دورة علمية ميسرة - الحلقة (13): وقفة مع البدعة و أنواعها

منذ 2017-01-28

يختلط على الكثير شأن البدعة المحرمة ويتغامز بعض المغرضين بادعاء تحريم الإسلام لكل جديد أو مخترع بدعوى أنه بدعة

يختلط على الكثير شأن البدعة المحرمة ويتغامز بعض المغرضين بادعاء تحريم الإسلام لكل جديد أو مخترع بدعوى أنه بدعة. وهذا الكلام ليس له أصل في الدين بل الإسلام حض على إتقان العمل واحترم العلم وحض عليه. فالمخترعات الحديثة التي تفيد الأمة هي مما يثاب عليه فاعله مع النية الصالحة وله بإذن الله تعالى أجر كل من استفاد منه.

إذن ما هي البدعة التي ذمها الشرع وحذرنا منها:

البدعة التي حذرنا منها الشرع هي الاختراع في دين الله وليس في أمور الدنيا.

الإمام الشاطبي رحمه الله عرف البدعة في كتاب الاعتصام بقوله: "طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه".

والتعريف وضع قيودًا واضحة للبدعة توضحها وتبين حدودها:

 أولًا: أنها "طريقة في الدين"... أي ليست في الدنيا.

ثانيًا: "مخترعة" أي جديدة غير مسبوقة بمثال سابق من الدين نفسه.

ثالثًا: "تضاهي الشرعية" أي قريبة الشبه من الشرع؛ ففيها اختراع للذكر أو اختراع للطواف بأماكن ليست محلًا للطواف أو احتفال بموعد ليس محلًا للاحتفال... إذن هي تضاهي الذكر والطواف والاحتفال بالأعياد الشرعية.

رابعًا: أن المقصود منها التعبد. فمثلًا: لو لبس رجلًا حلة خضراء وقال هذا اللون يعجبني. لقلنا له: لك ذلك. أما إن قال: هذا اللون فيه زيادة أجر ومن السنة الصلاة في هذا الثوب وسأخصصه لصلواتي تقربًا إلى الله باللون الأخضر. لقلنا له: قف عند حدك، كان الأولى بقول هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبين للأمة وليس أنت.

ومن أشهر البدع عبر التاريخ الإنساني بدعة صناعة تماثيل للصالحين من أصحاب الأنبياء تذكرهم بمجالسهم الصالحة حتى تطور الأمر مع الوقت إلى عبادة تلك التماثيل:

قال القرطبي في تفسيره: "قال عروة بن الزبير وغيره: اشتكى آدم عليه السلام وعنده بنوه: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر. وكان ود أكبرهم وأبرهم به. قال محمد بن كعب: كان لآدم عليه السلام خمس بنين: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر؛ وكانوا عبادا فمات واحد منهم فحزنوا عليه؛ فقال الشيطان: أنا أصور لكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه. قالوا: افعل فصوره في المسجد من صفر ورصاص. ثم مات آخر، فصوره حتى ماتوا كلهم فصورهم. وتنقصت الأشياء كما تتنقص اليوم إلى أن تركوا عبادة الله تعالى بعد حين. فقال لهم الشيطان: ما لكم لا تعبدون شيئا؟ قالوا: وما نعبد؟ قال: آلهتكم وآلهة آبائكم، ألا ترون في مصلاكم. فعبدوها من دون الله؛ حتى بعث الله نوحا فقالوا: لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وَدًا ولا سواعًا الآية. وقال محمد بن كعب أيضا ومحمد بن قيس: بل كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم تبع يقتدون بهم، فلما ماتوا زين لهم إبليس أن يصوروا صورهم ليتذكروا بها اجتهادهم، وليتسلوا بالنظر إليها؛ فصورهم. فلما ماتوا هم وجاء آخرون قالوا: ليت شعرنا هذه الصور ما كان آباؤنا يصنعون بها؟ فجاءهم الشيطان فقال: كان آباؤكم يعبدونها فترحمهم وتسقيهم المطر. فعبدوها فابتدئ عبادة الأوثان من ذلك الوقت".

قال العلامة صالح الفوزان في كتابه (التوحيد): "والابتداع على قمسين:

ابتداع في العادات: كابتداع المخترعات الحديثة، وهذا مباح لأن الأصل في العادات الإباحة.

ابتداع في الدين: وهذا محرم لأن الأصل فيه التوقيف، قال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (رواه الشيخان)، وفي رواية: «من عمل عملًا ليس عليـه أمرنا فهو رد» (صحيح مسلم).

2. أنواع البدع: البدعة في الدين نوعان:

النوع الأول: بدعة قولية اعتقادية كمقالات الجهمية والمعتزلة والرافضة وسائر الفرق الضالة واعتقاداتهم.

النوع الثاني: بدعة في العبـادات كالتعبـد لله بعبـادة لم يشرعها وهي أقسام:

- القسم الأول: ما يكون في أصل العبـادة بأن يحـدث عبادة ليس لها أصل في الشرع، كأن يحدث صلاة غير مشروعـة أو صيامًا غير مشروع أصلًا، أو أعيادًا غير مشروعـة كأعياد المولـد وغيرهـا.

- القسم الثـاني: ما يكون من الزيادة في العبادة المشروعة، كما لو زاد ركعـة خامسة في صلاة الظهر أو العصر مثلًا.

- القسم الثالث: ما يكون في صفة أداء العبادة المشروعة بأن يؤديها على صفة غير مشروعة، وذلك كأداء الأذكار المشروعـة بأصوات جمـاعية مطربـة، وكالتشديد على النفس في العبـادات إلى حـد يخرج عن سنـة الرسول صلى الله عليه وسلم.

- القسم الـرابع: ما يكون بتخصيص وقت للعبـادة المشروعـة لم يخصصه الشرع كتخصيص يوم النصـف من شعبان وليلة بصيام وقيام، فإن أصل الصيام والقيام مشروع ولكن تخصيصه بوقت من الأوقات يحتاج إلى دليل.

 

3. حكم البدعة في الدين بجميع أنواعها:

كل بدعـة في الدين فهي محرّمة وضلالة لقوله صلى الله عليه وسلم: «وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثـة بدعـة وكل بدعـة ضلالـة» (رواه أبو داوود والترمذي وقال: حسن صحيح). وقوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (متفق عليه)، وفي روايـة: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» (رواه مسلم). فـدل الحديثان على أن كل محدث في الدين فهو بدعة، وكل بدعة ضلالـة مردودة، ومعنى ذلك أن البدع في العبادات والاعتقادات محرمـة ولكن التحريم بتفاوت بحسب نوعيـة البدعـة، فمنها ما هو كفر صريح، كالطواف بالقبور تقربًا إلى أصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها، والاستغاثـة بهم؛ وكأقوال غلاة الجهميـة والمعتزلـة، ومنها ما هو من وسائل الشرك، كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها، ومنها ما هو فسق اعتقادي كبدعـة الخوارج والقدريـة والمرجئة في أقوالهم واعتقاداتهم المخالفـة للأدلـة الشرعية، ومنها ما هو معصية كبدعـة التبتل والصيام قائمًا في الشمس، والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع". انظر (الاعتصام للشاطبي:2/37).

اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
الحلقة (12): أركان الإيمان (5) الإيمان بالقدر
المقال التالي
الحلقة (14): أنواع المياه وبعض أنواع النجاسات الشائعة