أيها المصريون... اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا (خطبة مقترحة)
تثبيت القلوب وحملها على الصبر والاحتساب في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر، وعدم التأثر بإرجاف المنافقين، وحرب أعداء الدين بتشويه صورة حملة المشروع الإسلامي لمنع إقامة شرع رب العالمين في بلادنا..
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالغرض من الخطبة:
تثبيت القلوب وحملها على الصبر والاحتساب في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر، وعدم التأثر بإرجاف المنافقين، وحرب أعداء الدين بتشويه صورة حملة المشروع الإسلامي لمنع إقامة شرع رب العالمين في بلادنا.
المقدمة:
- تذكير بحال النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين لما أرادوا إقامة المجتمع الإسلامي وحرب الجاهلية لهم بإحداث الأزمات المختلفة: "أزمة اقتصادية - أزمة أمنية - أزمة إعلامية" - "إرجاف ـ تشكيك ـ تخويف"، فكان التثبيت بالقرآن: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران:200].
قال الحسن البصري: "أمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم وهو الإسلام، فلا يدعوه لسراء ولا لضراء، ولا لشدة ولا لرخاء حتى يموتوا مسلمين، وأن يصابروا الأعداء"، قاله ابن كثير، وكذا غير واحد من السلف.
- معاناة المصريين؛ لأنهم يريدون الإسلام: "أزمة اقتصادية - أزمة أمنية - أزمة إعلامية" - "إرجاف ـ تشكيك ـ تخويف".
اصبروا... فالابتلاء لا بد كائن:
- الأزمات امتحان لا بد منه: قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف:7]، وقال: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2].
- لئن نبتلى من أجل الحق خير من الابتلاء من أجل الباطل: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:139-140].
- الأصل في المؤمنين أن يبتلوا لتكون لهم العاقبة الحسنة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة:214].
صابروا في مواجهة الأعداء:
- أين نحن مِن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وصبرهم على إقامة الدولة الإسلامية الجديدة، ومواجهة الأزمات على اختلاف أنواعها؟!
- يوم الأحزاب: "جيوش الأحزاب من الخارج - اليهود من الخلف - المنافقون المعاونون لهم من الداخل". قال تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا . هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا} [الأحزاب:10،11].
- المنافقون وإعلامهم ومحاولتهم إحياء النظام القديم: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا . وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب:12،13].
- موقف المسلمين الصابرين أصحاب قضية الدين: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:22].
- الجزاء حسن العاقبة في الدنيا والآخرة: قال تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب:25].
- جزاء الصبر والمصابرة ظهور الدولة الإسلامية بقوة بعد المحنة الشديدة: قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأحزاب: «الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَنَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ» (رواه البخاري).
ورابطوا بحراسة دينكم:
- الأعداء من الداخل والخارج يكيدون لمنع إقامة الإسلام، فاثبتوا لهم وكونوا ذابين عن شريعتكم مستعينين بالله: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:128،129].
- ترك المرابطة وحراسة الدين سبب الهلاك: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195]، قال أبو أيوب: "نزلت فينا معاشر الأنصار، لما فتح الله لنا خيبر قلنا: هيا نصلح شيئًا من أمر دنيانا".
- أهل الباطل كيدهم إلى بوار: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36]. {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران:12].
- الزموا الطاعة والتضرع والتوكل يأتي الوسع: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:9].
- واعلموا أن ضياع الدين هو الهلاك: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» (متفق عليه).
- واعلموا أن بقاء الدين سبب بقاء الدنيا: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96].
فلماذا نبيع الدين بالدنيا؟!
- الدنيا سريعة الزوال: {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون:113].
- هي قليلة ومكث الإنسان فيها أقل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» (رواه مسلم).
- أعظم نعيم في الدنيا لا قيمة له في الآخرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللهِ يَا رَبِّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللهِ يَا رَبِّ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ» (رواه مسلم).
- الحياة الحقيقية هي حياة الآخرة: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:24]، {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:15].
- عيش النبي صلى الله عليه وسلم: قال عمر رضي الله عنه: "دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أقلب بصري في حجرته فلا أجد شيئًا يرتد إليه البصر!".
وقالت عائشة رضي الله عنها: عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: "وَاللهِ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلالِ، ثُمَّ الْهِلالِ، ثُمَّ الْهِلالِ، ثَلاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ". قَالَ: قُلْتُ: يَا خَالَةُ فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ؟ قَالَتْ: "الأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ، وَالْمَاءُ، إِلا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَلْبَانِهَا، فَيَسْقِينَاهُ" (رواه البخاري ومسلم).
- عيش أصحابه: "مصعب بن عمير وخروجه من مكة مهاجرًا تاركًا المال والجاه، ويوم مات لم يكن له كفن".
- واعلموا أنه لا عز إلا بالإسلام: قال عمر -رضي الله عنه-: "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
سعيد محمود
27 - جماد أول - 1433 هـ - 18 - إبريل - 2012 م
- التصنيف:
- المصدر: