رسائل أخرى للثّورة السورية
إنّني واثق بأنّ مؤيّدي الثّورة في الخارج لم يقوموا بما يكفي لحشد جهود باقي السوريّين من زملائهم ومعارفهم، ولم يقوموا بشرح عدالة الثّورة وأهميّتها على النّحو المطلوب، ولو فعلوا ذلك فإنّهم سيجدون الكثير من التّجاوب والمؤازرة.
رسائل الثّورة هي ما تريده الثّورة من كلّ الفئات التي تعنيهم بصورة من الصّور:
1- للثّورة رسالة إلى علماء سورية وخطبائها وأئمتها، وهم من أكثر مَن يعنيهم شأن الثّورة، لأنّ المهمّة الأساسيّة لعلماء الشّرع هي هداية النّاس وإصلاح شؤون دينهم، ودنياهم.
رسالة الثّورة إلى العلماء هي رسالة عتاب ولوم واستفهام وتعجّب، لأنّ الثّوار لم يستطيعوا فهم موقف العلماء، إذ إنّه كان من المفترض أن ينظروا إلى الرّبيع العربيّ عامّة على أنّه فرصة عظيمة لتسريع الإصلاح، وتحقيق الكثير من المطالب التي بُحّت حناجرهم، وهم يطالبون بها على المنابر منذ عشرات السّنين، لكن هذا -مع الأسف- لم يتحقّق إلاّ على نطاق ضيّق! العلماء في سورية انقسموا تجاه الثّورة إلى أقسام عدّة: قسم جاهر بالوقوف إلى جانب النّظام، وصار يردّد مقولاته القائمة على النّظر إلى المعارضين في الخارج على أنّهم خونة، والنّظر إلى الثّوار في الدّاخل على أنّهم عصابات مسلّحة، وقد انفضّ النّاس عن هؤلاء، لأنّهم يعرفون حقيقة ما يجري، ولا أعتقد أنّه سيكون لهم تأثير سلبيّ واضح على مسيرة الثّورة.
قسم ثانٍ من العلماء وقفوا موقف المتردّد والمشكّك والمشفق على الثّورة، لأنّهم يرون أنّ ما يجري هو فتنة، أي أنّ الأمر فيه مختلِط، والرّؤية الشّرعيّة لِما يجري غير واضحة، ومن هذا الفريق من يرى أنّ الثّوار على حقّ لكنّ المفاسد التي قد تترتّب على الثّورة أعظم من المصالح التي يمكن أن تحقّقها، ولهذا فهي لا تستحقّ المؤازرة، بل ينبغي على الثّوار أن يتوقّفوا!
الغريب أنّ كلّ التّقارير الدوليّة تصنف سورية بين الدّول الفاشلة والفاسدة، كما أنّ الفظائع التي ارتكبها النّظام كشفت عن طبيعته، وأنّه لا سبيل إلى التّعامل معه سوى الاستئصال الكامل.
وإذا كان بعض هؤلاء يتردّدون في تأييد الثّورة على نظام دمشق، فإنّه لن يكون هناك أيّ ثورة تستحق المناصرة من دون توقّف؟!
من علماء سورية من أيَّد الثّورة بشكل علنيّ وواضح، وهذا القسم محدود جدًاً في الداخل، حتى إنّه يمكن عدّه على أصابع اليد الواحدة، أمّا في الخارج فهم كثيرون، لكنّ النّاشطين منهم في مؤازرة الثّوار على نحو عمليّ قليلون أيضًا.
القسم الرابع هم العلماء الذين يساندون الثّورة سرًّا وهم كثيرون في الدّاخل، ولهم منّا التّحيّة والدّعاء، وأنا أعرف الضّغوط التي تُمارَس عليهم من قبل نظام فاشيّ لا يعرف حرفًا واحدًا في قاموس المحرّمات، لكن مع هذا فإنّ كثيرًا من هؤلاء لم يستنفدوا كلّ الإمكانات المتاحة في مؤازرة الثّورة، وكثير منهم يستطيع أن يفعل أفضل ممّا فعل بكثير.
القسم الخامس والأخير من علماء سورية هم العلماء الذين يلوذون بالصّمت فلا تعرف: أمع الثّورة هم أم ضدّها، وبعضهم يقف موقف غير المبالي، وكأنّ ما يجري لا يعنيه من قريب أو بعيد، وهؤلاء ليسوا بالقليلين!
رسالة الثّورة لكلّ العلماء هي: مكانكم في قيادة الثّورة وتوجيهها ورصّ صفوف الثّوار شاغر، ويصعب أن يملأه أحد غيركم.
2. للثّورة رسالة إلى السوريّين في الخارج، وهم أعداد هائلة يُقدَّرون بالملايين، وكثير منهم في حالة ماديّة حسنة، ولبعضهم وظائف مرموقة، ويتمتّعون بإمكانات علميّة عالية، نسبة صغيرة منهم تقوم بدعم الثّورة وبدرجات متفاوتة، أمّا السّواد الأعظم منهم فهم ما بين خائف من عدم سقوط النّظام ـومن ثمّ فإنّ تأييد الثّورة قد يُلحق الضّرر به، وبمصالحه وما بين ناسٍ لبلاده وجذوره، فهو مشغول بشؤونه وأعماله ومنفتح على أهل البلد الذي يعيش فيه... رسالة الثّورة لهؤلاء وأولئك هي: إنّ إمكاناتكم كبيرة وهائلة، ومن غير اللائق أن تعيشوا في بحبوحة وترف وأهلكم وإخوانكم في الشّام يعانون ممّا يشبه المجاعة، وجرحاهم لا يجدون مَن يعالجهم.
إنّني واثق بأنّ مؤيّدي الثّورة في الخارج لم يقوموا بما يكفي لحشد جهود باقي السوريّين من زملائهم ومعارفهم، ولم يقوموا بشرح عدالة الثّورة وأهميّتها على النّحو المطلوب، ولو فعلوا ذلك فإنّهم سيجدون الكثير من التّجاوب والمؤازرة.
إنّ الثّورة السوريّة ماضية -بحوْل الله وطوْله- في طريقها، وإنّ دعمها فرصة، وحين نقصِّر فيه فإنّ الخاسر ليس الثّورة، وإنّما المقصّرون والمتفرّجون.
والله غالب على أمره.
د. عبد الكريم بكار
- التصنيف:
- المصدر: