استغاثات الأحرار لا صدى لها
منذ 2012-07-17
يا أمة الإسلام آن لكم أن تغيّروا ما بأنفسكم، وأن تأخذوا على يد الظالم وتنتصروا للمظلوم، وإلا فلا قدسية لكم عند الله، روى أبو يعلى والبيهقي بسند صحيح عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كيف يقدس الله أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من قويها وهو غير متَعتع».
ما كنا نتصور أبدًا بعد هذا الكم الكبير الهائل من المجازر الجماعية، والتدمير الرهيب الذي تتعرض له سوريا، وانتهاك أعراض الحرائر، وتعرضهنّ للإهانة والضرب من قبل الشبيحة أمام سمع العالم كله وبصره، واعتقال الأحرار بعشرات الألاف، حتى اضطرت النساء لدفن الموتى بأيديهن بعد عدم قدرة الرجال في بعض الأماكن على دخول المقبرة لوجود قوات الأمن، أقول: ما كنا نتصور أبدًا من أمة الإسلام أن تقف موقف المتفرج أمام هذه الأحداث الخطيرة والهجمة الشرسة على الإسلام من قبل سفاح الشام وأعوانه من الداخل والخارج.
ما كنا نتصور أبدًا من أمة الإسلام التي ثارت ثائرتها وعبّرت عن غضبها بمسيرات عارمة تندد بالرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم أن لا تفعل الشيء نفسه وهي ترى الإساءات الخارجة عن كل حدود الدين والقيّم والعرف.
ما كنا نتصور أبدًا من أمة المليارين التي عبّرت عن سخطها من القس الأمريكي تيري جونز الذي هدد بحرق القرآن الكريم، أن تبقى صامتة وهي ترى القرآن الكريم يحرق ويمزق ويدنس في مساجد سوريا، وتُكتب عليه عبارات شائنة تنمُّ عن حقد دفين.
ما كنا نتصور أبدًا من أمتنا التي شُغلت سنين عددًا في الرد على سلمان رشدي صاحب الآيات الشيطانية، أن تصاب ألسنتها بالخرس، وكأن ما يحدث في سوريا لا يعنيها.
ما كنا نتصور أبدًا من خير أمة أخرجت للناس التي غشيها الحزن العميق لقرار الحكومة السويسرية بمنع بناء المآذن والمنارات، ألا تعبر عن توجعها وحزن قلوبها لما تم هدمه وتدميره من مآذن ومنارات ومساجد بالمئات.
ترى لو هدمت الكعبة ماذا سيكون رد الفعل من المسلمين؟! والكعبة تهدم كل يوم في سوريا مئات المرات، روى ابن ماجه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: «ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه، وأن نظن به إلا خيرًا».
ولا يكاد ينقضي العجب من المسلمين الذين يغضبون ويستنكرون ويصرخون إذا كانت الانتهاكات تأتي من الغرب، أما إذا كانت -وهي أشد إجرامًا- تأتي من العرب فلا نكاد نرى لهم ظلًا أو نسمع لهم حسًا، يا للمفارقة ويا للألم!
أهكذا يكون حال الجسد الواحد يا أمة العرب ويا أمة الإسلام، والله تعالى يقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71]، والنبي الكريم يقول فيما رواه مسلم في صحيحه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
أعلمُ أن في الأمة من يتوجع ويتألم وفيهم أصحاب مروءة ونجدة، لكن ذلك لا يحقق الكفاية في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال الشاطبي في الموافقات: "قول الفقهاء في فروض الكفاية: إنها واجب على الكفاية، فإن قام بها البعض سقط الوجوب عن الآخرين، وإن لم يقم بها أحد أثموا جميعًا، القادر: لأنه قصر، وغير القادر لأنه قصر فيما يستطيعه، وهو التفتيش عن القادر وحمله على العمل، وحثه وتشجيعه، وإعانته على القيام به؛ بل إجباره على ذلك".
يا أمة الإسلام آن لكم أن تغيّروا ما بأنفسكم، وأن تأخذوا على يد الظالم وتنتصروا للمظلوم، وإلا فلا قدسية لكم عند الله، روى أبو يعلى والبيهقي بسند صحيح عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كيف يقدس الله أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من قويها وهو غير متَعتع» (متَعتع) بفتح التاء، أي من غير أن يصيبه أذى يقلقه ويزعجه.
إن لم نردها لدين الله عاصفة *** سيذهب العرض بعد الأرض نعطيها
عبد العظيم بدر الدين عرنوس
- التصنيف:
- المصدر: