الاختلاط في التعليم

منذ 2001-07-30

يرد سماحة الشيخ رحمه الله بأسلوبه العلمي الفذ على قول نسب إلى أحد مديري الجامعات في دولة عربية مسلمة بأن القول بالاختلاط موافق للشريعة.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :


فقد اطلعت على ما نشرته جريدة ( السياسة ) الصادرة يوم 24/ 7/ 1404 هـ بعددها 5644 منسوباً إلى مدير جامعة صنعاء د. عبد العزيز المقالح الذي زعم فيه أن المطالبة بعزل الطالبات عن الطلاب مخالفة للشريعة ، وقد استدل على جواز الاختلاط بأن المسلمين من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد الرجل والمرأة وقال: ( ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد ) وقد استغربت صدور هذا الكلام من مدير لجامعة إسلامية في بلد إسلامي يُـطلب منه أن يوجه شعبه من الرجال والنساء إلى ما فيه السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولا شك أن هذا الكلام فيه جناية عظيمة على الشريعة الإسلامية ؛ لأن الشريعة لم تدْعُ إلى الاختلاط حتى تكون المطالبة بمنعه مخالفة لها بل هي تمنعه وتشدد في ذلك كما قال { وقَــرْنَ في بُيوتكن ولا تبرجنَ تبرج الجاهلية الأولى } [الأحزاب:33] الآية وقال تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما } [الأحزاب:59] وقال سبحانه: { وقل للمؤمنات يغضُضْن من أبصارهن ويحفَـظْـنَ فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ولْيضربن بخُمُرِهِن على جُيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن } [النور:31] إلى أن قال سبحانه:{ وَلا يَضرِبنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخفينَ منْ زِينَتِهِنَّ وتوبوا إلى اللَّهِ جَميعًا أَيهَا الْمؤمنونَ لعلكمْ تُفْلِحُونَ } [النور:31] ..

وقال تعالى: { وإذا سألتُمُوهُن مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وراءِ حِجَابٍ ذلكُمْ أَطهَرُ لقلُوبكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [الأحزاب:53] الآية.

وفي هذه الآيات الكريمات الدلالة الظاهرة على شرعية لزوم النساء لبيوتهن حذرا من الفتنة بهن إلا من حاجة تدعو إلى الخروج ، ثم حذَّرهن سبحانه من التبرج تبرج الجاهلية وهو إظهار محاسنهن ومفاتنهن بين الرجال ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء » [ متفق عليه من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه وخرجه مسلم في صحيحه عن أسامة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنهما جميعا ] ، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء » [ مسلم والترمذي] ...

ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الفتنة بهن عظيمة ولا سيما في هذا العصر الذي خلع فيه أكثرهن الحجاب وتبرجن فيه تبرج الجاهلية وكثرت بسببه الفواحش والمنكرات وعزوف الكثير من الشباب والفتيات عما شرع الله من الزواج في كثير من البلاد ، وقد بين الله سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع فدل ذلك على أن زواله أقرب إلى نجاسة قلوب الجميع وانحرافهم عن طريق الحق ، ومعلوم أن جلوس الطالبة مع الطالب في كرسي الدراسة من أعظم أسباب الفتنة ، ومن أسباب ترك الحجاب الذي شرعه الله للمؤمنات ونهاهن عن أن يبدين زينتهن لغير مَنْ بيّنهم الله سبحانه في الآية السابقة من سورة النور ، ومن زعم أن الأمر بالحجاب خاص بأمهات المؤمنين فقد أبعد النجعة وخالف الأدلة الكثيرة الدالة على التعميم وخالف قوله تعالى: { ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [الأحزاب:53].

فإنه لا يجوز أن يقال إن الحجاب أطهر لقلوب أمهات المؤمنين ورجال الصحابة رضي الله عنهم دون من بعدهم ولا شك أن من بعدهم أحوج إلى الحجاب من أمهات المؤمنين ورجال الصحابة لما بينهم من الفرق العظيم في قوة الإيمان والبصيرة بالحق ، فإن الصحابة رضي الله عنهم رجالا ونساء ومنهن أمهات المؤمنين هم خير الناس بعد الأنبياء وأفضل القرون بنص الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين ، فإذا كان الحجاب أطهر لقلوبهم فمن بعدهم أحوج إلى هذه الطهارة وأشد افتقارا إليها ممن قبلهم ، ولأن النصوص الواردة في الكتاب والسنة لا يجوز أن يخص بها أحد من الأمة إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص فهي عامة لجميع الأمة في عهده صلى الله عليه وسلم وبعده إلى يوم القيامة ، لأنه سبحانه بعث رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين في عصره وبعده إلى يوم القيامة كما قال عز وجل: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [الأعراف:158]

وقال سبحانه:{ وَمَا أَرْسلنَاكَ إِلا كَافةً لِلناسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِن أَكثَرَ الناسِ لا يَعْلَمُونَ } [سبأ:28].

وهكذا القرآن الكريم لم ينزل لأهل عصر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أُنزل لهم ولمن بعدهم ممن يبلغه كتاب الله كما قال تعالى: { هَذا بَلاغٌ لِلناسِ وَلِينذَرُوا بِهِ وَلِيَعلَمُوا أَنمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ } [إبراهيم :52] وقال عز وجل: { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا القرآنُ لأُنْذِرَكمْ بهِ ومَنْ بَلَغَ } الآية [ الأنعام (6) : آية19 ].

وكان النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يختلطن بالرجال لا في المساجد ولا في الأسواق ، الاختلاط الذي ينهى عنه المصلحون اليوم ويرشد القرآن والسنة وعلماء الأمة إلى التحذير منه حذرا من فتنته ، بل كان النساء في مسجده صلى الله عليه وسلم يصلين خلف الرجال في صفوف متأخرة عن الرجال وكان يقول صلى الله عليه وسلم: « خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها » [ مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وأحمد وابن ماجه والدارمي ] ...
حذرا من افتتان آخر صفوف الرجال بأول صفوف النساء وكان الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم يؤمرون بالتريث في الانصراف حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهن الرجال في أبواب المساجد ، مع ما هم عليه جميعا رجالا ونساء من الإيمان والتقوى ، فكيف بحال من بعدهم وكانت النساء يُــنهَــين أن يتوسطن الطريق ويُـؤمَرن بلزوم حافات الطريق حذرا من الاحتكاك بالرجال والفتنة بمماسة بعضهم بعضا عند السير في الطريق ، وأمر الله سبحانه نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن حتى يغطين بها زينتهن حذرا من الفتنة بهن ، ونهاهن سبحانه عن إبداء زينتهن لغير من سمى الله سبحانه في كتابه العظيم حسما لأسباب الفتنة وترغيبا في أسباب العفة والبعد عن مظاهر الفساد والاختلاط ، فكيف يسوغ لمدير جامعة صنعاء هداه الله وألهمه رشده بعد هذا كله أن يدعو إلى الاختلاط ، ويزعم أن الإسلام دعا إليه وأن الحرم الجامعي كالمسجد ، وأن ساعات الدراسة كساعات الصلاة ، ومعلوم أن الفرق عظيم والبون شاسع لمن عقل عن الله أمره ونهيه وعرّفه حكمته سبحانه في تشريعه لعباده ، وما بيّن في كتابه العظيم من الأحكام في شأن الرجال والنساء.

وكيف يجوز لمؤمن أن يقول إن جلوس الطالبة بحذاء الطالب في كرسي الدراسة مثل جلوسها مع أخواتها في صفوفهن خلف الرجال ، هذا لا يقوله من له أدنى مسكة من إيمان وبصيرة يعقل ما يقول ، هذا لو سلمنا وجود الحجاب الشرعي فكيف إذا كان جلوسها مع الطالب في كرسي الدراسة مع التبرج وإظهار المحاسن والنظرات الفاتنة والأحاديث التي تجر إلى فتنة والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله قال عز وجل: { فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [الحج:46].

وأما قوله: (الواقع أن المسلمين منذ عهد الرسول كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد الرجل والمرأة ، ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد).

فالجواب عن ذلك أن يقال هذا صحيح ، لكن كان النساء في مؤخرة المساجد مع الحجاب والعناية والتحفظ مما يسبب الفتنة ، والرجال في مقدم المسجد ، فيسمعن المواعظ والخطب ويشاركن في الصلاة ويتعلمن أحكام دينهن مما يسمعن ويشاهدن ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في يوم العيد يذهب إليهن بعد ما يعظ الرجال فيعظهن ويذكرهن لبعدهن عن سماع خطبته ، وهذا كله لا إشكال فيه ولا حرج ، وإنما الإشكال في قول مدير جامعة صنعاء ، هداه الله وأصلح قلبه وفقهه في دينه (ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد) فكيف يجوز بالله أن يشبه التعليم في عصرنا بصلاة الرجال في مسجد واحد مع أن الفرق شاسع بين واقع التعليم المعروف اليوم وبين واقع صلاة النساء خلف الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم ، ولهذا دعا المصلحون إلى إفراد النساء عن الرجال في دور التعليم ، وأن يكن على حدة ، والشباب على حدة حتى يتمكنَّ من تلقي العلم من المدرسات بكل راحة من غير حجاب ولا مشقة ؛ لأن زمن التعليم يطول بخلاف زمن الصلاة ، ولأن تلقي العلوم من المدرسات في محل خاص أصون للجميع وأبعد لهن من أسباب الفتنة وأسلم للشباب من الفتنة ، ولأن انفراد الشباب في دور التعليم عن الفتيات مع كونه أسلم لهم من الفتنة فهو أقرب إلى عنايتهم بدروسهم وشغلهم بها وحسن الاستماع إلى الأساتذة وتلقي العلوم عنهم بعيدين عن ملاحظة الفتيات والانشغال بهن وتبادل النظرات المسمومة والكلمات الداعية إلى الفجور .

وأما زعمه أصلحه الله أن الدعوة إلى عزل الطالبات عن الطلبة تزمت ومخالف للشريعة فهي دعوى غير مسلَّمة بل ذلك هو عين النصح لله ولعباده والحيطة لدينه والعمل بما سبق من الآيات القرآنية والحديثين الشريفين ، ونصيحتي لمدير جامعة صنعاء أن يتقي الله عز وجل وأن يتوب إليه سبحانه مما صدر منه وأن يرجع إلى الصواب والحق ، فإن الرجوع إلى ذلك هو عين الفضيلة والدليل على تحري طالب العلم للحق والإنصاف والله المسئول سبحانه أن يهدينا جميعا سبيل الرشاد وأن يعيذنا وسائر المسلمين من القول عليه بغير علم ومن مضلات الفتن ونزغات الشيطان ، كما أسأله سبحانه أن يوفق علماء المسلمين وقادتهم في كل مكان لما فيه صلاح البلاد والعباد في المعاش والمعاد ، وأن يهدي الجميع إلى صراطه المستقيم إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
المصدر: موقع الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى

عبد العزيز بن باز

المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقا -رحمه الله-

  • 11
  • 0
  • 57,817
  • nada

      منذ
    اللهم أغفر لامة محمد عليه الصلاة و السلام.
  • سعيد المصرى

      منذ
    [[أعجبني:]] أسلوب الإمام فى السرد والإقناع
  • أبو عمار

      منذ
    [[أعجبني:]] العلم الغزير والحكمة والاسلوب الرائع في إيصال المعلومة
  • أبو معوض

      منذ
    [[أعجبني:]] أعجبنى طريقه تناول الشيخ للقضيه وعلى كيفيه الرد والرد الشافى والوافى**** ولو سمحتم أنا فى صدد أن أقوم بدراسه حول (الاختلاط فى التعليم الأساسى (الابتدائى))) وأريد من سيادتكم ان تساعدونى بعرض او ارسال مقالات أو دراسات أو ابحاث تناولت هذه القضيه لأننى وبصراحه افتقر الى الدراسات السابقه حول الموضوع وبارك الله فيكم والى الأمامودمتم ذخرا للاسلام
  • عمرو جمال محمد

      منذ
    [[أعجبني:]] الادلة الكافية على صحة كلام الشيخ الجليل جزاه الله خيرا [[لم يعجبني:]] نريد حل للواقع المؤسف الذى نعيش فيه على شكل خطوات واضحة فنحن نعرف الادله ولا نستطيع تنفيذها مما يودى الى اللام النفسيه لمعصية الله رجاء الرد وجزاكم الله خيرا
  • محمود

      منذ
    [[أعجبني:]] دهاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز وذكائة في لرد علي من الأخطأء
  • على سامى

      منذ
    [[أعجبني:]] رد الشيخ الجليل على مقولة إنه مخالف للشريعة مقارنة بحال المسجد !!!!! فهل مدارس البنين فقط فى هذا الحال مخالفة للشريعة!! .... غفر الله لنا أجمعين [[لم يعجبني:]] تحدث شيخنا الجليل عن موضوعين 1- ترك الحجاب (كملبس شرعى مفروض على المرأة المسلمة 2- الإختلاط بجلوس الشاب بجوار الفتاة . وهما بلا شك حرام قطعاً أصاب الشيخ فى ذلك رحمه الله ولكن من أعطى هذاالمعنى لتعريف كلمة التعليم المشترك ... فان كان التغليم يتم فى غرفة واحدة يتم فصل البنين عن البنات فيها فلا يجلس شاب بجوار فتاة فلا بأس . أن ما دفعنى للتعليق غلى هذا المقال هو الخوف من المبالغة فى الفصل بين الرجال و النساء إلى حد المقاطعة النهائية فى المعاملة بينهم . و السؤال هنا ... ما دامت المعاملة بما يرضى الله و بما أمرنا به رسول الله ونهاناعنه فما الضير. أن النساء فى عهد النبى يذهبون للأسواق و يتحدثون مع الرجال و يتاجرون فى الأسواق ... و لكن لا تختلى آمرأة برجل قط ... دعونا لا نتعامل مع النساء كأنهم من كوكب أخر فهن أمهاتنا و زوجاتنا و أخواتنا و بناتنا زميلاتنا مادمنانراعى الله فى تلك المعاملات والله أعلم
  • محمود

      منذ
    [[أعجبني:]] ما اعجبني هو "الاخلاص في قول الحق وعدم الزيغ في الرد علي ما ينسب للدين"
  • تامر جادالله

      منذ
    [[أعجبني:]] المقالة ممتازة والرد على مدير الجامعة بصنعاء كان مقنعا نظراًًٌٌَُِِ للاستناد على القران والاحاديث. والله المستعان .. [[لم يعجبني:]] كان المفرض ذكر بعض الحلول لشباب وفتيات المسلمين للتغلب على الاختلاط وعواقبة.
  • محمد إبراهيم الدسوقي

      منذ
    [[أعجبني:]] الكلام في إطار الشريعة وما أراده الله سبحانه وتعالى بما ينير لنا ولأخواننا وأخواتنا طريقهم وبيان معالم العلاقة بينهم وأبعادها وطريقة تعاملهم معاً

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً