الملأ ومعاداة المشروع الإسلامي (خطبة مقترحة)
هم أشراف القوم وقادتهم ورؤساؤهم وساداتهم وأصحاب المال والترف، يقودون حملات الكذب والافتراء والتضليل منذ قديم الزمان.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
الغرض من الخطبة:
التعريض بموقف النخبة العلمانية في محاربتهم المشروع الإسلامي (1).
المقدمة:
- خلق الله الخلق لإقامة دينه في أرضه: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} [الذاريات: 56-58].
- أرسل الرسل لتحقيق ذلك في الناس: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل: 36].
- الملأ يتولون كبر المقاومة الأثيمة لدعوة الرسل الكرام: {وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون * وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين} [سبأ: 34-35].
عداوة الملأ للمشروع الإسلامي:
من هم الملأ؟
- هم أشراف القوم وقادتهم ورؤساؤهم وساداتهم وأصحاب المال والترف.
- يقودون حملات الكذب والافتراء والتضليل منذ قديم الزمان: {لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين} [الأعراف: 59-60]، وقالوا لنبيهم هود عليه السلام كما أخبر الله تعالى: {قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين} [الأعراف: 66].
- وكذلك كان موقف الملأ من قريش: {وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب * أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب * وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد * ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق} [ص: 4-7].
كذلك عندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف واجتمع بنفر منهم "وهم يومئذ سادة ثقيف وأشرافها" ردوه أقبح رد ولم يكتفوا بذلك! وإنما "أغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس".
أسباب عداوة الملأ للمشروع الإسلامي:
أولاً: الكبر:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الكبر بطر الحق وغمط الناس» (رواه مسلم)، فالكبر خلق ذميم يمنع الاعتراف بالفضل لأولي الفضل، ويمنع المتكبر من الرؤية الصحيحة لقدر نفسه فيراها فوق أقدار الناس فيستنكف أن يكون معهم أو تابعاً لأحد منهم، وقد يقترن الحسد مع الكبر فيزيد من آثاره سوءاً وصدوداً عن الحق وجحداً له، ومحاربة لأهله وعداوة لهم.
- كبرهم جعلهم يقلبون الحقائق ويأنفون عن الحق بحجة أن الأراذل اتبعوه: {فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشراً مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} [هود: 27].
- مطالبتهم بطرد حملة الدعوة الإسلامية من مجالس الصدارة استنكافاً من مشاركتهم: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً} [الكهف: 28].
- اعتقادهم أنهم أحق بالتوجيه والإرشاد: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم * أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخرياً ورحمت ربك خير مما يجمعون} [الزخرف: 31-32].
ثانياً: حب الرياسة والجاه:
الملأ يحبون الرياسة والجاه والتسلط على رقاب العباد؛ ولذلك فهم يعارضون كل دعوة تسلبهم مكانتهم بين الناس وتجعلهم تابعين كبقية الناس، وهم يتصورون أن قبولهم المشروع الإسلامي يسلبهم جاههم وسلطانهم؛ ولذلك يقاومونه ويعادونه، ويأتون بالأباطيل لتبرير عداوتهم.
ومن ذلك:
- اتهامهم حملة الدعوة الإسلامية أنهم يريدون علوا ورياسة وتعاظماً: {فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين} [المؤمنون: 24].
- وقال تعالى عن فرعون وملئه: {قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين} [يونس: 78].
- وقال تعالى عن الملأ من قريش: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد}، جاء في تفسير القرطبي رحمه الله: "أي يريد محمد بما يقول الانقياد له؛ ليعلو علينا ونكون له أتباعاً فيتحكم فينا بما يريد فاحذروا أن تطيعوه".
ثالثاً: الجهالة:
الملأ غارقون في الجهالة ولا يشعرون بجهالتهم، فهم يصفون المشروع الإسلامي بالرجعية والتخلف، ويرمون حامليه بالسفاهة وخفة العقل زاعمين أنهم لا يفهمون ولا يعلمون، وأنهم في سبيل هذا سيحاربونهم.
- التمسك بما عاشوا عليه ولو كان باطلاً: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} [الزخرف: 23]، {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون} [البقرة: 170].
- انتكاس الفهم والمعرفة: {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون} [الأعراف: 127] (2).
الملأ وخداع الجماهير:
- الجمهور أسرع من غيرهم إلى الاستجابة: {فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشراً مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي} [هود: 27]، وقال هرقل لأبي سفيان يوم اجتمع به في الشام: "وسألتك: أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم، فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل" (رواه البخاري).
- احتمال تأثر الجمهور بمكائد الملأ: {فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين} [الزخرف: 54]، وكما أخبر الله عنهم: {فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد} [هود: 97].
أسباب تأثر الجمهور بالملأ:
أولاً: الخوف:
- الملأ بيده القوة والنفوذ والمال يستطيع أن يرهب الجمهور: {فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين} [يونس: 83] (3).
ثانياً: الإغراء بالمال وحطام الدنيا:
- الملأ يلوحون به إلى الجمهور إن تابعوهم على باطلهم ورضوا بقيادتهم لهم: {ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون} [الزخرف: 51]، {قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً} [نوح: 21] (4).
ثالثاً: الشبهات:
- زعمهم حماية عقيدة الناس ومصالحهم ودفع الفساد عنهم: {وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} [غافر: 26]، ومثل هذا كان يقول الملأ من قريش من أن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد إفساد عقيدتهم وتسفيه آلهتهم؛ ولهذا فهم يقاومونه.
العاقبة لمن ...؟
- سنة الله البقاء والعاقبة لأهل الحق وزوال أهل الباطل: {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} [الرعد: 17]، {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد} [آل عمران: 196-197]، {إن الله لا يصلح عمل المفسدين} [يونس: 81].
- عاقبة من أطاع الملأ: {ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين * قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين * وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون} [سبأ: 31-33].
- عاقبة أهل الإيمان وحملة الدين: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} [القصص: 5-6]، {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً} [النور: 55].
فاللهم من أراد للإسلام خيراً فاجعل عز الإسلام على يديه، ومن أراد للإسلام والمسلمين سوءاً فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ومن أبرز ذلك في هذه الأيام: محاولاتهم خداع الجماهير من خلال ما يملكونه من سلطان ونفوذ وأموال وإعلام لرفض الدستور الجديد الذي هو مدخل لتطبيق أحكام الشريعة.
(2) كان وزير الثقافة في الحكم البائد لا يعرف عدد أركان الإسلام، قال معترضاً على الحجاب يوماً: "هو الحجاب من أركان الإسلام الأربعة"!
(3) كان أحد المرشحين للرئاسة من الملأ يزعم أنه يملك إعادة الأمن في 24 ساعة.
(4) كان أحد المرشحين للرئاسة من الملأ يزعم أنه يملك إصلاح الاقتصاد بمجرد فوزه.
23 محرم 1434هـ – 6 ديسمبر 2012 م
سعيد محمود
- التصنيف:
- المصدر: