الإخوان، وما كان يجب أن يتغير بعد الثورة

منذ 2012-07-15

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:
فهذه مقالة حرصت على عدم نشرها وقت كتابتها حرصًا على حساسية ودقة التوقيت، حيث أنها كتبت بعد المرحلة الأولى وتعتبر الجزأ الثالث من دراسة نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وأتعرض فيها للمحور الأخير وهو الأداء السياسي الذي ربما كان السبب في انصراف كثير من الشعب عن التصويت للإخوان في انتخابات الرئاسة.

ولأن الظرف لم يكن مناسبًا لعرضها قبل الجولة الثانية التي يخوضها الإخوان نيابة عن كل الفصائل الثورية حتى لا تتخذ أداة للتشويه وليس للإصلاح كما أرجو فقد آثرت تأخيرها، أما وقد أتى وقت البيان للإصلاح المرجو من إخواني في الإخوان، وتعالت بعض الأصوات في الإخوان أنفسهم للإصلاح، فإني أهدي هذه المقالة لإخواني من باب رحم الله امرئ أهدى إلي عيوبي، أسأل الله أن ينفعهم بما فيها من صواب، وأن يغفر لي ما فيها من زلل أو خطأ، والله المستعان.

لقد انخفضت شعبية الإخوان ليس أدل على هذا من أن المصوتين لمرسي في الجولة الأولى هو 24.7% مقارنة بأكثر من 45% بانتخابات مجلس الشعب، ومع اعترافنا بتضخيم الإعلام لهذه العيوب، والصاق بعضها بهم زورا وبهتانا، فإننا من باب النصح لإخواننا لا يسعنا إلا الاعتراف ببعض الأخطاء الحقيقية التي وقعت وساهمت في تنفير الناس، فالمؤمنون نصحة والمناقون غششة، ولن ينصب كلامنا على وقائع قد نختلف حول تقييمها أو لا نعرف مبرراتها بقدر ما سنناقش صفات اتسم بها الأداء السياسي للإخوان.


بدايةً، لفهم أعمق لأداء الإخوان، يجب أن نعود قليلًا إلى الوراء، فلقد عانى الإخوان ألوانًا من الاضطهاد والتنكيل والحصار الإقتصادي لعقود طويلة، ولأن جماعة الإخوان ذات طابع مؤسسي منظم فيه أقسام سياسية واقتصادية وتربوية وغيرها فقد فرض عليهم هذا إسلوبًا معينًا للعمل تحت هذه الظروف الاضطرارية، وتميز هذا الأسلوب بعدة أمور:

أولًا: سرية تداول المعلومات عموما لمواجهة الاختراقات المحتملة من أجهزة الأمن المختلفة التي تسعى بشتى السبل لاعتقال الأشخاص المحوريين أو مصادرة الأنشطة الاقتصادية ومصادر التمويل، فالمعلومات المتاحة لمكتب الإرشاد ليست كلها متاحة للقيادات الوسطى، وكذلك ليس كل ما يصل للقيادات الوسطى متاح للقيادات الأقل أو الأفراد.

ثانيًا: لانعدام المعلومات المتاحة للأفراد وجب تربيتهم على الثقة العالية في القيادات وتنفيذ كثير من القرارات دون إبداء أسباب أو مبررات حفاظًا على سرية المعلومات.

ثالثًا: من لم يلتزم بالإطار العام لعمل الجماعة أو بسرية المعلومات أو الثقة في القيادات والانقياد دون معارضة كان يتم إقصائه من الجماعة حفاظًا عليها حتى لا يؤدي خطأ فردي إلى انهيار كارثي.

رابعًا: كان اختيار الجماعة دائمًا هو تجنب الصدام المباشر مع السلطة بأي شكل إلا إذا سمحت السلطة بذلك مثل برلمان 2005 وخاصة بعد جنوح بعض التيارات إلى العنف مما تبعه تنكيل بكل التيار الإسلامي.

خامسًا: نظرًا لحتمية ظهور بعض الأشخاص للعلن كالمرشد ومكتب الإرشاد وتعرضهم لبعض الاسئلة التي لا يجب الإفصاح عن إجاباتها فقد كانت كثير من الإجابات تتميز بالتعريض والكلام غير المباشر أوالذي يحتمل أكثر من وجه وذلك تجنبا للكذب أو الإفصاح عما لا يجب الإفصاح عنه.

ثم جاءت الثورة، وتبعها تغيرات هائلة وجذرية في الواقع السياسي، وتحولت جماعة الإخوان من جماعة محظورة إلى حزب الأغلبية وترأست مجلسي الشعب والشورى، وأصبحت المسؤولة عن تشريع القوانين والأهم من ذلك اختيار اللجنة التأسيسية للدستور التي ستكتب دستور مصر الثورة، وبقدر ما كانت الصفات الماضية منطقية ومبررة قبل الثورة، فإنها يجب أن تتغير بقدر ما يتاح من حريات حتى تكاد تختفي وإلا أصبحت صفات سلبية كما سنرى.


فالسرية تحولت من ضرورة قبل الثورة الى غياب شفافية بعد الثورة، وليس أدل على غياب الشفافية من الطريقة المبهمة التي تم بها اختيار اللجنة التأسيسة للدستور، فقد اجتمع حزب الحرية والعدالة مع حزب النور قبل جلسة الاختيار وقاموا باختيار أعضاء اللجنة التأسيسية في غيبة من أي أحزاب أخرى بما فيها الإسلامية، ولم يعلنوا عن معايير الاختيار للأشخاص أو النسب رغم أن الدستور شأن عام يهم كل مصري فضلا عن الأحزاب والهيئات والمؤسسات المختلفة، ثم قاموا بتوزيع قائمة بأعضاء اللجنة على أعضائهم لاختيارها داخل الجلسة، حتى خرج علينا أحد الأعضاء قائلًا: "إن جلسة اختيار اللجنة التأسيسية كانت حصة إملاء". وكانت النتيجة وخيمة مع حل اللجنة وعودة الكرة الى ملعب المجلس العسكري ليقوم بدور التوافق بين الأحزاب لفشل البرلمان في ذلك.

بالإضافة إلى هز ثقة الشعب في مجلس الشعب ويالها من خسارة، وإذا نظرنا لعامة أمر النبي صلى الله عليه وسلم فسنجده غالبًا يتخذ القرارات المصيرية علانية، فلا ننسى مثلًا قوله صلى الله عليه وسلم: «أشيروا عليّ أيها الناس» (المحدث ابن كثير له شواهد). قبل الخروج لبدر، ومشورته قبل أحد هل يعتصم في المدينة أم يخرج لملاقاة قريش، ونزوله على رأي الخروج لملاقاة قريش رغم أن رأيه صلى الله عليه وسلم كان الاعتصام بالمدينة، ولما فاوض مفاوضي قريش بالحديبية وجعل يقول للصحابة عن المفاوضين وهم مقبلين هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهدي في وجهة حتى يراه وهذا كذا وهذا كذا.

وحدثت قصة أبي جندل المعروفة على مرأى من الناس، حتى لما كان الموضوع يخص عرض النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك لم يجمع رؤساء المهجرين والأنصار على انفراد ولكن وقف على المنبر وقال «يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي» (صحيح مسلم)، فغالبا ما كان الصحابة على علم ومن ثم اقتناع بكل القرارت التي اتخذت وظروف وملابسات هذه القرارات والأمثلة أكثر من أن تحصى.


وهذا لا يمنع أن النبي كان يخص بعض الناس باستماع رأيهم وهم أهل المشورة، لكن غالبًا كان هذا على مرأى من الناس، وهذا لا يمنع أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتم بعض أمره مثل أين سيتوجه الجيش حفاظا على السرية، أو لما أرسل يستطلع هل خان اليهود العهد وسيغدروا بالمسلمين أم لا في حصار الأحزاب وطلب من الوفد اللحن في القول إذا كان اليهود قد غدروا، حتى لا يفت هذا في عضد الجيش المسلم الذي كان يحارب ساعتها، والان هل اختيار اللجنة التأسيسة للدستور أقرب الى المواقف التي كان النبي سيعلن الأمر أم سيسره. أظن الأمر واضحًا.

أما صفات الطاعة المبنية على الثقة فقط دون اقتناع وإقصاء المخالفين، فإنها أعطت مؤشر قوي لاحتمال تكون نظام استبدادي، أسأل الله أن يعافينا وإياهم من ذلك، مما صرف الناس عنهم، فقد أصبح كثير من أعضاء الجماعة وكوادرها منغمسون في العمل العام، ومخالطون لباقي طوائف الشعب، فلا أنسى أنني أثناء تحاوري مع أحد المهندسين المنتمين لجماعة الإخوان -أي مستوى تعليمي وثقافي لا بأس به- لم يستطع أن يقنعنا بمبرر قرار ما للجماعة، فقال ما معناه: "أننا سنكتشف يوما ما أن قرار الإخوان كان صوابًا"، وأشك كثيرًا أنه حينها كان يملك مبررًا قويًا لقرار الإخوان وإلا لأقنعنا به، فأعطاني هذا الموقف انطباعًا سلبيًا.


إذا كان كوادرهم تعودوا الثقة بهم بلا إبداء مبررات فلا يتوقعا أن ينقاد الشعب بنفس الأسلوب، وأما كمثال لسياسة إقصاء المخالفين التي استمرت بعد الثورة، فقد فصلت الجماعة د. أبو الفتوح -فيما أعلنوا- لأنه خالفهم ورشح نفسه للرئاسة ولما مرت الأيام تبين لهم رجحان رأي الترشيح فقاموا بترشيح اثنين لا واحدًا حرصًا منهم على وجود مرشح للجماعة.

فلا ينبغي أبدًا أن تدار البلاد بمنهج الطاعة العمياء أو إقصاء المخالفين. ويكفي أن نستدل بموقف المعلم الأكبر رسول الله صلى الله لما سأله أحد الصحابة: "أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة» فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضًا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أشرتَ بالرأي» انتهى (ضعفه الشيخ الألباني).


تأملوا قول الصحابي أمنزل أنزلكه الله، ثم قوله فإن هذا ليس بمنزل، وقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «لقد أشرتَ بالرأي» فهذه هي تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه التي تخرج قادة تتفجر مواهبهم، يشاركون في مصير أمتهم، مسموعٌ لمن تكلم منهم، فإما مصيب فيتبع رأيه بلا غضاضة، أو مخطئ فيتم توجيهه إلى الصواب.

وأما الصفة الرابعة وهي تجنب المواجهة ما استطاعوا إليها سبيلا فإنها من أخطر الصفات على ثورة مازال أعداؤها يتربصون بها ولديهم كل وسائل القوة من نفوذ وأموال وإعلام وغيره، فإن وضع اللين في موضع الشدة يجر وبالًا عظيمًا وقد قالوا قديما: "إذا أنت أكرمت اللئيم تمردًا" ويكفي للتدليل على هذا علو صوت الفلول مع مرور الوقت وعدم احترام مجلس الشعب من المجلس العسكري أو الحكومة أو حتى اللجنة الرئاسية بقبول ترشيح شفيق وغير هذا كثير.

وإني لأخشى أن تضيع الثورة بهذا وقد استأمنهم الشعب عليها أو يستبدل بهم الله أقوامًا يتم بهم الثورة، فإنما اختارهم الناس ليكونوا ظهرًا للضعيف، وسندًا للمظلوم، وعونًا على الظالم حتى يردوه عن ظلمه، وأن يصبروا على تحمل الأذى في ذلك، وهل توقعوا غير أن يرميهم الظلمة عن قوس واحدة، فعلام إذن دعوا الناس لينتخبوهم إن لم يكونوا شوكة في حلوق الظلمة!


وأخيرًا فإنه من حق الشعب عليهم أن يكون كلامهم أكثر وضوحًا وتفصيلًا بعيدًا عن المراوغة، والكلام المعسول الذي يحمل على أكثر من وجه، فلم يعد لهذا مبرر بعد أن أكرمنا الله بهذه الثورة واستأمنهم الشعب على قيادته. فإن التعريض وعدم الوضوح مع إخفاء الظروف والملابسات التي تتخذ فيها القرارات إنما يحمل على سوء الظن بهم من عامة الشعب.


إذًا فمشكلة الإخوان أن التغيرات السريعة التي تمت على الأرض لم يتبعها ما يناسبها من تغيرات في سياسة الجماعة، ومكمن الخطر أن يفقد الشعب الثقة بهم سريعًا، فيتراجع المشروع الإسلامي ككل خطوات إلى الوراء، بالإضافة إلى ضياع الثورة وخاصة إذا فاز شفيق، ومما سبق نقترح الأتي:-

• الشفافية إلا في ضرورة.
• اتباع مبدأ القيادة الإقناعية وتغليبه على القيادة الإرغامية في غالبية المواقف.
• لا مجال لسياسة إقصاء المخالف، فقيادة مصر تختلف عن قيادة الجماعة في وقت الاضطهاد.
• استفراغ الوسع في نصرة المظلوم ولو كان من الخصوم.

• البعد عن المعاريض إلا في أضيق الحدود فقد أضرت بهم بعد الثورة أكثر ما نفعت.
• وأخيرا أتمنى أن يتم الاعتماد أكثر على شباب الجماعة في المناصب القيادية والأخذ برأيهم، فالشباب عامة هم الأقدر على مواكبة التغيرات السريعة والجذرية، فالشباب هم عامة أتباع الأنبياء والله تعالى أعلم.


وختامًا:
فإني لأرجو من إخواني الصفح إن كنت قد أغلظت لهم القول، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشتد على المخطئ إذا كان من أهل الإيمان والصلاح ويلين للأعراب.

وأسأل الله تعالى أن يعافينا جميعًا من ارتدادنا إلى عصور الظلم، وأسأله تعالى أن يوفق مرسي، ثم الإخوان لما فيه خير هذه الأمة، فإن مصر هي رائدة إخوانها من العرب، إما تقودهم إلى ربيع حقيقي أو شتاء قارص، والله وحده المستعان.


محمد الصيفي
 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 2
  • 2
  • 5,611

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً