مسالك النفوس
صاحب النفس الزكية التي هذبتها المشكاة الشرعية ذو مسلك مبارك يصدر عن مثل قوله- ﷺ-: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
النفوس البشرية أمام نتاج الناس الشرعي من تعليم، وتأليف، ونحوهما، لها مسلكان متنافران: مسلك يحمل من السمو أعذبه، وآخر يحمل من القبح أقبحه؛ فصاحب النفس الزكية التي هذبتها المشكاة الشرعية ذو مسلك مبارك يصدر عن مثل قوله- صلى الله عليه وسلم-: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
ويقتدي بفهوم أصحاب النفوس الطاهرة المضيئة بتلك المشكاة: فذا حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس-رضي الله عنهما- يقول:" إني لأمر بالآية من القرآن فأفهمها فأود أن الناس كلهم فهموا منها ما أفهم".
وهذا الإمام الشافعي- رحمه الله-يقول:" وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم على ألا ينسب لي حرف منه"
وهذا ابن تيمية- رحمه الله- يقول عن خصومه:"فأنا أحب لهم أن ينالوا من اللذة والسرور والنعيم ما تقر به أعينهم، وأن يفتح لهم من معرفةالله وطاعته، والجهاد في سبيله ما يصلون به إلى أعلى الدرجات"
يا لطهر هذا النفوس الزكية! التي واءمت بين حب الخير للناس ذلك المعنى العظيم، وبين ألا يقال على الله بغير علم وكان من تهذيبهم لنفوسهم الفاضلة أن جعلوا الاحتساب في التحذير مما يقال على الله بغير علم، يسير في ركاب حب الخير للناس، ومن علامة ذلك إيثار النفس به أولا؛ إذ لاحظوا هذه النفس الجموح وجاهدوها بالمقام الأول.
يقول عبدالرحمن بن أبي ليلى-رحمه الله-: "أدركت عشرين ومئة من أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ما منهم رجل يسأل عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه، ولا يحدث حديثاً إلا ود أن أخاه كفاه"
فتأمل- تلطفاً- كيف طلبوا النجاة لأنفسهم ابتداء وأحسنوا الظن بإخوانهم، وهذبوا النفوس من خوف فوت الجاه والمكانة الدنيوية المحضة، وهم مع ذاك حريصون على ألا يقال على الله بغير علم لكنه حرص المشفق الراحم على من قال ذلك، مع الإنكار الشرعي لا الغيرة الدنيوية، ومن أمارة صدق ذلك قيامهم بذلك على القريب من النفس والمحبوب قبل غيره، فأتت مسالكهم مباركة يحدوها السمت النبوي، والهدي السلفي وأما صاحب المسلك الآخر فهو يعمد إلى هذه القضايا الشرعية الشريفة ويترك علياءها وسموها بسلوكه ومأربه الدنيوي، ويسلك مسلك من يشهد الله على ما في قلبه زاعماًالإصلاح وهو ألد الخصام، امتطى ذكاءات أهل الدنيا الذميمة، يسعى جاهداً لاستغلال من يخفى عليه مكره من ذوي النيات الطيبة، لتمرير إيذائه بالنيابة لأخيه المسلم، ما يفتأ يفرق بين القلوب المتحابة، يبغي العنت للبرآء، متشوقة نفسه لوقوع الزلل فرح به، فإن لم يكن ثمة زلل حاول الإيهام به، فحتم على صاحب هذا النهج أن يشفق على هذه النفس، وأن يدرك أن الدنيا لا تستحق كل هذا العراك، وأن يستشعر عظمة وهيبة أحد عشر قسما ممن يعلم السر وأخفي لفلاح من زكاها وخيبة من دساها، وأن يتفطن إلى عظم جنايته على هذه المعاني الشرعية لمّا أنزلها في غير مدارها بلبوس التعبد الخادع، وليزجر هذه النفس بتذكر القبر، وهول القدوم،وإعادة الخصومة يوم القيامة عند من لا يخفى عليه المكر والحيل-عز وجل-" {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصون}
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها،أنت وليها ومولاها.
__________________________________________________
الكاتب: الطرقي بن عقلا العنزي
- التصنيف: