الفاشلون يشعلون مصر

منذ 2012-11-26

الرئيس مرسي يحاول اليوم بكل قوة أن ينتقل بمصر من الفترة الانتقالية إلى مرحلة الاستقرار والثبات في مؤسسات الدولة، لتدور عجلة الإنتاج وتنتهي الاضطرابات وتستعيد البلاد عافيتها، في حين أن الفاشلين والفلول يحاولون بكل قوة إطالة أمد الفترة الانتقالية وتدمير مؤسسات الحكم ومنع كتابة الدستور..



التاريخ القديم والمعاصر ولوقتنا الحاضر زاخر بالعديد من الأمثلة لفاشلين وطامعين ضحوا بكل نفيس وغالٍ من أجل الانتقام لفشلهم وبث الروح في أطماعهم، نوعية مخصوصة من البشر تجردت من كل القيم والمبادئ والأخلاق، بحثًا عن المناصب ولهثًا وراء السلطة، لا يبالون بدماء سفكت، وأموال ضاعت، ودول خربت، ففي كل واد للفتنة يهيمون، وخلف كل ناعق يسيرون، قتلهم حب الدنيا، وأعماهم الحرص على المناصب وعشق السلطة والكراسي، فالمعتمد بن عباد الأندلسي تحالف مع ملك إسبانيا الصليبي ألفونسو السادس ضد الزعيم المسلم يوسف بن تاشفين كي يمنعه من نجدة الأندلس، والأمير السعيد بن محمد الكامل الأيوبي تحالف مع هولاكو ملك التتار ضد السلطان قطز من أجل البقاء على إمارة الشام، والخديوي سعيد تحالف مع الإنجليز ضد المصريين ووافق على خضوعه لحمايتهم من أجل البقاء في منصبه الفارغ، وهكذا التاريخ زاخر بالفاشلين الذين باعوا كل شيء من أجل أطماعهم ومناصبهم.

تحالف غير مسبوق من علمانيين وليبراليين واشتراكيين وشيوعيين وثوريين وفلول مبارك وقتلة ثوار وفاسدين، شتات لا يجمعه سوى كراهية تطبيق الشريعة ومعاداة المشروع الإسلامي، والرغبة المدمرة في التخلص من التيار الإسلامي وتصفية حسابات الفشل والخسارة الانتخابية والسياسية والفكرية معه، هذا التحالف يجتمع اليوم، ليس بحثًا عن الحرية والعدالة الاجتماعية أو الثورة على الاستبداد والديكتاتورية كما يروجون ويخدعون الشباب بهذه الشعارات البراقة والكلمات الفخمة الطنانة، وأين كانت تلك الشعارات والعسكر يحكمون مصر طيلة عام ونصف بكل استبداد وديكتاتورية؟ ويطالبون بتمديد حكم العسكر لعامين كما طالب بذلك كبيرهم؛ البرادعي، إنما هي في حقيقة الأمر شعارات للانتقام وتفريغ غيظ الصدور وبث سواد النفوس على تيار ليس له ذنب سوى أن الشعب اختاره وأتى به في سدة الحكم وفي المجالس النيابية.

المشهد السياسي في مصر قبل صدور الإعلان الدستوري الأخير كان أشبه ما يكون بالمشهد العراقي بعد الاحتلال الأمريكي، حيث التناحر السياسي والطائفي هو سيد الموقف، والمشهد اللبناني المليء بالصراعات المزمنة والتجاذبات الطائفية والحزبية، دولة ليست بالمعنى المعروف عن الدول المستقرة، حيث مؤسسات الحكم والدستور والقانون، وأقرب ما تكون لشبه دولة، حيث لا توجد مؤسسات حكم منتخبة، إلا مؤسسة الرئاسة، ولا دستور مكتوب، إلا إعلانات دستورية معيبة وناقصة، وذلك بسبب وجود العديد من الشخصيات المحسوبة على نظام مبارك داخل السلطة القضائية أبرزها النائب العام وأعضاء المحكمة الدستورية، وهي الشخصيات التي تواطأت مع المجلس العسكري المنحل على تطويل أمد الفترة الانتقالية، وإهدار مكتسبات التيار الإسلامي الذي كان خيار الشعب في العملية الانتخابية، وفي تغول فاضح من السلطة القضائية على السلطة التشريعية واختيار الشعب، قامت المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب المنتخب، ومنح صلاحياته للمجلس العسكري المعين من قبل المسجون مبارك، الذي بادر بإعلان دستوري مكمل وضعه بعض أعضاء الدستورية، كبَّل به سلطة الرئيس المنتخب وحد كثيرًا من صلاحياته، وجعله أشبه ما يكون بالرئيس الشرفي مثل رئيس ألمانيا، لا تتعدى صلاحياته عتبات قصر الرئاسة لتقع البلاد فريسة للتنازع بين السلطات، فالسلطة القضائية بقيادة الدستورية بالاتفاق مع السلطة التشريعية ممثلة في المجلس العسكري الذي استولى عليها في الأصل بمساعدة الدستورية، كلاهما ضد السلطة التنفيذية التي يقودها الرئيس المنتخب، في نادرة ثورية غير مسبوقة، ذلك لأن الصراع في الحقيقة كان بين رجال نظام مبارك البائد الذين عينهم بنفسه واختارهم على عينه ـ الدستورية والمجلس العسكري ـ وبين رجال الثورة المصرية ممثلين في الرئيس المنتخب محمد مرسي.

هذه السيولة السياسية والتنازع بين السلطات استطاع محمد مرسي أن يحقق فيه انتصارًا بارعًا أنهى به الحكم العسكري لمصر بعد ستين سنة من الحكم المستبد المتلاحق، وذلك بتخلصه بالمجلس العسكري الذي كان يعاني من تدهور كبير في شعبيته وسوء بالغ في إدارته للبلاد، وتخلص منه بضربة معلم شهد ببراعتها الجميع، وبدا للعيان أن مرسي قد استرد صلاحياته وفرغ من تهديدات فلول نظام مبارك، ولكنه قد أخطأ خطأ فادحًا بتركه للمتربصين به داخل السلطة القضائية، ولم يستغل صدمة الرعب التي أصابت الفلول ومن تحالف معهم من الفاشلين والحاقدين على نجاحات التيار الإسلامي بعد الثورة، مما جعل خصوم الرئيس داخل السلطة القضائية يلملمون أوراقهم ويرتبون أوضاعهم، ويصطفون خلف النائب العام الذي كان بمثابة الحصن الأخير لفلول النظام، وهو الذي قام بدور كبير في وأد القضايا التي تنال من فلول النظام، وفي المقابل قام بتحريك القضايا التي من شأنها تأزيم الأوضاع السياسية داخل البلاد، مثل قضايا حل اللجنة التأسيسية وحل مجلس الشورى والطعن في الانتخابات الرئاسية وإلغاء الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي بعد الإطاحة بطنطاوي وعنان، مما ينذر حال قبول هذه القضايا لخلف فراغ سلطوي كامل داخل البلاد، بحل آخر المؤسسات المنتخبة شعبيًّا، وهي مؤسسة الرئاسة.

في ظل هذه الأجواء وتحت هذه الضغوط أجبر الرئيس مرسي على الإسراع بإعلان دستوري جديد ذي طابع ثوري استبدادي، ولكنه استبداد من لم يجد سوى الاستبداد لإحقاق الحق ونشر العدل، يحبط كل هذه المؤامرات الهادفة لإعادة إنتاج نظام مبارك، وتطويل الفترة الانتقالية التي كلما طالت زادت الأزمات والاضطرابات وأصبح الباب مشرعًا على مصراعيه لعودة الحكم العسكري مرة أخرى لسدة الحكم في مصر، وهو ما اتفقت عليه إرادات كارهي المشروع الإسلامي من العلمانيين والليبراليين والفلول، وكان هذا الإعلان كافيًا لإشعال ثورة غضب عارمة يقودها الفاشلون والكارهون والحاقدون في بر من مصر من أجل تمرير مؤامرة الدستورية نحو تفكيك السلطة التنفيذية وما تبقى من السلطة التشريعية، ولكن الفشل يقودهم اليوم للوصول بسقف مؤامراتهم لإحراق البلاد طولاً وعرضًا.

نعم هذا ما يقوم به الفاشلون اليوم في مصر، ولأن الفشل هو شعارهم، والأقلية هي حجمهم، فقد فشل قادة تحالف إجهاض الثورة في حشد التأييد الشعبي ضد إعلان الرئيس، فلم يستجب لدعوتهم رغم الشحن الإعلامي الكبير من جانب فضائيات مبارك إلا ألوف قليلة، فاتجهوا نحو الخطوة الثانية في التصعيد وهي تحريض الجيش للانقلاب على الشرعية، ومن أجل ذلك قاموا بتوزيع منشورات منسوبة للجيش المصري زورًا وكذبًا تدَّعي أنه يساند ثورة الغضب ضد الرئيس مرسي، ما حدا بوزير الدفاع لأنْ يحسم هذه الترهات برفض الجيش التدخل في العملية السياسية والتورط في مؤامرات الحاقدين على مصر، بعدها قام عرَّاب الفتنة ورأس الفاشلين "البرادعي" بتحريض الدول الخارجية عامة وولية نعمته وسيدته أمريكا خاصة، من أجل التدخل الصريح في شئون مصر والضغط على الرئيس لسحب إعلانه الدستوري الذي أحبط آمال الفاشلين والطامعين، ولكن الرد الخارجي جاء فاترًا وليس على المستوى المأمول ولم يخرجه عن سياقه المعتاد من الدول التي لا تريد أن تتورط في مغامرات خارجية، لذلك كان الحل الأخير لدى نخبة الفشل هو اللجوء إلى سفك الدماء وإحداث أكبر قدر من الفوضى، بدأت بالهجوم على مقار الحرية والعدالة والاحتكاكات غير المبررة مع الإخوان ومحاولة استفزازهم في قتال شوارع، يقود البلاد لشبه حرب أهلية يكون المخرج منها نزول الجيش واستيلائه على مقاليد الأمور مرة أخرى.

وفي أتون هذه الأحداث الملتهبة يجب على الرئيس مرسي انتهاج العديد من الخطوات لإحباط مؤامرة الفاشلين والحاقدين على الثورة في مصر، عليه أولاً أن لا يتراجع عن قراراته الثورية مهما كان المقابل، فلا مجال لعودة الفاسد العام ولا مجال لحل التأسيسية، فلو تراجع في واحدة منها كتب بيديه شهادة وفاة ليس لرئاسته فحسب، ولكن للتجربة الإسلامية في الحكم، كما عليه ثانيًا أن لا يستمع لصوت الساسة الفاشلين مثل البرادعي وحمدين وموسى وغيرهم ممن أكل الغيظ قلوبهم وأعمى الطمع عيونهم، ولا يرضخ لضغوطهم، فقد عرف قدرهم وحجم تأثيرهم في الشارع في عدة مواقف آخرها مليونية أقصد ميني أو ميكرو مليونية "مصر مش عزبة "، ثالثًا عليه أن يطمئن الشباب الثائر الذي يستغله قادة الفشل والكراهية، وإزالة مخاوفهم المشروعة من تحول الإعلان المؤقت لإعلان مستمر، وعودة الديكتاتورية المباركية، ببيان الأسباب الدافعة لمثل هذا الإجراء الثوري، رابعًا عليه أن يضمن ولاء الجيش ويتأكد من حياديته في الأحداث الجارية؛ لأن الإغراء على قادة الجيش كبير، وكراسي السلطة ما زالت دافئة من أثرهم ستين سنة من حكم البلاد، خامسًا على الرئيس مرسي أيضًا ضرورة كبرى وهو التفاهم مع شرفاء السلطة القضائية وهم الأكثرية، وإزالة مخاوفهم من التوغل على سلطتهم القضائية وإعطائهم كامل الضمانات على حفظ استقلالية السلطة القضائية، وأن التحصين لا ينسحب على كل قراراته،كما عليه أن يفضح مؤامرة بعض أعضاء الدستورية مع الفلول والفاسد العام وبعض المرشحين الخاسرين أمامهم، وهي المؤامرة التي كانت الدافع الأساسي لدى الرئيس مرسي لاتخاذ هذه الإجراءات الثورية.

الرئيس مرسي يحاول اليوم بكل قوة أن ينتقل بمصر من الفترة الانتقالية إلى مرحلة الاستقرار والثبات في مؤسسات الدولة، لتدور عجلة الإنتاج وتنتهي الاضطرابات وتستعيد البلاد عافيتها، في حين أن الفاشلين والفلول يحاولون بكل قوة إطالة أمد الفترة الانتقالية وتدمير مؤسسات الحكم ومنع كتابة الدستور، وتسييل البلاد لأقصى صورة من أجل عودة حكم العسكر مرة أخرى وإفشال المشروع الإسلامي برمته، فهل ينجح تحالف الفاشلين في إحراق مصر وتدمير مؤسساتها؟ أغلب الظن أنهم سيفشلون لأن كلمة الله الماضية أنه سبحانه وتعالى لا يصلح عمل المفسدين، فالفشل سيكون حليفهم بمشيئة الله، وربنا يستر.


شريف عبد العزيز

[email protected]
 
المصدر: موقع مفكرة الإسلام
  • 11
  • 1
  • 4,278
  • الحر الشريف

      منذ
    احسنت احسن الله اليك هم شرذمه ضاله عن المنهج القويم فهل سيكون فى قلوبهم حب لمصر انهم باعوا انفسهم للشيطان

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً