بر الأطفال بوالديهم

منذ 2024-08-10

قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى : " وبالوالدين إحساناً " أي : أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان القولي والعملي "

الحمد لله والصصلاة والسلام على رسول الله.

إن جماع حقوق الوالدين على أبنائهما الإحسان إليهما في كل شيء ، وصحبتهما بالمعروف ، كما قال الله تعالى : ( {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا } ) [الأحقاف/15] ، وقال سبحانه : ( { وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} ) [ العنكبوت/8] ، وقال تعالى : ( {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } ) [سورة لقمان/15]

قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى : " وبالوالدين إحساناً " أي : أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان القولي والعملي " تفسير السعدي ص524

وإن من أهم العبادات التي يُطالب بها الصغير تجاه والديه طاعتهما ، وامتثال أمرهما ، والانتهاء عند نهيهما ، فإذا أمره والداه بأمر بادر بفعل ما أمر به ، وإذا نهياه عن شيء سارع في تركه ، ما لم يكن في ذلك معصية لله ورسوله ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

ثم الدعاء والاستغفار لهما ، خاصة عند كِبَر سنهما ، وضعفهما ، وحاجتهما إلى من يرفق بهما ، ويقوم بأمرهما ، قال الله تعالى : {( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } ) [ الإسراء/23-24]

وقد ذكر الله في كتابه نموذجاً من نماذج صلاح الأبناء ، فقد قال سبحانه عن عبده يحي بن زكريا : ( {يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} ) [مريم/12 – 15]

قال ابن جرير الطبري – رحمه الله - : " يقول تعالى ذكره : ( وبرا بوالديه ) مسارعاً في طاعتِهما ومحبَّتهما ، غير عاقٍّ بهما .

( {ولم يكن جبَّاراً عصيّاً} ) يقول جل ثناؤه : ولم يكن مستكبراً عن طاعة ربه وطاعة والديه ، ولكنه كان لله ولوالديه متواضعا متذللا ، يأتمر لما أمر به ، وينتهي عما نهي عنه ، لا يعصي ربه ، ولا والديه . " تفسير الطبري " ( 16 / 58 ) .

وقال تعالى عن عبده عيسى بن مريم : ( { قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} ) [مريم/30 – 32] .

قال ابن كثير – رحمه الله - : " وقوله ( {وبرّاً بوالدتي} ) أي : وأمرني ببر والدتي ، ذكره بعد طاعة ربه لأن الله تعالى كثيراً ما يقرن بين الأمر بعبادته وطاعة الوالدين كما قال تعالى ( {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } ) ، وقال ( {أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير } ) ، وقوله : ( {ولم يجعلني جباراً شقيا } ) ، أي : ولم يجعلني جبَّاراً مستكبراً عن عبادته وطاعته وبر والدتي فأشقى بذلك . " تفسير ابن كثير " ( 3 / 121 ) .

وأما بعد الموت : فيمكن أن يعمل الصغير أشياء كثيرة ، ومنها :

1. إن كان عنده مال وعلى والديه ديْن أن يُبرئ ذمتهما بأداء الدَّيْن .

2. إن كان عنده مال ولم يؤد والداه الحج أن يحج عنهما ، أو يدفع المال لمن يحج عنهما .

3. أن يستغفر لوالديه ويدعو لهما بالرحمة والمغفرة ، قال تعالى : ( {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } ) الإسراء/24

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله : " أي : ادعُ لهما بالرحمة ، أحياءً وأمواتاً . تفسير السعدي ص524

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ الرجل لتُرفع درجتُه في الجنَّة فيقول : أنَّى هذا فيقال : باستغفار ولدك لك " . رواه ابن ماجه ( 3660 ) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1617)

هذا إذا كان الصغير مميِّزاً ، وتيسر له قبض المال أما إن كان صغيراً لا يعقل فإن مثل هذا الكلام لا ينطبق عليه .

ومن الأمثلة السلفية العظيمة على بر الوالدين فعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلا مِنْ الأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ ، وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ ، فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ : فَقُلْنَا لَهُ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، إِنَّهُمْ الأَعْرَابُ ؛ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : ( «إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ » ) [رواه مسلم (2552)]

وفي رواية عَنْ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ أَلَسْتَ ابْنَ فُلانِ بْنِ فُلانٍ قَالَ بَلَى فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ وَقَالَ ارْكَبْ هَذَا وَالْعِمَامَةَ قَالَ اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَعْطَيْتَ هَذَا الأَعْرَابِيَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ )

وأما أبو هريرة فكان يستخلفه مروان ، وكان يكون بـ " ذي الحليفة " ( عشرة كيلو تقريباً من المدينة ) فكانت أمه في بيت ، وهو في آخر . قال : فإذا أراد أن يخرج وقف على بابها ، فقال : السلام عليك يا أمّتاه ورحمة الله وبركاته . فتقول : وعليك يا بُني ورحمة الله وبركاته . فيقول : رحِمك الله ما ربَّيتني صغيراً . فتقول : رحمك الله كما بررتني كبيراً ، ثم إذا أراد أن يدخل صنع مثله "

والله أعلم .