الإعصار ساندي عقوبةٌ ربانيّةٌ أم ظاهرةٌ مُناخية
إن ساندي جندي من جنود الله تعالى، سلطه الله سبحانه على أمريكا، وفعل فيهم ما فعل بهم، فإن كان فيه نهايتهم فمما كسبت أيديهم، وإن تجاوزهم فليعلموا وليعلم ممن على شاكلتهم، أنه آية من آيات الله سبحانه وتعالى، فعليهم أن يتعظوا ..
نبأ الإعصار ساندي لم يعد خافياً على أحد يسكن هذه المعمورة، ولكن ما يدعو للحيرة بالفعل أن النبأ ذاع وشاع، ولكن الحدث لم يُغَطَّى بشكل يتلائمُ مع مستوى الواقعة، فالواقعة كارثة بمعنى الكلمة، ولكن وسائل الإعلام تتحاشى الخوض في التفاصيل، ولا يعدو ذكره كخبرٍ مع بقية الأخبار، ولو أن الرئيس الأمريكي اضطر لمُخاطبة شعبه مُحذراً من ساندي ربما ما تجرأت بعض وسائل الإعلام أن تتناقله، وذلك طبعاً مُجاملة للقوة العظمى المنفرِدة في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية.
لأنها تريد أن يمرَّ الحدث من غير المزيد من القالِ والقِيل، بالرغم من أن حوادثَ أُخرى وقعت في بعض الدول أقلَّ بكثير مما يحدُث الآن في الولايات المتحدة سُلِّطت عليها الأضواء بشكلٍ كامل، ونُقِلَت عبر آلية (مباشر) لكلِ أصقاع الأرض.
هو تساؤلٌ مشروع؛ لماذا تخشى الولايات المتحدة الحديث عن الإعصار ساندي الذي قال عنه خُبراؤهم أن تأثيره أكثر من تسونامي؟
ولا تسعى الولايات المتحدة للتعتيم الإعلامي عن ساندي -الذي مازال يصول ويجول، فيهدم، ويعطل، ويشُلّ، ويدمِّر، ويُزلزِّل، ويمحق، ويغرق، ويقتل، ويدفن، ويعوق، ويحرق، أليس هذا ما يحدث بالفعل-؟
فهي تستخدم نفوذها السياسي والاقتصادي للضغط باتجاه أن يكون الطرح الإعلامي أنه ظاهرة طبيعية مناخية لا أكثر، حتى أن بعض المشايخ تدخلوا ليُحرِّمُوا على الناس التشفي أو الدعاء على من أصابهم هذا الإعصار الغريب العجيب، بهذه الحجة أو تلك!!
لعل السبب هو مَخافة أنه حدث العكس فيُشاع بين الأمم أن ما يحدُث ليس بظاهرة مناخية، لأنهم لا يمتلكون الحِجج العلمية الواضحة في تفسير ذلك، وبالتالي هم غير قادرين على إقناع الناس، فإن لم يكن ساندي والذي يعني الرملي أو الرجراج، مناخياً فهو شيء آخر خارج إرادة الولايات المتحدة وقوتها المادية التي يعتقدون أنهم يُسيطرون على الكون من خلالها، وهذا يعني أن هناك قوة أعظم وأكبر من قوة أمريكا، تستطيع أن تُغير وتُدمِّر متى شاءت وأين شاءت؟
وهذا يقود بالضرورة إلى ضعف الولاء الدولي العالمي على مستوى الأمم والشعوب للولايات المتحدة الأمريكية والانفلات من فَلكِها، وهذا سيجُر إلى ما لا تُحمَد عُقباه.
نحن الإسلاميين نعتزُّ ونفتخرُ بأننا نُؤمنُ بأن هذه القوة هي قوةَ الله تعالى، وهو الله الواحد الذي له القوة جميعاً، قال تعالى: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة: من الآية 165].
وإذا أردنا أن نبتعد عن السياسة قليلاً، فإننا سنقول إن الله تعالى قد غضب على أمريكا من جراء ما فعلته وتفعله بالشعوب الإسلامية، فهي تتدخّل بشكل مباشر أو غير مباشر وتنفذ خططاً أعدّها لها اللوبي اليهودي، من أجل تدمير الإنسان المسلم، فكم تركت من الأرامل تنتحبُ وتولول، وكم تركت من اليتامى يرفعون بأكفهم البريئة إلى الله تعالى أن ينتقم ممن كان سبباً في يتمهم، وكم دمرت من اقتصادات الشعوب حتى جعلتهم يأكلون من القمامة، وكم سلطت أناس على رقاب الشعوب يسومونهم سوء العذاب، ينتهكون حرماتهم، ويهدرون كرامتهم، ويذلون عزيزهم، ويرفعون وضيعهم، وهذا ليس كل شيء، فالناس تعلم الكثير وزيادة.
إن السنن الكونية في الأمم تتجلى في قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ} [الأنعام: 6]، أليس ما تفعله أمريكا تُعدّ ذنوباً؟ فإن لم تكن ذنوباً، فماذا تكون؟
ولعل ما يجري على الساحة الإسلامية وأخص منها العربية اليوم خير شاهد، لقد عزَّ على الولايات المتحدة أن تثور الشعوب على حكام طغاة تسلَّطوا على رقابهم طيلة عقود، وأفقدوهم طعم التمتع بربيعهم العربي حين تدخلت الولايات المتحدة بالطرق والأساليب كافة، لتجعل من أمل الشعوب الإسلامية في مقام "كأنك يا أبا زيد ما غزيت".
لقد تمادت الولايات المتحدة كثيراً حين وفرت تحت غطاء الحرية الشخصية والديموقراطية الغطاء لأن يُساء إلى رسول من رسل الله تعالى، بل أفضل الأنبياء والرسل هو محمد صلى الله عليه وسلم، بالرسم المسيء تارة ثم بانتاج الأفلام تارة أخرى، ثم التجاوز على اتباعه باتهام كل من يسير على نهجه ويتبع سنته بصفة جعلتها قسراً سبة وتُهمة سمتها (الإرهاب)، تلك التهمة المزعومة والغريبة التي ليس لها تعريف، إلا ما أملته أمريكا على الناس، وتعتقل أمريكا من تشاء من رجال المسلمين، يقبعون في زنازينها لسنين طويلة لمجرد الشك، وتُحارب حجاب نساء المسلمين، وهو عزّ وشرف وهوية المرأة المسلمة، ثم ما تنشره وسائل إعلامهم من الفاحشة والإباحية لهدم الأخلاق والقيم ونشر الرذيلة في الأمم، لجريمة من الجرائم الكبرى، ولن نستطيع أن نُحاكِم أمريكا عليها في محاكمنا، ولا حتى في محكمة العدل الدولية، ولكن محكمة العدل الإلهية قادرة على ذلك، وحصلت العقوبة.
وهكذا اختار الله سبحانه وتعالى أن يعاقب أمريكا، ومن المفارقة، أنه تعالى يُعاقبهم بشيئين هما أساس الحياة، هما؛ الماء والهواء، مفارقة تستحق العناية والانتباه، لقد هيأت أمريكا الدرع الصاروخي، والصواريخ عابرة القارات، وَوضعت الخطط اللازمة للحرب النووية، وأخذت الحيطة والحذر من كل ذلك، وأنفقت على ذلك المليارات من الدولارات، وهاهي قدرة الله سبحانه وتعالى تسحقهم وتُبيد خضراءهم بالهواء والماء، فهل هم معتبرون؟ أليس فيهم رجل رشيد؟
ولعل ما يلفت النظر وساندي يفعل فعلته بالقوم الظالمين، الفاسقين، المجرمين، أنْ ينبري بعض من أبناء جلدتنا، ليحرموا أو ليمنعوا من طالهم ظلم اليهود وذراعهم الباطشة أمريكا من أن يتشفوا بهم أو أن يدعوا عليهم، بحجة أن فيهم مسلمون، أو أن الأصل أن ندعو لهم بالهداية، وهو أمر يدعو للعجب.
لقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على أقوام قتلوا أربعين من المسلمين من أصحابه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواماً من بني سُليم إلى بني عامر في سبعين، فلما قدموا قال لهم خالي: أتقدمكم فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا كنتم مني قريباً، فتقدّم فأمنوه، فبينما يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ أومئوا إلى رجل منهم فطعنه، فأنفذه، فقال: الله أكبر، فزت ورب الكعبة، ثم مالوا على بقية أصحابه، فقتلوهم إلا رجلاً أعرج صعد الجبل، قال همّام: فأراه آخر معه، "فأخبر جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم، أنهم قد لقوا ربهم، فرضي عنهم، وأرضاهم"، فكُنّا نقرأ: أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا، وأرضانا ثم نسخ بعد، فدعا عليهم أربعين صباحاً على رعل وذكوان وبني لحيان وبني عصية الذين عصوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم"[صحيح البخاري – كتاب الجهاد والسير- باب من ينكب في سبيل الله].
لقد بقي النبي صلى الله عليه وسلم يدعو على تلك القبائل أربعين يوماً؛ لأنهم قتلوا سبعين مؤمناً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكم قتلت أمريكا من المؤمنين المسلمين في زماننا هذا؟ أليس من حقنا أن ندعو عليها؟
ثم إن قضية التشفي بما يحصل لمن يقتل المؤمنين له أصل في القرآن العظيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كلام الله المحفوظ، يقول الله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ . وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 14- 15].
وعوداً على أبناء جلدتنا الذين ينهوننا عن التشفي بما يحصل لأمريكا، ولنبقى في قانون السنن الكونية، فإن وجود مسلمين أو صالحين في أمة ظالمة، أو وجود أطفال أو نساء أو غير محاربين، لا يمنع من نزول العذاب والعقاب بهم، فحين دعا الرسول صلى الله عليه وسلم على رعل وذكوان سُليم كان يعلم أن فيهم مثل هؤلاء، ومع ذلك دعا على الجميع، يقول تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال 25].
وعودة مرة أخرى إلى السنن الإلهية الكونية، فالله تعالى يبعث بالآيات، ويمهد للأمم قبل الإبادة والاجتثاث، وليس غريباً أن تغرق أمريكا كما غرق قوم نوح، ولنفس السبب تكذيبهم لآيات الله تعالى وعداءهم لنوح عليه السلام ومن معه من المؤمنين، قال تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنبياء: 77].
إن ساندي جندي من جنود الله تعالى، سلطه الله سبحانه على أمريكا، وفعل فيهم ما فعل بهم، فإن كان فيه نهايتهم فمما كسبت أيديهم، وإن تجاوزهم فليعلموا وليعلم ممن على شاكلتهم، أنه آية من آيات الله سبحانه وتعالى، فعليهم أن يتعظوا ويكفوا عن معادات الإسلام والمسلمين، لأن الآتي سيكون أكبر وستكون فيه نهايتهم المحزنة إن شاء الله، وإنا لمنتظرون.
عبد الستار المرسومي
- التصنيف:
- المصدر: