فقاعة الدولار

منذ 2013-01-06

فقاعة الدولار المصرية تستند بالتأكيد لمشكلة اقتصادية حقيقية، لكنها لم تكن لتفعل هذا التراجع الشديد في سعر الجنيه ما لم تكن موجهة، إعلامياً، واقتصادياً، قد أثرا بقصد في إحداث تلك المشكلة بعد يوم واحد من خطاب الرئيس.


حينما تحدث الرئيس المصري عن مؤامرة وعن اعترافات للبلطجية الذين ألقي القبض على العشرات منهم جوار قصر الاتحادية، في أعقاب محاولات اقتحامه، لم تمض ساعات حتى أفرجت النيابة عنهم!

وعندما تحدث عن آمال بالاقتصاد مفنداً فكرة الإفلاس، سارعوا إلى سحب الدولار من السوق لإحداث فجوة بين العرض والطلب في اليوم التالي مباشرة!

لهذه الدرجة وأكثر يمكننا تخيل سطوة تل أبيب وَواشنطن في مصر، وقدرتهما على إحداث اختلالات في الأمن والاقتصاد وغيرهما إذا ما أريد لمصر أن تستقل.. إننا الآن نعاني من آلام مخاض معركة استقلال مصر التي ما زالت في بداياتها، وأحداثها تؤكد أن اقتصاد مصر كان مرهوناً بيد مستورثين لمقدرات مصر، جعلوا من مصر دولة تابعة يمكن تهديدها عبر هوامير الاقتصاد الغربيين أو المستغربين..

ارتفاع سعر الدولار الآن بهذه الطريقة الجنونية يذكرنا بالأوامر الأمريكية التي صدرت في أعقاب اندماج مجموعتي الريان والسعد برأس مالٍ ضخم أوشك أن يسيطر على السوق المصري بعيداً عن نفوذ الأمريكيين..

حينها صدرت الأوامر بتصفية شركات توظيف الأموال بأي طريقة؛ فأطلقت الآلة الأمريكية الإعلامية في مصر -كانت حينها تقتصر على وسائل الإعلام الرسمية- بأن تطلق شائعة خسارة مجموعة الريان نتيجة مضاربتها في البورصات العالمية، وحثت بشكل غير مباشر المودعين على طلب رد ودائعهم دفعة واحدة، وهو ما أدت الاستجابة الجماهيرية له بالفعل إلى اختناق هذه الشركات وعجزها عن السداد؛ فوضعت الدولة يدها عليها باسم المدعي العام الاشتراكي، والذي بدأ بتصفية الشركات وطرح أصولها للبيع بثمن بخس، واشتراها في الجملة -أو الغالبيةـ رجال أعمال موالون للنظام وللأمريكيين..

في أعقاب ذلك، مثلما هو معروف؛ بدأ التحول الاقتصادي الخاص المصري من التنوع، المشتمل على التنمية والاقتصاد النافع من زراعة وثروة حيوانية ومصانع وكسر لاحتكار الغرب لسلع معينة في السوق المصري، لاسيما الغلال وغيرها، ونشر ثقافة دينية ووطنية، وسد حاجة السوق المصري بإنتاج سلع بشراكات خارجية كما السيارات والأجهزة الكهربية.. الخ

بدأ التحول من هذا الاقتصاد إلى آخر هش يتمثل في احتكارات الصناعات الترفيهية والاستهلاكية، ومع دخول شبكات الهواتف المحمولة وفتح البورصة لمدينة الإنتاج الإعلامي وغيرها ضخت أموال المصريين في استثمارات هشة، وفي جيوب مستثمرين غير بعيدين عن الاستراتيجية الأمريكية للاقتصادات العربية.

الآن..

بعد يوم واحد من الحديث عن الصناعات اللوجيستية حول قناة السويس، وتحولها إلى "دبي" أو "سنغافورة" إفريقيا، حدثت هذه الهزة العنيفة للدولار، وشعر المستثمر بالخوف، وتعويلاً على جبن رؤوس الأموال، وهو أمر اعتيادي؛ فإن الدعاية السوداء التي شنتها فضائيات المارينز ومؤسسات غسيل الأموال الإعلامية قد آتت أكلها، علاوة على جهود كل من "د. البرادعي" في دعوة الدول الغربية إلى الضغط على مصر من أجل نسف الخيار المصري، واستيراد دستور ترضى عنه "البنود الآمرة في القانون الدولي"، والتي تشدد على أمور تناقض هوية مصر تماماً، وتضمن بقاءها في حيز التبعية..

كذلك؛ فإن لقاءات المعارضة ورموزها مع الجهات الأجنبية الراغبة بالاستثمار في مصر أحدثت أثرها السلبي البالغ، الذي لم يقتصر على ضخ الاستثمارات، وإنما على امتناع بعض الدول مثل ألمانيا على إسقاط ديون مستحقة على مصر، أو إطلاع مصر على حقوقها المنهوبة في سويسرا، وتعثر مفاوضات قرض صندوق النقد الدولي.

فقاعة الدولار المصرية تستند بالتأكيد لمشكلة اقتصادية حقيقية، لكنها لم تكن لتفعل هذا التراجع الشديد في سعر الجنيه ما لم تكن موجهة، إعلامياً، واقتصادياً، وفي العامل الأخير منهما؛ فإن الاقتصاد بشقيه المصرفي الرسمي، ورجال الأعمال المهيمنين على السوق المصري، قد أثرا بقصد في إحداث تلك المشكلة بعد يوم واحد من خطاب الرئيس الذي كان يفترض معه -لو كان لدينا مصرفية وإعلام وطنيين- أن يهرعا إلى بعث الطمأنينة في نفوس المستثمرين والمصريين على حدٍ سواء..

لكن لأن كثيراً منهما ليسوا كذلك؛ فقد "بشرونا" بـ"ثورة الجياع" وَ"الانهيار الاقتصادي" وبثّوا سيلاً متدفقاً من الشائعات المدمرة للاقتصاد بما من شأنه أن يُحبِط كل مساعي التعافي للاقتصاد المصري..

إن منطقة استثمارية كبرى حول القناة تعني تلقائياً أمناً اقتصادياً وعسكرياً لمصر وحدودها، وفرصة كبرى لإعمار سيناء، وقطع كل أماني تل أبيب في إعادة احتلالها مرة أخرى، ويعني أن بعض المدن المخملية العربية -أعني دبي تحديداً- ستفقد جزءًا من وظيفتها في الاقتصاد العالمي الموجه..

لا تبحثوا من بعد ذلك في التفاصيل!
 

  • 12
  • 0
  • 1,619

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً