ثورة مصر بين المخلصين والمتربصين
منذ 2012-12-07
الأمل في الله الواحد الأحد الذي تولى الثورة ورعاها من بدايتها، سيتولى أمرها ويرعاها إلى نهايتها، ويبعد عنها كيد الكائدين، وتربص المتربصين: {..لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} ..
أراد الله عز وجل أن تقوم في مصر ثورة عظيمة مباركة مُعلّمة، احتشد لها الملايين المخلصون من أبنائها في جميع ميادين مصر تحركهم المقاصد الكبرى، وتجمعهم الأهداف العظيمة، بعد ما ذابت بينهم الولاءات الخاصة، وتلاشت التوجهات الضيقة، فحقق الله لهم بعض ما أرادوا من إسقاط رأس النظام إلى أن وصلوا لانتخابات رئاسية أسفرت عن رئيس منتخب بإرادة حرة شعبية، لم تشهدها مصر من قبل.
* ولما نسي بعض من الثوار مقاصدهم الكبرى وأهدافهم العظيمة، وعلا صوت الانتماءات الضيقة، وتقدمت المصالح الخاصة علي مصالح الوطن العامة، خسرت الثورة أهم مقومات ما انتصرت به من قبل، وانقسم البعض شيعا، كل حزب بما لديهم فرحون، وعن مصلحة مصر هم عنها عمون!
وانتهز المتربصون بالثورة من الداخل -من الفلول والمرجفين- الفرصة، فأخذوا يحيكون المؤامرات، ويخططون لنقض مكتسبات الثورة عروة عروة، وقد نجحوا في حل مجلس الشعب المنتخب، وحل الجمعية التأسيسية الأولى.. بمساندة فئة أقل من القليلة من القضاة الفاسدين، وبإعلام مغرض موجه للهدم وإشاعة الفوضى وتضليل العباد، ناهيك عن المتربصين بالثورة (من الخارج) وهم كثر الذين يصبون المال صبا على كل من يسعي لإفشال الثورة وإرباك البلاد.
* ولما سكت الرئيس عن أذاهم، واتسع صدره وامتد حلمه، طمع المتربصون (من الداخل والخارج) واعتقدوا أنهم قد أصبحوا قاب قوسين أو أدني، وهمًا منهم من نقض ما بقي من عرى الثورة، فمكروا مكرهم وأجمعوا أمرهم، ليضربوا الضربة القاضية، لإلغاء الجمعية التأسيسية التي أوشكت علي الانتهاء من عملها بحكم من المحكمة الدستورية المسيسة، في نفس الوقت الذي يقومون فيه بأعمال تخريبية، والهجوم علي المنشآت الحيوية، لتحدث حالة من الهرج والمرج والفوضى في أنحاء البلاد، ومن ثم يتسنى لهم إزاحة الرئيس من رئاسة الجمهورية، ليخلو المنصب، ويصبح لهم لقمة سائغة شهية!
* ولكن هيهات هيهات، فقد جاءتهم الضربة بقرارات حاسمة قاصمة قوية لا تبقي ولا تذر مما خططوا له شيئا، فطار صوابهم، وجن جنونهم، وانكشفت للعالم كله سوءاتهم، فهذا كبيرهم الذي علمهم المكر يدعو الجيش إلى انقلاب عسكري، ويطير في المحافل الدولية يحرّض أمريكا والصهيونية العالمية والدول الأوربية بالضغط على مصر ورئيسها، ونسي أو تناسى أن مصر قد خرجت من التبعية وأصبحت بفضل ثورتها ورئيسها حرة أبية.
وهذا الذي خدعته النخبة الواهمة يومًا ما أنه قائد للثورة، وأنه أحق برئاسة الجمهورية، فصدق الوهم، وأصبح في ليل من الوهم مظلم، فراح يراهن على الإعلام الفاسد، ليثير الفتن، ويشعل النيران، حتى يتسنى له على حسب ما توهم حكم البلاد!
وآخر يمشي مزهوًا وينادي في غطرسة وكبر: لا تفاوض إلا بعد أن يُلغي الإعلان الدستوري، ونسي أن أمره قد افتضح وأنه جاء لتنفيذ مهمة خارجية لإرباك الرئيس، وشغله بمشاغل داخلية عن غزة لتصبح وحدها للعدو فريسة هنية.
* تلك أمثلة ممن افتضح أمرهم، ويوجد آخرون لا نعلمهم الله يعلمهم، كفانا الله شرهم، وجنّب البلاد مكرهم..
والسؤال هنا: هل لو تنازل رئيس الجمهورية عما اتخذه من قرارات بموجب الإعلان الدستوري، سيرجع هؤلاء عن موقفهم؟!
والجواب: لا.
لأن موقف هؤلاء بعد الإعلان الدستوري هو نفس موقفهم قبل الإعلان الدستوري ما تغير، فهم لا يرضيهم إلا أن يحكموا بعد أن يُقصى الرئيس عن الحكم.
ولذا: كان اعتراضهم اعتراض طمع وشهوة، لا اعتراض منطق وعقل، وأكاد أسمع من يقول إذا كان طمع هؤلاء في الحكم، فما شأن المتربصين الآخرين؟
والجواب: إن شأن المتربصين الآخرين أنهم قد تورطوا في الفساد، فيخشون على أنفسهم الفضيحة والحساب، فهم لا يحبون نهار الثورة، ويحاولون بكل ما أوتوا من قوة، وما عندهم من إمكانات أن يعيدونا ليل ما قبل الثورة فهم لا يحيون إلا فيه، ولا يجدون أنفسهم إلا في ظله.
والخلاصة:
لا هؤلاء، ولا من قبلهم يؤمنون بهذا النظام الجديد، لأنه في اعتقادهم: سيسلبهم سيادتهم وسلطانهم، ويطيح بمجدهم، ويحول بينهم وبين ما يشتهون.
* وأود أن لا يُفهم من الكلام أن كل من اعترض على قرارات الرئيس من المتربصين، كلا.. فهناك الكثير من المخلصين ممن اعترضوا على قرارات الرئيس بشرف، وبأسباب لها وجاهتها واحترامها، ولعلهم لو نظروا إلى القرارات المؤقتة في ضوء ظروفها الضرورية ودوافعها الحتمية، وما تهدف إليه من مقاصد كبرى لحماية الثورة من براثن الفلول، ومكائد المتربصين بها في الداخل والخارج، لكان لهم رأي آخر.
*بقي شيء لا بد أن يُعرف أن الثورة تمر بأخطر مراحلها، إنها بين المخلصين الساعين لحمايتها، لتستكمل مؤسساتها وتحقق أهدافها، وبين المتربصن بها لتعويق مسيرتها، وهدم كل ما قام واعتدل من مؤسساتها وبنيانها.
والله إنها للحظة فارقة بين حكم الهوى والبحث عن المصالح الخاصة، وحكم العقل والبحث عن المصالح العامة.
وإنها لساعة الحسم بين من يريد مصر بلا هُوية ويقودها إلى المسخ والتبعية، ومن يعيدها إلى جذورها وأصالتها ويحافظ على هُويتها لتعود مصر لمكانتها عزيزة حرة أبية.
بالأمس كنا لا نحب لمصرنا الحبيبة أن يقودها الإخوان، خشية التآمر عليها من الصهاينة والأمريكان.
واليوم: للأسف ويا للأسف نجد من بيننا ومن بني جلدتنا من هم أشد خطرًا وأسوأ مكرا على (مصرنا الحبيبة)، مما دار من قبل في الأذهان..
أناس جُلّ همها السلطة، ومن أجلها تحالفوا مع كل شيطان من الإنس والجان، واغتالوا المبادئ وداسوا القيم، وأثاروا الفتن وأحرقوا البلاد وأشعلوا النيران!
لكن الأمل في الله الواحد الأحد الذي تولى الثورة ورعاها من بدايتها، سيتولى أمرها ويرعاها إلى نهايتها، ويبعد عنها كيد الكائدين، وتربص المتربصين: {..لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:42].
إبراهيم التركاوي
- التصنيف:
- المصدر: