حين أجلس أحيانا في نهاية يوم طويل وأفتح واحدا من تلك المقاطع التي تحتفي بالتنمية البشرية وتعد الناس ...

حين أجلس أحيانا في نهاية يوم طويل وأفتح واحدا من تلك المقاطع التي تحتفي بالتنمية البشرية وتعد الناس بقدرة خارقة على تغيير حياتهم، أشعر كما لو أنني أمام عالم ينساب فيه الكلام بسهولة تشبه سهولة المياه التي تنحدر من أعلى الجبل، كلام يُقال بثقة وابتسامة وهدوء يجعل المستمع يظن أن الحياة كلها تنتظر فقط أن يستيقظ مبكرا ويبتسم لنفسه ويكرر بعض الجمل التي تحفّز أعماقه.

وفي كل مرة أسمع فيها تلك العبارات التي تطلب من الإنسان أن يؤمن بقدرته على صنع مصيره، يخطر ببالي أن هذه الوصفات تنظر إلى البشر كما لو أنهم يولدون ويعيشون ويعملون خارج أي مجتمع، وكأن العالم قد صُمّم خصيصا ليكون مرآة لإرادتهم وحدها.

وأتذكر شابا التقيت به ذات يوم، يحمل شهادات عديدة ويخرج من مقابلة عمل وهو يجرّ خلفه تعب سنوات الجامعة، وكان يحدثني بصوت يشبه الهمس عن محاولاته المتكررة لإقناع نفسه بأنه قوي وقادر ومؤمن بذاته، ومع ذلك كان يعود كل مرة إلى النقطة نفسها، نقطة أن المشكلة ليست في ثقته ولا في خططه ولا في تلك الجمل التحفيزية التي يرددها قبل النوم، وإنما في واقع يضيق به وبغيره، واقع لا يترك مساحة واسعة للطموحات مهما كانت الإرادة مشتعلة في الداخل.

ومن هنا يبدأ السؤال الحقيقي: كيف يمكن لفرد واحد أن يبني حياة ناجحة إذا كانت الأرض التي يقف عليها غير ممهدة، وإذا كانت المؤسسات التي تشكل الإطار العام لحياته لا تعمل بالقدر المطلوب، وإذا كانت الفرص قليلة والمنافسة غير عادلة؟.

كيف يمكن أن نطلب من إنسان أن يحقق ذاته وسط اقتصاد يعاني من البطء، وسوق عمل يأكل الوقت أكثر مما يعطي الفرص، ومنظومة تشغيل مشدودة بخيوط المحسوبية التي تُبقي كثيرين في الخلف مهما كانت قدراتهم؟.

ومع مرور الزمن، صار خطاب التنمية البشرية الذي وُلد في مجتمعات مختلفة يصل إلينا مثل بضاعة مستوردة فقدت جزءا من معناها وهي تعبر المسافات، لأن الأفكار التي نشأت في بيئات اقتصادية قوية تعتمد على منظومات تستوعب طموحات الناس وتوفر لهم الحد الأدنى من الاحتضان، قد لا تعمل بالطريقة نفسها حين تصل إلى بيئة لم تكتمل بنيتها بعد، ولم تُعبّد طرقها بما يكفي لتسمح للفرد بأن يمشي فيها بثقة وثبات.

ومع هذا الامتداد المتزايد للفردانية، تسلّلت تلك الروح إلى فضاءات لم تكن تنتمي إليها سابقا، حتى وصلت إلى السياسة، فأصبح بعض الشباب الذين لم يقرأوا إلا ما تيسّر من المقالات المختصرة يتحدثون عبر هواتفهم الصغيرة عن أعقد ملفات العلاقات الدولية ويتعاملون مع السياسة كما لو أنها لعبة إلكترونية يمكن التحكم بها عبر لمسة من الشاشة، إذ تمنحهم تلك الجرعات التحفيزية شعورا بأنهم قادرون على حل أزمات العالم، فقط لأنهم استيقظوا مبكرا ورددوا كلمات تشجعهم على الإيمان بالطاقة الداخلية. وهكذا تتشكل مفارقة غريبة تجعل الإنسان يظن أن العالم يلين للنية الصافية أكثر مما يلين للمعرفة والخبرة !!.

ومع امتداد هذا الخيط، يصبح من السهل أن نرى كيف وصل هذا النسق الفرداني حتى إلى الخطاب الديني نفسه، خطاب يفترض أنه يحمل رؤية روحية تتجاوز الإنسان الفرد إلى الجماعة، ومع ذلك نرى فيه في السنوات الأخيرة تركيزا شديدا على الفرد، حيث يُقال للمرء إن حياته ستستقيم إن حافظ على الصلاة، وإن فقره سيزول إن أصر على الصيام والقيام، وإن رزقه سيتسع إن نهض لصلاة الفجر أو وقف في الليل طويلا يناجي ربّه، وكأن المشكلة تكمن فقط في مقدار القرب الروحي بين الفرد وخالقه.

ومع أن لهذه الطقوس أثرا عظيما على النفس وطمأنينة القلب، إلا أن الخطاب ينسى في كثير من الأحيان أن ما ينهض بالفقراء ليس فقط يقينهم الشخصي ولا صفاء أرواحهم، وإنما وجود مجتمع عادل قادر على التخطيط، مجتمع يرى الفقر ظاهرة جماعية تحتاج إلى سياسات لا مجرد نصائح، مجتمع يدرك أن الرزق ليس مجرد باب يفتح حين يخشع القلب، وإنما شبكة واسعة من الفرص والحقوق والواجبات.

وهكذا يصبح الفرد مطالبا بأن يعالج مشكلات هي في أصلها مسؤولية المجتمع ومؤسساته، فيحمل هموما أكبر من طاقته، ويقف في مواجهة ظروف لا يمكن لجسد واحد وروح واحدة أن تغيّرها مهما كانت العبادة خالصة.

ومع كل ذلك، يبقى من المهم الاعتراف بأن هذه الكتب والمحاضرات والخطب تحمل جانبا جميلا يساعد الإنسان أحيانا على رؤية ذاته من زاوية أخرى، وتمنحه قدرة على ترتيب فوضاه الصغيرة، وتفتح أمامه نافذة لأمل داخلي لا يمكن تجاهله، إلا أن هذه القيمة تبقى جزءا من صورة أكبر، صورة تحتاج إلى مجتمع واع ومؤسسات مسؤولة حتى تكتمل.

ولهذا فأزمتنا تبدو وكأنها أزمة مجتمع يبحث عن بوصلته قبل أن تكون أزمة أفراد يبحثون عن طرق فردية للخلاص، أزمة تتعلق بغياب الرؤية الجماعية، وحاجة ملحّة لبناء طريق يسير فيه الناس معا لا وحدهم، لأن الإنسان مهما حاول أن يتحمل مسؤولية كل شيء سيظل ابن بيئته، ولا يمكن أن يقف وحده في وجه الحياة بأكملها، وحين نحمله ما لا يُحتمل ونطالبه بأن ينهض وحده، نكون كمن يضع جبلا على كتفيه ثم يطالبه بالركض، مع أننا ندرك في أعماقنا أن الجبال لا تتحرك إلا عندما يتحرك الجميع.
...المزيد

أدى الاستخدام المتسارع لشبكات الإنترنت وانتشار توظيف الذكاء الاصطناعي في مختلف مناحي الحياة إلى خلق ...

أدى الاستخدام المتسارع لشبكات الإنترنت وانتشار توظيف الذكاء الاصطناعي في مختلف مناحي الحياة إلى خلق تحديات مستجدة أمام أجهزة الشرطة العربية، التي وجدت نفسها مضطرةً للحاق بركب هذا التطور التكنولوجي الهائل والحاجة إلى سد الثغرات الكبيرة سواء على مستوى إعداد رجال الأمن أو على مستوى التقنيات والتجهيزات الضرورية والأساليب والمهارات العملية، فضلاً عن الأطر القانونية والإجرائية. وتتمثل أهم التحديات الأمنية التقليدية التي تواجهها الدول العربية بالأنشطة الإرهابية والجرائم المنظمة العابرة للحدود كجرائم تهريب المخدرات وغسل الأموال والاتجار بالبشر وتهريب الأسلحة، ومع تجاوز الأنشطة الإجرامية للمفاهيم التقليدية المألوفة لعلم الجريمة، غدت الجرائم الإلكترونية تشكل هاجساً يؤرق الأجهزة الأمنية في ظل تنوع صور الجرائم المستحدثة واعتمادها على أنظمة بيانات ومعلومات معقدة وصعوبة مجاراة الأساليب الإجرامية الحديثة وتعقُّد مسارح هذه الجرائم وتوزعها في دول مختلفة. وبناءً على تلك المتغيرات المتسارعة في عالم الجريمة وأدواتها بدأ العديد من الدول العربية الاستفادة من علم البيانات والذكاء الاصطناعي وتوظيفه في خدمة مرفق الأمن، حيث تم تخصيص الميزانيات الكبيرة لتلبية الحاجة الملحّة والمتسارعة لوجود بيئة تقنية وتكنولوجية تواكب هذا التطور العالمي وتحقيق أفضل صور الاستثمار في قطاعات الدولة المختلفة وأهمها القطاع الأمني، حيث كانت دولة الإمارات العربية المتحدة سباقةً على المستوى العربي في هذا المجال، وتبعتها السعودية وقطر حيث احتلت هذه الدول تصنيفاً متقدماً في مؤشرات توظيف الذكاء الاصطناعي. لقد أصبح الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات بهدف بناء استراتيجيات أمنية استباقية يشكل الأولوية لدى أجهزة الشرطة بهدف التنبؤ بالسلوكيات الإجرامية ومكافحتها قبل حدوثها أو تفاقمها بدلاً من طرق التعامل التقليدية التي كانت غالباً تعتمد على ردود الأفعال. وعليه أصبح الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي لتعزيز العدالة الجنائية واكتشاف انتشار وحدوث الظواهر الإجرامية والوقاية منها من مرتكزات العمل الأمني بهدف التنبؤ بالسلوكيات الإجرامية وتحديد بؤر الجريمة الساخنة من خلال أنظمة المراقبة الذكية وتقنيات التعرف على الوجوه في الحشود والأماكن العامة التي تسارع استخدامها عالمياً، حيث يتم تحليل الصور ومقاطع الفيديو من خلال ربط كاميرات المراقبة الذكية بقواعد مركزية للبيانات، مما يتيح تتبع المجرمين والمفقودين والمركبات المشتبه بها، كما يمكن توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي كإجراء احترازي لمراقبة شبكات الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي للاكتشاف المبكر لخطط الجريمة، وكذلك انتشار خطابات التطرف والكراهية، فضلاً عن مواجهة ظاهرة رسائل التصيد الاحتيالي وحجبها قبل وصولها للضحايا المستهدفين. إن زيادة معدلات الكشف عن الجريمة اعتماداً على استخدام الذكاء الاصطناعي سوف يحقق الردع الأمني لمرتكبي الجرائم المختلفة ويمنع الجريمة قبل وقوعها ويجعل التحقيقات الجنائية تسير بصورة أسرع وأكثر فعالية، ولكن من الممكن أن يؤدي الاعتماد الزائد على التقنيات التكنولوجية الحديثة إلى ارتفاع تكلفة العمل الأمني وظهور تحديات أخلاقية وقانونية بشكل مستمر، حيث يتوجب مراعاة الاعتبارات الأخلاقية عند توظيف الذكاء الاصطناعي، وخاصةً لجهة منع أن تتحول أدوات الذكاء الاصطناعي إلى أدوات للتجسس على خصوصيات الناس وحرياتهم، وذلك من خلال وضع أنظمة رقابية وقانونية لضمان استخدام البيانات بصورة تحقق التوازن بين متطلبات الأمن واحترام حقوق الإنسان وحماية الخصوصية، وكذلك ضرورة ضمان عدم فلتان تطبيقات الذكاء الاصطناعي من التحكم والسيطرة البشرية، خصوصاً أن هناك علاقة تأثر وتأثير تتعلق بالمسؤولية القانونية للعنصر البشري صاحب القرار التشغيلي لتلك التطبيقات، ووجود تجاوزات محتملة تشكل تعدياً على خصوصية الآخرين ومساساً بحقوقهم، وبالتالي ضرورة توظيف الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات بطريقة عامة ومجردة وقانونية تمنع التمييز بين الأفراد بناءً على تحيزات مجتمعية أو دوافع كيدية. ...المزيد

أصبحت قضية تطوير التعليم قضية مجتمعية ومشروع دولة وليست فقط مقصورة على من يتولى حقيبة وزارة التربية ...

أصبحت قضية تطوير التعليم قضية مجتمعية ومشروع دولة وليست فقط مقصورة على من يتولى حقيبة وزارة التربية وفريقة، هذا المسار طويل وشاق ومليء بالمتاهات والتشعبات ويتطلب الاستمرارية والمثابرة ويقوم على عدة ركائز من ضمنها تحسين المناهج وتطويرها. لا يختلف اثنان على دور الأنشطة الرياضية وكل أشكال الفنون في النهوض بالتعليم العام والجامعي وتحسين مستوى الحياة من خلال تعزيز مهارات الطلاب الاجتماعية والجسدية والإبداعية والفكرية، وفي المقابل نجد أن هناك إهمالاً متعمداً وواضحاً لهذه الأنشطة في البرامج التعليمية منذ سنين طويلة، وفي الجهة المقابلة تعاني وزارة التربية من فائض في أعداد معلمي التربية الرياضية والفنية (بطالة مقنعة) والعبء التدريسي لديهم لا يتجاوز حصتين في الأسبوع، وعدد كبير منهم يتجهون للتسجيل في برامج الدراسات العليا في إحدى الدول العربية الشقيقة ويرجعون حاملين الشهادات العليا، وهذه خطوة قد تساهم في النهوض بقطاع الأنشطة الذي ينعكس ايجابا على العملية التعليمية إذا أحسنا استثمارها، فالمدارس هي التي تبنى فيها الرياضة والفنون بكل أشكالها، وهي المصنع الحقيقي للمواهب الطلابية التي يتطلب صقلها من خلال هؤلاء المعلمين، فهؤلاء المعلمون والطلاب ثروة وطنية علينا ألا نفرط فيها بعدم تركيز الاهتمام بهذه القطاعات. ولابد من عرض بعض النقاط الرئيسية التي توضح أهمية هذه الأنشطة في برامج الطلبة التعليمية كما يلي: الأنشطة الرياضية: 1 - تساهم في تحسين اللياقة البدنية والصحة العامة للطلاب. 2 - تساعد في تعزيز روح الفريق والتعاون بينهم. 3 - تساهم في تعليم الطلاب الانضباط والالتزام بالقواعد والنظام. 4 - تساعد في تخفيف الضغوط النفسية والتوتر لدى الطلاب. الأنشطة الفنية: 1 - تشجع الطلاب على التعبير عن أنفسهم بطريقة إبداعية محببة. 2 - تساعد في تحسين المهارات العقلية مثل التفكير النقدي الحر. 3 - تساهم في بناء الثقة بالنفس عند الطلاب من خلال التعبير الفني. 4 - تنمي المهارات الاجتماعية التي تساعد في تعزيز التواصل والتعاون بين الطلاب. التأثير المشترك للأنشطة الرياضية والفنية: 1 - تساهم الأنشطة الرياضية والفنية والثقافية في تحسين الأداء الأكاديمي من خلال تعزيز الانضباط والتركيز والذي يساهم بدوره في التحصيل العلمي. 2 - تساهم في تحسين الصحة النفسية للطلاب وتقليل مستويات القلق والاكتئاب والاضطرابات النفسية. 3 - تساعد في بناء شخصية الطالب بشكل متكامل من خلال تعزيز القيم الاجتماعية والرياضية والفنية. بشكل عام، يمكن أن تكون الأنشطة الرياضية والفنية جزءاً لا يتجزأ من النظام التعليمي، مما يساهم في بناء جيل متعلم ومبدع وصحي. الجانب الآخر المهمل في خريطة تطوير التعليم هم فئة الاحتياجات الخاصة (التربية الخاصة)، وهذا الجانب من التعليم يعتبر بالغ الأهمية لعدة أسباب: 1 - تعزيز المساواة والعدالة، لضمان حصول جميع الأفراد على فرص تعليمية متساوية، بغض النظر عن الإعاقة. 2 - الاهتمام بتعليم هذه الفئة يمكّن المعاق من الحصول على مهارات ومعارف تساعده في تحسين جودة حياته وزيادة استقلاله. 3 - يساهم هذا التعليم في دمج المعاقين في المجتمع وتعزيز مهاراتهم الاجتماعية والتفاعلية. 4 - يمكّن التعليم الجيد المعاقين من الحصول على فرص عمل مناسبة وتحقيق طموحاتهم المهنية. 5 - يمكّن التعليم الجيد المعاقين من تحقيق إنجازاتهم الشخصية والأكاديمية مما يعزز ثقتهم بأنفسهم. 6 - يعد التعليم الشامل للجميع أحد أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ويساهم في تحقيق مجتمع أكثر شمولاً وعدالة. إن تطوير التعليم لفئة المعاقين يتطلب توفير بيئات تعليمية داعمة وميسرة وذات كفاءة عالية، مع تقديم برامج تعليمية متخصصة، وتدريب المعلمين على البرامج الحديثة، وضمان إمكانية الوصول إلى الموارد التعليمية، كما يحتاج إلى الدعم النفسي والاجتماعي، والتعاون بين المدارس والمجتمع مع التركيز على التعليم الرقمي. من الطبيعي أن تكون هناك تحديات مالية وبنية تحتية علينا أن نواجهها على كل المستويات المجتمعية من خلال التعاون المشترك. ...المزيد

تعيش العلاقات الجزائرية - الأوروبية اليوم لحظة دقيقة تتجاوز التقلبات الظرفية، وتعيد تشكيل آليات ...

تعيش العلاقات الجزائرية - الأوروبية اليوم لحظة دقيقة تتجاوز التقلبات الظرفية، وتعيد تشكيل آليات تفاعل جديدة بين ضفتي المتوسط. فالوساطة الألمانية في ملف الكاتب الجزائري الأصل بوعلام سنصال لم تكن مجرد تدخل تقني لإنهاء أزمة فردية، بل نقطة تماس كشفت بوضوح كيف أعادت كل من فرنسا وألمانيا والجزائر تعريف موقعها في منظومة متحركة، حيث تتشابك الملفات شائكةً مثل الطاقة والذاكرة والهجرة والأمن مع نسيج المصالح المتداخل. الجزائر التي كانت تنظر اليها باريس على أنها امتداد لمساحتها الدبلوماسية جنوب المتوسط، اتجهت في السنوات الأخيرة إلى توسيع دوائر شراكاتها الأوروبية، تحرك لم يكن اندفاعاً أو انتقاماً، بل انتقالاً محسوباً من علاقة مركزية واحدة، إلى هندسة متعددة الأطراف، تأخذ بعين الاعتبار العديد من المقاييس من التحولات الطاقوية في أوروبا، وتراجع القدرة الأميركية على ضبط توازنات شمال إفريقيا، إلى اشتداد المنافسة حول موارد الغاز والهيدروجين. في هذا السياق الدولي والأوروبي، وأمام هذه الظرفية اللافتة، برزت ألمانيا وإيطاليا كشريكين قادرين على تقديم ما لا تستطيع باريس تقديمه، ألا وهي البراغماتية المتحررة من ثقل الذاكرة، واستعداد كبير لترجمة المصالح الاقتصادية إلى تعاون سياسي أوسع. دخلت ألمانيا تحديداً إلى الساحة الجزائرية عبر بوابة الطاقة والهيدروجين الأخضر، مستفيدة من اندفاع أوروبي نحو إعادة بناء أمن الطاقة بسبب حرب أوكرانيا، فالمشاريع التي تم إمضاؤها بين الجزائر وبرلين لم تكن مجرد عقود تجارية، بل مقدمات لشراكة طويلة الأمد. وبفضل هذه العلاقة السلسة، تحركت ألمانيا بسهولة حين اختارت الجزائر أن تجعل منها قناة لمعالجة ملف حساس، مثل ملف سنصال. أما فرنسا التي وجدت نفسها أمام مشهد متغير وغير مألوف، فقد أدركت أن المقاربات التقليدية لم تعد نافعة: لا الضغط القنصلي، ولا التصريحات العالية اللهجة، ولا التلويح بورقة الذاكرة والاتفاقات التي أفرغت من محتواها. وبهذا المعنى، قدمت الوساطة الألمانية نموذجاً جديداً تجسد في أن أوروبا تتحرك كوحدة سياسية متعددة الأصوات، فيما تعاملت معها الجزائر بمنطق المصلحة، لا بمنطق المحاور، كل ذلك في وقت اختارت فيه فرنسا الانسحاب التكتيكي لإعادة بناء التوازن على المدى الطويل، دون أن تخلق قطبين أحدهما منتصر والآخر منهزم ما يعني انتقالاً تدريجياً جماعياً نحو براغماتية فرضتها المتغيرات. وراء هذا المشهد، دفع اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية -وإن كان قراراً سياسياً وعليه الكثير من التحفظات القانونية- دفع الجزائر إلى إعادة صياغة بوصلتها الاستراتيجية، ليس عبر قطيعة مع واشنطن، بل عبر الاقتراب أكثر من أوروبا بوصفها فضاءً أقل تقلباً وأكثر قابلية لبناء تفاهمات بعيدة المدى. في العمق، لقد كشفت هذه التحولات أن العلاقات الجزائرية - الفرنسية - الأوروبية دخلت مرحلة تعدد المسارات لا تعدد الولاءات. فحتى وإن استطاعت الجزائر توسيع حضورها الاقتصادي مع ألمانيا وإيطاليا، فإنها لا تستطيع تجاوز تأثير فرنسا داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي. فرنسا تتراجع تكتيكياً في بعض الملفات، لكنها تبقى الفاعل الأكثر قدرة عل التأثير في البنية الأوروبية، التي تحكم علاقة الاتحاد الأوروبي بجيرانه الجنوبيين، وحتى وإن قدمت ألمانيا نفسها كشريك موثوق، إلا أنها تعمل دائماً ضمن سقف التنسيق مع باريس. فالوساطة الألمانية التي سرعت حل أزمة الكاتب بوعلام سنصال ليست دليلاً على انقلاب موازين القوى، بل على ضرورة تجديد القواعد التي تحكم تفاعل أوروبا مع الجزائر، وإطلاق سراح هذا الكاتب أظهر أن الجميع بدأ يتحرك وفق منطق جديد. فالجزائر تبحث عن مساحة أوسع، وفرنسا عن أدوات أذكى، وألمانيا عن دور أعمق داخل المتوسط. إنها بداية مرحلة نضج، تتعايش فيها الذاكرة مع المصالح، وتبنى فيها الشراكات على قاعدة واقعية لا مكان فيها للرمزية. ...المزيد

حاولت إسبانيا بعد استيلائها على وهران والمرسى الكبير الوصول إلى سلم مع الجزائر، غير أن هذه رفضت ...

حاولت إسبانيا بعد استيلائها على وهران والمرسى الكبير الوصول إلى سلم مع الجزائر، غير أن هذه رفضت الدخول في أية تسوية سلمية طالما بقيت القوات الإسبانية فوق أرض الجزائر. واستمرت المفاوضات فترة طويلة، تتوقف فترة لتستأنف في مرحلة لاحقة. وأمكن في النهاية الوصول إلى اتفاقية لتبادل إطلاق سراح الأسرى فقط، وعقدت الاتفاقية الأولى في شهر تشرين الأول - أكتوبر - سنة 1768 م. واشترط الجزائريون أن تطلق إسبانيا جميع من لديها من أسرى المسلمين مقابل إطلاق سراح الأسرى الإسبانيين الموجودين في الجزائر فقط. وبموجب هذا الاتفاق أطلقت إسبانيا سراح (1200) أسير مسلم مقابل (712) أسير إسباني. وأعيد تطبيق هذه الاتفاقية ذاتها في سنة 1773، واشترطت الجزائر في هذه المرة إطلاق سراح أسيرين مسلمين مقابل كل أسير إسباني، وبذلك أطلقت إسبانيا (1106) أسيرا من المسلمين - هم كل من كان لديها - مقابل إطلاق الجزائريين سراح (570) أسيرا من الإسبانيين. ...المزيد

يمتد تاريخ نضال الجزائر عبر قرابة 500 سنة، وعلى سبيل التحديد بدأ منذ خرج العرب من إسبانيا إذ ما ...

يمتد تاريخ نضال الجزائر عبر قرابة 500 سنة، وعلى سبيل التحديد بدأ منذ خرج العرب من إسبانيا إذ ما كادت تنتهي المجزرة ضد العرب في داخل إسبانيا عقب سقوط غرناطة حتى 1492، حتى توجهت أنظار الإسبان وسواهم إلى شمال إفريقيا، فتوالت على الجزائر حملات جبارة من الإسبان والإنكليز والفرنسيين والبرتغال، فما وهنت الجزائر يوما في رد هذه الحملات، رغم عنفها وجبروتها. ...المزيد

حديث: مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ عن أبي ...

حديث: مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ
عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاه " .
متفق عليه
الشرح
أَخْبَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ مَن قَرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في الليل فإنَّ الله يكفيه الشر والمكروه، وقيل: تكفيه عن قيام الليل، وقيل: تكفيه عن سائر الأوراد، وقيل: إنهما أقلُّ ما يجزىء من قراءة القرآن في قيام الليل، وقيل غير ذلك، ولعل كلَّ ما ذُكِرَ صحيح يَشملُه اللفظ.
من فوائد الحديث
1. بيان فضل أواخر سورة البقرة، وهي من قوله تعالى : (آمن الرسول ...) إلى آخر السورة.
2. أواخر سورة البقرة تدفع عن صاحبها السوءَ والشرَّ والشيطانَ إذا قرأها من الليل.
3. الليلة تبدأ بغروب الشمس، وتنتهي بطلوع الفجر.
...المزيد

((اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا ...

((اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ))

رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ

رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ

أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن معاذ بن جبل . ...

أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن معاذ بن جبل . أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن : أوصني . قال : " أخلص دينك يكفك القليل من العمل " . ...المزيد

أخرج ابن أبي الدنيا في الإخلاص والبيهقي في الشعب عن ثوبان " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ...

أخرج ابن أبي الدنيا في الإخلاص والبيهقي في الشعب عن ثوبان " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى ، تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء " .

معلومات

الحمد لله الذي خلقنا و رزقنا و أحيانا و هدانا وأطعمنا وسقانا وكفانا و أوانا و جعلنا مسلمين

أكمل القراءة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً