حين أجلس أحيانا في نهاية يوم طويل وأفتح واحدا من تلك المقاطع التي تحتفي بالتنمية البشرية وتعد الناس بقدرة خارقة على تغيير حياتهم، أشعر كما لو أنني أمام عالم ينساب فيه الكلام بسهولة تشبه سهولة المياه التي تنحدر من أعلى الجبل، كلام يُقال بثقة وابتسامة وهدوء يجعل المستمع يظن أن الحياة كلها تنتظر فقط أن يستيقظ مبكرا ويبتسم لنفسه ويكرر بعض الجمل التي تحفّز أعماقه.
وفي كل مرة أسمع فيها تلك العبارات التي تطلب من الإنسان أن يؤمن بقدرته على صنع مصيره، يخطر ببالي أن هذه الوصفات تنظر إلى البشر كما لو أنهم يولدون ويعيشون ويعملون خارج أي مجتمع، وكأن العالم قد صُمّم خصيصا ليكون مرآة لإرادتهم وحدها.
وأتذكر شابا التقيت به ذات يوم، يحمل شهادات عديدة ويخرج من مقابلة عمل وهو يجرّ خلفه تعب سنوات الجامعة، وكان يحدثني بصوت يشبه الهمس عن محاولاته المتكررة لإقناع نفسه بأنه قوي وقادر ومؤمن بذاته، ومع ذلك كان يعود كل مرة إلى النقطة نفسها، نقطة أن المشكلة ليست في ثقته ولا في خططه ولا في تلك الجمل التحفيزية التي يرددها قبل النوم، وإنما في واقع يضيق به وبغيره، واقع لا يترك مساحة واسعة للطموحات مهما كانت الإرادة مشتعلة في الداخل.
ومن هنا يبدأ السؤال الحقيقي: كيف يمكن لفرد واحد أن يبني حياة ناجحة إذا كانت الأرض التي يقف عليها غير ممهدة، وإذا كانت المؤسسات التي تشكل الإطار العام لحياته لا تعمل بالقدر المطلوب، وإذا كانت الفرص قليلة والمنافسة غير عادلة؟.
كيف يمكن أن نطلب من إنسان أن يحقق ذاته وسط اقتصاد يعاني من البطء، وسوق عمل يأكل الوقت أكثر مما يعطي الفرص، ومنظومة تشغيل مشدودة بخيوط المحسوبية التي تُبقي كثيرين في الخلف مهما كانت قدراتهم؟.
ومع مرور الزمن، صار خطاب التنمية البشرية الذي وُلد في مجتمعات مختلفة يصل إلينا مثل بضاعة مستوردة فقدت جزءا من معناها وهي تعبر المسافات، لأن الأفكار التي نشأت في بيئات اقتصادية قوية تعتمد على منظومات تستوعب طموحات الناس وتوفر لهم الحد الأدنى من الاحتضان، قد لا تعمل بالطريقة نفسها حين تصل إلى بيئة لم تكتمل بنيتها بعد، ولم تُعبّد طرقها بما يكفي لتسمح للفرد بأن يمشي فيها بثقة وثبات.
ومع هذا الامتداد المتزايد للفردانية، تسلّلت تلك الروح إلى فضاءات لم تكن تنتمي إليها سابقا، حتى وصلت إلى السياسة، فأصبح بعض الشباب الذين لم يقرأوا إلا ما تيسّر من المقالات المختصرة يتحدثون عبر هواتفهم الصغيرة عن أعقد ملفات العلاقات الدولية ويتعاملون مع السياسة كما لو أنها لعبة إلكترونية يمكن التحكم بها عبر لمسة من الشاشة، إذ تمنحهم تلك الجرعات التحفيزية شعورا بأنهم قادرون على حل أزمات العالم، فقط لأنهم استيقظوا مبكرا ورددوا كلمات تشجعهم على الإيمان بالطاقة الداخلية. وهكذا تتشكل مفارقة غريبة تجعل الإنسان يظن أن العالم يلين للنية الصافية أكثر مما يلين للمعرفة والخبرة !!.
ومع امتداد هذا الخيط، يصبح من السهل أن نرى كيف وصل هذا النسق الفرداني حتى إلى الخطاب الديني نفسه، خطاب يفترض أنه يحمل رؤية روحية تتجاوز الإنسان الفرد إلى الجماعة، ومع ذلك نرى فيه في السنوات الأخيرة تركيزا شديدا على الفرد، حيث يُقال للمرء إن حياته ستستقيم إن حافظ على الصلاة، وإن فقره سيزول إن أصر على الصيام والقيام، وإن رزقه سيتسع إن نهض لصلاة الفجر أو وقف في الليل طويلا يناجي ربّه، وكأن المشكلة تكمن فقط في مقدار القرب الروحي بين الفرد وخالقه.
ومع أن لهذه الطقوس أثرا عظيما على النفس وطمأنينة القلب، إلا أن الخطاب ينسى في كثير من الأحيان أن ما ينهض بالفقراء ليس فقط يقينهم الشخصي ولا صفاء أرواحهم، وإنما وجود مجتمع عادل قادر على التخطيط، مجتمع يرى الفقر ظاهرة جماعية تحتاج إلى سياسات لا مجرد نصائح، مجتمع يدرك أن الرزق ليس مجرد باب يفتح حين يخشع القلب، وإنما شبكة واسعة من الفرص والحقوق والواجبات.
وهكذا يصبح الفرد مطالبا بأن يعالج مشكلات هي في أصلها مسؤولية المجتمع ومؤسساته، فيحمل هموما أكبر من طاقته، ويقف في مواجهة ظروف لا يمكن لجسد واحد وروح واحدة أن تغيّرها مهما كانت العبادة خالصة.
ومع كل ذلك، يبقى من المهم الاعتراف بأن هذه الكتب والمحاضرات والخطب تحمل جانبا جميلا يساعد الإنسان أحيانا على رؤية ذاته من زاوية أخرى، وتمنحه قدرة على ترتيب فوضاه الصغيرة، وتفتح أمامه نافذة لأمل داخلي لا يمكن تجاهله، إلا أن هذه القيمة تبقى جزءا من صورة أكبر، صورة تحتاج إلى مجتمع واع ومؤسسات مسؤولة حتى تكتمل.
ولهذا فأزمتنا تبدو وكأنها أزمة مجتمع يبحث عن بوصلته قبل أن تكون أزمة أفراد يبحثون عن طرق فردية للخلاص، أزمة تتعلق بغياب الرؤية الجماعية، وحاجة ملحّة لبناء طريق يسير فيه الناس معا لا وحدهم، لأن الإنسان مهما حاول أن يتحمل مسؤولية كل شيء سيظل ابن بيئته، ولا يمكن أن يقف وحده في وجه الحياة بأكملها، وحين نحمله ما لا يُحتمل ونطالبه بأن ينهض وحده، نكون كمن يضع جبلا على كتفيه ثم يطالبه بالركض، مع أننا ندرك في أعماقنا أن الجبال لا تتحرك إلا عندما يتحرك الجميع. ...المزيد
مراد رمضاني
التدوينات
منذ 4 ساعات
حين أجلس أحيانا في نهاية يوم طويل وأفتح واحدا من تلك المقاطع التي تحتفي بالتنمية البشرية وتعد الناس ...
حين أجلس أحيانا في نهاية يوم طويل وأفتح واحدا من تلك المقاطع التي تحتفي بالتنمية البشرية وتعد الناس بقدرة خارقة على تغيير حياتهم، أشعر كما لو أنني أمام عالم ينساب فيه الكلام بسهولة تشبه سهولة المياه ...المزيد
مراد رمضاني
التدوينات
منذ 5 ساعات
أدى الاستخدام المتسارع لشبكات الإنترنت وانتشار توظيف الذكاء الاصطناعي في مختلف مناحي الحياة إلى خلق ...
أدى الاستخدام المتسارع لشبكات الإنترنت وانتشار توظيف الذكاء الاصطناعي في مختلف مناحي الحياة إلى خلق تحديات مستجدة أمام أجهزة الشرطة العربية، التي وجدت نفسها مضطرةً للحاق بركب هذا التطور التكنولوجي ...المزيد
مراد رمضاني
التدوينات
منذ 5 ساعات
أصبحت قضية تطوير التعليم قضية مجتمعية ومشروع دولة وليست فقط مقصورة على من يتولى حقيبة وزارة التربية ...
أصبحت قضية تطوير التعليم قضية مجتمعية ومشروع دولة وليست فقط مقصورة على من يتولى حقيبة وزارة التربية وفريقة، هذا المسار طويل وشاق ومليء بالمتاهات والتشعبات ويتطلب الاستمرارية والمثابرة ويقوم على عدة ...المزيد
مراد رمضاني
التدوينات
منذ 5 ساعات
تعيش العلاقات الجزائرية - الأوروبية اليوم لحظة دقيقة تتجاوز التقلبات الظرفية، وتعيد تشكيل آليات ...
تعيش العلاقات الجزائرية - الأوروبية اليوم لحظة دقيقة تتجاوز التقلبات الظرفية، وتعيد تشكيل آليات تفاعل جديدة بين ضفتي المتوسط. فالوساطة الألمانية في ملف الكاتب الجزائري الأصل بوعلام سنصال لم تكن مجرد ...المزيد
مراد رمضاني
التدوينات
منذ 2025-04-19
حاولت إسبانيا بعد استيلائها على وهران والمرسى الكبير الوصول إلى سلم مع الجزائر، غير أن هذه رفضت ...
حاولت إسبانيا بعد استيلائها على وهران والمرسى الكبير الوصول إلى سلم مع الجزائر، غير أن هذه رفضت الدخول في أية تسوية سلمية طالما بقيت القوات الإسبانية فوق أرض الجزائر. واستمرت المفاوضات فترة طويلة، ...المزيد
مراد رمضاني
التدوينات
منذ 2025-04-19
يمتد تاريخ نضال الجزائر عبر قرابة 500 سنة، وعلى سبيل التحديد بدأ منذ خرج العرب من إسبانيا إذ ما ...
يمتد تاريخ نضال الجزائر عبر قرابة 500 سنة، وعلى سبيل التحديد بدأ منذ خرج العرب من إسبانيا إذ ما كادت تنتهي المجزرة ضد العرب في داخل إسبانيا عقب سقوط غرناطة حتى 1492، حتى توجهت أنظار الإسبان وسواهم ...المزيد
مراد رمضاني
التدوينات
منذ 2025-04-19
حديث: مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ عن أبي ...
حديث: مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ
عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ ...المزيد
عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ ...المزيد
مراد رمضاني
التدوينات
منذ 2025-04-19
رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ
رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ
مراد رمضاني
التدوينات
منذ 2025-04-19
((اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا ...
((اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ))
مراد رمضاني
التدوينات
منذ 2025-04-19
رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ
رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ
مراد رمضاني
التدوينات
منذ 2025-04-05
أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن معاذ بن جبل . ...
أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن معاذ بن جبل . أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن : أوصني . قال : " أخلص دينك يكفك القليل من ...المزيد
مراد رمضاني
التدوينات
منذ 2025-04-05
أخرج ابن أبي الدنيا في الإخلاص والبيهقي في الشعب عن ثوبان " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ...
أخرج ابن أبي الدنيا في الإخلاص والبيهقي في الشعب عن ثوبان " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى ، تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء " .