مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا
{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ ۚ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)} [الجن]
{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} :
أوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم أن الجن لما استمعوا القرآن تراكموا للاستماع حتى كادوا يحيطوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إحاطة السوار بالمعصم وإحاطة اللبدة بوجه الأسد.
فأمره ربه سبحانه أن يعلن لهم عقيدة التوحيد وحقيقة دعوته ناصعة البياض , أنها قائمة على توحيد الخالق لا شريك له في ملكه وربوبيته وعبادته, وأنه لا يملك مخلوق لمخلوق أي نفع أو ضرر, حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إنما النفع والضر والرشاد بيد الله وحده, لا يجير العبد من المهالك والمصاعب إلا الله ولا ملجأ للعبد عند الشدائد إلا الله.
وأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن مزيته على سائر الخاق هي مزية البعثة والتشريف بالرسالة , فمن صدقها وآمن بها واتبع تعاليم الله فله الرضا ومن كفر بها وأعرض فله نار جهنم خالداً فيها أبداً.
قال تعالى:
{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ ۚ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)} [الجن]
قال السعدي في تفسيره:
{ {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ } } أي: يسأله ويتعبد له ويقرأ القرآن كَاد الجن من تكاثرهم عليه أن يكونوا عليه لبدا، أي: متلبدين متراكمين حرصا على سماع ما جاء به من الهدى.
{ { قُلْ } } لهم يا أيها الرسول، مبينا حقيقة ما تدعو إليه: { {إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} } أي: أوحده وحده لا شريك له، وأخلع ما دونه من الأنداد والأوثان، وكل ما يتخذه المشركون من دونه.
{ {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} } فإني عبد ليس لي من الأمر ولا من التصرف شي { {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ } }
أي: لا أحد أستجير به ينقذني من عذاب الله، وإذا كان الرسول الذي هو أكمل الخلق، لا يملك ضرا ولا رشدا، ولا يمنع نفسه من الله [شيئا] إن أراده بسوء، فغيره من الخلق من باب أولى وأحرى.
{ { وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} } أي: ملجأ ومنتصرا.
{ { إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ} } أي: ليس لي مزية على الناس، إلا أن الله خصني بإبلاغ رسالاته ودعوة الخلق إلى الله، وبهذا تقوم الحجة على الناس. { { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } } وهذا المراد به المعصية الكفرية، كما قيدتها النصوص الأخر المحكمة.
وأما مجرد المعصية، فإنه لا يوجب الخلود في النار، كما دلت على ذلك آيات القرآن، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه سلف الأمة وأئمة هذه الأمة.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: