شُبهة شَبه بين شكري وبشار

منذ 2013-01-21

يلتقيان بحرفين هما الشّين والرّاء، ويبتعدان بعدهما عن بعضهما بكلّ شيء، شكري القوتلي اجتاز تاريخ نضال طويل من أجل الوطن، قبل أن يتولّى رئاسة سورية الوليدة مرّتين، اختاره الشّعب، وراقب أداءه البرلمان...


يلتقيان بحرفين هما الشّين والرّاء، ويبتعدان بعدهما عن بعضهما بكلّ شيء، شكري القوتلي اجتاز تاريخ نضال طويل من أجل الوطن، قبل أن يتولّى رئاسة سورية الوليدة مرّتين، اختاره الشّعب، وراقب أداءه البرلمان، أحاط به نجوم السّياسة والوطنيّة في عصره في منافسة لتقديم الأفضل لشعبهم وبلدهم، عاصره أصحاب القامات السّامقة في الاستقامة والنّزاهة والزّهد والنّضال (هاشم الأتاسي، جميل مردم، سعد الله الجابري، إبراهيم هنانو، فارس الخوري، صالح العلي، سلطان باشا الأطرش، مصطفى السباعي، ناظم القدسي، معروف الدواليبي..... ).

قائمة طويلة من النّخبة الذين أضاؤوا سماء بلادهم، فكانوا مَشاعل أنارت سبل التّحرّر من الاستعمار والتّبعيّة، حملوا همّ الوطن وهمّ المواطن، وأخلصوا لهما.

لم يتّخذوا السّياسة تجارة، ولا المَنصِب وجاهة، ولا المسؤوليّة تسلّطاً وغنيمة. لم يستأثروا بالسّلطة، ولم يضيقوا بالنّقد. مات شكري ولم يتملّك داراً، وعاش سعد الله الجابري زاهداً في الرّاتب المخصّص له من الدّولة كرئيس وزراء، ليتولّى الإنفاق عليه ابن شقيقه.

رحل شكري ولم نسمع بشكري الابن، ورحل سعد، ولم نسمع بقريب لسعد يرث المنصب الشّاغر.


أمّا والد بشار فقد نفَق بعد تاريخ حافل بالخيانة والعَمالة والتآمر، وبعد أن قام بسلسلة طويلة من الجرائم والاغتيالات والتّصفيات الفرديّة والجماعيّة طالت البعيد والقريب، الشّخصيات والمدن، الرّفاق والمعارضين، داخل سورية وخارجها، أعاد فيها الأعمال الوحشيّة للحشّاشين والقرامطة والتّتار وبزّهم في ذلك بأسلحته الفتّاكة.

واختارت بشار القوى التي اختارت أباه من قبل، ليمضي في الطّريق نفسه، يحفظ الأسرار ويُنجز الوعود، أبعدت عنه المنافسين، ونصّبه الأزلام والمرتزقة والشّبيحة بقوّة السّلاح، وصفّق له مجلس مأجور -بعد تعديل سريع للدّستور الذي لا يجيز له الرّئاسة بسبب السّن- وهو نفس المجلس الذي عدّل الدّستور لأبيه من قبل، أكثر من أربعين عاماً ومجلس الشّعب المزوّر يصفّق بلا هوادة للابن وأبيه، حتى كلّت الأيدي، وعميت الأبصار، وتألّه القائد، وصار الشّعب ملكًا للرّئيس، وغدت سورية مزرعة خاصّة لآل الأسد وأنسبائهم؛ إذ لا قرابة دم تجمعهم مع أحد في سورية.


الرّئيس شكري القوتلي يرحمه الله تنازل عن الرّئاسة وأمجادها، وأنهى حياتِه السّياسيّة رُغم تاريخ النّضال الطّويل من أجل إتمام الوحدة بين مصر وسورية، وفي خطاب تسليم الرّئاسة لجمال عبد الناصر أظهر ما يكنّه من حبّ وتقدير لشعبه، قال لعبد الناصر: "سكان سورية خمسة ملايين نسمة نِصفهم زعماء ونِصفهم قدّيسين"، وفي رواية أخرى أو في حديث جانبيّ في المناسبة إيّاها قال له: "أسلّمك خمسة ملايين مواطن سوريّ كلّ واحد منهم يعتبر نفسه رئيساً للجمهورية".

فأيّة عزّة وأيّة كرامة يَستشعرها المرؤوس من ذاك الرّئيس.

أمّا بشار فقد قتل الأطفال والنّساء والشّيوخ، ومثّل بأجسادهم الطّاهرة شرّ تمثيل، هدَم المدن والقرى السّوريّة على رؤوس ساكنيها، قَصفت طائراته وراجماته طوابير المتسوّقين الصّائمين أمام المخابز والحوانيت ليختلط الدّم الطّاهر واللّحم البريء برغيف الخبز المأمول قبل الإفطار في توقيت مُتعمّد لئيم، لم يرفّ له جفن، ولم تتحرّك لديه ذرّة من إنسانيّة، بل كان في كلّ ذلك يظهر البِشْر والافتتان والفخر بما يَقوم به، فكأنّه من طِينة غير طِينة البشر، لا يملك إحساساً ولا شعوراً، يأتي إلى مجلس الشّعب إيّاه بعد كلّ مجزرة يقوم بها شبّيحته ليُوزّع الابتسامات البلهاء على الواقفين في مدرّجات المجلس على رؤوس أصابعهم ليملؤوا عيونهم من رؤية طبيبِ العيون قاتل الأطفال وأمّهاتهم، الذي يصف الشّعب الثّائر بالجراثيم التي يجب القضاء عليها، ويُطلق أعضاء المجلس المحترمون العنان للنّعيق المَقيت والتّصفيق البليد إمعاناً في النّفاق، وازدراء للقِيَم الإنسانيّة التي يجتمع عليها البشر من كلّ جنس ودين.


ينقل بشار وحدات الجيش السّوريّ من الجبهة مع العدوّ الصّهيونيّ -التي مُنعت على مدى نصف قرن من تأدية واجبها في الدّفاع عن الوطن- لتُباد في حرب مع أهلها وتبيدهم في أحياء وحواري المدن السوريّة، وابتدع لنا مَشاهد تُروّيع ووحشية لم ترها عين بشريّة من قبل، ارتسم فيها الفزع والذّهول في كلّ ما هو مرئيّ على الشّاشة الأسديّة التي تعرض علينا وعلى العالم ليلاً ونهاراً دون توقّف، لا يُحيط بهولها واصف بليغ ولا رسّام ماهر.

في البداية كان المجرمون من الشبّيحة يطؤون على ظهور الأطفال وبطونهم ورؤوسهم بأحذيتهم، وغدوا في المراحل التّالية يطؤون على الأطفال بالدّبابات والمجنزرات التي تخترق شوارع المدن والأحياء، جريمتهم الوحيدة أنّهم طالبوا بالإصلاح، فلم يستجب لهم، خرجوا بمظاهرات سلميّة واجهتها السّلطة الغاشمة بالرّصاص الحيّ، انشقّ ضباطٌ شرفاء وجنود ذوو حميّة، حاولوا أن يردّوا عن أهلهم سوء العذاب، فاتّهمهم بشار بأنّهم جماعات إرهابيّة مسلّحة، ولفّق لهم إعلامه الكاذب كلّ التّهم المشينة.


كانت وسائل الإعلام العالميّة تنقل لنا كلّ يوم أعداد الشّهداء، وانتهى بها المطاف إلى إحصاء المجازر الجماعيّة بعد أن استباحت غيلان الوحش كلّ المحرّمات، تحوّل الشّعب السّوريّ الصّبور إلى قوافل من الفارّين والهائمين على وجوههم، وإلى أعداد لا تُحصى من المعتقلين والمعذّبين، ضاقت بهم السّجون والمعتقلات المعروفة، وغيّبتهم الأقبية المظلمة المجهولة، وحوت الفائض منهم المدارس التي أُبعد منها العلم والتّعليم، تحيط بهم قطعان الشّبيحة تُمارس عليهم أقبح ما تنتجه ابتكارات المهووسين بالقتل والجريمة.

وتنطلق كلاب بشار المسعورة تبحثُ عن الجرحى والمُصابين لتُجهز عليهم في المشافي التي نُقلوا إليها في غَيبة الرّقيب، ومن يَسلم من ذلك كلّه تقوده المسالك الوعرة تحت خطر الإبادة إلى المَنافي التي ترحم في مكان، ولا ترحم في مكان آخر، ليت الضمير العالمي يستيقظ، وليت المُتفرّجين العرب ينهون فُرجتهم بعمل يُساعد على إنقاذ المنكوبين.


دمشق، دوما، حرستا، المعضمية، حلب، حمص، حماة، درعا، الرستن، إدلب، جسر الشغور، سراقب، دير الزور، إعزاز، الحولة، الحراك، تفتناز.....

كلّها مدنٌ وبلدات مَنكوبة، فماذا أُعدّد يا بلادي؟

هذه المدن الحبيبة وهذه البلدات الوديعة بناسها الطّيّبين أعطت آل الأسد ما لم تُعطه لأحد من قبل، كلّ خيراتها لهم، كلّ تَصفيقها لهم، احتضنت تماثيلهم وأصنامهم في ساحاتها، أعطت باطن أرضها لهم، جعلتها مكبّاً لنفايات العالَم النّوويّة من أجل عيونهم، نفط سورية لهم، معادن سورية لهم، ذهب سورية وفضّتها لهم، الضّرائب لهم، كلّ ما يُستحسَن على الأرض السّوريّة لهم، بُحّت حناجر أطفالها من ترديد الشّعارات الكاذبة للوحدة والحريّة والاشتراكيّة وتحيّة القائد المُعجزة كلّ صباح، وجوزيت سورية منهم شرّ الجزاء.


قيل لماهر في بدء التّظاهرات: كيف ترى الحلّ؟

قال بكلّ الصلف والبذاءة: "بيي أخذ الحكم بالقوّة، والرّب بزاته (بذاته) ما بياخذ الحكم منّا". حاشا لله وعلا علواً كبيراً، وقال: "عندما حكم بيي سورية كان عدد سكانها سبعة عشر مليون نسمة، ومُستعدّون لإرجاع العدد إلى ما كان عليه في ذلك الوقت"؛ أي إنّ لديه الاستعداد لقتل (10) عشرة ملايين نسمة من مواطني سورية ليبقى شقيقه في الحكم، ولا يدري الغبيّ أنّ عينَ الله لا تَنام، وأنّ الله يُمهِل ولا يُهمِل، ولا يَعي الأبله سُنّة الله في استدراج الظّالمين، وأنّ الظّلم عاقبته وخيمة.

هيهات له أن يفهم هذا، وهيهات له أن يَنال ما يُريد، فوعدُ الله حقّ، هو وحده سبحانه بيده الأمر كلّه وهو القائل: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ الله أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} [الأنفال:7]، وهو سبحانه القائل: {وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55]، وهو القائل سبحانه: {فِي بِضْعِ سِنِينَ لله الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ الله يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم:5-4].


إنّ مَعاقل الثوّار في سورية الأبيّة تُسطّر اليوم بحمد الله وتوفيقه بدايةَ النّهوض لهذه الأمّة التي اجتازت -بعد سُباتها الطّويل- المَنطقة الرّماديّة التي اختلط فيها رُكامٌ هائلٌ من الغبش في الرّؤية، والحيرة في القرار، وَ وصلت إلى خيارها الصّحيح في الوقوف مع الحقّ ضدّ الباطل والظّلم، ومع الحريّة ضدّ العبوديّة والذّلّ، ومع الإيمان ضدّ الجحود والكفر، ومع الصّدق ضدّ الكذب والتّدليس، إيماناً بوعدِ الكريم الرّحيم الرّحمن المنّان: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران:196-197].

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين..


أحمد ملحم الشمري
 

  • 2
  • 0
  • 1,348

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً