هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج

منذ 2014-12-09

كان هديه صلى الله عليه وسلم في النكاح تيسيره، والقيام على إعلانه وإظهاره، وإظهار الفرح والبشر به، وعمل الوليمة والدعوة إليها، وأمر المدعوين بالحضور، ولو كان أحدهم صائما فليحضر وليدْعُ لصاحب الوليمة، ولا عليه أن لا يطعم. ثم المعاشرة بالمعروف، والأخذ بأسبابها.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين. كان هديه صلى الله عليه وسلم في النكاح تيسيره، والقيام على إعلانه وإظهاره، وإظهار الفرح والبشر به، وعمل الوليمة والدعوة إليها، وأمر المدعوين بالحضور، ولو كان أحدهم صائما فليحضر وليدْعُ لصاحب الوليمة، ولا عليه أن لا يطعم.
ثم المعاشرة بالمعروف، والأخذ بأسبابها.

هذا الإجمال، وإليك البيان والتفصيل:

أولاً: يسر الصداق
روى البيهقي: [14721] أَنَّ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرَهُ». وهو عند أبي داود: [2117] بلفظ: «خير النكاح أيسره». وصححه الألباني.
قال في عون المعبود: "أَيْ: أَسْهَله عَلَى الرَّجُل بِتَخْفِيفِ الْمَهْر وَغَيْره. وَقَالَ الْعَلَّامَة الشَّيْخ الْعَزِيزِيّ: أَيْ : أَقَلّه مَهْرًا، أَوْ أَسْهَله إِجَابَة لِلْخِطْبَةِ" اِنْتَهَى.

وروى أحمد: [23957] وابن حبان: [4095] عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ: تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا» حسنه الألباني في (صحيح الجامع: [2235]).
وروى الترمذي: [1114] عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه قال: "أَلَا لَا تُغَالُوا صَدُقَةَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا عَلِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أَنْكَحَ شَيْئًا مِنْ بَنَاتِهِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً" صححه الألباني في (صحيح الترمذي).
والأوقية: أربعون درهماً، ووزن الدرهم بالجرامات: 2.975 جراماً.

ثانيا: إعلان النكاح
روى الترمذي: [1089] عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ» وحسنه الألباني في (الإرواء: [7/50]).
وروى النسائي: [3369] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ : الدُّفُّ ، وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ» وحسنه الألباني.
والضرب بالدف في النكاح مخصوص بالنساء.
قال الحافظ في الفتح: "وَالْأَحَادِيث الْقَوِيَّة فِيهَا الْإِذْن فِي ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ فَلَا يَلْتَحِق بِهِنَّ الرِّجَال لِعُمُومِ النَّهْي عَنْ التَّشَبُّه بِهِنَّ" انتهى .

ثالثاً: الوليمة
وهي سنة مؤكدة في العرس، وهي من إعلان النكاح، ومن إظهار البشر والسرور به.
فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ لما تزوج: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» (متفق عليه).
وقال بعض العلماء بوجوبها؛ لما رواه أحمد: [22526] عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا خَطَبَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعُرْسِ مِنْ وَلِيمَةٍ» قال الألباني في (آداب الزفاف: [72]): "وإسناده -كما قال الحافظ في الفتح- لا بأس به" انتهى.  
ويجب الحضور للوليمة إذا دعي إليها، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا» (متفق عليه).
وقال ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "يقول العلماء رحمهم الله تعالى: إنه تجب إجابة دعوة العرس في أول مرة، أي أول وليمة إذا عيَّنه سواء بنفسه، أو بوكيله، أو ببطاقة يرسلها إليه، بشرط ألا يكون في الوليمة منكر، فإن كان فيها منكر ففيه تفصيل: إن كان إذا حضر أمكنه منع المنكر وجب عليه الحضور، وإن كان لا يستطيع فإنه لا يجوز له أن يحضر" انتهى. (لقاء الباب المفتوح: [133/13]).

وتجوز الوليمة بغير لحم، فقد روى البخاري: [4213] عن أنس رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قال: "أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا إِلَّا أَنْ أَمَرَ بِلَالًا بِالْأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ فَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسَّمْنَ".

رابعاً:
يستحب تهنئة الزوج بتهنئة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ إِذَا رَفَّأَ الْإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ (هنأه ودعا له) قَالَ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ» (أبو داود:[2130] وصححه الألباني).

خامساً:
يستحب للزوج عند الدخول بزوجته عدة أمور، منها:
- ملاطفة الزوجة عند البناء بها .
فروى أحمد: [26925] عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رضي الله تعالى عنها قَالَتْ: "كُنْتُ صَاحِبَةَ عَائِشَةَ الَّتِي هَيَّأَتْهَا وَأَدْخَلَتْهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي نِسْوَةٌ. قَالَتْ: "فَوَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا عِنْدَهُ قِرًى إِلَّا قَدَحًا مِنْ لَبَنٍ"، قَالَتْ: فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ عَائِشَةَ فَاسْتَحْيَتْ الْجَارِيَةُ فَقُلْنَا: "لَا تَرُدِّي يَدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِي مِنْهُ". فَأَخَذَتْهُ عَلَى حَيَاءٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: «نَاوِلِي صَوَاحِبَكِ». فَقُلْنَا: لَا نَشْتَهِهِ. فَقَالَ: «لَا تَجْمَعْنَ جُوعًا وَكَذِبًا»". حسنه الألباني في (آداب الزفاف: [19]).
- وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها :
لما روى أبو داود: [2160] عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فلِيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا ولْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ» حسنه الألباني.

- واستحب بعض السلف أن يصليا ركعتين معاً :
فروى ابن أبي شيبة: [17156] عن شقيق قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني تزوجت جارية شابة، وإني أخاف أن تفركني (تبغضني) قال: فقال عبد الله: "إن الألف من الله، والفرك من الشيطان، يريد أن يكره إليكم ما أحل الله لكم، فإذا أتتك فمرها أن تصلي وراءك ركعتين". صححه الألباني في (آداب الزفاف: [24]).

- وينبغي أن يقول حين يأتي أهله: «بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا».
لما رواه البخاري: [3271] عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَرُزِقَا وَلَدًا لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ».

وأخيرًا .. تتأكد الوصية بالمعاشرة بالمعروف، وأن يتقي الله تعالى فيها، وأن تتقي الله تعالى فيه.
قال الله عز وجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النساء:19].
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا : ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» صححه الألباني في (تخريج المشكاة: [3254]).

والله تعالى أعلى وأعلم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.