زوجتي تخونني و تسحرني

منذ 2019-06-22

قال النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثة لا يدخلون الجنة، وثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة..."، وَذَكَرَ مِنْهُمُ الدَّيُّوثَ؛ وهُو الذي يُقِرُّ الفاحِشَةَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ

السؤال:

السلام عليكم و رحمة الله، المرجو إجابتي على استفساري لأني من أيام لا يهنئ لي بال و أعيش عذابا نفسيا لا حدود له. المشكلة مع زوجتي التي اتخذت الخيانة الزوجية قانون تعايش معي مستهترة بشرع الله ثم بمشاعري و رجولتي. قبل ثلاثة أعوام من الآن، اكتشفت بمحض الصدفة أن زوجتي على علاقة آثمة بجزار الحي و بالخصري في آن واحد. جن جنوني آنذاك و طلقتها شفهيا لكن توسلاتها و بكاء والدتها و مصير ابني الذي لم أشأ أن يعاني مغبة طلاق الوالدين، كل هذا جعلني أتراجع فرددتها ردا جميلا. المصيبة أنه في أقل من سنة اكتشفت ثانية بعد تغير تصرفاتها و إهمالها لبيتها أنها لم تقطع علاقتها بالخضري بل و واقعته في الحرام و عاشرته في الفراش لأنه بحكم عملي أتغيب كثيرا عن منزلي. ثارت ثائرتي و طلقتها ثانية شفهيا و إبان الخوض في إجراءات الطلاق مرضت مرضا شديدا فرق قلبي لها و ساندتها في محنتها حتى شفيت. كنت أظن أن الخيانة ستنتهي لأنها أقسمت بأغلظ الأيمان على عدم العود، خصوصا أننا رزفنا بطفلتنا الثانية و لله الحمد والمنة. مؤخرا لاحظت من جديد تغيرا على المستوى العاطفي من جهتها مما حذى بي أن أتجسس على هاتفها لأني لم أعد أقوى لا جسديا و لا نفسيا على تحمل خيانة أخرى فاكتشفت من جديد أنها تهاتف بائعا للملابس و يناديها بحبيبتي و هي تضحك و لا تبدي أي صد أو ردة فعل تنم عن امتعاضها من سلوكه بل تسأله بكل وقاحة عن حبيبته و عن تفاصيل حياته الحميمية و الأدهى من هذا أنني اكتشفت و أنا أسمع مكالماتها أنها ذهبت لعرافة ساحرة و سألتها عن إمكانية عمل سحر ثقاف لي. إخواني، ضقت ذرعا و ضاقت بي الأرض بما رحبت فما العمل فقد بلغ بي اليأس كل مبلغ و فقدت طعم الحياة و لم أعد أرى إلا سوادا كالحا أستغفر الله. دلوني و أرشدوني بارك الله تعالى فيكم و عليكم فقد تفرقت بنفسي السبل؟ أعتذر عن الإطالة لكني أكتب من قهري و هواني و الله المستعان على ما ابتليت به.

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فإن كان حال زوجتك كما ذكرت فقد ارتكبت خطأ فاحشًا بإمساكك على تلك الزوجة المستهترة الفاجرة التي لا خير فها، وذلك من تزين الشيطان لك حتى أدخلك بسبب رأفتك بها في الدياثة، فقَدِ استَقَرَّ فِي الفِطَرِ أَنَفَةُ الرَّجُلِ من الزَوَّجَة الزانيةَ، ولأجلِ ذَلِكَ؛ حَرَّمَ نِكَاحَ الزَّانِيَةِ، فكيف بمن تكرر زناها، وجمعت بين الفجور والكذب والمراوغة، فكيف يُؤْمَنُ جَانِبُهَا أن تَأْتِيَ بِوَلَدٍ مِنَ الزِّنَا فَتُلْحِقُهُ بِزَوجِهَا، لا سيَّما وأن تواصلها مع الرجال بالصورة المذكورة دليل على تأصل الفجور في نفسها، حتى وصل لمرحلة يستحيل معها الإصلاح، فمن فسد طبعه لم يفده التأديب؛ إلا أن يشاء الله شيئا؛ وما أجود ما قال الشاعر:

 إِذا كَانَ الطباعُ طباع سوءٍ ... فَلَا أدب يُفيد وَلَا أديب

 والحاصل أن إمساكُ مِثلِ هَذهِ الزَّوْجَةِ المستهتِرَةِ يَدْخُل الزوج تحتَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثة لا يدخلون الجنة، وثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة..."، وَذَكَرَ مِنْهُمُ الدَّيُّوثَ؛ وهُو الذي يُقِرُّ الفاحِشَةَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، والحديثُ رواهُ أحمدُ، والنسائيُّ، وقد قال الله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور: 26].

أيضًا فإن أُمًّا كهذِهِ لا تُؤتَمَنُ على الأبناء؛ فوجودُها أفسدُ لهم من عَدَمِهَا؛ ولا يؤمن منها أن تزني أمامهم كما يفعل أمثالها!

والذي يَظْهَرُ من كَلَامِكَ أنَّ انحِرَافَهَا مُتَأَصِّلٌ في النفس وغائر في الأعماق، وَهَذَا ما يَدْفَعُهَا لِتَكْرَارِ فعلَتِهَا الشنيعَةِ المَشْفُوعَةِ بالجُرْأَةِ التي بلغت حدّ الوقاحة، وعَدَمِ النَّدَمِ، الذي لو وجد لظهر في أفعالها.

وقد نصّ الفقهاء على أن الزَّوْج إِذَا تَبَيَّنَ زِنَا زوجَتِهِ، بَعْدَ أن دخل بها، وتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّها لم تَتُبْ من ذَلِكَ؛ حَرُمَ عليه إمساكُها، بل كان إمساكُها - حينئذٍ - دِيَاثَةً، يَأْنَفُ مِنْهَا كُلُّ ذِي مُرُوءَةٍ.

وقد سُئِلَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - عَمَّنْ طَلَعَ إلَى بَيْتِهِ وَوَجَدَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا  أَجْنَبِيًّا، فَوَفَّاهَا حَقَّهَا، وَطَلَّقَهَا؛ ثُمَّ رَجَعَ، وَصَالَحَهَا، وَسَمِعَ أَنَّهَا وُجِدَتْ بِجَنْبِ أَجْنَبِيٍّ؟

فَأَجَابَ:

"فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْجَنَّةَ قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يَدْخُلُك بَخِيلٌ، وَلَا كَذَّابٌ، وَلَا دَيُّوثٌ"؛ وَالدَّيُّوثُ: الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "إنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَإِنَّ اللهَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ الْعَبْدُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ"، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3]، وَلِهَذَا؛ كَانَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الزَّانِيَةَ لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُهَا إلَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَزْنِي، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، بَلْ يُفَارِقُهَا، وَإِلَّا؛ كَانَ دَيُّوثًا". انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/141).

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:

"الزِّنَى مِنَ الْمَرْأَةِ أَقْبَحُ مِنْهُ بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى هَتْكِ حَقِّ اللهِ إِفْسَادَ فِرَاشِ بَعْلِهَا، وَتَعْلِيقَ نَسَبٍ مِنْ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَفَضِيحَةَ أَهْلِهَا، وَأَقَارِبِهَا، وَالْجِنَايَةَ عَلَى مَحْضِ حَقِّ الزَّوْجِ، وَخِيَانَتَهُ فِيهِ، وَإِسْقَاطَ حُرْمَتِهِ عِنْدَ النَّاسِ، وَتَعْيِيرَهُ بِإِمْسَاكِ الْبَغِيِّ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَفَاسِدِ زِنَاهَا، فَكَانَتِ الْبَدَاءَةُ بِهَا فِي الْحَدِّ أَهَمَّ". اهـ. من "زاد المعاد" (5/377).

والعفوُ والصفح عَن الخلق والمُسَامَحَةُ صفاتٌ نبيلةٌ حَسَنَةٌ، لكن إنَّما تُحْمَدُ إن لم يَكُنْ ثَمَّ انتهاكٌ لحُرُمَاتِ اللهِ وحُدُوده، وإلا؛ لَكَانَ قَبُولًا بِالْخَنَا، والفَسَادِ في النفس، وَالأَهل، وإقرار للمنكر، فليسَ كلُّ عفوٍ عَنِ النَّاسِ يكون خيرًا، فقد كان النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – غاية في حسن الخلق، وأعظمَ الناسِ حِلْمًا وعفوًا، لكن كَانَ ذَلِكَ يَنتَهِي عندَ حُدُودِ اللهِ، فَلَا عَفْوَ فيها، ولا عُدوانَ عليها.

كما في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ".

وَلَمَّا كان اللهُ يعلَمُ من عِبَادِهِ انعِطَافًا مَذْمُومًا عَلَى أصحابِ المَعَاصِي، نَهَانَا عن تلكَ الرحمةِ والرأفة في هَذَا البَابِ، فَقَالَ - سبحانَهُ – في حق الزناة: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ} [النور: 2]؛ قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ -: "نَهَى - تَعَالَى - عَمَّا يَأْمُرُ بِهِ الشَّيْطَانُ فِي الْعُقُوبَاتِ عُمُومًا، وَفِي أَمْرِ الْفَوَاحِشِ خُصُوصًا، فَإِنَّ هَذَا الْبَابَ مَبْنَاهُ عَلَى الْمَحَبَّةِ، وَالشَّهْوَةِ، وَالرَّأْفَةِ الَّتِي يُزَيِّنُهَا الشَّيْطَانُ بِانْعِطَافِ الْقُلُوبِ عَلَى أَهْلِ الْفَوَاحِشِ، وَالرَّأْفَةِ بِهِمْ؛ حَتَّى يَدْخُلَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْآفَةِ فِي الدِّيَاثَةِ، وَقِلَّةِ الْغَيْرَةِ، إذَا رَأَى مَنْ يَهْوَى بَعْضُ الْمُتَّصِلِينَ بِهِ، أَوْ يُعَاشِرُهُ عِشْرَةً مُنْكَرَةً، أَوْ رَأَى لَهُ مَحَبَّةً، أَوْ مَيْلًا، وَصَبَابَةً، وَعِشْقًا، وَلَوْ كَانَ وَلَدُهُ، رَأَفَ بِهِ، وَظَنَّ أَنَّ هَذَا مِنْ رَحْمَةِ الْخَلْقِ، وَلِينِ الْجَانِبِ بِهِمْ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ دِيَاثَةٌ، وَمَهَانَةٌ، وَعَدَمُ دِينٍ، وَضَعْفُ إيمَانٍ، وَإِعَانَةٌ عَلَى الْإِثْمِ، وَالْعُدْوَانِ، وَتَرْكٌ لِلتَّنَاهِي عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَتَدْخُلُ النَّفْسُ بِهِ فِي الْقِيَادَةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ الدِّيَاثَةِ". انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/287-288).

وأما ذهابها للسحرة، فهو بَلِيَّةٌ على أخرى، وضغث على إبالةٍ، وهو أيضًا من دلائل تجزر الخيانة في تفسها.

 وعليه، فيجب عليك أن تطلق تلك المرأة، واحذر من الضعف، واستعن بالله ولا تعجز، ولا تخدعك تلك المرأة مرة ثالثة؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين"، وفي المثل العربي: كيف أعاودك وهذا أثر فأسك، وانت فاجر لا تبالي العهد.

هذا؛ والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام