إلى الذين نأوا بأنفسهم عن نصرة إخوانهم
إن إخوةٌ لنا على مرمى حجرٍ مِنَّا في سوريا الحبيبة قد تسلَّط على رقابهم ومنذ عقود من الزمن نظام كافرٍ فاجرٍ جائر، أنسانا ما فعله فرعون ببني إسرائيل، والمغول ببغداد، وتفوّق على كل المجرمين عبر التاريخ، مستخفاً بالدِّين والعرض والخُلق، بل حتى بإنسانية الإنسان.
وبعـد ..
فيقول الله سبحانه وتعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال:72]، ويقول أيضاً: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة:71]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ» [متفق عليه]، ويقول : «إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً» "وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ" [متفق عليه]. ويقول أيضاً: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إذَا اشْتَكَى شَيْئاً تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» [متفق عليه].
إن هذه النصوص وغيرها كثير تُوجب على المسلم مُناصرة أخيه المسلم والسعي لرفع الظلم عنه، ومدّ يدِ العون له متى احتاج إلى ذلك، وتُشير النصوص إلى أن إيمان المسلم يكون في خطر عظيم إذا نأى بنفسه عن نصرة إخوانه، ولم يشعر بشعورهم ويألم لألآمهم، بل إن الشرع يتوعده بجزاءٍ شنيع في الدنيا والآخرة من جنس عمله، قال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ مُسْلِماً فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ يَنْصُرُ مُسْلِماً فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ» [مكارم الأخلاق للطبراني].
هذا؛ وإن إخوةٌ لنا على مرمى حجرٍ مِنَّا في سوريا الحبيبة قد تسلَّط على رقابهم ومنذ عقود من الزمن نظام كافرٍ فاجرٍ جائر، أنسانا ما فعله فرعون ببني إسرائيل، والمغول ببغداد، وتفوّق على كل المجرمين عبر التاريخ، مستخفاً بالدِّين والعرض والخُلق، بل حتى بإنسانية الإنسان، حتى هيأ الله لهؤلاء الإخوة ظاهرة الحركات الثورية الشعبية السِلميِّة تمكّنت من دكّ عروش طواغيت {وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} [الحشر:2] ، وقد حطّت هذه الثورة رحلِها في أرضهم أرض الشام المباركة فانتفضوا انتفاضة الليوث في عرينها، وصرخوا في وجه الظلم والقهر، وأبدوا عن بطولات نادرةٍ أشبه بالمعجزات، وأظهروا استخفافاً عجيباً بالموت طلباً للحرية والانعتاق من الذل والمهانة والعبودية لغير الله، ما أدهش شعوب العالم قاطبةً وحملها ودُولِها على الاعتراف بحقوقهم المشروعة، وتأييد ثورتهم المباركة.
إلا أن كثيراً ممن حملهم الله أمانة العِلم وافترض عليهم الصدع بالحق ومناصرة المظلومين، والوقوف في وجه الظالمين، لم تصلهم أخبار هذه الثورة -ربما- بعد، ولم ترى عيونهم المآذن المُدمَّرة والمساجد المُحترقة، والمصاحف المُمَّزقة، وأجساد الأطفال المُشوَّهة، ولم تطرق أسماعهم مسبّة الذات الإلهية، وإجبار الناس على النطق بكلمات الكفر الصارخ البواح، فوقفوا مع الطاغية وأيدوا إجرامه، وباعوا دينهم بعرض من الدنيا رخيص، فعادوا بالخيبة والعار، والخسران في الدنيا والآخرة، مُجسدين دور علماء السُّوء وسدنَة السلاطين أسوأ تمثيل، وهؤلاء لا كلام لنا معهم ولا نعنيهم برسالتنا هذه، ويكفيهم خزياً وعاراً الذكر السيء لهم بين الناس، وأن يُصبِحوا مَثار سخرية على ألسنة العامة قبل الخاصة بعد أن رفع العِلم رؤوسهم ردحاً من الزمن، عدا عما ينتظرهم من عذابٍ يوم القيامة.
إنما رسالتنا إلى تلك الشريحة الواسعة من الصامتين والمترددين في تأييد إخوانهم ونُصرتهم، ولا يزالون يُقدِّمون رِجلاً ويُؤخرون أخرى، فترى أحدهم يبكي في خُطبِه وأحاديثِه على أحوال أهلِ الصومال وأهلِ غزة -وهذا أمر محمود- ويستعرض ما جرى ويجري في بريطانيا من أحداث شغب، ويجوب العالم مَشْرقاً ومَغْرباً، مُنتقداً ومصلحاً، وكأن ما يجري في سوريا يقع على كوكب آخر خارج عن المجموعة الشمسية.
إننا لنخجل أشدَّ الخجل حين يُصرِّح أعلى مرجعٍ ديني لإحدى الطوائف النصرانية "أن ما يجري في سوريا إبادة شعب وليس إصلاحاً" ويزداد خجلنا عندما نشاهد بعض الفنانين والفنانات، والراقصين والراقصات، والكُتاب الليبرالييون، وقِطاعات عريضة من شرائح المجتمع، ممن لا يعنيهم أمر الآخرة، تتحرك الغيرة الإنسانية في قلوبهم، وتغلي الدماء البشرية في عروقهم، فترتفع أصواتهم رفضاً للظلم ونُصرة للمظلوم، بينما لا زال أكثر مفتيّ العالم الإسلامي وشيوخه وأئمته غارقاً في حساباته الخاصة، يمتنع عن مجرد الدعاء لإخوانه أو التوقيع على بيان فيه نُصرتهم أو المشاركة في أي فعالية دعم صمودهم.
ولدى مواجهة بعضهم قال: ما فائدة كلامي وكلام غيري وهل الكلام سيَسقط النظام؟ فنقول: ما الفائدة إذن من الصدع بكلمة الحق من الأساس؟ ولماذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» [رواه الترمذي وابن ماجه، وأبو داود بزيادة: «أَوْ أَمِيرٍ جَائِرٍ»]، مع أن صدعه بالحق قد يُكلِّفه حياته. قال صلى الله عليه وسلم قال: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ» [صححه السيوطي والألباني]. ولماذا يُطالبنا النبي صلى الله عليه وسلم بمُجاهدة الحكام الظالمين حيث يقول: «إِنَّهُ سَيَكُونُ أُمَرَاءُ بَعْدِي، يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمْنَ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، لا إِيمَانَ بَعْدَهُ» [رواه: الإمام أحمد مختصراً، وابن حبان في "صحيحه"، وهذا لفظه].
وماذا ينفع العالِم والحافظ للقرآن والسنة أن يَسوق للناس النصوص الدالة على وحدة الأُمَّة الإسلامية، وَوجوب التناصر فيما بين أبنائها، ويطرب الآذان بقصص الصادعين بالحق أمثال الإمام أحمد والأوزاعي والعز بن عبد السلام وغيرهم، فإذا ما طُلب منه ذلك ساق الأعذار والمبررات. يقول ابن القيم رحمه الله: "وأيُّ دين وأيُّ خير فيمن يَرى محارم الله تُنتهك وحدوده تُضاع ودينه يُترك! وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغب عنها! وهو بارد القلب ساكت اللسان، شيطان أخرس، كما أن من تكلم بالباطل شيطان ناطق".
إننا نربأ بمن حملهم الله أمانة العلم أن يكونوا من هذا الصنف، وندعوهم إلى أن لا يتخلّفوا عن قيادة الأُمّة إلى دروب عِزِّها وصناعة مجدها من جديد، ونُذكّرهم بأن قيمة العالِم بقوله كلمة الحق، ونُبدّد مخاوفهم بقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم «أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ، وَلَا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ، أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ» [رواه الإمام أحمد].
ونُسائلهم مع الشاعر:
إذا انتُهِكت محارمُنا إذا نُسفت معالمُنا ولم تغضبْ
إذا قُتلت شهامتنا إذا دِيسَت كرامتُنا إذا قامت قيامتُنا ولم تغضبْ
إذا لله، للحرمات، للإسلام لم تغضبْ فأخبرني متى تغضبْ؟!
عدنان أمامة - 10/10/1432 هـ
- التصنيف:
- المصدر: