة.(2) والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله-صلى الله عليه وسلم–حين كثر المسلمون، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله، لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام، ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا، حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر).
ونقل "الحافظ ابن رجب" في (الفتح) نحوه عن القرطبي كما في (الكواكب) (65/91/1) وذكر "ابن تيمية" في (الجواب الباهر) (9/2): (أن الحجرة لما أدخلت إلى المسجد سُد بابها، وبني عليها حائط آخر، صيانة له صلى الله عليه وسلم أن يتخذ بيته عيداً، وقبره وثناً).
نقلاً من كتاب: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد (58-68) تأليف/ محمد ناصر الدين الألباني - الطبعة الرابعة - المكتب الإسلامي.

وقد وردت الأدلة الصحيحة على تحريم اتخاذ القبور مساجد:

ففي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يموت بخمس: (إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك). رواه مسلم كتاب الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد (1/377) رقم (532).
وفي الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل موته: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذِّر ما فعلوا، قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجداً". البخاري، الفتح،(3/156) رقم (1330). كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد قبوراً.
قال "ابن تيمية": واتخاذ القبور مسجداً هو أن يتخذ للصلوات الخمس، وغيرها كما تبنى المساجد لذلك، والمكان مسجداً إنما يقصد فيه عبادة الله ودعاؤه لا دعاء المخلوقين".
فحرم صلى الله عليه وسلم أن تتخذ قبورهم مساجد بقصد الصلوات فيها؛ كما تقصد المساجد وإن كان القاصد لذلك إنما يقصد عبادة الله وحده؛ لأن ذلك ذريعة إلا أن يقصدوا المسجد لأجل صاحب القبر ودعائه والدعاء به، والدعاء عنده، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ هذا المكان لعبادة الله وحده لئلا يتخذ ذريعة إلى الشرك بالله.
راجع: مجموع الفتاوى (1/163-164).
ولم يكن في المدينة المنورة أحد من الصحابة حينذاك خلافاً لمن توهم ذلك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
...المزيد

تعريف مصطلح الْجَارِيَةُ الْفَتَاةُ الصَّغِيرَةِ التي تجري في خدمة أهلها . ومن الشواهد قول النبي ...

تعريف مصطلح الْجَارِيَةُ
الْفَتَاةُ الصَّغِيرَةِ التي تجري في خدمة أهلها .
ومن الشواهد قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لجابر الذي أخبره أنه تزوج امرأة ثيباً : " أفلا جارية تلاعبها، وتلاعبك " رواه البخاري برقم :1991.

انظر :
الأم للشافعي، 3/53، الإنصاف للمرداوي، 5/400، الموسوعة الفقهية، 15/86.

تعريفات أخرى :

الفتيَّة الشابة من النساء .

الأمة التي تجري في خدمة مواليها .
...المزيد

العوامل التي تهدد هوية الأمة الهوية هي مجموعة الصفات والخصائص التي تميز جماعة ما عن غيرها، ...

العوامل التي تهدد هوية الأمة
الهوية هي مجموعة الصفات والخصائص التي تميز جماعة ما عن غيرها، وتمنحها شعورًا بالانتماء والوحدة. وتعد الهوية من أهم عناصر استقرار المجتمعات ووحدتها، فهي التي تربط أفراد الأمة بعضهم ببعض، وتمنحهم شعورًا بالانتماء .

وهناك العديد من العوامل التي تهدد هوية الأمة، ويمكن تصنيفها إلى عوامل داخلية وعوامل خارجية.

العوامل الداخلية

التطرف الديني أو الفكري: يشكل التطرف الديني أو الفكري تهديدًا خطيرًا لهوية الأمة، لأنه يسعى إلى فرض نموذج فكري أو ديني واحد على الجميع، ويرفض التنوع والاختلاف.
الفساد السياسي والاجتماعي: يساهم الفساد السياسي والاجتماعي في إضعاف الهوية ، لأنه يؤدي إلى فقدان الثقة في المؤسسات والقيادة، ويخلق حالة من عدم الاستقرار.
البطالة والفقر: تؤدي البطالة والفقر إلى انتشار الإحباط والتذمر بين أفراد المجتمع، مما يسهل استغلالهم من قبل القوى التي تريد زعزعة استقرار الأمة.
الهجرة والنزوح: تؤدي الهجرة والنزوح إلى اختلاط الثقافات والحضارات، مما قد يؤدي إلى فقدان الهوية لدى المهاجرين والنازحين.

العوامل الخارجية

الاستعمار الثقافي: يسعى الاستعمار الثقافي إلى فرض قيم وثقافة المجتمع المستعمر على المجتمع المستعمر، مما يؤدي إلى إضعاف الهوية الوطنية لدى المجتمع المستعمر.

التغريب: يسعى التغريب إلى إحلال القيم والثقافات الغربية محل القيم والثقافات المحلية، مما يؤدي إلى فقدان الهوية الوطنية.

التدخلات الخارجية: تساهم التدخلات الخارجية في زعزعة استقرار المجتمعات، مما يسهل تهديد هويتها .

الوقاية من تهديدات الهوية

من أجل حماية هوية الأمة من التهديدات، يجب العمل على تعزيزها وتطويرها، وذلك من خلال:

تعزيز التربية الوطنية: يجب أن تركز التربية الوطنية على غرس قيم المواطنة والانتماء لدى أفراد المجتمع، وتوعيتهم بأهمية الهوية .

تطوير التعليم: يجب أن يركز التعليم على تدريس العلوم الاجتماعية والإنسانية، التي تساهم في تنمية الوعي الثقافي والحضاري لدى أفراد المجتمع.

تعزيز الحوار والتعددية: يجب أن يحرص المجتمع على تعزيز الحوار والتعددية، واحترام الاختلافات الفكرية والدينية، مما يساعد على الحفاظ على الهوية .

مواجهة الأفكار المتطرفة: يجب مواجهة الأفكار المتطرفة، ونشر الوعي بين أفراد المجتمع حول خطورتها على الهوية .

وأخيرًا، فإن حماية هوية الأمة هي مسؤولية الجميع، أفرادًا ومؤسساتً، وعلينا جميعًا أن نتعاون من أجل الحفاظ على هذا الرمز الذي يربطنا جميعًا.
...المزيد

قال الزمخشري واصفاً تلذذ العلماء بإيقاظ ليلهم من طول سهرهم: سهري لتنقيح العلوم أَلَذُّ لي ...

قال الزمخشري واصفاً تلذذ العلماء بإيقاظ ليلهم من طول سهرهم:
سهري لتنقيح العلوم أَلَذُّ لي من وصل غانية وطيب عناق
وتمايلي طرباً لحل عويصة أشهى وأحلى من مدامة ساق
وصرير أقلامي على أوراقها أحلى من الدوكاء والعشاق
وألذ من نقر الفتاة لدفها نقري لألقي الرمل عن أوراقي
أأبيت سهران الدجى وتبيته نوماً وتبغي بعد ذاك لحاقي
...المزيد

الأحكام الفقهية المتعلقة بالدفاع عن أرض فلسطين تأليف أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف ...

الأحكام الفقهية المتعلقة بالدفاع عن أرض فلسطين
تأليف أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي

المقدمة
الحمد لله الذي أمر بالجهاد في سبيله، ووعد عليه الأجر العظيم والنصر المبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه الكريم: ( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) [الروم:47] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله أفضل المجاهدين وأصدق المناضلين وأنصح العباد أجمعين ﷺ وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الكرام الذين باعوا أنفسهم لله وجاهدوا في سبيله حتى أظهر الله بهم الدين وأعز بهم المؤمنين، وأذل بهم الكافرين رضي الله عنهم وأكرم مثواهم وجعلنا من أتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:

فإن الجهاد في سبيل الله من أفضل القربات، ومن أعظم الطاعات، بل هو أفضل ما تقرب به المتقربون وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين وإعلاء كلمة الدين، وقمع الكافرين والمنافقين وتسهيل انتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج العباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، وقد ورد في فضله وفضل المجاهدين من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما يحفز الهمم العالية، ويحرك كوامن النفوس إلى المشاركة في هذا السبيل، والصدق في جهاد أعداء رب العالمين، وهو فرض كفاية على المسلمين إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وقد يكون في بعض الأحيان من الفرائض العينية التي لا يجوز للمسلم التخلف عنها إلا بعذر شرعي، كما لو استنفره الإمام أو حصر بلده العدو أو كان حاضرا بين الصفين.
- (موقف اليهود في الإسلام وفضل الجهاد والمجاهدين (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 2/ 430) . نشر هذا الموضوع في رسالة طبعها الحرس الوطني عام ١٣٩٣ ه فضل الجهاد والمجاهدين).
تُعد فلسطين قضية محورية في العالم الإسلامي، وقد حكم الفقهاء المسلمون على الدفاع عن فلسطين بأنه واجب شرعي على المسلمين.

ويُعد الدفاع عن فلسطين واجب ديني على كل مسلم، وهو حق مشروع للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وتستند هذه الأحكام الفقهية إلى مجموعة من المبادئ الأساسية في الفقه الإسلامي، منها مبدأ الدفاع عن النفس ومبدأ حق المقاومة المسلحة. والدفاع عن فلسطين واجب ديني على كل مسلم، وأن المقاومة المسلحة هي حق مشروع للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. والدفاع عن فلسطين فرض عين على كل مسلم قادر على القتال. فقد ورد في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات دون أرضه فهو شهيد".

ويُعد الدفاع عن فلسطين واجبًا شرعيًا وإنسانيًا، وواجب على المسلمين العمل على تحقيق هذا الواجب بكل الوسائل المشروعة. الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض هو واجب شرعي على كل مسلم قادر على القتال، وذلك لتحرير الأرض من الاحتلال وإعادة الحقوق الشرعية لأصحابها.

مشكلة البحث :
الأسئلة التي يجيب عنها البحث:
1. مفهوم الجهاد: هل هو قتال فقط، أم أنه يشمل أيضًا الدعوة والتربية والتعليم؟

2. شروط الجهاد: ما هي الشروط التي يجب توافرها ليكون الجهاد واجبًا؟

3. أنواع الجهاد: ما هي أنواع الجهاد؟

4. أحكام الجهاد: ما هي الأحكام المتعلقة بالجهاد، مثل: أحكام القتال، وأحكام الأسرى، وأحكام الصلح؟

وقد قسم العلماء الجهاد إلى قسمين:
الجهاد الأكبر: وهو جهاد النفس والشيطان، وهو أعظم أنواع الجهاد.
الجهاد الأصغر: وهو جهاد الكفار ، وهو جهاد بالسلاح والدعوة.

أسباب الجهاد:

هناك عدة أسباب للجهاد، منها:
نشر دين الله: وذلك بإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
الدفاع عن النفس والأهل والمال والعرض: وذلك من خلال رد العدوان وحماية المقدسات.
نصرة المظلوم: وذلك من خلال مساعدة المظلومين على إزالة الظلم عنهم.

فقه الجهاد:

هو أحد فروع الفقه الإسلامي، ويتناول مسائل الحرب والسلم في الإسلام.
وتشمل هذه المسائل أحكام الجهاد الدفاعي والجهاد الهجومي، وأحكام القتال، وأحكام الأسرى، وأحكام المقاتلين، وأحكام السلم.
وقد تناول الفقه الإسلامي موضوع الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض في العديد من المواضع،
ومن أهم الأحكام الفقهية المتعلقة بهذا الموضوع ما يلي:
فرضية الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض:
يرى الفقهاء أن الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض فرض عين على كل مسلم قادر على القتال من أهل هذا البلد، وذلك لأن العدو قد قام بظلم المسلمين وحرمهم من حقوقهم المشروعة، وقد ورد في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رأى منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

مشروعية الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض:

أيًّا كان حكم الجهاد في الإسلام: فرض كفاية، أم فرض عين، أم تطوُّعا، فلا ريب أن منزلة الجهاد في دين الله لا تعدلها منزلة، لأن الجهاد هو الذي يحمي الأمَّة في دينها ودنياها، ويحرسها من أعدائها المتربِّصين بها: يحمي دينها وعقيدتها، ويحمي أرضها وحرمتها، ويحمي استقلالها وسيادتها، فهو حصن الأمة الحصين، وهو ركنها الركين، وهو الذي يصنع الأبطال، ويعدُّ الرجال، الذين يبذلون النفس والنفيس في سبيل الله. فلا غرو أن يعدَّ فهو ذروة سنام الإسلام، كما جاء في حديث أبي هريرة: "الجهاد سنام العمل" ، وفي حديث معاذ: "ألا أنبئكم برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله".
- فقه الجهاد: دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة، د. يوسف القرضاوي رحمه الله .

والجهاد هو ذروة سنام الإسلام ، بمعنى أنه سنة حفظ الدين، الذي يحفظ الدين للأمة ويحفظ كيانها ، فإذا كان العدو قد غزا أرضًا إسلامية واحتلها، فإن الجهاد ضده يصبح واجبًا على المسلمين كافة، في سائر أقطارهم، وليس على أهل البلاد المغتصبة فقط.


وذلك لأن الغزو والعدوان ظلمٌ وبغيٌ، وواجب المسلمين الدفاع عن أنفسهم وأراضيهم وأعراضهم. وهناك عدة أدلة من القرآن والسنة على مشروعية الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض، منها:
قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة: 190].
وقوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: 251].

وقوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد". رواه الترمذي والنسائي.
وبناءً على هذه الأدلة، فإن الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض هو واجب شرعي على المسلمين كافة، وذلك للدفاع عن أنفسهم وأراضيهم وأعراضهم، وحماية دينهم وشريعتهم.

وسائل الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض:

هناك عدة وسائل للجهاد ضد العدو المغتصب للأرض، منها: الجهاد بالسلاح، فيجوز للمجاهد ضد العدو المغتصب للأرض استخدام جميع الوسائل المشروعة، بما في ذلك السلاح. وهو القتال ضد العدو في ساحة المعركة. والجهاد بالكلمة، وهو دعم قضيتهم ونشر الوعي بين المسلمين. والجهاد بالمال، وهو تقديم المساعدة للمجاهدين. وواجب المسلمين أن يبذلوا كل ما في وسعهم للجهاد ضد العدو المغتصب للأرض، وذلك لتحقيق النصر وتحرير الأرض من الاحتلال.
إن الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض هو واجب ، وذلك لرد العدوان واسترداد الأرض المغتصبة، وحماية المسلمين من الظلم والاضطهاد، ونشر الدين الإسلامي وإقامة عدله في الأرض.

وهناك عدة أهداف للجهاد ضد العدو المغتصب للأرض، منها:

1. رد العدوان واسترداد الأرض المغتصبة.
2. حماية المسلمين من الظلم والاضطهاد.
3. نشر الدين الإسلامي وإقامة عدله في الأرض.

مشروعية الجهاد في الإسلام

ثبتت مشروعية القتال في سبيل الله بالكتاب، والسنة، والإجماع، والمعقول.
من الكتاب:
1- قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[البقرة: 216].
2- وقوله تعالى:(وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)[البقرة: 190].
3- وقوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[الأنفال: 39].
4- وقوله تعالى:(قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[التوبة: 29].
5- وقوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[التوبة: 41].

ومن السنة النبوية:

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ؛ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ). رواه الشيخان.
2- عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا وَلا تَغْدِرُوا وَلا تَمْثُلُوا وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ). رواه مسلم

والإجماع:

قد انعقد على فرضية الجهاد استناداً للآيات والأحاديث السابقة وغيرها. قال ابن عطية رحمه الله: "واستمر الإجماع على أن الجهاد على أمة محمد فرض كفاية، فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين، إلا أن ينزل العدو بساحة للإسلام، فهو حينئذ فرض عين".
وقال علي القاري: "ولا شك أن إجماع الأمة أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة لم ينسخ".
- مشروعية الجهاد وحكمه وشروطه، موقع على بصيرة - 28 صفر 1438 هـ
ومن المعقول:

فإن من المعلوم عند جميع العقلاء، وفي كل الأمم والحضارات أن استخدام القوة العسكرية ضرورة إذا لم تنجح غيرها من الوسائل لمنع الشر والظلم، ونصرة المظلومين والمستضعفين، وإحلال السلم، والسلام، والأمن، والأمان.

كما أن الحقّ لا بد له من مؤيد يدعمه ويحميه ويظهره، وإلا خبت جذوته، وكاد له الأعداء.
والكفار لن يرضيهم إلا ردّة المسلمين عن الإسلام، قال تعالى: (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120]، وسيقاتلون المسلمين حتى تتحقق لهم هذه الغاية، قال تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)[البقرة: 217]. فلا مناص من مقاتلتهم دفاعاً عن الدين والأنفس.

حكم الجهاد في سبيل الله

الجهاد نوعان: جهاد طلب وجهاد دفع، ولكل منهما حكم خاص به.

النوع الأول: جهاد الطلب:

أجمع العلماء على أن جهاد الكفار وطلبهم في عقر دارهم، وقتالهم إذا لم يقبلوا الإسلام فريضة مُحكمة غير منسوخة. وحكمه عند جمهورهم: فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، واستدلوا بالأدلة السابقة في الأمر بالجهاد في سبيل الله.

قال ابن حزم رحمه الله: "والجهاد فرض على المسلمين، فإذا قام به من يدفع العدو ويغزوهم في عقر دارهم ويحمي ثغور المسلمين سقط فرضُهُ عن الباقين، وإلا فلا، قال الله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ)[التوبة: 41]".

وقال ابن تيمية رحمه الله: "فإذا كان ابتداءً فهو فرض على الكفاية، إذا قام به البعض سقط الفرض عن الباقين، وكان الفضل لمن قام به، كما قال الله تعالى: (لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ)الآية".

لكن رُويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما، وسفيان الثوري رحمه الله، وغيرهما، أن جهاد الكفار ابتداءً تطوّع، والظاهر أن المراد بكلامهم أن الجهاد من فضائل الأعمال المستحبة، وأنه ليس فرضًا عينيًا على كل مسلم. قال الكمال بن الهمام، بعد ذكره الأدلة على فرضية الجهاد: "وبهذه ينتفي ما نُقِل عن الثوري وغيره أنَّه ليس بفرضٍ وأنَّ الأَمر به للنَّدْبِ ... ونُقِلَ عن ابن عمر، ويجب حمْلهُ إن صحَّ على أنَّه ليس بفرض عين"
وقال ابن عطية رحمه الله: "وذكر المهدوي وغيره عن الثوري أنه قال: الجهاد تطوع، وهذه العبارة عندي إنما هي على سؤال سائل، وقد قِيمَ بالجهاد".

- مشروعية الجهاد وحكمه وشروطه، موقع على بصيرة ، 28 صفر 1438 هـ


النوع الثاني: جهاد الدفع:

وهو فرض عين على القادرين من أهل البلد حتى يتحقق الاكتفاء بإخراج العدو من بلاد المسلمين، أو صدّه عنها.

قال ابن القيم رحمه الله: "فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعم وجوباً، ولهذا يتعين على كل أحد ... وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق".

وقال الخطيب الشربيني رحمه الله: "والحال الثاني من حال الكفار: أن يدخلوا بلدة لنا مثلاً؛ فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم. ويكون الجهاد حينئذ فرض عين، سواء أمكن تأهبهم لقتال أم لم يمكن ... ومن هو دون مسافة القصر من البلدة التي دخلها الكفار حكمُه كأهلها وإن كان في أهلها كفاية؛ لأنه كالحاضر معهم ... ويلزم الذين على مسافة القصر المضي إليهم عند الحاجة بقدر الكفاية دفعاً لهم وإنقاذاً من الهلكة، فيصير فرض عين في حق من قَرُبَ، وفرض كفاية في حق من بَعُدَ".

فإن لم يكن في أهل البلد كفاية فيجب على من يليهم من المسلمين القتال معهم حتى تتحقق الكفاية.

قال الجصّاص رحمه الله: "ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو ولم تكن فيهم مقاومة لهم؛ فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم أن الفرض على كافّة الأمة أن ينفر إليهم من يكفّ عاديتهم عن المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة، إذا ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حين يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم".

وقال ابن تيمية رحمه الله: "وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب؛ إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة".

الحالات التي يصبح فيها القتال فرضاً عينياً:

يكون القتال فرض عين في الحالات الآتية:

1. إذا حضر المسلمُ القتالَ وكان في عداد المجاهدين في المعركة، فيجبُ عليه وجوباً عينيًّا أن يستمرَّ في القتال؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الأنفال: 45]، ولقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأْدْبَارَ)[الأنفال: 15].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ). رواه الشيخان.

2. إذا هاجم الكفَّارُ بلداً من بلاد المسلمين فيجب على أهلها دفعُهم وقتالهم، كما تقدّم. وهذه الحالة يسميها العلماء: النفير العام، قال الكاساني رحمه الله: "فأما إذا عمّ النفير بأن هجم العدو على بلد، فهو فرض عين يفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه؛ لقوله سبحانه وتعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا)[التوبة: 41] قيل: نزلت في النَّفير".

3. إذا استنفر الإمام رجلاً بعينه أو جماعة بعينها صار الجهاد في حقِّهم فرضَ عين. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التوبة :38-39].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإذا استُنفِرتُم فانفِرُوا)[ 15 ]. قال الحافظ ابن حجر: "وفيه وجوب تعيين الخروج في الغزو على من عيّنه الإمام".

ويلحق بهذه الحالة: إذا دعت حاجة المجاهدين إلى شخص بذاته؛ لخبرته أو مهارته، كَرَامٍ، أو طبيب، أو طيّار، ونحوهم؛ فيجب عليه حتى تنتهي الحاجة إليه أو تتحقق الكفاية بغيره، قال القرطبي رحمه الله: "وكذلك كلُّ من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنّه يُدركُهم ويُمكنهُ غِياثُهم: لَزِمهُ أيضاً الخروج إليهم".

مشروعية الجهاد وحكمه وشروطه، موقع على بصيرة - 28 صفر 1438 هـ


ضوابط الجهاد الشرعي

الجهاد الشرعي هو القتال في سبيل الله تعالى، وقد اشترط الفقهاء لصحة الجهاد الشرعي توافر سبعة شروط، وهي:
1- التكليف .
2- الحرية .
3- القدرة .
4- الذكورية .
5- إذن الوالدين .
6- إذن ولي الأمر .

1- التكليف :
فالواجبات الشرعية تجب على البالغ العاقل ، وقد جاء دليل خاص بالجهاد على شرط التكليف ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ردَّ ابن عمر حينما عُرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد وهو ابن أربع عشرة فلم يجزه ، وعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه .
وقال ابن القيم : (إن النبي صلى الله عليه وسلم رده لما استصغره عن القتال ، وأجازه لمَّا وصل إلى السن التي رآه فيها مطيقًا).

2- الحرية :
فالعبد ليس من أهل القتال ، قال تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ) [التوبة: 91] ، قال محمد بن عيسى بن أصبغ : (فأما العبد فالجمهور على أنه ليس من أهل الفرض في الجهاد ، وأنه لم يخاطب بذلك إلا الأحرار ؛ لأن فعل الجهاد تصاب فيه النفس والمال بالإتلاف ، وهو مقصور على ذلك بالشرع).

3- القدرة على النصر:
يشترط لاعتبار الجهاد شرعياً أن يكون لدى المسلمين القدرة على النصر على العدو، أو على الأقل أن يكون لديهم أمل قوي في النصر. وهذا الشرط ضروري لمنع المسلمين من الإقدام على جهاد خاسر، يؤدي إلى الإضرار بهم وبث اليأس في نفوسهم. والقدرة شرط معتبر ، قال تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) [التوبة: 91] .

والقصد الصحيح:

القصد الصحيح هو الدافع الأساسي للجهاد، وهو ما يميز الجهاد الشرعي عن الجهاد البدعي. فالجهاد الشرعي لا يكون إلا لله تعالى، ونصرة دينه، وإعلاء راية التوحيد. أما الجهاد البدعي فهو جهاد يهدف إلى تحقيق أهداف دنيوية، مثل تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.

القدرة على النصر:

يشترط لاعتبار الجهاد شرعياً أن يكون لدى المسلمين القدرة على النصر على العدو، أو على الأقل أن يكون لديهم أمل قوي في النصر. وهذا الشرط ضروري لمنع المسلمين من الإقدام على جهاد خاسر، يؤدي إلى الإضرار بهم وبث اليأس في نفوسهم.

وعدم وجود مفسدة أكبر: يشترط لاعتبار الجهاد شرعياً أن لا يترتب عليه مفسدة أكبر من مفسدة تركه. فمثلاً، إذا كان الجهاد سيؤدي إلى قتل الكثير من المسلمين، أو إلى تدمير أموالهم أو بيوتهم، فإن تركه يكون أولى من إجرائه.

وجود راية معلومة وهدف واضح: يشترط لاعتبار الجهاد شرعياً أن يكون له راية معلومة، وهدف واضح. فالجهاد لا يكون إلا لهدف محدد، مثل نصرة الإسلام، أو الدفاع عن حدود الدولة، أو حماية الحرمات.

واتفق الفقهاء على أن الجهاد لا يجب إلا على المسلم البالغ العاقل الذكر، القادر على القتال. والقدرة على القتال تعني أن يكون الشخص قادرًا على حمل السلاح والدفاع عن نفسه وعن المسلمين الآخرين.

وتشمل القدرة على القتال عدة أمور، منها

1. أن يكون الشخص سليمًا من العيوب الجسدية التي تحول دون القتال، مثل العمى أو الشلل أو المرض المقعد.
2. أن يكون الشخص قادرًا على حمل السلاح واستخدامه.
3. أن يكون الشخص قادرًا على تحمل مشاق السفر والقتال.
4. وأما المرأة فليست من أهل القتال، لضعفها وخورها، ولذلك لا يجب عليها الجهاد.

يُستثنى من شرط القدرة على القتال بعض الأشخاص، وهم:
1. المريض الذي لا يستطيع القتال بسبب مرضه.
2. الكبير في السن الذي لا يستطيع القتال بسبب كبر سنه. والمرأة الحامل أو المرضعة.
3. ومن يقوم برعاية أسرة أو غيرها من الأعمال التي تقتضي وجوده في مكانه.
4. وإذا كان الشخص غير قادر على القتال بنفسه، فإنه يمكنه أن يسهم في الجهاد بطرق أخرى، مثل:
5. الجهاد بالمال والمساعدات. والتبرع بالدم أو بالأعضاء. والعمل الإعلامي أو الدعوي.
وخلاصة القول أن القدرة على القتال شرط أساسي للجهاد، وأن من لا يمتلك هذه القدرة يمكنه أن يسهم في الجهاد بطرق أخرى.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
(ومن كان عاجزًا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه من النصيحة بقلبه ، والدعاء للأمة ، ومحبة الخير ، وفعل ما يقدر عليه من الخير ، لم يكلف ما عجز عنه).

وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن الجهاد : (ولا بد فيه من شرط وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال ، فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة .. إلى أن قال : وعلى هذا ، فلا بد من هذا الشرط وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات).

4- الذكورية :

من شروط وجوب الجهاد الذكورية ، قال تعالى : ( وَإِذَا أُنْـزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ) [التوبة: 86، 87] .
قال الحافظ محمد الكرجي رحمه الله (ت : 360 هـ) في فوائد الآية : (فيه دليل على أن النساء لا جهاد عليهن وإن أطقنه ؛ لأنه جل جلاله قد ذكر الخوالف مرتين في الآية الأولى ، والثانية ، ولم يخرجهن ، إنما أخرج من تشبه في التخلف عنه بمن لا جهاد عليه ).
وبناءً على ذلك، فإن المرأة لا تُفرض عليها الجهاد، وذلك لضعفها ، وعدم قدرتها على تحمل المشاق والصبر على الحرب. وقد وردت أحاديث نبوية شريفة تؤكد على شرط القدرة على القتال في الجهاد، منها: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: "جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة".

5- إذن الوالدين :

عن عبد الله بن عمرو قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد ، فقال : ( أحي والداك ؟ قال : نعم ، قال : ففيهما فجاهد ). أي خصصهما بجهاد النفس في رضاهما.
وقد بيَّن الحافظ ابن حجر رحمه الله : (أن هذا الرجل استفصل عن الأفضل في أعمال الطاعات ؛ ليعمل به ؛ لأنه سمع فضل الجهاد فبادر إليه ، ثم لم يقنع حتى استأذن فيه ، فَدُلَّ على ما هو أفضل منه في حقِّه) فقوله صلى الله عليه وسلم : ( ففيهما فجاهد ) ، قال الحافظ ابن حجر أيضًا : (أي إن كان لك أبوان فبالغ جهدك في برهما ، والإحسان إليهما ؛ فإن ذلك يقوم مقام الجهاد).

6- إذن ولي الأمر :

إذا هجم العدو على المسلمين فيكون الجهاد فرض عين ، ففي هذه الحال يجب قتالهم على كل مسلم ، ولا يشترط إذن الإمام حينئذٍ .


أما الجهاد الذي يقصد منه الفتح ، ودعوة الكفار إلى الإسلام ، وقتال من أبى الخضوع لحكم الله ، فهذا لا بد فيه من إذن الإمام ، وبذلك تنضبط الأمور .

قال ابن قدامة رحمه الله :
" وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده ، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك " .المغني ( 10 / 368 ) .

وإذن الإمام مانع من الفوضى التي يمكن أن تنشأ من إعلان بعض المسلمين الحرب على أعداء الله دون تقدير لظروفهم وقوتهم وقوة عدوهم .

يشترط لاعتبار الجهاد شرعياً أن يأذن به ولي الأمر، ويوافق عليه. فولي الأمر هو المسؤول عن حماية المسلمين، وعليه أن يقرر ما إذا كان الجهاد ضرورياً أم لا. لأن الجهاد عمل جماعي، ولذلك اشترط العلماء أن يكون الجهاد بقيادة ولي الأمر المسلم، أو من ينوب عنه. وقد قال الله تعالى: "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ".


واجتماع الناس من قبَل الإمام يزيدهم قوة ، فضلاً عن التزامهم بالواجب الشرعي في طاعته فيما لم يخالف فيه شرع الله ، وبذلك يكون المسلمون المجاهدون صفّاً واحداً يجتمعون على نصرة الدين وحماية شرع الله .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها ، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع ، لحاجة بعضهم إلى بعض ، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ) رواه أبو داود من حديث أبى سعيد وأبى هريرة ، وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم ) فأوجب تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع ؛ ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة ، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود ، لا تتم إلا بالقوة والإمارة ، ولهذا روي " أن السلطان ظل الله في الأرض " ، ويقال : " ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان " والتجربة تبين ذلك ".
- مجموع الفتاوى شيخ الإسلام ( 28 / 390 ، 391 ) .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : " لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر ؛ لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور وليس أفراد الناس، فأفراد الناس تبع لأهل الحل والعقد، فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع ، إذا فاجأهم عدو يخافون شره وأذاه فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم، لتعين القتال إذًا . وإنما لم يجز ذلك لأن الأمر منوط بالإمام ، فالغزو بلا إذنه افتيات عليه ، وتعد على حدوده ، ولأنه لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى ، كل من شاء ركب فرسه وغزا ، ولأنه لو مكن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة ، فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو وهم يريدون الخروج على الإمام ، أو يريدون البغي على طائفة من الناس ، كما قال الله تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) [ الحجرات:9 ]، فلهذه الأمور الثلاثة ولغيرها أيضاً لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام ".
- الشرح الممتع لابن عثيمين ( 8 / 22 ) .


" الجهاد لإعلاء كلمة الله وحماية دين الإسلام والتمكين من إبلاغه ونشره وحفظ حرماته فريضة على من تمكن من ذلك وقدر عليه ، ولكنه لا بد له من بعث الجيوش وتنظيمها خوفاً من الفوضى وحدوث ما لا تحمد عقباه ؛ ولذلك كان بدؤه والدخول فيه من شأن ولي أمر المسلمين ، فعلى العلماء أن يستنهضوه لذلك ، فإذا ما بدأ واستنفر المسلمين فعلى من قدر عليه أن يستجيب للداعي إليه مخلصاً وجهه لله ، راجياً نصرة الحق ، وحماية الإسلام ، ومن تخلف عن ذلك مع وجود الداعي وعدم العذر : فهو آثم ".
- فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء ( 12 / 12 ) .

وقد سئل بعض أهل العلم عن حكم القتال بدون إذن الإمام ، فقال : ( لا يجوز ما دام أنه ليس للمجاهدين إمام شرعي ؛ لأن هذا يجر على المسلمين شرًا وضررًا أكثر مما يتوقع من المصلحة ، فلا جهاد في الإسلام إلا بإمام ، هذه هي القاعدة ، وهذا مما يدل على ضرورة نصب الأئمة).
مجلة البحوث الإسلامية العدد السابع والتسعون الإصدار من رجب إلى شوال 1433 هـ البحوث الفرق بين الجهاد والإرهاب ، شروط الجهاد ، فتاوى الشيخ صالح الفوزان.

الحكم لو خلا الزّمانُ عن السّلطان

إن كان للمسلمين إمام يمكن استئذانه فيجب؛ لأن أمر القتال موكول إليه، فإن لم يمكن استئذانه كما لو فاجأهم العدو فلا يجب استئذانه. قال الإمام أحمد رحمه الله: "إن كانوا يخافون على أنفسهم وذراريهم فلا بأس أن يقاتلوا من قبل أن يأذن الأمير، لكن لا يقاتلوا إذا لم يخافوا على أنفسهم وذراريهم إلا أن يأذن الإمام".
- مسائل الإمام أحمد بن حنبل، رواية ابنه عبد الله، رقم (959) ص (259).

وقال ابن قدامة رحمه الله:
"ولأنَّهم إذا جاء العدو: صار الجهاد عليهم فرض عين، فوجب على الجميع، فلم يَجُز لأحدٍ التخلف عنه، فإذا ثبت هذا فإنهم لا يخرجون إلا بإذن الأمير، لأنَّ أمر الحرب موكولٌ إليه، وهو أعلم بكثرة العدو وقلتهم، ومكامن العدو وكيدهم، فينبغي أن يُرجع إلى رأيه؛ لأنه أحوط للمسلمين، إلا أن يتعذر استئذانه؛ لمفاجـأة عدوّهم لهم، فلا يجب استئذانه؛ لأن المصلحة تتعين في قتالهم، والخروج إليهم، لتعين الفساد في تركهم، ولذلك لما أغار الكفار على لِقَاحِ النبي صلى الله عليه وسلم.
- اللقاح جمع لقحة، وهي الناقة اللبون التي ترضع صغيرها

فصادفهم سلمة بن الأكوع خارجًا من المدينة، تبعهم فقاتلهم من غير إذن، فمدحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (خير رجالتنا سلمة بن الأكوع). وأعطاه سهم فارس وراجل".
- المغني (9/ 213-214)

كذلك لا يجب استئذان الإمام في دفع الصائل، وهو المعتدي على النفس والمال والعرض، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ).
- رواه مسلم، رقم (140)

فإن لم يكن للمسلمين إمام:
فيجب على المسلمين أن يتخذوا أميراً أو قائداً لينتظم لهم أمر القتال، ويوحّد كلمتهم.

قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "إذا عُدِم السلطان لزم أهل الشوكة الذين هم أهل الحل والعقد ثم أن ينصبوا قاضياً، فتنفذ حينئذ أحكامُه للضرورة الملجِئَةِ لذلك".
- تحفة المحتاج في شرح المنهاج (7/261)

وقال أبو المعالي الجويني رحمه الله: "لو خلا الزّمانُ عن السّلطان فحقٌّ على قُطّان كلّ بلدةٍ، وسكّان كلِّ قريةٍ، أنْ يقدّموا مِن ذوي الأحلام والنُّهى، وذوي العقول والحِجا مَن يلتزمون امتثالَ إشاراته وأوامره، وينتهون عن مناهيه ومزاجره؛ فإنّهم لو لم يفعلوا ذلك، تردّدوا عند إلمام المهمّات، وتبلّدوا عند إظلال الواقعات".
- غياث الأمم في التياث الظلم (1/386-387)
- مشروعية الجهاد وحكمه وشروطه، موقع على بصيرة - 28 صفر 1438 هـ


قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولهذا قال العلماء يجب القتال ويكون فرض عين في أمور أربعة :
الأول : إذا حضر الصف : لقوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ
وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الأنفال 15- 16]

وجعل النبي صلى الله عليه وسلم التولي يوم الزحف من كبائر الذنوب من الموبقات ، إلا أن الله تعالى خفف عن عباده ، وأذن للمسلمين إذا كان العدو أكثر من مثيلهم أن يفروا لقول الله تعالى : ﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال 66] ولهذا أجاز العلماء الفرار من العدو إذا كان أكثر من الضعف .

الثاني : إذا استنفره الإمام ، يعنى إذا قال الإمام : " اخرج وقاتل " ، فإنه يجب على المسلمين أن يخرجوا ويقاتلوا لقول الله تبارك وتعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ﴾[التوبة 38] يعنى ملتم إليها بثقل ، ومعلوم أن الذى يختار الأرض على السماء أنه ضائع ﴿ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [ التوبة: 38 ].

الثالث : إذا حاصر العدو بلده فقد أصبح الجهاد واجباً ، لأنه جهاد دفاع ، لأن العدو إذا حاصر البلد معناه أن أهلها يكونون عرضة للهلاك ، لاسيما في مثل وقتنا الحاضر إذا حصر العدو البلد ، و قطع الكهرباء و المياه ، وقطع مصادر الغاز ، وما أشبه ذلك ، معناه أن الأمة سوف تهلك ، فيجب الدفاع ما دام عندهم ما يمكن أن يدافعوا به يجب أن يدفعوا .

الرابع : إذا كان محتاجاً إليه : يعنى إذا احتيج إلى هذا الرجل بعينه وجب أن يقاتل .

فهذه أربعة مواضع ذكر العلماء رحمهم الله أن الجهاد فيها يكون فرض عين ، وما عدا ذلك يكون فرض كفاية لأمر الله تعالى به في آيات كثيرة من القرآن ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن : ( الجهاد ذروة سنام الإسلام ) ، يعنى أن المجاهدين يعلون على أعدائهم ، ولهذا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بذروة السنام ،لأنه أعلى ما في البعير ، فالجهاد فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقي ، وان لم يقم به من يكفي تعين عليه .

ولكن كل واجب لا بد فيه من شرط القدرة ، والدليل على ذلك النصوص من القرآن والسنة ومن الواقع ايضا ، أما القرآن فقد قال تعالى : ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ ﴾ [ البقرة 286 ] وقال تعالى : ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ ﴾ [التغابن 16]
وقال تعالى : ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ ﴾ [ الحج: 78]
يعني، حتى لو امرتم بالجهاد ما فيه حرج إن قدرتم عليه فهو سهل ، وان لم تقدروا عليه فهو حرج مرفوع ، اذالا بد من القدرة و الاستطاعة ،هذا من القرآن . ومن السنة قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) وهذا عام في كل أمر لأن قوله : ( بأمر) نكرة في سياق الشرط فيكون للعموم ، سواء أمر العبادات أو الجهاد أو غيره .

وأما الواقع فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة يدعو الناس إلى توحيد الله ، وبقى على هذا ثلاثة عشرة سنة لم يؤمر بالجهاد مع شدة الايذاء له ولمتبعيه عليه الصلاة والسلام ،وقلة التكاليف ؛ فاكثر أركان الإسلام ما وجبت إلا في المدينة ، ولكن هل أمروا بالقتال ؟ الجواب : لا . لماذا ؟ لانهم لا يستطيعون ، وهم خائفون على أنفسهم .
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج من مكة خائفا على نفسه ولذلك لم يوجب الله عز وجل القتال الا بعد أن صار للأمة الإسلامية دولة وقوة قال تعالى ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [ الحج 39].

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن شرط القدرة في الجهاد : لا بد فيه من شرط وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال ، فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاءً بأنفسهم إلى التهلكة ، ولهذا لم يوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين القتال وهم في مكة ، لأنهم عاجزون ضعفاء ، فلما هاجروا إلى المدينة وكونوا الدولة الإسلامية ، وصار لهم شوكة أُمروا بالقتال ، وعلى هذا فلا بد من هذا الشرط ، وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات ، لأن جميع الواجبات يشترط فيها القدرة ، لقوله تعالى : ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ ﴾ [ التغابن: 16] وقوله تعالى ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ ﴾ [ البقرة: 286]
المصدر : فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة.

من شروط وجوب الجهاد: القدرة على مؤنته ونفقة من تلزم المجاهد نفقته مدة غيابه
من شروط وجوب الجهاد: القدرة على مؤنة الجهاد، ومنها نفقة من يلزمه نفقته مدة غيابه.
قال الإمام الشافعي في (الأم): إن كان سالم البدن، قويه، لا يجد أهبة الخروج، ونفقة من تلزمه نفقته إلى قدر ما يرى لمدته في غزوه، فهو ممن لا يجد ما ينفق، فليس له أن يتطوع بالخروج ويدع الفرض. اهـ.
وقال النووي في (الروضة): وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ جَمِيعِ ذَلِكَ فَاضِلاً عَنْ نَفَقَةِ مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. اهـ.
وقال ابن قدامة في (المغني): أَمَّا وُجُودُ النَّفَقَة، فَيُشْتَرَطُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ) ، وَلأَنَّ الْجِهَادَ لا يُمْكِنُ إلا بِآلَةٍ، فَيُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا. فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ عَلَى مَسَافَةٍ لا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلاةُ، اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ وَاجِدًا لِلزَّادِ، وَنَفَقَةِ عَائِلَتِهِ فِي مُدَّةِ غِيبَتِهِ، وَسِلاحٍ يُقَاتِلُ بِهِ... اهـ.
وجاء في (الموسوعة الفقهية): لا يجب على الفقير الذي لا يجد ما ينفق في طريقه، فاضلاً عن نفقة عياله؛ لقوله عز وجل: ( وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ) ، وإن بذل له الإمام ما يحتاج إليه من وسيلة نقل، وجب عليه أن يقبل ويجاهد، لأن ما يعطيه الإمام حق له، وإن بذل له غير الإمام لم يلزمه قبوله. اهـ.
حديث ابن عباس مرفوعا: «خير الناس منزلة: رجل آخذ برأس فرسه في سبيل الله عز وجل حتى يموت أو يقتل» (رواه مالك وأحمد والترمذي والنسائي واللفظ له). ليس معناه أن المجاهد يبقى أبدا في غزوه، لا يرجع منه البتة، ويبقى دائما في سفر جهاده! وإنما معناه أن ذلك هو الغالب على حاله، وأنه يكثر الخروج للغزو والجهاد يلتمس الشهادة.
قال السندي في حاشيته على النسائي: كناية عن مداومة الجهاد. اهـ.
وقال الباجي في شرح الموطأ: قوله صلى الله عليه وسلم: «رجل آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله»، يريد والله أعلم أنه مواظب على ذلك، ووصفه بأنه آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله، بمعنى أنه لا يخلو في الأغلب من ذلك راكبا له، أو قائدا، هذا معظم أمره، ومقصوده من تصرفه، فوصف بذلك جميع أحواله، وإن لم يكن آخذا بعنان فرسه في كثير منها. اهـ.
ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة مرفوعا: «من خير معاش الناس لهم: رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعة، أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانه» (رواه مسلم).
قال السندي في حاشيته على ابن ماجه: « مُمْسِك بِعِنَانِ فَرَسه » أَيْ مُلَازِم لَهُ، كَثِير الرُّكُوب عَلَيْهِ لِلْحَرْبِ وَالْجِهَاد، وَلَيْسَ الْمُرَاد الدَّوَام عَلَى ظَهْر الْفَرَس إِذْ لَا بُدّ مِنْ النُّزُول. اهـ.
- فتاوى الشبكة الإسلامية.

أهداف الجهاد الشرعي

حثت الشريعة الإسلامية على الجهاد في سبيل الله تعالى، وأكدت على فضله وأجره العظيم. قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) [البقرة: 190]. ولكن يجب أن يكون الجهاد في سبيل الله تعالى خالصًا لله تعالى. كما يجب أن يكون الجهاد بالطرق المشروعة.

وأن يكون القصد هو إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى. وأن يكون ذلك على وفق شرع الله، فإن هذا القتال لا يكون في سبيل الله إلا إذا كان على ما شرَّعه وبينه ووضحه وهدى إليه، أما إذا كان ذلك على سبيل الحمية، أو العصبية الجاهلية، أو نحو ذلك مما يخالف هذا المقصود، أو كان ذلك على طريقة منحرفة كالذي يستحل قتال المسلمين ودماءهم وأموالهم ويعد ذلك قتالاً في سبيل الله، فهذا ليس في سبيل الله، وكذلك من يقتل بالظنون الكاذبة الفاسدة، ويتساهل في شأن الدماء، فإن عمل هذا ليس صالحًا وليس في سبيل الله وإن اعتقد أو زعم صاحبه أن عمله في سبيل الله، فإن الله تعالى قد بين شرائعه ووضحها غاية الإيضاح، وهدي النبي ﷺ يشرح القرآن، ويبينه بهديه وقوله، وسنته القولية، وكذلك العملية.
والمقصود من القتال هو إعزاز الدين، وإعلاء كلمة رب العالمين، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فينتج عن ذلك الصلاح والإصلاح، وأما إذا كان هذا القتال ينتج الفتن والفساد في الأرض فإن ذلك لا يكون مشروعًا.
ولقد حددت الشريعة الإسلامية أهداف الجهاد الشرعي، وهي:
1. حماية الدين: وذلك من خلال مقاومة الكفار الذين يحاربون الإسلام، ويحاولون نشر الفساد في الأرض.
2. حماية النفس: وذلك من خلال الدفاع عن النفس والأهل والوطن من العدوان.
3. حماية العرض: وذلك من خلال حماية النساء والأطفال من الاعتداء عليهم.
4. حماية المال: وذلك من خلال حماية الأموال من النهب والسلب.

فضل شهيد المعركة في القرآن والسُنة


قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [ آل عمران: 169]
وروى الامام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنَّ لِلشَّهِيدِ عِندَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سِتَّ خِصَالٍ: أَن يُغفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفعَةٍ مِن دَمِهِ، وَيَرَى مَقعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيمَانِ، وَيُزَوَّجَ مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُجَارَ مِن عَذَابِ القَبرِ، وَيَأمَنَ مِنَ الفَزَعِ الأَكبَرِ، وَيُوضَعَ عَلَى رَأسِهِ تَاجُ الوَقَارِ اليَاقُوتَةُ مِنهُ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجَ اثنَتَينِ وَسَبعِينَ زَوجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعَ فِي سَبعِينَ إِنسَانًا مِن أَقَارِبِهِ ».
رواه أحمد (17182) والترمذي (1663) والنسائي (1938) وابن ماجة (2799).
وفضل من يجرح للجهاد ولو لم ينل الشهادة: فعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « والذي نفسي بيده لا يُكْلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يُكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة، واللون لون الدم، والريح ريح المسك ». رواه البخاري برقم (2803).

بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالجهاد ضد العدو المغتصب للأرض

شروط الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض

يشترط لصحة الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض توافر عدة شروط، منها:
1. أن يكون القتال ضروريًا لتحرير الأرض من الاحتلال.
2. أن يكون القتال مشروعًا وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
3. أن يكون العدو قد قام بظلم المسلمين وحرمهم من حقوقهم المشروعة.
أحكام القتال في الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض

لقد كتب الله الجهاد والقتال لأنه عاصم للفتن وساد لباب الاعتداء وهو أخذ بيد الظالمين المعتدين أنى كان مذهبهم وأنى كانت وجهتهم ، فيجوز في الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض استخدام جميع الوسائل المشروعة، بما في ذلك السلاح. وقد حدد الفقهاء بعض الأحكام الخاصة بالقتال في الجهاد، ومنها: وجوب أن يكون القتال في إطار الأحكام الشرعية.
وإذا حصر بلده العدو فيجب عليه القتال دفاعاً عن البلد ، وهذا يشبه من حضر الصف في القتال ؛ لأن العدو إذا حصر البلد فلا بد من الدفاع ؛ إذ إن العدو سيمنع الخروج من هذا البلد ، والدخول إليه ، وما يأتي لهم من الأرزاق ، وغير ذلك مما هو معروف ، ففي هذا الحال يجب أن يقاتل أهل البلد دفاعاً عن بلدهم .
وإذا كان المقصود من الجهاد دفع عدوان العدو الذي تمكن من اغتصاب أرض المسلمين، كما هو الحال في الأرض المباركة "فلسطين" فإن الواجب على جميع المسلمين في هذا البلد، أن يتحدوا ويخططوا للقيام بمقاومة العدو الممكنة، وهي تتمثل في العصيان المدني، كالإضراب الشامل أو الجزئي، وحرب الكمائن التي تقوم بها الوحدات المنفصلة.
- حكم عقد الهدنة مع العدو للحاجة.

ما حكم تعطيل الجهاد؟

ورد في الأمر بالجهاد في سبيل الله ، والترهيب من تركه الكثير من الآيات والأحاديث .
وإذا ترك المسلمون الجهاد في سبيل الله ، وآثروا حياة الدعة والراحة ، وركنوا إلى الدنيا ، أصابهم الذل والهوان ، وفسدت أمورهم ، وعرضوا أنفسهم لمقت الله تعالى وغضبه . وتعرض الإسلام للضياع ، وطغيان الكفر عليه . ولذلك كان ترك الجهاد من كبائر الذنوب .
وترك الجهاد من كبائر الذنوب . قال ابن حجر في "الزواجر" : (الكبيرة التسعون والحادية والثانية والتسعون بعد الثلاثمائة ترك الجهاد عند تعينه ، بأن دخل الحربيون دار الإسلام أو أخذوا مسلماً وأمكن تخليصه منهم . وترك الناس الجهاد من أصله . وترك أهل الإقليم تحصين ثغورهم بحيث يخاف عليها من استيلاء الكفار بسبب ترك ذلك التحصين) اهـ .


ولذلك صار معلوما ومقررا عند الصحابة أنه لا يقعد عن الجهاد إذا كان فرض عين إلا ضعيف معذور أو منافق ، وهذا ما يحكيه كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن تبوك : (فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطُفْتُ فِيهِمْ أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ) . رواه البخاري (4066) ومسلم (4973) .
- المصدر: الإسلام سؤال وجواب.

فضل الشهيد في الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض

يُعد الشهيد في الجهاد ضد العدو المغتصب للأرض من أعظم الشهداء، وذلك لأنه دافع عن دينه وعرضه.
" ولقد دل الكتاب والسنة الصحيحة، على أن الرباط في الثغور من الجهاد في سبيل الله، لمن أصلح الله نيته؛ لقول الله جل وعلا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [آل عمران:200]، وقول النبي ﷺ: ( رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه، وأمن الفتان ) رواه مسلم في صحيحه. وفي الصحيحين، عن النبي ﷺ أنه قال: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها. وفي صحيح البخاري رحمه الله عن النبي ﷺ أنه قال: ( من اغبرت قدماه في سبيل الله، حرمه الله على النار). ولاشك أن الدفاع عن الدين والنفس والأهل والمال والبلاد وأهلها، من الجهاد المشروع، ومن يقتل في ذلك وهو مسلم يعتبر شهيدًا؛ لقول النبي ﷺ: ( من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد)".
(مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 18/ 92) بعنوان : دفاع المسلمين عن بلادهم من الجهاد نشر في كتاب (فتاوى إسلامية)، من جمع الشيخ محمد المسند 2 / 259.

الأحكام الفقهية المتعلقة بالدفاع عن فلسطين

1. الدفاع عن النفس والأرض: يُعد الدفاع عن النفس والأرض من أهم الأحكام الشرعية.
2. الدفاع عن المقدسات: يُعد الدفاع عن المقدسات الإسلامية من الواجبات الشرعية، وقد نص القرآن الكريم على ذلك في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [ الحج: 40]
3. الدفاع عن الحق: يُعد الدفاع عن الحق من الواجبات الشرعية.
الأحكام الفقهية المتعلقة بوسائل الدفاع عن فلسطين
1. وسائل الدفاع الشرعية: يُجوز استخدام وسائل الدفاع الشرعية في الدفاع عن فلسطين، ومن هذه الوسائل:
2. الجهاد بالسلاح: وهو استخدام السلاح المشروع للدفاع عن النفس والأرض.
3. الجهاد باللسان: وهو الدعوة إلى الحق والجهاد ضد الباطل.
4. الجهاد بالمال: وهو الإنفاق في سبيل الله، بما في ذلك دعم المقاومة الفلسطينية.
وسائل الدفاع المحرمة:
يُحرم استخدام وسائل الدفاع المحرمة في الدفاع عن فلسطين، ومن هذه الوسائل:
1. الاعتداء على المدنيين: وهو من كبائر الذنوب.
2. استخدام الأسلحة المحرمة: مثل الأسلحة الكيميائية أو النووية.
3. الاستعانة بالكفار في محاربة المسلمين: وهو من المحظورات الشرعية.

أهمية الدفاع عن فلسطين

تُعد فلسطين قضية إسلامية وإنسانية، وواجب على المسلمين الدفاع عنها بكل الوسائل المشروعة. ويتمثل أهمية الدفاع عن فلسطين في الآتي:
حماية المقدسات الإسلامية: تضم فلسطين العديد من المقدسات الإسلامية، مثل المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي، وواجب على المسلمين الدفاع عنها من الاحتلال الإسرائيلي.
حماية الشعب الفلسطيني: يعاني الشعب الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 70 عامًا، وواجب على المسلمين الدفاع عن حقوقه المشروعة.
تعزيز الحق والعدل: يُعد الدفاع عن فلسطين دفاعًا عن الحق والعدل، وواجب على المسلمين العمل على تحقيق العدالة في العالم.

مكانة المسجد الأقصى في الإسلام


المسجد الأقصى: هو مَسرى رسولِ اللهِ في ليلة الإسراء والمعراج ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [ الإسراء: 1]
المسجد الأقصى: أحد المساجد الثلاث التي تشد إليها الرحال للعبادة فيها.
المسجد الأقصى: الصلاة فيه تعادل خمسمئة صلاة في غيره من المساجد.
المسجد الأقصى: أول قبلة للمسلمين في أول الإسلام.
مدينة القدس: فتحها عمر بن الخطاب وحررها صلاح الدين الأيوبي.
- الجهاد في الإسلام لم يشرع محبة في إراقة الدماء، أو للاستيلاء على الأموال، بل شرع لدرء الفتنة والدعوة إلى الحق، ولتكون كلمة الله هي العليا، ولذلك التزم المسلمون في حروبهم بأخلاقيات عالية وسلوكيات رفيعة.

حكم الجهاد في فلسطين

الجهاد في فلسطين من آكد أنواع الجهاد الواجب في هذا الزمان، والواجب فيه يختلف باختلاف أحوال الناس وقُدراتهم لكن من الواجب أن يبحث المؤمن المجاهد عن أنقى الرايات المرفوعة وينضم إليها، ولا أرى أنه يجوز الانضمام تحت رايات تُنابِذ الشريعة وترتضي غير الإسلام منهجاً وطريقاً لا سيما وأن هناك رايات عديدة إسلامية يمكن الجهاد تحت لوائها.

هل الجهاد في فلسطين فرض؟

قضية تحرير القدس الشريف مَسرى رسول الله وكامل فلسطين، هي واجب شرعي في ذمة جميع أبناء الأمة الإسلامية في كامل أصقاع العالم، وبذلك فإنه لا يجوز شرعاً أن يتغاضى عنها ويلقى بها إلى المجتمع الدولي الذي دأب على الدعم الأساسي للكيان الصهيوني الغاصب وحضانته.
حكم الجهاد في فلسطين لمن كان قادرا؟
يقول الكاساني الحنفي: فأما إذا عم النفير بأن هجم العدو على بلدٍ فهو فرض عين يفترض على كل واحد من آحادٍ المسلمين ممن هو قادر عليه، فيباح للولد أن يخرج بغير إذن والديه؛ لأن حق الوالدين لا يظهر في فروض الأعيان كالصوم والصلاة.
قال تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [ التوبة: 111]
وقال تعالى ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۚ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [ سورة النساء: 74]
وقال تعالى ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [ النساء: 76]
قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
وقوله سبحانه: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
وقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).

أنواع الجهاد في سبيل الله


- الجهاد بالمال

نصَّ القرآنُ الكريمُ، والسنةُ النبويةُ على أنواعٍ للجهادِ في الإسلام، مِنْ أهمِّها الجهادُ بالمال، وفي عِدّةِ مواضعَ قُدِّم الجهادَ بالمالِ على الجهادِ بالنفس، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات:15] .
ولا يعني تقديمُ الجهادِ بالمالِ على الجهادِ بالنفسِ أنَّ الجهادَ بالمالِ أعظمُ، فالجهادُ بالنفس مُقدَّمٌ، إلا أنَّ المالَ مُحبَّبٌ للنفوسِ، يحرِصُ الكثيرونَ على جمعِه، فكان لابُدَّ من الجهادِ به.
وقد ذهب الآلوسيُّ رحمه الله إلى القول بأنَّ تقديمَ الأموالِ على الأنفُسِ؛ لأنه مِنْ بابِ الترقِّي من الأدْنى إلى الأعلى، أو لأن الكثير من الناس يحرِص على الأموالِ وجمعِها، حتى إنهم يُهْلِكون أنفُسَهم بسببِها (انظر: روح المعاني 26/169)، إضافةً إلى ذلك فإنّ الجهادَ بالمالِ يُخاطَب به الرجالُ والنّساءُ، والشيوخُ والشُّبَّانُ، والصِّغارُ والكبارُ، بِخِلافِ الجهادِ بالنفسِ فإنّما يُخاطَبُ به أهلُ القُدْرةِ، قال تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التوبة:41].

وليس شرطًا أن يكونَ الجهادُ بالمالِ بِحَدٍّ مُخصّصٍ، أو بنِصَابٍ محدّدٍ، فكلُّ مسلِم مطالَبٌ بأن يجاهدَ بمالِه قدْرَ استطاعتِه، ومهما كان حجمُ المالِ الذي يُجَاهَد به في جميع وجوه الخير، فإنَّ اللهَ جلّ وعلا يُجْزِلُ العَطاءَ، ففي حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» (رواه البخاري رقم‏1355).

فالجهادُ بالمالِ بابٌ واسعٌ مِنْ أبوابِ الخيرِ تسابقَ السابقون للدخولِ منه؛ حتى ينالوا رحماتِ اللهِ تعالى، وهو نوعٌ مِنْ أنواعِ الجهادِ في كثيرٍ مِنَ المواطنِ خاصّةً تلك المواطنُ التي تتعلّقُ بالإعدادِ والتجهيز، كإعدادِ العُدّةِ العسكريةِ سواءٌ أكان ذلك ببذْلِ المالِ في بناءِ مَصانعِ السلاحِ، وما هو في حُكمِها، أو في تجهيزِ الجيوشِ استعدادًا لقتالِ أعداءِ الإسلامِ، قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [الأنفال:60].

- الجهاد بالنفس


الجهاد باليد للكفار : فرض على الكفاية :
قال ابن قدامة رحمه الله : ( والجهاد فرض على الكفاية ، إذا قام به قوم ، سقط عن الباقين ) :
معنى فرض الكفاية ، الذي إن لم يقم به من يكفي ، أثم الناس كلهم ، وإن قام به من يكفي ، سقط عن سائر الناس . فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع ، كفرض الأعيان ، ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له ، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره والجهاد من فروض الكفايات ، في قول عامة أهل العلم". المغني ( 9 / 163 ) .

ولأنهم مظلومون فالواجب على إخوانهم المسلمين نصرهم على من ظلمهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه» وقوله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما».


- الجهاد بالكلمة
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» رواه أبو داود.
حكم الجهاد وأنواعه
الجهاد مراتب ، منها ما هو واجب على كل مكلف ، ومنها هو واجب على الكفاية ، إذا قام به بعض المكلفين سقط التكليف عن الباقين ، ومنها ما هو مستحب .
فجهاد النفس وجهاد الشيطان واجبان على كلِّ مكلف ، وجهاد المنافقين والكفار وأرباب الظلم والبدع والمنكرات واجب على الكفاية ، وقد يتعين جهاد الكفار باليد على كل قادر في حالات معينة يأتي ذكرها

قال ابن القيم رحمه الله : "إذا عرف هذا فالجهاد أربع مراتب : جهاد النفس ، وجهاد الشيطان ، وجهاد الكفار ، وجهاد المنافقين .

فجهاد النفس أربع مراتب :

إحداها : أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها عمله شقيت في الدارين .
الثانية : أن يجاهدها على العمل به بعد علمه ، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها .
الثالثة : أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله .
الرابعة : أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله .
فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين ، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلّمه فمن علِم وعمل وعلّم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات .


وأما جهاد الشيطان فمرتبتان :

إحداهما : جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان .
الثانية : جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات .
فالجهاد الأول يكون بعده اليقين ، والثاني يكون بعده الصبر ، قال تعالى : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) [ السجدة: 24 ] ، فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين ، فالصبر يدفع الشهوات ، والإرادات الفاسدة ، واليقين يدفع الشكوك والشبهات .
وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب : بالقلب، واللسان، والمال، والنفس .
وجهاد الكفار أخص باليد ، وجهاد المنافقين أخص باللسان .
وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب :
الأولى : باليد إذا قدر ، فإن عجز انتقل إلى اللسان ، فإن عجز جاهد بقبله .
فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد ، و " من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق " رواه مسلم ( 1910) زاد المعاد ( 3 / 9 – 11 ) .
والجهاد أقسام : بالنفس ، والمال ، والدعاء ، والتوجيه والإرشاد ، والإعانة على الخير من أي طريق ، وأعظم الجهاد : الجهاد بالنفس ، ثم الجهاد بالمال والجهاد بالرأي والتوجيه ، والدعوة كذلك من الجهاد ، فالجهاد بالنفس أعلاها.
فتاوى الشيخ ابن باز ( 7 / 334 ، 335 ) .

أهل الحرب أو الحربيّون‏:‏


هم غير المسلمين الّذين لم يدخلوا في عقد الذّمّة، ولا يتمتّعون بأمان المسلمين ولا عهدهم‏.‏
- أهل الذّمّة‏:‏ أهل الذّمّة هم الكفّار الّذين أقرّوا في دار الإسلام على كفرهم بالتزام الجزية ونفوذ أحكام الإسلام فيهم‏.‏
- أهل العهد‏:‏ هم الّذين صالحهم إمام المسلمين على إنهاء الحرب مدّةً معلومةً لمصلحةٍ يراها، والمعاهد‏:‏ من العهد‏:‏ وهو الصّلح المؤقّت، ويسمّى الهدنة والمهادنة والمعاهدة والمسالمة والموادعة‏.‏
- المستأمنون‏:‏ المستأمن في الأصل‏:‏ الطّالب للأمان، وهو الكافر يدخل دار الإسلام بأمانٍ، أو المسلم إذا دخل دار الكفّار بأمانٍ‏.‏

انقلاب الذّمّيّ أو المعاهد أو المستأمن حربيّاً

- يصبح الذّمّيّ والمعاهد والمستأمن في حكم الحربيّ باللّحاق باختياره بدار الحرب مقيماً فيها، أو إذا نقض عهد ذمّته فيحلّ دمه وماله، ويحاربه الإمام بعد بلوغه مأمنه وجوباً عند الجمهور، وجوازاً عند الشّافعيّة‏.‏
ولا خلاف في محاربته إذا حارب المسلمين أو أعان أهل الحرب، وللإمام أن يبدئه بالحرب، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏(‏وإن نَكَثُوا أيمانَهم من بعد عهدهم ، وطَعَنُوا في دينكم فقاتلوا أَئِمَّةَ الكفرِ إِنّهم لا أَيْمَانَ لهم لعلّهم ينتهون‏)‏، وحينما نقضت قريش صلح الحديبية، سار إليهم الرّسول صلى الله عليه وسلم عام الفتح سنة ثمانٍ من الهجرة، حتّى فتح مكّة‏.‏
وعندما «نقض بنو قريظة العهد سنة خمسٍ، قتل النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجالهم، وسبى ذراريّهم، وأخذ أموالهم، وكذلك بنو النّضير لمّا نقضوا العهد، حاصرهم الرّسول صلى الله عليه وسلم سنة أربعٍ، وأجلاهم»‏.‏
وهناك اتّجاهان في أسباب نقض الذّمّة‏:‏
الأوّل، مذهب الحنفيّة‏:‏ وهو أنّه لا ينتقض عهد الذّمّيّين، إلاّ أن يكون لهم منعة يحاربون بها المسلمين، ثمّ يلحقون بدار الحرب، أو يغلبون على موضعٍ، فيحاربوننا‏.‏
الثّاني، مذهب الجمهور‏:‏ تنتقض الذّمّة بمخالفة مقتضى العهد‏‏.‏
انقلاب الحربيّ ذمّيّاً
- يصبح الحربيّ ذمّيّاً إمّا بالتّراضي، أو بالإقامة لمدّة سنةٍ في دار الإسلام، أو بالزّواج، أو بالغلبة والفتح‏‏.‏
انقلاب المستأمن إلى حربيٍّ
- المستأمن‏:‏ هو الحربيّ المقيم إقامةً مؤقّتةً في ديار الإسلام، فيعود حربيّاً لأصله بانتهاء مدّة إقامته المقرّرة له في بلادنا، لكن يبلغ مأمنه لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إلاّ الّذين عاهدتم من المشركين، ثمّ لم يَنْقُصُوكم شيئاً، ولم يُظَاهِروا عليكم أحداً، فأَتِمُّوا إليهم عَهْدَهم إلى مُدَّتِهم‏)‏، أو بنبذ العهد، أي نقضه من جانب المسلمين، لوجود دلالةٍ على الخيانة، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وإمّا تَخَافَنَّ من قومٍ خيانةً، فانْبِذْ إليهم على سواءٍ، إنّ اللّه لا يُحِبُّ الخائنين‏)‏، وهي في أهل الهدنة أو الأمان، لا في أهل جزيةٍ، فلا ينبذ عقد الذّمّة، لأنّه مؤبّد، وعقد معاوضةٍ فهو آكد من عقد الهدنة‏.‏
وقد يصبح المستأمن حربيّاً بنقض الأمان من جانبه هو، أو بعودته لدار الحرب بنيّة الإقامة، لا التّجارة أو التّنزّه أو لحاجةٍ يقضيها، ثمّ يعود إلى دار الإسلام، فإذا رجع إليهم ولو لغير داره، انتهى أمانه‏.‏
هذا، وكلّ ما ينتقض به عهد الذّمّيّ، ينتقض به أمان المستأمن، على حسب الاتّجاهين السّابقين، لأنّ عقد الذّمّة أمان مؤبّد، وآكد من الأمان المؤقّت، ولأنّ المستأمن كالذّمّيّ يلتزم بتطبيق أحكام الإسلام‏.‏
ومن نقض أمانه بنقض العهد ينبذ إليه ويبلغ المأمن عند الجمهور، ويخيّر الإمام في شأنه كالأسير الحربيّ، من قتلٍ ومنٍّ وفداءٍ وغيره عند الحنابلة‏.‏
انقلاب الحربيّ إلى مستأمنٍ
- يصير الحربيّ مستأمناً بالحصول على أمانٍ من كلّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ عند الجمهور، أو حتّى من مميّزٍ عند آخرين‏.‏
دخول الحربيّ بلاد المسلمين بغير أمانٍ
- ليس لأهل الحرب دخول دار الإسلام بغير أمانٍ، لأنّه لا يؤمن أن يدخل جاسوساً، أو متلصّصاً، أو لشراء سلاحٍ، فيضرّ بالمسلمين‏.‏
فإن قال‏:‏ دخلت لسماع كلام اللّه تعالى، أو دخلت رسولاً، سواء أكان معه كتاب أم لم يكن، أو دخلت بأمان مسلمٍ، صدّق ولا يتعرّض له، لاحتمال ما يدّعيه، وقصد ذلك يؤمّنه من غير احتياجٍ إلى تأمينٍ، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وإِنْ أحدٌ من المشركين استَجَارَك فَأَجِرْهُ حتّى يسمعَ كلامَ اللّهِ، ثمّ أبلِغْه مَأْمَنَهُ‏)‏، وهذا قول الشّافعيّة‏.‏
وقال الحنفيّة‏:‏ إن ادّعى الأمان لا يصدّق فيه، بل يطالب ببيّنةٍ، لإمكانها غالباً، ولأنّ الثّابت بالبيّنة كالثّابت بالمعاينة‏.‏
وقريب من هذا قول الحنابلة‏:‏ إنّ من دخل من الحربيّين دار الإسلام بغير أمانٍ، وادّعى أنّه رسول، أو تاجر ومعه متاع يبيعه، قبل منه، ويحقن دمه، إن صدّقته عادة، كدخول تجّارهم إلينا ونحوه، لأنّ ما ادّعاه ممكن، فيكون شبهةً في درء القتل، ولأنّه يتعذّر إقامة البيّنة على ذلك، فلا يتعرّض له، ولجريان العادة مجرى الشّرط‏.‏
فيصدق إن كان معه تجارة يتّجر بها، لأنّ التّجارة لا تحصل بغير مالٍ، ويصدّق مدّعي الرّسالة إن كان معه رسالة يؤدّيها‏.‏ وإن قال‏:‏ أمّنني مسلم، ففيه وجهان‏:‏
أحدهما‏:‏ يقبل تغليباً لحقن دمه، كما يقبل من الرّسول والتّاجر‏.‏
والثّاني‏:‏ لا يقبل، لأنّ إقامة البيّنة عليه ممكنة‏.‏ فإن قال مسلم‏:‏ أنا أمّنته، قبل قوله، لأنّه يملك أن يؤمّنه، فقبل قوله فيه، كالحاكم إذا قال‏:‏ حكمت لفلانٍ على فلانٍ بحقٍّ‏.‏
وقال المالكيّة‏:‏ إن أخذ الحربيّ بأرض الحربيّين حال كونه مقبلاً إلينا، أو قال‏:‏ جئت أطلب الأمان منكم، أو أخذ بأرضنا ومعه تجارة، وقال لنا‏:‏ إنّما دخلت أرضكم بلا أمانٍ، لأنّي ظننت أنّكم لا تتعرّضون لتاجرٍ، أو أخذ على الحدود بين أرضنا وأرضهم، وقال ما ذكر، فيردّ لمأمنه في هذه الحالات‏.‏
فإن وجدت قرينة كذبٍ، لم يردّ لمأمنه‏.‏
أمّا إن دخل الحربيّ بلاد المسلمين بغير أمانٍ، ولم تتحقّق حالة من الحالات السّابقة، فعند الجمهور يعتبر كالأسير أو الجاسوس، فيخيّر فيه الإمام بين القتل والاسترقاق والمنّ والفداء بحسب المصلحة‏.‏ وفي قول أبي حنيفة يكون فيئاً لجماعة المسلمين‏.‏
(الموسوعة الفقهية الكويتية).

الفرق بين الذمي والحربي في كتاب الجهاد

أهل الذمة هم المعاهدون من اليهود والنصارى وغيرهم ممن يقيم بديار الإسلام. والمستأمن: هو الحربي إذا دخل دار الإسلام بأمان، مِن ولي الأمر أو مَن يملك ذلك من نوَّابه، فإنه حينئذٍ لا يجوز أن يُتعرَّض له.

أنواع التعامل مع أهل الكتاب في الحروب


- أهل الذمة: مصطلح يقصد به أهل الكتاب من النصارى واليهود الذين يعيشون في البلاد ذات الأغلبية المسلمة. وهو من يدفع الجزية لولي أمر المسلمين كل عام .
- المعاهدين : المعاهد ، وهو من كان بين المسلمين وبينه عهد لمدة معينة أو مطلقة.
- المحاربين : الكافر الحربي هو الذي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة.
- ومما ينبغي التنبيه عليه أن المسلم إذا دخل دار الحرب بأمان أو بأسر، وائتمنوه على نفس أو مال لم يحل له خيانتهم في شيء، لأنهم أعطوه الأمان مشروطا بتركه خيانتهم، وأمنه إياهم من نفسه، وإن لم يكن ذلك في اللفظ، فهو معلوم في المعنى فلم يحل له خيانتهم، لأنه غدر، ولا يصلح الغدر في الإسلام. اهـ من الموسوعة الفقهية.

معنى الكافر الحربي

الحربي غير المعاهد مهدر الدم والمال، فيجوز قتل المقاتلين، لأن كل من يقاتل فإنه يجوز قتله وتصبح الأموال من عقارات ومنقولات غنيمة للمسلمين، وتصير بلاد العدو بالغلبة أو الفتح ملكا للمسلمين... ولا تتحقق هذه الأحكام إلا بمشروعية الجهاد، كما ذكر في الفتاوى الهندية، ففيها: يشترط لإباحة الجهاد شرطان:
أحدهما: امتناع العدو عن قبول ما دعي إليه من الدين الحق، وعدم الأمان والعهد بيننا وبينهم.
والثاني: أن يرجو الإمام الشوكة والقوة لأهل الإسلام، باجتهاده أو باجتهاد من يعتد باجتهاده ورأيه، وإن كان لا يرجو القوة والشوكة للمسلمين في القتال، فإنه لا يحل له القتال، لما فيه من إلقاء النفس في التهلكة. اهـ.
أما معنى الكافر الحربي: فهو الذي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا عقد ذمة، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما نصه: أهل الحرب أو الحربيون: هم غير المسلمين الذين لم يدخلوا في عقد الذمة، ولا يتمتعون بأمان المسلمين ولا عهدهم. هـ .

كيف نتعامل مع أهل الكتاب؟

الشريعة الإسلامية السمحة تحض على حسن معاملة الناس عمومًا، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى خصوصًا، خاصة إذا كانوا مسالمين لنا، ولا يبارزون المسلمين العداء والحرب، وبينت الشريعة أن معاملتهم إنما تكون بالعدل، والإحسان إليهم، وعدم الإساءة لهم، فقد قال الله عز وجل: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أبو داود برقم (3052) وحسنه ابن حجر.

الجهاد باليد للكفار : فرض على الكفاية :

قال ابن قدامة رحمه الله : " ( والجهاد فرض على الكفاية ، إذا قام به قوم ، سقط عن الباقين ) :
معنى فرض الكفاية ، الذي إن لم يقم به من يكفي ، أثم الناس كلهم ، وإن قام به من يكفي ، سقط عن سائر الناس . فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع ، كفرض الأعيان ، ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له ، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره والجهاد من فروض الكفايات ، في قول عامة أهل العلم". المغني ( 9 / 163 ) .

حكم الجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو


التجسس جريمة خطيرة، وعقوبته في الإسلام شديدة، حتى لو كان الجاسوس مسلمًا. فالجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو يُعد خائنًا لدينه ، وقد يتسبب في إلحاق أضرار كبيرة بالمسلمين.
وقد وردت العديد من الآيات والأحاديث التي تحرم التجسس وتؤكد على خطورته.
قال الله تعالى: (وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) [الحجرات: 12].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، صُبّ في أذنيه الرصاص يوم القيامة".
التجسس لغة: هو اللمس باليد، وجس الخبر: أي بحث عنه، وتجسس الأمر: أي تفحصه وتطلبه وبحث عنه. والتجسس: هو التفتيش في بواطن الأمور.
والجاسوسية اصطلاحاً: البحث والتنقيب عما يتعلق بالعدو، من معلومات سرية باستخدام الوسائل السرية والفنية، ونقل ذات المعلومات بذات الوسائل، أو بواسطة العملاء والجواسيس، والاستفادة منها في إعداد الخطط.
والجاسوسية قانوناً: العمل سراً وبادعاء وهمي للاستيلاء أو محاولة الاستيلاء على معلومات سرية بقصد إبلاغها إلى جهة معادية.
حكم الإسلام في العملاء والجواسيس، الأستاذ الدكتور صالح حسين الرقب.

والتجسس من حيث دوافعه نوعان:

1- نوع خاص يكون الدافع عليه الفضول وحب الاطلاع على عورات الآخرين، ليتلذذ الجاسوس في مجالسه الخاصة والعامة بالخوض في الحديث عن أعراض الناس وعوراتهم، ويتباهى بأنّه يملك الدليل والبينة على صدق دعواه وقوله.. لذا جاء عقب النهي عن التجسس النهي عن الغيبة؛ لأنّ الغيبة نتيجة حتمية للتجسس، فكل من تجسّس لا بد له من أن يقع في غيبة الآخرين.
2- ونوع عام يكون دافعه نقل المعلومات ورفع التقارير إلى الطواغيت الظالمين، وغيرهم من الكفرة والمشركين.. وهذا من الموالاة.. وهو أشد أنواع التجسس جرماً، وهو من الكفر الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة ولا بد.
والنهي عن التجسس الوارد في الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [ الحجرات:12]
يشمل النوعين السابقين، والعام أولى بالنهي من الخاص.

وللجاسوسية صور وأشكال متعددة منها:

1- جواسيس مهمتهم بيع الأراضي الفلسطينية أو سمسرتها للعدو الصهيوني.
2- منهم من يكلفون بالإسقاط الخلقي والأمني، ونشر المخدرات، وإشاعة الفواحش في المجتمع.
3- منهم من يساعدون العدو ويشتركون معه في قتل وتصفية واغتيال المناضلين والمجاهدين من أبناء الشعب الفلسطيني بالدلالة عليهم، ولو كان الأمر بسيطا جدا كأن يخبر أين المناضل أو أين بيته، أو أي مساعدة كانت، ويدخل في هذا النوع من الجاسوسية ما يسمى بالتعاون الأمني القائم-ومنه إحباط أعمال المجاهدين الفلسطينيين- بين دولة العدو الصهيوني وبين الأطراف العربية بفعل الاتفاقيات الظالمة وغير المعتبرة شرعاً، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله".
وما كان العدو لينجح في قتل واغتيال واعتقال المئات من المناضلين لولا هذا التعاون الأمني، ومساعدة الجواسيس وتسهيل مهمة الأعداء.
4- ومنهم الأجراء: وهم الذين باعوا أنفسهم لأعداء دينهم وأمتهم وأوطانهم مقابل ثمن بخس دراهم معدودة، أو مناصب موعودة، أو شهوات مبذولة ومتع مرذولة، وهؤلاء الأجراء يستخدمهم الاستعمار لتحقيق مصالحه وأهدافه، وهؤلاء يرتدون ثياب الوطنية أثناء حملتهم المسعورة ضد الإسلام عقيدة ونظاماً وثقافة، وأثناء استيرادهم للمبادئ والأفكار والمذاهب المعادية للإسلام ومن هؤلاء الأجراء: زمرة السياسيين الذين ينفذون سياسة الأعداء في الحكم والسياسة، وزمرة الماليين الذي ينفذون سياسة الأعداء في مجال المال والاقتصاد، وزمرة العسكريين الذين يجرون شعوبهم لعار الهزيمة والذل في ميادين القتال، وزمرة الصحفيين والمثقفين والأدباء الذين ينشرون فكر الأعداء وثقافتهم ورذائلهم الاجتماعية.
- حكم الإسلام في العملاء والجواسيس، الأستاذ الدكتور صالح حسين الرقب.

وقد اختلف العلماء في حكم الجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو.
التجسس حرام شرعاً، وهو من أقبح أنواع الخيانة، لما فيه من إتلاف الأمة الإسلامية والإضرار بها. والجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو، فهو مرتكب لجريمة كبيرة، وعاقبته في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) [النساء: 107].
وفي سنن البيهقي من حديث عبد الرحمن بن عوف: أنه حرس مع عمر ليلة بالمدينة، فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه حتى إذا دنوا منه إذ باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر رضي الله عنه، وأخذ بيد عبد الرحمن فقال: أتدري بيت من هذا؟ قلت: لا، قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن بشرب، فما ترى؟ قال عبد الرحمن: أرى قد أتينا ما نهى الله عنه". ولا تجسسوا" فقد تجسسنا، فانصرف عنهم عمر رضي الله عنه وتركهم. وفي المصنف لابن أبي شيبة عن زيد بن وهب قال: أتى ابن مسعود فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمراً، فقال عبد الله: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا منه شيء نأخذه به.
وإذا كان الشرع قد نهى عن التجسس على أهل المعاصي ما لم يظهروا ذلك ويصروا عليه.. فالتجسس على أهل الإيمان والصلاح من المسلمين ومتابعة تحركاتهم وسكناتهم، والسعي في الوقيعة بهم أكثر إثماً وأشد قبحاً. ولذا فلا يجوز العمل في التجسس إلا إذا كان على الكفار ودولهم، ومعرفة مكائدهم وكيدهم للإسلام وأهله فيجوز ذلك، بل قد يكون من القربات والطاعات، لكن العمل بذلك لا يبيح الانتحار بحال، بل فعل ذلك من أعظم الجرائم وأكبر الذنوب.
وعن مالك بن قيس المازني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مَن ضارَّ أضرَّ اللهُ بهِ ومَن شاقَّ شاقَّ اللهُ علَيهِ ) أخرجه أبو داود (3635)، وابن ماجه (2342)، وأحمد (15755) واللفظ لهم، والترمذي (1940) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود برقم: 3635.
في هذا الحديثِ يقول النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( مَن ضارَّ ) أي: أضرَّ غَيرَه بقصدٍ وتَسبُّبٍ لَه بما يَسوءُه دونَ وَجهِ حقٍّ، ( أضرَّ اللهُ بهِ )، أي: جعَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ جزاءَه مِن جِنسِ عملِه فيضرُّ بهِ بمثلِ ما أضرَّ بِغَيرِه، ( ومن شاقَّ )، أي: مَن قصدَ إلحاقَ المشقَّةِ بغَيرِه وجعَلَ عليهِ مِن التَّعبِ والجهدِ دُونَ وَجهِ حقٍّ ( شاقَّ اللهُ علَيهِ )، أي: جعَلَ اللهُ علَيهِ من المشقَّةِ والتعَبِ بمِثلِ ما فعلَ بِغَيرِه، ويَحتَمِلُ أن يكونَ وَعِيدُ اللهِ في الدُّنيا والآخرةِ؛ لأنَّه الوعيدَ لم يُقيَّد في الحديثِ.

حكم أموال الجاسوس

أموال الجاسوس الذي يعمل لصالح المحتل ومنه المال الذي يستخدمه للتجسس على المجاهدين: أموال الجاسوس وغيره ممن يتعاون مع العدو ضد المجاهدين مستباحة لا حرمة لها، تؤخذ وتصرف في مصارف الجهاد، ومن يستولي عليها يسلمها إلى بيت مال المجاهدين، يتصرف بها أمير الجهاد لصالح الجهاد والمجاهدين.
حكم الإسلام في العملاء والجواسيس، الأستاذ الدكتور صالح حسين الرقب الفلسطيني.

أقوال الفقهاء في حكم الجاسوس:

تحدث الفقهاء عن عقوبة الجاسوس، فقالت المالكية والحنابلة وغيرهم يقتل الجاسوس المسلم إذا تجسس للعدو على المسلمين.
وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى عدم قتله، إنما يعاقب تعزيراً، إلا أن تظاهر على الإسلام فيقتل، أو ترتب على جاسوسيته قتل ومثله الذمي.
وإن كان كافراً يقتل في حال الحرب، وكذلك في حال السلم إن كان هناك عهد لأنّه نقض للعهد.
وقد ورد في السنة ما يدل على قتل الجاسوس مطلقاً.
عن سلمة بن الأكوع قال: " أُتي النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه، ثم انسل، فقال صلى الله عليه وسلم:" اطلبوه فاقتلوه" قال: فسبقتهم إليه فقتلته، وأخذت سلبه، فنفلني إياه". (رواه البخاري3/1110، وأبو داود 3/48).
وقوله:" أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عين" في رواية لمسلم أن ذلك كان في غزوة هوازن، وسمّي الجاسوس عيناً لأنّ عمله بعينه أو لشدة اهتمامه بالرؤية واستغراقه فيها كأن جميع بدنه صار عينا.
وفي الحديث دليل على أنه يجوز قتل الجاسوس. قال النووي فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق.

وأما المعاهد والذمي
فقال مالك والأوزاعي: ينتقض عهده بذلك، وعند الشافعية خلاف ذلك.
أما لو شرط عليه ذلك في عهده فينتقض اتفاقا. وحديث فرات المذكور في الباب يدل على جواز قتل الجاسوس الذمي.
وذهبت الهادوية إلى أنه يقتل جاسوس الكفار والبغاة إذا كان قد قتل أو حصل القتل بسببه وكانت الحرب قائمة، وإذا اختل شيء من ذلك حبس فقط.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المرأة التي حملت كتاب حاطب إلى كفار قريش عام الفتح، ومن دون أن تُستتاب.
كما في الحديث عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم فتح مكة، أمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر، وامرأتين. من هاتين المرأتين هذه المرأة التي حملت رسالة حاطب إلى كفار قريش، واسمها سارة.
وقد أفتى كثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين بأنّ الجاسوس مرتد عن الإسلام كافر يجب قتله، إن ترتب على جاسوسيته قتل المجاهدين، أو مساعدة العدو في الاحتلال، أي يختلف حكم الجاسوس بحكم حالة جاسوسيته، فقد روي عن الإمام مالك بن أنس قوله: "الجاسوس المسلم الحكم الشرعي فيه القتل مطلقا لإضراره بالمسلمين، وسعيه بالفساد في الأرض، وهو حد الحرابة ".
(تفسير القرطبي ‏18/‏50-‏ ‏53).‏
ووافقه بعض أصحاب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه".
وذلك في كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم الجوزي.
وابن الماجشون من المالكية فقال: "إذا كانت تلك عادته قُتل لأنه جاسوس".
يقول ابن تيمية: "وأما مالك وغيره فحكى عنه أن من الجرائم ما يبلغ به القتل ووافقه بعض أصحاب أحمد في مثل الجاسوس المسلم إذا تجسس للعدو على المسلمين.. فإن أحمد يتوقف في قتله وجوز مالك وبعض الحنابلة كابن عقيل قتله ومنعه أبو حنيفة والشافعي وبعض الحنابلة كالقاضي أبي يعلى".
( السياسة الشرعية، ص115-114، مجموع الفتاوى 35/405،345).

قال سحنون من المالكية: إذا كاتب المسلم أهل الحرب قتل ولم يستتب، ولا دية لورثته كالمحارب.(أي لم تطلب منه التوبة كما تطلب من المرتد). وقال ابن القاسم: يقتل، ولا يعرف لهذا توبة، وهو كالزنديق.
- تبصرة الحكام لابن فرحون 2/ 143 ، أقضية الرسول صلى الله عليه وسلم، لمحمد بن فرَج، ص191.

وقال غيرهما من أصحاب مالك: يجلد جلداً وجيعاً، ويطال حبسه، وينفي من موضع يقرب من الكفار.

وقال ابن القيم : " ‏فيه جواز قتل الجاسوس، وإن كان مسلما، والعفو عن حاطب لأنّ اللّه قد غفر لأهل بدر وهو منهم، فمن لم يكن كذلك جاز قتله، وهو مذهب مالك وأحد الوجهين في مذهب أحمد، وقال الشافعي وأبو حنيفة لا يقتل، وهو ظاهر مذهب أحمد، والفريقان يحتجان بقصة حاطب.‏ والصحيح أنّ قتله راجع إلى رأى الإمام فإنّ رأى في قتله مصلحة للمسلمين قتله، وإن كان بقاؤه أصلح استبقاه.‏ وهو رأى معقول يرجع فيه لتقدير المسئولين ومصلحة الأمة، وقتله إما حداً وإما تعزيراً، وآية المحاربة والإفساد في الأرض فيها متسع للآراء".
(زاد المعاد في هدي خير العباد ‏2/‏170).
وقال: "يجوز قتل الجاسوس المسلم إذا اقتضت المصلحة قتله وهذا قول مالك وبعض أصحاب أحمد واختاره ابن عقيل"
(الطرق الحكمية ص 156).

وقال في الجاسوس الذمي: " الجاسوس عين المشركين وأعداء المسلمين وقد شرط على أهل الذمة ألا يؤوه في كنائسهم ومنازلهم، فإن فعلوا انتقض عهدهم، وحلت دماؤهم وأموالهم، وهل يحتاج ثبوت ذلك إلى اشتراط إمام العصر له على أهل الذمة أو يكفي شرط عمر رضي الله عنه على قولين معروفين للفقهاء".
(أحكام أهل الذمة ص1233) حكم الإسلام في العملاء والجواسيس، الأستاذ الدكتور صالح حسين الرقب.

والجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو ارتكب جريمة من أعظم الجرائم وهي الخيانة العظمى.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يُعتبر فاسقًا، وعقوبته القتل أو التعزير.
ويرى الفقهاء المعاصرون أن الجاسوس المسلم الذي يتجسس على المسلمين لصالح العدو يُعتبر مرتكبًا لجريمة الخيانة العظمى، وعقوبته القتل أو التعزير، حسب الظروف والملابسات. وفيما يلي بعض العقوبات التي يمكن أن يُعاقب بها الجاسوس المسلم:
القتل: إذا كان التجسس قد أدى إلى وقوع ضرر كبير بالمسلمين، مثل إزهاق أرواحهم أو إفساد دينهم أو أموالهم.
التعزير: إذا كان التجسس لم يُفض إلى وقوع ضرر كبير بالمسلمين، ولكن كان يُشكل خطرًا على أمنهم واستقرارهم.

ويكون جهاد الكفار باليد واجباً متعيناً في أربع حالات هي :
1- إذا حضر المسلم الجهاد.
2- إذا حضر العدو وحاصر البلد .
3- إذا استنفر الإمام الرعية يجب عليها أن تنفر .
4- إذا احتيج إلى ذلك الشخص ولا يسد أحد مسدَّه إلا هو .

أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي
...المزيد

يا أهل غزة نحن أمة واحدة بقلم أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي الواجب أن يلتزم المؤمنون أمر ...

يا أهل غزة نحن أمة واحدة
بقلم أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي
الواجب أن يلتزم المؤمنون أمر الله فيكونون جميعًا من الأمة الواحدة التي أرادها الله، الأمة المؤمنة الآخذة بالكتاب والسنة، الموفَّقة للسير على نهج الصحابة والقادة الفاتحين، وما كان عليه الأئمة، وأن يتركوا سبل الأمم الأخرى، ولا سيما في هذا الزمن الذي تداعت فيه الأمم على أمة الإسلام، كما تداعى الأَكَلَةُ على قصعتها. قال سبحانه: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92]، قال ابن عباس: دينكم دين واحد، أي هذه شريعتكم التي بينت لكم ووضحت لكم.
فضل الشهادة

قال تعالى ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۞ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۞ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [ آل عمران:170- 169]
- للشهيد في الإسلام منزلة عظيمة؛ وكيف لا وقد تمنى النبي صلى الله عليه وسلم أن يموت شهيدا في سبيل الله، روى الشيخان أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَل».
- روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه).
- روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم (من قُتِلَ في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد)
- أخرج الترمذي في سننه عن المقدام بن معدي كرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (للشَّهيدِ عِندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ : يُغفَرُ لَه في أوَّلِ دَفعةٍ ، ويَرى مقعدَه منَ الجنَّةِ ، ويُجارُ مِن عذابِ القبرِ ، ويأمنُ منَ الفَزعِ الأكبرِ ، ويُوضعُ علَى رأسِه تاجُ الوقارِ الياقوتةُ مِنها خيرٌ منَ الدُّنيا وما فِيها، ويزوَّجُ اثنتَينِ وسبعينَ زَوجةً منَ الحورِ العينِ ، ويُشفَّعُ في سبعينَ مِن أقاربِه). أخرجه الترمذي واللفظ له، وابن ماجه ، وأحمد وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
اليوم زُف إلى الحوراء عاشقها *** وبات في خدرها المأنوس ريانا
وغنت الحور لحن الحب مطربة *** اهنأ بعيشك محبوراً وجذلانا
فعاد يهتز في عطفيه مؤتنقاً *** يميد بين بنات الحسن نشوانا
هذا الذي كان يرجوه وينشده *** فناله وحباه الله رضوانا
مكانة الشهيد

هل المسلم المقتول ظلماً أو غدراً أو هدم عليه بيته يكون شهيداً؟ ولم يكن قد منح الوقت ليأخذ قرار الدفاع عن النفس فهل يعدُّ هذا شهيداً ؟ وما حال من سقطت المتفجرات على بيوتهم مثل الناس في غزة دون توقع منهم ، ولم يعطوا الفرصة للدفاع عن أنفسهم ، فهل هم في عداد الشهداء ؟ .
كل مسلم يقتل ظلماً فله أجر الشهيد في الآخرة ، وأما في الدنيا : فإنه يغسَّل ، ويصلَّى عليه.
ذهب الفقهاء إلى أن للظلم أثراً في الحكم على المقتول بأنه شهيد ، ومِن صوَر القتل ظلماً : مَن قُتل مدافعاً عن نفسه ، أو ماله ، أو دمه ، أو دِينه ، أو أهله ، أو المسلمين ، أو مَن قتل دون مظلمة ، أو مات في السجن وقد حبس ظلماً.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن مَن قُتل ظلماً : يُعتبر شهيد الآخرة فقط ، له حكم شهيد المعركة مع الكفار في الآخرة من الثواب.
ولا يشترط لتحصيل ثواب الشهداء أن يواجه المظلوم أولئك المعتدين ، فإن قتلوه على حين غِرَّة : كان مستحقّاً لثواب الشهداء إن شاء الله .
ومما يدل على ذلك : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وهي يصلي الفجر بالمسلمين ، وعثمان بن عفان رضي الله عنه ، قتله الخارجون عليه ظلماً ، وقد وصفهما النبي صلى الله عليه وسلم بأنهما شهداء .
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى " أُحُدٍ " وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ ، قَالَ : (اثْبُتْ أُحُدُ ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ ، أَوْ صِدِّيقٌ ، أَوْ شَهِيدَانِ) رواه البخاري.

قال الشيخ ابن عثيمين: " قوله فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ ، فالنبي هو عليه الصلاة والسلام ، والصدِّيق : أبو بكر، والشهيدان : عمر ، وعثمان ، وكلاهما رضي الله عنهما قُتل شهيداً ، أما عمر : فقُتل وهو متقدم لصلاة الفجر بالمسلمين ، قُتل في المحراب ، وأما عثمان : فقُتل في بيته ، فرضي الله عنهما ، وألحقنا وصالح المسلمين بهما في دار النعيم المقيم".
" شرح رياض الصالحين " (4 / 129 ، 130) .


المقتول دفاعا عن الوطن المحتل شهيد

عن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد. رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وصححه الشيخ الألباني.
قتلوا مظلومين.

إخواننا في غزة الذين تهدمت عليهم بيوتهم ، فإننا نرجو أن يكونوا شهداء ، وذلك لأمور:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (صَاحِبُ الْهَدْمِ شَّهِيدُ) رواه البخاري ومسلم.
أنهم قتلوا على أيدي الكفار المحاربين لهم .
"ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية ، والحنابلة ، والصحيح من مذهب المالكية ، وقول عند الشافعية: إلى أن مقتول الحربي بغير معركة : شهيد على الإطلاق ، بأي صورة كان ذلك القتل ، سواء كان غافلاً ، أو نائماً ، ناصبه القتال ، أو لم يناصبه . (أحكام الشهيد في الفقه الإسلامي ، عبد الرحمن بن غرمان بن عبد الله).

من صبر على فقد صفيه من أهل الدنيا


وفي الحديث القدسي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن رب العزة يقولُ اللَّهُ تَعالَى: ( ما لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِندِي جَزاءٌ، إذا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِن أهْلِ الدُّنْيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إلَّا الجَنَّةُ).
الصبر الجميل على شدائد الدنيا وعلى فقد الأحباب والأصفياء؛ من أخلاق المسلم الحق، وقد جعل الله جزاء هذا الصبر عظيما. وفي هذا الحديث القدسي يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه ليس للعبد المؤمن عند الله سبحانه جزاء وثواب وأجر، إذا قبض ونزع روح صفيه، وهو الحبيب المصافي؛ كالولد والأخ وكل من أحبه الإنسان، «من أهل الدنيا ثم احتسبه»، أي: صبر على ذلك راجيا الثواب من الله سبحانه؛ «إلا الجنة».
وفي الحديث: عظم أجر المصيبة في كل ما يحبه الإنسان من أهل الدنيا.
فإن من قتل في سبيل الله تعالى من المجاهدين وهو صابر محتسب يرجى له أن يكون من الشهداء، لما في حديث أبي قتادة الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله ( أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر). رواه مسلم.
قال النووي: فِيهِ أَنَّ الْأَعْمَال لَا تَنْفَع إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْإِخْلَاص لِلَّهِ تَعَالَى... وَالْمُحْتَسِب هُوَ الْمُخْلِص لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ قَاتَلَ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ لِغَنِيمَةٍ أَوْ لِصِيتٍ أَوْ نَحْو ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ هَذَا الثَّوَاب وَلَا غَيْره. اهـ.
وقال الشيخ العثيمين في شرح رياض الصالحين: فيه دليلٌ على أن الشهادة إذا قاتل الإنسان في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، فإن ذلك يكفر عنه خطيئاته وسيئاته إلا الدّين، إذا كان عليه دين، فإنه لا يسقط بالشهادة، لأنه حق آدمي، وحق الآدمي لا بد من وفائه. اهـ.
من أنواع الصبر: الصبر على أقدار الله المؤلمة


جعل الله ابتلاء العباد بالمصائب والبلايا كفارات للذنوب ومحوا للسيئات؛ وذلك أن الله إذا أحب عبدا ابتلاه ليغفر له ذنوبه، حتى إذا لقيه لم يكن عليه خطيئة.
فضل من مات صفيه واحتسب

فضل من احتسب أولادًا ولم يسخط على القدر
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يموت لمسلم ثلاثةٌ من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم).
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يتوفى له ثلاث لم يبلغوا الحلم إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم).
روى الإمام أحمد بسند حسن عن عُقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أثكل ثلاثة من صُلبه فاحتسبهم على الله عز وجل، في سبيل الله وجبت له الجنة).
روى ابن ماجة وحسنه الألباني عن عُتبة بن عبد السُّلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل.
عن أبي موسى الأشعري ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد) .
عن أبي أمامة ( عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله سبحانه وتعالى: ابن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثوابا دون الجنة). أخرجه ابن ماجه (1597) واللفظ له، وأحمد (22228).
عن شرحبيل ابن شفعة عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يقال للولدان يوم القيامة: ادخلوا الجنة) قال: (فيقولون: يا رب حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا) قال: (فيأتون) قال: فيقول الله عز وجل: (ما لي أراهم - مغضبين- ادخلوا الجنة) قال: (فيقولون: يا رب آباؤنا وأمهاتنا) قال: (فيقول: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم).
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أيما امرأة مات لها ثلاثةٌ من الولد لم يبلغوا الحلم كانوا حجابًا من النار قالت امرأة: واثنان قال: واثنان).

الصبر على البلاء


قال تعالى ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۞ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۞ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [ البقرة: 155-157]


أشد الناس بلاء


- عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أشد بلاءً؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمْثَلُ فالأمثل، يُبتلَى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زِيدَ صلابةً، وإن كان في دينه رقَّةٌ خُفِّف عنه، ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض ما له خطيئة).
- عن سعد بن أبي وقاص يا رسولَ اللهِ ! أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً ؟ قال : الأنبياءُ ، ثم الصالحون ، ثم الأمثلُ فالأمثلُ ، يُبتلى الرجلُ على حسبِ دِينِه ، فإن كان في دِينِه صلابةٌ ، زِيدَ في بلائِه ، وإن كان في دِينِه رِقَّةٌ ، خُفِّفَ عنه ولا يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ حتى يمشي على الأرضِ وليس عليه خطيئةٌ ). أخرجه الدارمي (2783)، كتاب الرقاق، وأحمد (1494)، والترمذي (3289) دون السؤال، وقال عقبه: هذا حديث حسن صحيح،
- وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)؛ حسن صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (1/142).

قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار

روى الشيخان عن سهل بن حنيف قال كُنَّا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ، ولو نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا علَى الحَقِّ وهُمْ علَى البَاطِلِ؟ فَقالَ: بَلَى. فَقالَ: أَليسَ قَتْلَانَا في الجَنَّةِ وقَتْلَاهُمْ في النَّارِ؟ قالَ: بَلَى، قالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا، أَنَرْجِعُ ولَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بيْنَنَا وبيْنَهُمْ؟ فَقالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ، إنِّي رَسولُ اللَّهِ، ولَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الفَتْحِ فَقَرَأَهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى عُمَرَ إلى آخِرِهَا، فَقالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَوَفَتْحٌ هُوَ؟ قالَ: نَعَمْ). رواه البخاري.

المستوطنون لا ينطبق عليهم تصنيف المدنيين

أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى أن جميع المستوطنين في فلسطين لا ينطبق عليهم تصنيف المدنيين، وجمعيهم جنود سابقون أو لاحقون، حيث يخدمون في الجيش لمدة لا تقل عن 3 سنوات بعد سن الـ 18.
وقال الأزهر عبر صفحته على "فيسبوك" إن " تصنيف المدنيين لا ينطبق على المستوطنين الصهاينة للأرض المحتلة، بل هم محتلون للأرض، مغتصبون للحقوق، منحرفون عن الصراط المستقيم الذي يتجسد به الأنبياء، معتدون على مدينة القدس التاريخية بما فيها من التراث الإسلامي والمسيحي".
وأوضح أن " عمليات المقاومة الحالية حلقة جديدة من سلسلة نضال شعب فلسطين إرهاب الكيان الصهيوني المحتل الغاصب، وجزء صغير من رد عدوانه التاريخي البشع على المقدسات والأرض والشعب الفلسطيني، بلغة القوة التي لا يفهم الصهاينة غيرها ".
فالمستوطنون في الأراضي المحتلة مغتصبون للأرض فهم حربيون وليسوا مدنيين.

الأزهر يطالب الشعب الفلسطيني بالتشبث بأرضه

دعا الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب الدول العربية والإسلامية إلى أن تستشعرَ واجبها ومسئولياتها الدينية والتاريخية، وتسارع إلى تقديم المساعدات الإنسانيَّة والإغاثية على وجه السرعةِ، وضمان عبورها إلى الشعبِ الفلسطينيِّ في قطاع غزة، ويبيِّنُ الأزهر أن دعم الفلسطينيين المدنيين الأبرياء من خلال القنوات الرسميَّة هو واجبٌ دينيٌّ وشرعيٌّ، والتزامٌ أخلاقيٌّ وإنسانيٌّ، وأن التاريخ لن يرحم المتقاعسين المتخاذلين عن هذا الواجب.

وأن استهداف المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ العزل وقصف المستشفيات والأسواق وسيارات الإسعاف والمساجد والمدارس التي يأوي إليها المدنيونَ، والحصارَ الخانق لقطاع غزة بهذا الشكل اللاإنساني، واستخدامَ الأسلحة الثقيلة والمحرمة دوليًّا وأخلاقيًّا، وقطعَ الكهرباء والمياه، ومنعَ وصول إمداداتِ الطعام والغذاء والمساعدات الإنسانية والإغاثية عن قطاع غزة، وبخاصة المستشفيات والمراكز الصحية.. كلُّ ذلك هو إبادةٌ جماعيةٌ، وجرائمُ حربٍ مكتملةُ الأركان، ووصمةُ عار يسطِّرُها التاريخ بعبارات الخزي والعار على جبين الصهاينة وداعميهم ومَن يقف خلفَهم.

حكم قتل المدنيين العزل من السلاح من أهل غزة هم أصحاب الأرض وقضيتهم عادلة


قتل المدنيين العزل من السلاح أصحاب الأرض هو جريمة حرب، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي الإنساني. تنص المادة 51 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه "لا يجوز إطلاق النار على السكان المدنيين أو توجيه الضربات إليهم، سواء كانوا أفراداً أو جماعات، أو على الممتلكات المدنية، سواء كانت منازل، أو مصانع، أو مزارع، أو مزارع، أو أي مبنى آخر.
قتل المدنيين العزل من السلاح أصحاب الأرض هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. وهو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان والقانون الدولي. لا يوجد أي تبرير لقتل المدنيين العزل، بغض النظر عن السياق.

وفقًا لقانون الحرب، يُحظر قتل المدنيين العزل بشكل مطلق. ويشمل ذلك قتل المدنيين أثناء القتال أو أثناء الاحتلال أو أثناء أي نزاع آخر.
وفقًا لقانون حقوق الإنسان، يحق لجميع الأشخاص الحق في الحياة. ولا يجوز لأي دولة أن تنسحب من هذا الحق. يُعد قتل المدنيين العزل انتهاكًا صارخًا لهذا الحق.

يُعتبر قتل المدنيين العزل جريمة ضد الإنسانية.


وتُعرَّف جرائم ضد الإنسانية بأنها أعمال عنف فادحة ترتكب ضد السكان المدنيين على نطاق واسع أو منهجي. ويشمل ذلك القتل العمد والاضطهاد على أساس العرق، أو الدين، أو الجنس، أو الجنسية، أو الانتماء السياسي ،أو أي معايير أخرى محمية بموجب القانون الدولي. لا توجد أي ظروف تبرر قتل المدنيين العزل. وهو جريمة خطيرة يجب أن يُعاقب عليها.

بعض الأمثلة على قتل المدنيين العزل أصحاب الأرض:

مذبحة دير ياسين في عام 1948، حيث قتلت القوات الاحتلال الإسرائيلية أكثر من 350 مدني فلسطيني عزل.
كان معظم ضحايا المجزرة من المدنيين ومنهم أطفال ونساء وعجزة.
مذبحة صبرا وشاتيلا في عام 1982، حيث قتلت القوات اللبنانية المسيحية المدعومة من إسرائيل أكثر من 3000 مدني فلسطيني عزل.
القصف الإسرائيلي على غزة في عام 2014، حيث قتل أكثر من 2200 فلسطيني، بينهم أكثر من 500 طفل.
هذه مجرد أمثلة قليلة من العديد من الحالات التي تم فيها قتل المدنيين العزل أصحاب الأرض. هذه الجرائم هي مأساة إنسانية يجب أن نتذكرها ونسعى إلى منعها من الحدوث مرة أخرى.

وصية النبي بالنساء والأطفال في الحروب


النبي المصطفى في الحروب كان يوصيهم بعدم قتل النساء والأطفال والجرحى والرهبان والعباد والصناع والزراع فلا يقتل إلا المقاتل فقط.
أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عندما أرسله في شعبان سنة 6 هـ إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل؛ فقال له: "اغزوا جميعًا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِرُوا، ولا تُمَثِّلُوا، ولا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، فهذا عَهْدُ اللهِ وسيرة نبيّه فيكم".
‏وعَنِ ‏‏ابن عباس رضي الله عنهما ‏قَالَ: ‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ: "‏اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا ‏تَغْدِرُوا ‏وَلَا‏ ‏تَغُلُّوا‏ ‏وَلَا‏ ‏تُمَثِّلُوا ‏وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ ‏الصَّوَامِعِ".
قَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة: 190]
وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُدَ: «لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلَا عَسِيفًا»، وَالْعَسِيفُ: هُوَ الأَجِيرُ.


نَهْيُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ عَنِ التَّمْثِيلِ بِالْجُثَثِ: وَلَا يَجُوزُ التَّمْثِيلُ بِجُثَثِ القَتْلَى.

فَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً يَقُولُ لَهُمْ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ، فِي سَبِيلِ اللهِ، تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، لَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا».
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا».
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ،
- وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي «صَحِيحِهِ»: «اغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا».

حكم التحريق والمثلةِ بالكفارِ المعتدين

جاءت نصوصٌ تتعلقُ بالمُثلةِ والتمثيلِ بالجثثِ، ومن خلالِ هذه النصوصِ اختلف أهلُ العلمِ في حكمِ المُثلةِ على ثلاثةِ أقوالٍ:
القولُ الأولُ: أن المُثلةَ حرامٌ بعد القدرةِ عليهم سواءٌ بالحي أو الميتِ، أما قبل القدرةِ فلا بأس به، بل ذهب بعضهم إلى أنهُ لا خلاف في تحريمهِ كالزمخشري في تفسيره (2/503) فقال: " لا خلاف في تحريمِ المُثلةِ "، وحكى الصنعاني الإجماعَ في " سبل السلامِ " (4/200) فقال: " ثُمَّ يُخبِرُهُ بِتَحرِيمِ الغُلُولِ مِن الغَنِيمَةِ وَتَحرِيمِ الغَدرِ وَتَحرِيمِ المُثلَةِ وَتَحرِيمِ قَتلِ صِبيَانِ المُشرِكِينَ وَهَذِهِ مُحَرَّمَاتٌ بِالإِجمَاعِ ". ا. هـ.
ولا يُسلمُ للإمامِ الصنعاني بالإجماعِ لأن المسألةَ خلافيةٌ كما سيأتي.
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1 - عَن سُلَيمَانَ بنِ بُرَيدَةَ عَن أَبِيهِ عَن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيشٍ، أَو سَرِيَّةٍ، أَوصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقوَى اللَّهِ، وَبِمَن مَعَهُ مِن المُسلِمِينَ خَيرًا. ثُمَّ قَالَ: اُغزُوا عَلَى اسمِ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَن كَفَرَ بِاَللَّهِ، اُغزُوا، وَلَا تَغُلٌّوا وَلَا تَغدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقتُلُوا وَلِيدًا... الحديث "رواه مسلم (1731)
قال الإمام الترمذي: وَكَرِهَ أَهلُ العِلمِ المُثلَةَ.
وعلق المباركفوري على عبارةِ الترمذي فقال: " أَي حَرَّمُوهَا فَالمُرَادُ بِالكَرَاهَةِ التَّحرِيمُ وَقَد عَرَفت فِي المُقَدِّمَةِ أَنَّ السَّلَفَ رحمهم الله يُطلِقُونَ الكَرَاهَةَ وَيُرِيدُونَ بِهَا الحُرمَةَ ". ا. هـ.
قال الإمامُ الشوكاني في " نيل الأوطار " (8/263): قَولُهُ: " وَلَا تُمَثِّلُوا " فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحرِيمِ المُثلَةِ. ا. هـ.
2 - عَن عَبدَ اللَّهِ بنَ يَزِيدَ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَن النٌّهبَةِ، وَالمُثلَةِ. رواهُ البخاري (2474).
النٌّهبَى: أَي أَخذ مَال المُسلِم قَهرًا جَهرًا.
القولُ الثاني: أن المُثلةَ مكروهةٌ.
واستدل أصحابُ بما استدل به أصحابُ القولِ الأولِ
ولكنهم حملوا حديثَ بُرَيدَةَ عَن عَائِشَةَ الآنف على الكراهةِ وليس على التحريمِ.
قال النووي في " شرح مسلم " (7/177): " قال بعضُهم: النهي عن المثلةِ نهي تنزيهٍ، وليس بحرامٍ ".
وقال ابنُ قدامةَ في " المغني " (10/565): " يُكرَهُ نَقل رُءُوسِ المُشرِكِينَ مِن بَلَدٍ، إلَى بَلَدٍ، وَالمُثلَةُ بِقَتلَاهُم وَتَعذِيبُهُم ".
القولُ الثالثُ: يمثلُ بالكفارِ إذا مثلوا بالمسلمين معاملةً بالمثلِ.
واستدلوا
بقوله تعالى: " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ " [النحل: 126].
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في " الفتاوى " (28/314): " فَأَمَّا التَّمثِيلُ فِي القَتلِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجهِ القِصَاصِ وَقَد قَالَ عِمرَانُ بنُ حُصَينٍ، رضي الله عنهما: " مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُطبَةً إلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَن المُثلَةِ حَتَّى الكُفَّارُ إذَا قَتَلنَاهُم فَإِنَّا لَا نُمَثِّلُ بِهِم بَعدَ القَتلِ وَلَا نَجدَعُ آذَانَهُم وَأُنُوفَهُم وَلَا نَبقُرُ بُطُونَهُم إلَّا إن يَكُونُوا فَعَلُوا ذَلِكَ بِنَا فَنَفعَلُ بِهِم مِثلَ مَا فَعَلُوا ". وَالتَّركُ أَفضَلُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى: " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصبِر وَمَا صَبرُكَ إلَّا بِاللَّهِ ".

وقال ابنُ مفلح في " الفروعِ " (6/218): " وَيُكرَهُ نَقلُ رَأسٍ، وَرَميُهُ بِمَنجَنِيقٍ، بِلَا مَصلَحَةٍ، وَنَقَلَ ابنُ هَانِئٍ، فِي رَميِهِ: لَا يَفعَلُ وَلَا يُحَرِّقُهُ. قَالَ أَحمَدُ: وَلَا يَنبَغِي أَن يُعَذِّبُوهُ، وَعَنهُ إن مَثَّلُوا مُثِّلَ بِهِم، ذَكَرَهُ أَبُو بَكرٍ، قَالَ شَيخُنَا " يعني ابنَ تيميةَ ": المُثلَةُ حَقُّ لَهُم، فَلَهُم فِعلُهَا لِلِاستِيفَاءِ وَأَخذِ الثَّأرِ، وَلَهُم تَركُهَا وَالصَّبرُ أَفضَلُ، وَهَذَا حَيثُ لَا يَكُونُ فِي التَّمثِيلِ بِهِم زِيَادَةٌ فِي الجِهَادِ، وَلَا يَكُونُ نَكَالًا لَهُم عَن نَظِيرِهَا، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي التَّمثِيلِ الشَّائِعِ دُعَاءٌ لَهُم إلَى الإِيمَانِ، أَو زَجرٌ لَهُم عَن العُدوَانِ، فَإِنَّهُ هُنَا مِن إقَامَةِ الحُدُودِ، وَالجِهَادِ المَشرُوعِ، وَلَم تَكُن القِصَّةُ فِي أُحُدٍ، كَذَلِكَ، فَلِهَذَا كَانَ الصَّبرُ أَفضَلَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ المُغَلَّبُ حَقَّ اللَّهِ - تعالى - فَالصَّبرُ هُنَاكَ وَاجِبٌ، كَمَا يَجِبُ حَيثُ لَا يُمكِنُ الِانتِصَارُ، وَيَحرُمُ الجَزَعُ، هَذَا كَلَامُهُ وَكَذَا قَالَ الخَطَّابِيٌّ: إن مَثَّلَ الكَافِرُ بِالمَقتُولِ جَازَ أَن يُمَثَّلَ بِهِ. وَقَالَ ابنُ حَزمٍ، فِي الإِجمَاعِ قَبلَ السَّبقِ وَالرَّميِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ خِصَاءَ النَّاسِ مِن أَهلِ الحَربِ وَالعَبِيدِ وَغَيرِهِم فِي غَيرِ القِصَاصِ وَالتَّمثِيلَ بِهِم حَرَامٌ ".

وقال الإمامُ ابنُ القيمِ في حاشيته على سنن أبي داود (12/278): وَقَد أَبَاحَ اللَّه تعالى لِلمُسلِمِينَ أَن يُمَثِّلُوا بِالكَفَّارِ إِذَا مَثَّلُوا بِهِم، وَإِن كَانَت المُثلَة مَنهِيًّا عَنهَا. فَقَالَ - تعالى -: " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ " [النحل: 126] وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ العُقُوبَة بِجَدعِ الأَنف وَقَطع الأُذُن، وَبَقر البَطن وَنَحو ذَلِكَ هِيَ عُقُوبَة بِالمِثلِ لَيسَت بِعُدوَانٍ، وَالمِثل هُوَ العَدل ". ا. هـ.
قال الشيخ أبو عمر محمد السيف حفظه الله في (هداية الحيارى في قتل الأسارى): "وقد وصلنا عندما كنا في أفغانستان فتوى لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله مفادها، عندما سئل عن التمثيل بجثث العدو، فقال إذا كانوا يمثلون بقتلاكم فمثلوا بقتلاهم لا سيما إذا كان ذلك يوقع الرعب في قلوبهم ويردعهم والله تعالى يقول: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ". اهـ
وقد جاء في سببِ نزولِ قولهِ تعالى : " عَن أُبَيٌّ بنُ كَعبٍ، قَالَ: " لَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ، أُصِيبَ مِن الأَنصَارِ أَربَعَةٌ وَسِتٌّونَ رَجُلًا، وَمِن المُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ فِيهِم : حَمزَةُ فَمَثَّلُوا بِهِم فَقَالَت الأَنصَارُ: " لَئِن أَصَبنَا مِنهُم يَومًا مِثلَ هَذَا لَنُربِيَنَّ عَلَيهِم، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَومُ فَتحِ مَكَّةَ فَأَنزَلَ اللَّهُ تعالى : " وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ " فَقَالَ رَجُلٌ: " لَا قُرَيشَ بَعدَ اليَومِ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " كُفٌّوا عَن القَومِ إِلَّا أَربَعَةً ".
رواه الترمذي (3129) وقال: " حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِن حَدِيثِ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ، "، وأحمد (5/135) من زوائدِ عبد الله.

الترجيح:
وبعد عرضِ الأقوالِ في المسألةِ، الذي تميلُ إليهِ النفس واللهُ أعلم ما قررهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ، وتلميذهُ ابنُ القيم، والشيخُ ابنُ عثيمين رحمهم الله.
- ينظر : القول المبين في حكم التحريق والمثلةِ بالكفارِ المعتدين ، عبدالله بن محمد زقيل (8-11-2007 ).


ببيتِ المقدسِ وأَكْنافِ بيتِ المقدسِ

وفي مسند الامام أحمد قال عبد الله بن الإمام أحمد: وجدت بخط أبي، ثم روى بسنده إلى أبي أمامة قال: قال صلى الله عليه وسلم: لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي على الدِّينِ ظاهرينَ ، لعدوِّهم قاهرينَ ، لا يضرُّهم مَن خالفَهُم ؛ إلَّا ما أصابَهُم مِن لأواءَ حتَّى يأتيَهُم أمرُ اللَّهِ وَهُم كذلِكَ . قالوا : يا رسولَ اللَّهِ ، وأينَ هُم ؟ قالَ : ببيتِ المقدسِ وأَكْنافِ بيتِ المقدسِ) أخرجه الطبراني. وقال الهيثمي في المجمع ورجاله ثقات.
وأصل الحديث في الصحيحين من حديث الْمُغِيرَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ". رواه البخاري ، ومسلم.
وأخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة، رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ".
بقلم
أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف أبوالمعاطي
...المزيد

عشرة أسباب للوقاية من الحسد ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه بدائع الفوائد : السبب ...

عشرة أسباب للوقاية من الحسد
ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه بدائع الفوائد :
السبب الأول: التعوذ بالله واللجوء إليه، والتحصن به، وما تعوذ المسلم بأفضل من المعوذتين: قل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس.
السبب الثاني: تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه، فمن اتقى الله تولى الله حفظه، ولم يكله إلى غيره، قال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: احفظ الله يحفظك. رواه الترمذي.
السبب الثالث: الصبر على الحاسد، فما نصر على حاسد بمثل الصبر عليه.
السبب الرابع: التوكل على الله، والتوكل أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد مالا يطيق من أذى الخلق.
السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به، والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له، فلا يلتفت إليه ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه، وهذا من أقوى الأدوية.
السبب السادس: الإقبال على الله، والإخلاص له، وجعل محبته ورضاه محل خواطر نفسه وأمانيها.
السبب السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30].
السبب الثامن: الصدقة والإحسان فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد.
السبب التاسع: إطفاء شر الحاسد بالإحسان إليه، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34].
السبب العاشر: والجامع لذلك كله، وعليه مدار هذه الأسباب هو تجريد التوحيد، والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب الله العزيز الحكيم.
والعلم أن كل ذلك بيد الله يحركه كيف شاء، ولا ينفع إلا بإذنه، قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُو [الأنعام:17].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رواه الترمذي.
فإذا جرد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه، وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله؛ بل يفرد الله بالمخافة، وقد أمنه منه وخرج من قلبه اهتمامه به واشتغاله به وفكره فيه....... انتهى من بدائع الفوائد بتصرف يسير.
...المزيد

فضل الصلاة والسلام على المصطفى عن أبي بن كعب قال رَجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، أرَأيْتَ إنْ جعَلْتُ ...

فضل الصلاة والسلام على المصطفى
عن أبي بن كعب قال رَجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، أرَأيْتَ إنْ جعَلْتُ صَلاتي كلَّها عليكَ؟
قال: إذنْ يَكفيَكَ اللهُ ما أهَمَّكَ من دُنْياكَ وآخِرتِكَ.

المحدث : شعيب الأرناؤوط
المصدر : تخريج المسند لشعيب الرقم : 21242 |
خلاصة حكم المحدث : حديث حَسنٌ

أخرجه أحمد (21242) واللفظ له، وابن أبي شيبة (8798)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (10577)

وقال شيخ الإسلام :
" مقصود السائل : يا رسول الله إن لي دعاء أدعو به ، وأستجلب به الخير ، وأستدفع به الشر فكم أجعل لك من الدعاء ؟ قال : ما شئت . فلما انتهى إلى قوله : ( أجعل لك صلاتي كلها ) قال : إذا تكفى همك ويغفر ذنبك .

وفي الرواية الأخرى : إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك .

وهذا غاية ما يدعو به الإنسان لنفسه من جلب الخيرات ودفع المضرات " انتهى .

"مجموع الفتاوى" (1/349-350) .

وهذا كله بتقدير صحة الحديث ، وقد أشرنا إلى من صححه من أهل العلم ؛ وإلا فإن راوي الحديث عبد الله بن محمد بن عقيل : أكثر كلام أئمة الحديث على تضعيفه ، وعدم الاحتجاج بحديثه ، حتى قال عنه الإمام أحمد ـ في رواية حنبل ـ : " منكر الحديث " ، وقال يعقوب الجوزجاني : " عامة ما يرويه غريب " .

ينطر : "تهذيب الكمال" (16/80) وما بعدها .
...المزيد

فضل الصلاة والسلام على المصطفى جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله! إني أكثر ...

فضل الصلاة والسلام على المصطفى
جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله! إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت قال: الربع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: النصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: الثلثين؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: يا رسول الله! فأجعل صلاتي كلها لك؟ قال: إذًا تكفى همك، ويغفر ذنبك.

هذا الحديث صحيح، ومعنى الصلاة هنا: الدعاء، فإذا جعل الإنسان وقتًا يصلي فيه على النبي ﷺ كثيرًا، فالله جل وعلا يأجره على ذلك، والحسنة بعشر أمثالها، إلى ما لا يحصى من الفضل، يقول النبي ﷺ: إذًا تكفى همك، ويغفر ذنبك إذا أكثر من الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام قال بعض أهل العلم: هذا السائل له وقت خصه للدعاء، فإذا صرف ذلك الوقت كله في الصلاة على النبي ﷺ؛ حصل له هذا الفضل: إذًا تكفى همك يعني: يكفيك الله همك ويغفر ذنبك.

فينبغي الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ، وإذا صلى على النبي ﷺ في السجود قبل الدعاء، أثنى على الله، وصلى على النبي ﷺ فهذا من أسباب الإجابة، كما أن الصلاة عليه في آخر التحيات، ثم الدعاء بعد ذلك من أسباب الإجابة.
...المزيد

القول البديع في خصائص الحبيب الشفيع خصائص الرسول على أمته ما خص الله تعالى نبيه محمداً بخصائص ...

القول البديع في خصائص الحبيب الشفيع
خصائص الرسول على أمته
ما خص الله تعالى نبيه محمداً بخصائص عن أُمَّته
مئة خصلة انفرد بها الرسول ﷺ عن بقية الأنبياء
أولاً : ما أكرمه الله تعالى به لذاته في الدنيا :
ثانياً: ما أكرمه الله تعالى به في أمته في الآخرة :
هذه مئة خصلة انفرد بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن سائر الأنبياء السابقين عليهم السلام.

أولاً : ما أكرمه الله تعالى به لذاته في الدنيا :

1- أخذ الله له العهد على جميع الأنبياء، صلى الله عليه وسلم.
2- كان عند أهل الكتاب علم تام به صلى الله عليه وسلم.
3- كان نبيا وآدم منجدل في طينته صلى الله عليه وسلم.
4- هو أول المسلمين صلى الله عليه وسلم.
5- هو خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.
6- هو نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم
7- هو أولى بالأنبياء من أممهم صلى الله عليه وسلم
8- هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم صلى الله عليه وسلم
9- كون بعثته منة يمتن الله بها على عباده صلى الله عليه وسلم.
10- كونه خيرة الخلق، وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم
11- طاعته ومبايعته هي عين طاعة الله ومبايعته صلى الله عليه وسلم
12- الإيمان به صلى الله عليه وسلم مقرون بالإيمان بالله تعالى.
13- هو رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم
14- هو أمنة لأمته صلى الله عليه وسلم
15- عموم رسالته صلى الله عليه وسلم.
16 – تكفل المولى بحفظه وعصمته صلى الله عليه وسلم
17- التكفل بحفظ دينه صلى الله عليه وسلم
18- القسم بحياته صلى الله عليه وسلم
19- القسم ببلده صلى الله عليه وسلم
20- القسم له صلى الله عليه وسلم
21- لم يناده باسمه صلى الله عليه وسلم
22- ذكر صلى الله عليه وسلم في أول من ذكر من الأنبياء
23- النهى عن مناداته صلى الله عليه وسلم باسمه
24- لا يرفع صوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم
25- تقديم الصدقة بين يدى مناجاتهم له صلى الله عليه وسلم (ثم نسخ ذلك)
26- جعله الله نورا صلى الله عليه وسلم
27- فرض بعض شرعه في السماء صلى الله عليه وسلم. (الصلاة)
28- تولى الإجابة عنه صلى الله عليه وسلم
29- استمرار الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
30- الإسراء والمعراج به صلى الله عليه وسلم.
31- معجزاته صلى الله عليه وسلم
32- غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر صلى الله عليه وسلم
33- تأخير دعوته المستجابة فعلا ليوم القيامة صلى الله عليه وسلم.
34- أعطى جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم
35- أعطى مفاتيح خزائن الأرض صلى الله عليه وسلم.
36- إسلام قرينه من الجن صلى الله عليه وسلم.
37- نصره بالرعب مسيرة شهر صلى الله عليه وسلم
38- شهادة الله وملائكته له صلى الله عليه وسلم.
39- إمامته بالأنبياء في بيت المقدس صلى الله عليه وسلم
40- قرنه خير قرون بنى آدم صلى الله عليه وسلم
41- ما بين بيته ومنبره روضة من رياض الجنة صلى الله عليه وسلم
42- أعطي انشقاق القمر صلى الله عليه وسلم
43- يرى من وراء ظهره صلى الله عليه وسلم
44- رؤيته في المنام حق صلى الله عليه وسلم
45- عرض الأنبياء مع أممهم عليه صلى الله عليه وسلم
46- جعل خاتم النبوة بين كتفيه صلى الله عليه وسلم
47- اطلاعه على المغيبات صلى الله عليه وسلم

ثانياً : ما أكرمه الله تعالى به في الآخرة.

48- وصفه بالشهادة صلى الله عليه وسلم
49- ما أعطى من الشفاعات صلى الله عليه وسلم
50 – هو أول من يبعث صلى الله عليه وسلم
51- هو إمام الأنبياء وخطيبهم صلى الله عليه وسلم.
52- كل الأنبياء تحت لوائه صلى الله عليه وسلم
53- هو أول من يجوز على الصراط صلى الله عليه وسلم
54- هو أول من يقرع باب الجنة صلى الله عليه وسلم.
55 – هو أول من يدخل الجنة صلى الله عليه وسلم
56- إعطاؤه الوسيلة والفضيلة صلى الله عليه وسلم. (الوسيلة: أعلى منزلة في الجنة)
57- إعطاؤه المقام المحمود صلى الله عليه وسلم. (وهى الشفاعة العظمى)
58- إعطاؤه الكوثر صلى الله عليه وسلم. (وهو نهر في الجنة)
59- إعطاؤه لواء الحمد صلى الله عليه وسلم.
61- هو أكثر الأنبياء تبعا صلى الله عليه وسلم
62- هو سيد الأولين والآخرين يوم القيامة صلى الله عليه وسلم
63- هو أول شافع ومشفع صلى الله عليه وسلم.
64- هو مبشر الناس يوم يفزع إليه الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
65- ما يوحى إليه في سجوده تحت العرش مما لم يفتح على غيره من قبل ومن بعد صلى الله عليه وسلم
66- منبره على حوضه صلى الله عليه وسلم.

[ما أكرمه الله به في أمته في الدنيا]

67- جعلت خير الأمم.
68- سماهم الله تعالى المسلمين، وخصهم بالإسلام.
69- أكمل الله لها الدين، وأتم عليها النعمة.
70- ما حطه الله لها عنها من الإصر والأغلال.
71- صلاة المسيح خلف إمام المسلمين.
72- أحلت لها الغنائم.
73- جعلت صفوفها كصفوف الملائكة
74- التيمم والصلاة على الأرض.
75- خصهم بيوم الجمعة
76- خصهم بساعة الإجابة يوم الجمعة
77- خصهم بليلة القدر
78- هذه الأمة هي شهداء الله في الأرض.
79- مثلها في الكتب السابقة (ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل)
80- لن تهلك بجوع، ولا يسلط عليها عدو من غيرها فيستأصلها
81- خصت بصلاة العشاء.
82- تؤمن بجميع الأنبياء
83- حفظها من التنقص في حق ربها عز وجل
84- لا تزال طائفة منها على الحق منصورة.

ثانياً: ما أكرمه الله تعالى به في أمته في الآخرة.

85- هي شاهدة للأنبياء على أممهم
86- هي أول من يجتاز الصراط.
87- هي أول من يدخل الجنة، وهى محرمة على الناس حتى تدخلها
88- انفرادها بدخول الباب الأيمن من الجنة
89- سيفديها بغيرها من الأمم
90- تأتي غرا محجلين من آثار الوضوء
91- هي أكثر أهل الجنة.
92 – سيرضى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فيها
93- زيادة الثواب مع قلة العمل.
94- كلها تدخل الجنة إلا من أبى بمعصيته لله ورسوله، للحديث الذي رواه البخاري .
95- كثرة الشفاعات في أمته.
96- تمنى الكفار لو كانوا مسلمين.
97- هم الآخرون في الدنيا السابقون يوم القيامة .
98- دخول العدد الكثير منها الجنة بغير حساب .
99- لها علامة تعرف بها ربها عز وجل وهو الساق.
100- فيها سادات أهل الجنة.

تلكم كانت مئة خصلة انفرد بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن سائر الأنبياء السابقين عليهم السلام.

- إسلام أون لاين.
...المزيد

معلومات

أ.د. محمود عبد العزيز يوسف أبو المعاطي حجاب أستاذ الفقه المقارن. مصري مقيم في الخليج العربي أستاذ التشريع الجنائي بمعهد الدراسات الجنائية. خبير شرعي بالقضاء مستشار أسري. أستاذ الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية بولاية مينيسوتا الأمريكية. أستاذ الفقه وأصوله بالمعهد العالي للائمة والخطباء بأمريكا سابقا أستاذ الفقه وأصوله بجامعة أم القرى فرع محافظة القنفذة بالسعودية سابقاً. أستاذ الفقه وأصوله المشارك بمعهد الدعوة والعلوم الاسلامية بقطر سابقاً. عضو مكتب الإفتاء بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقطر سابقاً.

أكمل القراءة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً