دروس من (هدنة) سوريا

منذ 2012-11-09

فات آوان الرجوع للخلف في سوريا وأصبح لزاماً على الجميع التعاضد لإسقاط هذا النظام سريعاً حتى تخرج سوريا من كبوتها، وحتى لا تتحول إلى لبنان أو صومال جديدة ولا يمكن الاعتماد في ذلك على الغرب لأنه قد يرى أن هذا التحول سيكون في صالحه..



"الهدنة" المزعومة التي شهدتها سوريا خلال عيد الأضحى بين قوات المعارضة وقوات النظام أكدت بما لا يدعو للشك أن الحل الوحيد لإنهاء هذه الأزمة المستمرة منذ عام ونصف هو إسقاط النظام الأسدي النصيري، الذي حول البلاد لعزبة طائفية بغيضة وصدّر أمراضه للبنان المجاورة...

لم تدم الهدنة التي دعا إليها المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي ساعة واحدة رغم أن الطرفين وافقا عليها، ولكن الواقع الميداني على الأرض كان يؤكد أن هناك استحالة في تنفيذها لأسباب عديدة على رأسها:

إن عصابات النظام تشعر بالخطر الداهم مع فقدانها لمساحات واسعة من الأراضي، وبالتالي تشعر أن مرور الوقت ليس في صالحها لأنه سيعطي المعارضة فرصة لتثبيت مواقعها، كما أنها تصورت أن الهدنة ستمكنها من قتل المزيد من المدنيين في غياب التغطية الإعلامية خلال عيد الاضحى، وستجد المبرر الذي تعتمد عليه وهو "الرد على هجمات المعارضة"، وهو ادعاء يصعب إثباته عملياً لغياب المراقبين الدوليين، وقد أصر نظام الأسد على وضع هذا الشرط في الهدنة ليتيح له الاستمرار من جانب واحد في القصف والقتل محتميا بـ "الهدنة"، في نفس الوقت أصبحت قوات الجانبين في وضع اشتباكي يصعب فصله وهناك حصار مشدد على بعض المواقع العسكرية التابعة لنظام الأسد لا يمكن التخلي عنه، كما أن المعارك في معظمها تتم من شارع لشارع ومن حي لحي فهذا الحي تحت سيطرة النظام والآخر تابع لقوات المعارضة وقد يتغير الوضع في اليوم الواحد عدة مرات، إذا الوقت أزف على الاتفاق على هدنة حقيقية وأصبح من الضروري النظر في كيفية إنهاء هذا النظام الذي أصبح مكروهاً من شعبه أكثر من أي وقت مضى بل إن استمرار الازمة يؤدي إلى مزيد من الكراهية للنظام ويقطع الطريق على أية حلول سلمية.

الهدنة المزعومة برهنت أيضا بشكل كبير على فشل مهمة المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي، وأن الجهود التي يبذلها تصب في اتجاه منح النظام فسحة من الوقت لتنفيذ مجازره وفرض أمر واقع بالقوة؛ فقد اعتبر الإبراهيمي، أن الوضع في سوريا يسير "من سيء إلى أسوأ"، معبراً عن خيبة أمله لفشل الهدنة التي دعا إليها خلال أيام عيد الأضحى الأربعة، وقال الإبراهيمي: "لقد قلت سابقاً وأكرر إن الأزمة السورية خطيرة جداً، والوضع يسير من سيء إلى أسوأ".

كذلك أرسلت هذه الهدنة رسائل واضحة للمجتمع الدولي تتلخص في أنه لا فائدة من الإمساك بالعصاة من المنتصف، وأن عليه أن يتخذ قرارات حاسمة ضد نظام الأسد لمنعه من الاستمرار في جرائمه، وأنه لا يمكن المساواة بين الجاني والضحية بشأن منع الأسلحة، وترك النظام حراً طليقاً يستخدم الجو ليضرب منه المدنيين بالقنابل والصواريخ التي يعجز الغرب حتى الآن عن منع وصولها إليه من روسيا وإيران رغم العقوبات المفروضة عليه.

ما زال الدعم العربي للمقاومة في سوريا يأتي على استحياء، وتقوم المصادر الرسمية بنفيه إذا تم الحديث عنه إعلامياً وكأنه سبّة أو جريمة ينبغي التنصل منها وهو ما يخالف طبيعة الأمور حيث أصبح تجاوز نظام الأسد للحدود وسقوط شرعيته وقيادته لحرب ضد شعبه من أجل البقاء على كرسيه، من الأمور المفروغ منها وبالتالي من الطبيعي أن تدعم الدول العربية والإسلامية الشعب السوري للدفاع عن نفسه.

نأتي إلى نقطة أخرى أظهرتها "الهدنة" وهي أن المعارضة المسلحة ما زالت لم تتوحد بصورة كافية، حيث تضاربت الأنباء حول موافقتها على الهدنة وتباينت الآراء داخلها حول فوائدها، وهذا الخلاف يعتبره البعض حجة من أجل تأخير الدعم والبعض الآخر يتخوف منه على مستقبل البلاد حال سقط الأسد وهي تخوفات لها مشروعيتها خصوصاً ما يتعلق منها بمستقبل البلاد.

فات آوان الرجوع للخلف في سوريا وأصبح لزاماً على الجميع التعاضد لإسقاط هذا النظام سريعاً حتى تخرج سوريا من كبوتها، وحتى لا تتحول إلى لبنان أو صومال جديدة ولا يمكن الاعتماد في ذلك على الغرب لأنه قد يرى أن هذا التحول سيكون في صالحه وفي صالح "إسرائيل" التي ترى أن سوريا بإمكاناتها الضخمة لو حكمها الإسلاميون ستعد خطراً داهماً عليها خصوصاً بشأن الجولان المحتل.


خالد مصطفى - 14/12/1433 هـ

 

  • 44
  • 0
  • 1,210

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً